الفصل الرابع

القرَّاء الجامحون يضعون خططًا للقراءة

لقد وُلِدت بقائمةِ قراءةٍ لن أنتهي منها أبدًا.

مود كيسي

أبدأ في حزم حقيبتي استعدادًا للسفر لحضور مؤتمرٍ ما. بعد وضع أحذيتي وأدوات تجميلي على الفراش، أنقِّب في خزانة الكتب لأحدِّد الكتبَ التي سأحملها معي. أختار رواية «المهددون بالخطر» لإليوت شريفر كي أقرأها في رحلة الذهاب الجوية؛ لقد كنتُ أتوقُ لقراءتها منذ ترشيحها لجائزة الكتاب الوطنية. وأضيف رواية «تحليق التنين» لناتالي لورنزي لرحلة العودة. وبعد بضع دقائق، أكون قد وضعتُ جانبًا خمسةَ كتب. يضحك دون حين يرى كومة الكتب خاصتي ويقول: «ظننتُكِ ستتغيَّبين ليومين فحسب! كم كتابًا تستطيعين أن تقرئي في اعتقادك؟»

نظرًا لعجزي عن توقُّع النحو الذي ستسير عليه أي رحلة إلى خارج البلدة، فإنني دائمًا ما أحمل كتبًا زائدةً عن حاجتي. إن السفر يمدُّني بفرص وفيرة للقراءة، بدايةً من تأخُّر رحلات الطيران، مرورًا بوقت الانتظار في المطار، وحتى سوْءِ العروض التليفزيونية في الفندق، لكنْ عليَّ أن أخطِّط مُسبقًا. لقد تلف جهاز القارئ الإلكتروني كيندل خاصتي خلال رحلةٍ لعشرة أيام في العام الماضي؛ لذا امتنعت عن حمله معي منذ ذاك الحين. لا يمكنني المجازفة بنفاد الكتب مني؛ إذ حدث أكثر من مرة أني لم أجد ما أقرؤه سوى مجلات «أمريكان واي» و«سكاي مول». علاوة على ذلك، قليل من الكتب تؤنسني أثناء سفري، وتوفر لي سببًا من أسباب الراحة التي أربطها بالمنزل؛ أَلَا وهو حزمة مُبهِجة من الكتب التي لم أقرأها بعدُ.

خلال العمل على تشجيع طلابي على القراءة داخل المدرسة وخارجها، ألاحظ أن كثيرًا من القراء غير المتحمِّسين لم يُنَمُّوا عادةَ القراءة تلك التي تميِّز القراء لمدى الحياة، أَلَا وهي التخطيط للقراءات المستقبلية. إننا — نحن القراء الجامحين — نتحدَّث عن الكتب التي نقرؤها حاليًّا، أو تلك التي انتهينا لتوِّنا من قراءتها، لكننا كذلك نتأمَّل الكتب التي نخطط لقراءتها بعد ذلك، فذلك الترقُّب لتجربة قراءة رائعة أخرى يقود حماسَنا واهتمامنا المستمر للقراءة. فإذا لم يكن الكتاب الذي انتهينا من قراءته للتوِّ مذهلًا، فلا بأس، هناك دائمًا الكتاب التالي. حتى إذا انقطعنا عن عادة القراءة اليومية لفترة من الوقت — كل القراء النَّهِمين يختبرون تقلُّباتٍ في حياة القراءة — لا يخطر ببالنا أننا لن نمسك بكتابٍ آخَر أبدًا. إن الفارق بين القراء وغير القراء هو أن القراء لديهم خطط (كيتل، ٢٠١٢). وبالنسبة إلى الأطفال، فإن وضع الأهداف وتأمُّل التقدُّم تجاه تحقيقها يزيد من شعورهم بالكفاءة الذاتية كطلاب (شانك، ٢٠٠٣). إن التخطيط للقراءات المستقبلية يوجِّههم ويعطيهم هدفًا، ويؤكِّد على أنهم قرَّاء اليوم، وسيظلون قرَّاءً غدًا.

(١) يوم جديد وكتاب جديد

كيف يخطِّط المجيبون على استقصاء القارئ النَّهِم لقراءاتهم المستقبلية؟ وكيف ترشد عاداتُهم عملَنا مع الطلاب؟ إننا نحن — القرَّاء النَّهِمين — نتطلَّع إلى الكتاب التالي، فنلجأ إلى مصادر متنوِّعة لمعرفة الكتب التي قد نحبُّ قراءتَها، وللحصول على المساعدة في التخطيط لما سنقرؤه بعد ذلك (وقد أوردتُ هنا مصادرَ للعثور على الكتب في الفصل الثاني)، على الرغم من أننا نفعل مثلما ذكَرَ أحدُ المشاركين في الاستقصاء: «لا أقرأ دائمًا في الواقع الكتبَ التي أخطِّط لقراءتها مسبقًا!»

في حين أن عددًا ضئيلًا من المجيبين يعترفون بأنهم يعتمدون على الصدفة لتقودهم إلى الكتب، فإن معظم المجيبين يخطِّطون مسبقًا للكتب التي سيقرءونها. فيما يلي ممارساتُ القراء النَّهِمين:
  • «الاحتفاظ بمجموعاتِ كتبٍ يَنْوون قراءتها في المستقبل»: يحتفظ القراء الجامحون بمخزونٍ لا يُحصَى من مواد القراءة قيد أناملهم من أجل قراءتها في المستقبل، سواء بتكديسها على الطاولة الواقعة إلى جانب الفراش (أو على الأرض)، أو حشرها في خزانة الكتب، أو تنزيلها على أجهزة القارئ الإلكتروني. إن القرَّاء الجامحين الذين يلتهمون الكتابَ تلو الآخَر يَتُوقون إلى توفُّر الكتب باستمرارٍ. يقول أحد القراء النَّهِمين: «لطالما كانت لديَّ مجموعةٌ من الكتب التي أحتفظ بها طوال العام وألتهمها خلال عطلة الصيف، وحين أسمع عن كتابٍ جيدٍ، فإنني أشتريه وأضمُّه إلى مجموعة كتبي التي أخطِّط لقراءتها.»

