الفصل الرابع

نيجيريا

(١) غرب أفريقيا

يكوِّن هذا الإقليم وحدة جغرافية واضحة في أفريقيا، يحده شمالًا الصحراء الكبرى، وشرقًا مجموعة الهضاب التي تبدأ ببركان الكمرون على رأس خليج بيافرا، وتنتهي إلى بحيرة تشاد، وجنوبًا وغربًا المحيط، وفي داخل هذا الإقليم تتدرج التضاريس من سهول الساحل المتوسطة الاتساع، إلى هضبة متوسطة الارتفاع في الداخل، ترتفع فوقها عدة مناطق هضبية عالية نسبيًّا — جوس وبارتشي في الشرق، وفوتا جالون في الجنوب الغربي — ويشتمل الإقليم على تدرُّج مناخي ونباتي من النوع الاستوائي المعدل على السواحل الجنوبية، إلى أنواع السفانا المختلفة في الداخل، وتنتهي في الشمال بالوصول إلى أطراف الإقليم الصحراوي الانتقالي.

ويسكن الإقليم سلالات زنجية هي زنوج الغابات في الإقليم الساحلي الجنوبي، وزنوج السودان في الداخل، أما الأطراف الشمالية فقد أصبحت مجالًا لتوسُّع السلالات القوقازية من الحاميين والساميين، وقد أدى ذلك إلى تكوين مجموعات قبلية ولغوية خليطة في القسم الشمالي من غرب أفريقيا. كما تؤكِّد تواريخ كثير من القبائل الجنوبية — اليوربا والأشانتي على وجه الخصوص — أن أصول حكَّامهم التقليدين قد وفدوا إليها من الشمال.

ولما كان الجزء الشمالي من غرب أفريقيا عبارة عن جزء من الطريق الأساسي الذي يعبر القارة من حوض النيل إلى السنغال جنوب الصحراء الكبرى، فلقد كانت حركات القبائل والجماعات على طول هذه الطريق مؤدية إلى زيادة الاختلاط البشري، وكذلك ارتبط الجزء الشمالي من غرب أفريقيا بالطرق العديدة العابرة للصحراء الكبرى، وبذلك كان هذا الإقليم الشمالي مرتبطًا ارتباطًا مستمرًّا بوادي النيل وشمال أفريقيا، ومن ثَمَّ تأثَّرَ كثيرًا بهما في نظمه الحضارية وأفكاره الدينية والسياسية؛ ولذلك تكوَّنَتْ في هذا القسم من غرب أفريقيا ممالك قديمة، كان لها شأن كبير في خلال العصر الإسلامي، نذكر منها مملكة غانا التي نشأت فيما بين السنغال والنيجر الأعلى قبل دخول الإسلام بقليل، ونمت خلال العهد الإسلامي في القرن الثاني عشر الميلادي، وأصبح اسمها هو الاسم الشامل لكلِّ ساحل غرب أفريقيا فيما بعدُ، كما أن ساحل الذهب — المستعمرة الإنجليزية السابقة — قد أطلقت على نفسها اسم جمهورية غانا؛ تيمُّنًا بأمجاد مقبلة على غرار أمجاد غانا السالفة. كذلك كانت هناك مملكة مالي التي نشأت في النيجر الأعلى، وامتدَّ نفوذها من السنغال إلى تشاد في خلال القرون ١٣ و١٤ و١٥م، وأطلق السودان الفرنسي على نفسه اسم جمهورية مالي على نحو ما فعلت غانا. وإلى جانب مملكتَيْ غانا ومالي كانت هناك أيضًا مملكة سنغاي، وممالك الفولاني في النيجر الأوسط (ماسينا) وشمال نيجيريا، ومملكة الكانم على بحيرة تشاد، وإمارات الهوسا في شمال نيجيريا، وكوَّنَتْ الجماعات المتغلغلة من نطاق السفانا ممالك زنجية كبيرة في داخل نطاق الغابات الاستوائية من غرب أفريقيا، نذكر منها ممالك اليوربا والداهومي والأشانتي.

ولقد تعرَّضَ غرب أفريقيا للنفوذ والاستعمار الأوروبي منذ أوائل حركة الكشوف الجغرافية، وذلك بحكم قرب سواحل غانا من البرتغال، ومع كشف هذه السواحل عانت غرب أفريقيا من تجارة الرقيق الأوروبية ما لم تُعانِه منطقة أخرى من أفريقيا باستثناء غانا السفلى (أنجولا والكنغو)، وقد كان لهذا تأثير شديد على إحداث فوضى سكانية كبيرة في غرب أفريقيا، وتدهور لأعداد السكان وتفكك لقبائل كثيرة، ولكن سيادة النظام في نطاق السفانا من غرب أفريقيا نتيجة وجود الإمارات والممالك الإسلامية قد ساعد على بقاء الأحوال هادئة بالمقارنة بأقاليم الساحل، كذلك بدأ تقطيع غرب أفريقيا إلى مستعمرات تشبه لوحة الشطرنج، من أقاليم الساحل أيضًا، وتحركت منها صوب الشمال إلى نطاق السفانا، فدخله متأخرًا جدًّا (أوائل هذا القرن).

ولقد أدَّتْ ظروف عديدة طبيعية وبشرية إلى تركُّز إنتاج المحاصيل النقدية (الكاكاو والبن ونخيل الزيت) في النطاق الاستوائي من غرب أفريقيا، بينما تُرِكت أقاليم السفانا دون عناية كبيرة بتطوير أنظمة الاقتصاد فيها إلا متأخرًا جدًّا (الأربعينيات والخمسينيات من هذا القرن)، وقد ارتبط التقدم في الجنوب باشتداد وتغلغل النفوذ الاستعماري في الأقاليم الاستوائية، وتركز جهود المبشرين في هذا الإقليم، بينما تُرِكت الأقاليم الشمالية تحت ظل الحكم غير المباشر (خاصة في نيجيريا وغانا وسيراليون، حيث ظلَّ الأمراء التقليديون يتولون أعباء الإدارة تحت إشراف الإنجليز)؛ ولهذا تأخَّر التقدُّم الاقتصادي في أقاليم السفانا، بينما تطوَّرَ بسرعة في الأقاليم الاستوائية من غرب أفريقيا. ومن الأدلة التي تشير إلى ذلك تركُّز الجامعات ومعاهد الدراسات العليا في الجنوب (جامعة أبيدان بالنسبة لنيجيريا، وجامعة أكرا بالنسبة لغانا، وكلية فورا باي Fourah bay في سيراليون، وجامعة دكار في السنغال، وجامعة منروفيا في ليبيريا)، بينما حُرِمت المناطق الداخلية كلها من الجامعات، واقتصر التعليم العالي فيها على مدارس فنية مثل المدارس التكنولوجية في زاريا (نيجيريا)، وكوماسي (غانا).
وتمثِّل نيجيريا أصدق تمثيلٍ دولَ أفريقيا الغربية؛ فهي الوحيدة التي تكون قطاعًا طوليًّا لكل أقاليم غرب أفريقيا المناخية والنباتية، نظرًا لامتدادها من البحر إلى قرب الهامش الصحراوي، كما أنها من أكبر دول أفريقيا الغربية مساحةً ولكنها أكبرها سكانًا، ويمثِّل تقسيمها إلى أقاليم ثلاثة (الشمال من ناحية، والشرق والغرب من ناحية أخرى)، انعكاسًا لعدة ظروف طبيعية وبشرية تلخصها النقاط التالية:
  • (١)

    الإقليم الشمالي: بمساحته الضخمة هو ممثل لإقليم السفانا في نيجيريا، وممثل لمناطق الحكم التقليدي غير المباشر في عهد الاستعمار، وممثل للإقليم الذي يسوده الإسلام والقبائل المتأثرة بالحاميين، وهو أخيرًا ممثل للتأخر الاقتصادي بالنسبة لبقية نيجيريا، إذا استثنينا بعض مناطقه التي بدأت تدخل حقل الزراعة النقدية (الفول السوداني والقطن).

  • (٢)

    الإقليمان الشرقي والغربي: يمثلان النطاق الاستوائي في نيجيريا، ولذلك تركَّزَ فيهما الحكم الأجنبي فترةً طويلةً، ودخلتهما جهود المبشرين بحماس بالغ، وتطوَّرَ إنتاجهما إلى السلع النقدية (الكاكاو ونخيل الزيت وقطع الأخشاب والمطاط) منذ فترة طويلة.

  • (٣)

    الإقليم الشرقي: هو الإقليم الذي تسيطر عليه قبيلة الإيبو التي انتشرت فيها المسيحية أكثر من غيرها من قبائل الجنوب قاطبةً، أما الإقليم الغربي فهو إقليم قبيلة اليوربا التي تقاسمتها المسيحية والإسلام، وهناك تنافُس شديد بين الإيبو واليوربا حول الزعامة، ولقد ساعَدَ وجود العاصمة لاجوس في إقليم اليوربا على اشتداد حدة النزاع بين القبيلتين إلى حدِّ مجاهرة بعض الإيبو بالانفصال عن نيجيريا، مما يهدِّد تكامُل نيجيريا الاقتصادي.

(٢) نيجيريا

نيجيريا هي أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان، وقد كان ذلك شيئًا معروفًا من فترة طويلة، تحقَّق في إحصاء ١٩٥٢ الذي أثبت أن تعدادها حوالي ٣٠٫٥ مليونًا، ولكن إحصاء ١٩٦٣ أعلن أن في نيجيريا ٥٥ مليونًا، وعلى قدر ما يتعرَّض له هذا الرقم من خطأ (تقدير الأمم المتحدة ٥٦ مليونًا لسنة ١٩٧٠)، فإن الحقيقة تظل ثابتة، وهي أن نيجيريا أكثر دول أفريقيا سكَّانًا.

وتبلغ مساحة نيجيريا ٩٢٣٧٧٣ كيلومترًا مربعًا، فهي بذلك أقل قليلًا من مساحة الجمهورية العربية المتحدة، وحوالي ثلث مساحة السودان، وتأخذ الدولة صورة شبه منحرف يقع في الركن الشرقي من خليج غانا، وقاعدته الجنوبية المطلة على الساحل أصغر من القاعدة الشمالية المرتكزة على حدود دولة النيجر إلى الشمال منها، أما حدها الشرقي فتحتل غالبيته دولة الكمرون، وتشترك في حدود قصيرة مع دولة تشاد عبر بحيرة تشاد، والحد الغربي يفصل بينها وبين دولة داهومي في معظمه، وبينها وبين دولة النيجر في قسمه الشمالي.

(٣) الدراسة الطبيعية

(٣-١) التضاريس

تتكون نيجيريا من أنواع عديدة من الصخور والتركيبات الجيولوجية، يسودها ظهور الكثير من التكوينات التي تنتمي إلى ما قبل الكمبري في الداخل — وخاصة هضبة جوس — والصخر الكريتاسي الإرسابي في حوض نهر بنوي وفي الشمال الغربي، وصخور إرسابية حديثة ترجع إلى عصور الزمن الثالث في الشمال الشرقي وفي الجنوب، وتتكون منطقة حوض بحيرة تشاد من التكوينات الإرسابية التي ترجع إلى الزمن الرابع، وكذلك ترجع المنطقة الساحلية ودلتا النيجر إلى تكوينات الزمن الرابع.

ومن ناحية المظهر التضاريسي تتكون الدولة من سهول ساحلية عريضة نسبيًّا تبلغ أقصى عرض لها في دلتا النيجر (٣٠٠ كيلومتر)، ولولا حافة الهضبة الأفريقية لاتصلت هذه السهول بسهل البنوي العريض. وتضيق سهول الساحل شرق الدلتا بسرعة، بعد وادي ومصب نهر كروس بتأثير كتلة جبل الكمرون، وإلى الغرب من الدلتا تضيق السهول أيضًا فيبلغ عرضها في منطقة «لاجوس-إيبادان» قرابة مائة كيلومتر. وسبب اتساع سهول دلتا النيجر أنها تتعمق في الواقع إلى الجنوب من خط الساحل عند لاجوس مسافة تزيد عن ٢٠٠ كيلومتر نتيجة للإرسابات الضخمة التي يأتي بها النهر ورافده البنوي، بالإضافة إلى نمو الساحل بواسطة اللاجونات العذبة، نتيجة للأمطار الاستوائية الغزيرة التي تسقط على المنطقة.

ووراء السهل الساحلي تظهر حافة الهضبة الأفريقية واضحة في القسم الغربي عند إيبادان، فترتفع إلى قرابة ٢٠٠ متر فيما بين إيبادان ووادي النيجر الأوسط، وتظهر فوق الهضبة هنا حافات جبلية تعلو إلى ٤٥٠ مترًا، وتصل في بعض نقاطها إلى ٦٠٠ متر.

وتكون هذه المرتفعات الحد الطبيعي الفاصل بين إقليم اليوربا الذي ينحدر إلى الساحل جنوبًا، وإقليم إيللورين الذي ينحدر إلى النيجر الأوسط شمالًا، ويجري خط الحدود الإداري بين الإقليمين الشمالي والغربي على هذه الحافة تمشيًّا مع الظروف الطبيعية والحضارية؛ فإقليم إيللورين كان جزءًا من ممتلكات دولة الفولاني الإسلامية في نيجيريا، وسكانه غالبيتهم الساحقة من المسلمين.

أما حافة الهضبة الأفريقية فأقل وضوحًا في شرق نيجيريا إلى الشرق من دلتا النيجر، ولا تظهر إلا في صور ضعيفة كما هو الحال في منطقة إينوجو، حيث ترتفع بين ٢٠٠ و٤٠٠ متر، وتُسمَّى هنا هضبة أودي، وإلى الشرق من نهر كروس تعود حافة الهضبة إلى الظهور والاقتراب من البحر في صورة تلال أوبان التي تبلغ أعلى نقطة فيها ١٠٥٠ مترًا.

