الفصل الأول

القرَّاء الجامحون يخصِّصون وقتًا للقراءة

إذا سبق لك الاعتذار لعداد انتظار سيارات، أو اصطدمت ساقك بحنفية إطفاء حريق؛ فإنك تهدر — على الأرجح — قدرًا كبيرًا من وقت القراءة القيِّم.

شيري تشاسين كالفو

في الخريف الماضي، ذهبتُ إلى طبيب العيون لإجراء فحص لعينيَّ والحصول على نظَّارةٍ جديدة، وبعد أن استمع الطبيب للصعوبات التي أواجهها في قراءة الحروف المطبوعة بحجم صغير في القوائم والملصقات والروايات المصوَّرة (لم أذكر في الواقع الروايات المصوَّرة)، قال لي إنَّه قد حان وقت الحصول على نظَّارة ثنائية البؤرة.

سألني: «هل تقرئين كثيرًا؟»

فأجبته ضاحكةً: «يمكنك القول إن القراءة مصدر رزقي؛ فأنا معلمة قراءة.»

ووصف لي النظارات الثنائية البؤرة.

لا يمكنني تصوُّر يوم يمرُّ دون أن أقرأ فيه. إن القراءة لكسب الرزق — من استكشاف الكتب ومشاركتها مع طلابي وزملائي، والكتابة عن الكتب والقراءة — حلم أي قارئ. ولا شك أنني معلمة أفضل لأنني أقرأ، فأقدِّم الكتب لطلابي، وأتحدَّث معهم حول ما يقرءون، وأقدِّم لهم نموذجًا لما تكون عليه الحياة التي تدور في فلك القراءة، وأوضح لهم كيف تُثرِي القراءة حياتي، وكيف يمكن أن تفعل ذلك في حياتهم أيضًا.

بعيدًا عن الفوائد المهنية، أنا أقرأ لأنني أحب القراءة؛ فأكون في أسعد حالاتي عندما أبحر في قراءة كتابٍ ما أثناء جلوسي على كرسي وثيرٍ وثمَّة بطانية تغطي قدميَّ. يقول مؤلف كتب النشء جون جرين: «إن القراءة تُجبِرك على أن تكون هادئًا في عالم لم يَعُدْ يسمح بذلك» (٢٠١١). إن الضوضاء في حياتي تتطلَّب مني إيجاد خلوتي اليومية بين صفحات كتبي. هناك يمكنني أن أفكِّر وأنضج وأحلم. إنني أكون أكثر سعادةً عندما أخصِّص وقتًا للقراءة، وأشعر بالتوتر والقلق عندما لا أقرأ لبضعة أيام؛ فالقراءة تجمع شتاتي.

لكن تخصيص الوقت للقراءة يتطلب الالتزام؛ فأنا أبذل جهدًا لاستقطاع وقتٍ للقراءة؛ لأنها مهمة في نظري. لا أشاهد التليفزيون كثيرًا، وعندما أفعل، أقرأ في أثناء الفقرات الإعلانية. ونظرًا لكثرة سفري، أقرأ في المطار وعلى متن الطائرة. أقرأ في انتظار بدء عروض الجوقة ومسابقات الفِرَق الموسيقية التي تشارك فيها سارة، وفي بعض الأحيان أجلب كتابي إلى المدرسة وأقرأ في أثناء قراءة طلابي لكتبهم في وقت القراءة المستقلة. وفي ليالي الجمعة، أقضي المساء بأكمله في القراءة، وأنهي عادةً كتابًا بأكمله في ذلك الوقت. أقرأ نحو نصف الكتب التي أخطِّط لقراءتها سنويًّا في فصل الصيف خلال التحدي الشخصي الذي أضعه لنفسي لقراءة كتابٍ واحدٍ يوميًّا في الإجازة. وفي بعض الأيام الرائعة النادرة الحدوث، ألتهم كتبًا كاملة في جلسة واحدة. ثمة أوقات أيضًا لا أقرأ فيها كثيرًا؛ ففي كثير من الليالي، أكون مُرهَقةً للغاية بحيث لا يمكنني القراءة، فأغطُّ في النوم وبين يديَّ كتابٌ مفتوح لم أقرأ صفحةً واحدة منه. إذا لم أجعل القراءة أولويةً من أولوياتي، فسيسهل عليَّ إغفالها؛ فقائمةُ مهامي لا تقلُّ أبدًا؛ فدائمًا ثمة أوراقٌ يجب تصحيحها، ورسائلُ بريدٍ إلكتروني يتعيَّن الرد عليها، وملابسُ مغسولة ينبغي طيُّها.

ليس مستغربًا أن المتطلبات اليومية تَحُول دون قراءة كثيرٍ من البالغين بالقدر الذي يريدونه؛ فالأطفال الصغار في المنزل، والتزامات العمل، والإرهاق، كلُّ ذلك يحدُّ من وقت القراءة المتاح لدينا. وحتى عندما نتمكَّن من اختلاس لحظات قليلة للقراءة، نشعر بالذنب؛ ففي النهاية، بينما نقرأ، لا ننظف البيت أو نساعد أطفالنا في واجباتهم، أو نتحدَّث مع أزواجنا، أو نفعل أيًّا من الأعمال التي تبدو أكثر إنتاجيةً. تصبح القراءة نشاطًا مترفًا لا يمكننا تحمُّل ثمنه، فيبتعد بعضُنا عن عادة القراءة عندما لا يستطيع الالتزام بأدائها على نحوٍ منتظم. وتعترف جولي، إحدى المُجِيبات على استقصاء القارئ النَّهِم، قائلةً:

كانت الأمومة أكبر العقبات في طريق القراءة، فما من وقتٍ أو طاقة تكفي لها. كنتُ في السابق قارئةً نَهِمةً؛ أما الآن، فقد تخلَّيْتُ عن هذه العادة، ومن الصعب في الواقع أن أجلس وأسمح لنفسي بقراءة كتابٍ. أعتقد أن الأمر يتطلَّب مهارةً للتوقُّف عن الانشغال بالعالَم والتعلُّق بكتابٍ بدلًا من ذلك؛ هذا فضلًا عن وجود كثيرٍ من الوسائط الإعلامية المنافِسة. إذا أُتِيح لي وقتُ فراغٍ لمدة عشرين دقيقة، فسوف أجلس وأتصفَّح موقع فيسبوك بدلًا من الإمساك بكتابٍ حقيقي! يا إلهي!

يدَّعي طلابُنا أنْ ليس لديهم وقتٌ للقراءة أيضًا، وأقلُّ القرَّاء اهتمامًا بالقراءة بين طلابي لا يقضون وقتًا طويلًا في القراءة في المنزل، ولن يقرءوا على الإطلاق إذا لم أخصِّص ثلاثين دقيقةً للقراءة أثناء الحصة المدرسية. يبدو أن الأطفال لم يَعُدْ بإمكانهم إيجادُ وقتٍ للقراءة، شأنهم شأن البالغين.

(١) لماذا يُعَدُّ وقتُ القراءة في المدرسة مهمًّا حقًّا؟

على الرغم من إدراك المعلمين وأمناء المكتبات المدرسية حاجةَ الطلاب إلى القراءة كثيرًا، فقد لا يرى بعضُ أولياء الأمور والإداريين قيمةً على المدى الطويل لتوفيرِ وقتٍ يقرأ فيه الطلابُ في المدرسة، أو لتشجيعِ الطلاب على القراءة كلَّ يوم في المنزل، لكن الأبحاث تشير إلى أن الوقت الذي يُقضَى في القراءة يرتبط إيجابيًّا بأداء الطلاب في اختبارات القراءة القياسية (كانينجهام وستانوفيتش، ١٩٩٨):
  • الطالب الحاصل على عشرين إلى ثلاثين بالمائة، يقرأ كتبًا بمعدل ٠٫٧ دقيقة يوميًّا؛ أي نحو ٢١٠٠٠ كلمة في العام.

  • الطالب الحاصل على ثمانين إلى تسعين بالمائة، يقرأ كتبًا بمعدل ١٤٫٢ دقيقة يوميًّا؛ أي نحو ١١٤٦٠٠٠ كلمة في العام.

  • الطالب الحاصل على أكثر من تسعين بالمائة، يقرأ بمعدل ٢١٫١ دقيقة يوميًّا؛ أي نحو ١٨٢٣٠٠٠ كلمة في العام.

  • أما الطالب الحاصل على أكثر من ثمانية وتسعين بالمائة، فيقرأ لمدة ٦٥ دقيقة يوميًّا؛ أي نحو ٤٣٥٨٠٠٠ كلمة في العام.

بصرف النظر عمَّا يفرض علينا المنهجُ تدريسَه، أو ضيق الوقت المتاح في الحصص المدرسية؛ لا بد أن يقرأ الأطفال كثيرًا لكي يحقِّقوا على الأقل أدنى مستويات التحصيل في القراءة؛ ويتطلَّب ذلك التزامًا يوميًّا بالقراءة في المدرسة والمنزل. ووصْفُ مكاسب التحصيل الدراسي، التي يجنيها الطلاب نتيجةً للقراءة اليومية، يثير عادةً اهتمامَ أشخاصٍ قد لا يقدِّرون قيمةَ القراءة باعتبارها مسعًى فرديًّا جديرًا بما يُبذَل في سبيله.

مُدَاخَلات القرَّاء الجامحين

«يمكنني أن أقضي اليومَ بالكامل في القراءة إنْ أمكنني ذلك، لكنَّ ثمة ملابسَ يجب أن تُغسَل، وعملًا ينبغي الذهاب إليه، وأطفالًا بحاجةٍ إلى مَن يُطعِمُهم.»

«في بعض الأحيان، يكون الخيار بين النوم والقراءة؛ فأختار النوم.»

«أكون عادةً مُرهَقةً للغاية [لدرجةٍ تمنعني عن القراءة] في المساء، وعندما أرى كتابًا أمامي، أعرف أن الوقت قد حان لإطفاء الأنوار.»

«أقضي وقتًا أطول ممَّا ينبغي على الإنترنت.»

«لديَّ طفلان، فلا أملك سوى نصف ساعة فقط للقراءة كلَّ ليلةٍ قبل الاستغراق في النوم.»

«أنشغل كثيرًا بالتدريس والتدريب والدراسات العليا وكل الأمور الأخرى التي ينبغي عليَّ فعلها، لكنني أخصِّص أكبرَ قدرٍ من الوقت الذي يمكنني تخصيصه للقراءة.»

«عندما أبدأ في القراءة، لا يمكنني التوقُّف … لا يمكنني فعل أي شيء آخَر. أظل مستيقظًا طوال الليل لإنهاء كتابٍ ما. وهو نشاط ليس عمليًّا دائمًا.»

«أشعر بالذنب لأنه من المفترض أن أفعل شيئًا آخَر؛ مثل: اللعب مع أطفالي، أو إنهاء الأعمال المنزلية، إلى آخِره.»

