الفصل الرابع

التخلُّق

تمر جميع أجنَّة الحيوانات بتغيرات هائلة في الشكل أثناء نموها المبكر، ويَحدث هذا في الأساس أثناء عملية تكوُّن المُعيدة، التي تحوِّل صفيحةً ثنائية الأبعاد من الخلايا إلى الجسم المعقد الثلاثي الأبعاد للحيوان، وتتضمن عملية إعادة الترتيب الجذرية لطبقات الخلايا والحركة الموجهة للخلايا من مكان إلى آخر. إذا صح تشبيه تشكيل الأنماط برسم لوحة بالألوان، فإن التخلُّق يكون أقرب إلى تشكيل كتلة من الصلصال عديمة الشكل إلى شكل مميز يمكن التعرف عليه.

التغيير في الشكل هو إلى حدٍّ كبير مشكلةٌ في آليات الخلية، ويستلزم وجود قوًى تعمل على إحداث التغيير في شكل الخلية وتمكين الخلايا من الهجرة. توجد خاصيتان أساسيتان للخلية تشاركان في إحداث التغيير في الشكل الجنيني للحيوان؛ هما: الانقباض الخلوي، والالتصاق الخلوي. يمكن أن يؤدي انقباض أحد أجزاء الخلية إلى تغير شكلها. تحدث التغيرات في شكل الخلية بواسطة قوًى يُنتجها الهيكل الخلوي، وهو إطار بروتيني داخلي يتكون من خيوط. تلتصق الخلايا الحيوانية بعضها ببعض، وبالنسيج الداعم الخارجي الذي يحيط بها (المصفوفة خارج الخلوية)، من خلال تفاعلات تشمل بروتينات سطح الخلية؛ ومن ثم يمكن للتغير في بروتينات الالتصاق عند سطح الخلية أن يحدد قوة التصاق الخلايا بعضها ببعض ونوعيته. وتؤثر هذه التفاعلات الالتصاقية على التوتر السطحي للغشاء الخلوي، وهي خاصية تسهم في آليات سلوك الخلية. وممكن أن تهاجر الخلايا أيضًا، ويلعب الانقباض دورًا محوريًّا في هذا الأمر. هناك قوة إضافية تعمل أثناء التخلُّق — خصوصًا في النبات وأيضًا في بعض جوانب التخلق الجنيني في الحيوانات — وهي الضغط الهيدروستاتي الذي يسبب تمدد الخلايا. في النبات لا توجد حركة أو تغيُّر في الشكل، ويَحدث التغير في الشكل بواسطة الانقسام الخلوي الموجَّه وتمدُّد الخلايا. كما يلعب الانقسام الخلوي أيضًا دورًا حيويًّا في تغير شكل الحيوان.

يمكن للانقباضات الموضعية أن تغيِّر شكل الخلايا وأيضًا شكل الصفيحة الموجودة بها؛ فمثلًا، يحدث طي أي صفيحة خلوية — وهذه خاصية شائعة جدًّا في النمو الجنيني — بسبب تغيرات موضعية في شكل الخلية (الشكل ٤-١). يتسبب الانقباض في ناحية واحدة من الخلية في جعلها تأخذ شكلًا يشبه الوتد؛ وعندما يحدث هذا في عدد قليل من الخلايا الموجودة في صفيحة، يحدث انثناء في تلك البقعة، مغيِّرًا شكل الصفيحة. تتولَّد الانقباضات الخلوية الموضعية بواسطة خيوط بروتينية تشبه تلك الموجودة في العضلات، ولكن أبسط منها. يمكن أيضًا لتغيير نقاط الاتصال بين الخلايا أن يُحدث تغييرًا في الشكل العام، ويمكنه أن يسمح بانفصال مجموعات من الخلايا.
fig13
شكل ٤-١: الانقباض الموضعي لخلية في صفيحة يمكن أن يُحدث تغيرًا في شكل الصفيحة؛ مما يجعلها تنثني.