وإلى الشمال من حافة الهضبة يجري نهرَا النيجر الأوسط والبنوي في مجارٍ تكاد تتوازى مع خط الساحل، مما أدى إلى خلق أودية وسهول عريضة نسبيًّا في مجموعها تظهر إلى الشمال من حافة الهضبة وموازية للسهول الساحلية، وأعظم هذه السهول الداخلية سهل البنوي الذي يمتد بعرض يقرب من مائة كيلومتر — في منطقة ماكوردي — لمسافة أكثر من ٥٠٠ كيلومتر في اتجاه الشرق، أما وادي النيجر الأوسط فأضيق كثيرًا من سهل البنوي العريض. وإلى الشمال من واديي النهرين تظهر الهضبة الأفريقية فوق مستوي ٣٠٠ متر، وتتزايد في الارتفاع إلى فوق مستوى ٥٠٠ متر، فتشمل معظم شمال نيجيريا بين كنو وسوكوتو في الشمال، وكادونا وجوس في الجنوب، وتنحدر تدريجيًّا في الشمال الشرقي صوب بحيرة تشاد. وتسيطر هضبة جوس على القسم الشرقي من هذه الهضبة، وتعلو معظم أجزائها عن ألف متر، وفوق هذه الهضبة تظهر قمم كثيرة فوق ١٣٠٠ متر تُسمَّى تلالًا، أهمها ما يلي:
  • تل وادي في الجنوب الشرقي، ويبلغ ارتفاعه ١٦٩٣ مترًا.

  • تل شيريه في الوسط، ويبلغ ارتفاعه ١٧٧٦ مترًا.

  • تل زارندة في الشمال الشرقي، ويبلغ ارتفاعه ١٤٥١ مترًا.

  • تل سايا في وسط الشمال، ويبلغ ارتفاعه ١٥٨٩ مترًا.

  • تل جينشي في الشمال، ويبلغ ارتفاعه ١٢٢٨ مترًا.

وفضلًا عن الارتفاعات التي تميِّز الهضبة تضاريسيًّا ومناخيًّا ونباتيًّا، تمييزًا نسبيًّا عن المحيط الذي يدور حولها، فإن الهضبة من الناحية الهيدرولوجية تكون أهم خط تقسيم مياه في داخل نيجيريا؛ فهي تفصل بين تصريف النيجر والبنوي إلى المحيط من جهة، وبين تصريف بحيرة تشاد من جهة أخرى.

وتنحدر مياه كل من أنهار جماري وكامادوجوجانا إلى الشمال الشرقي ليكونا معًا، بالإضافة إلى نهر حاجيا الذي ينبع بالقرب من كنو، نهر كامادوجويوبي الذي يصب في الساحل الغربي لبحيرة تشاد.

figure
خريطة رقم (٦٢).

وعلى السفوح الشمالية الغربية للهضبة ينحدر نهر جالما، وعلى السفوح الغربية نهر كادونا، ويتصلان معًا ويتجهان جنوبًا إلى النيجر الأوسط باسم نهر كادونا، ومن الشرق ينحدر نهر جونجلا الذي ينتهي إلى البنوي غربي يولا، ومن الجنوب أنهار شمنكار وإنكوي ومادا، وكلها تنتهي إلى البنوي قبل وبعد ماكوردي.

وأعلى نقطة في نيجيريا هي قمة فوجل في الشرق قرب حدود الكمرون، وتبلغ ارتفاعها ٢٣٠٦ أمتار.

ويدخل نهر النيجر نيجيريا من الشمال الغربي، ويكوِّن عند دخوله نقطة التقاء حدود كلٍّ من داهومي والنيجر ونيجيريا، ويتجه النيجر صوب الجنوب الشرقي، ويلتقي بعد قليل بأول رافد نيجيري هو نهر سوكوتو الذي ينبع بالقرب من زاريا، ويتجه شمالًا بغرب حتى سوكوتو، ثم يرسم قوسًا ويتجه إلى الجنوب الغربي ثم الجنوب، وقبل التقائه بالنيجر يتلقى مياه رافد صغير هو نهر زامفارا الذي ينبع قريبًا من منابع سوكوتو.

وبعد التقاء سوكوتو والنيجر بقليل ينحرف النيجر إلى الجنوب، ثم ينحدر فوق شلالات بوسا، وعند جبا ينحرف إلى الشرق، ثم الجنوب الشرقي بعد أن تتصل به مياه نهر كادونا، وعندما ينحرف إلى الجنوب تمهيدًا لدخوله في مجراه الأدنى يلتقي بأهم رافد له؛ ذلك هو نهر البنوي.

وينبع البنوي من شمال الكمرون، ويتجه شمالًا ثم غربًا، وعند الحدود بين نيجيريا والكمرون يلتقي بأطول روافده العليا، وهو نهر فارو المتكون من فارو وديو، وينبعان من هضبة بامندا في غرب الكمرون، وبعد دخوله الحدود بقليل يمر عند مدينة يولا التي تُكوِّن نهاية الملاحة في البنوي، ثم يتجه جنوبًا بغرب ويتصل بروافده النابعة من هضبة جوس التي سبق ذكرها، كما يتلقى روافد أخرى من الجنوب من أهمها كتسينا الذي ينبع من هضبة بامندا في الكمرون، ويتصل بالبنوي من الجنوب قبل ماكوردي، وسبب تسميته كتسينا غير مرتبط بمدينة كتسينا في الشمال — إحدى المدن الهامة للهوسا — بل بتأسيس الفولاني مدينة «كتسينا علا» أو «كتسينا علي» التي يمر بها هذا النهر.

وبعد التقاء البنوي والنيجر يتجه النهر جنوبًا في مجرى واسع نسبيًّا، قبل أن يتفرع إلى دلتاه العديدة الفروع على بُعْد ١٢٠ كيلومترًا من البحر، وتقع على الفروع العديدة عدة موانئ أهمها: بورت هاركورت وبوني في الشرق، وواري وسابليه وبوروتو في الغرب، وخير ووصف للدلتا يتضح من الخريطة رقم (٥٥).

(٣-٢) المناخ والنبات

يمكننا أن نميِّز ثلاثة أقاليم مناخية في نيجيريا؛ فالنطاق الشمالي يقع إلى شمال الإقليم الهضبي (شمال عرض ١١)، وهو أكثر أقاليم نيجيريا جفافًا وتمثِّله كنو خيرَ تمثيل، ومناخ هذا الإقليم موسمي المطر، أبرد الشهور من ديسمبر إلى فبراير، ولكن درجة الحرارة على العموم في هذا الفصل عالية ٢١م (يناير)، ولا يسقط مطر خلال هذا الفصل إطلاقًا، والرياح المميزة له هي الهارمتان، وهي هنا رياح شديدة الجفاف كثيرة الأتربة مما يؤدي إلى ندرة ظهور السماء الزرقاء والهواء النقي. وفي مارس ترتفع الحرارة بسرعة وتصبح شهور أبريل ومايو ويونيو أحر شهور السنة؛ وذلك لأن الشمس تتعامد أشعتها على المنطقة في تلك الفترة، والسماء لا تغطيها السحب، ولهذا تصل الحرارة أقصاها في مايو ٣٢٫٥م، والرياح ما زالت شمالية شرقية جافة، وتنخفض الحرارة نسبيًّا في الليل. وفي يونيو يحدث تغيُّر مفاجئ؛ فالسحب تتكاثر وتبدأ الأمطار وتسود الجو أعاصير عديدة، وتنخفض درجة الحرارة من جرَّاء غطاء السحاب، ومعه ينخفض المدى الحراري اليومي، ويكاد يتشبع الهواء ببخار الماء. وكتل الهواء السائدة في فصل المطر محيطية تجلبها الرياح الجنوبية الغربية، وتفيض الأنهار الشمالية التي جفت مياهها خلال الربيع وأوائل الصيف، وتزداد مساحة بحيرة تشاد ومستنقعاتها، وتقل كمية المطر تدريجيًّا نحو الشمال، ولكن منطقة الحدود تتلقى أمطارًا لا تقل عن ٥٠٠م في السنة (نجورو ٥٤٩مم) تسقط كلها في موسم الأمطار القصير. وتتلقى كنو ٨٣٣مم في السنة، بينما تبلغ أمطار سوكوتو ٧٢١مم، وأمطار مايدوجورو ٦٤٣مم، وتنتهي الأمطار في سبتمبر-أكتوبر، وتعود الحرارة إلى الارتفاع تدريجيًّا نتيجة قلة الغطاء السحابي، وتقلص كتل الهواء المحيطية التي تتراجع أمام كتل الهواء الصحراوية التي تجلبها الرياح الشمالية الشرقية. ومن أكتوبر إلى مايو في الشمال، ومن نوفمبر إلى أبريل في عروض كنو، تسيطر الرياح الشمالية الجافة على المنطقة من جديد سيطرة كاملة.

figure
خريطة رقم (٦٣): دلتا النيجر.

أما النطاق الجنوبي فيشمل أساسًا السهل الساحلي والحافة الأفريقية جنوب وادي البنوي والنيجر الأوسط، وأهم ميزة مناخية هو المطر الغزير طول السنة على وجه التقريب، ومدى حراري صغير بين الفصول، والمناخ في غالبيته في داخل دلتا النيجر غير صحي؛ لارتفاع الحرارة، وكثرة الرطوبة والمطر، ووجود المستنقعات العديدة واللاجونات الساحلية والغابات الكثيفة، والتربة التي تتكون أساسًا من الطين وبقايا عفن النبات.

والرياح في هذا الإقليم المناخي جنوبية غربية ممطرة طول السنة، وتصل رياح الهارماتان إلى هذا الإقليم في فترات متقطعة من يناير وفبراير، والعواصف الراعدة أمر عادي في الإقليم (٧٥ يومًا في السنة)، وتزيد كمية المطر الساقط سنويًّا عن ٣٠٠٠مم على ساحل الدلتا، وتقل كلما توغلنا في الداخل فتصل إلى ٢٧٦٩مم في واري، و٢٤٩٧مم في بورت هاركورت، و١٨٠٠مم في إينوجو، وإلى ١٢٠٠مم قرب الحافة الهضبية. وتتميز الحافات بأمطار كثيرة، ولكن بقلة الحرارة نسبيًّا وبفترة صغيرة يمتنع فيها المطر (أغسطس)، وتصبح شهور مارس وأبريل وديسمبر أحر الشهور، وأغسطس أبردها، ولكن المدى الحراري لا يتعدى خمس درجات.

والإقليم الأوسط يكون مزيجًا بين الإقليمين السابقين، أو هو على تعبير أصح إقليم انتقالي بين المناخ الاستوائي في الجنوب، والمناخ المداري في الشمال، ويشتمل هذا الإقليم على وادي البنوي والنيجر الأوسط والقسم الجنوبي من الهضبة الشمالية، بما في ذلك هضبة جوس — تقريبًا بين درجات عرض ٧ و١١ شمالًا.

وتختلف الظروف المناخية في هذا الإقليم باختلاف الارتفاع؛ فالوديان تقل أمطارها عن الهضاب وترتفع درجة حرارتها، وبعض أجزاء حوض البنوي تسيطر عليها الأشجار المتكاثفة، أما هضبة جوس فأصح كثيرًا، وهي أبرد نسبيًّا ومتوسط المطر السنوي ١٠٠٠مم، وفصل سقوط المطر أطول من مثيله في الإقليم الشمالي، كما يطول فصل المطر في القسم الجنوبي من هذا الإقليم ويأخذ في القصر شمالًا، ويمتد فصل المطر بين أبريل وأكتوبر عند التقاء النيجر والبنوي (لوكوجا)، ويقصر إلى الفترة بين مايو وسبتمبر في هضبة جوس. وفيما يلي جدول يوضِّح الحرارة والمطر في عدد من المحطات الممثلة لنيجيريا:

جدول ٤-١: الحرارة والمطر في بعض المحطات.
المحطة درجة الحرارة (مئوية) المطر (مليمتر)
القصوى الدنيا المتوسط أعلى شهر المجموع
كنو (٤٦٥ مترًا) ٣١ (أبريل) ٢٢ (يناير) ٢٦ ٣١٠ (أغسطس) ٨٣٣
جوس (١٢١٩ مترًا) ٢٦ (أبريل) ٢١ (يناير) ٢٢ ٣٢٢ (يوليو) ١٤٠٧
لوكوجا (٩٧ مترًا) ٣٠ (مارس) ٢٦ (أغسطس) ٢٧ ٢٣٦ (سبتمبر) ١٢٤٢
لاجوس* ٢٨ (مارس) ٢٦ (أغسطس) ٢٧ ٤٦٠ (يونيو) ١٨٨٥ (؟)
٢٠٥ (أكتوبر)
كالابار ٢٧ (مارس) ٢٥ (أغسطس) ٢٦ ٤٥٥ (يوليو) ٣٠٥٨
مجموع أمطار لاجوس حسب Oxford: Africa هي ٤٨,٩مم، وهو رقم غير معقول، ولذلك اعتمدنا على حساب كمية المطر الشهري في لاجوس لبيان كمية المطر السنوي.

ويتدرج النبات الطبيعي في نيجيريا — بحكم موقعها في خطوط العرض وبالنسبة للبحر — من الغابات الاستوائية في الجنوب إلى السفانا الصحراوية في الشمال، ويتخذ هذا التدرُّج صورة نطاقات عرضية تخترق الدولة من الشرق إلى الغرب.

