الفصل الثاني

القراء الجامحون يختارون المواد التي يقرءونها بأنفسهم

اقرأ. اقرأ أي شيء. اقرأ الأشياء التي يخبرك الآخرون أنها مفيدة لك، والأشياء التي يزعمون أنها تافهة. ستعثر على ما تحتاج إلى العثور عليه. اقرأ فحسب.

نيل جايمان
بينما أكون أنا ودون مأخوذَيْن بجذوة التحمُّس للتطوير الذاتي مع بداية العام الجديد، نعترف أن لدينا كتبًا أكثر مما ينبغي، فرفوفُ الكتب تصفُّ جدرانَ كلِّ غرف منزلنا الصغير، بما في ذلك المدخل، ويكاد كل رفٍّ من هذه الرفوف يئنُّ تحت ثقل صفوف الكتب المزدوجة المرصوصة عليه. وعندما نبدأ عملية التخلُّص من الكتب غير الضرورية تعلن سارة لنا أنه ممنوع علينا الاقتراب من خزائن الكتب خاصتها، لكن خزائن كتبها أيضًا ملآنة. أبدأ أنا ودون — منزعجَيْن من فكرة التخلص من الكتب — بخزانةِ كتبٍ في غرفة المعيشة تفيض بمئات الكتب التي حصلنا عليها لكننا لم نقرَأْها. نقضي ساعاتٍ في تقييم الكتب وتصنيفها، ثم نبتكر وسيلةً لتحديدِ أي من الكتب سيبقى، وأيها سنتخلَّص منه بناءً على المعرفة والمعلومات المسبقة التي نجدها، بينما نطَّلِع على المراجعات النقدية على الإنترنت. وهكذا نُبقِي على الكتاب إذا أَجَبْنا بنَعَمْ على الأسئلة التالية:
  • هل فاز الكتاب بجائزة أدبية مهمة؟

  • هل حصل الكتاب على عرض نقدي مُقيَّم بنجوم بقلم ناقد محترف؟

  • هل يرشِّحه أصدقاؤنا مدمنو الكتب؟

  • هل الكتاب جزءٌ مكمِّل لكتاب آخَر نحبُّه؟

  • هل تعجبنا أعمال المؤلف السابقة؟

  • هل ما زلنا نرغب في قراءة الكتاب حتى إنْ لم يكن يستوفي أيًّا من المعايير الأخرى؟

وبعد عدة أيام من الانهماك في هذه العملية، نكون أنا ودون قد حدَّدنا حوالي عشرين كتابًا يمكننا التخلُّص منها؛ وهي التي تكون بالأساس كتبًا مكررة، أو كتبًا قرأناها ثم وُضِعَت في الرف الخطأ. إنَّ نظرةً سريعة على خزانة كتبنا المُنظَّمة لتوِّها — والتي ما زالت ممتلئةً على الرغم من ذلك — يجدِّد اهتمامنا بقراءة هذه الكتب، إلا أنه لا يفيد كثيرًا في تقليل الكتب المكدَّسة لدينا؛ ومن ثَمَّ نضحك من عدم فاعلية العملية برمتها، وندرك أن معاييرنا لتحديد الكتب التي سنحتفظ بها هي نفس الأسباب وراء شرائنا للكتب من البداية. عند اختيار الكتب، نسترجع أنا ودون عُمْرًا بأكمله من خبرات القراءة، أو محيطنا من أصدقاء القراءة الثقات، أو نصائح النقاد المرموقين. وهي تجربة ناجحة؛ فنحن نادرًا ما نقرأ كتابًا لا نستمتع به، أو على الأقل نقدِّره.

يستخدم المشاركون في استقصاء القارئ النَّهِم — مثلي أنا ودون — مصادرَ متعدِّدة لمعرفة الكتب التي قد يحبون قراءتها. يحصل القرَّاء على معظم كتبهم من ترشيحات الكتب التي تأتيهم من قرَّاء آخرين يعرفونهم؛ وعليه، فإن أصدقاءَنا وأفراد عائلتنا وزملاءَنا وطلابنا القرَّاء لا يعرفون الكتب فحسب، بل هم يعرفوننا كذلك، ويقدِّمون لنا اقتراحاتٍ قائمةً على انطباعاتهم عن الكتب التي نحبها، وسنستمتع بها. وبعيدًا عن الشهادات الشخصية، يذكر القرَّاء النهمون المصادرَ التالية بالتحديد كمصادر لاكتشاف الكتب:
  • «زملاء المهنة»: يعتمد القرَّاء في مجالَيِ «التربية والتعليم» و«النشر» على شبكةٍ من المعلمين وأمناء المكتبات، والمؤلِّفين والمُحرِّرين والقرَّاء الآخرين؛ لتقديم ترشيحاتِ كتبٍ لهم. إننا نثق في مقترحات الكتب الواعية والقيِّمة التي تأتي من متخصِّصين خبراء ومطَّلعين.

  • «قوائم الكتب»: من قوائم جمعية المكتبات الأمريكية السنوية والمؤرشفة للجوائز، وإلى ملخصات نهاية العام لقوائم أفضل الكتب مبيعًا؛ يحب القرَّاءُ قوائمَ الكتب ويطَّلِعون عليها لإيجاد الكتب الجديدة المتميزة.

  • «واجهات عرض متاجر الكتب والمكتبات العامة»: يتجوَّل القراء بين رفوف الكتب في متاجر الكتب والمكتبات العامة المفضَّلة مستمتعين بوصولهم المباشِر إلى الكتب الجديدة، والمرشَّحة لهم، والمعلَن عنها. يغري العرضُ المتخصِّص كثيرًا من القرَّاء الذين يعترفون بأن اختيارهم للكتب يعتمد على عرضِ الكتب وفقًا لموضوعاتها، ورفوفِ العناوين الجديدة، والاختياراتِ المثلى التي يقدِّمها موظفو متاجر الكتب وأمناء المكتبات.

  • «المدوَّنات والمواقع المتخصِّصة في المراجعات النقدية للكتب»: المدوِّنون المحترفون والهواةُ الذين يكتبون مراجعاتٍ نقديةً للكتب يقدِّمون للقرَّاء آراءَ القرَّاء الآخَرين في الكتب الجديدة. ستجد على مدار الكتاب ترشيحاتٍ لكثيرٍ من المواقع.

  • «مدوَّنات المؤلِّفين ومواقعهم الإلكترونية»: إذا كنتَ ترغب في التعرُّف على الكتب الجديدة، فعادةً ما ستجد أن المؤلِّفين هم مصدرُ أدقِّ وأحدثِ المعلومات. يستمتع القرَّاء بالاستعراض المسبق للأعمال القادمة، ومعرفة مواعيد حفلات توقيع الكتب أو إطلاقها، ومعرفة آخِر الأخبار حول الأعمال التي يعمل عليها المؤلِّفون قبل وقتٍ طويلٍ من نشرها.

  • «مواقع التواصل الاجتماعي»: إن الاستخدام المتنامِي لمواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، بالإضافة إلى المواقع المُصمَّمة للقرَّاء تحديدًا، مثل جودريدز وشيلفاري، تتيح للقرَّاء سهولةَ الوصول إلى مئاتٍ من ترشيحات الكتب، والعروض النقدية، وقوائم الكتب، وتسمح لهم بمشاركة أفكارهم حول الكتب التي يقرءونها آنيًّا مع جمهورٍ من كافة أرجاء العالم.

  • «الدوريات»: سواء أكانت «أو ماجازين» أم «إنترتينمنت ويكلي» أم «نيويوركر»، غالبًا ما تتضمَّن الصحف والمجلات الرئيسية قوائمَ ومراجعاتٍ نقديةً مفصَّلة للكتب.

  • «إصدارات المؤسسات المتخصِّصة في المراجعات النقدية للكتب»: تورد المجلاتُ المتخصصة — مثل: «بوكليست»، و«بابليشرز ويكلي»، و«هورن بوك»، و«سكول ليبراري جورنال» — الصادرة عن مؤسسات متخصصة في المراجعات النقدية للكتب؛ عناوينَ قيِّمةً، وتقدِّم رؤيةً عميقة مُطَّلِعة على أحدث الكتب.

  • «مواقع بائعي الكتب»: تقدِّم سلاسل متاجر بيع الكتب؛ مثل: إنديباوند، وبارنز آند نوبل، وتايتلويف، مجموعةً من المراجعات النقدية المحترفة، وتقييماتِ الهواة، والنبذاتِ التي يكتبها الناشِرون عن الكتب، علاوةً على القدرة على توصيف الكتب أو شرائها.

  • «كتالوجات الناشرين ومواقعهم الإلكترونية»: يسوِّق الناشرون أحدثَ إصداراتهم وعناوين الإصدارات السابقة المهمة في كتالوجاتهم الموسمية. يستطيع القرَّاء استعراضَ الكتالوج بالكامل على الإنترنت على مواقع الناشرين الإلكترونية، أو مشاهدة مقتطفات من الكتاب — فيديوهات دعائية عن الكتب لإثارة الاهتمام — أو التعرف أكثر على المؤلفين.

  • «أندية القراءة»: ذكَرَ كثيرٌ من المجيبين عن استقصاء القارئ النَّهِم أنديةَ القراءة كواحدةٍ من المنافذ الرئيسية لحياتهم الثقافية؛ فأنديةُ القراءة تقود القرَّاءَ الجامحين إلى الكتب التي ربما لا يكتشفونها من تلقاء أنفسهم.

  • «الاختيار العشوائي»: على الرغم من الكليشيه الشهير: «لا يمكنك الحكم على كتابٍ من غلافه»، يعترف القرَّاء الجامحون بأنهم يختارون الكتب من المكتبة أو متجر الكتب أو المواقع الإلكترونية؛ لأن الغلاف أو اسم المؤلف أو النبذة التعريفية بالكتاب المطبوعة على الغلاف الخارجي تجذب انتباههم. ولثقتهم بقدراتهم الخاصة، فإنهم يكونون على استعدادٍ للمخاطرة عند اختيار الكتب. بالنسبة إلى كثيرٍ من القرَّاء، يبدو لهم أن الكتب هي التي تختارهم.

لا أتوقع أنا أو سوزي أن يتصفح طلابنا دورية بابليشرز ويكلي بحثًا عن الكتب، ومع ذلك ندرك أن الطلاب يجب أن يتعلموا كيفيةَ اختيار الكتب لأنفسهم. في الفصل الدراسي، يؤدي السماح للطلاب باختيار نصوصهم الخاصة إلى تعزيز انخراطهم، وزيادة حماسهم واهتمامهم بالقراءة (جامبريل، وبالمر وكودلينج وماتسوني ١٩٩٦، وورثي وماكول ١٩٩٦، وجوثري وويجفيلد ٢٠٠٠). حين يختار الطلاب الكتب التي سيقرءونها ويستمتعون بها، يُنمُّون ثقتهم في قدراتهم على تحديد خياراتهم من الكتب التي سيقرءونها، ويبنون قدرتهم على اختيار الكتب في المستقبل. إذا لم يفلح أحدُ خياراتهم من الكتب، يستطيع الطلابُ تعديلَ مهاراتهم في اختيار الكتب، والتفكُّر فيما سيؤدُّونه على نحوٍ مختلف في المرة التالية. بتحليل الأبحاث التي أُجرِيت حول القراءات التي يختارها الطلاب بأنفسهم، يُعرِّف جونسون وبلاير (٢٠٠٣) طرقًا عديدة تعمل بها القراءات التي يختارها الطلاب بأنفسهم على بناء الفاعلية الذاتية لدى الأطفال كقرَّاء. يعمل هذا النوع من القراءة على:
  • إتاحة الفرصة للطلاب لتقدير قدرتهم على اتخاذ القرار.

  • تعزيز قدرتهم على اختيار الأدب الملائم لهم.

  • إكسابهم الثقة، ومنحهم إحساسًا بالمسئولية.

  • تحسين التحصيل في القراءة.

  • تشجيعهم على أن يصبحوا قرَّاءً لمدى الحياة.

مُداخَلات القرَّاء الجامحين

«أحبُّ استخدام موقع جودريدز في مشاركة وتلقِّي المعلومات حول الكتب. أتمنَّى أن أجد ناديَ قراءةٍ «يلائمني»؛ فنوادي القراءة التي أعثر عليها تميل إلى التركيز على توطيد العلاقات الاجتماعية لا الحديث عن الكتب، أو تكون جادةً بنحوٍ أكثر من اللازم.»

«لم يخبرني أحد في حياتي قطُّ أنني «لا أستطيع» قراءة شيءٍ ما. لم يكن عليَّ قطُّ أن أقلق بشأن قراءة شيء بالغ الصعوبة أو بالغ السهولة؛ فاهتماماتي هي التي كانت توجِّه اختياراتي.»

«منذ بدأتُ قراءة المراجعات النقدية للكتب، والمدونات الأدبية للأطفال والشباب، زادَتْ كومةُ الكتب التي أخطِّط لقراءتها زيادةً مهولة.»

«لقد حصلتُ على إذن خاص بقراءة كتبٍ مختارة من قسم البالغين في المكتبة العامة؛ لأنني «انتهيتُ» من قراءة كل الكتب في قسم الأطفال. كان ذلك في خمسينيات القرن العشرين.»

