الفصل الثاني عشر

الثقة

هل السعر عادل؟ أشكُّ في ذلك!
تستطيع ربة المنزل في ريف الهند شراء احتياجاتها من اللبن من رعاة البقر مباشرة، لكن هؤلاء الرعاة ليسوا دومًا محل ثقة؛ فلزيادة مبيعاتهم، عُرف عنهم أنهم يشوبون لبنهم بالماء قبل بيعه. كشف اختبار حديث لعدد ٢٠٠ عينة لبن بالهند عن أن كلها تقريبًا احتوت ما بين ١٠ إلى ٢٠ في المائة ماء.1 والنساء هناك — كالنساء في كل مكان — لا يعجبهن هذا الوضع. نتيجة لذلك، يدفعن إكرامية من أجل الحصول على اللبن من راعٍ يثقن أنه سيقدِّم لهن لبنًا غير مغشوش.2 يدفعن كلفة إضافية، لا من أجل شراء راحة البال فحسب بل من أجل يسر الشراء أيضًا؛ ففي وجود الثقة، لن يضطررن إلى التفكير في مشاكل اللبن بعد الآن. وربات المنزل الهنديات — مثل النساء في كل مكان — لديهن الكثير والكثير من الشواغل التي يضطلعن بها إلى جانب سعر اللبن.
لا تساعد الثقة السيدات الهنديات وحدهن وإنما المستهلكين كافة من خلال تبسيط عملية الشراء. تُفيد الثقة كمنهج تجريبي: أسلوب مستقًى من الخبرة يجعل عملية اتخاذ المستهلك للقرار أسهل.3 تقلل الثقة من التعقيد وتضمن حدوث النتائج السَّارَّة،4 ومن ثم، يتخذ المشترون الواثقون القرارات بشأن الأسعار أسرع. وهكذا يشعرون بقدر أقل من القلق، ودرجة أدنى من الإرهاق الإدراكي، وهذه فائدة كبيرة؛ فقد اعتدنا جميعًا على أن نصون مواردنا الإدراكية المحدودة والثمينة جدًّا.5 ومثل ربات البيوت الهنديات، لدينا شواغل تفوق سعر اللبن أهمية.

تعِين الثقة المستهلك كما تعين البائع في الوقت نفسه؛ لأن المستهلك الواثق يعود لشراء المزيد. ولما كان العميل الواثق أكثر تأكدًا من قراراته وأقل قلقًا إزاء الشراء، فإن بإمكانه الاستمتاع بتجربة الشراء بدرجة أكبر. وعادةً ما يكونون أقل حساسية للأسعار؛ فمثل السيدات الهنديات اللائي يشترين اللبن، سيدفع المستهلكون أكثر إذا كانوا يثقون في أنهم يحصلون على ما يدفعون مقابله.

