الفصل العاشر

التجديد

التجديد هو قدرة الكائن الكامل النمو على استبدال الأنسجة والأعضاء والزوائد. تُظهِر بعض البرمائيات، مثل السمندل، قدرةً غير عادية على التجديد؛ حيث تكون قادرة على تجديد ذيول وأطراف جديدة كاملة، وكذلك بعض الأنسجة الداخلية. يمكن لبعض الحشرات والمفصليات تجديد الزوائد المفقودة، مثل الأرجل. وهناك حالة أخرى لافتة للنظر من التجديد في الفقاريات؛ وهي سمك الزرد، الذي يمكنه تجديد القلب بعد إزالة جزء من البُطين. تكون القدرة على التجديد أكثر تقييدًا في الثدييات، فيمكن لكبد الثدييات أن ينمو مرة أخرى بعد إزالة جزء منه، ويتم إصلاح كسر العظام بعملية تجديدية. ويتمتع الكائن المائي البسيط «الهيدرا» والمستورقات (الديدان المسطحة) بقدرات تجديدية هائلة.

ما هي آلية التجديد، ولماذا تكون بعض الحيوانات قادرة على التجديد والبعض الآخر لا؟ فَهْم آلية التجديد يمكن أن يؤدي إلى التقدم في تطوير الطرق الطبية لإصلاح الأنسجة مثل قلب الثدييات والحبل الشوكي. وقد تم التمييز بين نوعين من التجديد: تجديد المقطوع، الذي ينطوي على نمو جزء جديد صحيح التنميط مثل أحد الأطراف، وتعويض الشكل، الذي يَحدث فيه مقدار قليل من الانقسام الخلوي الجديد والنمو. ويَحدث تجديد البِنى أساسًا بواسطة إعادة تنميط النسيج الموجود بالفعل؛ ويُعد تجديد الرأس في الهيدرا مثالًا جيدًا لهذا النوع. في تجديد المقطوع، ترتبط قيم موضعية جديدة بالنمو في السطح المقطوع، بينما في تعويض الشكل يتم أولًا إنشاء منطقة حدودية جديدة عند القطع، ثم يتم تحديد قيم موضعية جديدة تتعلق بها.

يتبع بترَ أحد أطراف السمندل هجرةٌ سريعة لخلايا البشرة من حواف الجرح لتكوين غطاء فوق سطح الجرح، ثم تتكون كتلة من الخلايا تسمى أرومة التجديد تحت غطاء البشرة، وهذه الكتلة هي التي يتولَّد عنها الطرف المُجدَّد. تتكون أرومة التجديد من خلايا أسفل بشرة الجرح، وهي التي تتخلى عن صفتها المتمايزة وتبدأ في الانقسام، وتشكل في نهاية المطاف مخروطًا ممدودًا. وبينما يتجدد الطرف خلال فترة قوامها عدة أسابيع، تتمايز خلايا أرومة التجديد إلى غضروف وعضل ونسيج ضام. تنشأ خلايا أرومة التجديد من أنسجة اللُّحمة المتوسطة للجدعة، بالقرب من موضع البتر.

هل تبقى الخلايا المتمايزة إلى غضروف وعضلات في الطرف المتجدد لسمندل الماء من نفس النوع الأصلي، أم تتمايز إلى نوع مختلف تمامًا من الخلايا؟ هل تستطيع خلايا العضلات الهيكلية التي فقدت التمايز في الجدعة أن تُعيد التمايز كخلايا غضروفية، على سبيل المثال؟ أوضحت التجارب الحديثة على الأطراف المتجددة أن خلايا أرومة التجديد لم تَعُد إلى حالة القدرة المتعددة، وإنما احتفظت بإمكانية محدودة للنمو بالنسبة إلى أصلها. اقتفى الباحثون مصير أنواع الأنسجة الفردية في طرف متجدد عن طريق إنتاج حيوانات تُعبِّر عن بروتين أخضر فلوري في جميع خلاياها، وقد تم استزراع رُقَع من أنسجة هذه الحيوانات في الأطراف الأمامية لحيوان غير ملون. بعد ذلك تم بتر الطرف الأمامي بطول موقع الاستزراع، وأمكن بعدها اقتفاء مصير الخلايا المنزرعة التي تتوهج باللون الأخضر أثناء تجدد الطرف. لقد احتفظت الخلايا بهويتها. المثال الكلاسيكي لتمايز الخلايا إلى نوع خلوي مختلف تمامًا يوجد في تجديد عدسة عين سمندل الماء البالغ؛ فعند إزالة العدسة تمامًا بواسطة الجراحة، تتجدد عدسة جديدة من خلايا الظهارة المنصبغة للقزحية.