«يتمثَّل أهم عامل خلال رحلة تعلُّمي القراءة لمدى الحياة في قراءة والديَّ لي؛ حيث كانا يقرآن لي الكتب المُصوَّرة، بل الكتب والروايات الطويلة أيضًا، فقد قرأنا ألغازَ نانسي درو، وكتبًا مثل «اختطاف» و«جزيرة الكنز»، قبل أن ألتحق برياض الأطفال.»

أنا وسوزي نرى الكثير من الطلاب الذين يواجهون صعوبات في اختيار كتبٍ يقرءونها؛ لافتقارهم إلى المعلومات العامة عن الكتب والمؤلفين، ولجهلهم بكيفية اكتشاف الكتب التي قد يحبون قراءتها. نستطيع دعْمَ طلابنا على المدى القصير من خلال توفيرِ ترشيحات الكتب، وتسهيلِ حصولهم على كتب جذَّابة ومثيرة للاهتمام، وترويجِ الكتب خلال اجتماعات القراءة وإعلانات الكتب، لكنْ لا يمكن أن يعتمد الطلابُ علينا للأبد في تقديم مقترحاتٍ بالكتب التي سيقرءونها؛ إذ يجب عليهم بناء ثقتهم وكفاءتهم في اختيار الكتب بأنفسهم، فالطلاب الذين لا يستطيعون اختيارَ نصوصٍ تحقِّق أهدافَهم الشخصية والأكاديمية من القراءة بنجاح، يخفقون في تطوير مهارة أساسية يملكها القرَّاءُ الجامحون كافةً.

(١) المناقشات الجماعية

يبدأ تحسين قدرة الطلاب على اختيار كتبهم بأنفسهم بكثيرٍ من تجارب القراءة الإيجابية، والفرص المتكررة لاستعراض الكتب وتشارُكها ومناقشتها. بعد تأمُّل ممارستنا وطقوسنا في الفصل المدرسي، حدَّدتُ أنا وسوزي العديدَ من الأنشطة التي وظَّفناها بالفعل، والتي تفيد في بناء وعي الطلاب بعنوان الكتاب والمؤلف، وفَهْمهم للنسق والألوان الأدبية، واستمتاعهم بالقراءة، وتقديرهم لها إجمالًا. ومن خلال هذه التجارب والمحادثات المشتركة حول القراءة، نبني قدرةَ الطلاب على اختيار كتبهم بأنفسهم.

(١-١) جلسات القراءة الجهورية

من المعروف أن القراءة بصوت مرتفع مع الأطفال هي أهم نشاط يساعدنا على بناء المعرفة والمهارات التي سيتطلَّبها تعلُّمُ القراءة في النهاية.

مارلين جاجر آدامز، «بدايات القراءة: التفكير في الكتب والإلمام بها»

خلال الدقائق العشر الأخيرة من الحصة الدراسية، يستمع إليَّ الطلاب بينما أقرأ لهم من رواية شارون دريبر «جنون»، ويتابعون كلماتي بتركيز. تتحدَّث بطلة الكتاب ميلودي بصراحةٍ عن حياتها على الكرسي المتحرك وكفاحها من أجل تقبُّل الآخَرين لها. إن القراءة عن تجربة ميلودي مع الشلل الدماغي تَأْسِر خيالنا وتُلهِمنا. يثير الكتابُ مناقشاتٍ زاخرةً، علاوةً على أن انغماس الطلاب في قصة ميلودي يشعرني بالرضا. يوميًّا يتهمني سام؛ أحد طلابي، بأنني أعذِّبه، متعجِّبًا من قدرتي على التوقُّف عند اللحظات المحورية، وإغلاق الكتاب، وإنهاء الحصة. يسألني قائلًا: «هل تعلمتِ كيفيةَ فعل هذا في كلية المُعلِّمين، سيدة ميلر؟ كيف لكِ أن تعرفي متى تتوقَّفين عند أكثر الأجزاء إثارةً؟» أحبُّ فكرةَ أن سام وبقية طلابي يستمتعون بوقت القراءة الجهورية كثيرًا، لدرجةِ أنهم يتذمَّرون عندما يحين وقتُ المغادرة. وربما ينبغي عليَّ أن أكشف لهم عن أنني أتوقَّف عند نهايات الفصول في معظم الأحيان. لقد وظَّفتْ شارون دريبر أسلوبَ الختام المثير والغامض للفصول في رواية «جنون»، أنا فقط أحقِّق أقصى استفادة من ذلك.

مع كل عام دراسي، أندم على أنني لا أقضي أوقاتًا أطول في القراءة الجهورية مع طلابي. نظرًا لالتزامي بوقت القراءة الجهورية اليومي، أخصِّص من عشر إلى خمس عشرة دقيقة لها في نهاية الحصة كلَّ يوم، وأدوِّن كذلك أوقات جلسات القراءة الجهورية في خطط دروسي، مع الأخذ في الاعتبار الكيفية التي يتناغم بها اختياري للمواد التي نقرؤها في جلسة القراءة الجهورية مع ما أدرسه في الفصل المدرسي وأهداف بناء المجتمع. نادرًا ما أتخطَّى جلسةَ القراءة الجهورية لأن وقتَ الحصة يكون قد انتهى، أو لأن الطلاب في حاجةٍ إلى نشاطٍ آخَر، مثل مزيدٍ من الوقت للكتابة، أو تقديم كتب جديدة، لكننا لا نفوِّت جلسةَ القراءة الجهورية لأكثر من يومٍ واحد؛ فأنا وطلابي نستمتع بتجارب القراءة المشتركة، كما أنني ألاحِظُ مدى استفادة الطلاب من هذه الأوقات.

(أ) فوائد جلسات القراءة الجهورية

إن قراءة الكتب والقصائد والمقالات والقصص القصيرة بصوت مرتفع مع الطلاب يتيح للمعلمين فرصًا لا حصرَ لها لإلقاء الضوء على أساليب الكتابة الرائعة، وتشكيل استراتيجيات القراءة، علاوةً على أنها تقدِّم فوائد إضافية لصغار القراء، فهي:
  • «تبني المجتمع»: التجارب المشتركة تنسج ذكريات تربط بعضنا ببعض. تقدِّم قراءة الكتب بصوت مرتفع مع الأطفال هذه اللحظات التي تخلق الترابُط. وفي خضم القراءة معًا، نضحك ونبكي معًا، فنحن رفاق في رحلة واحدة. أنا وطلابي نشكِّل مجتمعَ قراءةٍ مترابطًا بعضه ببعض، من خلال الكتب وتجارب القراءة التي نتشاركها معًا. هذه الروابط تبقى طويلًا بعد انتهاء الكتب التي نقرؤها. في الفصل الثالث أورد قائمةً بالكتب التي تعزِّز مجتمعات القراءة.

  • «تُعرِّف الأطفال بالكتب والمؤلِّفين والألوان الأدبية التي قد لا يكتشفونها بأنفسهم»: عند اختيار كتب القراءة الجهورية، غالبًا ما أختار العناوين التي ترشد طلابي إلى مزيدٍ من الكتب التي يمكنهم قراءتها قراءةً مستقلة. من المؤلِّفين المفضَّلين دائمًا لديَّ جاري بولسن وجوردون كورمان وكالي داكوس وشارون كريتش وسيمور سايمون وتوم إنجلبرجر. عند زيارة المكتبة، أو تمشيط رفوف الكتب في فصلنا المدرسي، غالبًا ما يبحث الطلاب عن مؤلفين عرَّفتُهم عليهم خلال جلسات القراءة الجهورية. عندما يفتقر الطلاب إلى تجارب القراءة والدراية بالمؤلِّفين، فإن اختيار الكتب بأنفسهم يُخِيفهم، والتعرف على قليل من الأسماء أو العناوين يهدِّئ من قلقهم بشأن اختيار الكتب، ويزيد من ثقتهم في أنهم سيعثرون على كتابٍ يستمتعون به.

  • «تتيح فرصًا مُثلَى لتعريف الطلاب على الألوان الأدبية التي غالبًا ما يتجنَّبونها؛ مثل: الشِّعْر، وترجمات السِّيَر، والأعمال غير الروائية»: بعد اكتشاف الكتب من خلال جلسات القراءة الجهورية، يكون الأطفال أكثرَ تقبُّلًا لقراءة مزيدٍ من الكتب من هذه الألوان الأدبية. كذلك، ليس عليك أن تقرأ الكتاب بأكمله لإغراء القرَّاء، فأنا كثيرًا ما أقرأ أولَ فصل، أو أولَ مقال، أو قصيدةً من الكتاب، ثم أضعه على حاجز السبورة، ونادرًا ما يبقى الكتاب هناك حتى نهاية اليوم؛ لأن قارئًا متلهفًا يأتي ويطلب الحصول عليه.

  • «تدعم القرَّاء الناشئين»: إنَّ لديَّ قناعةً بأنه كلما زاد عدد القرَّاء الناشئين في فصلك، زادتِ الأوقات التي تقضيها في القراءة لهم بصوت مرتفع. إن القراءة بصوت مرتفع تزيل العقبات التي تعترض الفهم، مثل المفردات غير المألوفة، وتضع الكلمات التي لا يعرفها القرَّاء في سياقٍ (كانينجهام، ٢٠٠٥). إن الاستماع إلى القراءة الفصيحة يقدِّم للطلاب قدوةً في القراءة، ويدعم تطوُّرَهم في القراءة الشفهية. بإمكان المعلمين زيادة تجارب القراءة لدى طلابهم من خلال قراءة الكتب التي يفوق أسلوبُها المستوى الذي يستطيع الطلابُ قراءتَه بمفردهم. تتيح القراءة الجهورية فرصًا طبيعية لتشكيل وممارسة استراتيجيات الفهم والتفاعل مع القراءة.

  • «تؤكِّد على متعة القراءة»: تقول إميلي بوتشوالد: «ينشأ الأطفال قرَّاءً في أكناف آبائهم.» يُرجِع كثيرٌ من الأطفال ذكريات القراءة الأولى في حياتهم إلى تجارب القراءة المشتركة مع آبائهم أو أولياء أمورهم. والطلاب الذين لم يَحْظَوْا بتجارب القراءة المبكرة تلك، غالبًا ما يَصِلُون إلى سن الدراسة وهم لا يحملون سوى أقل التقدير لمتعة القراءة. القراءة الجهورية تذكِّرهم بأن القراءة ممتعة، وبأنها نشاطٌ كانوا يستمتعون به قبل أن تتحوَّل إلى مهمةٍ مدرسيةٍ روتينيةٍ. وبالنسبة إلى الطلاب الذين يفتقرون إلى تجارب القراءة الإيجابية، تُعَدُّ القراءةُ بصوتٍ مرتفع طريقةً مدهشة لتعريفهم على القراءة كنشاط ممتع.

(ب) اختيار كتب جلسات القراءة الجهورية

نظرًا لأن جلسات القراءة الجهورية تخدم أغراضًا متداخِلة في فصولنا الدراسية، فإن كثيرًا من الكتب العالية الجودة يكون مرشَّحًا جيدًا للقراءة الجهورية. عند اتخاذ قرارات تتعلق بالقراءة الجهورية في فصلك الدراسي، فكِّرْ في الاقتراحات التالية:
  • «اختيار كتب لمؤلفين من شأنهم أن يقودوا طلابك إلى قراءةِ مزيدٍ من الكتب»: بغضِّ الطَّرْف عن الصف الذي تدرِّس له، ثمة مؤلفون أساسيون يروقون لطلابك يؤلِّفون كتبًا كثيرة، ويقدِّمون للأطفال قصصًا ومعلوماتٍ يحتاجون إليها في مرحلتهم العمرية. تحدَّثَ مع أمين مكتبة مدرستك أو زملائك الذين يُدرِّسون لنفس الصف لتحديدِ خمسةِ مؤلفين على الأقل — يتضمَّنون شعراء وكتَّابًا مسرحيين وكتَّابًا غيرَ روائيين — ينبغي أن يعرفهم طلابك. وعند اختيار مواد القراءة الجهورية، اقرأْ على الأقل كتابًا واحدًا لكل مؤلف من هؤلاء خلال السنة الدراسية. إذا كنتَ مستجدًّا على التدريس لمرحلةٍ دراسيةٍ بعينها، أو ترغب في تحسين معلوماتك عن الكتب من أجل طلابك؛ فإن وضع قائمة بخمسة مؤلفين يتيح لك نقطةَ انطلاقٍ رائعة. شارِكْ هذه القائمة مع الآباء والمعلمين الآخرين.

  • «مشاركة أنواع مختلفة من النصوص، بما في ذلك الكتب غير الروائية والشعر والمقالات المتاحة على الإنترنت»: ينجذب الأطفال إلى الكتب التي نُثْنِي عليها في الفصل المدرسي، وجلساتُ القراءة الجهورية هي خيرُ مبارَكةٍ للكتب. في الماضي، كنت أعتمد بشدة على الروايات والشعر والأدب التراثي، مثل الميثولوجيا الإغريقية، في مختاراتي للقراءة الجهورية، وبعدما أدركت أن طلاب الصف السادس يتجنَّبون النصوص غير الروائية، مثل الكتب المعرفية وترجمات السِّيَر، بِتُّ الآن أضمُّ مزيدًا من النصوص غير الروائية في مجموعة مختارات القراءة الجهورية.

