تجربة ١٦: موانع التجمد وموانع الغليان

شبابُ كلِّ فرد هو حلم، هو نوعٌ من الجنون الكيميائي.
ما أبهجَ أن يُصبح الفرد مجنونًا إذن!
فرنسيس سكات فيتزجيرالد في روايته «ماسة كبيرة مثل فندق ريتز»، ١٩٢٢

سوف نشرح في هذه المجموعة المكونة من أربع تَجارِب الخصائصَ الترابطية الأربعَ للمحلول. وتصف الخصائص الترابطية الأربعُ للمحلول كيف أن وجود المذاب يُغير سلوك تغيُّر الحالة للمذيب. وتتشابك هذه الخصائص معًا لدرجة أنها لا تعتمد إلا على الطريقة التي يُوجَد بها العديد من جسيمات المذيب معًا، ولا تعتمد على هُوية الجسيمات نفسِها. ويُمكن أن نُشبه ذلك بسلوك الجموع المحتشدة معًا من الناس، فهذه الجموع تميل إلى أن تتصرف بطريقةٍ تتوقف على حجم الجموع، وليس على الطبائع الفردية للناس الذين تتكون منهم المجموعة. وحتمًا تحظى شخصيات الناس بأهميتها عند مستوًى معين، وكذلك يكون لخصائص الجسيمات أهميتُها في مواقف معينة أيضًا. غير أن التأثير النهائي الذي هو سلوك الجموع هو ما نُعنى به هنا.

والخصائص الترابطية التي سنُلاحظها هي: الانخفاض في درجة التجمد، والارتفاع في درجة الغليان، وتقليل الضغط البخاري، والأزموسية (الانتشار الغشائي). وعليك الآن أن ترتديَ نظارة الأمان الواقية إذ سنقوم بإجراء التجارِب الأربعِ جميعها.

لإثبات الانخفاض في درجة التجمُّد، خذ زجاجتَي صودا أو ماءٍ مصنوعتَين من البلاستيك وقديمتَين، ومعهما أغطيتُهما ثم اغسلهما جيدًا بالماء. ضع كوبَ ماءٍ (٢٤٠ مليلترًا) في كِلتَيهما ثم أغلق إحداهما. ضع في الأخرى ملءَ ملعقة كبيرة (١٥ مليلترًا) من ملح الطعام، ثم غطِّها ورُجَّها جيدًا. إذا ذاب كل الملح في الماء ضع مرة أخرى القليلَ من الملح ورجَّ الزجاجة أيضًا. استمِر في إضافة كميات قليلة من الملح إلى أن تجد الملح لا يذوب بعد رج الزجاجة ويترسب بعضه في قاع الزجاجة. ضع علامة على الزجاجة المذاب فيها الملح بقلم فوسفوري أو بشريط لاصق، أحكم غلق الزجاجتَين وضع كلتَيهما في المجمد. لاحِظ الزجاجتَين من وقت لآخر، ستجد أن الماء العاديَّ قد تجمد كما هو متوقع، أما الزجاجة التي تحوي المحلول المشبع بالملح فنجد أن المحلول لا يتجمد إلا عند درجة حرارة منخفضة جدًّا، ولا تُوجَد درجة الحرارة هذه في المجمد العادي، مما يدل على الانخفاض في درجة التجمد. ويُمكنك أن تترك الزجاجتَين في المجمد إلى أن تقتنع أن المحلول الملحي لن يتجمد.