وتظهر الغابات الاستوائية وغابات المنجروف في الجنوب في الإقليم الساحلي والسهول الساحلية حتى حافة الهضبة الأفريقية على وجه التقريب، وتتسع الغابات في الشرق وفي دلتا النيجر، ثم تبدأ في الضيق والاقتراب من الساحل في الغرب. ونظرًا لقرب هذا النطاق الاستوائي من مراكز استهلاك الأخشاب والمنتجات الغابية الاستوائية في أوروبا، فإن غابات نيجيريا الاستوائية — وأيضًا غابات غانا وساحل العاج — تستغل استغلالًا طيبًا أكثر من نطاق الغابات المماثل في حوض الكنغو، وقد سهل لذلك وقوع هذه الغابات على الساحل مباشَرةً. ومن أهم المنتجات المستغلة نخيل الزيت في جنوب شرق نيجيريا، والكاكاو والمطاط في جنوب غرب نيجيريا، وقطع الأخشاب حرفة أساسية في الجنوب الغربي والدلتا، ويستهلك بعض الخشب محليًّا للبناء والأثاث والوقود، والبعض — خاصة الأنواع الجيدة — تُصدَّر للخارج، وتُنقَل الأشجار المقطوعة بواسطة الأنهار الصغيرة أو روافد الدلتا إلى موانئ التصدير، حيث توجد محطات نشر الخشب المجهزة تجهيزًا حديثًا.

ويلي النطاق الاستوائي مباشَرةً الغابات الاستوائية الثانوية، وهي أقل كثافةً من النطاق الجنوبي، وتختلط الأشجار بالنمو العشبي، والحد الشمالي لهذا النوع النباتي يقع إلى الجنوب قليلًا من التقاء البنوي والنيجر، مع ميل إلى الاقتراب من الساحل في الشرق والغرب على حدٍّ سواء، وإلى الشمال من هذا الحد تسود السفانا الشجرية الإقليم الشمالي بدرجات مختلفة؛ فهي في الجنوب أكثر أشجارًا، وفي الوسط أطول حشائش، وفي الشمال تقل الأشجار كثيرًا وتقصر الحشائش، وفي أقصى الشمال الشرقي — خاصة حول بحيرة تشاد — تسود السفانا القصيرة والنباتات شبه الصحراوية، مع ظهور أشجار السنط والسنط الشوكي، ولا يكسر هذا التدرُّج سوى نمو شجري كثيف نسبيًّا في منطقة جوس وخاصة المناطق العالية، وذلك بتأثير الارتفاع.

وتتميز التربة في غرب أفريقيا بسيادة اللاتريت وارتفاع نسبة الحديد في التربة على وجه العموم، إلا في مناطق التربة الفيضية وخاصة في دلتا النيجر.

ومن أخطر المشاكل التي تعانيها التربة في نيجيريا الجنوبية استخدام الآلات الحديثة في الزراعة، وتؤدي إلى قلقلة التربة القليلة السُّمْك وتعرضها للجرف بواسطة الأمطار، بينما نجحت هذه الوسيلة في الزراعة في إقليم السفانا.

(٤) الدراسة البشرية

(٤-١) السكان

في التقديرات والإحصاءات القديمة لسكان نيجيريا كان عدد السكان في حدود ٣٠ مليونًا، حتى كان إحصاء ١٩٦١ الذي قدَّرَ عدد السكان ﺑ ٣٥٫٧ مليونًا، ولكن أول إحصاء نيجيري شامل تمَّ عام ١٩٦٣، وفيه كان عدد السكان ٥٥٫٦ مليونًا. وقد سبق أن ذكرنا أنه مهما كانت الدقة غير مراعاة في إحصاء ١٩٦٣، إلا أن الحقيقة الثابتة أن عدد سكان نيجيريا كبير، بل هو أكبر عدد سكان بالنسبة لدول أفريقيا قاطبةً، ولا شك أن ذلك يؤيِّده كثرة السكن المدني والتجمع القروي الكثيف، وهما من علامات كثرة السكان.١ وبالإضافة إلى ذلك التقدم الصحي والاقتصادي في شرق وغرب نيجيريا، وعلى وجه الخصوص في شمال نيجيريا التي أخذ الناس استصلاح آلاف الأفدنة فيها من أجل الزراعة، وتحول الكثير من أراضي المرعى إلى الزراعة، مع القضاء على مرض النوم وإزالة الأحراش، وامتداد السكن البشري إلى مناطق لم تكن مأهولة من قبلُ، وعلى الأخص في إقليم برنو في الشمال الشرقي، ويرمز إلى بداية استغلال تلك المنطقة الكبيرة من نيجيريا مد خط حديدي من وسط نيجيريا إلى مايدوجوري عاصمة برنو.
وإلى وقت قريب كانت نيجيريا مقسَّمَة إلى عدة أقسام إدارية هي الشمال والشرق والغرب، ثم منطقة الكمرون — البريطانية الأصل — في أقصى الشرق، ومنطقة إدارية أخرى غرب دلتا النيجر مباشَرةً سُمِّيت الغرب الأوسط، وقد انقسمت منطقة الكمرون إلى قسمين: الشمالي انضم إلى نيجيريا وأُدمِجَ في الإقليم الشمالي من الدولة، والكمرون الجنوبي الذي انفصل تمامًا عن نيجيريا وانضمَّ إلى جمهورية الكمرون. والتقسيم السياسي للدولة في الوقت الحاضر يفرِّق بين ثلاثة أقاليم هي: الشمال والشرق والغرب، وقسم فدرالي هو منطقة لاجوس — عاصمة الاتحاد.٢ ولكل قسم من الأقسام الثلاثة حكومة خاصة به.

ويشتمل الإقليم الشمالي على ٥٥٪ من مجموع السكان، بينما يشتمل الإقليم الشرقي على ٢٥٪، والغربي على ٢٠٪ من السكان، والكثافة السكانية متوسطة إلى قليلة في الشمال، وتقوم حياة السكان على الرعي أو الزراعة أو عليهما معًا مع بعض التعدين في مناطق متفرقة أهمها هضبة جوس. والرعي في المناطق الشمالية والشرقية من الإقليم الشمالي هو الحرفة الأساسية مع بعض الزارعات في النطاق الأوسط وحول المدن، أما الزراعة فأشيع ما تكون في جوس وفي وادي البنوي والنيجر الأوسط، ويضاف إلى ذلك صيد السمك النهري في مناطق عديدة من النيجر الأوسط (إقليم النبه)، وحول مراكز المدن في الإقليم الشمالي قامت أخيرًا زراعة مختلطة بين تربية الحيوان وزراعة المحاصيل النقدية؛ وذلك لتوفر سوق المدينة من ناحية وللرعاية البيطرية للحيوان من ناحية أخرى.

جدول ٤-٢: المدن النيجيرية الكبرى.*
الإقليم الغربي الإقليم الشرقي الإقليم الشمالي
المدينة عدد السكان بالآلاف المدينة عدد السكان بالآلاف المدينة عدد السكان بالآلاف
إيبادن ٧٥٨ بورت هاركوت ٢١٧ كانو ٣٤٧
أوجبوموشو ٣٨٦ أونيتشا ١٩٧ إيلورين ٢٥٢
أوشوجبو ٢٥٢ إينوجو ١٦٧ زاريا ٢٠٠
أبيكوتا ٢٢٦ أبا Aba ١٥٨ كادونا ١٨١
إيليشا ٢٠٠ مايدجوري ١٦٩
إيو Iwo ١٩١ كاتسنا ١٠٩
أدو Ado ١٩٠
موشين ١٦٧
إدي Ede ١٦٢
إيلا ١٣٨
أويو Oyo ١٣٥
إيكيري Ikirre ١٢٩
بنين ١٢١ سكان مدن مائة ألف وما يزيد إلى سكان نيجيريا
إسيين Iseyin ١١٥ (تقديرات ١٩٧٠) = ١١٪
الأرقام عن الكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة عام ١٩٧٠.

العاصمة الاتحادية (لاجوس): مليون شخص

أما في الإقليمين الشرقي والغربي، فإن الزراعة هي عماد الحياة الاقتصادية، وتبلغ الكثافة السكانية الزراعية في شرق نيجيريا حدًّا لا مثيل له في أفريقيا — باستثناء الكثافة السكانية الزراعية في ج. ع. م. وفي رواند بورندي، وعلى الشواطئ الكينية والأوغندية من بحيرة فكتوريا. أما في غرب نيجيريا فالكثافة السكانية العالية ترجع إلى السكن المدني الذي يكاد ألا يكون له نظير آخَر في أفريقيا. ويوضِّح الجدول ٤-٢ المدن التي يزيد عدد سكانها في نيجيريا عن مائة ألف شخص موزَّعة على الأقاليم الثلاثة لكي تتضح لنا كثافة السكن المدني في الغرب.

ومعنى هذه الأرقام أن حوالي ٢٥٪ من سكان الإقليم الغربي سكان مدن كبيرة، بينما تقل هذه النسبة إلى ٧٪ في الشرق، وحوالي ٥٪ في الشمال، ولكن يعوض ذلك التجمُّع السكني في قرى عديدة في الشرق ومدن صغيرة في الشمال.

وحسب إحصاء ١٩٦٣ كان سكان نيجيريا يتوزعون على الديانات التالية:

٢٦٫٢ مليونًا مسلمون، ويكونون حوالي نصف سكان الدولة، ١٩٫٢ مليونًا مسيحيون، ١٠٫١ ملايين ديانات أخرى (وثنيون).

ويسود المسلمون في شمال نيجيريا ووسطها، ويمتدون إلى جنوب غرب نيجيريا، بينما يتمركَّز المسيحيون في الجنوب وينشط التبشير المسيحي بين وثنيي هضبة جوس في الشمال، وتدعو الكنيستان البروتستانتية والكاثوليكية أتباعًا يُقدَّر عددهم بمليونين ونصف المليون لكلٍّ منهما، وإلى جانب ذلك فإن هناك كنائس أفريقية أخرى كثيرة يتبعها بقية المسيحيين في الشمال — مثل كنيسة السودان الداخلي، وكنيسة السودان المتحدة — والملاحظ أن الإسلام ينتشر بكثرة وسرعة تجاه الجنوب، رغم بعض العقبات التي وضعتها حكومة الاستعمار والهيئات التبشيرية.

(أ) اللغات في نيجيريا

ينقسم سكان نيجيريا لغويًّا إلى عدة مجموعات تنتمي إلى العائلات اللغوية الرئيسية التالية:
  • عائلة كوا kwa: وهي فرع مجموعة عائلات اللغات الزنجية الغربية، وتشتمل على لغات القبائل الزنجية في الجنوب والوسط، ويمثِّلها الأيبو في الشرق، واليوربا في الغرب، والجواري والنبه والإيجبيرا على النيجر الأوسط وجنوب كادونا.
  • عائلة تشاد الحامية: وهي جزء من مجموعة اللغات الحامية، وأهم ممثلين لها الهوسا في الشمال.
  • عائلة اللغات الأفريقية الوسطى: وتمثِّلها لغة الكانوري والكانمبو في برنو في الشمال الشرقي.
    figure
    خريطة رقم (٦٤): اللغات والجماعات في نيجيريا.
    مجموعة اللغات الحامية والسامية: (أ) لغات تشاد الحامية «الهوسا». (ب) اللغة العربية «قبيلة الشاوية». مجموعة لغات أفريقيا الغربية: (ﺟ) الأطلنطية الغربية «الفولاني أو الفولبة». (د) لغات تشاد. (ﻫ) لغات منعزلة (غير مصنفة): مجموعات قبلية منعزلة في هضبة جوس: (١) جاراوه. (٢) جيراوه. (٣) أفوصار (جاراوه الجبل). (٤) البيروم. مجموعات البنوي: (٥) الجوكون. (٦) شامبا. (٧) تيف. مجموعات الجنوب: (٨) أيبيبيو. (٩) إيديو Idio. مجموعات الغرب: (١٠) كمبيري ودكاكيري. (و) مجموعة كوا Kwe اللغوية: (١) الأيبو. (٢) الإيدو. (٣) اليوربا. (٤) إيجالا. (٥) إيجبيريا. (٦) نيه أو نيوب. (٧) جواري. مجموعة اللغات الأفريقية الوسطى: (١) الكانوري – موبر.
  • عائلة اللغة العربية: وتمثِّلها مجموعة صغيرة من العرب تُسمَّى الشاوية في جنوب برنو.
  • لغة الفولاني: غير متفق تمامًا على تصنيفها، وتنتشر حيث انتشر الفولاني الرعويون في شمال نيجيريا وجنوب شرق الإقليم الشمالي (حول سوكوتو – كنو – جوس – جنوب شرق البنوي).
  • لغات منعزلة: غير متفق على تصنيفها أيضًا — في الماضي أُطلِق عليها شبه البانتويه — وتنتشر أساسًا في حوض البنوي (التيف – الجوكون – الشامبا)، ومناطق من هضبة جوس (بيروم – جاراوا – أنجاس)، وفي جنوب شرق نيجيريا (الإيبيبيو)، وفي دلتا النيجر (الأيديو Idio)، ومناطق أخرى شرق شلالات بوسا (كمبيري ودكاكيري).

(ب) المجموعات والقبائل النيجيرية الرئيسية

أكبر مجموعة لغوية وحضارية من سكان نيجيريا قاطبة: هي مجموعة الهوسا الذين يبلغ تعدادها حسب تقدير ١٩٥٢ قرابة ستة ملايين شخص، ويتركزون في الشمال فيما يُعرَف باسم دول أو إمارات الهوسا السبع الأصلية (جوبير وكاتسينا وكنو ورنو ودواره وبيرام)، ودول الهوسا السبع الإضافية (كبي، نبه، جواري، جلوة، إيللورين، زامفارا، كورورفا أو الجوكون).

ويعدُّ الأستاذ سلجمان الهوسا من مجموع زنوج غرب أفريقيا، وإنْ كنَّا لا نعفيهم من اختلاط كبير بالحاميين نتيجة تطرُّف موقعهم إلى الشمال بالقرب من الصحراء، ولا أدل على ذلك من أن لغتهم أساسًا حامية، وهم متوسطو القامة، سود البشرة، وملامح الوجه أنعم وأدق من ملامح الزنوج الأصليين الذين يعيشون في النطاق الجنوبي، وهم مزارعون ممتازون وتجَّار نشيطون ومحاربون أشداء، وعندهم حب للمغامرة والهجرة؛ ولذلك انتشرت لغتهم كلغة تخاطب أفريقية في القسم الشرقي من غرب أفريقيا، وفي الكمرون حتى الكنغو الغربي، ونتيجة لذلك نجدهم منتشرين في مجموعات عديدة في هذه الأقاليم الواسعة، بل تمتد مجموعات منهم أيضًا في الشمال حتى طرابلس، وفي الشرق حتى السودان، وهم يعيشون في أحياء خاصة بهم في المدن، ولقد دخل الإسلام إقليم الهوسا في القرن الرابع عشر الميلادي، وأسهموا كثيرًا في نشر الإسلام في معظم نيجيريا، خاصةً بعد هجرة الفولاني إلى نيجيريا في أواخر القرن الثامن عشر وسيطرتهم على الهوسا.