لا يمكننا إلقاء اللوم على أولياء الأمور عندما لا يقرأ الأطفال في المنزل، ثم يتجاهلون الحاجة إلى تخصيص وقتٍ يوميٍّ للقراءة في المدرسة. وبعيدًا عن تجميع ساعات القراءة، فإن ضمان قراءة طلابنا كلَّ يوم في المدرسة يتيح لهم فُرَصَ الوقوع في حب الكتب، واكتساب الصبر على القراءة. ممارسةُ القراءة يوميًّا تؤسِّس قدرةَ الطلاب على القراءة خارج المدرسة مثلما تؤدِّي ممارسةُ الرياضة والفنون الجميلة إلى الأداء الناجح في الملعب أو على المسرح، وكلما ازدادت ممارسةُ الطلاب ازداد استمتاعُهم وثقتُهم في القراءة، وميْلُهم للقراءة في وقت فراغهم. لا يمكننا أن نقول للأطفال إنه ينبغي عليهم القراءة أكثر، ونرفض في الوقت نفسه منْحَهم أيَّ وقتٍ للقراءة خلال اليوم الدراسيِّ. تخيَّلْ مدارس لا يُمنَح فيها المشاركون في الفِرَق الموسيقية والجوقة والمناظرات والألعاب الرياضية وقتًا للممارسة في أثناء اليوم الدراسيِّ، مع توقُّع نجاحهم في الأداء على الرغم من ذلك. إذا كنَّا نتوقَّع من الطلاب الأداءَ الجيد في القراءة، فَهُمْ بحاجةٍ إلى وقتٍ لممارسة القراءة في المدرسة أيضًا.

بالإضافة إلى صَقْل المهارات في أثناء جلسات الممارسة الجماعية المنتظمة، يُقِيم الموسيقيون والممثلون واللاعبون الرياضيون علاقاتِ صداقةٍ متينةً بينما يتعلَّمون ويتقنون معًا أهدافَهم. وتشكِّل هذه الزمالةُ معتقداتِ الأعضاء حول قِيَم جوهرية، وتمنحهم شعورًا بالانتماء؛ لذا عندما يقرأ الطلاب معًا كلَّ يوم، فإنهم يشكِّلون روابطَ قويةً فيما بينهم، عن طريق تجارب القراءة المشتركة التي تساعدهم في تعريف أنفسهم كأعضاء في جماعة من القرَّاء. وكما يقول الموسيقيُّ الأسطوري تشارلي باركر: «إذا لم تَعِش اللحنَ؛ فلن يخرج من بُوقِك.»

خلال وقت القراءة اليوميِّ، يمارس الطلاب ما هو أكثر من مهارات القراءة لديهم؛ فهم يمارسون حياةَ القُرَّاء. فالقراءةُ معًا، وتبادُل الكتب، وتشارُك الملاحظات والترشيحات، وإقامةُ علاقات في ظلال القراءة، كلُّها أشياء تساعد الطلابَ على الاقتراب من سلوكيات القراءة الجامحة؛ ولهذا يُعَدُّ وقت القراءة في المدرسة أمرًا مهمًّا حقًّا. يحتاج الطلاب إلى التواصُلِ مع قرَّاءٍ آخرين، والمشاركةِ في ثقافةِ قراءةٍ تُقدِّرهم. لا بد أن يرى طلابنا أنفسهم كقرَّاءٍ، وإلا فلن يمارسوا القراءةَ خارج المدرسة.

عند توفير وقتٍ للقراءة في المدرسة، لا بد أن نضمن حصولَ جميع الطلاب على فُرَص متكافئة للتمتُّع بهذا الوقت. يجب على الإداريين ومدرِّبي المعرفة القِرائية والأخصائيين والمعلمين وضْعُ أهميةِ ثقافةِ القراءة هذه في الاعتبار، عند تحديد كيفية خدمة الطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، والمُهدَّدين بخطر الفشل، وتوقيت فعل ذلك؛ ففي كثير من الأحيان، ينتزع أخصائيو التدخُّل في مادة القراءة الطلابَ الذين يحتاجون إلى دعمٍ إضافيٍّ في القراءة من الفصل في أثناء وقت القراءة المستقلة. لكن تجاهُل أثرِ وقت القراءة المستقلة على تحصيل الطلاب في القراءة يقوِّض جهود التدخُّل على المدى الطويل. ويؤكِّد ريتشارد ألينجتون وآن مكجيل فرانزن (٢٠١٣) على أنه: «يوجد كثيرٌ من التقارير البحثية حول العلاقة بين مقدار القراءة والتحصيل فيها، بحيث لا يمكننا الاستمرار في تجاهل أهمية التوسُّع في نشاط القراءة لدى القرَّاء الذين يعانون من مشكلات» (ص٧). إننا نحدُّ من فعالية تدخلات القراءة عندما لا نوفِّر لطلابنا ذوي الأداء الأضعف وقتًا للقراءة وتشجيعًا عليها. يحتاج القرَّاء الناشئون إلى قدرٍ أكبر من القراءة، لا أقل.

وبعيدًا عن الوقت الذي يُقضَى في القراءة، فإنَّنا نحرم القرَّاء الأكثر احتياجًا للدعم من الانتماء الكامل لمجتمعات القراءة الداعمة في الفصول المدرسية، عندما نستولي على وقت قراءتهم المستقلة من أجل تنفيذ برنامج التدخل لتحسين القراءة بدلًا من ذلك؛ ففي الوقت الذي يتحدَّث فيه القرَّاء ذوو القدرات الأعلى عن الكتب، أو يتشاورون مع المعلم حول القراءة، أو يُطالِعون مكتبةَ الفصل معًا، لا يُقِيم القرَّاء المهدَّدون بخطر الفشل الدراسي علاقاتٍ قرائيةً مع زملائهم ومعلِّمهم في الفصل. ولا شك أن القرَّاء ذوي القدرات الأقل تصل إليهم رسائلُ مُحبِطة عندما ينتقلون بتثاقُل إلى فصل آخَر لممارسة أعمال التدريب واكتساب المهارات، بينما يقرأ الأطفال الآخرون من أجل المتعة. ومن أمثلة هذه الرسائل المحبطة:

القراءة ممتعة لمَن يجيدونها، وأنت لستَ منهم.

يومًا ما، عندما تصبح أفضل في هذا، يمكنك أن تكون قارئًا، لكن ذلك لن يحدث اليومَ.

وقد كتبَتْ كيلي جالاجر في كتابها «قتل القراءة: كيف تقتل المدارسُ القراءةَ، وما يمكنُك فِعْلُه حيالَ ذلك» (٢٠٠٩): «نحن نمنح الطلاب الذين يعانون من صعوباتٍ علاجًا غيرَ ناجحٍ، بل إنه أسوأ من ذلك؛ فهو علاج يجعلهم يكرهون القراءة» (ص٢٣). يحتاج الطلاب المعرَّضون للخطر إلى وقتٍ طويلٍ للقراءة، وإلى الانضمام لمجتمعات الأقران التي تُقدِّر القراءة.

(٢) المناقشات الجماعية

بالرغم من أن طلابنا يقضون ثُلث كل يوم من أيام الدراسة في القراءة المستقلة والتشاور معنا، أُدرِك أنا وسوزي أنه إذا لم يتمتَّع طلابنا بالقدرة على تخصيص وقتٍ للقراءة لأنفسهم، وإذا قلَّل معلِّموهم المستقبليون وقتَ القراءة اليومية في المدرسة أو ألغوه؛ فسوف يتوقَّف كثيرون منهم عن القراءة. وتوضيح كيف يخصِّص القرَّاء الجامحون وقتًا للقراءة يكشف لطلابنا كيف يمكنهم فعل ذلك بدورهم.

(٢-١) القراءة في الأوقات الحرجة

لن تجد الوقت أبدًا لفعل أي شيء. إذا أردتَ وقتًا فعليك بصُنْعه.

تشارلز بوكستون (١٨٢٣–١٨٧١)، صانع جعة ومُحسِن وكاتب إنجليزي وعضو بالبرلمان

عندما تسأل القرَّاء الجامحين عن مقدار الوقت الذي يقضونه في القراءة كلَّ يوم، لا يتمكَّن معظمهم من تحديدِ عددٍ معين من الدقائق أو الساعات، فهم لا يعرفون ذلك. القرَّاء الجامحون لا يحتفظون بسجلات للقراءة، لكن ٧٨ في المائة من الأشخاص الذين أجابوا على استطلاع رأي القارئ النَّهِم، أشاروا إلى أنهم يقرءون لأكثر من أربع ساعات أسبوعيًّا، وذكر الكثيرون منهم أيضًا أنهم يقرءون نحو عشرين ساعة أسبوعيًّا. وفي أثناء عطلات نهاية الأسبوع، والإجازات، والعطلات الرسمية، يقرأ القرَّاء النَّهِمون ما يصل إلى أربعين ساعة في الأسبوع. وعددُ ساعات يومِ القرَّاء النَّهِمين ليس أكثر من عدد ساعات يومِ أيِّ شخصٍ آخَر، فكيف إذن يجدون الوقتَ للقراءة؟ ما يتضح لنا هو أن هؤلاء القرَّاء يقرءون في الأوقات الحرجة؛ إذ يختلسون لحظاتٍ قليلةً للقراءة بين المواعيد التي يرتبطون بها، أو في أثناء انتظار أطفالهم للانتهاء من تدريبات الرقص، أو قبل النوم ليلًا. الحياة مليئة باللحظات الضائعة بين التزاماتنا اليومية.

إن اختلاس اللحظات الثمينة من هنا وهناك للقراءة مهارةٌ مُكتسَبة، والأطفال الذين لا يَنشَئون وسطَ أشخاص قارئين قد لا يفهمون كيف يُخصِّص القرَّاء الجامحون هذا الوقت الطويل للقراءة (انظر الشكل ١-١). في أثناء أحد اجتماعات القراءة، هزَّ طالبي تريستن رأسَه عندما أخبرته أنني أقرأ «باستمرار»، وسألني: «أليس لديك حياة، يا سيدة ميلر؟» أسمع هذه الملاحظة أيضًا من البالغين، الذين يشيرون بها ضمنًا إلى أنني بالتأكيد أُهمِل أعمالي المنزلية، ولا أتحدَّث مع أفراد أسرتي أبدًا إذا كنتُ أقرأ كثيرًا، لكنني في الواقع، أملأ وقتَ أيِّ فواصل زمنية بالقراءة.
fig1
شكل ١-١: تقرأ سارة رواية «المنحرف» للكاتبة لوري هالس آندرسون في أثناء انتظارها الغداء في مدينة ملاهي «يونيفرسال ستوديوز أورلاندو».

أشرح لأولياء الأمور أهميةَ القراءة في المنزل، وأؤكد لطلابي أنه ينبغي عليهم القراءة في المنزل قدر الإمكان. وحتى دون سجلٍّ للقراءة، الذي يمكن تزييفه أو نسيانه، يمكنني أن أحدِّد إنْ كان الطلاب قد قرءوا في المنزل أم لا، عن طريق تقييمِ انشغالهم بالقراءة في الفصل، وعددِ الكتب التي ينتهون من قراءتها على مدار فترة زمنية معينة.

وإذا تقدَّمَ الطلاب تقدُّمًا بطيئًا في قراءة الكتب، أو كانت الكتب التي ينتهون من قراءتها عادةً نصوصًا قصيرةً مثل الكتب المعلوماتية أو الروايات المصوَّرة — أي الكتب التي يمكنهم قراءتها في يومٍ واحدٍ في المدرسة دون اصطحابها معهم إلى المنزل — أسألهم هل كانوا يقرءون في المنزل أم لا. وفي معظم الأوقات، يعترف طلابي في المدرسة الإعدادية بأنهم لا يقرءون في المنزل.