  • «الاحتفاظ بقائمةٍ بعناوين الكتب التي يخطِّطون لقراءتها»: يحتفظ القراء النَّهِمون بقوائم للقراءة المستقبلية باستخدام وسائل متاحة على الإنترنت أو خارجه يستعينون بها عند شراء الكتب أو تفقُّد المكتبة العامة. أحتفظ بقائمة قراءاتي المستقبلية على موقع جودريدز، لكنَّ ثمة قرَّاء آخَرين ينشرون أغلفةَ الكتب على موقع بينتريست، أو يدوِّنون عناوينَ الكتب في مفكراتهم، أو يُنشِئون قوائمَ الأمنيات على موقع أمازون.

  • «حجز الكتب من المكتبة»: يطلب القراء النَّهِمون الكتبَ من المكتبات العامة، ويستعينون بخدمات مثل الاستعارات بين المكتبات من أجل العثور على الكتب التي يرغبون في قراءتها. إن حجز دورك على قائمة الحجز لدى عديدٍ من الكتب يضمن التدفُّق الثابت للكتب.

  • «طلب الإصدارات الجديدة وكتب السلاسل أو كتب مؤلِّفيهم المفضَّلين مسبقًا»: كثير من القراء الجامحين يطلبون شراءَ الكتب قبل مواعيد إصدارها، لكي يظلوا مُلِمِّينَ بأحدث إصدارات الكتب — وهذه خطط قراءة يمكن أن تمتد لعام آخَر في المستقبل — فمواكبةُ السلاسلِ المستمرة، أو كتبِ مؤلِّف محبوب، تمدُّ القراءَ الجامحين بمواد موثوقة ومجرَّبة للقراءة مستنِدة إلى كتب قرءوها واستمتعوا بها بالفعل.

  • «الاستفادة من قوائم جوائز الكتب»: إن الإعلان عن الكتب المرشحة في تصفيات جوائز الكتب الكبرى والكتب الفائزة بها يحفِّز المبيعات لسببٍ ما؛ فأختامُ الجوائز وقوائمها تؤثِّر في القراء التمييزين الذين يبحثون عن كتب عالية الجودة تحظى بالتقدير للقراءة. ترشد قوائمُ الجوائز كثيرًا من القراء الجامحين إلى الكتب التي تستحق القراءة، والتي ربما كانت ستفوتهم قراءتُها لولا هذه القوائم. إن قراءة كل عنوان على إحدى قوائم الكتب المرشَّحة للجوائز تمدُّ القراءَ الجامحين بخطةٍ مركزة ليظلوا متابعين لأحدث الكتب الجديرة بالاهتمام.

إن سلوكيات القراءة الجامحة التي استكشفناها في الفصول السابقة من هذا الكتاب تساعد القرَّاءَ على بناء عادات القراءة لمدى الحياة، لكنَّ وضْعَ خططِ القراءة القصيرة المدى والطويلة المدى يساعدهم على إنعاش حياة القراءة خاصتهم، وتوسعة آفاقها. ويحذر أحد القراء قائلًا: «إن معرفة الكتاب التالي الذي سأقرؤه يبقيني مواظبًا على القراءة؛ إنني أشعر بالسعادة الغامرة في كل مرة أقرأ فيها كتابًا من اختياري، وخاصةً إذا انتهيتُ منه، ويا له من شعور جيد! لكنْ إذا لم يكن لديَّ كتابٌ آخَر أبدأ فيه، أو إذا لم يكن الكتابُ التالي الذي بدأتُ في قراءته جيدًا، فإنني عادةً ما آخذ فترةَ توقُّف طويلة عن القراءة.»

بالإضافة إلى تخطيط القراء الجامحين للقراءة المستقبلية؛ أيِ التأمُّل الجدِّي فيما سيقرءون بعد ذلك ووقت قراءته، يتأمَّل القراء الجامحون أيضًا تجاربَهم وعاداتِ القراءة لديهم، فيحدِّدون المَواطِنَ التي يودُّون تحسينَها أو إثراءَها. إنهم يضعون أهدافًا شخصية مثل قراءة عدد معين من الصفحات كلَّ يوم، أو يعلنون عن نيتهم قراءةَ كل أعمال مؤلِّف بعينه؛ لنَقُلْ مثلًا تشارلز ديكنز. وبينما تتضمَّن بعض خطط القراءة أهدافَ مجتمعِ القراءة الذي ننتمي إليه — انظرْ إلى نوادي القراءة التي يوافِق أعضاؤها على قراءة نفس الكتاب كلَّ شهر — يضع القراءُ النَّهِمون في الأساس خططَ قراءة تناسِب أذواقَهم واحتياجاتهم الخاصة. إن دورة التأمُّل وتحديد الأهداف والفعل هذه تدعم إحساسَ كل قارئ بحرية إرادته، وبالمسئولية إزاء القراءة. حين نعمل مع الطلاب، لا بد أن نتيح لهم الفرصَ لتأمُّلِ تجاربهم مع القراءة، وتحديدِ أهدافهم الشخصية المتعلِّقة بالقراءة، وتنفيذِ خططٍ لتحقيق هذه الأهداف. غالبًا ما تفرض المقاييسُ المدرسية للقراءة على الطلاب أهدافًا خارجية للقراءة، تتمثَّل في تكاليف القراءة المطلوبة، وأهداف الطلاقة الكلامية، وسجلات القراءة، والوصول إلى مستويات محددة في القراءة، واختبارات القراءة القياسية. فكيف يُنمي الطلاب شعورَ المسئولية إزاءَ القراءة في حين أنهم لم يُمنَحوا هذا الشعورَ من قبلُ؟ ولمَن يقرأ الطلاب؟