و«الفولاني» هي المجموعة القوية الثانية في الإقليم الشمالي، ويبلغ عددهم ٢٫٥ مليون على وجه التقريب (تقدير ١٩٥٢)، ويتركزون في مناطق معينة من الإقليم الشمالي، وخاصة في منطقة سوكوتو وكنو وجوس والضفة الجنوبية للبنوي والهضاب الشرقية المؤدية إلى الكمرون، حيث تمتد مجموعات عديدة أخرى من الفولاني، ويظهر اسم الفولاني في صور عديدة حسب نطق بعض اللهجات الأفريقية والأوروبية، وهو يظهر دائمًا في مجموعة اللغات الأفريقية الغربية وفي الفرنسية باسم فولبة أو فول أو بيل، ويسمون أيضًا في وادي النيل باسم الفلاتة، ويبدو أن الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم — وخاصة في غرب أفريقيا هو فولبة — ويظهرون في غير نيجيريا في السنغال ومالي وغينيا في الغرب، وفي جمهورية النيجر والكمرون وتشاد ودارفور في الشرق، ويقال إنهم أصلًا هجرة من صعيد مصر استمرت في طريقها في السودان ونطاق السفانا حتى السنغال وفوتا جالون في غينيا، ثم ارتدت منهم هجرة أخرى من الغرب إلى الشرق وصلت شمال نيجيريا والكمرون في أواخر القرن الثامن عشر.

وأحدث ظاهرة تاريخية في حياة الفولاني الحديثة تجمُّعهم بقيادة أحد أتقيائهم، ويُسمَّى عثمان دن فوديو، وتمكُّنهم من هزيمة إمارات الهوسا وتكوين إمبراطورية الفولاني في شمال نيجيريا وهضاب الكمرون عام ١٨٠٢، وأحد أحفاد هذا الزعيم هو أحمدو بلو رئيس وزراء نيجيريا الشمالية الذي قُتِل في انقلاب أوائل ١٩٦٦. والفولاني في رأي الباحثين جميعًا حاميون اختلطوا بالزنوج، ولغتهم ما زالت غير مصنفة، وهناك في الوقت الحاضر دراسات لغوية يقوم بها الباحثون من النمساويين والألمان بين الفولاني، ولهم صفات مميزة في مظهرهم الجسدي؛ فهم نحاف طوال القامة، وبشرتهم فاتحة بالنسبة للهوسا وغيرهم من الشعوب المحيطة، وهم على خلق قويم وجانب كبير من الأمانة، كما أنهم متحفظون ومحافظون على التقاليد.

ولا يزال بعض الفولاني يمارسون الرعي، وهؤلاء هم أنقى مجموعات الفولاني من ناحية تمثيلهم للصفات السلالية الأصلية غير المختلطة بالزنوج، وبعضهم استفلح الأرض واستقرَّ، وهؤلاء بدأت تظهر فيهم الصفات الزنجية نظرًا للتزاوج المستمر مع الزنوج.

ويلي الهوسا والفولاني مجموعات قبلية أصغر عددًا، أكبرهم الكانوري — سكان برنو — في الشمال الشرقي، ويزيد عددهم عن ١٫٣ مليون، ثم التيف Tiv في حوض البنوي الأدنى، وعدده ثلاثة أرباع المليون، ثم ثلث مليون من النبه، ثم عشرات الآلاف من الإيجبيرا على النيجر الأوسط والجوكون في أواسط البنوي، وغيرهم كثير في جوس والأماكن المتطرفة شرقًا وغربًا.

وفي الإقليم الشرقي نجد مجموعتين قبليتين رئيسيتين هما: «الأيبيبيو» في الشرق (نهر كروس)، و«الأيبو» فيما بين النيجر ودلتاه غربًا والأيبيبيو في الشرق، والأيبو هم أكبر مجموعة في شرق نيجيريا، وثاني مجموعة من ناحية العدد في نيجيريا كلها، ويبلغ عددهم (تقدير ١٩٥٢) حوالي خمسة ملايين شخص، وهم من الزنوج الخلص ويعيشون على الزراعة (اليام والكسافا للغذا المحلي)، وعلى زيت النخيل كمحصول تجاري، ويسكنون قرى عديدة داخل الغابات والأحراش، ويتنافسون بشدة مع اليوربا على زعامة النصف الجنوبي من نيجيريا.

أما الإقليم الغربي فهو موطن مجموعة «اليوربا-بنين» التي يبلغ عددها قرابة خمسة ملايين، واليوربا سلالة خليطة من الزنوج ومهاجرين من الشمال. وتقول تواريخ اليوربا الشفاهية إنهم قد وفدوا من حوض النيل — من مصر غالبًا — منذ قرابة ألف سنة، وتذكر هذه التواريخ أن مدينة إيفي قد غزتها جماعات قادمة من الشمال، وانتقلت عاصمة اليوربا بعد ذلك إلى أويو. وكانت مملكة اليوربا عسكرية النزعة والنظام، ولكن القسم الشمالي سقط في أيدي الفولاني واستقلَّ عن القسم الجنوبي بعد حروب أهلية عديدة. واليوربا مزارعون ولكنهم — على عكس الأيبو — يفضِّلون حياة المدن، ومن ثَمَّ سَهُل تغلغُل الإسلام والمسيحية بينهم، وسَهُل نموهم السكاني نتيجة الرعاية الصحية وانتشار التعليم، وحدود الإسلام في منطقة اليوربا قد وصل إلى إيبدان التي يتكون قسم كبير من سكانها من المسلمين، ولليوربا والبنين تاريخ مشهود في الفنون التشكيلية الأفريقية من الخشب المُطعَّم أو الأبنوس المُطعَّم بالذهب، والتماثيل الذهبية والنحاسية والأقنعة وما إلى ذلك من منتجات لها أهميتها العظيمة في تاريخ الفن الزنجي الأفريقي.

(٤-٢) النشاط الاقتصادي

نظرًا لضخامة نيجيريا وتنوُّع أقاليمها الطبيعية ووقوعها داخل المنطقة الاستوائية والسودانية معًا، فإن النشاط الاقتصادي في هذه الدولة متنوع وعديد، وسنعالج موضوع النشاط الاقتصادي على حسب نوع النشاط وأقاليمه.

(أ) اقتصاديات النطاق الاستوائي

تُعَدُّ نيجيريا — رغم قلة مساحات الغابات الاستوائية فيها بالمقارنة بالكنغو وغيرها٣ — أكبر دولة أفريقية مصدِّرة للأخشاب، ومع ذلك فإن كمية الأخشاب التي تستهلكها محليًّا أكبر من الكمية التي تصدِّرها للخارج، وهذا يدل على مدى التوسُّع في استغلال موارد الغابات النيجيرية، ولولا أن نيجيريا تنتهج سياسةً جيدةً في استغلال الغابات، لما أمكن لها أن تستمر في استغلال هذا المورد الهام. وتنص هذه السياسة على أن تقطع الأشجار في منطقةٍ ما، ثم تترك دون استغلال حتى تنمو فيها الأشجار طبيعيًّا مرة أخرى، وهذه السياسة تسعى للمحافظة على مساحات الغابات في حدود الإمكان، ولكنها لا تسعى إلى زيادة المساحة بزراعة الأشجار، أو تشجير مناطق أخرى بأنواع من الأخشاب المطلوبة، وكما أنه في قطع الأشجار لا تتبع سياسة اختيار النوع، بل تقطع الأشجار على اختلاف أنواعها؛ وذلك ليتسنَّى للغابة أن تنمو طبيعيًّا على صورة مشابهة لما كانت عليه من قبلُ.
وتبلغ مساحة الغابات في نيجيريا ٣١٩ ألف كيلومتر مربع؛ ويعني ذلك أن حوالي ثلث نيجيريا مغطَّى بالغابات، وليست كل هذه المساحة غابات استوائية بالمعنى المفهوم، فهناك أحراش كثيرة تحتلُّ مساحات كبيرة من الدولة وخاصة في الإقليم الشمالي، ومساحة الأراضي التي يمكن أن تُعَدَّ غابات تُستغَل فقط في شتى نواحي الاستغلال الغابي قرابة ٦٧ ألف كيلومتر مربع، أي قرابة ٧٫٥٪ فقط من المساحة الكلية للدولة، وتتوزع هذه المساحة بنِسَب مختلفة في أقاليم الدولة؛ فهناك سبعة آلاف كم٢ في الإقليم الشرقي، و١٨ ألفًا في الإقليم الغربي، و٤١ ألفًا في الإقليم الشمالي، وبعبارة أخرى فإنه إذا كان نصيب الغابات ٧٪ في الدولة، فهو في الإقليم الشمالي ٥٪ فقط من مساحته؛ نظرًا لضخامة المساحة (٧٢٩٠٠٠كم٢)، ولتوغل هذا الإقليم في الداخل بعيدًا عن المناخ الاستوائي، و١٠٪ من مساحة الإقليم الشرقي، و١٦٪ من مساحة الإقليم الغربي.

والسبب في قلة مساحات الغابات الاستوائية في الإقليم الشرقي راجع إلى كثافة السكن الريفي للأيبو واستغلالهم الأراضي داخل الغابة للزراعة.

قطع الأخشاب

نظرًا لظروف الموقع، فإن الإقليم الغربي يأتي في مقدمة أقاليم نيجيريا في استغلال المورد الغابي، فهنا مجموعة عديدة من الأنهار الصغيرة التي تنحدر من حافة الهضبة إلى الساحل، بالإضافة إلى فروع دلتا النيجر العديدة والأنهار الصغيرة التي تجري في إقليم بنين والملحقة أيضًا بدلتا النهر الكبير، وهذه الأنهار من أهم الشروط في إمكانية استغلال الغابات دون تكلفة نقل كبيرة، ولهذا نجد أن قرابة ٨٠٪ من أخشاب نيجيريا يأتي من الإقليم الغربي.

وأهم مراكز قطع الأشجار توجد في إيجييوا وأوندا وجنوب إقليم بنين. وإلى جانب ذلك تستغل بعض مصادر الغابات في الإقليم الشرقي وخاصة حول نهر كروس.

ويبلغ مجموع صادرات نيجيريا من الأخشاب قرابة نصف مليون متر مكعب، يتجه قرابة ٨٠٪ منه إلى بريطانيا، ويُصدَّر الخشب في صورة كتل أو ألواح، وقد أنشأت شركة الأخشاب والأبلكاش الأفريقية مصنعًا لتقطيع الخشب إلى ألواح في ميناء سابليه في إقليم بنين، يُعَدُّ من المصانع الحديثة في العالم، ولا نظير له في بقية أفريقيا، ويصدِّر معظم إنتاجه إلى الولايات المتحدة. وإلى جانب مينائي لاجوس وكلابار، توجد موانئ أخرى صغيرة في دلتا النيجر تتعامل في تجارة الأخشاب نذكر منها: واري Warri، وبوني Bonny، وبوروتو، وكوكو.

نخيل الزيت

ليست الأخشاب هي كل أوجه الاستغلال الاقتصادي لنطاق الغابات الاستوائية في نيجيريا، فهناك العديد من أوجه الاستغلال، ولكننا لن نناقش منها سوي أهمها وهي نخيل الزيت والمطاط والكاكاو، فالنخيل الذي ينمو بأعداد هائلة يُستغَل في نواحٍ كثيرة، منها الأخشاب الخاصة ببناء الأكواخ، والخوص الذي تُعمَل منه الجدائل بشتى الأشكال من الحُصُر إلى الحبال، ولكن أهم فوائد هذا النخيل هو الثمر الذي تُستخرَج منه الزيوت التي يُستفَاد بها محليًّا منذ قديم الزمن في طهي الطعام كبديل للدهون الحيوانية القليلة — نظرًا لوجود ذبابة تسي تسي — ويماثل بذلك سكان البحر المتوسط الذين يستخدمون زيت الزيتون بكثرة لقلة الحيوانات في الإقليم، وتحويل مساحات الأراضي إلى الزراعة في هذا الإقليم نظرًا للكثافة السكانية العالية، وإلى جانب استخدام زيت النخيل في غرب أفريقيا في الطعام، فهو يُستخدَم أيضًا في الإضاءة.

وحينما دخلت نيجيريا مجال الاقتصاد الحديث تحوَّلَ محصول زيت النخيل إلى سلعة تجارية على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لتجارة الدولة؛ إذ تُقدَّر صادراته بثلث قيمة مجموع صادرات نيجيريا.

ويُستهلَك نصفُ إنتاج الزيت محليًّا والباقي يُصدَّر، ولكن نواة الثمرة تُصدَّر كلها، ولا تزال نيجيريا تتصدر العالم في صادرات زيت النخيل ونواة النخيل، ويبلغ نصيبها حوالي ٥٠٪ من مجموع ما يدخل في التجارة العالمية من هذا الإنتاج.

وفي عام ١٩٧٠ بلغ الإنتاج العالمي لزيت النخيل ١٫٧٩ مليون طن، كان نصيب أفريقيا منه ٥٩٪، وقد كان إنتاج نيجيريا في تلك السنة ٤٨٨ ألف طن (٢٧٫٢٪ من الإنتاج العالمي)، وينافسها في الإنتاج من الدول الأفريقية زائيري = (١١٪ من الإنتاج العالمي). وتدل هذه الأرقام على صدارة نيجيريا، خاصة وأن زائيري قد هبط إنتاجها من مائتَيْ ألف طن عام ١٩٦٣، إلى ١٩٧ ألفًا عام ١٩٧٠، وكذلك تتصدر نيجيريا الدول الأفريقية في صادرات نواة النخيل، وغالبية صادرات الزيت والنواة تتجه إلى بريطانيا.