    يحتاج الطلاب كذلك إلى فرص أكثر لقراءة مواد القراءة المتاحة على الإنترنت واستكشافها. أنا وطلابي نزور يوميًّا موقع وندروبوليس (www.wonderopolis.org)، الذي يقدِّم مقاطع فيديو، ونصوصًا غير روائية، ومسائلَ للنقاش ومفرداتٍ تتعلَّق بمسألةٍ محدَّدة كلَّ يوم من قبيل: «لِمَ تُغيِّر الحرباءُ لونها؟» أو «مَن هو العم سام؟» يحتاج الطلاب إلى قدوةٍ وتوجيهٍ واضحَيْن فيما يتعلَّق بالقراءة على الإنترنت، وهو ما يتطلَّب منَّا ضم قراءة المواد المتاحة على الإنترنت إلى قائمة مختارات القراءة الجهورية خاصتنا.
  • «الأخذ في الاعتبار قيود الوقت وطول الكتاب»: على مدار سنتين، كنت أختار رواية «سارق البرق» لريك ريوردن للقراءة الجهورية في الفصل؛ لأن طلابي يحبون السلسلة التي تنتمي إليها هذه الرواية، ولأنها تخلق جوًّا من الإثارة والتشويق عند قراءتها بصوت مرتفع، وترتبط بالوحدة الدراسية التي تتناول الميثولوجيا الإغريقية، لكن إحدى العقبات التي وقفَتْ في طريق قراءتنا هي أن «سارق البرق» تَفُوق الثلاثمائة صفحة. وهكذا أدَّى تقدُّمنا المتثاقِل عبر صفحات الكتاب لأكثر من شهرٍ إلى إنهاك طلابي، فأُصِيبَ القرَّاءُ المتحمسون بالإحباط من التقدُّم البطيء الذي كنَّا نُحرِزه يوميًّا، واستعاروا الكتابَ من المكتبة، وأَنْهَوْا قراءته. وبالمثل، أعاق استغراقُنا وقتًا طويلًا جدًّا في قراءة الكتاب القرَّاءَ الناشئين عن إحراز تقدُّم في الكتاب؛ ومن ثَمَّ فقدوا اهتمامهم به.

    نظرًا إلى أنني أُفضِّل قراءةَ مجموعة كبيرة متنوِّعة من النصوص للطلاب بدلًا من قراءة أربع أو خمس روايات طويلة على مدار العام الدراسي، فإنني أنظر بعين ناقدة إلى طول الكتاب والتقويم الدراسي عند بدء كتاب جديد للقراءة الجهورية. تستغرق قراءةُ الكتب المصورة والمقتطفات الشعرية والمقالات غير الروائية والكتب المعرفية وقتًا أقل، وتُقدِّم التنوُّعَ النصي الذي يحتاج إليه الطلاب. هذا لا يعني أنني لا أقرأ الروايات الطويلة أبدًا، لكنني أجاهِد للموازنة بين النصوص القصيرة والنصوص الأطول.

  • «تحديد الكيفية التي سيرى بها الطلاب الرسومَ الإيضاحية»: عند التفكير في قراءة الكتب الرسومية والروايات المصورة والكتب المعرفية، حدِّدِ الكيفيةَ التي ستعرِضُ بها الرسومات وأشكال النص، مثل الخرائط والصور الفوتوغرافية. إنَّ جمْعَ الطلاب في حلقةٍ حولك قد يحلُّ المشكلة، لكنْ بالنسبة إلى طلاب المدرسة المتوسطة، أو في الفصول المحدودة المساحة، قد لا يكون الجلوسُ على الأرضية مريحًا أو ممكنًا. إذا كانت لديك كاميرا وثائقية، فاستخدِمْها لعرض الرسومات التفصيلية خلال وقت القراءة الجهورية، أو أَتِحْ للطلاب فرصةَ تصفُّحِ الكتاب بتفصيلٍ أكثر لاحقًا.

  • «قراءة الكتب التي تستمتع بها»: إنني أدرِّس لثلاثة فصول، وأقرأ نفس المواد في وقت القراءة الجهورية ثلاثَ مرات في اليوم، وأقرأ بعض الكتب لسنوات عديدة لأن طلابي يستمتعون بها، ولأنني أجد النصوص هادفةً وجذابةً. قد يقرأ أمناء المكتبات والمتخصِّصين في تدريس القراءة الكتابَ الواحد عشرَ أو عشرين مرة لمشاركته مع كل فصل؛ لذا اختَرْ كتبًا تظل تحبها حتى بعد قراءتها للمرة الثالثة أو الثالثة عشرة، فإنْ لم تكن متحمِّسًا لكتاب، فإن طلابك لن يشعروا بالحماس له بالمثل.

  • «نبذ الكتاب الذي تقرؤه جَهْوريًّا إنْ لم يكن مُثمرًا»: بعض الكتب الرائعة لا تحتفظ بتلك الروعة عند قراءتها قراءة جَهْورية؛ أحيانًا يكون إيقاع السرد أبطأ من اللازم، وفي أحيانٍ أخرى يحتاج الطلاب إلى معلومات عامة جوهرية لفهم الكتاب أو تقديره. وقد تصعِّب لهجةُ الكتاب أو لغته من قراءته جهوريًّا؛ فإذا كانت إحدى مواد القراءة الجهورية غير مثمرة، فاتركْها وناقِشْ مع طلابك السببَ وراء تركك للكتاب، وقدِّمِ الكتابَ كخيارٍ للقراءة المستقلة للطلاب الذين استمتعوا به، واختَرْ عنوانًا آخَر تشارِكه مع طلابك. إن توضيح أخطائنا في اختيار مواد القراءة يوضِّح للطلاب أنَّ كل القرَّاء — بما فيهم أنت — يرتكبون أخطاءً في اختيار الكتب.

(ﺟ) اقتراحات مجتمع القراءة

لطلابي آراءٌ راسخة حول طقوس جلسة القراءة الجهورية والنصوص التي نقرؤها خلالها، وحديثي معهم يمدُّني برؤية كاشفة للأنشطة التي يكنُّون لها أقصى تقدير، وتلك التي يعدُّونها دونَ المستوى. وقد أشار طلابي إلى أن أنشطة القراءة الجهورية التالية هي المفضَّلة لديهم:
  • «دعوة الطلاب إلى مشاركة ذكرياتهم المحببة من أوقات القراءة الجهورية»: في بداية السنة الدراسية، أطلب من الطلاب مشاركة ذكرياتهم وعناوينهم المفضَّلة المتعلقة بالقراءة الجهورية. وحتى هؤلاء الطلاب الذين لا يقرءون كثيرًا، عادةً ما يستطيعون تحديدَ الكتب التي قرأها لهم آباؤهم ومدرِّسوهم أو أمناء المكتبة. أدعو الطلابَ إلى جلب الكتب المصوَّرة والنصوص التي استمتعوا بها خلال أوقات القراءة الجهورية تلك، وإذا لم يكن الطلاب يحتفظون بهذه الكتب في البيت، أضعُ قائمةً بكتبهم المفضَّلة، وأتفقَّد مكتبةَ المدرسة والمكتبات العامة لأجد نسخًا منها، أو أرسل بالبريد الإلكتروني لزملائي طالِبةً منهم نُسَخًا منها؛ فدائمًا ما يوجد شخص يقتني كتبًا كلاسيكية من أدب الأطفال؛ مثل: «سمكة قوس قزح» لماركوس فيستر، و«شبكة شارلوت العنكبوتية» لإي بي وايت، و«القط ذو القبعة» للدكتور سوس، وأحرص على أن يكون لدى كل طالب كتابٌ واحد — على الأقل — يقرؤه، ويشارِك رأيه فيه مع زملائه.

    وحين يكون لدى كل طالب كتابٌ، يتجمَّع الطلاب في مجموعات، ويُعِيدون قراءةَ كتبهم المفضَّلة مع زملائهم في الفصل المدرسيِّ. وبالنسبة إلى الطلاب الذين يفتقرون إلى أي تجارب قراءة مبكرة هادفة، أو الذين لا يقرءون بطلاقة، فإن البدء بهذه الكتب الأسهل يتيح فرصةَ بناءِ مجتمعٍ تتساوى فيه فرصُ الجميع في النجاح. لا بد لكل معلم وكل أمين مكتبة من أن يرى طلاب المدرسة المتوسطة يقرءون كتابَ بي دي إيستمان «انطلِقْ أيها الكلب!» وكتاب مارجريت وايز براون «تصبح على خير أيها القمر» مع أصدقائهم مرة واحدة، على الأقل. وبمناقشة هذا النشاط لاحقًا، يعلِّق كثير من الطلاب بأنه جعلهم يدركون أنهم يعرفون بعض الكتب، وأنهم استمتعوا ببضعِ تجاربِ قراءةٍ في الماضي. إنه نقطة انطلاق. وحين ننتهي من مشاركة ذكرياتنا مع القراءة الجهورية والكتب التي قرأناها خلالَها، يدوِّن الطلابُ أفكارَهم حول الكيفية التي أثَّرَتْ بها هذه الكتبُ والذكريات في حياتهم كقرَّاء.

  • «ترك كتابٍ للقراءة الجهورية مختلفٍ عن ذلك الذي تقرؤه بالفعل لفصلك حين يحل محلَّك مدرسٌ احتياطي»: حين تتغيَّب، لا تطلب من المدرس الاحتياطي أن يقرأ لفصلك من نفس الرواية التي تقرؤها لهم في وقت القراءة الجهورية. يُظهِر طلابي حسَّ تملُّكٍ قويًّا إزاء الكتب التي نتشارك قراءتها معًا، ولا يحبون أن يُكمِل كتابَ القراءة الجهورية شخصٌ لا يدرك القصة. اتركْ للمدرس الذي يحل محلك عملًا متكاملًا قصيرًا ليقرَأَه؛ مثل: قصيدة أو كتاب مصور أو مقال غير قصصي. أنا أؤثر أن أخصص كتب الحقائق العشوائية للمدرسين الاحتياطيين ليقرءوا منها، مثل كتاب «لا تمس هذا العلجوم وأشياء أخرى غريبة يخبرك إياها الكبار» لكاثرين روندينا؛ فهذه الكتب تثير اهتمام الطلاب ولا تتطلَّب تتبُّعَ خطٍّ سردي.

  • «المشاركة في اليوم العالمي للقراءة الجهورية»: يقام اليومُ العالمي للقراءة الجهورية برعاية مؤسسة ليت وورلد الدولية غير الربحية؛ التي تكرس جهودها لدعم الوعي بقضايا تعلُّم مهارات القراءة والكتابة حول العالم، والتعاون مع الفئات السكانية المستضعفة لتحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة. يسلِّط اليومُ العالمي للقراءة الجهورية (يمكنك أن تجده على الموقع الإلكتروني http://litworld.org/worldreadaloudday) الضوءَ على أهمية معرفة القراءة والكتابة للجميع، ويوفر للأطفال فُرصَ تأمُّلِ مهاراتهم في القراءة والكتابة، والاحتفاء بالقراءة. دائمًا ما يكون هذا اليومُ الأربعاءَ الأول من مارس. وفي عام ٢٠١٢، اشترك مئات الآلاف من القرَّاء من أكثر من ٦٥ دولة في ذلك اليوم عبر تشارُك الكتب معًا (انظر الشكل ٢-١).
    fig7
    شكل ٢-١: دانيال وميشيل وآرييل يتشاركون الكتبَ خلالَ اليوم العالمي للقراءة الجهورية.

    تقدِّم ليت وورلد مجموعةً مجانية من أدوات الفصل الدراسي تضمُّ خططَ دروسٍ وشهادات ومقترحات كتب لجلسات القراءة الجهورية، وأنشطة تأمُّلية لطلاب المراحل المدرسية من رياض الأطفال وحتى المدرسة الثانوية. شجِّعِ القرَّاءَ الضيوفَ على مشارَكة كتبهم مع فصلك المدرسي، وخطِّطْ لأنْ يقرأ طلابك مع أطفالٍ أصغر سنًّا، أو نظِّمْ لقاءً عبر برنامج سكايب بين طلاب فصلك ومؤلفٍ أو طلابِ فصلٍ آخَر.

  • «دعوة تلاميذك إلى اختيار كتاب جلسات القراءة الجهورية التالي»: في حين أن ثمة كتبًا محددة أحب قراءتَها مع الطلاب؛ لأنني أعرف أن هذه الكتب تروق للأطفال، وتقودهم إلى مزيدٍ من القراءة، أو ترتبط بنقاط تعليمية، فإنني لا أخطِّط لكل الكتب التي سنقرؤها خلال جلسات القراءة الجهورية على مدار السنة الدراسية؛ حيث أقدِّم عُروضًا — وهي استعراض مقتضب للكتب التي أعتقد أن الطلاب سيستمتعون بها — لثلاثة أو أربعة كتبٍ للاختيار من بينها، وأطلب من كل فصل أن يُصوِّت على الكتاب الذي يريد مني قراءته جهوريًّا.

    ونظرًا لأنني أدرِّس لثلاثة فصول مختلفة في اليوم، فإن طلابي لا يختارون دائمًا الكتبَ نفسها للقراءة الجهورية؛ ممَّا يعني أنني سأستمتع بقراءة كتبٍ مختلفة بدلًا من قراءة نفس الكتاب ثلاث مرات يوميًّا. يشعر الطلاب بالتميز لأنهم يستمعون إلى كتابٍ لا يستمع إليه الفصلان الآخران. تتمثَّل المشكلة الوحيدة في أنه إذا اختلفت أطوال الكتب بفارق شاسع، فقد لا تستطيع قراءة نفس عدد الكتب مع الفصول التي تختار كتبًا طويلة؛ لذا عند اختيار الكتب التي تفكر في قراءتها خلال جلسات القراءة الجهورية، ابحث عن عناوين متشابهة في الطول وقتما أمكن.