لا يتفق الجميع مع هذه الرؤية المتفائلة. يزعم بعض الاقتصاديين أن الثقة مسألة مربكة، وغير ذات صلة في التبادل التجاري،6 وأن الجانب العاطفي من الثقة يعيق اتخاذ القرار الحسابي المطلوب في معاملات السوق. إنهم يعتبرون أن رد الفعل الطبيعي من جانب المستهلك ينبغي أن يكون متشككًا: «سعر عادل؟ أشك في ذلك!»
حسب هذه الرؤية، يتصرف كلٌّ من المشتري والبائع بدافع المصلحة الذاتية وحدها. يعتبر اقتصاديون آخرون أن هذه الرؤية للسوق «معادية للمجتمع»،7 فعلى سبيل المثال: يزعم كينيث آرو، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، أن كل عملية تبادل تجاري تنطوي على عنصر الثقة.8
تدعم بحوث التسويق الحديثة أهمية الثقة في معاملات المستهلك. في قطاع الخدمات، يعلن الباحثون أن «الثقة ربما تكون أقوى أداة لتسويق العلاقات.»9 وفي قطاع التجارة الإلكترونية، اكتسبت الثقة أهمية خاصة. ما قد يثير دهشة الكثيرين أن المستهلك لا يختار دائمًا أرخص مصدر لسلعة من السلع بموقع إلكتروني للمقارنة بين السلع، بل يتجه إلى المصدر الذي يثق فيه؛ ومن ثَمَّ، أصبحت ثقة المستهلك في التجارة الإلكترونية شاغلًا حقيقيًّا موثَّقًا في قطاع التسويق.
يحاول خبراء التسويق المعاصرون تحويل التبادلات المجردة إلى علاقات شخصية؛ إنهم يريدون من المستهلك أن يرتبط بالعلامة التجارية، ويرتبط بالشركة، ويخلص لها! ويستدعي هذا التحويل ثقة المستهلك، فبدونها لن تكون علاقة الثقة بالعلامة التجارية ممكنة.10 أما مع الثقة، ﻓ «يمكن للشركات أن تنأى بنفسها عن حروب الأسعار الشرسة بإثباتها للمستهلك أنه يمكنها أن تقدِّم قيمة حقيقية.»11 واليوم يعد خبراء التسويق «مؤشرات الثقة» مثل مقياس إدلمان للثقة (انظر الجدول ١٢-١)، بحيث تستطيع الشركات قياس ثقة عملائها،12 وأصبح «تسويق الثقة» هو الشعار الجديد.13
جدول ١٢-١: مقياس إدلمان للثقة ٢٠٠٥.*
النسبة المئوية لقادة الرأي الذين يثقون في الشركات. (بناءً على استطلاع آراء ١٥٠٠ من قادة الرأي في ثماني أسواق.)
الشركة الولايات المتحدة أوروبا
بروكتر آند جامبل ٧٤٪ ٤٤٪
كوكاكولا ٦٩٪ ٤٥٪
ماكدونالدز ٥٨٪ ٢٥٪
سيتيكورب ٥٦٪ ٢٥٪
شيل ٤٦٪ ٤٠٪
دانون ٥٨٪ ٥٥٪
سيمنز ٥٧٪ ٦٠٪
Derek Creevey, “Trust Shifting from Traditional Authorities to Peers, Edelman Trust Barometer Finds,” January 24, 2005, www.edelman.com.
كمثال على ما سبق، ثمة مشكلة تتمثل في أن ٢٥ في المائة فقط من قادة الرأي في أوروبا يثقون في ماكدونالدز؛ ونتيجة لهذا الافتقار إلى الثقة، عندما صدم أحد نشطاء الفلاحين سقف أحد فروع ماكدونالدز بجراره واقتلعه من مكانه، أصبح بطلًا قوميًّا.14
من تعريفات الثقة أنها: «اتخاذ القرار على اعتبار أن الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى ستخضع للقواعد الأخلاقية المألوفة التي ينطوي عليها الموقف.»15 وتنشأ سمعة استحقاق الثقة من اتباع «المعايير الاجتماعية المتفرقة للواجب والتعاون.»16 يثق المستهلكون في البائعين الذين يمكنهم الاعتماد على عدالة تسعيره.

الاتسام بالعدالة والتمتع باستحقاق الثقة فكرتان بالغتا الشبه. كلتاهما تتضمنان السلوك الذي يستوفي التوقعات باتباع القواعد المجتمعية. يكمن الاختلاف بينهما في التوجه الزمني: العدالة تقييم لما إذا كان سلوك الماضي قد خضع للمعايير الاجتماعية، أما الثقة فهي الاعتقاد بأن السلوك المستقبلي سيخضع لها.

مستويات الثقة

توجد ثلاثة مستويات لثقة المستهلك: الثقة الفردية والثقة الثقافية والثقة القائمة على السياق. الثقة على المستوى الفردي هي نزوع شخصي: «توقع متفائل من جانب الشخص بشأن نتيجة حدث من الأحداث أو سلوك شخص من الأشخاص.»17
يُولَد بعض الأشخاص وهم يتحلَّون بقدر من الثقة أكبر من غيرهم،18 وقد تناولت أبحاث علم الاقتصاد العصبي الفروق في الثقة باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لأدمغة الأشخاص. تشير النتائج إلى أن الميل إلى الثقة قد يرجع إلى مادة كيميائية عصبية لها علاقة بالتحكم في سلوك الأم؛ عندما زيدت هذه المادة الكيميائية العصبية (نيوروببتايد أوكسيتوسين) في أدمغة المتطوعين لإجراء التصوير، تحلَّوا بقدر أكبر من الثقة.19

بالإضافة إلى ذلك، يعيش بعض الناس في مجتمع أكثر جدارة بالثقة عن الآخرين. من عاشوا إبان انتقال روسيا الأشبه بحقبة الغرب الجامح إلى اقتصاد السوق سيُتوقع منهم أن يكونوا أقل ثقةً في أسعار البائعين ممن عاشوا في النرويج إبان الحقبة نفسها.