وفي الوقت الذي تتركز فيه أهم مصادر الأخشاب في الإقليم الغربي، فإن أهم منطقة تركُّزٍ لنخيل الزيت تقع في الإقليم الشرقي بالإضافة إلى إقليم بنين، فظروف المطر والحرارة في هذين الإقليمين أصلح لنمو نخيل الزيت من الإقليم الغربي، وإلى جانب النخيل الذي ينمو طبيعيًّا، فإن هناك مزارع حديثة خاصة بنخيل الزيت تتركز في سابيليه وكلابار، وهي تعطي أنواعًا ممتازة من الزيت.

المطاط

في القرن التاسع عشر كان المطاط الطبيعي يُجمَع من غابات نيجيريا، وفي السنوات السابقة للحرب العالمية الأولى بدأت زراعة المطاط، وخاصة في إقليم بنين وحول سابيليه وفي بعض مناطق الإقليم الشرقي، ومعظم الإنتاج في أيدي الأفريقيين. وقد أنشأت حكومة غرب نيجيريا مصنعًا ضخمًا لتصنيع الكريب وألواح المطاط من النوع الممتاز، ولا نظير لهذا المصنع حتى في الملايو، رغم أنها أكبر مراكز إنتاج المطاط في العالم، وتبلغ مساحة مزارع المطاط حوالي ثمانية آلاف هكتار مركَّزة في سابيليه وكلابار وأوبان. ويلقى هذا المحصول اهتمامًا متزايدًا، ويدل على ذلك أن الإنتاج عام ١٩٥٢ كان ١٣ ألف طن متري، بينما كان إنتاج ليبيريا ٣١ ألف طن، وفي عام ١٩٧٠ ارتفع إنتاج نيجيريا إلى ٦٥ ألفًا، وأصبح بذلك أعلى قليلًا من ليبيريا (٦٤٫٧ ألف طن)، وأصبحت نيجيريا تتصدر قائمة منتجي المطاط الأفريقي الذي يساوي ٦٫٥٪ من الإنتاج العالمي.

الكاكاو

في الإقليم الغربي الذي تميَّزَ بكثرة مصادر الخشب والمطاط وقلة مصادره من نخيل الزيت، نجد أكبر مزارع الكاكاو، وذلك لملائمة الظروف الطبيعية لنمو هذا النبات الحساس (من أهم الشروط قلة محسوسة في المطر الاستوائي في الغرب عنه في شرق نيجيريا راجع [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية – الفصل الرابع: نيجيريا – المناخ والنبات].)

ولقد كان لارتفاع أسعار الكاكاو فيما بعد الحرب العالمية الثانية أثر واضح في زيادة التوسُّع في إنتاج الكاكاو الذي بدأت زراعته في نيجيريا عام ١٨٧٤، وعلى الرغم من أن دخول الكاكاو نيجيريا قد سبق دخوله في غانا بحوالي خمس سنوات، إلا أن غانا قد فاقت نيجيريا في الإنتاج، وربما كان من بين أسباب ذلك ملائمة المطر والتربة في غانا عن نيجيريا.

ويتركَّز إنتاج الكاكاو حول إيبدان وأويو وأوندو، وكلها تقع إلى الشمال من لاجوس، وتُقدَّر المساحة المزروعة كاكاوًا حوالي مائتَيْ ألف هكتار، وعدد المنتجين ١٧٥ ألفًا. وفي عام ١٩٥٣ كان الإنتاج ١٠٥ آلاف طن متري، ارتفع إلى ٢١٨ ألف طن عام ١٩٧٠، وفي كلتا السنتين كان هذا الإنتاج يساوي حوالي نصف إنتاج غانا، وعلى هذا تصبح نيجيريا الدولة الثانية بعد غانا من بين دول العالم المنتجة للكاكاو، ويحتلُّ الكاكاو مركزًا ممتازًا في تجارة الصادرات النيجيرية؛ إذ تبلغ قيمة صادرات الكاكاو حوالي ربع قيمة الصادرات النيجيرية كلها.

(ب) الثروة الحيوانية

جدول ٤-٣: الثروة الحيوانية في نيجيريا (بالآلاف) ١٩٥٩ و١٩٧٠.*
النوع الجملة ١٩٧٠ الجملة ١٩٥٩ الإقليم الشمالي ١٩٥٩ الإقليم الشرقي ١٩٥٩ الإقليم الغربي ١٩٥٩
الماشية ١١٥٥٠ ٣٤٤٥ ٣٣٥٠ ١٢٥ ٧٠
الأغنام ٨٠٠٠ ٤٥٢٠ ٣٢٠٠ ٧٠٠ ٦٢٠
الماعز ٢٣٤٠٠ ١٢٩٢٠ ١٠٣٠٠ ١٣٠٠ ١٣٢٠
الخنازير ٨٢٠ ٥٠٢ ٢٤٠ ٢٢ ٢٤٠
الأرقام عن الكتاب السنوي للإنتاج: هيئة الأغذية والزراعة، سنوات ١٩٦٤ و١٩٧٠.

ويوضِّح هذا الجدول كيف تتفاوت تقديرات الثروة الحيوانية كثيرًا، برغم أن المصدر الذي قدَّر أعداد الحيوان واحد — هو هيئة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. ومهما تكن حقيقة الأرقام، فإن المؤكَّد أن الإقليم الشمالي يستأثر بأكبر عدد من الحيوان على اختلاف نوعه، كما يتضح ذلك من دراسة الخريطة رقم (٦٥)، وذلك أمر طبيعي ومفهوم، فالإقليمان الشرقي والغربي يظهر فيهما ذباب تسي تسي بكثرة، كما أن الغابات تغطي مساحات كبيرة منهما، وبالإضافة إلى ذلك فإن سكانهما يعيشون على الزراعة أساسًا، أما الإقليم الشمالي فهو خالٍ إلى حدٍّ كبير من ذبابة تسي تسي، ومعظم أراضيه سفانا شجرية أو سفانا خالية من الأشجار، ويضاف إلى ذلك أن الكثير من سكانه — وعلى رأسهم الفولاني — رعاة أساسًا، وعلى الرغم من سيادة الإسلام في الإقليم الشمالي، إلا أن ظهور أعداد الخنازير مرتبط بالقبائل الوثنية التي تتركز غالبًا في هضبة جوس وفي بعض مناطق وادي البنوي.

ويكون الماعز أكبر ثروة حيوانية في نيجيريا؛ لانتشاره في كل الأقاليم ولتحمُّله ظروفًا مختلفة من الحياة، وهناك نوع من الماعز النيجيري له أهمية خاصة، ذلك هو الماعز ذو الجلد الأحمر المعروف بماعز سوكوتو، ولجلده شهرة في عمل المصنوعات الجلدية الغالية الثمن، وتجارة الجلد الأحمر قديمة عرفتها قوافل الإبل من شمال نيجيريا والنيجر عبر الصحراء الكبرى إلى مراكز تشغيل الجلود التقليدية في مدن المغرب، وما زال لمصنوعات هذا الجلد أهمية خاصة في أسواق أوروبا وأمريكا، لما لها من طابع سياحي، وقد حاولت بريطانيا تهجين ماعز سوكوتو بماعز جبلي بريطاني، ولكن التجربة فشلت؛ لأن الجلود الناجمة عن هذا التهجين قد أصبحت ضعيفة.

وتنتشر أنواع من أبقار الفولاني في شمال نيجيريا، ولكن قيمة الماشية النيجيرية في الإقليم الشمالي قيمة قليلة فيما يختص باللحم واللبن؛ فوزن رأس الماشية حيًّا لا يزيد عن ٢٥٠ كيلوجرامًا، بينما يصل إلى ٤٠٠كجم في المتوسط في أبقار أوروبا وأمريكا، ووزن اللحم الصافي ١١٠كجم أو أقل في نيجيريا بالنسبة للبقرة، بينما هو في حدود مائتَيْ كجم في أوروبا. ورغم ضعف هذه الماشية بالنسبة لمثيلاتها الأوروبية، إلا أنها لا تفترق كثيرًا عن بقية الماشية الأفريقية من ناحية، وتصبح من ناحية أخرى، في وضع أفضل بالنسبة لماشية الإقليمين الشرقي والغربي من نيجيريا، اللذين تنتشر فيهما ماشية صغيرة تُسمَّى ماشية غرب أفريقيا قصيرة القرن.

figure
خريطة رقم (٦٥): خريطة نيجيريا الاقتصادية.

(أ) اقتصاديات الحقل التجارية: (١) مناطق زراعة التبغ. (٢) نطاق الفول السوداني. (٣) مناطق الإنتاج الرئيسية للفول السوداني والقطن. (٤) نطاق القطن في الإقليمين الشمالي والغربي. (٥) نطاق إنتاج سمسم بني (حوض البنوي). (٦) نطاق نخيل الزيت. (٧) نطاق الكاكاو. (٨) مزارع المطاط. (٩) النطاق الرئيسي لقطع الأشجار. (ب) إنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي: (١) نطاق الدخن والدخن كبير الحب، والأرز (مستنقعات بيدا في حوض نهر كادونا الأوسط والأدنى). (٢) نطاق اليام والذرة، والأرز (سهل النيجر وشمال شرق الإقليم الشرقي)، بالإضافة إلى الدخن في القسم الشمالي من هذا النطاق. (٣) مناطق تربية الحيوان الرئيسية. (ﺟ) إنتاج المعادن: (١) مناطق التعدين الرئيسية (جوس وإينوجو). (٢) منطقة إنتاج البترول. (د) المدن: (١) نباتات المستنقعات الدولتاوية والساحلية.

ونظرًا لضخامة أعداد سكان نيجيريا وللتركُّز المدني في بعض الأقاليم، فإن استهلاك نيجيريا من اللحم كبير نسبيًّا، ويُقدَّر ما يُذبَح سنويًّا بأكثر من مليون رأس من الأبقار، وثلاثة ملايين رأس من الماعز والأغنام؛ ولذلك فتجارة اللحم الداخلية على جانب كبير من الأهمية في نيجيريا، بالإضافة إلى تجارة الجلود الهامة. ومعظم تجارة اللحم تتجه من الإقليم الشمالي في اتجاه مدن اليوربا ومراكز التعدين في الإقليم الشرقي، وأهم مركز لتجمُّع تجارة اللحم والماشية الحية في الشمال هي كنو، حيث يتم النقل بواسطة السكة الحديدية أو بواسطة سيارات التبريد الخاصة، ولو أنها لا تستطيع منافسة السكة الحديدية لرخص أسعارها. ويضاف إلى ذلك كثير من الماشية التي تنتقل على الأقدام في «طرق ماشية» معروفة من الشمال إلى الجنوب، ولكن هذه الطريقة تؤدي إلى هزال الحيوان الذي يسير ما بين عشرين وستين يومًا، ليصل إلى سوق الاستهلاك في الجنوب.

ولا شك أن تحسين سلالة الحيوان مرتبط بانتشار الخدمة البيطرية، ومكافحة ذباب تسي تسي، وتحسين غذاء الماشية، وزراعة برسيم أو غيره من هذه الأغذية، وبالتالي انتهاج سياسة الزراعة المختلطة مما قد يساعد على تثبيت أقدام الرعاة المتنقلين. ولقد أظهر الفولاني استعدادًا طيبًا في هذا المجال، إذا ما خُصِّصت لهؤلاء الرعاة ملكيات ثابتة مشروعة محمية بواسطة القانون، كما يشترط أيضًا أن تتوافر في هذه الأراضي مصادر للماء والغذاء للماشية وللسكان معًا.

وفيما يختص بمنتجات الألبان، فإنها ما زالت متأخرة في نيجيريا على العموم، ويسعى الفولاني إلى زيادة مكاسبهم عن طريق إجادتهم لهذه السلع، ولكن الأمر يحتاج إلى جهد وتعليم ورأسمال، وهناك بعض مراكز حديثة لتصنيع منتجات الألبان من أهمها ما هو موجود في كنو وجوس وفوم.

(ﺟ) الإنتاج الزراعي

على الرغم من أن حكومة نيجيريا في خلال عهد الاستعمار البريطاني، قد خصَّصت مساحات صغيرة من نيجيريا للأوروبيين لكي يمتلكوا مزارع داخل المستعمرة، إلا أن عددهم كان قليلًا ولم تزد ملكياتهم عن ١٦ ألف فدان، ولهذا فإن النمو الزراعي في نيجيريا قد قام حقًّا على أكتاف الملَّاك النيجيريين أو هيئات وشركات زراعية حكومية.

محاصيل الغذاء

كما هو الحال في معظم أفريقيا فإن الإنتاج الزراعي في غالبه موجَّه إلى الكفاية الذاتية، وعلى رأس هذه المحاصيل المدارية تأتي الدرنيات، ومن أهمها: اليام والكاسافا وكوكويام، بالإضافة إلى الدخن والذرة والأرز. ويوضِّح الجدول التالي إنتاج بعض هذه المحاصيل:

جدول ٤-٤: إنتاج المحاصيل الغذائية التقليدية ١٩٧٠.*
المحصول المساحة ألف هكتار الإنتاج ألف طن مردود الهكتار بالكيلوجرام
السرغم ٤٠٠٠ ٣٥٠٠ ٨٨٠
الدخن ٣٤٠٠ ٢٨٠٠ ٨٢٠
اليام والبطاطا ١٧٠٠ ١٢٥٠٠ ٧٤٠
الذرة ١١٠٠ ١٢٢٠ ١١١٠
الكاسافا ١٠٠٠ ٦٨٠٠ ٦٨٠
الأرز ٢٥٠ ٤٠٠ ١٦٠٠
الأرقام عن كتاب الإنتاج السنوي لهيئة الأغذية والزراعة ١٩٧٠.