وقد تكون الخاصية التي أوضحناها في التجرِبة الأولى مألوفةً لديك إذا استخدمت من قبل الماكينة المستخدمة في صنع الآيس كريم. في هذه الماكينة، يُصَب خليط الآيس كريم في وعاء وهذا الوعاء موضوع في حمام من المحلول الملحي المجمد. ويُبرد خليط الآيس كريم المتلامس مع الثلج الملحي عند درجةٍ أقلَّ من درجة تجمد الماء. من ثم عندما يتلامس الماء الموجود في الكريم مع جوانب الوعاء، يتجمد. وتُدار الريشة المستخدمة في التقليب على نحوٍ ثابتٍ حتى يأخذ الكريم والثلج شكلًا شبه جامد وموحدًا. وتنخفض درجة تجمد خليط الآيس كريم المتلامس مع الثلج الملحي بسبب وجود مذاب منحل (الملح) في المذيب (الماء). وتقوم فكرة عمل موانع التجمد على نفس المبدأ. وموانع التجمد هي موادُّ غير مسببة للتآكل، وهي تلك الموادُّ التي تُضاف إلى مياه مبرد السيارة لتقليل درجة التجمد؛ ومن ثَم لا تتجمد مياه مبرد السيارة بسهولة.

أما الخاصية الترابطية الثانية التي تُدعى الارتفاع في درجة الغليان، فيُمكن التدليل عليها باستخدام الخل. يُظهِر الخلُّ تأثيرات ترابطية؛ لأنه محلول حامض الخلِّيك المذاب في الماء. ويُمكنك أن تقيس درجة غليان الخل باستخدام الترمومتر ذي المقياس الكبير المقترَح في قائمة المشترَيات والمحاليل. ولا تكون هذه الترمومترات على قدرٍ من الدقة في كل الأوقات؛ ومِن ثَم لكي ترى الفرق عليك أن تُقارن درجة حرارة الخل المغلي بدرجة حرارة الماء المغلي عن طريق وضع الترمومتر أولًا في أحدِهما ثم في الآخر. ولا بد أنك ستجد أن الخل يغلي عند درجة ٢١٦ فهرنهايت (١٠٢ درجة سيليزية) على حد التقريب بدلًا من درجة ٢١٢ فهرنهايت (١٠٠ درجة سيليزية)، وهي درجة الحرارة التي يغلي عندها الماء النقي. وقد لا يُعطيك الترمومتر هذه القراءة بالضبط، فينبغي أن تظل درجة الغليان التي للخل أعلى من تلك التي للماء. وتكون درجة حرارة المحلول أعلى في حال وجود المذاب، وهو ما يُعَد مثالًا على الارتفاع في درجة الغليان.

وتتضمَّن تجربتنا الثالثة القدرةَ المنخفضة للمحلول على التبخر عند مقارنته بالمذيب النقي. وأود أن أُكرر مرة أخرى أن هذه الخاصية التي يُطلَق عليها «تقليل الضغط البخاري»، لا تعتمد على الطبيعة الكيميائية للمادة لكن على الكم المنحل من المذاب في المذيب. أحضر ملعقتَين، وافْرُك ثلاثة أقراص أسبرين، ثم خذ كوبَين شفافَين صغيريَن، وضع الأسبرين المفروك في أحدهما. صب في كلٍّ منهما نصف كوب (١٢٠ مليلترًا) من كحول الأبيزبروبيل. ومن الضروري أن يكون المحلول عند نفس المستوى في كلٍّ منهما. قلِّب الكوب الذي يحوي كحول الأيزوبروبيل والأسبرين لتخلط المحتويات (قد يظل البعض غير ذائب). ضع بطاقة على كلٍّ منهما لتُميز أيُّ الكوبَين يحوي الأسبرين، ثم ضعهما في وسط متماثل؛ ومِن ثَم يحصلان عل نفس القدر من الحرارة والتيار الهوائي وغير ذلك. ويُفضَّل أن يُوضَع الكوبان متلاصقَين في وعاء. اتركهما نحو ساعة، عندئذٍ عليك أن تُلاحظ اختلافًا واضحًا في مستوى الكوبَين. ومع أن المذيب يتبخَّر من كلا الكوبَين، فإنه يتبخَّر بدرجة أكثر بطئًا من الكوب الذي يحوي الأسبرين. يحدث التأثير نفسُه عند استخدام أقراص الفيتامين أو الحديد المذابة في الكحول؛ من ثَم فالذي يُحدث التأثير هو وجود المذاب وليس طبيعته.