يعتمد نمو أرومة التجديد على إمداداتها العصبية؛ ففي أطراف البرمائيات التي يتم قطع الأعصاب فيها قبل البتر، تتكون أرومة تجديد ولكنها تفشل في النمو. لا يوجد تأثير للأعصاب على خصائص أو نمط العضو المتجدد، ولكن تَبيَّن أنها تمثِّل عاملَ نموٍّ ضروريًّا. من الأمثلة المبهرة لتأثير الأعصاب على تجدد أطراف البرمائيات أنه إذا قُطع عصب طرفي رئيسي، مثل العصب الوركي، وأُدخل الفرع في جرح في طرف أو على سطح الخاصرة المجاورة؛ يتكون طرف زائد عند هذا الموقع. وهناك ظاهرة مثيرة للاهتمام ولكنها لم تفسر بعد، وهي أنه إذا زُودت أطراف سمندل الماء الجنينية بالأعصاب في مرحلة مبكرة جدًّا من نموها — وبذلك تصبح غير معرَّضة لتأثير الأعصاب — يكون بإمكانها التجديد في ظل الغياب التام لأيِّ إمداد عصبي.

يحدث التجديد دائمًا في الاتجاه البعيد عن سطح القطع. فإذا بُترت اليد عند الرسغ، تتجدد عظام الرسغ والأصابع فقط، في حين إذا كان بتر الطرف عند منتصف العضد، فإن كل ما هو بعيد عن القطع سوف يتجدد؛ ومن ثم يكون للقيم الموضعية على طول المحور القريب-البعيد أهمية قصوى، ويتم الاحتفاظ بها جزئيًّا على الأقل في أرومة التجديد. لأرومة التجديد إمكانية نمائية مستقلة بدرجة كبيرة، فإذا استُزرعت في مكان محايد يسمح بالنمو، فهي تُنشئ بنية مناسبة للموضع الذي أُخذت منه.

تظهر قدرة الخلايا في التعرف على أي انقطاع في القيم الموضعية من خلال تطعيم أرومة تجديدية بعيدة في جدعة قريبة. في هذه التجربة تكون لجدعة الطرف الأمامي وأرومة التجديد قيمتان موضعيتان مختلفتان، تقابلان الكتف والمعصم على التوالي، وتكون النتيجة وجود طرف طبيعي تكون فيه الأجزاء التي بين الكتف والمعصم قد تولدت بواسطة النمو بين المنطقتين، وأغلبها من الجدعة القريبة.

ثمة سؤال أساسي في أي مناقشة حول تشكيل الأنماط، وهو يتعلق بالأساس الجزيئي للمعلومات الموضعية المقترحة. حَدَثَ تقدُّم بحثي كبير تَمثَّل في تحديد أحد بروتينات سطح الخلية، البروتين Prod1، الذي يعبَّر عنه بطريقة متدرجة على طول المحور القريب-البعيد — الكتف إلى اليد — لطرف سمندل الماء. يمكن جعل الموضع القريب-البعيد لأرومة التجديد أكثر قربًا بالمعالجة بحمض الريتينويك، الذي يزيد من تركيز البروتين Prod. إن تعريض طرف متجدد مبتور عند المعصم لحمض الريتينويك يَنتج عنه أن تصبح القيم الموضعية لأرومة التجديد متقاربة؛ لأن البروتين Prod1 قد ازداد، ويتجدد الطرف كما لو كان قد بُتر عند موضع أكثر قربًا، وينمو طرف كامل تقريبًا من المعصم (الشكل ١٠-١).