ولكن من هذه المحصولات توزيع جغرافي مرتبط بالشروط الطبيعية لنمو المحصول؛ ففي النطاق الاستوائي الجنوبي يزرع اليام والكاسافا والذرة، وينمو اليام أساسًا في الأقسام الشمالية من إقليمَيْ نيجيريا الشرقي والغربي — وبعبارة أخرى حافة الهضبة الأفريقية وهضبة أودي وجنوب إيللورين. أما الكاسافا فتُزرَع أساسًا في السهول التي تقع جنوب هذه الهضاب الصغيرة داخل نطاق الغابة الاستوائية في منطقة كلابار وشرقي دلتا النيجر وإقليم بنين، ويضيق نطاقها شرقًا في اتجاه لاجوس، وتزرع الكاسافا في هذا النطاق جنبًا إلى جنب مع نخيل الزيت، وفي مناطق معينة من هذا النطاق — مناطق المستنقعات على وجه التخصيص — تتركز زراعة الأرز.

ولا يرجع ضيق نطاق الكاسافا في إقليم اليوربا إلى ظروف طبيعية بقدر ما يرجع إلى انتشار زراعة الكاكاو في المنطقة الممتدة شمال لاجوس وشمالها الشرقي، كما هو واضح من الخريطة (٦٤)، وقد كانت منطقة الكاكاو هذه من قبلُ منطقةَ إنتاجِ كاسافا، ولكن الكاسافا كمحصول غذائي للاستهلاك المحلي لا يمكن أن يقف متحديًا الكاكاو كمحصول نقدي هام يساعد على تمويل سكان اليوربا الذين يتكاثفون في المدن العديدة في هذه المنطقة، وربما كان للكاكاو أثر في إمكان اليوربا التكاثف في مدنهم الكبيرة؛ لأنه يعطيهم دخلًا كبيرًا لا وجود له بالنسبة للأيبو المتكاثفين في قراهم الزراعية. وإلى الغرب من خط حديد لاجوس إيبدان يعود محصول اليام والكاسافا إلى الظهور حتى الحدود مع داهومي.

أما دلتا النيجر والمستنقعات الساحلية من بورت هاركورت حتى لاجوس فلا تُزرَع فيها محاصيل غذائية؛ لسيادة غابات المنجروف ونباتات المستنقعات الدلتاوية، وإنْ كانت بعض المناطق هنا قد أخذت بزراعة الأرز مؤخرًا.

وفي الإقليم الشمالي تتدرج المحاصيل الغذائية على النحو التالي:
  • (١)
    في القسم الجنوبي وحوضي البنوي والنيجر: تسود زراعة اليام مع حبوب الدخن الكبيرة Guinea Corn في الجنوب، والدخن العادي في الشمال، وفي هذا القسم أيضًا يُزرَع الأرز في حوض النيجر وفي أوجوجا جنوب البنوي، والسمسم في أراضي قبيلة تيف في حوض البنوي.
  • (٢)

    القسم الأوسط الممتد من هضبة جوس حتى كادونا وحدود داهومي: وهذا هو إقليم الدخن بأنواعه مع الأرز في بعض المناطق المستنقعية (إقليم بيدا في نهر كادونا الأسفل).

  • (٣)
    القسم الشمالي: ويزرع أيضًا أنواع الدخن المختلفة مع بعض الفواكه، ولكن السكان في هذا القسم يزرعون أيضًا محصولات نقدية أهمها القطن وفول السوداني، وفي القسم الشمالي الأقصى يسود الدخن العادي فقط، ونظرًا لاتساع هذا الإقليم، فإن له خصائص محلية في مناطقه المختلفة، وحول مدينة كنو نشأت زراعات خاصة باستهلاك المدينة كالخضر والفواكه، وكلها تقوم على أساس الري الصناعي من أجل الزراعة الدائمة، وإمداد سوق كنو باحتياجه على مدار السنة.٤

المحاصيل التجارية

وإلى جانب المحاصيل الغذائية فإن نيجيريا تنتج عدة محاصيل نقدية سبق أن عالجنا بعضها داخل إنتاج الموارد الغابية، وهي زيت النخيل ونواة النخيل والكاكاو — وهذه محصولات شجرية استوائية — وغير ذلك من المحاصيل النقدية يظهر القطن والفول السوداني وأخيرًا التبغ والسمسم:
  • القطن: يُزرَع القطن في مناطق عديدة من نيجيريا نظرًا للحاجة الشديدة إليه لصناعات النسيج المحلية، ولذلك فهناك أنواع عديدة من القطن لكلٍّ من مواطنها الجغرافية الخاصة المتلائمة مع الظروف الطبيعية. وأهم مراكز زراعة القطن ما يلي:
    • أولًا: نطاق القطن في الإقليم الشمالي: ويمتد هذا النطاق في وسط الشمال من الإقليم الشمالي، فيما بين شمال شرق هضبة جوس وجنوب شرق سوكوتو، ومركز هذا الإقليم زاريا، وحدوده الشمالية الوسطى كنو، والجنوبية كادونا، وبذلك فإن أهم أقاليم القطن حول زاريا وكاتسنا وجنوب شرق سوكوتو، يليها في ذلك إقليم باوتشي شمال شرق جوس. ومن أهم شروط نمو القطن في هذا الإقليم مطر متوسط بين ٨٠٠مم و١٠٠٠مم، ولكن بعض المناطق يسقط فيها كمية مطر أقل من ذلك أو أكثر، ومع ذلك يمكن نمو القطن فيها، والحد الأدنى هو ٥٠٠مم والأعلى ١٣٠٠مم.
      والنوع الرئيسي الذي ينمو في هذا الإقليم هو قطن «الن Allen» الذي دخل في أوائل القرن الحالي، ثم انتشرت زراعته بسرعة بعد عام ١٩١٢، حينما وصل خط السكة الحديدية من لاجوس إلى كنو، فاتحًا بذلك آفاق المنطقة الوسطى، وقد بدأت زراعة القطن في هذه المنطقة شركة بريطانية اسمها الرابطة الإنجليزية لمنتجي القطن، وتشرف حكومة نيجيريا الشمالية على زراعة القطن وتدقِّق في اختيار البذور، وقطن الن متوسط التيلة (طول التيلة بوصة بوصة)، ومحصوله جيد.
    • ثانيًا: نطاق القطن في الإقليم الغربي: وينمو القطن في قسم محدود من الإقليم الغربي، هو المحصور بين أبيكوتا وأوشوجبو وأطراف بنين، ويُزرَع هنا نوعان هما: قطن إيشان وقطن ميكو، وقد أدخل الإسبانيون النوع الأول في إقليم بنين (منطقة إيشان)، بينما أدخل البرتغاليون قطن ميكو في منطقة إبيكوتا.

      وكلا النوعين خشن قصير التيلة، وكل إنتاجهما يُستخدَم محليًّا داخل نيجيريا، وينمو قطن ميكو في المناطق الجافة داخل النطاق الاستوائي، أما قطن إيشان فينمو داخل إقليم الكاكاو، وقد كان لهذا تأثير عليه؛ فالكاكاو كمحصول نقدي أوفر ربحًا من القطن، مما يؤدي إلى تقلُّص مساحة القطن أمام الكاكاو باستمرار.

      وتحتلُّ نيجيريا المرتبة الخامسة بين دول أفريقيا المنتجة للقطن بعد مصر والسودان وأوغندا وتنزانيا، ولكنها تحتل المرتبة الثالثة إذا استثنينا الإنتاج المصري والسوداني من الأقطان الطويلة التيلة، بينما أقطان أفريقيا الأخرى متوسطة إلى قصيرة التيلة. وقد تطوَّرَ إنتاج نيجيريا من متوسط قدره ٢٥ ألف طن متري في فترة ١٩٥٢–١٩٥٦ إلى ٤٢ ألف طن متري في فترة ١٩٦٠–١٩٦٧.

      وقد بلغ الإنتاج ٨٧ ألف طن عام ١٩٧٠، وكانت المساحة المزروعة قطنًا في تلك السنة ٤٢٠ ألف هكتار، وبذلك فإن عائد الهكتار يساوي نصف مثيله في السودان وسُبْع مثيله في مصر، ولكنه يساوي ضعف مثيله في أوغندا. وفي ١٩٦٩ كانت قيمة صادرات القطن تساوي ١٠٪ من قيمة الصادرات النيجيرية.

  • الفول السوداني: يتركَّز إنتاج الفول السوداني في القسم الشمالي الأقصى من الإقليم الشمالي وحدوده الجنوبية عرض مدينة كنو على وجه التقريب، مع امتداد جنوبي في الشرق في إقليم برنو، ويمتد في هذا الإقليم جنوبًا حتى مدينة يولا على أعالي البنوي.

    وتُعتبَر نيجيريا أولى دول العالم المصدِّرة للفول السوداني، رغم إنها ليست أولى الدول المنتجة له؛ إذ يسبقها في ذلك الهند، ومع ذلك فهي أولى دول أفريقيا في إنتاج هذا المحصول التجاري الهام، تليها في ذلك السنغال. وقد بلغ متوسط الإنتاج في السنوات ١٩٦٠–١٩٦٨ حوالي ١٫٤ مليون طن، مقابل متوسط إنتاجي للسنغال قدره ٠٫٩٥ مليون طن، ومتوسط إنتاجي للهند قدره ٤٫٩٨ مليون طن للفترة ذاتها (١٩٦٠–١٩٦٨). وقد كانت قيمة صادرات فول السوداني حوالي ربع مجموع الصادرات النيجيرية في الخمسينيات، مماثلًا بذلك الكاكاو، لكن القيمة هبطت في عام ١٩٦٩ إلى ما قيمته مائة مليون دولار (صادرات) مقابل ١٤٧ مليونًا للكاكاو، و٣٨٠ مليونًا للبترول الذي أصبح يتصدَّر قائمة صادرات نيجيريا.

    وقد دخل إنتاج الفول السوداني في شمال نيجيريا مرحلة المحصول النقدي ابتداءً من أوائل القرن الحالي، واتَّسَع نطاق زراعته بشدة بعد وصول السكة الحديدة إلى كنو عام ١٩١٢. وفي عام ١٩١١ كان الصادر لا يزيد عن ألفَيْ طن، زاد عام ١٩١٣ — أي السنة التالية لوصول الخط الحديدي — إلى عشرة أضعاف ما قبل الخط الحديدي، وظلت الزيادة مستمرة حتى اليوم باستثناء انخفاض ملحوظ خلال الحرب العالمية الثانية.

    والفول السوداني محصول أراضي رملية أو شبه رملية إذا ما توفَّر الماء اللازم لنمو النبات، والحد الأدنى لاحتياجات النبات من المطر هو ٥٠٠م، وفي نيجيريا عدة مصانع لعصر الفول السوداني واستخلاص الزيت منه، ولكن كلها معاصِر متوسطة الحجم، أهم مركز لها كنو.

  • التبغ: ينمو في مناطق عديدة من نيجيريا، ولكن أهم مناطق إنتاجه في الشمال (زاريا سوكوتو، وكانو، وكاتسنا، وبرنو)، وفي الغرب (أوجبو موشو وأيو). وقد بدأ إنتاج التبغ في نيجيريا عام ١٩٤٠، وأصبحت خلال كل الستينيات في المرتبة الرابعة بين الدول الأفريقية المنتجة. في ١٩٧٠ كان الإنتاج في روديسيا ٦٢ ألف طن، في جنوب أفريقيا ٣٣٫٩ ألف طن، وفي مالاوي ١٩ ألفًا، ونيجيريا ١٦٫٤ ألف طن، ويُستهلَك الإنتاج في صنع السجائر محليًّا.
  • سمسم بني Benniseed: وهذا المحصول احتكار إنتاجي لقبيلة تيف في القسم الأوسط والأدنى من حوض البنوي، وهو المحصول النقدي الوحيد لهذا الحوض الفقير نسبيًّا في التربة، ونيجيريا أولى دول أفريقيا في إنتاجه، ولكنها الثانية في العالم بعد الهند، ورغم ذلك فإن صادرات نيجيريا من هذا السمسم أكبر من صادرات الهند.
    ويمكننا أن نلخِّص موقف أقاليم نيجيريا الثلاثة من حيث الإنتاج الغابي والرعوي والزراعي على النحو التالي:
    • أولًا: الإقليم الشمالي: يتميز بقلة واضحة في مصارده الغابية القابلة للاستغلال التجاري، ولكن يعوضه عن ذلك تركُّز الثروة الحيوانية فيه من ناحية، وتركُّز إنتاج القطن والفول السوداني وسمسم بني والتبغ من ناحية أخرى كمحاصيل نقدية، ومن ناحية إنتاج الأغذية يتركَّز فيه اللحم والألبان والدخن بأنواعه، مع خضروات وفواكه عديدة.
    • ثانيًا: الإقليم الغربي: يوجد فيه أهم مصدر للثروة الغابية من حيث حرفة قطع الأشجار وتصديرها، كما يتركز فيه إنتاج الكاكاو (مقابل الفول السوداني في الشمال)، والقطن قصير التيلة (مقابل متوسط التيلة في الشمال)، والتبغ والمطاط، أما أهم إنتاجه الغذائي فهو اليام والكاسافا.
    • ثالثًا: الإقليم الشرقي: لا يشارك في محصول تجاري كبير سوى بنوع واحد هو نخيل الزيت، الذي كان يشكِّل أولى صادرات نيجيريا من حيث القيمة، والإنتاج الغذائي في هذا الإقليم يتكون أساسًا من الكاسافا واليام والأرز والذرة.