  • «نشْر قائمة بالنصوص التي شاركت قراءتها مع طلابك»: على الحائط القريب من مكتبة فصلنا المدرسي، أعرض قائمةً مطولة بكل قصيدة ومقال وكتاب مصوَّر ورواية ونصٍّ معرفي تشارَكْنا قراءته معًا. يستمتع طلابي بمشاهدة هذه القائمة، وهي تزداد طولًا على مدار العام الدراسي، وأرجع أنا إلى قائمة النصوص التي تشارَكْنا قراءتها كثيرًا حين أشير إلى نقاطٍ تربط بين الكتب الجديدة التي نقرؤها والكتب التي قرأناها في الماضي. وتفيد القائمة كذلك كمخطَّط مرجعي؛ حيث تُذكِّر الطلابَ بكيفيةِ ترقيمِ عناوين الكتب وكتابتها بدقة.

  • «دعوة الطلاب إلى توقيع كتبهم المفضَّلة من مختارات جلسات القراءة الجهورية على مدار السنة»: في نهاية العام الدراسي، أطلب من الطلاب التصويت على كتبهم المفضلة من كتب القراءة الجهورية للعام. في العام الماضي، اختار الطلاب كتاب «أربع عشرة بقرة من أجل أمريكا» لكارمن أجرا ديدي، و«يودا دمية الأوريجامي الغريبة» لتوم إنجلبرجر، و«رد قبعتي» لجون كلاسن. حدَّدْتُ كتابًا واحدًا لكل حصة دراسية، وطلبتُ من الطلاب التوقيع في الصفحات الأخيرة من الكتاب مثل الكتاب السنوي. استمتعَ الطلابُ بترْكِ أَثَرهم على هذه الكتب كتذكارٍ للسنة الدراسية، وبتُّ أنا أحتفظ بتذكارٍ فريد من كلِّ فصل.

تمد جلساتُ القراءة الجهورية الطلابَ بالدعم في اختيار كتبهم الخاصة، من خلال زيادة وَعْيهم بعناوين الكتب والمؤلفين، وتحسين معلوماتهم العامة وخبرتهم، وتعزيز الحماس والانجذاب الزائدين للقراءة عبر تجارب القراءة الإيجابية. ومهما كان عمر طلابك، فإنهم سيستفيدون من جلسات القراءة الجهورية المتكررة.

مراجع القراءة الجهورية

Hahn, M. L. (2002). Reconsidering read aloud. Portland, ME: Stenhouse.
Laminack, L.L. (2009). Unwrapping the read aloud: Making every read aloud intentional and instructional. New York: Scholastic.
Laminack, L. L., & Wadsworth, R. (2006). Reading aloud across the curriculum: How to build bridges in language arts, math, science, and social studies. Portsmouth, NH: Heinemann.
Trelease, J. (2013). The readaloud handbook. (7the ed.). New York: Penguin Books.

(١-٢) تهيئة أجواء التحمُّس للكتب

أنا وسوزي نخطط لأنشطة أخرى محددة؛ لتسليط الضوء على الكتب، والاحتفاء بتجارب القراءة، وإتاحة الوقت للقرَّاء لمشاركة الكتب التي يستمتعون بها، والترويج لها. ينمِّي القراءُ الثقةَ في اختياراتهم الشخصية من الكتب حين يُميِّزون الكتب والمؤلفين، ويجربون مجموعة كبيرة ومتنوعة من المواد التي توجِّه اختياراتهم المستقبلية من الكتب.

وسواء أكان الكتاب جزءًا تاليًا من سلسلة شهيرة، أم طلبًا من تلميذ، أم عنوانًا منشورًا حديثًا اكتشفتُه؛ فإن إضافة الكتب لمكتبة فصلنا الدراسي تثير حماسَ طلابي. ونظرًا لأني أشتري الكتب على نفقتي الخاصة، فإنني لا أستطيع شراءَ أكثر من نسخة أو نسختين من الكتب الجديدة على الرغم من ذلك؛ لذا بعد إحضار عناوين جديدة إلى الفصل المدرسي، اعتَدْتُ أن أعرضها على حاجز السبورة للطلاب لكي يستعرضوها ويختاروا منها. الشيء المؤسِف هو أن طلاب الحصة الأولى دائمًا ما كانوا يختطفون الكتب الواعدة قبل أن يحظى طلابُ الحصتين التاليتين بإلقاء نظرة عليها، وغالبًا ما كان طلاب الحصتين الثانية والثالثة يقضون أسابيع قبل أن يضعوا أيديهم على الكتب الجديدة. وحدهم القراءُ المغامرون — لا أولئك العازفون عن المجازفة بالقراءة لكاتبٍ غير معروف أو قراءةِ كتبٍ غير مألوفة — هم مَن كانوا يختارون الكتب الجديدة دون استحسان مني أو ترشيح. وحين يظهر كتاب مفضَّل واضح، مثل أحدث إصدار لمؤلِّف محبوب، أو أحدث جزء من سلسلة، كان الطلاب يتشاجرون حول أيهم يأخذ الكتاب أولًا، أو يطلبون مني الاحتفاظ بقائمة احتياطية، وهو الأمر الذي كنت أرفضه؛ فقد كنت في حاجةٍ إلى نظامٍ أفضل لترويج الكتب الجديدة وإدارتها.

كنت في حاجةٍ إلى إيجاد طريقةٍ لتعريفِ الطلاب على الكتب الجديدة، وزيادةِ اهتمامهم بالكتب التي قد لا يقرؤها الأطفالُ دون تصديقٍ منِّي عليها، وإدارةِ الطلبات التي تصلني من مجموعة كبيرة من الأطفال الذين يريدون قراءة الكتب الجديدة. بدأتُ بإجراء سَحْب كلما أحضرتُ كتبًا جديدة؛ فبدايةً أقدِّم إعلانًا لكل كتاب أضيفه إلى المكتبة، يتضمَّن استعراضًا مقتضبًا لمحتوى الكتاب، وانطباعاتي الشخصية عنه إذا كنتُ قد قرأتُه، وعلاقته بالكتب الأخرى، وما عرفتُه عن الكتاب من المدرسين الآخَرين، وأمناء المكتبات، والنقاد عبر العروض النقدية ذات التقييمات النجمية، أو المقالات النقدية الإيجابية. بعد ذلك، أدعو أي طالب مهتم بالكتاب إلى تدوين اسم الكتاب على قائمة الكتب المُخطَّط لقراءتها، والدخول في سَحْب لقراءته (انظرِ الملحقَ «أ» لتجد نموذجًا فارغًا لهذه القائمة). يسجِّل الطلاب أسماءَهم وعنوانَ الكتاب على بطاقات مُفَهرسة مقسمة إلى أربعة أرباع أحتفِظُ بها لهذا الغرض. أكرِّر هذه العملية مع فصولي الثلاثة، وأسحب اسم القارئ الأول في نهاية اليوم.

وقد أدهشني حماس طلابي إزاء السحب على الكتب، وهو حماس لا يمتُّ بصلةٍ لعلم تدريس القراءة، وإنما لقوانين الاقتصاد. ماذا يحدث للطلب حين يكون العرض محدودًا؟ يزيد الطلب؛ فيحتشد الطلاب للدخول في السحب، ويتصايحون للاشتراك به حتى قبل أن أنتهي من إعلان الكتاب الذي أقدِّمه. حتى الطلاب غير المتحمسين للقراءة يشتركون في السحوبات بسبب المكانة التي يكتسبونها عبر الفوز بحقوق القراءة الأولى للكتاب. يتوسَّل إليَّ الطلابُ لسحب اسمٍ آخَر في اللحظة التي يرون فيها أحدهم يُعِيد كتابًا أُجرِي عليه سحبًا. ونظرًا للحرص على عدالة توزيع الكتب التي عليها طلبٌ كبير، وضَعَ طلابي مجموعةً من التعليمات الإرشادية لسحوبات الكتب:
  • «يجب أن تكون حاضرًا لكي تفوز بالكتاب»: إذا تغيبتَ أو غادرتَ الفصلَ مبكرًا، فإن القصاصة المدوَّن عليها اسمك تعود مرةً أخرى ضمن طلبات القراءة، ويعاد سَحْب اسم جديد.

  • «لا يجوز لك الحصول على أكثر من كتاب في أكثر من سحب في نفس الوقت»: يدخل كثير من الطلاب في سحوبات على جميع الكتب المتاحة؛ إذا حصلتَ على كتاب بالفعل من أحد السحوبات، فلا يجوز لك الفوز بكتاب آخَر إلى أن تُعِيد الكتاب الأول.

  • «يتاح لك أسبوعٌ للانتهاء من قراءة الكتاب»: مع وجود قائمة طويلة بأسماء الطلاب الذين ينتظرون كتاب باتريك نيس «نداء الوحش»، أو كتاب جاك جانتوس «طريق مسدود في نورفيلت»، لا يمكنك الاحتفاظ بكتاب جديد لأسابيع. يراقب طلابي زملاءهم الذين يأخذون العناوين التي يرتفع الطلب عليها، ولا يتوقَّفون عن تذكير بعضهم بعضًا بالانتهاء من قراءتها. وبالنسبة إلى الكتب الطويلة، مثل سلسلة كتب كريستوفر بايوليني «دورة الميراث»، أحتفظ بحقِّ خَرْق هذه القاعدة.

  • «يجب إعادة الكتاب المقدَّم عبر السَّحب إلى السيدة ميلر عند الانتهاء من قراءته»: يعيد لي الطلاب كتب السحب حتى يتسنَّى لي سحْبُ اسم المستلم الجديد للكتاب. يساعدني هذا على تتبُّع كتبنا الجديدة وضمان التوزيع العادل للكتب.

حين يخفت الاهتمام بكتاب جديد، فإنني أدسُّ الكتاب في مكتبة الفصل؛ حيث تظل هذه الكتب تحظى بشعبية على مدار العام، والطلاب الذين يقرءون الكتاب خلال موجة الإثارة التي تغمرنا خلال السحوبات يستمرون في ترشيحه لأصدقائهم؛ مما يزيد من الاهتمام والانجذاب للكتاب لفترة طويلة بعد تلاشي الضجة الأولى حوله.

إن السحوبات على الكتب طريقة مثيرة وممتعة لتقديم الكتب الجديدة للطلاب وتشجيعهم على المجازفة. ويكون الطلاب أكثر استعدادًا لتجربة الكتب غير المألوفة حين أؤيدها، ويُعرِب الطلاب في الفصل عن حماسهم لقراءتها. هكذا، حتى الطلاب الذين لا يدخلون في سحوبات الكتب يكوِّنون وعيًا بالعناوين والمؤلفين.

(١-٣) هجر الكتب

سأهجر الكتاب إذا كان مملًّا، أو ركيكَ الأسلوب، أو محيِّرًا، أو أغرب من اللازم، أو إذا كنتُ أختلف مع المؤلِّف؛ ومع ذلك فإنني لا أنبذ الكتاب قبل أن أقرأ منه ١٥٠ صفحة.

آدم، طالب في الصف السادس
خاطبتُ فصلي ذات صباح سائلةً: «هل سبق لكم أن بغضتم كتابًا يحبُّه قراءٌ آخرون؟» ترتفع أيادي الطلاب ويذكرون في لهفة — قبل أن أطلب منهم — تلك الكتبَ التي بغضوها بينما أحَبَّها قرَّاءٌ آخَرون. وبعد أن يهدأ الطلاب، أرفع كتاب «الغابة البرية» لكارسون ميلوي وأقول:

هذا تمامًا ما حدث لي مع كتاب «الغابة البرية»؛ فلقد حظي الكتاب بعروض نقدية رائعة، وثمة قرَّاء آخرون أثِقُ في آرائهم أحَبُّوا الكتاب، وبَدَا كذلك أنه من نوعية الكتب التي سأستمتع بها، وهو يدور حول فتاة ترحل إلى البرية لإنقاذ أخيها الرضيع، الذي اختطفَتْه الملكة الشريرة. وقد قادتني ترشيحاتُ القرَّاء الآخرين، والخطُّ السردي المثير للاهتمام، والخصائصُ النصية الظريفة الأخرى، مثل الخرائط والرسوم وكل شيء عرفْتُه عن كتاب «الغابة البرية»؛ إلى الاعتقاد بأن قراءة هذا الكتاب ستكون رائعةً لي ولكم.