يمكن لأرجل بعض الحشرات، مثل الصرصور وصرصور الليل، أن تتجدد. ويتبع تجدد أرجل الحشرات نمط تجديد المقطوع الذي يشمل تكوُّن أرومة التجديد والنمو؛ ومن ثم يبدو أن إقحام قيم موضعية هي سمة خاصة بأنظمة التجديد من نوع تجديد المقطوع. عند وضع خلايا متفاوتة في القيم الموضعية بعضها بجوار بعض، يحدث نمو بَينيٌّ «مُقحَم» من أجل تجديد القيم الموضعية المفقودة. ويكون الإقحام واضحًا على وجه الخصوص في حالة تجديد أطراف الصرصور؛ حيث تتكون رجل الصرصور من قطع مرتبة على طول المحور القريب-البعيد على الترتيب التالي: الوَرِك ثم الفَخِذ ثم الساق ثم رسغ القدم. ويبدو أن كل قطعة تحتوي على مجموعة مماثلة من القيم الموضعية، وسوف تقوم بإقحام القيم الموضعية المفقودة.

fig30
شكل ١٠-١: تم بتر الطرف عند اليد (الخط المتقطع) وعولج موضع البتر بحمض الريتينويك خلال التجديد؛ مما أعطى لسطح القَطع قيمة موضعية أكبر؛ وبذلك تتجدد الأجزاء المقابلة للقطع عند النهاية القريبة للعضد.

الجهاز العصبي الطرفي في الثدييات لديه قدرات كبيرة على التجديد في البالغين، وهذا التجديد يتضمن إعادة نمو المحاور العصبية؛ ولكن ليس استبدال الخلايا نفسها بواسطة الانقسام الخلوي. يمكن للمحاور العصبية للعصبونات الطرفية في الفقاريات البالغة — مثل المحاور العصبية الحركية والحسية التي تجري بين الحبل الشوكي ونهايات الأطراف — أن تصل إلى مئات السنتيمترات في الطول. وإذا أصاب مثل هذا المحور العصبي قَطْعٌ، يتكون مخروط نمو جديد عند سطح القطع وينمو في مسار العصب الأصلي لعمل وصلات وظيفية؛ مما يَنتج عنه استعادة الوظيفة بالكامل تقريبًا. في حالة العصبونات الحركية، تجد نهاية المحور موضع المشبك الأصلي على الخلية العضلية. على العكس من ذلك، لا يستطيع الجهاز العصبي للطيور البالغة والثدييات القيام بعملية التجديد.

الهيدرا حيوان بسيط يعيش في المياه العذبة، ويتكون من جسم أنبوبي أجوف طوله حوالي نصف سنتيمتر، ينقسم إلى منطقة الرأس ومنطقة قاعدية؛ وهي التي يلتصق بها على الأسطح. تتكون الرأس من منطقة مخروطية صغيرة يفتح عندها الفم، وتحيط بها مجموعة من اللوامس المستخدمة في اصطياد الحيوانات الصغيرة التي يتغذى عليها الهيدرا. لدى الهيدرا طبقتان فقط من الخلايا الجنسية: طبقة ظهارة خارجية، تقابل الأدمة الظاهرة؛ وظهارة داخلية تبطن تجويف المِعى، وهي تقابل الأدمة الباطنة. والسبب الذي يجعلنا ننظر إلى التنميط والتجديد في الهيدرا هو أنه يمنحنا نظرة ثاقبة لمنطقة تنظيمية وتدريجات نمائية نشأت في وقت مبكر من تطور النمو الحيواني. من المرجح أن أنماط الجسم المعقدة للحيوانات الأخرى قد تطورت من خطة جسدية بسيطة مثل جسم الهيدرا، ويبدو أن الجينات التي تم تحديد أهميتها في نمو أجنَّة الفقاريات قد تكون مساهمة في التجديد عند الهيدرا.