يُعرِّف عالم الاجتماع فرانسيس فوكوياما الثقة على مستوى الثقافة بأنها «التوقع الناشئ في أحد المجتمعات بسلوك منتظم ونزيه ومتعاون، بناءً على المعايير التي يتشاركها أفراد ذلك المجتمع.»20 إنها جزء مما يُطلق عليه «رأس المال الاجتماعي».21

لرأس المال الاجتماعي فوائد اقتصادية من حيث إنه يعظِّم التواصل ويقلص تكاليف المعاملات، وهي تكاليف إجراء التبادل الاقتصادي، وتتضمن نفقات ضبط البائعين بحيث لا يستغلُّون الموقف. المجتمع المتمتع بدرجة عالية من الثقة يحتاج إلى قواعد وتشريعات أقل، إضافة إلى أناس أقل، لضمان اتِّباع هذه القواعد والتشريعات؛ ونتيجة لذلك، يكون كل شيء أرخص.

يمكن تعميم الثقة على المستوى الثقافي على الجماعة بأسرها، أو قسرها على أسرة ممتدة واحدة. تنتشر الثقة العامة بنسبة عالية في اليابان وألمانيا. وفي البرازيل، تنتشر الثقة على مستوى الأسرة لكن ليس الثقة العامة. أما في الولايات المتحدة، فقد كانت الثقة العامة منتشرة بنسبة مرتفعة فيما سبق، لكنها لم تعد كذلك الآن.22
حسب استطلاع رأي حديث أجرته شركة يانكلوفيتش للأبحاث السوقية، انهارت ثقة المستهلك على مستوى الولايات المتحدة إلى حد أدنى غير مسبوق.23 اتفق ٦٦ في المائة من المشاركين في هذا الاستطلاع أنه «إذا سنحت الفرصة لأغلب الشركات فستستغل الجمهور إن شعرت أن افتضاح أمرها غير وارد.» هذا الفقدان للثقة لا يشجع على الولاء للعلامة التجارية.
رغم أن لتبادل العميل مكونات فردية وثقافية، فعادة ما يكتنف في الأساس ثقة قائمة على السياق، والثقة القائمة على السياق قصيرة الأمد؛ إنها تفاؤل المشتري مؤقتًا بأن بائعًا بعينه جدير حقًّا بالثقة.24 كلنا نبدي الثقة القائمة على السياق في كل مرة ندلف فيها إلى متجر جديد، في كل مرة نطلب سلعة من موقع إلكتروني جديد. إننا نثق في أن الباعة سيتبعون المعيار الاجتماعي الذي يقضي بأننا عندما ندفع السعر، سيسلموننا البضائع، فإن عدنا إلى المتجر أو الموقع نفسه ووجدنا — كالمعتاد — أن البائع استمر في التصرف وفق المعايير الاجتماعية، فإننا نتحلى بالثقة طويلة الأمد.25
في نموذج السعر العادل بالفصل الثالث، ثبت أن للثقة السابقة — الشخصية والثقافية والمتوقفة على السياق — علاقة تبادلية مع كلٍّ من العدالة الشخصية والاجتماعية. يتأثر استحقاق الثقة بالعدالة،26 ويتأثر إدراك العدالة بالثقة،27 فكلٌّ منهما يعزز الآخر.
يؤكد كثير من الباحثين أن العدالة تقود إلى الثقة، ويورد أحد الباحثين أن امتثال البائع للقواعد العادلة هو ما يفضي إلى الثقة،28 ويقول باحث ثانٍ: «الثقة هي محصلة السلوك الصحيح والمنصف والعادل.»29 وخلص باحث ثالث إلى أن «المستهلك يضع ثقته أو يخامره قدر من الشك في شركة من الشركات حسب ملاحظاته لعدالة تسعير الشركة لمنتجاتها وخدماتها.»30
تقود الثقة في الوقت نفسه إلى إصدار أحكام بالعدالة، فإذا وثق المرء في البائع، سيقبل السعر الذي ربما رفضه باعتباره جائرًا في حالة أخرى.31 على سبيل المثال: إذا حدث خرق لقاعدة تسعيرية بمحل يحوز ثقة المرء، فسيُعتبر مؤقتًا وربما عَرَضيًّا. سيلتمس المرء العذر للبائع.