لكن حين بدأت قراءة «الغابة البرية»، أصابني الإحباط؛ إذ لم أرتبط ببطلة الرواية أو مشاكلها. اعتقدتُ أن الكتاب لا يسير على خط سردي معين، وببلوغي صفحة ٧٨ من الرواية، لم يَعُدْ بإمكاني تحمُّل الأمر، وقرَّرْتُ أن أَدَع كتاب «الغابة البرية» جانبًا لبعض الوقت. ونظرًا لأن هذا الكتاب مُؤلَّف للقراء في مرحلتكم العمرية، فإنني مهتمة بمعرفة آرائكم فيه؛ إذ قد أعود إلى الانغماس في قراءته بعد الحديث معكم عنه، فمَن منكم يرغب في الدخول في سَحْب على «الغابة البرية» ويقرؤه؟

هرع الطلاب للاشتراك في السحب على «الغابة البرية»؛ ففي فصل مدرسي يلقى فيه الطلاب تشجيعًا على القراءة على نطاق واسع، وتجربة كل أنواع الكتب، يكون الطلاب مستعدين لمواجهة تحديات القراءة وإنْ لم ينجحوا. وبعد التحدُّث إلى فصولي الثلاثة عن كتاب «الغابة البرية»، سجَّلَ أربعون قارئًا — نحو نصف عدد طلابي — أسماءهم للحصول على فرصةِ قراءةِ الكتاب.

وعلى مدار الأيام القليلة التالية، بدأ العديد من الطلاب نبذ كتاب «الغابة البرية»، وحين ناقشتُ كلَّ طفل حول الكتاب، اتهموا طولَ الرواية وإيقاعَ السرد البطيء بأنهما تحدياتٌ تعرقِلُ إتمامَ الرواية. تلك المحادثة حول ما لم يعجبنا كقرَّاء أثارَتْ اهتمامًا كبيرًا لا يقلُّ عما كان سيُثار لو كنَّا استمتعنا جميعًا بقراءة «الغابة البرية». لقد استكشفنا معًا ما الذي نحبه في الكتب التي نقرؤها، وكيف كانت رواية «الغابة البرية» تفتقر إلى هذه العناصر. كنت أسأل باستمرار: «مَن هو القارئ المناسب لهذا الكتاب؟ وما الذي يراه القراء المطَّلِعون في هذا الكتاب ولا نراه نحن؟ وهل نمنح «الغابة البرية» فرصًا كافية؟»

حين فازت شيلبي بالسحب على «الغابة البرية»، أعلنَتْ في شجاعةٍ أنها ستكون أول شخص ينتهي من قراءة هذا الكتاب. ويومًا بعد آخر، واصلَتْ شيلبي شقَّ طريقها عبر الكتاب بجهد جهيد، وكنت أتابع سيْرَ الأمور معها يوميًّا، فصرَّحتْ لي أنها لم تكن مستمتعة بالكتاب، لكنها أخذت على نفسها عهدًا بالانتهاء من قراءته. لقد اعتبرت قراءة «الغابة البرية» تحديًا شخصيًّا. حين انتهَتْ أخيرًا من الكتاب، هنَّأتُها وسألتُها عن رأيها فيه، فأخبرتني قائلةً: «نجمة واحدة، سيدة ميلر. أُعطِيه نجمةً واحدة؛ لأن أي مؤلف يؤلِّف كتابًا يستحق نجمة واحدة.»

حين عَلِم باقي الطلاب في فريقنا أن شيلبي هي أول قارئ يكمل «الغابة البرية» إلى نهايته، أصبحت شخصية شهيرة. وكان طلاب الفصول الأخرى يَدْنُون منها في إعجابٍ، ويطلبون منها وصف تجاربها وهي تقرأ مثل هذا الكتاب الطويل المُملِّ. أعتقد أن شيلبي شعرَتْ كما لو أن جهودها قد آتت ثمارها على نحو غير متوقع.

أثبتَتْ شيلبي أن الأمر ليس مستحيلًا، واستمررتُ في سحب الاسم التالي الذي سيحصل على فرصةٍ لقراءة «الغابة البرية». بعض القراء نبذوها بعد بضعة فصول، وبعضهم قرأ حتى نصفها، وقرأها كلٌّ من جاك وكلايتون وراقت لهما، وقد أذهلني تقدير الصبيين ﻟﻟ «الغابة البرية»، ذلك الكتاب الذي لم يستطع أن يكمله أو يُقدِّره سوى قليل من القراء. وقد قارَنَ أحدُ الطلاب هذا الكتابَ بحلوى عرق السوس الأسود؛ حيث زعم قائلًا: «إما أن تحبه وإما أن تكرهه، لكنْ لا يمكن أن تُكنَّ له مشاعر محايدة.»

لقد أثار تحدِّي «الغابة البرية» مسارًا آخَر للنقاش في الفصل: نبذ الكتب. سألتُ الفصل قائلةً: «مَن منكم لا يجد مشكلة في نبذ الكتب إنْ كانت لا تعجبه؟» وناقشنا أسباب نبذ الكتب، وكم سنقرأ من الكتاب قبل أن نتركه. وقد أخبرني عدد ليس بالكبير من الطلاب بأنهم نادرًا ما يهجرون الكتب، وأنهم يشعرون بالالتزام تجاه الكتاب بمجرد أن يبدءوا قراءته، حتى إذا لم يكن الكتاب ممتعًا، أو يثبت أنه صعبٌ لدرجةٍ تَحُول دون قراءته.

وقد أخبرت الطلاب بأنني أمنح الكتاب فرصةً حتى الصفحة رقم ٥٠ قبل أن أنبذه، إلا إذا كان الأسلوب ركيكًا لدرجةٍ لا يمكنني تحمُّلها. وذكر بعض القراء أن لهم قواعدهم الإرشادية الخاصة التي يتَّبِعونها؛ فاعترفَتْ مادي بأنها إذا شعرت بالملل من الكتاب، فإنها تقرأ النهاية قبل أن تقرر الاستمرار في القراءة. وقد أثار تعليقها صيحات الدهشة من الطلاب الآخرين؛ بعضهم كان مصدومًا من أن مادي كانت تختلس النظر إلى النهاية، وقد اندهَشَ آخَرون لأنهم يتخطَّوْن الصفحات وصولًا إلى النهاية أيضًا، لكنهم لم يدركوا أن هناك آخَرين يفعلون ذلك. واعترف بعض الطلاب بأنهم لا يمنحون الكتاب وقتًا طويلًا لكي يثير اهتمامهم؛ بل يمنحونه وقتًا لا يتعدَّى قراءة خمس صفحات أو فصل واحد.

خلال هذه المحادثة، كشف بعض الطلاب عن أن نبذهم للكتاب، أو قراءة ما يزيد عن بضع صفحات قليلة منه يتوقَّف على مدى تحمُّسهم لقراءة الكتاب في المقام الأول، وقال براين إنه من غير المرجح أن ينبذ كتابًا رشحتُه له؛ «لأنك عادةً ما تكونين على حق فيما يتعلق بالكتب التي ستنال إعجابي، يا سيدة ميلر، إذا أعطيتُ الكتابَ فرصةً ليس إلا.» ووافقَتْ آشلي على أنه إذا قدَّم لها القراء الآخرون الجديرون بالثقة ترشيحًا لكتاب، فإنها كانت تتمسك به مدة أطول قبل أن تنبذه.

نادرًا ما يهجر الأطفال الكتب التي تكون أجزاءً من سلسلة، أو قرأها عددٌ كبير من الطلاب في الفصل أيضًا. يجتهد إنريكي لقراءة «ألفريد كروب: الجمجمة الثالثة عشرة»، وهو الكتاب الثالث في ثلاثية ريك يانسي التشويقية، زاعمًا أن الخط السردي مشوش، ولكنه لن ينبذها لأنه لا يستطيع تخيُّلَ ترْكِ السلاسل دون الانتهاء من قراءتها. إن هواة الانتهاء من الكتب سيلتزمون بقراءة السلسلة بأكملها، ولن يتخلَّوْا عن هذا الهدف حتى لو وجدوا خلال تقدُّمهم في القراءة أن بعض الكتب ليست مثيرةً للاهتمام بنفس القدر الذي عليه الكتب الأخرى.

ظللنا نتحدَّث عن «الغابة البرية» والقضايا التي أثارَتْها قراءةُ الكتاب كلَّ أسبوع على مدار ستة أشهر خلال ذلك العام. وقد كان الفوز بالسحب شرفًا مشكوكًا به في أفضل الأحوال، لكن لم يُفوِّت أي طالب الفرصةَ لقراءة «الغابة البرية» حين فاز اسمه في السحب. وهكذا في فصل مدرسي يوجد فيه كتاب لكل قارئ، وقارئ لكل كتاب، وجد كتاب «الغابة البرية» مكانه.

ينبذ معظم القراء النَّهِمين الكتبَ من وقتٍ لآخَر. حين تعمل مع طلاب، من المهم أن تتقصَّى عن أسباب توقُّفهم عن قراءة كتابٍ كانوا قد بدءوا فيه. إذا كنتَ متخوِّفًا من أن طلابًا معيَّنين كثيرًا ما يهجرون الكتب، فتشاوَرْ معهم لتحديد سبب عدم قدرتهم على إنهاء الكتب التي يختارونها بأنفسهم؛ ربما يحتاجون إلى قدرٍ أكبر من التوجيه بشأن اختيار الكتب. وكما هو الحال مع معظم عادات القراءة الأخرى، لا يمثل نبذ الكتاب مشكلة إلا إذا أصبح اتجاهًا يَحُول دونَ قراءة الطلاب عددًا كبيرًا من الكتب.

وقد لاحظتُ أن كثيرًا من الأشخاص المعتادين على نبذ الكتب يفتقرون إلى الخبرة في القراءة؛ فهم لا يتعرَّفون على المنحنيات السردية. وفي حين تحمل بداية الكتاب كثيرًا من المحتويات التي تجذب انتباه القراء؛ مثل: تقديم الشخصيات، وإعداد المشهد للصراعات، وبناء عالَم الرواية، فإن إيقاع الأحداث يَبْطُؤ — بطبيعة الحال — خلال منتصف القصة بينما يعمل المؤلف على تطوير الشخصيات وخلق حالة التوتر. بالنسبة إلى الأطفال الذين لا يقرءون كثيرًا، فإنهم يتعثرون في القراءة حين تفقد القصة زخمها. يطلق أحد طلابي — ويُدعَى كريس — على هذا الجزء من الكتاب «الجزء البليد». يجهل القرَّاء غير المتمرسين أنهم إذا استمروا في القراءة فإن أحداث القصة ستتصاعد بينما يبني المؤلفُ الأحداثَ نحو الذروة.

أخبرتني خبيرةُ مهاراتِ القراءة والكتابة للمرحلة الثانوية كارول جاكو: «إن الكتب تعلِّمنا كيف نقرؤها.» تزداد قدرة طلابنا على تحمل الأجزاء البليدة فقط حين يدركون الكيفية التي يعمل بها السرد. قدِّمْ للطلاب دروسًا قصيرةً حول تطور الحبكة، مشيرًا إلى تلك اللحظات التي يَبْطُؤ فيها إيقاع الأحداث في العادة. شجِّعِ الطلابَ الذين لا يكملون كثيرًا من الكتب على الاستمرار في القراءة لمدة أطول، واقترِحْ كتبًا يمكن الوصول إليها بسهولة، وتساعد القراءَ الناشئين على بناءِ الثقة وكثيرٍ من تجارب القراءة. حين يختار الطلاب الكتبَ بأنفسهم، يجب أن نُظهِر التقديرَ لخياراتهم بقدر الإمكان؛ وهذا يعني قبولَ المحاولات الفاشلة حين يختار القراء كتبًا لا تُلائِمهم، أو يختارون كتبًا تتفاوت في مستويات القدرة على القراءة التي تحتاج إليها.

(١-٤) مقياس ليكسل للقراءة

ما هو القاسم المشترك بين كتاب جيف كيني المحبوب «يوميات فتى ضعيف»، وكتاب راي برادبري الكلاسيكي «فهرنهايت ٤٥١»؟ ماذا عن كتاب «فتاة الشائعات: رواية» ذي الطابع الرومانسي الرشيق لسيسلي فون زيجيسار، وكتاب «جيلي هوبكنز الرائعة» لكاثرين باترسون، الحاصل على جائزة نيوبيري عام ١٩٧٩؟ على الرغم من أن هناك اختلافاتٍ واضحةً بين هذه الكتب من حيث الاستحقاق الأدبي، والفئة العمرية الملائمة لقراءة كلٍّ منها، وجاذبيتها للقارئ؛ فإن هذه العناوين تتشابه في أمر واحد؛ أَلَا وهو أنها تقع في نطاق واحد على مقياس ليكسل لتعقيد النص (مجموع نقاط ليكسل لكل كتاب: «يوميات فتى ضعيف» ٩٥٠، «فهرنهايت ٤٥١»: ٨٩٠، «فتاة الشائعات» ٨٢٠، «جيلي هوبكنز الرائعة» ٨٠٠).

يقدِّم «إطار ليكسل للقراءة» المتوافر من منظمة ميتاميتريكس تقييمًا كميًّا لمستويات القراءة والتعقيد. يحصل الطلاب على تقييم ليكسل عبر اختبارات قراءة محددة، وتحصل الكتب والنصوص الأخرى على تقييم ليكسل من أداة برمجية يُطلَق عليها ليكسل أنالايزر (محلِّل ليكسل) تُقيِّم تكرارية الكلمات وطول الجمل. يستخدم كثيرٌ من المدارس مقياسَ ليكسل لتقييمِ مستويات الطلاب في القراءة، وتقديمِ مواد القراءة للطلاب بمستوى صعوبةٍ يناسِب قدراتِهم.