يمكن لكثير من الخلايا الجنينية أن تهاجر لمسافة طويلة جدًّا، مثل خلايا العرف العصبي. وهي تتحرك عن طريق مدِّ طبقة سيتوبلازمية تشبه صفيحة رقيقة؛ أو زوائد طويلة دقيقة تُسمَّى أقدامًا خيطية، تعلق على السطح الذي تتحرك عليه. يتم دفع كِلا هذين التركيبين المؤقتين إلى خارج الخلية بواسطة مجموعة من خيوط هيكل الخلية، ثم يؤدي انقباض الشبكة التي تشبه العضلة، سواء من مقدمة الخلية أو مؤخرتها، إلى تحرُّكها إلى الأمام.

يتم الحفاظ على سلامة الأنسجة في الجنين بواسطة التفاعلات الالتصاقية بين الخلايا، والتفاعلات بين الخلايا والمصفوفة خارج الخلوية؛ وتساعد الفروق في القدرة الالتصاقية للخلايا أيضًا على الحفاظ على الحدود بين الأنسجة والبِنى المختلفة. تلتصق الخلايا بعضها ببعض عن طريق جزيئات الْتِصاق خلوية مثل «الكادهيرينات»، وهي بروتينات توجد على سطح الخلية بإمكانها الارتباط بقوة مع البروتينات الموجودة على أسطح الخلايا الأخرى. لقد تم تحديدُ ما يقرب من ٣٠ نوعًا مختلفًا من الكادهيرينات في الفقاريات. ترتبط الكادهيرينات بعضها ببعض؛ وبشكل عام، يرتبط الكادهيرين فقط مع كادهيرين آخر من نفس النوع، ولكن يمكنها أيضًا الارتباط مع بعض الجزيئات الأخرى. يتم الْتِصاق خلية بالمصفوفة خارج الخلوية، التي تحتوي على بروتينات مثل الكولاجين، عن طريق ارتباط الإنتجرينات الموجودة في غشاء الخلية بجزيئات المصفوفة هذه.