الدوافع

في الأبحاث المبكرة، ارتبطت الثقة مع اطمئنان المرء إلى دوافع غيره.32 إذا رفع البائع الأسعار، فسيسأل المستهلكون المتشككون أنفسهم: «هل يحاول البائع جني ربح عادل فحسب أم أنه أقبل على ذلك بدافع من الطمع؟» تعتمد إجابة المستهلك على هذا السؤال على ما إذا كان يثق بالبائع. إن خَبُر المستهلك سلسلة من المعاملات العادلة مع البائع أو إن كان البائع قد بنى سمعة صلبة من العدالة في مجتمعه، فسيقبل المستهلك بالزيادة السعرية، ويعتبرها عادلة، ويستمر في ثقته بالبائع.
على سبيل المثال: لما كانت إحدى شركات المياه المعبأة تتمتع بسمعة طيبة لمعاملاتها التجارية العادلة، فقد لقي رفعها أسعار المياه عقب وقوع كارثة قبولًا أكثر سلاسة؛ باعتباره تكلفة إجراء الأعمال، وليس استغلالًا جائرًا للسلطة.33 وفي المقابل، عندما لا يُعرَف عن شركة عدالتها، يفترض العملاء أن دافعها هو الجشع.
ومع ذلك إذا رأى عميل يتحلى بالثقة أن البائع قد انتهك معيارًا من المعايير انتهاكًا فادحًا، أو انتهكه مرارًا وتكرارًا، فحذارِ! فردُّ فعل العملاء الواثقين أكثر سلبية من العملاء غير الواثقين،34 «فالولاء قد يكون بمثابة مصدٍّ ضد الاستياء، لكنه في المقابل يضخِّم من مفعول أي إحساس بالممارسات الجائرة، إن وُجدت.»35 وبدلًا من أن تكون مجرد انتهاك لمعايير اجتماعية؛ فالثقة السابقة تجعل الممارسات الجائرة تبدو خيانة للمعتقدات، والبشر ينفجرون عاطفيًّا عند شعورهم بالخيانة.36
كما قدمت الأبحاث أدلة تجريبية تُفيد بأن العميل القديم يشعر بالخيانة عندما تقدِّم الشركة للعميل الجديد منافع خاصة،37 كشركة الهواتف المحمولة التي تمنح العملاء الجدد تسعيرة أرخص من التي يحصل عليها العملاء الحاليون، أو شركة أمازون التي تحصِّل ثمنًا أقل من عملاء المرة الأولى. انتهاكات كهذه تهدم كل الثقة السابقة التي ربما نمَّتها الشركات بعناية بالغة.38
عندما يشعر المستهلكون بالخيانة، تتولد لديهم رغبة عارمة في الانتقام. في استطلاع رأي حديث عن «حالة ثقة العميل»، اكتشفت شركة يانكلوفيتش للأبحاث السوقية أن ٩٧ في المائة من المستهلكين الذين يشعرون بالخيانة يتخذون إجراءً سلبيًّا من نوع ما إزاء الشركة التي خانتهم.39

تشير بعض الأدلة إلى أنه بدون الثقة سيفترض العملاء أن زيادات الأسعار مدفوعة بالجشع؛ أي الرغبة في زيادة الأرباح. هذا مقبول بدرجة ما، فيبدو أن المستهلكين يغفرون جني بعض الأرباح.

على سبيل المثال: قيل لمجموعات التركيز البحثية التي شُكِّلت في مدينة نيويورك إن شركة زادت من أسعارها بنسبة ٢٠ في المائة، وكان يُتوقَّع لها أن تجني أرباحًا غير مسبوقة في العام التالي، ورغم أن الأرباح المرتفعة لمَّحت إلى دافع الجشع وربما استغلال العملاء، فلم يظن المشاركون في المجموعات أن أرباح الشركة المرتفعة جعلت أسعارها جائرة بمقتضى الحال؛ ما دامت الأسعار لم تكن باهظة، مثل شركات النفط.

من الجليِّ — في الولايات المتحدة على الأقل — أن المعيار الاجتماعي يقضي بأن الشركات «ينبغي» لها أن تجني ربحًا. وهذا سلوك معقول ومقبول من شركة جديرة بالثقة. «لا أهتم إن كانوا يجنون ربحًا أو يتكبَّدون خسارة. أتوقع أنهم يجنون ربحًا، فهذا ما يعملون من أجله»؛ «زيادة الأرباح مكسب لهم، إنهم على الطريق الصحيح»؛ «إنهم يعملون من أجل الربح أيضًا!»

يدعم أحد الكتب ذائعة الصيت عن التسعير ملاحظات مجموعة التركيز البحثية،40 ويشير إلى أن إدراك العميل للعدالة لا علاقة له بالأرباح التي تجنيها الشركة. كثير من المؤسسات المشهورة — يناصيب الولايات، شوكولاتة جوديفا، هاجن داس وغيرها — تجني أرباحًا طائلة، ولا يكترث الجمهور بذلك. يبدو أن المستهلك لا ينشغل بأرباح الشركة ما دام يثق في أنها تتعامل بعدالة.