ينخرط التربويون الحسنو النية — المهتمون بزيادة تعقيد مواد القراءة ورفع مستواها — في لعبة «تخمين مقياس ليكسل» عندما ينتقدون انخفاض مستويات القراءة في كتب أدب الأطفال والناشئين، أو يضعون بعض الكتب في مرتبةٍ أعلى من الكتب الأخرى، أو يأمرون بشراءِ كتب معينة، أو ضمِّ أخرى إلى قائمة الكتب الموصى بقراءتها؛ لكنْ بالنظر إلى بضعة أمثلة فحسب، تتضح المشكلاتُ التي تنبثق عند التقييم الضيِّق للنصوص بناءً على الرقم المحدد لمستوى القراءة وحده.

ليست لديَّ مشكلة مع تقييم مستويات قدرة الطلاب على القراءة وتحديد تعقيد النص. وبصفتي معلِّمة، أجد مثل هذه المعلومات مفيدة عند تحديد قدرة طلابي على القراءة والكتب التي قد تلائمهم. ما يثير قلقي هو أنه في كثيرٍ من المواقف، تصبح مقاييسُ ليكسل العاملَ الوحيد في اختيار الكتب وترشيحها.

وفي حين أن تحديد مستوى المقروئية يمكن أن يكون مفيدًا عند تقييم الكتب الدراسية، ونصوص القراءة الموجَّهة، أو مواد التدريس الأخرى؛ فإن اختيارَ الكتب التي ستُدرَّس في الفصل وترشيحَ الكتب للقراءة المستقلة عمليتان مختلفتان. إن القراء الجامحين لا يقرءون دائمًا نصوصًا تصل صعوبتها إلى أقصى مستوى كفاءتهم، متنقلين بين نصوص متزايدة الصعوبة مثلما تشير نُظُم تحديد المستوى (كارتر، ٢٠٠٠). بافتراض أن القراء يختارون اختيارًا حرًّا، فإنهم يختارون مواد القراءة بحسب اهتماماتهم، وتفضيلاتهم، ومعلوماتهم العامة، وأهدافهم المتعلقة بالقراءة، ودوافعهم الشخصية.

إنني أسمع قصصًا مريعةً حول معلمين وأمناء مكتبات يطبِّقون نطاقات مقياس ليكسل بصرامة؛ حيث يمنعون الأطفال من قراءة الكتب التي لا تتوافق مع مستواهم على مقياس ليكسل؛ على سبيل المثال: لا يدع هؤلاء المعلمون الطلابَ يقرءون سلسلة كتب كاملة؛ لأنه ليست جميع الكتب بها تتوافق مع مستواهم على مقياس ليكسل، أو لا يُسمَح للطلاب باستخدام أقسام معينة من مكتبة المدرسة أو الفصل؛ لأن الكتب التي تحتويها أسهل أو أصعب من مستواهم وفقًا لمقاييس ليكسل، بل إن الآباء يستلمون قوائمَ بالكتب المقيَّمة بمقياس ليكسل، والتي تتلاءم مع أطفالهم، مع تعليمات مشددة باستخدام هذه القوائم فحسب عند شراء الكتب. في لحظات التهكُّم، أتصوَّر متجر ليكسل يبيع أدوات وشم، حتى يتمكَّن المعلمون المفرطو الحماس من دمغ الطلاب بوشمٍ يسجِّل مستواهم على مقياس ليكسل. ألن يجعل ذلك زيارات المكتبة العامة أسهلَ علينا جميعًا؟

ذكَرَ موقعُ ميتاميتريكس الإلكتروني أن «ثمة عواملَ أخرى كثيرة تؤثر على العلاقة بين القارئ والكتاب، بما في ذلك عُمْر القارئ واهتماماته، ومحتوى الكتاب وتصميمه. ومقياسُ ليكسل للنص نقطةُ انطلاقٍ جيدة لعملية اختيار الكتب، مع أخذ هذه العوامل الأخرى في الاعتبار بعد ذلك.» مع تعريف مقاييس ليكسل كمؤشر أساسي لتعقيد النص بحسب تعريف المعايير الحكومية للأساس المشترك، يجب أن نُلقِي نظرةً نقديةً على ما تقدِّمه نطاقاتُ ليكسل للمعلمين والطلاب وما لا تقدِّمه. إن الاعتماد المفرط على نُظُم مستوى القراءة يعيق الأطفال عن تعلُّم اختيار الكتب بأنفسهم. والكُتبُ في متاجرِ الكتب والمكتباتِ ورفِّ الجَدَّة لم تخضع لنُظُم تحديدِ مستوى المقروئية. بعيدًا عن مستويات الكتب وقدرة الطلاب على القراءة، يجب أن نُعِيد النظرَ في المحتوى والاهتمامات عند اختيارِ المواد وترشيحِ الكتب للقراءة المستقلة. إن الإخلاص الأعمى للأرقام لا يفيد القرَّاء؛ فليس بإمكاننا اختزالُ أو تجاهُلُ معرفةِ الكتب ومعرفة القرَّاء، ثم بناء الروابط بينهما.

تمد نُظُم تحديد مستوى القدرة على القراءة، مثل ليكسل، المعلمين وأمناء المكتبات بمقياس واحد لتقديمِ ترشيحات الكتب، ودَعْمِ الطلاب في اختيار الكتب بأنفسهم؛ إلا أنه لا ينبغي للأطفال أن يعلِّقوا على أَذْرُعهم شارةً توضِّح مستوياتهم في القراءة، ثم يُعرَّفون بها. فحين يحتاج طلابنا إلى نظامِ وساطةٍ معقَّد لمساعدتهم في اختيار الكتب، فإننا بهذا نخلق قرَّاءً تابعين. يجب أن يتدرَّب الطلاب على اختيار الكتب بأنفسهم. يطرح إدراكُ تجاربِ الطلاب المتنوعة مع القراءة ومستوياتِهم في القراءة ونضْجِهم العاطفي؛ تحدياتٍ عند عرض موادَّ للقراءة، فكلما زادت معرفتنا بالكتب وبكل فرد من طلابنا، تمكَّنَّا من تقديمِ دعمٍ أفضل لهم.

(١-٥) رفُّ القرَّاء الناضجين

يستحق الطلاب الذين يقرءون نصوصًا تَفُوق مستوى مرحلتهم الدراسية كتبًا تتحدَّاهم وتجذبهم. ويشتمل ربْطُ القرَّاء المتقدِّمين في المدرسة المتوسطة بالكتب التي تلائمهم على بعض التحديات؛ إذ يضم أدبُ الناشئين نطاقًا شاسعًا من مستويات القراءة والاهتمامات، والمحتوى الأكثرُ حدةً في كثيرٍ من كتب الناشئين ليس مناسبًا للطلاب في سن الحادية عشرة. ومع ذلك، وبالنظر إلى تجارب طلابي وتفضيلاتهم في القراءة، يجب أن آخذ في الاعتبار أن معظم الطلاب الذين قرءوا ملحمة «الشفق» قبل بلوغ الصف السادس، لا يُقْبِلون على قراءة سلاسل مصاصي الدماء الأقل إثارةً مثل «سيرك الغرباء».

إلى جانب مكتبي، وبعيدًا عن خزانات الكتب الاثنتي عشرة التي تشكِّل مكتبةَ فصلنا الأساسية، يوجد رفُّ كتب يضم موادَّ قراءةٍ للطلاب الذين يتمتعون بقدرات واهتمامات في القراءة تَفُوق مرحلتَهم الصفية. ذلك الرف — الذي أطلق عليه الطلاب منذ بضع سنوات رفَّ «الناضجين» — يضمُّ كتبًا للناشئين (انظر الشكل ٢-٢). خلال الأسابيع القليلة الأولى من بداية العام الدراسي، لا أدعم أو أرشِّح الكتبَ الموجودة في رف الناضجين لطلابي، على الرغم من أنني لا أمنعهم من استعارةِ أيِّ كتب قد يحبون قراءتها. وبناءً على المحادثات خلال اجتماعات القراءة، ونتائج تقييمات القراءة، والمناقشات مع الآباء؛ أقترح كتبَ الناشئين للطلاب المُستعدِّين عاطفيًّا وأكاديميًّا.
fig8
شكل ٢-٢: رفُّ كتبِ الناضجين وسلاسلُ الكتب مكدَّسةٌ أعلاه.

ونظرًا للمحتوى ومستوى القراءة (أو كلَيْهما)، فإن تقديم الكتب التي تَفُوق المرحلةَ الصفية لطلابي يتطلَّب وساطةً أكبر ومعرفةً بالكتب من جانبي أكثر ممَّا تحتاج إليه النصوصُ التي تتناسب صعوبتُها مع نصوص المرحلة الصفية أو تقل عنها. قد أرشِّح كتابَ سوزان كولينز «مباريات الجوع»، أو رواية سونينبليك «طبول وفتيات وفطيرة خطيرة» لقارئ ناضج في الصف السادس، لكنني لا أحتفظ بعناوين مكتوبة لقرَّاء المدرسة الثانوية؛ مثل رواية لوري هالس أندرسون «تَحَدَّثِي»، أو رواية جون جرين «البحث عن ألاسكا»، في رفوف كتبنا؛ لأن المحتوى ناضج عاطفيًّا إلى درجةٍ غيرِ ملائِمة.

وفي حين أنني لم أقرأ كلَّ الكتب الموجودة في مكتبة الفصل الدراسي، فإن قراءة كل كتاب من كتب الناشئين قبل أن أجلبها إلى المدرسة أصبحَتْ أمرًا لازمًا. ونظرًا لأن الناشرين وبائعي الكتب لا يفرِّقون بين كتب الناشئين الموجَّهة لطلاب المدرسة المتوسطة، وتلك الموجَّهة لطلاب المدرسة الثانوية؛ فإن تحديدَ أي الكتب تَئُول إلى رفِّ مكتبة فصل المدرسة المتوسطة، وأيها أمرِّره إلى زملائي من معلِّمي المدرسة الثانوية، يتطلَّب مني قراءةَ كلِّ تلك الكتب.

عندما يقرأ كثير من الطلاب العناوين نفسها، فإنهم ينتمون بذلك إلى نادي قراءة ذاتي التشكُّل، يوفِّر فرصًا طبيعية لمناقشة الكتب التي تشاركوا قراءتها؛ فالطلابُ الذين يقرءون كتبًا أكثر صعوبةً ممَّا يقرأ أقرانهم يظلون في حاجةٍ إلى قرَّاء آخَرين يستطيعون مناقشةَ الأفكار المغلوطة، والتفكيرَ في القضايا والموضوعات التي تستكشفها تلك الكتب الأكثر اضطرابًا، والتجاوُبَ مع ردود أفعالهم وأسئلتهم. ونظرًا لأني قد قرأتُ كلَّ كتب الناشئين الموجودة في المكتبة، يمكنني لعب هذا الدور إذا كان الطالب في حاجةٍ إلى قارِئ آخَر يناقشه في الكتاب. وخلال القراءة، أقيِّم محتوى كتب الناشئين، وقيمتَها الأدبية، وجاذبيتَها للقارئ، وأوصلُ هذه المعلومات لآخَرين من منظورٍ شخصيٍّ للقراءة. وإذا أبدى والدٌ أو مديرُ مدرسة شكوكًا حول كتابٍ بعينه، يمكنني أن أبرِّر سببَ وجوده على رفِّ مكتبة الفصل.

قرِّرْ كيف ستتعامل مع مخاوف الآباء حول الكتب في فصلك الدراسي، وعزِّزِ اختيارَ الطلاب للكتب التي سيقرءونها بأنفسهم. إذا رفض الآباء كتابًا جلَبَه أطفالهم إلى البيت، فشجِّعِ الطلاب على اختيار كتاب آخَر.