تحدد جزيئات الالتصاق المعينة التي تعبِّر عنها الخلية أيُّ نوع من الخلايا يمكنها أن تلتصق به، وتشارك التغييرات في جزيئات الالتصاق المعبَّر عنها في عديد من ظواهر النمو. ويمكن توضيح الاختلافات في قدرة الخلية على الالتصاق بواسطة تجارب يتم فيها فصل خلايا متلاصقة من نوعين مختلفين من الأنسجة، ثم خلطها، ثم السماح لها بإعادة التجمُّع مرة أخرى. عند فصل خلايا البَشرة المفترضة للبرمائيات عن خلايا اللوح العصبي المفترض، وتُخلط ثم تترك كي تعيد التجمُّع؛ فإنها تقوم بإعادة تشكيل النسيجين المختلفين (الشكل ٤-٢). يتم العثور على خلايا البشرة، في نهاية المطاف، على السطح الخارجي للتجمع، محيطة بكتلة من الخلايا العصبية، أصبح نفس نوعَي الخلايا على تماسٍّ أحدهما مع الآخر. بالمثل تُرتِّب خلايا الأدمة الظاهرة والأدمة الوسطى نفسها لتكوِّن كتلة من الخلايا، لكن في هذه المرة تكون الأدمة الظاهرة على السطح الخارجي، وتكون الأدمة الوسطى إلى الداخل. يكون هذا الفرز هو الحصيلةَ الكلية للحركة الخلوية والاختلاف في قوة الالتصاق. مبدئيًّا، تتحرك الخلايا بطريقة عشوائية في المجمل المختلط، مستبدِلةً الالتصاق الأقوى بالأضعف. التفاعل الالتصاقي بين الخلايا يُنتِج درجاتٍ مختلفةً من التوتر السطحي تكون كافيةً لتوليد سلوك الفرز، تمامًا مثلما يظل اثنان من السوائل غير القابلة للامتزاج، مثل الزيت والماء، منفصلَين عند خلط أحدهما بالآخر.
fig14
شكل ٤-٢: ترتيب خلايا البشرة وخلايا الصفيحة العصبية. تم فصل الخلايا من منطقتين في جنين الضفدع إلى خلايا مفردة ثم سُمح لها بإعادة التجمُّع. تجمعت خلايا البشرة كلها على السطح الخارجي والخلايا العصبية في الداخل.
إن أول تغيُّر في شكل الجنين الحيواني النامي هو انقسام البويضة المخصَّبة بالتفلُّج إلى عددٍ من الخلايا الصغرى؛ وهو ما يؤدي في عديد من الحيوانات إلى تكوين كرة مجوفة من الخلايا؛ أي الأُرَيْمة التي تتكون من صفيحة ظهارية تحيط بتجويف داخلي مملوء بسائل (الشكل ٤-٣). يعتمد نمو هذه البنية من بويضة مخصبة على كلٍّ من الأنماط المعينة للتفلج والطريقة التي تتجمع بها الخلايا بعضها مع بعض، كما هو موضح في الرسم التخطيطي. من الممكن أن تتنوع أنماط التفلج المبكر بدرجة واسعة بين المجموعات الحيوانية المختلفة. يحدث التفلج بزاوية قائمة على سطح البويضة في التفلج الشعاعي، وتُنتج التفلجاتُ القليلة الأولى طبقاتٍ من الخلايا التي تتراصُّ بعضها فوق بعض مباشرة. هذا النوع من التفلج شائع في قنافذ البحر والفقاريات. تُظهر بويضات الرخويات (مثل القواقع) والديدان الحلقية (مثل ديدان الأرض) نوعًا آخر من أنماط التفلُّج يسمَّى التفلُّج الحلزوني، وفيه تكون الانقسامات المتتابعة في مستويات على زوايا طفيفة بعضها من بعض، منتجةً ترتيبًا حلزونيًّا للخلايا. يمكن لكمية المُحِّ في الخلية أن تؤثر على نمط التفلج. في الخلايا المُحيَّة المنخرطة في تفلج متناظر، يبدأ أخدود تفلُّجي في المنطقة المحتوية على أقل كمية من المح وينتشر بالتدريج عبر البويضة.
fig15
شكل ٤-٣: من الممكن أن يحدِّد تفلُّج الخلايا وترتيبها حجمَ الأُرَيْمة.
تنطوي عملية تكوُّن المُعيدة على تغييرات جذرية في التكوين العام للجنين؛ إذ تحوله إلى تكوين معقد ثلاثي الأبعاد. أثناء تكوُّن المُعيدة، يقوم برنامج من الأنشطة الخلوية — يتضمَّن هجرة الخلايا وتغييرات في شكل الخلية وقدرتها على الالتصاق — بإعادة تشكيل الجنين، بحيث تتحرك الأدمة الباطنة والأدمة الوسطى المستقبليتان نحو الداخل وتبقى الأدمة الظاهرة فقط على السطح الخارجي. يتم توفير القوة الأساسية لعملية تكوُّن المُعيدة عن طريق التغيير في شكل الخلايا، وهذه العملية معقدة جدًّا في الفقاريات، ويمكن رؤيتها بسهولة في جنين قنفذ البحر، الذي يتميز بكونه شفافًا؛ مما يمكِّن من تصوير عملية تكوُّن المُعيدة. يَنتج عن التفلج الخلوي بعد الإخصاب صفيحة كروية تتكون من طبقة واحدة من الخلايا، تحيط بسائل يملؤها من الداخل. تكون الأدمة الوسطى والأدمة الباطنة المستقبليتان قد تَحدَّدتا بالفعل وتحتلَّان منطقة صغيرة من الكرة، والمنطقة المتبقية ينشأ عنها الأدمة الظاهرة. تبدأ عملية تكوُّن المُعيدة بأن تصبح خلايا الأدمة الوسطى متحركة؛ إذ ينفصل بعضها عن بعض، وتهاجر نحو الداخل كخلايا منفردة لتشكِّل نمطًا مميزًا على السطح الداخلي للصفيحة (الشكل ٤-٤). تتحرك الخلايا بواسطة أقدام خيطية دقيقة يمكن أن يصل طولها إلى ٤٠ ميكرومترًا ويمكنها أن تمتد في عدة اتجاهات. عندما تتلامس الأقدام الخيطية مع الجدار وتلتصق به فإنها تنكمش جاذبةً جسمَ الخليةِ نحو نقطة التلامس. تمدُّ كلُّ خلية عددًا من الأقدام الخيطية؛ لذلك قد يكون هناك تنافُس بين الأقدام الخيطية، وتُسحَب الخلية في اتجاه منطقة الجدار التي تَصنع فيها الأقدامُ الخيطيةُ أكثرَ الروابط ثباتًا. وفي نهاية المطاف تتراكم الخلايا في المناطق التي يتم فيها عمل أقوى الروابط.
fig16
شكل ٤-٤: عملية تكوُّن المُعيدة في قنفذ البحر.