الثقة والسلطة

الثقة والسلطة تعملان يدًا بيد، من منطلق أن زيادة السلطة من جانب البائع تستدعي زيادة الثقة من جانب المشتري، ويتضح ذلك من الأسعار التي يضعها البائع على بطاقات الأسعار. لقد تخلى المستهلك عن حقه في المساومة على السعر، وترك للبائع تحديده. التنازل عن السلطة للبائع يثير قضية يتناولها ما يُعرف ﺑ «النظرية التجريبية للعدالة.»

حسب النظرية التجريبية للعدالة فإن «تسليم السلطة إلى شخص آخر يثير احتمال التعرض للاستغلال … وكثيرًا ما لا يشعر المرء بالارتياح حيال علاقته بالسلطات.»41 نتيجة لذلك، يبحث المستهلك عن معلومات للحكم على ما إذا كان البائع المحدِّد للأسعار جديرًا بالثقة. إذا اعتُبِر البائع صاحب السلطة جديرًا بالثقة، يثق المستهلك في أن السعر عادل.
لكن إذا كان البائع الأقوى سلطة يردُّ قِسْمًا من تلك السلطة إلى المستهلك، فمن الممكن أن يكتسب المشتري الثقة. تشير الأبحاث إلى أن «المرء يثق فيمن يستطيع التحكم بهم.»42
توصي شركة يانكلوفيتش للأبحاث السوقية بأنه ينبغي للبائع مواجهة فقدان المستهلك للثقة حاليًّا عن طريق «تخويل السلطة للمستهلكين … لأن المستهلكين الآن يتوقعون أنه يحق لهم إملاء الشروط في أي علاقة تجارية.»43 الفكرة هنا أن تخويل المستهلك مزيدًا من السلطة سيقوده إلى التفكير في أن البائع يتصرف بإنصاف، وحين يعتقد المستهلك أن البائع منصف، سيولِيه ثقةً أكبر.

موجز الفصل

رغم أن التبادل بين المستهلك والتاجر غالبًا ما يكون مجردًا، ويحوي مركَّبًا عقلانيًّا ما، فإن لعنصر الثقة أهميته. يُرسي البائع الثقة عبر اتِّباعه للمعايير الاجتماعية للأسعار والتسعير. عندما يشعر المستهلك أن البائع جدير بالثقة، يلتمس له الأعذار عندما يقترف البائع فعلًا يبدو في ظاهره جائرًا. وفي المقابل، تضيع الثقة عندما لا يتصرف البائع الموثوق فيه وفق معايير العدالة الاجتماعية.44 وكلما زادت الثقة — ثقة المستهلك في البائع — استعر لهيب الغضب عندما يتصرف البائع على نحو جائر.
النساء بريف الهند مثال شارح على ذلك، فلما غضبن من رعاة الأبقار غير الجديرين بالثقة، أقدمن على خطوة لا تخطر على بال؛ فهنَّ الآن يُدِرْن جمعياتهن التعاونية لإنتاج الألبان بأنفسهن. إن أكثر من ١٠٠٠ سيدة يضمنَّ الآن سلامة الألبان التي يحصلْنَ عليها.45 إنهن يدفعن سعرًا أعلى مقابل اللبن النقي الذي ينتجنه، لكنه يوازي المحتوى الدهني بنحو منصف. لقد خسر الرعاة غير الجديرين بالثقة مرتين؛ إذ خسروا فيما سبق حين فشلوا في الحصول على فارق في السعر، ويخسرون اليوم بسبب فقدانهم للعملاء.

تعريفات

الثقة الفردية: نزوع إلى التوقعات المتفائلة حيال الأحداث أو السلوك.
الثقة الثقافية: توقُّع أن الناس في جماعة المرء سيتصرفون وفق المعايير الاجتماعية.
الثقة القائمة على السياق: توقُّع متفائل قصير الأمد بأن شخصًا آخر سيكون جديرًا بالثقة.
رأس المال الاجتماعي: شبكة من العلاقات التعاونية مرتكزة على معايير اجتماعية مقبولة بالإجماع من شأنها تيسير النشاط المثمر.
تكاليف المعاملات: التكاليف اللازمة لإجراء عملية تبادل اقتصادي.
النظرية التجريبية للعدالة: الفكرة المتمثلة في أن منح السلطة لشخص آخر يزيد حساسية المرء إزاء قضايا العدالة وتخوفاته بشأن استحقاق الآخر للثقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