(١-٦) التأمُّل في اختيارات الكتب

إن تشجيع الطلاب على التأمل في اختياراتهم للكتب يكشف عن طرق الطلاب لاكتشاف كتبٍ يقرءونها. إذا لم يستطع الطلاب اختيارَ الكتب دونَ توجيهٍ فِعْليٍّ من المعلمين وأمناء المكتبات؛ فهذا يعني أنهم لم يُطوروا المهارات والثقة اللتين يحتاجون إليهما لاختيار الكتب بأنفسهم بعدُ. هل يعرف الطلاب قراءً آخرين يمكنهم ترشيح كتبٍ؟ هل لديهم وسيلةٌ للدخول على الإنترنت أو طباعة مصادر المراجعات النقدية للكتب؟ هل يستطيع الطلاب استعراضَ وتقييمَ واختيارَ الكتب من مكتبةٍ أو متجرِ كتب؟ هل يستمتع الطلاب بالكتب التي يختارونها بأنفسهم، أم يجدون صعوبةً في الانتهاء من الكتب التي يختارونها؟

طلبت أنا وسوزي من طلابنا النظر في قوائم قراءاتهم السابقة، والتدقيق في آخِر خمسة كتب اختاروا قراءتها؛ فحدَّدوا الكيفية التي اختاروا بها كل كتاب، معبِّرين عن انطباعاتهم الأولية عن كل عنوان. ومع التعمق أكثر في طرق اختيارهم الكتبَ، تأمَّلَ الطلابُ طرقَهم وقدراتِهم فيما يتعلَّق باختيار الكتب (الشكل ٢-٣).
fig9
شكل ٢-٣: تأمُّلات جون في اختياراته.
fig10
(استكمال الشكل السابق.)
تطرح استمارة «رأيي في الكتاب الذي اخترتُه» (يوجد نموذجٌ فارغ لها في الملحق «ب») أربعةَ أسئلة:
  • «كيف تتعرَّف على الكتب التي تحب أن تقرأها؟» يمدُّ الآباء والإخوة والزملاء، والعلاقات الشخصية مع قرَّاء آخرين، طلابَنا بمنبعٍ مستمرٍّ من ترشيحات الكتب. يُعوِّل القراء الجامحون على شبكة القراءة خاصتهم في معظم ترشيحات الكتب. من المهم بالنسبة إلى الطلاب أن يقيموا مثل هذه العلاقات مع القراء في المنزل والمدرسة. كثيرٌ من الطلاب يزورون مواقع جودريدز وأمازون ومواقع مؤلفين؛ باحثين عن ترشيحات كتب أيضًا؛ على سبيل المثال:

    إذا رُشِّح لي كتاب، فإنه بالتأكيد من تأليف مؤلِّفي المفضَّل، وإذا كان الكتاب جزءًا من سلسلةٍ أقرؤها، فإنني سأقرؤه. (بليك، طالب بالصف السادس)

  • «حين ترى كتابًا أو تسمع عنه، كيف تقرِّر أنك ستقرؤه أو لن تقرأه؟» يعتمد الطلاب على تجاربهم في القراءة عند اختيار الكتب، ويسترجعون كل ما يعرفونه عن المؤلف، واللون الأدبي، وسلاسل الكتب؛ لتوجيه خياراتهم عند تفقُّد الكتب الجديدة. عندما لا يعرف الطلاب كثيرًا عن الكتب أو مؤلِّفيها، فإنهم يعتمدون على آراء القراء الآخرين؛ على سبيل المثال:

    إذا كان الكتاب قد حظي بكثيرٍ من الآراء النقدية الجيدة من قراءٍ ثقات، فسوف أقرؤه. وإذا كان كثيرٌ (من أصدقائي القراء) لم يستمتعوا بالكتاب، فإنني لا أقرؤه. (ريد، طالب بالصف السادس)

  • «هل سبق لك أن هجرْتَ كتابًا؟ اذكُرِ السببَ.» إن استعداد الطالب لهجر كتاب من حين لآخَر يكشف ثقته ووعيه بذاته كقارئ؛ فالقرَّاء يعرفون أن ثمة كتابًا آخر بانتظارهم دائمًا إذا لم يكن الكتاب الذي يقرءونه حاليًّا يناسبهم. أما الطلاب الذين يهجرون الكتب تكرارًا، فإنهم يفتقرون إلى هذه الثقة والخبرة؛ على سبيل المثال:

    لا، أنا لا أهجر الكتب؛ فأنا دائمًا ما أعتقد أن ثمة نهايةً رائعةً. (جونا، طالب بالصف السادس)

    نعم، أنا أترك الكتب. في بعض الأحيان، تصبح أحداث الرواية مضجرة، أو لا تجذب اهتمامي. (سارة، طالبة في الصف الخامس)

  • «هل يكون التوفيق حليفك في اختياراتك الخاصة للكتب التي تقرؤها؟ اذكُرِ السبب.» حدِّدِ الطلابَ الذين أَبْدَوْا ثقةً عند اختيارهم الكتب بأنفسهم، وطرقًا متنوعة لتحديد أي الكتب يقرءون. يساعد التحليل النقدي لعمليات الاختيار التي قام بها الطلاب على تقديم العون لهم في استكشاف طرق اختيارهم للكتب، وإعادة تقييم أسباب نجاح أو فشل اختياراتهم؛ على سبيل المثال:

    أُلاقِي نجاحًا كبيرًا في اختيار الكتب؛ لأن أصدقائي يقدِّمون ترشيحات جيدة، ولأن معظم الكتب التي أقرؤها ذائعةُ الشهرة أو حاصلةٌ على جوائز. (أنتوني، طالب بالصف السادس)

    لا، أنا غير موفَّق في اختياراتي للكتب؛ لأنني أختارها من الغلاف، وقد صدَقَ مَن قال: لا تحكُمْ على كتابٍ من غلافه. (برايلين، طالب بالصف السادس)

حين تطلب من الطلاب التأمُّل في خياراتهم للكتب، تتضح لك قدرتهم وثقتهم في اختيارهم المواد التي يقرءونها. وعلى الرغم من أن بيئة الفصل الدراسي تقدِّم دعمًا مؤقتًا لطلابنا الذين يفتقرون إلى تجارب القراءة، فإنهم يجب أن يتعلَّموا اختيارَ الكتب بأنفسهم، ويحدِّدوا سببَ إعجابهم أو عدم إعجابهم بأحد الكتب. إن الطلاب الذين يختارون بانتظام كتبًا لا يستطيعون قراءتها أو لا يستمتعون بها، من غير المرجح أن يقرءوا كثيرًا، أو أن يروا القراءةَ مُشْبِعةً لهم على المستوى الشخصي. وتعريضُ الطلاب لكثيرٍ من الكتب وتجارب القراءة الإيجابية، مع بناءِ شبكةٍ من القرَّاء الآخرين الذين يدعم بعضهم بعضًا، يَمدُّ الطلابَ بأدواتٍ تدوم خارجَ حدود بيئة الفصل المدرسي.

(٢) نقاط نقاشية

في مؤتمر ميشيجان للقراءة عام ٢٠١٣، قال كيلي جالاجر في الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه: «نشاطان فحسب [يفعلهما المعلمون] هما ما يعملان على تطوير الكتَّاب: لعب دور القدوة، والنقاش.» على الرغم من أن كيلي كان يتحدث عن تدريس الكتابة، أعتقد أن هذه الأفكار تنطبق على تدريس القراءة. عند التحاور مع الطلاب، لا يحيد هدفي الأساسي عن بصري؛ أَلَا وهو دَعْم استقلاليتهم. ونظرًا لأن المعلمين يشعرون بالإرهاق من التحاور مع كثير من الطلاب كلَّ يوم، فقد يجد المعلمون أن تسليم الطالب كتابًا وحثه على قراءته يوفر الوقت، لكن هذه الممارسة لا توضح للطالب كيف يختار كتابًا بنفسه. إن تقديم فرص مدعومة للطلاب لاستعراض النصوص وتقييمها والاختيار منها، يتيح لهم التدريب الذي يحتاجون إليه لاختيار الكتب بأنفسهم.

أفصِحْ عن أفكارك عند تقييم كتابٍ وشارِكْها مع الطلاب. ما هي الأشياء التي تأخذها في اعتبارك عند تحديد إنْ كنتَ ترغب في قراءة كتابٍ ما؟ كيف يؤثر كلٌّ من اللون الأدبي والتفضيلات والحاجة على اختيارك لقراءاتك؟ شجِّعِ الطلابَ على تطوير معاييرهم الخاصة لتحديد إنْ كان الكتاب يحقِّق أهدافهم الشخصية.

(٢-١) مجموعات المعاينة

يطلب مني الطلاب بانتظامٍ ترشيحات لكتب؛ إنهم يثقون بي لمعرفتي بهم كقرَّاء، ولمعرفتي بالكتب. على الرغم من ذلك، عند تقديم اقتراحات للقراءة، أَحرصُ على ألا أؤثر على آراء الطلاب في الكتب تأثيرًا أكبر مما ينبغي، أو أن أسلبهم قدرتهم على اختيار ما يريدون قراءته بحرية، فأنا أريد أن يثق طلابي في أنفسهم، وينمُّوا القدرة على تحديد اختياراتهم للكتب؛ لذا فإن تخصيص مجموعات المعاينة لطلابي يمثِّل حلًّا وسطًا بالنسبة إلى الطلاب. أستغلُّ خبرتي في التوجيه لاختيار عدة كتب قد تنال إعجابَ طالبٍ بعينه، وأعرض عليه مجموعةً من الخيارات. ويكون للطلاب حرية اختيار أي كتبٍ تثير اهتمامهم أو رفضها جميعًا. حتى لو لم يختاروا كتبًا من مجموعة المعاينة التي أعِدُّها لهم، فإنهم يستعرضون الكتبَ ويُقيِّمونها ويجمعون معلومات عنها.

كذلك هناك طريقة أخرى أستعين بها في مساعدة الطلاب على اختيار الكتب تتمثَّل في مكتبة الفصل المدرسي؛ حيث أطرح على الطلاب أسئلةً كالسؤال عن نوعية الكتب التي يحبون قراءتها، وهذا يساعدني في إرشادهم إلى أحد أقسام المكتبة، ويسمح لي بالتركيز على أنواع معينة من الكتب. أسألُ الطلاب عمَّا يبحثون عنه في الكتاب؛ سلسلة جديدة، أم كتاب يشبه كتابًا آخَر استمتعوا بقراءته، أم مؤلف معين، على سبيل المثال. وبينما أُنصِتُ إليهم، أسترجع معلوماتي عن مستوياتهم في القراءة، واهتماماتهم الشخصية، ونوعيات الكتب التي قرءوها في الماضي، ولا أقول لطالبٍ أبدًا إنه لا يستطيع قراءةَ كتابٍ اختاره، لكني أوجِّهه إلى الكتب التي أعتقد أنها ستكون مناسِبةً له. إنني أعتبر نفسي مُرشِدةَ قراءة؛ قارِئةً تستطيع مساعدة طلابها في العثور على كتبٍ قد تنال إعجابهم. وهكذا أسحب خمسة أو عشرة كتبٍ من صناديق الكتب، وأَصِفُ كلَّ واحدٍ منها للطلاب بينما أمرِّرها عليهم لاستعراضها. يضحك جميع الطلاب حين يرونني أُكوِّم الكتب بين ذراعَيْ طالبٍ منهم، لكنهم يعرفون جميعًا أنني قد وضعتُ كتبًا رائعة في مجموعةِ المعاينة هذه (انظر الشكل ٢-٤).
fig11
شكل ٢-٤: تايلور تحدِّق النظر من فوق مجموعة الكتب التي ستستعرضها.

أُخْبِر الطلابَ بأنْ يُلْقُوا نظرةً على كل كتبِ المجموعة، طالبةً منهم أن يخبروني حين يصبح لديهم عدد كافٍ من الكتب ليستعرضوه، وأن يختاروا كتابًا أو كتابين يقرءونهما، مع كتابة عناوين الكتب التي يرغبون في قراءتها مستقبلًا في قائمة الكتب المُخطَّط لقراءتها. وبالرغم من استمتاعي بالتوغل بين رفوف المكتبة لمساعدة الطلاب في العثور على الكتب، فإن هدفي هو مساعدتهم على تنمية ثقتهم بأنفسهم فيما يتعلق باختيار الكتب. وباستخدام طريقةِ معاينةِ الكتب هذه، يستعرض الطلاب كثيرًا من الكتب، ويتعلَّمون أكثرَ عن أنواع الكتب المتاحة للقراءة. وعند تدوين بضعة عناوين على قوائم القراءة، فإن ذلك يضمن لهم وجودَ عناوين قليلة يبحثون عنها عند التفتيش في مكتبة المدرسة أو الفصل بمفردهم.

بينما يجلس كلُّ طالب على مكتبه وأمامه مجموعة من الكتب، ألاحظ أن قرَّاء آخَرين يشيرون من مواضعهم إلى كتبٍ ضمن تلك المجموعات يكونون قد قرءوها، ويقدِّمون ترشيحاتهم وآراءَهم النقدية عن الكتب التي يعرفونها. ونظرًا لحرصي الدائم على ألا أكون المصدرَ الوحيد لترشيحات الكتب بالنسبة إلى طلابي، فإنني أشجِّع مثل هذه المحادثات، وكثيرًا ما أطلب من طلابٍ آخَرين التعليقَ حين أقترح كتابًا.

(٢-٢) تشكيل مجموعات الكتب لمعاينتها

يتطلَّب منك تكوينُ مجموعات المعاينة أن تعزِّز جهودَ الطلاب في اختيار الكتب بأنفسهم وتدعمها، بينما تستغل معرفتك باهتماماتهم في القراءة وقدراتهم واحتياجاتهم التي يعبِّرون عنها عند عرض الكتب. اطرحْ على طلابك الأسئلة التالية:
  • «ما اللون الأدبي الذي تريد قراءته؟» تكليفاتُ الفصل المدرسي، والتفضيلاتُ الشخصية، والعناوينُ المشهورة بين طلاب الفصل تُوجِّه اختياراتهم لِلُّون الأدبي.

  • «ما الكتب التي بحثتَ عنها اليومَ بالفعل؟» اصطحِبِ الطلابَ إلى مكتبة الفصل إذا كانوا يقفون بعيدًا عن رفوف الكتب، وأكِّدْ لهم أن بإمكانهم البحث عن الكتب بمفردهم، بل ينبغي لهم ذلك.

  • «ما آخِر كتاب انتهيتَ منه وقد أحببتَه بالفعل؟» من خلال التحاوُر والتقييمات الأخرى، قد تتعرَّف على الكتب التي يفضِّلها هؤلاء الطلاب بالفعل، لكن إنْ لم تكن تعلم فاسألْ.