نظرًا لإدراكي أن ثلاثين دقيقة غير متقطِّعة من القراءة قد تكون أمرًا مستحيلًا؛ بسبب افتقار الطلاب للصبر أو الدافع أو الوقت الكافي للقراءة، أتشاوَرُ مع الطلاب بشأن التزاماتهم بعد الدوام المدرسيِّ.

اعترف لي تريستن بأنه لم يكن يقرأ كثيرًا في المنزل بسبب تدريبات كرة القدم والواجبات المنزلية. ونظرًا لمبدأ «كل شيء أو لا شيء» الذي يتبناه، لم يستطع استقطاع ثلاثين دقيقة متواصِلة للقراءة في يومه؛ ومن ثَمَّ لم يكن يقرأ على الإطلاق. اقترحتُ عليه القراءةَ في طريقه إلى تدريب كرة القدم وفي أثناء العودة منه، وإذا كان الظلام حالكًا بعد التدريب بحيث لا يمكنه القراءة في السيارة، يمكنه اغتنام بضع دقائق للقراءة قبل النوم. فُوجِئ تريستن باقتراحي وسألني: «هل ستسمحين لي بفعل ذلك؟ هل تَعْتَدِّين بالقراءة لبضع دقائق بين وقتٍ وآخَر؟» فأجبتُه: «يا تريستن، إن معظم القرَّاء ليس لديهم ثلاثون دقيقة للقراءة كلَّ ليلة، وإنما نقرأ قليلًا أيضًا بين وقت وآخَر.» لا أعتقد أنه صدَّقني في البداية، لكن على مدار الشهور القليلة التالية أخذ يقرأ أكثر خارج المدرسة.

عندما تأملتُ محادثتي مع تريستن لاحقًا، أدركتُ أن كثيرًا من الطلاب يفسِّرون تعليمات المعلِّم بالقراءة لمدة عشرين أو ثلاثين دقيقة كلَّ ليلة على النحو الذي فسَّره تريستن — كل شيء أو لا شيء — دون أن يدركوا أبدًا أن عادةَ القراءة اليومية القائمة على إدارة الوقت أهمُّ من عدد الدقائق التي يقرءونها في جلسة واحدة؛ فالسنوات التي انشغل فيها تريستن بملء سجلِّ القراءة بالدقائق المخصَّصة لهذا النشاط، أعاقَتْه عن تخصيص وقتٍ للقراءة أو تعلُّم كيفية إدارته.

يصعب على كثيرٍ من الأطفال أن يكونوا قرَّاءً جامحين إنْ لم يقرءوا خلال الفواصل الزمنية، لكنْ إذا لم يقرءوا على نحوٍ متكرر، فلن يكتسبوا عادات القراءة أبدًا؛ لذا فإن تعليم طلابٍ بعينهم كيفيةَ إيجادِ وقتٍ للقراءة خارجَ المدرسة يتطلَّب مناقشاتٍ صريحةً معهم بشأن الجداولِ الخاصة بكلٍّ منهم، وكيفيةِ إفساح المجال للقراءة فيها. يحتاج ذلك إلى وعْيٍ بالاحتمالات، فالقراءةُ لمدة ثلاثين دقيقة كلَّ ليلة تمثِّل تحدِّيًا للطلاب الذين ليس لديهم حافز للقراءة، أو مَن يزدحم جدولهم بأنشطة أخرى بعد الدوام المدرسيِّ، أو مَن يساعدون إخوتهم، أو المُثقَلين بأعباء الواجبات المنزلية لمواد أخرى. والطلابُ الذين يتجنَّبون القراءة في المنزل قد يحتاجون إلى إرشادٍ شخصيٍّ للتعرُّف على الأوقات التي يمكنهم استقطاعها للقراءة.

(٢-٢) حالات القراءة الطارئة

في صبيحة أحد أيام الإثنين، بدأتُ حصتي القصيرة بإخراج حقيبة يدي من درج مكتبي. وقفتُ أمام الفصل، وأخذتُ أصِفُ عطلةَ نهاية الأسبوع التي قضيتُها: «لقد قضينا يومَ السبت في إنهاء بعض المهام. كنَّا بحاجةٍ إلى شراء بعض البقالة، وكانت سارة بحاجةٍ إلى بعض القصبات لآلة الكلارينت خاصتها، بالإضافة إلى حاجةِ إطاراتِ سيارتي إلى الفحص. كان يتوجب علينا أنا وزوجي الانتظارُ حتى انتهاء الميكانيكي من فحص الإطارات، فأخرجتُ كتابي من حقيبة يدي.» أدخلتُ يدي في حقيبتي لأُخرِج كتاب ديبورا بلوم «دليل المُسمِّم»، وهو كتاب غير روائي للكبار يتناول أحداث إنشاء مكتب الطبيب الشرعي في مدينة نيويورك، في أثناء فترة حظر الكحوليات في الولايات المتحدة. على الرغم من أنني ما كنت لأقدِّم هذا الكتاب لطلابي في الصف السادس ليقرءوه، فإن عَرْضي الكتاب عليهم كان من شأنه مساعدتي في توضيح وجهة نظري:

نسي زوجي كتابه، بَيْدَ أنه كانت لدينا بضعة كتب على المقعد الخلفي للسيارة، فأمسَكَ بواحدٍ منها لقراءته. وبالنظر حولي في ساحة الانتظار، لاحظتُ أننا الشخصان الوحيدان اللذان انشغلا بالقراءة، بينما أخذ الجميع يحدِّقون في الفضاء أو يلهون بهواتفهم المحمولة. سألني رجلٌ عمَّا كنتُ أقرؤه، فأخذتُ أدردش معه حول كتابي بضع دقائق، وإذا به يتنهَّد ويقول لي: «يا ليتني جلبتُ معي شيئًا لأقرأه.»

خطر ببالي أنني أنا وأسرتي نحمل معنا كُتبًا أينما ذهبنا؛ إنها عادة لدينا، ويمزح زوجي بشأن ذلك قائلًا إننا لا نعلم متى سنتعرَّض لحالة قراءة طارئة؛ يعني بذلك تلك اللحظات غير المتوقَّعة التي نُضطر فيها للانتظار في مكانٍ ما لفترةٍ أطول ممَّا خططنا، وفي تلك الحالات النادرة التي لا أحمل فيها كتابًا معي، أندم على ذلك. إن اصطحاب كتابٍ معي عند مغادرتي المنزل هو أحد السُّبل التي تمكِّنني من اختلاس بعض الوقت للقراءة، عندما لا يكون لديَّ شيءٌ آخَر لأفعله سوى الجلوس والانتظار؛ لذا أريد منكم أن تتحدَّثوا مع المجموعات التي تنتمون إليها عن عطلةِ نهايةِ الأسبوع التي قضيتموها. هل قضيتم لحظاتٍ في الانتظار وأصابكم الملل؟

بعد بضع دقائق من المناقشة، قدَّم طلابي القائمةَ التالية للأماكن أو الأوقات التي اضطروا فيها لانتظارِ شيءٍ ما في عطلةِ نهايةِ الأسبوع:
  • عيادة طبيب تقويم الأسنان.

  • مباراة كرة القدم التي تشارك فيها أختي الصغيرة.

  • التسوُّق لشراء أريكة مع أمي.

  • فقدان أخي لحقيبة ظهره.

  • انتظار بدء الفيلم.

  • تمشية الكلب.

  • تحدُّث والدي في الهاتف.

  • تنزيل لعبة على الكمبيوتر.

  • مشكلة في السيارة.

  • صالون مُصفِّف الشعر.

وجَّهتُ طلابي لفحص القائمة التي كتبوها، وحدَّدنا معًا مقدارَ الوقت الذي يمكنهم قضاؤه في القراءة خلال هذه الأوقات التي تتراوح ما بين خمس دقائق وثلاثين دقيقة. اعترف أنطوني قائلًا: «بينما جلسنا في انتظار انتهاء أختي من تدريب الرقص، تمنيتُ لو أنني قد أحضرتُ معي كتابًا، لكنْ كان ذلك بعد فوات الأوان.» وعبَّر أطفال آخَرون عن الندم على الشيء نفسه أيضًا، فاقترحتُ على طلابي اصطحابَ كتابٍ معهم أينما يمكنهم ذلك على مدار الأيام القليلة القادمة، وملاحظةَ حالاتِ القراءة الطارئة التي يمرون بها، وذكَّرْتُهم قائلةً: «إذا لم يكن معكم كتاب، فلن يمكنكم القراءة حتى في الأوقات التي تسمح لكم بذلك. أما إذا كنتم تحملون معكم كتابًا أينما ذهبتم، فسيمكنكم حشْدُ وقتٍ طويلٍ للقراءة خلال تلك الأوقات الطارئة.»

وفي أثناء المناقشاتِ التي تُجرَى في الفصل واجتماعاتِ القراءة التي تُعقَد على مدار الأسبوع، تحدَّثنا عن أوقاتِ القراءة الطارئة التي تعرَّضنا لها، ومقدارِ الوقت الذي أُتِيحت لنا فيه فرصةٌ للقراءة؛ قالت سلون مندهشةً من الكمِّ الذي قرأَتْه بعد أنْ بدأَتْ في وضْعِ كتابٍ في حقيبتها قبل مغادرة المنزل: «أعتقد أنه من السهل إيجاد الوقت للقراءة الآن؛ لأنني عندما أشعر بالملل، أُخرِج كتابي وأنتقل إلى عالَمٍ آخَر.»

يجلب طلابي كتابًا واحدًا على الأقل معهم إلى الحصة كلَّ يوم، ويمكنهم استغلال وقت القراءة في الفصل؛ لأن لديهم ما يُطالِعونه، والطلابُ الذين ينسون كتابَهم أو يحتاجون إلى كتاب جديد، يمكنهم الحصول على كتابٍ آخَر من مكتبة الفصل أو مكتبة المدرسة. لكن عندما يكون الطلابُ بعيدين عن المدرسة، هل يحملون الكتبَ معهم تحسُّبًا لحالات الطوارئ؟ إن تعليم الأطفال عادةَ حمْلِ كتابٍ معهم لأوقات القراءة الطارئة؛ يساعدهم في الاستفادة من الفواصل الزمنية التي يمرون بها خلال يومهم.