يتبع دخول الأدمة الوسطى حدوث انغماد الأدمة الباطنة وامتدادها لتكوين مِعًى جنينية. تنغمد الأدمة الباطنة كصفيحة متصلة من الخلايا. أما تكوُّن المِعى فيتم من خلال طَورين؛ حيث تنغمد الأدمة الباطنة في الطَّور الأول لتكوِّن أسطوانة قصيرة منضغطة تمتد حتى نصف المسافة عبر المنطقة الداخلية، ثم بعد ذلك تحدث وقفة قصيرة يستمر بعدها التمدد. في الطور الثاني، تُكوِّن الخلايا الموجودة عند طرف المِعى المنغمدة أقدامًا خيطية طويلة، تتصل بالجدار، ويؤدي انكماشها إلى جذب المِعى الآخذة في الاستطالة حتى تتلامس وتلتحم مع منطقة الفم، التي تكوِّن انغمادًا صغيرًا. ويشمل طَور تكوُّن المُعيدة هذا أيضًا التمديد التجمعي؛ وذلك بسبب إعادة الترتيب النشطة للخلايا داخل صفيحة الأدمة الباطنة.

يلعب التمديد التجمعي دورًا مهمًّا في تكوُّن المُعيدة في حيوانات أخرى وفي عمليات تَخلُّقية أخرى؛ وهو عبارة عن آلية لاستطالة صفيحة من الخلايا في اتجاه واحد مع تقليل عرضها في الوقت نفسه، ويَحدث عن طريق إعادة ترتيب الخلايا في داخل الصفيحة، بدلًا من هجرة الخلايا أو انقسامها. يحدث ذلك، على سبيل المثال، في عملية تمدد الأدمة الوسطى التي تجعل المحور الأمامي-الخلفي في أجنَّة البرمائيات يستطيل. كي يَحدث التمديد التجمعي، يجب أن يتحدد سابقًا المحور الذي سيتم إقحام الخلايا فيه وتمديده. تستطيل الخلايا أولًا في اتجاه عمودي على المحور الأمامي-الخلفي؛ أيْ الاتجاه الأوسط-الجانبي (الشكل ٤-٥)، كما أنها تصبح مرصوصة بعضها بموازاة بعض في اتجاه عمودي على اتجاه تمديد النسيج. تكون الحركة الفعلية، إلى حدٍّ كبير، محصورة في كلٍّ من نهايتَي الخلايا المستطيلة الثنائية الأقطاب، التي يختلط بعضها بالبعض — أو يُقحَم — دائمًا بطول المحور الأوسط-الجانبي، بحيث يتحرك بعض الخلايا نحو الوسط وبعضها الآخر يتحرك جانبيًّا. تُسبب حركةٌ ميكانيكية مشابهة تسمَّى «الإقحام الشعاعي» ترقِّق طبقةً متعددة الخلايا وتجعلها صفيحة أكثر رقة، ويترتب على ذلك تمديدها حول الحواف، كما هو الحال عند انتشار الأدمة الظاهرة في الضفدع. يحدث الإقحام الشعاعي في الأدمة الظاهرة المتعددة الطبقات من غطاء الحيوان؛ حيث يتم إقحام الخلايا في اتجاه عمودي على السطح، بحيث تصعد من طبقة إلى الطبقة التي تعلوها مباشرة؛ يؤدي هذا إلى زيادة في المساحة السطحية لصفيحة الخلايا، وكذلك رقتها بالمثل.
fig17
شكل ٤-٥: يحدث التمديد التجمعي عن طريق حركة الخلايا الثنائية القطب؛ ومن ثَمَّ تضيق صفيحة الخلايا وتتمدد.