يكون الهيدرا جيد التغذية في حالة ديناميكية من النمو المستمر وتشكيل الأنماط، وهو يتكاثر لا جنسيًّا بواسطة التبرعم. ولكن يستطيع الهيدرا في الأوقات الصعبة أن يتكاثر جنسيًّا. يحدث التبرعم على بُعد حوالي ثلثَي المسافة من طول جسمه؛ إذ ينقلب جدار الجسم عن طريق تغيير تخليقي في شكل الخلية ليكوِّن عمودًا جديدًا يُنمي رأسًا في النهاية، ثم ينفصل بوصفه هيدرا جديد صغير.

إذا قُطع عمود جسم الهيدرا مرتين بشكل مستعرض لعمل ثلاث قطع، فسوف تُجدِّد القطعة السفلى رأسًا وتجدِّد القطعة العليا قدمًا، وهكذا يكون الجزء الذي تُجدده الخلايا عند سطح القطع يعتمد على موقعها النسبي من قطعة التجديد. أما القطعة المتوسطة فهي تكوِّن رأسًا عند سطح القَطْع الأقرب للرأس الأصلي؛ ويوضح هذا أن الهيدرا لديه قطبية إجمالية محددة بشكل جيد. لا يتطلب التجديد في الهيدرا انقسامًا خلويًّا ونموًّا جديدًا؛ ولذلك فهو تجديد من نوع تعويض الشكل. وعندما يتجدد جزء قصير من العمود، لا توجد زيادة مبدئية في الحجم ويكون الحيوان المتجدد هيدرا صغيرًا، وبعد التغذية فقط يصبح الحيوان في الحجم الطبيعي.

fig31
شكل ١٠-٢: يمكن لجزءٍ مأخوذ من منطقة رأس الهيدرا أن يُنتج رأسًا جديدة عند تطعيمه في جسم حيوان هيدرا آخر.
في بداية القرن العشرين، اكتشف باحثون أن تطعيم جزء صغير من منطقة رأس الهيدرا في منطقة الجسم الخاصة بهيدرا آخر؛ أنتج رأسًا جديدًا كاملًا مزودًا بلوامس ومحور للجسم (الشكل ١٠-٢). وبالمثل فإن زرع جزء صغير من المنطقة القاعدية أنتج عمودَ جسمٍ جديدًا به قرص قاعدي عند نهايته؛ لذلك نجد أن لدى الهيدرا منطقتين منظِّمتين — واحدة عند كل نهاية — وهما اللتان تمنحان الحيوان قطبيته العامة. تعمل منطقة الرأس والقرص القاعدي كمنطقتَي تنظيم مثل منظم سبيمان في البرمائيات، ومناطق الاستقطاب في براعم أطراف الفقاريات. ترجع وظيفة التنظيم في منطقة الرأس لإشارتين على الأقل تنتجهما الرأس وتعملان بطريقة متدرجة إلى أسفل عمود الجسم: إشارة تثبِّط تكوين الرأس، والأخرى تحدد تدريجًا للقيم الموضعية، وهو ما يحدد المستوى اللازم لتثبيط تكوين الرأس.

إذا كان مستوى المثبِّط أكبر من العتبة التي حددتها القيمة الموضعية؛ فحينئذٍ يُمنَع تجدد الرأس. تتسبب إزالة الرأس في انخفاض في تركيز المثبِّط، وعند انخفاض المثبِّط تحت مستوى تركيز العتبة التي حددتها القيم الموضعية المحلية، تزداد القيم الموضعية إلى مستوى نهاية الرأس، وهكذا تكون الخطوة الأساسية الأولى في هذا التجديد التعويضي، عند إزالة منطقة الرأس، هي تحديد منطقة رأس جديدة عند سطح القطع. وعندما تزداد القيم الموضعية إلى مستوى منطقة الرأس الطبيعية، تبدأ الخلايا في صنع المثبِّط، وبهذا تمنع تكوين رأس في مناطق الجسم الأخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