(٢-٣) الانغماس في القراءة

على الرغم من المُرَاجَعات النقدية الإيجابية وتوصيات الأصدقاء المؤيدة بشدةٍ، أخذتُ أشقُّ طريقي بصعوبةٍ في قراءة الصفحات الثمانين الأولى من كتاب الفانتازيا الحزين «فينيكين فتى الصخرة» بقلم ميلينا مارشيتا. عندما حاولتُ قراءةَ ذلك الكتاب لبضع دقائق كلَّ مساء، وجدتُ نفسي أقرأ قدرًا أقلَّ كلَّ ليلةٍ. لم أُرِدْ طرْحَه جانبًا، لكنه لم يأسرني في الوقت نفسه. وفي أول ليلةٍ من ليالي الإجازة الصيفية، عمدتُ إلى قراءة فصلٍ آخَر منه بدافعٍ نابعٍ من شعوري بالواجب، وعند ظهور شخصية جديدة في القصة، أخذ الكتاب منحًى جديدًا وأسَرَني. انجرفتُ مع فينيكين وإيفانجيلان وصراعهما لإنقاذ لوماتير، فظللتُ مستيقظةً حتى الساعة الثالثة صباحًا إلى أن انتهيتُ من قراءة القصة، وأتيتُ على صفحات الكتاب كلها، البالغ عددها ٣٣٦ صفحة. لقد دفعتُ ثمنَ ذلك الانغماس في القراءة بشعوري بالإرهاق في اليوم التالي، لكنني لم آبَه؛ فشخصياتُ مارشيتا الشجاعة، وبِنْيةُ ذلك العالَم العجيب، والإثارةُ المشوِّقة التي ملأَتْني عندما بقيتُ مستيقظةً طوال الليل للقراءة؛ كلُّ ذلك جعل رواية «فينيكين فتى الصخرة» أحد الكتب المفضلة لديَّ، وعندما أُوصِي به أصدقائي، أحذِّرهم من الثمانين صفحةً الأولى منها.

مُداخَلَات القرَّاء الجامحين

«أصطحِب كتابًا معي أينما ذهبت؛ في السيارة، وإلى المباريات الرياضية، بل إلى متجر البقالة أيضًا! فالمرء لا يعلم أبدًا متى يجد دقيقةً يمكنه القراءة فيها!»

«أصطحِب كتابًا معي أينما ذهبت، وأقول لابنتي إنني لن أشعر بالوحدة أبدًا؛ لأنني أحب القراءة.»

«أحمل كتابًا للقراءة في أغلب الأحيان؛ فأنا أكره الانتظار في الطوابير أو في السيارة أو الحافلة أو القطار أو أي مكان آخَر دون أن يكون معي شيءٌ لأقرأه!»

«أحمل معي كتابًا دائمًا كي أغوص فيه كلما أُتِيحت لي الفرصة لذلك، وقد بدأتُ تدوينَ ما أقرؤه في دفتر يوميات، ووضعتُ لنفسي هدفًا بعدد الكتب التي أريد قراءتها في العام، ولدينا وقتٌ مخصَّص أيضًا كلَّ يوم يجلس خلاله أفرادُ الأسرة ليقرءوا دون أي مصادر إلهاء؛ يقرأ الجميع معًا فحسب.»

إنَّ قراءة كتاب في جلسة واحدة نوعٌ من التَّرَف النادر الحدوث، لكن الكثير من القرَّاء الجامحين يستغلون عطلةَ نهاية الأسبوع أو الإجازات العشوائية للانتهاء من قراءة كتب كاملة. عندما تنجرف مع قصة رائعة، ثمة شيء يُشعِرك بالرضا في الانغماسِ في كتابٍ ما والسيْرِ مع شخصياته حتى انتهاء رحلتهم، لكن هذا الانغماس يعتمد على انجذاب القارئ؛ فما من قارئٍ يقوى على الانتهاء من كتابٍ مكوَّن من أربعمائة صفحة وهو لا يستمتع به، إلا إذا كان عليه تسليم تقريرٍ عن الكتاب. والقرَّاء الجامحون أنفسهم يقل مقدارُ ما يقرءونه عندما يشعرون بعدم الانجذاب أو الالتزام بالانتهاء من القراءة. لكن عندما نملك الوقت، هل يكون لدينا ما يستحق القراءة؟

عندما أتحدَّث مع طلابي عن الانغماس في القراءة، أسألهم هل سبق لهم الانتهاء من قراءةِ كتابٍ بالكامل في جلسة واحدة، أو قضاء عدة أيام في قراءة كتابٍ واحدٍ كبيرٍ؛ فيكشف طلابي عن دوافعهم الشخصية وراء الانتهاء من كتاب بالكامل، والبقاء مستيقظين حتى ساعة متأخرة من الليل للانتهاء من كتابٍ ما، أو قضاء كل لحظةٍ ممكنةٍ في قراءته:

أردتُ الانتهاء من قراءة رواية «العدو» قبل انتهاء جيسون منها؛ خوفًا من أن يفسد عليَّ أحداثَها دون قصد.

أسرَتْني رواية «القفل والمفتاح» ولم أتمكَّن من تركها من يدي؛ فقد كانت روبي أشبه بصديقةٍ لي، وأردتُ معرفةَ ما حدث لها.

سيُطرَح جزء «الطائر المُقلد» الأسبوع القادم، وأردتُ إعادة قراءة «ألسنة اللهب» قبل ذلك الحين.

تقرأ أليسا رواية «الأغلال»، فأردتُ الإسراع في قراءتها كي نتمكَّن من مناقشتها معًا.

ظللتُ آمل في الوصول إلى نهايةٍ سعيدة [في أثناء قراءة رواية «وحوش بشرية»]، ولم أتمكَّن من التوقُّف حتى عثرتُ عليها.

يشعر القرَّاء في أغلب الأحيان بالارتباط القوي بالنص — فيما يُعرَف باسم «الخبرة المثلى» أو «الانجراف» — عند قراءةِ نصوصٍ يستمتعون بها ويجدونها مثيرةً للاهتمام (ماكويلان وكوندي، ١٩٩٦). وتؤكِّد تعليقات طلابي على أن انهماكَهم ودافعَهم الشخصي هما ما يوجِّهان انغماسَهم في القراءة، أو التزامهم بقراءةِ كتبٍ أكبر؛ فيعترف بابلو قائلًا: «عندما يكون بين يدي كتابٌ جيد، أقرأ نحو ساعتين يوميًّا.» ويوافقه براندون الرأي قائلًا: «الكتب الجيدة تجعلني أقرأ أكثر.» حين يُفتتن القرَّاء بكتاب وينجذبون إليه، فإنهم يخلقون الوقتَ للقراءة.

يعترف كثيرٌ من الطلاب بأنهم لا يقرءون أبدًا كتابًا كاملًا في جلسة واحدة، أو ينتهون من قراءة كتاب كبير في بضعة أيام، لكن تشجيع طلابي على قراءةِ كتابٍ ما سريعًا للغاية، أو تخصيصِ قدرٍ كبير من الوقت للقراءة على حساب أنشطةٍ أخرى؛ ليس هو هدفي. وتقدِّم مناقشاتنا حول الانغماس في القراءة رؤيةً متعمِّقةً إضافية بشأن الظروف التي تثير حماسَ الطلاب للقراءة، وتشجِّعهم على الإقبال عليها، مثل اكتشاف كتب تأسرهم وتلبِّي احتياجاتهم وأهدافهم الفردية. ولا أتوقَّع من الطلاب التهامَ الكتب، أو أمارِس عليهم الضغوطَ لفعْلِ ذلك، لكنني أذكر الظروفَ التي ينغمس فيها الطلابُ في القراءة في بعض الأحيان وأقدِّرها، وأقبَل فكرة أن حياتنا في القراءة تمرُّ بتقلُّبات؛ ففي مقابل كل يوم يقضيه القرَّاء في الانغماس في قراءةِ كتابٍ ما في جلسة واحدة، هناك أيام لا يقرءون فيها شيئًا على الإطلاق.

(٢-٤) خط سَيْر القراءة

نحن لا نتعلَّم من التجربة … وإنما من تأمُّل هذه التجربة.

جون ديوي، «كيف نفكِّر»
fig2
شكل ١-٢: جون منكمش على نفسه في أحد الأركان بين رفوف الكتب.
عند الدخول إلى فصلي، ستجد أطفالًا يفترشون الأرض، أو ينكمشون في الأركان، أو يجلسون على مكاتبهم؛ جميعهم يقرءون (الشكل ١-٢). أسير بهدوءٍ في أرجاء الفصل، أتناقش مع الطلاب، أرشِّح لهم كتبًا، وأساعدهم في البحث عن كتب. على الرغم من استفادة طلابنا من الفصول الهادئة والوقت المخصَّص للقراءة، أدركتُ أنا وسوزي أن تنظيمَ الوقتِ والمكانِ اللذين يقرأ فيهما الطلابُ لا يوضِّح لهم كيف يجدون الوقتَ للقراءة بأنفسهم، أو يحدِّدون ظروفَ القراءة التي يفضِّلونها.
ومع اقتراب العام الدراسي من الانتهاء، طلبت أنا وسوزي من الطلاب الاحتفاظ بخط سير القراءة (الشكل ١-٣) لأسبوع تقويميٍّ واحد، مسجِّلين فيه كلَّ مكانٍ كانوا فيه في أثناء القراءة، ومقدارَ الوقت الذي قضوه في القراءة في كلِّ مكانٍ (يوجد نموذج فارغ لخط سير القراءة في الملحق «أ»).
fig3
شكل ١-٣: خط سير قراءة نيكو.
fig4
(استكمال الشكل السابق.)

تسجيلُ وقتِ القراءة ومكانِها يساعد الطلابَ في تأمُّلِ عاداتهم القِرائية، وتحديدِ الأنماط التي قد لا يدركونها من يومٍ لآخَر.

لا يدرك كثيرٌ من الطلاب مقدارَ الوقت الذي يقضونه في القراءة، أو المكان الذي يفضِّلون القراءةَ فيه، أو العقبات التي تَحُول بينهم وبين القراءة بالقدر الذي يريدونه. والتركيز على عادات القراءة لمدة أسبوع واحد يزيد من وعيهم بسلوكيات القراءة لديهم، ويفتح المجالَ للحوار بين القرَّاء باستخدام ملاحظاتهم كنقطةٍ لبدء الحوار.

خطُّ سَيْر القراءة سجلٌّ للتأمُّل، وليس نسخةً جديدة من سجلِّ القراءة أو أداة للمساءلة. ليس من المتوقَّع من الطلاب أبدًا الاحتفاظ بسجلات مُفصَّلة من هذا النوع على المدى الطويل، ولن نعطي درجةً على تقريرٍ ذاتي، ولا نطلب من القرَّاء جمْعَ إجمالي الوقت الذي يقضونه في القراءة خلال الأسبوع، أو نُؤنِّبهم عندما نعرف من مخططات القراءة الخاصة بهم أنهم لم يقرءوا في المنزل. تكمن القيمةُ الحقيقية لهذا النشاط في مناقشات الطلاب، وتأمُّلهم، وتزايُد وَعْيهم الذاتي.

ولقد توصَّلْنا إلى أن هذا النشاط يحقِّق أفضلَ النتائج في الربيع بعد اكتساب الطلاب عادةَ القراءة اليومية في المدرسة. واستخدامُ خطِّ سَيْر القراءةِ يساعد الطلابَ في التحكُّم على نحوٍ أكبر في عادات القراءة الخاصة بهم بعيدًا عن المدرسة، وتحوُّلهم إلى القراءة حتى بعد مغادرتهم الفصل المدرسي. وعند تقييم نماذج خط سير القراءة، أوجِّه أنا وسوزي طلابَنا عبر عدة أسئلة تأمُّلية تستكشف آراءَ الطلاب بشأن مُدْخَلاتهم في خطوط سير القراءة.