(د) إنتاج المعادن

على قدر ما رأينا من تنوُّع إنتاجي كبير في الحاصلات الزراعية، فإن هذا التنوُّع غير موجود بالصورة نفسها في الإنتاج المعدني، وقد كانت قيمة المنتج الزراعي وصادراته تفوق بمراحل قيمة المنتج المعدني وصادراته إلى فترة زمنية حديثة جدًّا؛ فقد كانت قيمة الصادرات المعدنية تشكِّل ٥٪ فقط من قيمة الصادرات النيجيرية عام ١٩٥٨، ولكن اكتشاف البترول والنمو السريع في كميات البترول المنتجة من دلتا النيجر، قد قلب الوضع رأسًا على عقب، ومما يؤكِّد ذلك أن صادرات البترول النيجيرية كانت تساوي ٤٥٪ من قيمة صادرات نيجيريا كلها عام ١٩٦٩، ولا شك أن هذه النسبة في ارتفاع مستمر نظرًا لزيادة الإنتاج النيجيري من البترول، وإلى جانب البترول فإن الإنتاج المعدني في نيجيريا يتميَّز بالفحم الذي يكاد ألا يوجد في أفريقيا شمال خط الاستواء، ومعنى ذلك أن في نيجيريا الآن مصدرين من مصادر الطاقة الجيدة، وإلى جانب ذلك فإن المعادن الأخرى المنتجة هي القصدير والكولمبيت، وكلاهما ذو كمية ثابتة الإنتاج؛ نظرًا لظروف السوق العالمية وهبوط أسعار المعادن. ويلخص الجدول التالي إنتاج أهم المعادن في نيجيريا:

جدول ٤-٥: إنتاج المعادن في نيجيريا.*
المعدن ١٩٥٥ ١٩٦٣ ١٩٧٠
البترول … طن ٣٢٧٢٠٠٠ طن ٥٤٢٠٠٠٠٠ طن
الفحم ٧٦١٠٠٠ طن ٥٧٧٠٠٠ طن ١٠٢٠٠٠ طن
القصدير ٨٢٨٩ طنًّا ٨٨٦٩ طنًّا ٩٨٠٤ أطنان
الكولمبيت ٣٠٤٧ طنًّا ٢١١٢ طنًّا
الذهب ٢١كجم ١٠كجم ٩كجم
U. N. Statistical Year book 1969, 1970.

الفحم

وُجِد لأول مرة في نيجيريا في وادي نهر أوفام في هضبة أودي في الإقليم الشرقي عام ١٩٠٩، ولكن لم يبدأ الإنتاج إلا عام ١٩١٥، بعد مدِّ الخط الحديدي بين بورت هاركورت وإينوجو عاصمة الإقليم الشرقي، ويوجد أيضًا في مناطق متفرقة من نيجيريا الشمالية وفي منطقة بنين، ولكنه لا يُعدَّن إلا في منطقة إينوجو، وأهم مراكز التعدين هي هايس وإيفا وأوبوتي، وكلها حول وبالقرب من إينوجو، وهذه المناجم ملك للحكومة، ويُنتِج الفحم المستخرَج كثيرًا من الغاز وزيوت القطران حينما يقطر، وأكبر مستهلك لفحم نيجيريا هو السكك الحديدية النيجيرية ومحطات الكهرباء، ونظرًا لأن الفحم يحتوي على نسبة عالية من الغاز، وبالتالي تزداد قابليته للاشتعال، فقد أصبح من الصعب والخطر شحنه على السفن، كذلك فإن اختزاله إلى فحم الكوك أمر صعب، وبالتالي من الصعب استخدامه في الصناعات المعدنية.

وربما كان من الصواب التفكير في إنشاء محطة كهرباء ضخمة قرب إينوجو، واستغلال الفحم في توليد الكهرباء التي يسهل نقلها على شبكة تحميل عالية إلى مناطق عديدة من نيجيريا بأرخص التكاليف، وفي الوقت ذاته سوف يمكن استخلاص المنتجات الثانوية للفحم بكميات كبيرة في مكان واحد، بالإضافة إلى الإفادة من الفحم في إقامة مصانع للأسمنت والزجاج والقرميد والطوب والفخار.

البترول

بدأت البحوث للتنقيب عن البترول في نيجيريا منذ عام ١٩٣٧، ولا تزال هذه البحوث مستمرة، وقد وُفِّقت البحوث إلى كشف مصادر للبترول في أفام (٤١ كيلومترًا شرقي بورت هاركورت)، وأولويبيري (داخل دلتا النيجر على بُعْد ٧٥كم غربي بورت هاركورت)، وسوكو (٥٠كم جنوب بورت هاركورت)، وبوني وإيبوبو جنوب وشمال بورت هاركورت مباشَرةً، وتصل بورت هاركورت أنابيب البترول من هذه الحقول المجاورة، وأنشئ فيها معمل لتكرير البترول، وبدأ الإنتاج الفعلي عام ١٩٥٧ من أفام وأولويبيري، تلاه إنتاج الحقول الأخرى. وقد تميَّزَ إنتاج البترول النيجيري بسرعة نمو هائلة، وإن كان الاحتياطي أقل من خُمْس احتياطي ليبيا.

القصدير

عرف الأفريقيون تعدين وصهر القصدير قبل وصول الأوروبيين بفترة طويلة، وخاصة في منطقة البنوي وجوس، وكان أهم مركز لتصنيع القصدير وبيعه في صورة قضبان رفيعة قبل مجيء الأوروبيين هو ناراجوتو (مركز التعدين)، وليروين (مركز الصهر)، وهما في هضبة جوس. وفي عام ١٨٨٤ عرف الأوروبيون بأمر هذه الحرفة الأفريقية، وعُرِفت مناجم القصدير عام ١٩٠٩، ولكن الاهتمام باستخراج القصدير لم يتم إلا بعد إنشاء خط حديد من زاريا إلى بوكورو في هضبة جوس عام ١٩١٤، وجاء ذلك في الفترة الحرجة التي احتاج العالم فيها مزيدًا من القصدير خلال الحرب العالمية الأولى، ثم انخفضت الأسعار بعد ١٩١٨، واستمرَّ انخفاضها حتى الأزمة العالمية ١٩٢٩، ولكن إكمال الخط الحديدي من بوكورو إلى جوس عام ١٩٢٧ كان له أثر في خفض نفقات النقل، مما ساعَدَ على عدم ترك مناجم القصدير مهمَلَة كليةً. وفي عام ١٩٣١ حدَّدَتِ الحكومة صادرات القصدير ﺑ ٧٧٥٠ طنًّا سنويًّا بناء على اتفاقية دولية، مما كان له أثره في رفع أسعار القصدير في السوق الدولية.

وفي خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد أن احتلت اليابان الملايو، أصبحت نيجيريا وبوليفيا المصدرين الأساسيين للدول الغربية في إنتاج القصدير، وقد ارتفع إنتاج نيجيريا في تلك الفترة إلى ١٧ ألف طن، ثم هبط إلى ثمانية آلاف طن بعد الحرب، وما زال على هذا الرقم مع ذبذبة بسيطة حتى اليوم. ويساوي إنتاج نيجيريا الآن حوالي ٤٪ من الإنتاج العالمي، وبذلك يصبح من حيث الكمية والقيمة من أهم صادرات نيجيريا المعدنية.

ويظهر القصدير في عروق نتيجة التعرية داخل تكوينات الجرانيت الحديث في منطقة الصخور السابقة على الكمبري، وقد تركَّزَ المعدن في قاع الأنهار القديمة والمعاصرة في مناطق عديدة، تغطِّيه تكوينات بركانية من الزمن الثالث والرابع.

ولكن معظم قصدير نيجيريا ينتج من الطبقات الفيضية في أودية الأنهار الحالية، وقد بدأ الاهتمام يتجه منذ فترة الحرب الثانية إلى أودية الأنهار القديمة، خاصة بعد أن هدَّدَ الاستغلال الحالي احتياطي القصدير في أودية الأنهار الحالية، ولا شك أن الالتجاء إلى التكوينات القديمة وإزالة الغطاءات البركانية سيؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج، وهو أمر لا يمكن الإقدام عليه إلا إذا كان السعر العالمي مناسبًا. ونظرًا لاحتياج التعدين إلى مياه كثيرة، فقد بُنِيت في المنطقة خزانات مياه كثيرة.

ويأتي أربعة أخماس القصدير النيجيري من هضبة جوس، وخاصة القسم الجنوبي منها، ويأتي الباقي من هضبة باوتشي إلى الشمال الشرقي من جوس.

وعلى عكس ملكية الدولة لحقول الفحم، فإن استخراج القصدير تقوم به عدة شركات، منها شركة واحدة كبيرة تنتج نصف قصدير نيجيريا، والباقي موزَّع على الشركات الصغيرة — أفريقية ولبنانية وأوروبية — بالإضافة إلى أفراد من الأفريقيين يعملون لحسابهم الخاص، عددهم حوالي ١٢٥٠٠ شخص، ويبلغ عدد العاملين في تعدين القصدير ٣٥ ألفًا من الأفريقيين.

الكولمبيت

هذا الخام هو المصدر الأساسي للمعدن الذي يُعرَف باسم كولمبيوم Columbium ويُعرَف أيضًا باسم نيوبيوم Niobium، ولهذا المعدن أهمية خاصة ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية، من حيث إنه بإضافته إلى صلب الكروم يصبح هذا الصلب أقوى احتمالًا، ومن ثَمَّ يُستخدَم في صناعة أفران الصهر العالية الحرارة، وفي صناعة الصواريخ والمحركات النفاثة وغير ذلك من أجهزة الاحتراق العالية الحرارة.

والإنتاج العالمي من هذا المعدن النادر محدود جدًّا، يبلغ — بدون الاتحاد السوفييتي — ٣٣٠٠ طن (١٩٦٠)، وتحتكر منه نيجيريا ٦٤٪، وكانت هذه النسبة أعلى من ذلك في عام ١٩٥٢ (٧١٪)، ولكن ظهور مناطق إنتاج جديدة في الكنغو وتانزانيا وموزمبيق والبرتغال بالإضافة إلى الولايات المتحدة من ناحية، وبالإضافة إلى تناقص إنتاج نيجيريا من ناحية أخرى، قد جعل حصة نيجيريا تهبط بالنسبة للإنتاج العالمي المعروف — في الاتحاد السوفييتي مناجم عظيمة للكولمبيت في الأورال وشبه جزيرة كولا وبايكال.

وقبل معرفة أهمية الكولمبيت كان يُعثَر عليه مع خام القصدير في جوس ويُفصَل ويُترَك مهملًا، ولكن بعد أن ظهرت أهميته خلال الحرب عاد البحث عنه وعن البقايا التي تُرِكت كنفايات قبل معرفة دوره الاستراتيجي.

وأكثر من ثلاثة أرباع الكولمبيت النيجيري يُعدَّن من هضبة جوس، والباقي من باوتشي وكنو، ويوجد إلى جانب الكولمبيت الولفرام Wolfram، والتانتليت (خام اﻟ Tantlum) بكميات صغيرة في جوس.
وبعد هذه المعالجة للثروة المعدنية في نيجيريا، يمكننا أن نضيف إلى ما سبق أن ذكرناه من الخصائص الاقتصادية لأقاليم نيجيريا الثلاثة ما يلي:
  • أولًا: بالإضافة إلى ما في نيجيريا الشمالية من ثروة حيوانية ومحصولات نقدية، ففيها يُعدَّن أهم معدنين في الدولة، وهما القصدير والكولمبيت، وعلى هذا يجمع الإقليم الشمالي أهميات عدة داخل دولة نيجيريا الاتحادية: كثرة السكان، وإنتاج زراعي كبير، وإنتاج معدني هام.
  • ثانيًا: لا يوجد بالإقليم الغربي من المعدن ثروة تُذكَر — بعض الفحم في إقليم بنين لم يُستغَل، وكمية ذهب صغيرة في أويو.
  • ثالثًا: إن النقص الذي كان سائدًا في الإقليم الشرقي من حيث مشاركته في تجارة نيجيريا الخارجية، إذا استثنينا زيت النخيل، قد عوَّضه تركُّز موارد الطاقة المعدنية النيجيرية فيه: الفحم والبترول.

(ﻫ) طرق المواصلات

وضح لنا في أثناء الكلام عن الإنتاج الزراعي والتعديني كيف كان لامتدادات السكك الحديدية في نيجيريا أثر حاسم في فتح آفاق محاصيل، أو معادن جديدة؛ لأن كلفة النقل تصبح عبئًا على الإنتاج، ما لم تخفض هذه الكلفة إلى الحد الأدنى بواسطة تسهيل سُبُل النقل.

وتتمتع نيجيريا بوسائل عديدة من شبكات النقل، ترتيبها حسب الأهمية كما يلي: السكة الحديدية، والطرق البرية، وأخيرًا المواصلات النهرية.