ينطوي تكوُّن المُعيدة في الفقاريات على عملية إعادة ترتيب للأنسجة الأكثر إثارة وتعقيدًا من قنافذ البحر؛ لحاجة الفقاريات إلى إنتاج خطة جسمانية أكثر تعقيدًا. يزداد الأمر تعقيدًا في البرمائيات والأسماك والطيور؛ لوجود تعقيدات إضافية مَنشؤها وجود كميات كبيرة من المُح، ولكن النتيجة هي نفسها: تحوُّل صفيحة من الخلايا الثنائية الأبعاد إلى جنين ثلاثي الأبعاد، مع وجود الأدمات الظاهرة والوسطى والباطنة في المواضع الصحيحة لاستكمال نمو الجسم وتشكُّله. يحدث تكوُّن المُعيدة في الثدييات والطيور في الخط البدائي، ويتضمن تجمُّع خلايا الأديم الظاهر على خط الوسط، وانفصال الخلايا بشكل فردي عن الأديم الظاهر، ويتبع ذلك عملية الاستبطان والهجرة الداخلية والتمديد التجمعي.

يبدأ تكوُّن المُعيدة في الضفدع في بقعة على الناحية الظهرية للأُرَيْمة، في اتجاه القطب النباتي. أُولى العلامات المرئية هي تكوين الخلايا التي تشبه الزجاجة بواسطة بعضٍ من خلايا الأدمة الوسطى الافتراضية. ويأتي تكوُّن الشكل الشبيه بالزجاجة نتيجةَ الانقباض القِمِّي للخلية (عند قمتها) وتكوينها أخدودًا في سطح الأُرَيْمة — فم الأُرَيْمة — حيث تكون شفته السفلى هي موقع منظم سبيمان. تبدأ طبقتا الأدمة الوسطى والباطنة في التحرك حول فم الأُرَيْمة، وتتسم حركتهما وتنظيمهما بالتعقيد. يحدث التمديد التجمعي في كلٍّ من الأدمة الوسطى والأدمة الباطنة أثناء تحركهما إلى الداخل، وتعمل هذه العملية إلى جانب عملية استطالة الحبل الظهري على استطالة الجنين في الاتجاه الأمامي-الخلفي.

من الأسهل قليلًا وصف عملية تكوُّن المُعيدة في الفرخ والفأر والإنسان؛ حيث تَحدث من خلال الخط البدائي كما تم وصفه سابقًا. بالمثل فإن طبقة الأديم الظاهر الخارجي — الأدمة الظاهرة المستقبلية — ينشأ عنها كلٌّ من الأدمة الوسطى والباطنة. تتعين خلايا الأديم الظاهر كخلايا أدمة وسطى وباطنة في الخط وتقوم بمغادرة الأديم الظاهر وتتحرك عبر الخط إلى الداخل، وتُكوِّن أنسجة المِعى والأدمة الوسطى، مثل العضلات والغضروف وإمدادات الدم، كما وصفنا سابقًا في حالة الفرخ.