(٢-٥) الإجابات في خطوط سير قراءة الطلاب

(أ) أين تقضي أطول أوقات القراءة؟

أتوقَّع أنا وسوزي أن يقرأ الطلاب ثلاثين دقيقة، على الأقل، يوميًّا في أثناء حصة آداب اللغة؛ وفي الحالات المثالية، يقرأ الطلاب من عشرين إلى ثلاثين دقيقة إضافية كلَّ ليلة خارج المدرسة، والطلابُ الذين يقرءون خارج حصة آداب اللغة يقومون باستثمارٍ أكبر كقرَّاء مستقلين، ومن المرجح أن يواظبوا على عادة القراءة بعيدًا عن وقت القراءة في المدرسة. وقد أشار معظم الطلاب إلى أنهم يقرءون في المدرسة أكثر مما يقرءونه في المنزل، على الرغم من أن العديد منهم يقرءون لساعاتٍ خارج حصة آداب اللغة؛ إذ يختلسون الوقتَ بعد الانتهاء من مهامِّهم في حصصٍ أخرى، وفي أثناء الغداء، وفي الحافلة في طريق عودتهم إلى المنزل، وقال كثيرٌ من القرَّاء إنهم يقرءون قبل النوم ليلًا أيضًا. وفيما يلي بعض تعليقاتهم:

أحبُّ القراءةَ في المدرسة؛ لأنها تجعلني أشعر بمزيدٍ من الارتياح؛ أحبُّ التواجد في الفصل. (جيسا، طالبة بالصف السادس)

القراءة في المدرسة أكثر جاذبيةً؛ لأن المدرسة مُفعَمة بالأحداث، ومن الجيد الحصول على بعض الراحة في تلك الأثناء. (برايلين، طالب بالصف السادس)

في فصل الأستاذة ميلر، ثمة بيئةُ قراءةٍ رائعةٌ، ومن السهل إخراج كتاب وبَدْء قراءته. مكاني المثالي للقراءة هو الأريكة أو أكياس القماش المخصَّصة للجلوس في فصل الأستاذة ميلر. (بليك، طالب بالصف السادس)

أقرأ أكثر خلال وجودي بالمدرسة؛ لأن إيجاد الوقت والهدوء والسكينة في المنزل أكثر صعوبةً من إيجادها في المدرسة. (نيكو، طالب بالصف السادس)

لا أهتم كثيرًا، في الواقع، بالمكان الذي أقرأ فيه، ما دام الكتابُ الذي أقرؤه كتابًا جيدًا. (كريستينا، طالبة بالصف السادس)

أحب القراءة في فصل الأستاذة كيلي؛ لأن الهدوء يخيم على المكان عندما يستغرق الجميع في القراءة. (هويون، طالبة بالصف الخامس)

(ب) ما الذي تحبه بشأن القراءة في هذا المكان؟

بالرغم من أن بعض القرَّاء الجامحين يكتسبون القدرةَ على حجب المشتِّتات في أثناء القراءة في الأماكن العامة، فمعظمُهم يفضِّلون الوجود في بيئة مريحة وهادئة. وقد ذكر عدد مدهش من طلابنا أنهم استمتعوا بالقراءة في فصولنا المدرسية بسبب أنهم محاطون بقرَّاءٍ آخَرين.

(ﺟ) هل تقرأ أكثر في المدرسة أم خارجها؟ ولماذا؟

على الرغم من أننا نعلم أن طلابنا يقرءون لفترات طويلة في المدرسة، فلا بد أن يقرءوا خارجها أيضًا كي يتطبَّعوا بسلوكيات القراءة الجامحة. وإنْ كانوا يفضِّلون القراءةَ في المنزل على القراءة في المدرسة أو العكس، فإننا نريدهم أن يفكروا في تفضيلاتهم ويحدِّدوا الظروفَ التي يحتاجون إلى توافُرها لمتابَعة عادات القراءة لديهم. وقد عبَّرَ طلابنا عن تفضيلات متساوية فيما يتعلَّق بالقراءة في المنزل أو المدرسة، لكنهم جميعًا ذكروا حاجتَهم إلى الانفرادِ بأنفسهم بعيدًا عن أية مُلْهِيات.

(د) هل تعتقد أن إيجاد الوقت للقراءة صعبٌ أم سهل؟ ولماذا؟

إنَّ إدراك العقبات الشخصية التي تمنع القرَّاء من القراءة بالقدر الذي يرغبونه؛ يساعدهم في وضْعِ استراتيجياتٍ للتغلُّب على هذه العقبات. وقد ذكر طلابنا متطلباتِ الواجبات المنزلية، والإخْوةَ الصغار، وجداولَ المواعيد المزدحمة بوصفها أهم العقبات التي تَحُول دون قراءتهم في المنزل، وأشار أكثر القرَّاء حماسًا بين الطلاب إلى الدعم القوي في المنزل للقراءة أو الرغبة في القراءة قدر الإمكان؛ على سبيل المثال:

أعتقد أن إيجاد الوقت للقراءة بالغ السهولة بالنسبة إليَّ؛ لأن بإمكاني القراءة في أي مكان. (نام، طالب بالصف الخامس)

أقرأ أكثر في المدرسة؛ لأن المكان هادئ ويمكنني فهم الكتاب الذي أقرؤه بحق. [أما في المنزل]، فإيجاد الوقت للقراءة صعبٌ إلى حدٍّ ما بالنسبة إليَّ؛ لأنني لا أجد كثيرًا من الوقت للقراءة بين تدريب كرة القدم وكرة السلة ومباريات كرة القدم وتدريبات أختي ومبارياتها. (أليسون، طالبة بالصف الخامس)

أقرأ في المدرسة أكثر مما أقرؤه في المنزل في بعض الأيام؛ ففي المدرسة ثمة وقتٌ مخصَّص للقراءة. (إميلي، طالبة بالصف السادس)

إيجادُ الوقت للقراءة أمرٌ صعب؛ لأن لديَّ أخوَيْن لا يتركانني وشأني. (نيك، طالب بالصف السادس)

الأمر صعب بعض الشيء؛ لأن لدي أيضًا مهامَّ وواجباتٍ منزلية وتدريبات عزف الجيتار، لكنني سأجد دائمًا الوقتَ للقراءة. (كلاريسا، طالبة بالصف السادس)

أعتقد أن إيجاد الوقت للقراءة صعب بالنسبة إليَّ؛ لأن لدي أنشطة أخرى بعد المدرسة، لكن الأمر سهل في المدرسة؛ لأن لدي أوقات كثيرة يمكنني القراءة فيها. (أنطوني دي، طالب بالصف السادس)

(ﻫ) صِفْ بالتفصيل المكان الذي تفضِّل القراءةَ فيه

توصَّلْتُ أنا وسوزي إلى هذا السؤال بوصفه تدريبًا على التخيُّل في الأساس؛ لأننا أردنا من الطلاب تخيُّل القراءة في أماكن مثالية كخطوة أخرى للتعرُّف على بيئتهم المفضَّلة للقراءة. وعلى الرغم من تقديم طلابنا بعضَ المواقع الخيالية، بما في ذلك الجُزُر الصحراوية والكويكبات، فثمة خصائص مشتركة في أماكن القراءة المثالية في نظرهم؛ أَلَا وهي: السكينة والجمال والهدوء.

(و) ما الذي تعلَّمْتَه عن عادات القراءة لديك هذا الأسبوع؟

لقد أردنا أن يقيِّم طلابنا المعلومات التي جمعوها عن سلوكيات القراءة لديهم؛ للتعبير عن فهمهم لأنفسهم كقرَّاء، وإدراكهم لعادات القراءة لديهم، وتفضيلاتهم الشخصية. ذكر طلابنا أنهم قرءوا أكثر مما توقَّعوا، أو قضوا وقتًا أطول في القراءة في المنزل ممَّا كانوا يدركون:

لقد قرأتُ على أريكتي أكثر مما كنتُ أعتقد، وقرأتُ أيضًا كميات صغيرة أكثر ممَّا كنتُ أتصوَّر. (أنطوني دي، طالب بالصف السادس)

أخصِّص كلَّ ليلة تقريبًا وقتًا طويلًا للقراءة فقط. (إيه جيه، طالب بالصف السادس)

من السهل إيجاد الوقت للقراءة؛ لأنها مهمة للغاية في نظري. (آفري، طالبة بالصف السادس)

في بعض الأحيان، لا أدرك أنني قرأتُ لمدة ثلاثين دقيقة، بينما أعتقد أنني قرأت لمدة خمس دقائق فقط. (مادي، طالبة بالصف الخامس)

أقرأ كثيرًا للغاية. (وو هيون، طالب بالصف الخامس)

(٣) نقاط نقاشية

بينما أنظم أنا وسوزي مناقشاتٍ كاملةً في الفصل الدراسي حول عادات القراءة النَّهِمة مع طلابنا، يحتاج الطلاب الذين يواجهون مشكلاتٍ خاصةً دعمًا مخصَّصًا عن طريق اجتماعات القراءة؛ وهي اجتماعاتٌ شخصية مع كلِّ طالب لتحديدِ احتياجاته، والتوصُّلِ إلى حلولٍ عن طريق استثارة الأفكار، والاحتفاء بالنجاحات، ووَضْع أهدافٍ معقولة تساعد الطلابَ على مواصَلة التقدُّم في طريقهم نحو القراءة الجامحة.

(٣-١) القراءة الزائفة وتجنُّب القراءة

على الرغم من أن القرَّاء الجامحين ينتهزون أية فرصة للقراءة، فإن بعض الطلاب يتجنَّبون القراءة، أو يتظاهرون بالقراءة في أثناء وقت القراءة المستقلة. ونظرًا لهوس المعلمين بالعدد القليل من الطلاب الذين يقضون وقتًا أطول في التخطيط للقراءة مقارَنةً بالقراءة الفعلية، أو يتحدَّثون مع زملائهم بدعوى الحصول على ترشيحاتٍ للكتب، أو يحدِّقون في صفحةٍ واحدة من الكتاب؛ فإنهم يقلقون من تخصيصِ وقتٍ للقراءة؛ لأن الطلاب لا يستفيدون منه بالقدر الذي نطمح إليه، ويتشكَّك المعلمون أيضًا في قيمةِ وقتِ القراءة على حساب الأنشطة الأخرى.

بعد بضعة أسابيع من الدراسة، أتعرَّف على الطلاب الذين يُظهِرون سلوكياتِ قراءةٍ زائفةً سافرة، لكنني لا أعرف دائمًا ما يجب عليَّ فعله حيال ذلك؛ فالصياحُ في أرجاء فصلي قائلةً: «أنت لا تقرأ! اجلسْ! لا يمكنك الذهاب إلى دورة المياه في أثناء وقت القراءة اليومَ.» يقضي على جهودي في بناء العلاقات مع طلابي، ويُزعِج الطلابَ الذين يقرءون، ويخفق في تصحيح الأسباب التي تؤدِّي إلى التظاهر بالقراءة.

يتظاهر الطلاب بالقراءة ويتجنَّبونها عادةً عندما يفتقرون إلى عادات القراءة المستقلة، أو الثقة، أو مهارات القراءة اللازمة، وهؤلاء الطلابُ غير المندمجين في القراءة قد يتجوَّلون في الأرجاء، أو يتململون، أو يتحدَّثون في أثناء وقت القراءة، أو يأخذون أوقاتَ راحةٍ متكررة، أو يطلبون زيارةَ المكتبة يوميًّا. ويُظهِر بعض الطلاب علاماتٍ واضحةً على أنهم لا يقرءون؛ إذ يكونون مصدرًا للإزعاج في أثناء وقت القراءة، بينما يبدو آخَرون ممتثلين؛ إذ يلتزمون الهدوءَ في أثناء تظاهُرهم بالقراءة.