  • «ما نوعية الكتب التي تفكر فيها؟» هل يبحث الطفل عن سلسلة جديدة؟ أم عن كتابٍ ذي أسلوب أو موضوع مشابه قرأه لتوِّه؟ أم عن كتابٍ لمؤلِّفٍ بعينه؟

بينما تستعرض الكتب، فكِّرْ في الأهداف التي تريد لهذا الطالب أن يحققها وتجاربِك معه، وفكِّرْ في مستوى الطالب في القراءة وقراءته السابقة عند اختيار الكتب، واستعِنْ بآرائك المُطَّلِعة عن كل قارئ لاختيار الكتب التي تعتقد أنها تلائمه جيدًا.

قَدِّمْ توصيةً مختصرة حول كل كتاب بينما تضعه بين يدي الطفل، واطلبْ من الطلاب الآخرين الذين تعرف أنهم قد قرءوا الكتاب أن يُدْلُوا بآرائهم؛ فذلك يؤكد للطلاب أنك تحترم أفكارهم حول الكتب بقدر ما تحترم رأيك، وذَكِّرِ الطلاب بأن أقرانهم يمكن أن يكونوا مصادر مطَّلِعة لترشيحات الكتب أيضًا.

احرصْ دائمًا على تقديم عدة كتب دفعة واحدة؛ فاقتراحُ كتاب واحد يسلب الطلابَ القدرةَ على الاختيار، ويتركهم يغادرون بينما قد يحتاجون إلى خيارات أخرى، ولا يتيح لهم فرصةَ معرفةِ المزيد عن الكتب الكثيرة المتاحة لهم ليقرءوها. شجِّعِ الطلاب على تدوينِ عناوين أي كتبٍ تبدو لهم مثيرةً للاهتمام في قائمة الكتب المخطَّط لقراءتها، واختيارِ كتابٍ أو كتابين للقراءة الفورية. على مدار الوقت، ادفعِ الطلابَ إلى مراجعة هذه القائمة حين يكونون في حاجةٍ إلى كتابٍ آخَر بدلًا من طلب المساعدة منك مباشَرةً.

يُفترَض بتشكيل مجموعة الكتب التي يستعرضها الطلاب أن يساعدهم على الاستقلالية، من خلال تقديم فُرَص لإلقاء نظرة على الكتب التي تقرر أنها تخدم اهتماماتهم، وتلبي احتياجاتهم، وذلك تحت إشرافك. ومع تنمية الطلاب لتجربتهم وثقتهم في أنفسهم، سيكونون قادرين على اختيار كتبهم بقدرٍ أقلَّ من التوجيه من جانبك.

(٣) تتبع حياة القراءة

fig12
شكل ٢-٥: قائمة قراءة هيوين.
يحتفظ الطلاب في دفتر ملاحظات القارئ بقائمةِ قراءةٍ توثِّق كلَّ كتابٍ يقرءونه (ثمة نموذجُ قائمةِ قراءةٍ خالية في الملحق «أ»، ومثالٌ عليها في الشكل ٢-٥). مع بداية العام، تعمل قائمة القراءة كأداة للمساءلة. أراجع أنا وسوزي قوائم القراءة عند النقاش مع الطلاب؛ حيث نناقشهم في اختياراتهم للكتب وتجاربهم مع قراءة كل كتاب، وبينما نفحص قوائمَ القراءة تلك أثناء الاجتماعات، نبحث عن الاتجاهات في سلوكيات القراءة لدى الطلاب، ونحدِّد نقاطَ القوة، والجوانبَ التي تحتاج إلى تنمية:
  • ماذا نلاحظ بشأن اختيارات الطلاب لقراءاتهم؟

  • ما الاقتراحات التي يمكننا تقديمها من أجل تشجيع الطلاب على القراءة الواسعة النطاق والمجازفة؟

  • كيف يمكننا دعم الطلاب الذين لا ينهون الكتب، أو لا يستمتعون بما يقرءونه أو لا يقدِّرونه؟

تقدِّم بنود قائمة القراءة لكل طالبٍ معلوماتٍ قيِّمةً عن نشاط القراءة خاصته.

تطلب خاناتُ قائمةِ القراءة المعلوماتِ التاليةَ:
  • «العنوان واسم المؤلف»: يذكر الطلاب عنوان ومؤلف كل كتاب عند البدء في قراءته. تكشف أسماءُ المؤلفين والعناوين عن الكتب المتنوِّعة التي يقرؤها الطلاب، وتساعدك على تحديد ما إذا كانوا يفضِّلون أنواعًا معينة من الكتب. أما الطلاب الذين يتشبثون بلون أدبي أو مؤلِّف أو سلسلة واحدة، فإن لديهم تفضيلات قوية، لكنهم ربما يكونون بحاجة إلى تشجيع على توسيعِ نطاقِ نوعيات الكتب التي يقرءونها. كذلك أقارن مستويات القراءة لدى الكتب التي يختارها الطلاب بمستويات قدراتهم على القراءة عبر أدواتِ تقييمٍ رسمية، وعبر معرفتي بقدراتهم على القراءة. يختار القراء النَّهِمون كتبًا تشمل نطاقًا متفاوتًا من مستويات القراءة بناءً على الحاجة والتحفيز والاهتمام. وبمنح الطلابِ الحريةَ المطلقة لاختيار كتبهم، فإنهم قد يختارون عناوين تتناسب ومستوى قدرتهم على القراءة، أو تَفُوقه، أو تقلُّ عنه. إذا داوَمَ الطلاب على اختيار كتبٍ لا يمكنهم قراءتها، أو لا يجدون فيها تحدِّيًا كبيرًا؛ فإنهم يكونون في حاجةٍ إلى النصيحة والدعم لاتخاذ خيارات أفضل.

  • «اللون الأدبي»: يسجِّل الطلابُ اللونَ الأدبي لكل عنوان بالاستعانة بفئات الألوان الأدبية المتضمَّنة في تكليفات الألوان الأدبية التي تُطلَب منهم في الفصل المدرسي. تدل تدوينات الطلاب على تفضيلاتهم، ومدى ضِيق أو اتساع نطاق خياراتهم للكتاب. علاوةً على ذلك، أنظر ما إذا كان الطلاب يحدِّدون الألوانَ الأدبية للنصوص التي يقرءونها تحديدًا صحيحًا، ويفهمون السمات المميزة للألوان الأدبية المختلفة في سياق قراءاتهم المستقلة. إذا كان الطلاب يجدون صعوبةً في تحديد اللون الأدبي لكتابٍ ما، فإننا نناقِش أفكارَهم المغلوطة، بحيث نرجع في ذلك إلى الملاحظات حول الألوان الأدبية والمخططات المرجعية التي تلقَّاها الطلاب في الدروس القصيرة.

  • «تاريخ البداية والانتهاء»: يُسجِّل الطلابُ التاريخَ الذي بدءوا فيه قراءةَ الكتاب، والتاريخَ الذي انتهوا فيه من قراءته. بتقييم هذه التواريخ، أعرف كَمْ يستغرق منهم الانتهاء من قراءة الكتب. أنا لا أريد منهم التعجُّل في قراءة الكتب، لكنهم إذا قَضَوْا عدة أسابيع في قراءة نفس الكتاب، فإني أشكُّ فيما إذا كانوا يقرءون في البيت قدرًا كبيرًا، أو يفهمون الكتاب، أو يرتبطون به. على النقيض من ذلك، إذا التهم الطلاب الكتابَ في يومٍ واحد، فإنني أفكِّر في أنواع الكتب التي يختارون قراءتها، وأتساءل هل كانت الكتب في الأساس قصيرةً مثل الرواياتِ المصوَّرة والكتبِ المعرفية؟ وهل تقلُّ مستوياتُ الكتب عن مستوى الطلاب بعدة درجات؟

    وإذا هجَرَ الطلابُ كتابًا، فإنهم يكتبون كلمة «تُرِك» في مربع تاريخ الانتهاء في قوائم القراءة. تكشف الكتب التي يبدأ فيها الطلابُ ولا يُكمِلون قراءتها الكثيرَ عن عادات القراءة لديهم بنفس قدرِ الكتب التي يُكمِلون قراءتها. كيف اختاروا ذلك الكتاب؟ ولِمَ هجروه؟ هل خططوا للانتهاء من قراءته في وقتٍ ما؟ إن البدايات غير الموفَّقة من حينٍ لآخر لا تقلقني، لكنْ إذا كان الطلاب يتركون كتابًا تلو الآخر، فإنهم في حاجةٍ إلى مشورة ومراقبة فيما يتعلق بسلوكيات القراءة لديهم.

  • «التقييم النجمي»: يُقيِّم الطلاب كلَّ كتاب يقرءونه باستخدام مقياس من نجمة إلى خمس نجمات. إن التقييم النجمي شائع جدًّا في العروض النقدية على الإنترنت، والطلاب يستمتعون باستخدام النظام ذاته لتقييم الكتب التي يقرءونها. يُظهِر لي تقييمُ تقييماتِ الطلاب انطباعاتهم عمَّا يقرءونه، وما إذا كانوا يستمتعون دائمًا بخياراتهم من الكتب ويقدرِّونها. فإذا أعطى الطلاب تقييماتٍ منخفضةً لعدة كتب على التوالي، فإنني أتعاون معهم لإيجاد الكتب التي تتوافق واهتماماتهم وأذواقهم بنحوٍ أفضل. يكشف لي التقييمُ النجمي قدرةَ الطلاب على فهم النصوص كذلك؛ ففي حالة عدم فهم الكتاب، غالبًا ما يصفونه بأنه مملٌّ وليس صعب القراءة.

    يرشدني تقييمُ الطلاب النجمي أثناء عملية تنظيمِ مكتبة الفصل أو إضافةِ عناوين جديدة؛ فإذا حصل كتاب بعينه على تقييمات منخفضة من عدة طلاب، أُعِيدُ قراءةَ الكتاب وأسأل الطلاب عن سبب افتقار الكتاب إلى القدرة على جَذْبهم، وإذا لم يكن لديَّ أيُّ غرضٍ تعليمي آخَر للكتب الحاصلة على تقييمات منخفضة، فإنني أتخلص منها، وإذا كان هناك مؤلف أو موضوع أو سلسلة تروق للطلاب، فإنني أبحث عن عناوين إضافية تتناسب مع هذه الاهتمامات.

  • «كيف اخترتَ هذا الكتاب؟» يوثِّق الطلابُ الكيفيةَ التي اختاروا بها كلَّ كتاب قرءوه. وبينما أراجِع هذه التعليقات، أكون منتبهةً إلى أنهم في حاجةٍ إلى منهجيات متنوعة للعثور على كتب للقراءة. إذا كنتُ أنا المصدرَ الوحيد لترشيحات الكتب التي يحصلون عليها في بداية العام الدراسي، فذلك أمر حسن من منظور الدعم التعليمي، لكن إذا ظللتُ مصدرَهم الوحيد لترشيحات الكتب في نهاية العام الدراسي، فهنا يصبح الأمرُ مشكلةً. يجب أن يُقِيمَ الطلابُ علاقاتٍ مع أقرانهم من القراء، ويستخدمون المصادرَ المتاحة على الإنترنت، والمصادرَ المطبوعة وغيرَها لتوجيه اختياراتهم من الكتب، وإلا فلن يُنَمُّوا الثقةَ والقدرةَ اللتين يحتاجان إليهما من أجل الاختيار الموفَّق والمستقِلِّ للكتب.

    عندما يختار الطلاب كتبًا لا تثير إعجابهم مرارًا وتكرارًا، أتأمل المنهجيات التي يوظِّفونها في اختيار الكتب. ترشيحاتُ الأصدقاء لا تفلح دائمًا إذا كان هناك تنافُرٌ بينك وبين صديقك في أذواق القراءة، أو إذا كانت ثمة فروقٌ شاسعة بين مستوى قدرتيكما على القراءة. أما الطلاب الذين يستخدمون طرقًا أقل اعتمادًا على التحليل النقدي في اختيار الكتب، مثل شهرة الكتب أو تصميم الغلاف، فقد يحتاجون إلى إرشادٍ وتوجيهٍ حول كيفية استعراضِ الكتاب وقراءتِه بسرعةٍ وتقييمِه؛ كي يتَّخِذوا قراراتٍ أنسبَ لهم.

مع تقدُّم العام الدراسي، تُظهِر خياراتُ الطلاب للكتب نضْجَهم واستقلالهم كقرَّاءٍ؛ حيث تتطوَّر خياراتهم للكتب بناءً على تأثيراتِ مجتمعِ الفصل الدراسي، وكثيرٍ من تجارب القراءة الإيجابية على مدار العام. بمنْحِ الطلابِ خياراتٍ وفيرةً، وتوقُّعِ قراءتهم لمجموعة متنوعة من الكتب، وسهولةِ الحصول على الكتب، تزدادُ خياراتُ الطلاب للكتب دقةً، بطبيعة الحال، تحت إرشاد المعلمين (ميلر، ٢٠٠٩، لاسِسْني، ٢٠٠١). علاوةً على أنهم يجازفون مجازفات أكبر؛ حيث ينغمسون في نصوص معقدة، ويجرِّبون ألوانًا أدبيةً ومؤلِّفين لم يقرءوا لهم في الماضي.

ولأن القراء الجامحين متمكِّنون وواسِعو الاطِّلاع، فإنهم يعرفون أن باستطاعتهم الدخولَ إلى أي مكتبةٍ أو متجرِ كتبٍ، وإيجادَ شيءٍ يقرءونه؛ لذا لا بد أن ينمِّي الطلابُ هذه الثقةَ والقدرة على أن يصبحوا هم أنفسهم قراءً جامحين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