ينشأ عن تكوُّن العُصيبة في الفقاريات تشكُّلُ الأنبوب العصبي — وهو أنبوب من نسيج طلائي مستمَدٌّ من الأدمة الظاهرة الظهرية — ينمو ليكوِّن الدماغ والحبل الشوكي. وبعد إنشاء الأدمة الوسطى أثناء تكوُّن المُعيدة، تظهر خلايا الأدمة الظاهرة، التي سوف ينشأ عنها الأنبوب العصبي في البداية، كَلَوْحٍ سميك من الأنسجة — اللوح العصبي — تكون الخلايا فيه قد أصبحت عمودية أكثر. يتكوَّن الأنبوب العصبي للفقاريات بآليتين مختلفتين في مناطق الجسم المختلفة؛ فالأنبوب العصبي الأمامي، الذي يكوِّن الدماغ والحبل الشوكي الأمامي، يتكون بواسطة طي اللوح العصبي ليصبح أنبوبًا. وتصبح حواف اللوح العصبي مرتفعة فوق السطح، مكوِّنةً ثنيَّتين عصبيتين متوازيتين تنضمَّانِ معًا بطول الخط الوَسطي الظهري للجنين وتلتحمان عند حوافهما لتكوين الأنبوب العصبي، وينفصل الأخير بعد ذلك عن الأدمة الظاهرة المجاورة (الشكل ٤-٦). وعلى العكس من ذلك، ينمو الأنبوب العصبي الظهري من قضيب متماسك من الخلايا التي تُنمي فجوة داخلية أو ما يسمَّى التجويف. يحدث تقوُّس الصفيحة العصبية وتكوين الثنيَّات العصبية نتيجة للتغيرات في شكل الخلايا، تنقبض الخلايا الموجودة عند حافة الصفيحة، وهي التي تكون أكثر تقوُّسًا، عند سطحها القمِّي. ويحدث انفصال الأنبوب العصبي عن الأدمة الظاهرة بعد تكونها نتيجةً للتغير في قوة الْتِصاق الخلايا.
fig18
شكل ٤-٦: تكوُّن الأنبوب العصبي.

تنشأ خلايا العُرف العصبي في الفقاريات عند حواف الصفيحة العصبية، وتخضع لعملية تحوُّل من كونها خلايا ظهارية إلى متوسطية؛ مما يسمح لها بالابتعاد عن خط الوسط، والهجرة بعيدًا عنه إلى أيٍّ من الجانبين. وتستمد خلايا العرف العصبي الإرشادَ إلى مواقعها المختلفة من التفاعلات مع المصفوفة خارج الخلايا التي تتحرك فوقها، وكذلك بالتفاعلات بين خلية وأخرى. تعطي خلايا العرف العصبي تشكيلة واسعة من الأنواع المختلفة للخلايا التي تشمل الخلايا العصبية وغضاريف الوجه والخلايا الصبغية.

يمثل التمدد الموجَّه قوةً مهمة في النبات، وينتج عن زيادة الضغط الهيدروليكي داخل الخلية. يُعد تضخم حجم الخلية عملية أساسية في نمو النبات وتشكُّله، تمدُّه بما يصل إلى خمسين ضعفًا من الزيادة في حجم الأنسجة. يمثل الضغط الهيدروليكي المبذول على جدار الخلية القوة الدافعة للتمدد؛ وهو ينشأ نتيجة دخول الماء إلى الفجوات الخلوية بواسطة الانتشار الغشائي (الأسموزية). يتضمَّن تمدد الخلايا النباتية تخليق مواد جديدة وترسيبها في الجدار الخلوي، وهو مثال على التمدد الموجَّه. ويتحدد اتجاه نمو الخلية بتوجه لُييفات السليولوز في جدار الخلية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