من خلال الاجتماعاتِ المتكررة، والتوقُّعاتِ العالية بشأن قراءة الطلاب، وأنشطةِ تسجيلِ الآراء في الكتب؛ يكتشف المعلِّمون الفَطِنون، في النهاية، الطلابَ الذين يتظاهرون بالقراءة. لكن ينبغي لنا فعل ما هو أكثر من مجرد ضَبْط الطلابِ الذين لا يقرءون ومطالَبَتِهم بالقراءة؛ إذ يجب أن نتدخَّل ونقدِّم الدعْمَ الفردي. في حالة الكثير من الطلاب الذين لا يقرءون، خاصةً في الصفوف العليا، تكون سلوكياتُ القراءة الزائفة التي يمارسونها قد نجحَتْ بالفعل، وتمكَّنوا من تجاوُز حصة آداب اللغة — ربما كل الحصص — دون قراءةِ قدرٍ كبير. ويشير هنا خبيرُ تعليمِ المراهقين كريس توفاني (٢٠١٣) إلى أن: «عددًا كبيرًا من القرَّاء المراهقين تعلَّموا كيف يتظاهرون بالقراءة، وصاروا بارعين للغاية في ممارسة هذه اللعبة في المدرسة، وعرفوا كيف يحصلون على الدرجة المطلوبة دون فهْمٍ.»

تنبع القراءة الزائفة من عدة عوامل؛ ففي المواقف التي يقرأ فيها الفصلُ بأكمله نصًّا مشتركًا؛ مثل الروايات أو المقتطفات الأدبية المختارة المقرَّرة على الفصل بأكمله، يلتقط الطلابُ عادةً ما يحتاجون إلى معرفته من مناقشاتِ الفصل، والأدلةِ الدراسية، ومحاضراتِ المعلمين، دون قراءة النص المقرَّر. وباستخدام مهاراتِ الاستماع وتسجيل الملاحظات، قد يكون الطلابُ الناجحون ذوو مستوياتِ الإنجاز العالية أكثرَ القرَّاء الزائفين مهارةً في فصولنا المدرسية. أما الطلابُ الناشئون، الذين قد لا يفهمون هذه النصوص بسبب ضعْفِ قدرتهم على الفهم، أو قصورِ كفاءتهم اللغوية، أو ما يواجهونه من صعوباتٍ في القراءة؛ فإن التعثُّر عبر النصوص الصعبة لا يتيح سوى فرصةٍ ضئيلة للتحسُّن في القراءة، فيتظاهرون بالقراءة لعدم تمكُّنهم من فَهْم المادة.

ومع عدم اهتمامهم بالقراءة، لا يكون لدى بعض الطلاب الذين يتجنبون القراءة أو يتظاهرون بها الدافعُ لتغيير سلوكياتهم، ما دام بإمكانهم تحقيق نجاح دراسي معقول. وفي الواقع، ينجح عددٌ — ليس بقليل — من القرَّاء الزائفين في الدراسة دون كثير من القراءة. وعلى الرغم من أن القراءة الزائفة تؤثر على بعض الطلاب بمرور الوقت، فقد تمر أعوامٌ قبل أن تكشف زيادةُ النصوص المُكلَّفين بقراءتها في المرحلة الثانوية عن مشكلات القراءة لدى هؤلاء الطلاب. وبحلول ذلك الوقت، يكون كثير من الطلاب قد تظاهروا بالقراءة لفترة طويلة للغاية بحيث تصبح سلوكياتُ القراءة السيئة مترسِّخةً داخلَهم. وقد يكون من الصعب التغلب على القراءة الزائفة وتجنب القراءة، إلا إذا ركَّز المعلِّمون على الفهم والمشاركة عند العمل مع الطلاب.

يُعَدُّ فهم أسباب تظاهُر الطلاب بالقراءة خطوة مهمة نحو منحهم الأدوات للتغلب على هذه التحديات؛ ففي البداية، يجب علينا تحديد الطلاب الذين يتظاهرون بالقراءة، وتحديد سلوكيات التأقلم التي تسمح لهم بإخفاء حقيقة أنهم لا يقرءون. تعرَّف على هذه العلامات التحذيرية التي تشير إلى أن الطالب لا يقرأ حقًّا:
  • «إنهاء عدد قليل من الكتب أو إنهاء الكتب أسرع من اللازم»: الطلاب الذين يتجنَّبون القراءةَ أو يتظاهرون بها يقضون أقل وقتٍ ممكن في الانشغال بالقراءة. ونظرًا لإدراكهم أن معلِّمي القراءة يتوقَّعون منهم القراءة، فإنهم يتجنبون إنهاءَ الكتب؛ لأنهم يعلمون أن المعلِّم سيتوقَّع منهم البدء في كتاب آخَر؛ لذا فإن حَمْل الطفل لنفس الكتاب على مدار أسابيع مع عدم إحراز تقدُّمٍ كبيرٍ في قراءته، يشير إلى أن هذا الطفل لا يستثمر وقتًا طويلًا في القراءة. وعلى النقيض من ذلك، الطلاب الذين يعرفون أن المعلِّم يعتبر الانتهاء من قراءة الكتب علامةً على النجاح في القراءة، قد يدَّعون انتهاءَهم من قراءة الكتب بمعدل غير معقول لا يتماشى مع تقييم المعلم لقدراتهم في القراءة.

  • «هجر الكتب على نحوٍ متكرِّر»: يمرُّ كلُّ القرَّاء ببدايات غير موفَّقة عند اختيار الكتب للقراءة. وعلى الرغم من أنه من الأفضل هجر كتابٍ ما بدلًا من التظاهر بقراءته، فإن الطلاب الذين يهجرون كتابًا تلو الآخر لا يقرءون كثيرًا. وهذا النوع من الطلاب بحاجةٍ إلى مساعدة في اختيار الكتب، ووضع الأهداف التي تحتفي بالتزامهم المستمر بقراءة الكتب.

  • «إجراء مهامَّ شخصيةٍ خلال وقت القراءة»: كثيرًا ما يُقدِّم الطلاب — الذين يتجنَّبون القراءة — أسبابًا مُلِحَّة لترك الفصل المدرسي خلال وقت القراءة المستقلة. حين يطلب الطلاب بانتظامٍ زيارةَ الممرضة، أو إحضارَ أشياء من خزائن أدواتهم، أو الذهابَ إلى دورة المياه، أو تسليمَ أبحاث لمعلمين آخَرين أو للمكتب؛ فإنهم يُهدِرون كثيرًا من وقت القراءة.

  • «التململ أو التحدُّث كثيرًا»: الطلاب الذين يغيِّرون كثيرًا أماكن أو مواقع قراءتهم، أو يُعِيدون ترتيبَ مكاتبهم أو متعلقاتهم قبل القراءة، أو يجذبون زملاءهم لإجراء المحادثات؛ يتقنون فنَّ التظاهر بالإنتاجية مع عدم قضاء وقتٍ طويل في القراءة.

  • «ندرة اصطحاب كتاب للقراءة»: الطلاب الذين ينسون إحضار كتاب معهم إلى الفصل المدرسي، أو يضيعون الكتب التي يقدِّمها لهم المعلم، أو يتركون الكتب في الفصل؛ قد ينصاعون للتعليمات ويقرءون في أثناء الحصة، لكنهم لا يستثمرون وقتهم في الكتب التي يختارونها، ولا يُعبِّرون عن قدر كبير من الاهتمام بالقراءة عندما لا يطالبهم بها المعلِّم.

  • «التصرُّف كالقرَّاء النَّهِمين»: قد يكون من الصعب تحديد الطلاب الذين لا يقرءون؛ لأن المتمرسين في تجنُّب القراءة يسيرون ويتحدثون عادةً كالقرَّاء، لكنهم لا يقرءون كثيرًا في الواقع، وإنما يستعرضون الكتب ويختارونها، ويتناقشون فيها مع القرَّاء الآخرين، ويزورون المكتبة، ويبدو عليهم المعرفة والاهتمام، لكن الوقت الذي يقضونه في التحدث عن القراءة يفوق الوقت الذي يقضونه في القراءة فعليًّا.

في الوقت الذي يحاول فيه المعلِّمون وضع حدٍّ لسلوكيات القراءة الزائفة أو تقليلها، عن طريق وضع قيودٍ على مغادرة الطلاب للفصل، وعزل الطلاب المتململين، فإن الأطفال الذين يتظاهرون بالقراءة أو يتجنبونها ينهجون عادةً العديد من سلوكياتِ القراءة الزائفة. وعندما يقلل المعلِّم من إحدى هذه العادات أو يقيِّدها، يتَّبِع هؤلاء الأطفال استراتيجيةً مختلفة؛ لذا عندما أشكُّ في أن الطلاب يتجنبون القراءة أو يتظاهرون بها، أُراقِبهم عدةَ أيام وأسجِّل ما ألاحظه. تقدِّم هذه الملاحظاتُ المُركَّزة وضوحًا ورؤيةً متعمِّقة عند تدبُّر سلوكيات القراءةِ المزيفة وتجنُّبِ القراءة التي يتَّبِعها أي طالب. وفي أثناء وقت القراءة بالفصل المدرسي، أجلس في مكانٍ خفيٍّ في الفصل يمكنني فيه أن أرى ما يحدث، لكن لا يظهر عليَّ ذلك بوضوح. ونظرًا لاعتيادي تسجيل الملاحظات يوميًّا في أثناء اجتماعات القراءة، لا تُراوِد الطلابَ أيةُ شكوك بشأن ما أكتبه على لوح الملاحظات خاصتي في أثناء جلوسي مع مجموعةٍ منهم، أو التجوُّل في أرجاء الفصل.

(٣-٢) ملاحظة القراءة المستقلة

أقضي عشر دقائق كل مرة في تسجيل اندماج الطالب في القراءة؛ هل يقرأ الطالب بالفعل؟ وإن لم يكن يقرأ، فما الذي يفعله بدلًا من ذلك؟ ما دام الطالب لا يزعج الآخَرين، لا أعيد توجيه هذا السلوك أو أسير بالقرب من الطالب. عندما ألعب دور المراقب، لا أريد أن يؤثر قُرْبي أو إنذاراتي على سلوك الطالب في أثناء هذه الجلسات.

أراقب الطالبَ نفسَه على مدار ثلاثة أيام في أوقات مختلفة من الفترة المخصَّصة للقراءة المستقلة في الفصل، وهي العشر دقائق الأولى من وقت القراءة في اليوم الأول، والعشر دقائق الثانية من وقت القراءة في اليوم الثاني، والعشر دقائق الأخيرة من وقت القراءة في اليوم الثالث؛ فأيُّ قارئ يمكنه الحصول على يوم إجازة بسبب متاعب يتعرَّض لها في الصباح، أو شعوره بصداع، أو المرور بمرحلة بطيئة في قراءة كتابه؛ ولذلك فإن الملاحظة لمدة يوم واحد ليست كافيةً. إنني أبحث عن نمط متكرر لسلوك عدم القراءة. وبعد الملاحظة لبضعة أيام، قد أقرِّر أن الطلاب الذين أشكُّ في أنهم لا يقرءون ربما يستغرقون وقتًا طويلًا قبل الانهماك في القراءة، لكنهم يقضون في الواقع معظم وقت القراءة مندمجين في النص. وفي حالة الطلاب الذين يبدو عليهم عدم الاهتمام بالقراءة يومًا تلو الآخر، أقيِّم ملاحظاتي لأقرِّر سببَ عدم رغبة الطالب في القراءة؛ ما هي توجُّهات سلوك عدم القراءة التي ألاحظها؟ هل يغادر الطالب مقعده باستمرار؟ هل يطلب مغادرةَ الفصل المدرسي أو تغيير الكتب كلَّ يوم؟ وبعد التأمُّل، أعقد اجتماعًا مع الطالب وأُطلِعه على ملاحظاتي.