السكك الحديدية

  • أولًا: سكة حديد لاجوس-كنو، وقد بدأ هذا الخط عام ١٩٠١ بين لاجوس وإيبدان، ولما كانت لاجوس في تلك الفترة ميناء ضحلًا لم تقم به الإنشاءات التي جعلت منه فيما بعدُ الميناء الأول، فقد كان التفكير مشتتًا بين مدِّ الخط من لاجوس وإيبدان إلى الداخل، أو ترك الخط على ما هو عليه والتفكير في ميناء جديد، وقد نفذت حكومة المستعمر رأي اللورد لوجارد — الحاكم العام — الذي يرى مدَّ خط حديدي من نقطة ملاحية على النيجر الأوسط إلى الداخل، وعلى هذا أُنشِئ عام ١٩٠٧ الخط الحديدي بين بارو — على نهر النيجر الأوسط قبل اتصال البنوي بالنيجر بقليل — ومدينة كنو، وبعد ذلك كانت النية متجهة إلى وصل بارو وإيبدان، ولكن التفكير أدَّى إلى وصل الخط الحديدي من بلدة مينا شمال بارو إلى إيبدان، وبذلك عبر النيجر في نقطة أبعد بكثير من بارو؛ تلك هي جبا، وقد تمَّ الاتصال بين لاجوس وكنو لأول مرة عام ١٩١٢، وظلَّتِ السكة الحديدية بين مينا وبارو على جانب كبير من الأهمية؛ لأن بارو ميناء نهري هام، وقد تفرَّعَ من هذا الخط الطرق الحديدية التالية:
    • (أ) خط كنو-نجورو: تم إنشاء هذا الخط عام ١٩٢٧، وبذلك وصلت السكة الحديدية إلى الشمال الشرقي من كنو في مناطق قريبة من حدود دولة النيجر، وفتح بذلك أراضي جديدة لزراعة الفول السوداني.
    • (ب) خط حديد زاريا-كاروا نامودا: في عام ١٩٢٩ مُدَّ هذا الخط كفرع ثانٍ من الخط الرئيسي، وبدلًا من أن يبدأ من كنو اختيرت زاريا (مركز القطن)، ومُدَّ منها الخط في اتجاه الشمال الغربي، وبذلك فتحت أراضي جديدة للقطن والفول السوداني معًا، وأصبح الخط وسيلة سهلة لعبور ثلثَيِ المسافة إلى سوكوتو — عاصمة سلطنة الفولاني القديمة.
    • (جـ) خط زاريا-بوكورو: أُنشِئ هذا الخط عام ١٩١٤ كسكة حديد ضيقة بغرض الوصول إلى مركز تعدين القصدير في هضبة جوس، وقد أُغلِق هذا الخط عام ١٩٥٧ بعدما حلَّ محله خط آخَر.
  • ثانيًا: بورت هاركورت-كادونا: وهذا هو الخط الثاني الذي يخترق نيجيريا من الساحل إلى الداخل، وقد بُدِئ في بناء الخط ووصل إلى إينوجو عام ١٩١٦ من أجل استغلال مناجم الفحم، وفي عام ١٩٢٧ مُدَّ هذا الخط إلى هضبة جوس، ومنها إلى مدينة كادونا عاصمة الإقليم الشمالي، وبذلك ارتبطت مناجم القصدير بخطين رئيسيين؛ أولهما: جنوبًا إلى بورت هاركورت، والثاني: غربًا إلى كادونا، ثم جنوبًا مع الخط الرئيسي الأول إلى لاجوس.
  • ثالثًا: خط الشمال الشرقي: ويبدأ من جوس إلى باوتشي وجومبي، والهدف منه الوصول إلى مايدوجوري عاصمة إقليم برنو، ولم يصل بعدُ هذا الخط إلى مايدوجوري، وإن كان قد قطع أكثر من ثلاثة أرباع المسافة اليها، ويخدم هذا الخط زراعة القطن والفول السوداني في باوتشي وجومبي وبرنو.

الطرق البرية

ما زالت محدودة، وقد أُنشِئ أول طريق عام ١٩٠٦ بين إيبدان وأويو، وتغطي الآن نيجيريا شبكة طرق أطوالها ٦٥ ألف كيلومتر، منها ٣٥ ألفًا طرق صالحة للسير في كل فصول السنة، ولكن المرصوف منها والمغطَّى بالزفت قرابة ستة آلاف كيلومتر فقط، وأهم شبكة طرق برية توجد في إقليم الكاكاو وزيت النخيل في الجنوب، وفي منطقة التعدين في جوس وحول المدن الكبرى: لاجوس، كنو، كاتسينا، وبين مدن النطاق السوداني وخاصة كنو ومايدوجوري، وما زال الأمر محتاجًا إلى طرق أجود بين لاجوس والإقليم الشرقي والشمالي.

الملاحة النهرية

تكون الملاحة النهرية وسيلة جيدة من وسائل النقل في نيجيريا، وبذلك تفضل بقية دول غرب أفريقيا، ويوجد منها ما يبلغ من الأطوال الملاحية قرابة خمسة آلاف كيلومتر.

وأهم المجاري الصالحة للملاحة هي نهر النيجر، وتشتد الكثافة في الملاحة النهرية حتى ميناء بارو، وبعد ذلك يقل استخدام النهر في الملاحة في اتجاه الشمال إلا في حدود ضيقة. ونهر البنوي هو الآخَر طريق عظيم يخترق الدولة من الغرب إلى الشرق والشمال الشرقي، ونهر كروس ملاحي في موسم المطر فقط، وإلى جانب هذه الأنهار توجد بحيرة شاطئية (لاجونة) هادئة المياه، تمتد فيما بين لاجوس إلى مصبات النيجر، وتغذيها الأنهار الصغيرة العديدة، وهي تساعد على التنقُّل بمحاذاة الشاطئ من الدلتا إلى لاجوس.

وإلى جانب المواصلات الأرضية، فإن هناك شبكة طرق جوية تربط قرابة ١٥ مدينة برحلات عديدة أو على الأقل رحلة واحدة أسبوعيًّا.

(و) الصناعة

تتميز نيجيريا بأن كثيرًا من صناعاتها التقليدية ما زالت موجودة وعلى درجة كبيرة من الإتقان، وإلى جانب هذه الصناعات التقليدية نشأت صناعات أخرى حديثة.

ومن بين الصناعات التقليدية النسيج الأفريقي على الأنوال الضيقة في الإقليمين الشمالي والغربي، وفي الإقليم الغربي يضاف إلى النسيج كثير من الأحجار والأخشاب قبل الصباغة، ثم تُزَال تلك الإضافات فيخرج القماش من الصباغة وعليه الرسوم التي تركتها الإضافات، وأهم مواد الصباغة مادة النيلة التي تعطي لهذه الأقمشة اللون الأزرق التقليدي في غرب نيجيريا، وفي شرق نيجيريا تسود الألوان المبهجة أكثر من النيلة.

ومن الصناعات الأخرى الجيدة صناعة خيوط نخيل الرافيا في عمل جدائل شتى — سلال وحُصُر — معظمها في الإقليم الشرقي، وبعضها في كنو. وفي بنين ما زال تشكيل الخشب والأبنوس في تماثيل فنية أمرًا شائعًا.

أما صناعة الجلود فهي من الحِرَف التقليدية الهامة في الإقليم الشمالي، ومركزها الأساسي كنو، وصياغة الذهب والفضة منتشرة في معظم المدن، ولكن أشهرها في كنو وبيدا، أما تشكيل النحاس فأحسن مناطقه بنين، وتشتهر كنو وبيدا وبنين وغيرها بحِرَف عديدة، ومنها يأخذ تجَّار الهوسا بضائعهم ويسافرون بها مسافات طويلة في غرب القارة ووسطها.

أما الصناعات الحديثة فغالبها متركِّز في لاجوس وأبيكوتا وإيبدان وسابيليه وإينوجو وكادونا وكنو، ومعظمها مرتبط بالنسيج والأغذية والمطاط والأخشاب وورش التصليح الميكانيكية.

(ز) التجارة الخارجية

تبلغ قيمة التجارة الخارجية لنيجيريا قرابة ألف مليون دولار، موزَّعَة على ٥٣٥ مليونًا قيمة الواردات، و٥٩١ مليونًا قيمة الصادرات لعام ١٩٦٨، وتمثِّل هذه الأرقام نموًّا لا بأس به بالقياس إلى أرقام التجارة لعام ١٩٥٧، حيث بلغت الواردات ٤٢٧ مليون دولار، والصادرات ٣٥٧ مليونًا.

وفي مجال الواردات نجد أن الآلات والسيارات قد بلغت قيمتها ما يوازي ٣١٫٥٪ من القيمة الكلية للواردات، والسلع شبه المصنَّعة ٣٨٪، والكيميائيات ١١٫٧٪، والأغذية والمشروبات ٨٪، والبترول والزيوت المعدنية ٧٫٦٪، وأخيرًا الخامات الأخرى ٣٪.

وتترتب صادرات نيجيريا الهامة على النحو التالي:

جدول ٤-٦: صادرات نيجيريا.*
السلعة القيمة بملايين الدولارات النسبة المئوية من الصادرات
١٩٥٧ ١٩٥٩ ١٩٦٩ ١٩٥٩ ١٩٦٩
نواة نخيل الزيت ٥٠ ٧٢ ٤٨ ٢٤٫٧ ١٠
زيت النخيل ٣٨ ٣٨ ٢٨
الكاكاو ٧٣ ١٠٧ ١٤٧ ٢٣٫٨ ١٧٫٦
فول السوداني ٥٦ ٧٧ ١٠٠ ٢٠ ١٥٫٥
زيت فول السوداني ١٣ ١٣ ٣٠
المطاط ١٩ ٣٢ ٣١ ٧٫٢ ٣٫٧
القطن ١٨ ٢٠ ١٠ ٤٫٥ ١٫١
الأخشاب ١٢ ١٧ ١٢ ٣٫٧ ١٫٤
القصدير ٢٢ ١٥ ٣٤ ٣٫٤ ٤
البترول ٣٨١ ٤٥
U.N. Economic Commission for Africa, a (Economic Bulletin, June 1961. b) Statistical Year book 1970.

وأكبر عميل لتجارة الواردات والصادرات النيجيرية هي بريطانيا، التي بلغت مساهمتها في الواردات النيجيرية (١٩٦٩) ٣٤٫٨٪، ونصيبها من الصادرات النيجيرية ٢٨٫٤٪ في السنة ذاتها، يلي ذلك الولايات المتحدة بنسبة ١١٫٤٪ من واردات نيجيريا و١٢٫٥٪ من صادراتها، وتحتل دول السوق الأوروبية مكانةً ملحوظةً في تجارة نيجيريا الخارجية؛ فنسبة مساهمتها تزيد على ٢٠٪ من واردات نيجيريا، وحصتها تزيد على ٣٥٪ من صادرات نيجيريا، وأكبر عميل في الواردات النيجيرية من دول السوق هي ألمانيا (١٠٫١٪)، بينما أكبر عميل في الصادرات النيجيرية من هذه المجموعة الأوروبية هي هولندا (١٣٫٢٪)، ويرجع هذا إلى كثرة استيراد هولندا للزيوت وحبوب الزيوت من نيجيريا لعمل الدهون النباتية.

وقد ارتفعت قيمة الواردات النيجيرية من الدول الأفريقية بدرجة محسوسة من ٣٫٤ ملايين دولار في أواخر الخمسينيات إلى ١١٫٤ مليونًا عام ١٩٦٨. وكان ترتيب الدول الأفريقية في واردات نيجيريا على النحو التالي: غانا بنسبة ٢٧٫٢٪، مصر ٢٣٫٧٪، الجزائر ١٣٫١٪، ساحل العاج ٩٫٦٪، والمغرب ٨٪، وتأتي بعد ذلك سيراليون وليبيريا والسنغال وداهومي، وحتى أواخر الخمسينيات كانت جنوب أفريقيا تتصدر الدول الأفريقية المتعاملة في الواردات النيجيرية، لكنها لم تَعُدْ تظهر في قائمة الدول خلال أواخر الستينيات — ولعل ذلك مرجعه المقاطعة السياسية من جانب الدول الأفريقية لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية.

مراجع لمزيد من الاطلاع

  • Buchanan, K. M. & J. C. Pugh, 1958 “Land and People in Nigeria” London.
  • Fage, J. D., 1959 “Introduction to the History of West Africa” London. Harrison Church, R. J., 1960 “West Africa” London.
  • International Bank for Reconstruction and Developments “The Economic Development of Nigeria 1955. Baltimore.
  • Kaufmann, H. 1959, “Nigeria” Bonn.
  • Manshard, W. 1959 “Die Landwirtschaftsraeume Nigerias” in Geographisches Taschenbuch. Wiesbaden.
  • Niven, C. R., 1958, “The Land and People of West Africa” London.
  • Parrinder, G., 1953 “Religion in an African City” London.
  • Trimingham, J. S., 1959 “Islam in West Africa” London.
  • Westermann, D., 1952. “Geschichte Afrikas” Koeln.

هذا فضلًا عن الكتب السنوية لهيئة الأغذية والزراعة، والكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة، والكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة، وتقارير اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة.

١  لحالة نيجيريا نظير في الصين، وإن كانت حالة الصين أضعاف حالة السكن المدني والقروي الكثيف في نيجيريا، ففي الوقت الذي تقاس فيه المدن النيجيرية الكثيفة بعدد من السكان يزيد عن مائة ألف، ولا يصل إلى المليون انظر [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية – الفصل الثاني: جمهورية السودان]، فإن المدن الصينية الكثيفة تقاس بعدد من السكان يزيد عن مليون شخص، فمن بين ٨١ مدينة مليونية في العالم، توجد ١٥ مدينة مليونية وحدها في الصين.
٢  ألغى انقلاب أوائل ١٩٦٦ هذه الأقسام، وعدل انقلاب أواسط ١٩٦٦ أقسام نيجيريا إلى:
  • في الشمال: الشمال الشرقي – كانو – الشمال الأوسط – الشمال الغربي.
  • في الوسط: بنوي والهضبة – كوارا.
  • في الجنوب: الجنوب الشرقي – الأنهار – وسط الشرق – الغرب الأوسط – الغرب – لاجوس.
٣  مساحة الغابات في الكنغو مليون كيلومتر مربع، وفي السودان ٩١٥ ألف كيلومتر مربع، بينما في نيجيريا تبلغ المساحة أقل قليلًا من ثلث مليون كيلومتر مربع «أرقام الكتاب السنوي لهيئة الأغذية والزراعة ١٩٦٤». وعلينا أن نلاحظ أن مساحات الغابات في تعريف هيئة الأغذية والزراعة تشمل أكثر من مفهوم الغابة، فهو يضم جميع المساحات المشجرة سواء طبيعيًّا أو بواسطة الإنسان، مما قد لا يدخل ضمن مفهوم الغابة، ورغم هذا القصور فليس أمامنا سوى هذه الأرقام للاستدلال والقياس والمقارنة.
٤  رغم أن تعداد سكان مدينة كنو حوالي ٣٠٠ ألف فقط، إلا أن المدينة سوق عظيمة لنطاق كبير في شمال نيجيريا وجنوب جمهورية النيجر، ومن ثَمَّ كانت أهمية كنو الدولية والتي استمدت جذورها من تاريخ طويل مجيد، وعلاقات تجارية عبر الصحراء الكبرى، وقد زادت هذه الأهمية نتيجةً لإنشاء مطار دولي فيها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