ولكي تعرف أن عدد جسيمات المذاب يُحدِث اختلافًا، جرِّب تجربة الأسبرين السابقة مرة أخرى باستخدام ثلاثة أو أربعة أكواب، ونوِّع عدد الأسبرين في كل كوب. وبعد أن تتركها تتبخر لما يقرب من ساعة، ستحصل على ثلاثة أو أربعة مستويات مختلفة تمامًا من المذيب تتنوع ما بين القليل في الكوب الذي يحتوي على أقل عدد من الأسبرين إلى المرتفع في الكوب الذي يحتوي على أكبر عدد من الأسبرين.

وآخر خاصية ترابطية سنوضحها هي الأزموسية، وتُعَد الأزموسية أكثر تخصصية إلى حدٍّ ما؛ نظرًا إلى أنها تتطلب غشاء شبه منفذ. والغشاء شبهُ المنفذ هو تلك المادة التي تسمح بنفاذ جزيئات المذيب وليس جزيئات المذاب. يتدفق المذيب في عملية الأزموسية من أحد المحاليل إلى الآخر عبر غشاء شبه منفذ. وإذا كان كلا الوعاءَين معرَّضَين لنفس الضغط الجوي، فإن اتجاه التدفق يكون من المحلول الأكثرِ تخفيفًا إلى المحلول الأكثر تركيزًا.

ولكي نُبين تدفق المذيب إلى المحلول الأكثر تركيزًا، ضع زبيبة أو أي قطعة أخرى من الفاكهة المجفَّفة في الماء ثم لاحِظها بعد مرور ما يقرب ساعة، تجد أن الزبيبة تنتفخ إذ ينتقل المذيب النقي الذي هو الماء عبر الغشاء شبه المنفذ — الذي هو قشرة الزبيبة — إلى الزبيبة وإلى خلاياها في محاولة لتخفيف المكونات المركزة للخلايا. ولكي نُبين تدفق المذيب من المحلول الأقل ملحية للخلايا إلى المحلول الشديد الملوحة، قطع شريحتَين من البطاطس النيئة بحيث تكونان رفيعتَين بقدر الإمكان. وستجد أن شريحة البطاطس النِّيئة الرفيعة للغاية لا تزال قوية ونضرة؛ لأن الخلايا المكونة للبطاطس تكون مشبعة بالماء. ضع إحدى الشريحتَين في محلول ملحي شديد الملوحة بإضافة ملعقة كبيرة (١٥ مليلترًا) من ملح الطعام إلى نصف كوب (١٢٠ مليلترًا) ماء. ضع الشريحة الأخرى في ماء نقي. انتظر لمدة نصف ساعة ثم أخرِج كِلتا الشريحتَين ثم افحصهما. نجد أن الشريحة التي كانت موضوعة في الماء النقي لا تزال نضرة، أما الشريحة التي كانت موضوعة في المحلول الملحي فستكون رخوة وضعيفة. قارن شريحة البطاطس التي كانت موضوعة في المحلول الملحي بشريحة بطاطس جديدة مقطوعة للتو، لتتبيَّن الفرق. السبب في ضَعف شريحة البطاطس هو أن بعض الماء ترك الخلايا وانتقل إلى المحلول الأكثر ملحية.

ويُعبِّر عن حركة المذيب في الأزموسية التي تبدو سهلة مصطلحُ «التعلم بواسطة الأزموسية». وينطوي التعلمُ بواسطة الأزموسية على أنه يُمكن التشبُّع بالمعرفة عن طريق مجرد الجوار، أي الوجود الزمني أو المكاني معها، ولا يتطلب الأمر جهودًا من قبل المتعلم، لكن هذا غير صحيح، فما كان التعليم بلا عناء أبدًا، وسواءٌ في التعليم أو في الكيمياء، فثمَّة قُوًى تدفع الأزموسية، كما هو الحال مع سائر الخصائص الترابطية الأخرى، كما سنكتشف في الصفحة التالية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