تتطلَّب مواجهة الطلاب بسلوكيات القراءة الزائفة التي يسلكونها كياسةً وعنايةً؛ إذ ينكر بعض الطلاب أنهم يتظاهرون بالقراءة، أو يقولون إنهم لا يهتمون. ونظرًا لشعور الطلاب بأنهم مُجبَرين على إخفاء عجزهم أو عزوفهم عن القراءة يومًا بعد يوم، تقلُّ ثقتُهم بنفسهم وشعورُهم بقيمتهم الذاتية. كما أن شعورهم بالمحاصرة أيضًا في دائرة الفشل بالقراءة يُفقِدهم الثقةَ في معلِّميهم الذين يبدون غير قادرين على مساعدتهم في التحسُّن؛ لذا فإنني أحاول تحديد إنْ كان سلوكُ عدم القراءة لدى الطلاب اعتياديًّا أم يتعلَّق بالكتب التي يقرءونها، وإذا كان الكتابُ الحالي الذي اختاروه بأنفسهم غيرَ مثير للاهتمام أو صعبًا، نستكشف معًا استراتيجياتٍ لاختيار كتابٍ جديدٍ أو التعامُل مع الأجزاء الصعبة، وإذا اعترَفَ الطلابُ بأنهم يعانون دائمًا في القراءة، نتحدَّث معًا عن الأسباب وراء ذلك. في بعض الأحيان، تلعب العوامل البيئية دورًا في هذا الأمر؛ فالزملاء الكثيرو الحديث، أو المناطق التي تكثر فيها الحركة بالقرب من مكتب الطالب تتسبَّب في تشتيت بعض الطلاب عن القراءة. قد تُحَل المشكلة بمجرد نقل الطلاب إلى مقاعد جديدة. وفي حالة بعض الطلاب، يقدِّم تغييرُ المقاعد عذرًا لحماية اعتدادهم بأنفسهم. وأوافق عادةً على ذلك، إذا لم يطلب الطلابُ نقلهم بجوار أصدقائهم. ويقرأ بعض الطلاب غير المتحمسين بعد أن أنقلهم من أماكنهم؛ لأنهم يعرفون أنني اكتشفت أنهم لا يقرءون؛ فيسمح لهم تغييرُ المقاعد بحفظ ماء الوجه وإلقاء اللوم على عامل خارجي.

يخبرني الطلاب في كثير من الأحيان أن القراءة مملة عندما أسألهم عن سببِ عدم قراءتهم. يفتقر هؤلاء الطلاب غالبًا إلى خبرات القراءة الإيجابية، بما في ذلك الانتهاء من الكتب التي يقرءونها أو الارتباط بها، وإذا أعلن طالبٌ ما عدمَ اهتمامه بالقراءة، أعمل على مساعدته في العثور على كتب سهلة ومثيرة للاهتمام، وأضع له أهدافًا معقولة فيما يتعلَّق بالتقدُّم في القراءة واستكمال الكتاب في النهاية.

علمتُ أن ناثان كان يتظاهر بقراءة بعض الكتب التي ادَّعى الانتهاء منها، لكنه ظنَّ أنني أجهل ذلك. بأدبٍ وكياسةٍ، كان ناثان يعرض وضْعَ الكتب على أرفف مكتبة الفصل، ويجلس في هدوء وبيده كتاب مفتوح في أثناء وقت القراءة، ويوثِّق بأمانةٍ الكتبَ في قائمة قراءته. من بعيد، كان ناثان يبدو قارئًا منهمكًا؛ وبينما كنتُ أتناقش مع المعلمة المتدربة مالوري بشأن سلوكيات القراءة لدى ناثان، لاحظنا أنه كان يذهب إلى المكتبة كلَّ يوم، ونادرًا ما يعود قبل انتهاء وقت القراءة. وفي نهاية اليوم، أجد كتاب ناثان غالبًا داخل درج مكتبه أو بجانب الأريكة. إذا كان ناثان قد فوَّت وقت القراءة المستقلة في الفصل، وترك كتبه في المدرسة، فمتى يقرأ؟ قررتُ أنا ومالوري التناوُبَ في ملاحظة ناثان على مدار الأيام القليلة التالية؛ لتحديد إنْ كان يقرأ أم يتظاهر بذلك، واستخدمنا نموذجَ ملاحظةِ وقتِ القراءة المستقلة (الشكل ١-٤) لتدوين ما رأيناه (يوجد نموذج فارغ في الملحق «ج»)، وتأكدَتْ شكوكنا بملاحظة ناثان على مدار ثلاثة أيام، فقد كان يقضي أقلَّ من عشر دقائق في القراءة على مدار فترة القراءة المستقلة البالغة نحو تسعين دقيقة.

وبناءً على ملاحظاتنا، رأيت أنا ومالوري أن ناثان كان يعاني في اختيار الكتب التي يستمتع بها، وأنه لم يكن يستثمر وقتًا في القراءة. وقد دل تقليبه لعدة صفحات في المرة خلال جلسةِ ملاحظةٍ واحدة على أنه لم يكن يتابع القصة. وعند زيارته المكتبة في اليوم التالي، عاد بكتاب «ماجيك»، وهو أول كتاب في سلسلة كتب الخيال «سبتيموس هيب» للكاتبة آنجي سيج. يتكوَّن هذا الكتاب من ستمائة صفحة زاخرة بالشخصيات، ومكتوبة من وجهات نظر متعددة. خشيتُ من أن يتشتت ناثان في هذا الكتاب المهيب؛ لكن «ماجيك» كان — في الواقع — داعمًا لناثان؛ إذ أثبَتَ أن زياراته الطويلة للمكتبة كانت مُثمِرة. وفي آخِر يوم من مراقبتنا إياه، قرأ بضع صفحات من «ماجيك»، لكنه قضى معظم وقت القراءة ورأسه على المكتب.

fig5
شكل ١-٤: تكشف ملاحظاتنا لوقت القراءة المستقلة عن سلوكيات تجنُّب القراءة لدى ناثان.

في اليوم التالي، دعوتُ ناثان للحديث معي، وعرضتُ عليه ملاحظاتي قائلةً: «أنت لا تقرأ كثيرًا، يا ناثان، خلالَ وقت القراءة هذه الأيام، وأشعر بالقلق من أنك ربما تعاني في العثور على كتب مناسِبة لك. لِنَتعاونْ معًا في هذا الشأن لاكتشاف السبب.»

في البداية، أنكر ناثان أنه لا يقرأ قائلًا: «كنت أعاني من الصداع بالأمس، لكنني أنهيتُ ذلك الكتاب الليلة الماضية في المنزل.»

تشككتُ في أن يكون ناثان قد قرأ ستمائة صفحة بالكامل في ليلة واحدة، فسألته عن رأيه في نهاية رواية «ماجيك» القوية، وهل كان يخطِّط لقراءة الجزء التالي في السلسلة، فتمتم بشيءٍ ما عن مدى ملل الكتاب، وقال: «لا، إنني أبحث عن كتاب جديد اليومَ.»

قَبِل ناثان عرضي بمساعدته في اختيار كتابٍ جديد، وبحثنا معًا في مكتبة الفصل، وجذبتُ كتبًا عديدة مثيرة للاهتمام استمتع بها قرَّاء آخَرون، بما في ذلك كتب مغامرات وروايات بوليسية هي الأولى في سلسلةٍ ما، أو تتضمَّن أجزاءً متممة؛ مثل: «البلطة» لجاري بولسن، و«احتيال» لجوردون كورمان، و«صبي في الحرب: رواية عن بيرل هاربر» لهاري ميزر، و«مطاردو العواصف» لرولاند سميث. ونظرًا لإدراكي أن ناثان بحاجة إلى الشعور بالنجاح والإنجاز في القراءة في وقت قصير، رشَّحتُ له رواية «هذا الكلب أحبه» لشارون كريتش، وأول كتاب في سلسلة روايات «تعويذات» المصوَّرة لكازو كيبويشي، وهو «جامع الصخور»؛ وكان بإمكان ناثان الانتهاء من قراءة هذين الكتابين الأخيرين في وقت القراءة بالفصل في يومٍ واحدٍ أو يومين، إذا التزم بقراءتهما.

وبعد أن اختار ناثان رواية «صبي في الحرب»، شجَّعتُه على تسجيل الكتب الأخرى في قائمة قراءاته المستقبلية (انظر الملحق «أ» للاطِّلاع على نموذج فارغ لهذه القائمة). بالتعاون معًا، قررتُ أنا وناثان أن قراءة عشرين صفحة يوميًّا كان هدفًا معقولًا له، وسجَّل في مخططه الأسبوعي الأهدافَ الخاصة به فيما يتعلَّق بعدد الصفحات بزياداتٍ مقدارُها عشرون صفحة، ووضع نجمةً على اليوم الذي سيُنهِي فيه القراءة (بعد ستة أيام من تاريخ البدء). في حالة الطلاب الذين يعانون من صعوباتٍ في استكمال الكتب، أو وَضْع أهداف قراءة يمكن تحقيقها، تساعدهم كتابةُ أهدافٍ بشأن عدد الصفحات في مخططاتهم أو دفتر ملاحظات القارئ على تحمُّل المسئولية، وتساعدهم في ملاحظة أنهم سينهون أي كتاب إذا قرءوا قدرًا قليلًا منه كلَّ يوم.

بدأ ناثان في قراءة «صبي في الحرب» يوم الجمعة في الحصة. وبعد المدرسة، سرتُ إلى خزانته وذكَّرته بأن يأخذ الكتاب معه إلى المنزل. أخفيت إحباطي يوم الإثنين عندما اعترف أنه لم يقرأ كثيرًا في عطلة نهاية الأسبوع، لكنني أشدتُ به لجلب الكتاب معه إلى الفصل والالتزام بقراءته. لم يهوِّل ناثان من الأمر عندما انتهى من قراءة رواية «صبي في الحرب» يوم الأربعاء، وإنما وضَعها فقط على مكتبي وطلب مني الجزء التالي في السلسلة «لم أَعُدْ صبيًّا». وجدتُ الكتاب الثاني، ووضعتُ الكتابَ الثالث «الأبطال لا يهربون: رواية عن حرب المحيط الهادئ» أعلاه.

