خاتمة

دعوة للأُمة والحكومة

لا حاجة بعد ما ذُكِر لكشف النقاب عن تقصيرنا نحن معشر المصريين في تحسين حالة العميان عندنا، فقد أشرنا في الفصل الأول إلى عدد عمياننا بالنسبة إلى سكان القُطر، وأَبنَّا أننا لم نعمل حتى الآن شيئًا يئول إلى تحسين حالتهم، وهما أمران يحملاننا على النهوض عاجلًا لرفع غبار الإهمال عنا والنظر في هذه المسأَلة الهامة. وإننا نرى الغربيين مع ما أسدوا من الأيادي البيضاء إلى هذه الفئة البائسة لا يزالون مقصرين، فما القول فينا ونحن لم نُبدِ عملًا ما؟! أليس إهمالنا معيبًا، أوَليس من العار علينا أن نكون أول الأمم بعدد عمياننا وآخرها في مضمار تحسين حال أولئك البؤساء؟!

نشرت الجرائد المصرية إبان مؤتمر العميان وعند اختتامه مقالات عديدة تحث بها الجمهور المصري على مناصرة العميان في مصر. وحسبنا أن نورد مضمونها من مقالة لجريدة الأهالي عنوانها: «بعد المؤتمر»، أجملت فيها الكلام على الموضوع، وأملت أن لا تذهب الأصوات التي ارتفعت في ذلك المجتمع أدراج الرياح، وختمت مقالها بما نصه: «ها نحن منتظرون على الخصوص ما تفعله الأمة — وواجبها أن تفعل — دفعًا لمرض لصق بها وسُمِّيت بلادها به، وإغاثة لفئة من أشرف الأعمال أن تغاث ومن أجمل مظاهر التضامن أن تُمدَّ إليها يد المساعدة.» وقد وجهت نداءها أيضًا إلى الحكومة والأوقاف فقالت: «أما الحكومة فهي من الأمة والأمة منها، وأما ديوان الأوقاف فهو مجمع الأموال الخيرية ولا خير تُصرف فيه الأموال أشرف وأوجب من دفع غوائل الأمراض وتخفيف بلايا الإنسان.»

ولقد كنا نشرنا نحن أيضًا في ذلك الحين مقالة في إحدى الجرائد نستحثُّ فيها سكان القطر من مصريين ونزلاء على تأسيس مدارس ومصانع وملاجئ للعميان. وأبنَّا أن ذلك عمل حيوي يجب أن يشتغل فيه كل واحد على مقدار طاقته، ولا يلزم أن تُكلف الحكومة شيئًا، بل يتعين على الأفراد والجمعيات الخيرية أن يقوموا بهذه المهمة. وعدَّدنا أيضًا طرق الحصول على الأموال التي لا بدَّ منها لهذه المشاريع الخيرية، واقترحنا اقتراحات أخرى لا مانع من ذكرها هنا مع ما نرتئيه الآن:

إننا نرى من أكبر الضمانات إذا أسَّسنا جمعية لتحسين حال العميان — كما رغب أعضاء المؤتمر الدولي الرابع — وجوب وضعها تحت رعاية سمو الجناب الخديوي العالي مليكنا المعظم فيما لو تفضَّل بقبول ذلك، وأن تكون مختلطة جامعة كل العناصر لتعميم فائدتها، فتقبل عندئذٍ في أحضانها أولًا أعضاءَ شرفٍ من جميع الأغنياء والأعيان الذين يُحسنون إليها بما يريدون، وثانيًا أعضاءَ عاملين يدفعون اشتراكًا سنويًّا قدره خمسون غرشًا صاغًا، وهو قدر زهيد يهون دفعه على أيٍّ كان. وهكذا لو تيسر للجمعية الحصول على عشرين ألف مشترك لجمعت كل سنة عشرة آلاف جنيه كافية في البداءة للقيام بنفقات مدرسة ومصنع يضمان نحو مائتي تلميذ أعمى.

ويجب أن يسوَّغ لهذه الجمعية بعد تأسيسها إحياء ليالٍ وأسواق خيرية أو إنشاء يانصيب سنوي خيري لازدياد دخْلها. ونأمل أن يتجلى يومئذٍ كرم أغنيائنا بأبهى مظاهره ويتباروا في بناء المدارس والمصانع والملاجئ للعميان على نفقاتهم الخاصة كما شيد بعضهم مستشفيات الرمد، ويقفوا الوقفيات كما فعلوا للجامعة المصرية.

وحينما ترى الحكومة والمجالس المحلية ومصلحة الأوقاف إقبال الجمهور على هذه الأمور تحسينًا لحال العميان لا بد أن تشترك معه أيضًا، فتخصص الحكومة والمجالس المحلية جزءًا من نفقات ميزانيتها بهذه المشاريع لا سيما وهي موضوعة تحت رعاية الجناب العالي. ويساعدها حينئذٍ أيضًا ديوان الأوقاف وقد وُجِد لمساعدة البؤساء والتعساء، ومَن أشد تعسًا من هؤلاء الذين حُرِموا حاسة البصر؟!

ثم إن للطوائف المتعددة في القُطر جمعيات خيرية فلو اتفقت على دفع مبلغ سنوي لجمعية تحسين حال العميان لاجتمع أيضًا مال يسير يساعد هذا المشروع مساعدة كبيرة.

ولئن كان «تحسين حال العميان قد تجلَّى فيما مضى عند أهل الشرق على العموم وبني مصر على الخصوص قبل أن تخطر هذه الفكرة الخيرية على بال أهل أوروبا بزمن بعيد» — وهو قول سعادة أحمد باشا زكي في مقدمته لكتاب الصفدي — أمرًا لا ريب فيه، فما علينا إلا أن نقتدي بسلفائنا الشرقيين المتقدمين ونُظهر أن ذلك الدم العربيَّ الحاتميَّ لا يزال يجري في عروقنا ويدفعنا إلى إجابة نداء البائسين. لا سيما ونحن في عصر قد انتشر فيه العلم والتعليم وتسابقت فيه الأمم لتخفيف ويلات الإنسانية من كل الوجوه. حقق الله آمالنا وقدَّرنا جميعًا على خدمة هذه البلاد خدمة صحيحة نافعة في ظل أميرها المعظَّم، أطال الله أيامه تحفُّ من حوله ملائكة العناية والرعاية والإسعاد، آمين.

الدكتور نجيب كحيل
طبيب العيون بمصر

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