نظرًا لترسُّخ سلوكيات تجنُّب القراءة والتظاهر بها لدى ناثان، واجَهَ صعوبات في الانتهاء من الكتب على مدار العام، ومرَّ بأيام كثيرة لم يقرأ فيها. كنت أمدُّه بالكتب باستمرار وأحمِّله مسئوليةَ القراءة كلَّ يوم في الفصل. من جانبه، لم يكذب ناثان عليَّ قطُّ بشأن القراءة مجددًا، وحاوَلَ الالتزامَ بأي كتاب يبدأ فيه، واحتفلنا بهذه الانتصارات البسيطة معًا. آمل أن يتذكر ناثان الكتبَ التي أحبَّها أكثر من تلك التي تظاهَرَ بقراءتها.

(٤) تتبُّع حياة القراءة

من خلال تشجيع طلابنا على المراقبة الذاتية لنشاط القراءة المستقل لديهم، والتفكير في مدى تقدُّمهم نحو اكتساب عادات القراءة الجامحة، أطلب أنا وسوزي من الطلاب الاحتفاظ بسجلات على مدار العام، ونطَّلِع على هذه الوثائق التي يخزِّنها القرَّاء في دفاتر ملاحظاتهم أو مجلدات القراءة الخاصة بهم، في كلِّ مرة نتناقش فيها معهم، ونشير إليها عادةً في أثناء المحادثات التي تُجرَى في الفصل المدرسي. وعندما بدأنا التدريس في فصول وِرَش العمل، استعنتُ أنا وسوزي بنظام فاونتاس وبينيل لإعداد دفتر ملاحظات القارئ، الموضَّح في كتاب «توجيه القرَّاء والكتَّاب (٣–٦): تعليم الفهم واللون الأدبي والمحتوى» (٢٠٠١). ومع زيادة ثقتنا في تيسير ورش عمل القراءة والكتابة، بدَّلنا وعدَّلنا دفاترَ ملاحظات القارئ لتلبِّي الاحتياجات المحدَّدة لفصلنا. وتعكس الأجزاء الخاصة بالنماذج المختارة من دفاتر الطلاب الموضَّحة على مدار الكتاب؛ هذا المزجَ بين الدفاتر الأصلية والتغييرات التي أجريناها عليها.

أعترف أنني عندما بدأت التدريس في وِرَش العمل، طبَّقْتُ استخدامَ دفاتر ملاحظات القارئ في فصلي دون فهم واضح للغرض منها أو قيمتها؛ كلُّ ما كنتُ أعرفه أن الطلاب في وِرَش عمل القراءة والكتابة يحتفظون بدفاتر. وحاليًّا، أفكِّر كلَّ عامٍ في تصميمِ دفترِ ملاحظات القارئ الذي نستخدمه، وأبحث كيفيةَ استخدامي واستخدام طلابي لدفاترنا، وأحدِّد ما يتعيَّن تغييره. يُثبِت هذا التفكير المنتظم أهميةَ الاحتفاظ بدفاتر الملاحظات، لكن تزايُد إقحام التكنولوجيا، وتزايُد أحجام الفصول، والتزامي بتعزيز سلوكيات القراءة الجامحة؛ كل ذلك غيَّرَ استخدامَنا للدفاتر؛ إذ يجب أن تدعم الأدواتُ التي نستخدمها عملَنا كقرَّاءٍ وكتَّابٍ، لا أن تحدِّد عملنا أو تقيِّده. وكلَّ عامٍ أطرح الأسئلة التالية:
  • ما الذي أحتاج أنا وطلابي لمعرفته بشأن ما يفترض علينا القيام به من قراءة وكتابة هذا العام؟

  • ما التعلُّم والتفكير اللذان نحتاج إلى تسجيلهما؟

  • كيف يمكن أن تدعم دفاترُ الملاحظات أهدافَنا المعرفية الأكاديمية والشخصية؟

يشير كل فصل من فصول هذا الكتاب إلى المخططات والنماذج والقوائم التي يحتفظ بها طلابنا في دفاتر ملاحظات القرَّاء لمتابعة حياتهم القرَّائية، ويقدِّم معلوماتٍ مشتركةً لأغراض التقييم والتفكير ووضع الأهداف. اعتبرْ كلَّ نموذجٍ أداةً يمكنك نسخها أو تعديلها أو جمعها بدفاتر الملاحظات الخاصة بك الموجودة بالفعل. توجد نُسَخ فارغة من كل نماذج دفتر ملاحظات القارئ في الملحق.

(٤-١) خطابات الآراء في الكتب ٢

في كتاب «الهامسون بالكتب»، عرضت عددًا من خطابات الآراء حول الكتب التي تبادلتُها مع طلابي، والتي سلَّطَتِ الضوءَ على محادثاتنا بشأن القراءة، وعلى فهم طلابي للكتب التي يقرءونها. أما الآن، فينشر طلابي بالصف السادس جميعَ آرائهم في الكتب، والمسوَّدات النهائية للمقالات الأدبية، والمراجعات النقدية للكتب؛ على الإنترنت على صفحة فصلنا بموقع «إدمودو» الإلكتروني. تقدِّم هذه المنصة الإلكترونية لطلابي جمهورًا أكبر يطَّلِع على ما يكتبونه، ويدعو الطلابَ الآخَرين في الفصول الثلاثة الأخرى التي أدرِّس لها للتعليق. وقياسًا بما كنتُ أعانيه من الرد أسبوعيًّا على مائة طالب أو أكثر في السنوات الأخيرة، وجدتُ من الأيسر والأكثر كفاءةً تقديم الرأي عبر موقع «إدمودو». لم أَعُدْ أحمل معي صندوقًا كرتونيًّا مليئًا بخطابات الآراء بنهاية كل أسبوع، وصرتُ أكتب الآن ردودي للطلاب على الكمبيوتر بدلًا من كتابتها يدويًّا؛ ممَّا يشكِّل سجلًا دائمًا للخطابات التي نتبادلها يمكنني الرجوع إليه بعد أسابيع أو شهور. وفي أثناء اجتماعات القراءة، يمكنني أنا وطلابي الدخول على تلك المحادثات عبر أجهزة آي باد أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بالفصل إذا أردنا ذلك.

ولا يزال الطلاب يستخدمون أقسامَ الآراء في دفاتر ملاحظات القارئ خاصتهم؛ لكتابة مسوَّدة بالآراء قبل نشرها على إدمودو، ولتسجيل الاقتباسات والأفكار بشأن الكتب في أثناء القراءة، ولكتابة الآراء بشأن ما كُتِب عن النصوص المشتركة التي نقرؤها معًا خلال الدروس القصيرة أو الممارسة الموجَّهة.

(٤-٢) مجريات الحصة الدراسية

من البداية، لا بد أن يفهم طلابنا أنني وسوزي نأخذ مسألةَ القراءة المستقلة على محمل الجدِّ، ونضع توقُّعات عالية بشأن قراءات الطلاب. وعلى الرغم من أن اجتماعاتِ القراءة الهادفة وإعلاناتِ الكتب وأنشطةَ الآراء في الكتب تستغرق وقتًا، فإننا نريد أن يتحدَّث الطلاب عن الكتب والقراءة في أسرع وقت ممكن. يستغرق الأمر أسبوعًا أو أسبوعين للدخول في أجواء الدراسة. والطلابُ الذين لا يقرءون كثيرًا أو توقَّفوا في أثناء إجازة الصيف عن عادة القراءة قد لا يقرءون كثيرًا في البداية، إذا لم نحمِّلهم مسئوليةَ قراءتهم على الفور.

في أول يوم من أيام الدراسة، نختار الكتب، وفي اليوم الثاني نصمِّم دفاتر ملاحظاتنا، ونُنشِئ الحسابات على موقع «إدمودو»، وفي اليوم الثالث نبدأ كل حصة بنداء الأسماء لمعرفة مجريات الحصة الدراسية؛ وهو النشاط المأخوذ من كتاب نانسي آتويل «منطقة القراءة» (٢٠٠٧). ومن خلال استخدام سِجِلِّ «مُجريات الحصة الدراسية» الذي يحتفظون به في دفاتر ملاحظاتهم، يسجِّل الطلابُ عنوانَ الكتاب الذي يقرءونه، ورقم الصفحة التي سيبدءون في قراءتها، وملخص من جملة واحدة للكتاب دون كشف الأحداث. وبعد مضي بضع دقائق من الحصة، أطلب من كل طالب قراءة ما كتبه في سجل «مجريات الحصة الدراسية» بصوت مرتفع (توجد نسخة فارغة من نموذج «مجريات الحصة الدراسية» في الملحق «أ»).

fig6
شكل ١-٥: سِجِلُّ مجريات الحصة الدراسية الخاص بإيما.
يكشف سجل «مجريات الحصة الدراسية» الخاص بإيما (الشكل ١-٥) تفضيلاتها الواسعة النطاق في القراءة؛ إذ تختار كتبًا من مجموعةٍ متنوعةٍ من الألوان الأدبية ومستويات القراءة، بحسب اهتماماتها. وتشير الثغراتُ الكبيرة بين عدد الصفحات التي تسجِّلها يوميًّا، وعددُ عناوين الكتب المذكورة؛ إلى أن إيما تقرأ كثيرًا في المنزل؛ فهي تُنهِي الكتب سريعًا وتبدأ في كتب جديدة بعيدًا عن الفصل.

يقدِّم نموذج «مجريات الحصة الدراسية» مزايا عديدة؛ إذ يناقش الطلابُ الكتبَ بأساليب دقيقة وقليلة المخاطر. وأؤكد هنا على أن كل شخص يجب أن يقرأ، وكل قارئ لديه شيء ليشاركه. يسمع الطلاب عن كثير من الكتب التي من المحتمل أن يقرءوها. والطلابُ الذين قد يكونون بطيئين في البداية، يدركون سريعًا أنه ينبغي عليهم مشاركة تقدُّمهم في القراءة، أو عدم تقدُّمهم، كلَّ يوم في الفصل.

كان الطلاب يُسجِّلون تعليقات في نموذج «مجريات الحصة الدراسية» كلَّ يوم على مدار الأسابيع الأربعة الأولى من الدراسة، لكنهم توقَّفوا عن استخدام هذا النموذج عندما بدءوا في كتابة خطابات آراء متطوِّرة عن الكتب. يتطلَّب نداء أسماء الطلاب لمعرفة مجريات الحصة الدراسية لكلٍّ منهم جزءًا من وقت الحصة، ولم أشعر بأننا بحاجةٍ إليه كأداةٍ لتحميل المسئولية، أو نشاطٍ يتطلَّب المشاركة بعد انتقالنا إلى أعمال أخرى. يتيح نموذج «مجريات الحصة الدراسية» إجراءَ مراجعةٍ سريعة لتحديد ما يقرؤه الطلاب ومدى تقدُّمهم إزاء تحقيق أهداف القراءة. عندما نعود من العطلات الطويلة من الدراسة، أُعِيدُ اتِّباع إجراءِ نداء أسماء الطلاب لتحديد مجريات الحصة الدراسية لكلٍّ منهم، ودَفْعهم إلى البدء في القراءة، التي يَبْطؤ معدلُها في كثيرٍ من الأحيان خلال العطلات.

•••

تعتمد كل عادات القراءة الجامحة على مقدار الوقت الذي يستثمره القرَّاء في القراءة. وتوضيح كيفية دمج القراءة اليومية في الحياة يضع الطلابَ على الطريق الصحيح للقراءة النَّهِمة، ويتيح لهم الممارسةَ التي يحتاجون إليها لتأصيل العادات الأخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