بالنسبة إلى الطلاب الذين يستمتعون بالقراءة، يمكن أن يبدو الحفاظ على أهدافهم الخاصة في مجال القراءة مستحيلًا أمام تكالُب تكاليف القراءة المدرسية التي تمتصُّ وقتَ القراءة المتاح لهم، وتحدِّد خيارات القراءة، ولا تحترم اهتماماتهم. وقد يطرح الطلابُ الذين لم يضعوا أهدافَ قراءةٍ خاصة بهم سؤالًا من قبيل: «ما الهدف؟» فالمرء لن يحتاج إلى خطة قراءة حين يضع شخصٌ آخَر خطةً له. يجب علينا أن نتأمَّل إنْ كانت مبادراتُ المدرسة والفصل المدرسي وتكاليفهما الخاصة بالقراءة تدعم تطويرَ الطلاب لعادات القراءة الجامحة أم تعرقلها. لا بد أن يتعلَّم الطلاب وضْعَ خططهم الخاصة، وتأمُّلَ إنجازاتهم الخاصة، وإيجادَ أسبابٍ تخصُّهم للقراءة، وإلا فلن يصبحوا قرَّاءً نَهِمين أبدًا.

(٢) المناقشات الجماعية

في هذا الأسبوع، مارستُ أنا وطلابي أحدَ طقوس الفصل المدرسيِّ المفضَّلة؛ أَلَا وهو وضع خطةٍ للقراءة خلال العطلة القادمة من المدرسة؛ إذ سنحصل على إجازة لمدة أسبوعين بمناسبة احتفالات عيد الميلاد، وطلابي يعرفون أنني أتوقَّع منهم أن يستمروا في القراءة. لقد تناقشنا ووضعنا خططًا للقراءة قبل عطلة عيد الشكر الأخيرة؛ لذا فقد انغمَسَ الأطفالُ في أداء المهمة هذه المرة؛ تبادَلُوا الكتب، وحملوا أكوامًا منها، وسجَّلوا العناوين في دفاتر ملاحظات القارئ. في تلك المرحلة من العام، لا أكون في حاجةٍ إلى تكرارِ توقعاتي؛ إذ يتطلَّع الطلابُ بتوقٍ إلى وقت القراءة الإضافي خلال الإجازة ويخطِّطون له.

توسَّلَتْ إليَّ كاثرين لكي أرفع الحدَّ الأقصى للكتب المستعارة من مكتبة الفصل المحدَّدَ بأربعة كتب؛ لأنها «تحتاج إلى عشرة كتب على الأقل». لم تحتَجْ إلى التوسُّل كثيرًا؛ فقد أجبتُ طلبها سريعًا. أما بليك، فقد وعد كاميرون بأن ينتهي من قراءة «تجارب السكورش»، المتمِّمة لسلسلة الديستوبيا البوليسية المروعة «عداء المتاهة» للكاتب جيمس داشنر، لكي يتمكَّن كاميرون من أخذها خلال العطلة، واستعار كاميرون الكتابَ الأخير في هذه الثلاثية «العلاج من الموت» تحسُّبًا. خلال زيارتنا الأسبوعية إلى المكتبة، احتشد الطلاب على عربات الكتب، متلهفين لجذْبِ العناوين المشوِّقة قبل أن تُعِيد أمينةُ المكتبة رصَّها على الرفوف.

وبينما أهرعُ من طفلٍ لآخَر — أقدِّم الترشيحات، وأُعير حقائبَ الكتب، وأنقِّب في الخزانات عن نُسَخٍ إضافيةٍ لسلسلة «الحاذقون» لمايكل باكلي، أو «مباريات الجوع» لسوزان كولينز، أو «قيود» للوري هالس أندرسون — تناهَتْ إلى مسامعي محادثاتٌ بين طلابي جعلتني أبتسم:

بن، ينبغي لك أن تأخذ الكتبَ الثلاثة لسلسلة «صبي في الحرب»؛ ستنزعج إذا انتهيتَ من الكتاب الأول ولم تستطع قراءةَ الكتابين التاليين.

هل يمكنني استعارة نسختك من «سكين عدم النسيان؟»

لقد طلبتُ من أمي كتبًا هدية بمناسبة احتفالات عيد الميلاد، فبَدَتِ الدهشة عليها.

كم كتابًا سأحتاج في اعتقادك؟ إننا سنسافر بالسيارة إلى كولورادو لزيارة جدتي، وسنمكث في السيارة لوقت طويل جدًّا.

في الأيام القليلة التي تسبق العطلاتِ من المدرسة، يخلق شعورُ الطلاب بالإثارة جوًّا مشتتًا في الفصل؛ فمع فرح الطلاب بالرحلات التي سيقومون بها لزيارة الأقارب، أو تطلُّعهم إلى قضاء أيام في السهر حتى أوقات متأخرة والتسكُّع، يجدون صعوبةً في التركيز على العمل المدرسيِّ. ومع إدراك احتياج طلابي إلى مشاركة خططهم لقضاء الإجازة، أخصِّص بضعَ دقائق لمناقشة إجازاتنا القادمة. وبينما يستعرض الطلاب خططَهم، أشجِّعهم على أخذ الوقت الذي سيقرءون فيه بالاعتبار. تتيح هذه المحادثات سبْرَ أغوارِ عاداتِ القراءة لديهم؛ نتحدَّث حول مَن منهم يستطيع القراءة في السيارة، ومَن يُصاب بغثيان الحركة، ونَصِفُ تجاربنا مع القراءة في المطارات. يسرد علينا جيكوب خطتَه للقراءة طوال الليل تفصيلًا، وتثير مادي نوبةَ ضحكٍ بين زملائها في الفصل حين تكشف عن أنها تستخدم القراءة ﮐ «عذر» للهروب من أبناء عمومتها الرُّضَّع «المزعجين». وخلال اجتماعات القراءة، أضمن أن الجميع يستعير كتبًا لقراءتها خلال العطلة.

وبعد تأمُّل جداول العطلة واختيار الكتب، أسجِّل أنا وطلابي خططَنا للقراءة في دفاترنا، فنضع الأهدافَ ونتشاركها. إن تدوين هذه الخطط والتحدُّث عنها بعضنا مع بعضٍ يجعلانها ملموسةً وواقعيةً بالنسبة إلى طلابي. هكذا، ليست القراءة خلال الإجازات أمرًا يُحتَمَل أن نفعله، بل إن لدينا خططَ قراءة.

وعند عودة الطلاب من العطلة، نتحدَّث ونكتب عن إجازاتنا محتفين بالأحداث الكبرى واللحظات القصيرة التي نرغب في تذكُّرها. كذلك يتأمَّل الطلابُ خططَ القراءة التي وضعوها قبل العطلة، ويكتبون آراءَهم حول إنْ كانوا قد حقَّقوا أهدافَهم أم لا. هذه الآراء المكتوبة تجعل الطلابَ مسئولين عن متابَعةِ تنفيذ خطط القراءة خاصتهم، وتقدِّم معلومات مفيدة عن عاداتِ القراءة لدى الطلاب وتجاربِهم معها (انظر الشكل ٤-١).
fig25
شكل ٤-١: تأمُّل إنريكي لقراءته خلال إجازة عيد الشكر.

بعدما اطَّلعتُ على رأي إنريكي في تجربته مع القراءة خلال عطلة عيد الشكر، اتضح لي أنه لم يستمتع بالكتابين اللذين قرأهما؛ وفي اجتماعنا، اعترف بأنه اختار «عضات الصف الثامن» (وهو الكتاب الأول من سلسلة «سجلات فلاديمير تود» لهيثر برور) لأن صديقه رشَّحَها له، ولأن حبكة مصاصي الدماء قد أثارَتِ اهتمامه؛ وأما خياره الثاني للقراءة (وهو «ألفريد كروب: الجمجمة الثالثة عشرة» لريك يانسي)، فقد أصابه بالإحباط، أيضًا. وقد كتب إنريكي صفحةً إضافيةً عن سبب عدم إعجابه بهذا الكتاب! ونظرًا لأنه كان متحمِّسًا للكتب السابقة من سلسلة ألفريد كروب، عبَّر إنريكي عن رضاه عن إتمامه للثلاثية، على الرغم من أنه يشعر بأنها انتهَتْ فجأةً. وأثناء حديثنا معًا، رحنا نحتفي بإنجازات إنريكي؛ فقد قرأ خلال الإجازة، ووسَّعَ نطاقَ قراءاته، وجرَّبَ شيئًا جديدًا (كُتب مصاصي الدماء)، وانتهى من قراءة السلسلة التي بدأها. لاحظ إنريكي أن أطولَ خطابِ رأيٍ كتبه خلال العام كان عن الكتب التي بغضها، مُعرِبًا عن سهولة تحديدِ أسبابِ عدم حبِّه لكتابٍ ما مقارَنةً بتحديد أسبابِ حبِّه له.

وباستخدام رأيه المكتوب كأداةِ تخطيطٍ، اتفقنا أنا وإنريكي على ضرورة أن يعمل على تحديدِ ما يحبه في الكتب التي يستمتع بقراءتها؛ فزيادةُ وعْيِه بتفضيلاته سيساعده على اختياراتٍ أفضلَ للكتب، وزيادةِ انجذابه للقراءة.

(٣) أنواع خطط القراءة

في حين أن القرَّاء يضعون أهدافَ قراءةٍ طويلةَ المدى وقصيرةَ المدى على حدٍّ سواء، يمكننا تصنيف خطط القراءة في نوعين: خطط الالتزام التي تبني أساسًا قويًّا لعادات القراءة، وخطط التحدِّي التي توسِّع آفاقنا القِرَائية. يحتاج القراء الجامحون إلى المُداوَمة على سلوكيات القراءة لديهم، والاستمرار أيضًا في التطور.

(٣-١) خطط الالتزام

إن القراءة الجامحة تحتاج إلى الالتزام، وحسبما قال جون لينون: «الحياة هي ما يحدث أثناء انشغالك بوضعِ خططٍ أخرى.» فمن دون جهد وتخطيط واعٍ، قد يهجر القرَّاء الجامحون بسهولةٍ عاداتِ القراءة اليومية. لا بد أن يلتزم طلابنا بالقراءة، ويخطِّطوا لإجراءاتٍ تتعامل مع العقبات التي قد يواجهونها؛ فمن دون هذا الالتزام الشخصي بالقراءة، يظل الطلاب معتمِدين على قوًى خارجية تحفِّز مؤقتًا عادات القراءة لديهم، مثل توقُّعات الفصل المدرسيِّ فيما يتعلَّق بالقراءة. وحين نحذف هذه المحفِّزات، فإن الطلاب الذين لا يتحلَّوْن بدافع داخلي للقراءة قد يتوقَّفون عن القراءة.

(أ) إيجاد وقتٍ للقراءة كلَّ يوم

إن الطلاب الذين لا يقرءون بصفة منتظمة، لا ينمُّون أبدًا ولعًا بالقراءة، وهؤلاء الذين يقرءون فقط في المدرسة يظلون عرضةً للانقطاع عن القراءة إذا لم يهتموا بالقراءة في المنزل. وكما ذكرتُ في الفصل الأول، يجب على الطلاب تخصيصُ وقتٍ للقراءة، والالتزامُ بالقراءة لأكبر قدرٍ ممكن خارج المدرسة. ومساعدةُ الطلاب على تقييمِ خططهم، وتحديدِ الفرص، والالتزامِ بالقراءة، وتأمُّلِ نجاحهم في خطة القراءة هذه؛ تمدُّهم بالتقييم الذي يحتاجون إليه ليصبحوا قرَّاءً ملتزمين.

حين يلتزم الطلاب بالقراءة كلَّ يوم، فإنهم يشيرون إلى تحسُّنِ قدراتهم على القراءة، وزيادةِ انخراطهم فيها. شجِّعْ طلابَك على تأمُّل كيفية تحسين القراءة لديهم، وأكِّدْ لهم على أن جميع أهدافهم الأخرى المتعلِّقة بالقراءة تعتمد على التزامهم المنتظم.

(ب) زيادة معدل الانتهاء من قراءة الكتب

بالنسبة إلى الطلاب الذين يُواجِهون صعوباتٍ في الانتهاء من الكتب أو الالتزام بالقراءة، فإن تحديدَ أهداف صغيرة يساعدهم على تحقيقِ النجاح بسرعة، وجمْعِ عددٍ من تجارب القراءة الإيجابية التي تشجِّع على مزيدٍ من القراءة. رشِّحْ مجموعات القصص القصيرة العالية الفائدة مثل كتب «ويني» لديفيد لوبار، أو سلسلة «كتب للفِتْيَان» لجون شسكا؛ إذ تمدُّ قراءةُ القصص القصيرة الطلابَ بشعورٍ بالرضا ناتجٍ عن الانتهاء من قراءة القصة في وقتٍ أقل، وتُنمِّي الجَلَد. قدِّمْ كتبًا أقصر؛ مثل: «سارة فتاةٌ طويلة غير جميلة» لباتريشيا ماكلاكلان، أو «فتى الحديقة» لجاري بولسن، أو «ترحال» لجاكلين ودسون، تلك الكتب التي تتطلَّب وقتًا أقل من القرَّاء الناشئين بينما تعرِّفهم على مؤلِّفين غزيري الإنتاج يمكنهم قراءة كتبهم. وحين يختار الطلاب كتبًا أطول، تابِعْ معهم مرارًا لتحدِّد تقدُّمَهم في القراءة، ولتقدِّم دعمًا إيجابيًّا عند الانتهاءِ من قراءة الفصول، أو تحقيقِ الأهداف الخاصة بعدد الصفحات المطلوب قراءتها.

(ﺟ) النظر في عناوين أو كتبٍ، أو ألوانٍ أدبية، أو سلاسل معينة

إذا كان الطلاب يواجِهون مشكلةً في التفكير في الكتاب التالي الذي يقرءونه، فقدِّمْ بعضَ الأسئلة ليطرحوها على أنفسهم، تلك التي قد تثير الأفكار لديهم (انظرْ قسمَ النقاط النقاشية في موضع لاحق من هذا الفصل):
  • ما هي الكتب التي كنتَ تقرؤها؟

  • ما هي الكتب التي حازَتْ على انتباهك، والتي قد تحبُّ قراءتَها في المرة المقبلة؟

  • ما الذي تبحث عنه في الكتاب التالي الذي ستقرؤه؟ هل أنت في حالةِ عزوفٍ عن القراءة؟

  • كيف يمكنك أنْ تتحدَّى نفسك مع الكتاب التالي؟

من خلال تنحيةِ العناوين التي يرغبون في قراءتها، وتذكُّرِ تجاربهم مع القراءة، والتخطيطِ للتقدُّم إلى الأمام؛ يطوِّر الطلابُ مسيرتَهم مع القراءة.

(٣-٢) خطط التحدِّي

يحتاج القراءُ الجامحون إلى فُرَصٍ للتطور وتوسيع نطاق معرفتهم. يتذكَّر القراءُ الجامحون — مدفوعين برغباتهم الشخصية وحاجتهم المستمرة إلى إبقاء القراءة نشاطًا ممتعًا — حياةَ القراءة خاصتهم، ويتأمَّلون إنجازاتهم، ويبحثون عن طرقٍ لإضافة التحديات. إذا كنتَ تقرأ كثيرًا بالفعل، فكيف تُبقِي القراءةَ نشاطًا جذَّابًا ومنعشًا بالنسبة إليك؟ ما الكتب التي تقرؤها؟ كيف يستمر القرَّاءُ الجامحون في التطوُّر؟ إن تحديدَ أهدافٍ طموحة يضع أمام القراء الجامحين تحدياتٍ فرديةً تقدِّر ما وصلوا إليه والغايةَ التي يقصدونها. تتيح تحدياتُ القراءة لهم أن ينطلقوا بخيالهم نحو أكثر أحلام القراءة جموحًا، ويملئوا الثغراتِ في قائمة قراءاتهم، ويحفزوا أنفسهم.

ليست تحدياتُ القراءة بمنافسات بين قرَّاء أو مجموعاتٍ من القرَّاء؛ إذ على الرغم من أنه من الممكن أن يضع كثيرٌ من القراء الجامحين تحدياتٍ متشابهةً، فإن كلَّ قارئ متفرِّدٌ بذاته. يجب أن تتيح تحدياتُ القراءة للقراء الجامحين أكبرَ قدرٍ ممكن من الاستقلالية والإرادة الحرة؛ فالقراءُ الجامحون، الملتزمون بالفعل بالقراءة، يريدون فرصًا لاختيار أهدافهم الخاصة غير مُثقَلين بأعباءِ توقُّعات الآخَرين، أو الحدود التي يفرضونها عليهم.

عند العمل مع الطلاب الذين يحبون القراءةَ ويتمتعون بعادات القراءة المستمرة لمدى الحياة، قد يجد المعلِّمون صعوبةً في إظهارِ قدرٍ كافٍ من الصرامة. إن تعليم الطلاب كيفيةَ خلقِ تحدياتهم الخاصة فيما يتعلَّق بالقراءة يؤكِّد على أهمية القراءة لأهدافهم الخاصة، ويشجِّع هؤلاء الطلابَ على القراءةِ على نطاقٍ واسعٍ، وتحديدِ الجوانب التي تحتاج إلى التنمية، ودفْعِ أنفسهم لبلوغ أقصى قدراتهم في القراءة. إلى أي مدًى يمكن أن يصل القارئ النَّهِم إذا ما أُطلِق له العِنانُ للقراءة دون قيودٍ، وتوفَّرَ له الإرشادُ من قارئٍ أكثر اطِّلاعًا؟

(أ) تحدِّي نيردبيري

تعبِّر ميدالية نيوبيري، التي تمنحها الجمعيةُ الأمريكية للمكتبات سنويًّا (زُرْ موقعَ ميدالية نيوبيري واطَّلِعْ على الكتب الحائزة على الميدالية على: http://www.ala.org/alsc/awardgrants/bookmedia/newberrymedal/newberryhonors/newberrymedal) عن التقدير «لأكثر الإسهامات تميُّزًا في أدب الطفل الأمريكي». في يناير ٢٠١٢، أعلن خبيرَا أدبِ الطفل؛ جون شوماكر وكولبي شارب، عن تعهُّدِهما بقراءة كل الكتب الحائزة على ميدالية نيوبيري بالترتيب، بدايةً من الكتاب الذي فاز بها عام ١٩٢٢ «قصة البشرية» لهندريك ويلم فان لون. وأطلق كولبي وجون على هذه الخطة «تحدِّي نيردبيري»، وينشر كلٌّ منهما أسبوعيًّا على مدونته عن كل كتاب حائز على الميدالية، ويقصَّان تجاربهما بينما يعملان على تنفيذِ خططهما الطموحة للقراءة (مدوَّنة جون: http://mrschureads.blogspot.com/؛ ومدونة كولبي: http://sharpread.wordpress.com/). ونظرًا لأنني دائمًا ما أكون على استعدادٍ للمشاركة في كلِّ خطةِ قراءةٍ جديدة، قررتُ أن أنضمَّ إلى كولبي وجون في تحدِّي نيردبيري. لقد قرأتُ كثيرًا من الكتب الحائزة على ميدالية نيوبيري على مدار السنين — إذ بدأتُ قراءتَها وأنا طالبة في الصف الرابع أبحث عن كتبٍ جيدة لأقرأها، ثم مرةً أخرى حين بدأتُ عملي كمعلمةٍ — لكني كنتُ أعرف أنني تجنَّبْتُ أو أغفلتُ كثيرًا من هذه العناوين المهمة. لقد بحثتُ في قوائم جائزة نيوبيري، ودوَّنْتُ العناوينَ التي ما زلتُ في حاجةٍ إلى قراءتها (انظر الشكل ٤-٢)، وحمَّلْتُ روايةَ «قصة البشرية» والكتابَ الحائز على الميدالية عام ١٩٢٣ «رحلة الدكتور دوليتل» لهيو لوفتينج، على جهاز القارئ الإلكتروني كيندل.
fig26
شكل ٤-٢: قائمة الكتب الحائزة على ميدالية نيوبيري التي لم أقرأها بعدُ.

بعد عطلة الشتاء، قدَّمتُ لطلابي خلفيةً بسيطةً عن جائزة نيوبيري، وشاركتُ معهم قائمةَ كتبِ تحدِّي نيردبيري، وأعلنتُ عن خطةِ القراءة التي وضعتُها لنفسي قائلةً: «هذا العامَ، سأنضمُّ إلى صديقَيَّ السيد شارب والسيد شو في تحدِّي القراءة خاصتهما لقراءة كل الكتب الحائزة على جائزة ميدالية نيوبيري.» تفحَّصَتْ كريستينا قائمتي ثم قالت: «أَلَمْ يسبق لكِ أنْ قرأتِ «شيلوه» يا سيدة ميلر؟ لقد قرأتُها وأنا في الصف الرابع!»

فضحك جون قائلًا: «أَلَمْ تقرئي كلَّ كتبِ العالَم بعدُ؟»

فأوضحتُ قائلةً: «ليس مهمًّا مقدارُ ما قرأتُ، فلا تزال هناك كتبٌ أغفلتُ عنها أو تجاوزتُها، ولا تزال لديَّ خططُ قراءةٍ شخصية. إنَّ وضْعَ تحدياتِ قراءةٍ شخصية يُبقِي على إثارةِ القراءة، ويوسِّع آفاقي كقارئةٍ. كم منكم أغفل كتبًا يعرفها القراءُ الآخَرون؟»

صاح نيكو قائلًا: «أنا أيضًا لم أقرأ «شيلوه» من قبلُ!»

فتتوجَّه كريستينا إلى مكتبةِ الفصل وتلتقط نسختين من هذه القصة الكلاسيكية — التي يلعب فيها كلبٌ دورَ البطولة — للكاتبة فيليس رينولدز نيلور، وتضع واحدةً على مكتب نيكو، وتقدِّم الأخرى لي. نناقش أنا وطلابي تحدِّيات القراءة الشخصية لكلٍّ منَّا؛ إنَّ الإعلانَ عن خطط القراءة الخاصة بي ساعَدَ طلابي على إدراكِ أنَّ جميع القراء النَّهِمين في بحثٍ دائمٍ عن طرقٍ لتوسيعِ آفاقِ حيوات القراءة خاصتهم. حين نضع أنا وطلابي خططَ قراءةٍ، فإننا نؤكِّد بذلك على إحساسنا بالمسئولية إزاءَ القراءةِ وتكريس أنفسنا لها؛ وهكذا نزداد قوةً كقراء، ونستمر في الإبقاء على إثارة القراءة ومتعتها.

أقَرَّ طلابي في الصف السادس — وقد أثار تحدِّي نيردبيري اهتمامَهم — بأنهم قد قرءوا قليلًا من الكتب الحائزة على ميدالية نيوبيري. في حين أن العناوين التي تحظى بالثناء، مثل «ثقوب» للويس ساكر، و«عد النجوم» و«المانح» للويس لاوري، تظل محبوبةً، فإن طلابي أعربوا عن تجنُّبهم وإغفالهم كتبًا رائعة، مثل «ماجي المجنونة» لجيري سبينيلي. ومع تقديري حماسَ الطلاب غير المعتاد، جمعتُ أكبرَ عددٍ أمكنني جمعه من الكتب الفائزة بميدالية نيوبيري، ودعوتُ طلابي للمشاركة في تحدِّي نيوبيري الخاص بهم. اختار كلُّ طالبٍ ثلاثةَ كتب حائزة على ميدالية نيوبيري، ووضع كلٌّ لنفسه خطوطًا زمنيةً لقراءةِ وتقييمِ كلِّ كتاب. قدَّمَ الطلابُ نقدًا لاثنين من خياراتهم من كتب نيوبيري، ونشروا آراءَهم النقدية على مدوَّنة الفصل المدرسيِّ.

وتكليلًا لهذا الجهد، وصف الطلاب كلًّا من تجاربهم الإيجابية والسلبية خلال المشروع، واعترَفَ كثيرون باكتشافهم كتبًا جديدة ربما كانوا قد غفلوا عنها. حتى الطلاب الذين لم يُعجَبوا بالكتب التي اختاروها استكشفوا أذواقَهم في القراءة، ووسَّعوا نطاقَ تجاربهم مع القراءة.

لقد قلَّلَتْ روايةُ «قصة البشرية» من حماسي لتحدِّي نيردبيري؛ لا يسعني تخيُّل تقديمِ نصوصٍ تاريخية لطلابي تعبِّر عن مثل هذه الرُّؤَى الضيقة المتحيِّزة اليومَ. وبعد قراءة عددٍ من الكتب الجافة ذات النبرة الواعظة على التوالي، تخلَّيْتُ عن تحدِّي نيردبيري، وذلك قبل أن أصل إلى الكتب الحائزة على الميدالية في ثلاثينيات القرن العشرين. وبسبب إصرار كريستينا فقط، قرأتُ «شيلوه». واعترفتُ بإخفاقي لطلابي، وناقشنا أسبابَ فشلِ خططِ القراءة؛ وقد تمحورَتْ حول انعدامِ الدافع الداخلي، أو أننا نضع أهدافًا غير معقولة، أو حاجتنا إلى خططٍ أخرى. وشجَّعْتُ طلابي على تأمُّلِ التقدُّم الذي يُحْرِزونه في اتجاهِ تنفيذِ خططِ القراءة الخاصة بهم، وتدبُّرِ إنْ كانت أهدافهم لا تزال تلائِم قدراتهم الشخصية، وتلبِّي احتياجاتهم واهتماماتهم. إننا نتعلَّم من الخطط الفاشلة على قدمٍ سواء؛ الأمرُ الأهم هو أن نتطوَّر كقرَّاء، عازِمين على التحسُّن والنمو.

إن تحليلَ خططِ القراءة الخاصة بنا مع الطلاب يُظهِر أن جميع القرَّاء النَّهِمين يضعون أهدافًا شخصية تمدُّ آفاقَ حياةِ القراءة وتُثْرِيها؛ ومن خلال هذه المحادثات الصريحة حول أَوْجُه نجاحاتنا في القراءة وقصورنا فيها، نقلِّل الضغطَ الذي يشعر به الطلابُ إزاءَ ما يشعرون به من قصورٍ في القراءة، ونساعدهم على وضْعِ خططِ قراءةٍ شخصية سهلة التنفيذ.

(ب) تحدي كتاب كل يوم

أطلقتُ تحدِّيَ قراءةِ كتابٍ كلَّ يوم على مدوَّنة «الهامسون بالكتب» عام ٢٠٠٩، مدفوعةً بالكومة الهائلة من الكتب التي لم أقرأها بعدُ، وبسعادتي الغامرة حيال الفرصة التي ستسنح لي للقراءة خلال إجازة الصيف. إن التحدي بسيط، فقط اقرأْ كتابًا كلَّ يومٍ على مدار العطلة الصيفية. حين بدأتُ التحدي، كان إعلاني عن هدفي الجنوني على الإنترنت وسيلةً لتحمُّل مسئوليته؛ وعلى مدار السنوات، نما مجتمعٌ مزدهر قيامًا على تحدِّي كتاب كل يوم، ينشر أعضاؤه عناوينَ الكتب ويشاركونها طوالَ العام على موقع تويتر باستخدامِ وسم المربع (هاشتاج) #bookaday وينشرون عروضهم النقدية عبر موقع جودريدز والمدونات. إن تحدِّي كتاب كل يوم وسيلةٌ رائعة للالتقاءِ بقرَّاء نَهِمين آخَرين، واكتشافِ الكتب، وزيادةِ قدرتك على مزيدٍ من القراءة.
والقواعد الإرشادية لتحدِّي كتاب كل يوم بسيطة، أوردها فيما يلي:
  • اقرأْ كتابًا واحدًا في اليوم كلَّ يوم على مدار الإجازة. وذلك معدل متوسط؛ أيْ إذا قرأتَ ثلاثةَ كتبٍ في يوم واحد (وقد فعلتُ ذلك!) ولم تقرأ في اليومين التاليين، يدخل ذلك في الحسبان.

  • حدِّدْ تاريخَ البدء والانتهاء الخاص بك.

  • كلُّ الكتب مؤهَّلةٌ لدخول التحدِّي؛ الكتب المصوَّرة، وغير الروائية، والكتب المهنية، ومختارات الشعر، والروايات المصوَّرة، أو الروايات بصفة عامة؛ كتب البالغين والشباب. وقد قرَّرَتْ إحدى المشارِكات في العام الماضي أن تقرأ دوريةً متخصِّصةً في مجال عملها كلَّ يومٍ خلال عطلتها. أيًّا كانت نوعية القراءة التي تريد إنجازَها، فستتلاءَم مع خطتك لقراءة كتابٍ كلَّ يوم.

  • يحتفظ المشاركون بقائمةٍ للكتب التي يقرءونها ويشاركونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل: جودريدز، أو شيلفاري، أو عبر مدوَّنةٍ أو صفحةٍ على موقع فيسبوك، أو صفحةِ أخبارٍ على تويتر. ليس عليك أن تنشر عروضًا تقديمية، لكنْ بإمكانك أن تفعل ذلك إذا أردتَ؛ العناوين وحدها تكفي.

إن الإعلان عن خطتي للمشاركة في تحدِّي كتاب واحد في اليوم أمام طلابي الذين انتقلوا من فصلي؛ يشجِّع أيضًا كثيرين منهم على القراءة على مدار الإجازة الصيفية. إن نهاية العام الدراسيِّ لا تعني توقُّفَ حياةِ القراءة الخاصة بكلٍّ منَّا حتى سبتمبر التالي. وفي كل موسم خريف، أدخل إلى فصلي المدرسيِّ حاملةً حقائبَ ممتلئةً بالكتب الجديدة، وذكرى صيفٍ مليءٍ بلحظات القراءة؛ لأشاركهما مع طلابي الجدد. وبالنسبة إلى كلتا المجموعتين — الطلاب الذين انتقلوا من فصلي، والطلاب الجدد الذين التحقوا بفصلي — يبعث تحدِّي كتاب كل يوم رسالةً أخرى إضافيةً مُفادُها أنني لا أطلب منهم القراءةَ في حين أنني لا أقرأ، ويذكِّرهم بأن القراءة نشاط ترفيهي يستحقُّ الجهد.

(ﺟ) تحدِّي سد فجوات الكتب

إنني لم أنتهِ قطُّ من قراءة «مغامرات هاكلبيري فين» أو «موبي ديك»، وأفضِّل أن أقرأ «كبرياء وتحامُل» للمرة الخامسة. لا ينبغي لأيِّ شخصٍ يقرأ أن يعتذر عن تفضيلاته وتجاربه مع القراءة، لكننا نحن — القرَّاء الجامحين — نطمح إلى توسيعِ آفاقنا، أو تعويضِ ما نحسُّه من نواقص في حيوات القراءة خاصتنا. خلال الدردشة مع أصدقائي القرَّاء، نعترف بثغراتنا في القراءة؛ تلك الكتب التي نتجنَّبها، أو العناوين التي لم نقرأها على الرغم من شعبيتها أو المديحِ الذي حظيَتْ به. وحتى أكثر القرَّاء نَهَمًا وانفتاحًا يعترفون بتجاهُلهم كتبًا حائزةً على جوائز، وتجنُّبِ قراءةِ ألوانٍ أدبية معينة، أو تأجيلِ قراءةِ كتبٍ لوقتٍ طويل جدًّا، حتى إنهم لم يقرءوها بعدُ.

تتَّضِح فجوةُ الكتب خاصتي من رفوف الكتب التي تئِنُّ من ثقل تحمله. إنني أعاني من مشاكل في الالتزام بقراءة السلاسل، ومع كوني مُحِبَّةً مُخلِصةً لكتب الفانتازيا والخيال العلمي، لا أستطيع مواكَبةَ سيل الكتب التسلسلية الذي لا ينتهي. أرى كُتُبَ «بيتربلو» و«متمردة» و«لحم وعظام» و«مارك أثينا» تحدِّق فيَّ من أقرب خزانةِ كتبٍ لي. بدأتُ قراءةَ «فروي: فتى المنفى» الكتاب الثاني في سلسلة «تاريخ لوماتير» للكاتبة ميلينا ماركيتا، منذ أربعة أشهر، وها هو الكتاب قابعٌ على المنضدة الواقعة بجانب السرير في إهمال؛ لم أنتهِ منه ولم أنبذه تمامًا. وقد احتلَّ كتاب ماجي ستيفاتر «للأبد» موضعًا مشابهًا العامَ الماضي. كنتُ قد قرأتُ كتابها الجديد (الذي لم يكن جزءًا من سلسلةٍ لحُسْن الحظ) «سباقات العقارب» ثلاث مرات، إلا أنني استغرقتُ ستةَ أشهر للانتهاء من ثلاثية «ميرسي فولز»، وبدلًا من الانتهاء من قراءة السلسلة، أبدأ في قراءة سلاسل جديدة بلا نهاية. لقد قرأت «الفتيان الغربان» و«الكهنة» و«ظِلٌّ وعظام»، وكلٌّ مِن هذه الكتب بدايةٌ لسلسلة فانتازيا جديدة. وهذا العام، عزمتُ على قراءةِ مزيدٍ من الكتب المتمِّمة للسلاسل، والالتزامِ بالانتهاء من الخطوط السردية التي بدأتُها.

فما هي ثغرات الكتب لديك؟ افتحْ محادثاتٍ مع طلابك حول الكتب التي تتجنَّبُها، أو التي لطالما أردتَ قراءتها، أو التي لم تنتهِ منها. سواء أكنتَ تتلافى روايات الخيال العلمي، أم لم تقرأ «أوراق العشب» لوالت ويتمان قطُّ، أم لم تقرأ بعدُ سيرةَ حياة أبراهام لينكولن التي اشتريتها الصيف الماضي، جميعنا يواجه تحديات في القراءة؛ أخبرْ طلابك بسبب أهميةِ سدِّ ثغراتِ الكتب لديك، وشجِّعْهم على تأمُّل ثغراتهم الخاصة.

في الفصل المدرسيِّ حيث نقرأ جميعًا ونتحدَّث عن الكتب ونقدِّم ترشيحات الكتب، يعترف طلابي أنهم يشعرون بالارتباك من كمِّ الكتب الهائل الذي يرغبون في قراءته، وغالبًا ما يعتقدون أنهم يغفلون عن كتب رائعة يعرفها القرَّاء الآخرون. قليلٌ من الطلاب يعترفون أنهم يتجنَّبون عناوينَ مشهورة، مثل «مباريات الجوع» و«هاري بوتر»؛ لأن كل الناس تقرؤها، وبعد فترةٍ يشعرون بأن فرصة قراءة هذه الكتب لم تَعُدْ متاحةً.

بالنسبة إلى طلابنا، بعضُ الكتب تلائِم مراحلَ التطور أو الاهتمامات، فإذا لم يقرأ الطلابُ كتابَ «فريندل» لأندرو كليمنت، أو «بسبب وين ديكسي» لكيت ديكاميلو، أو «شبكة شارلوت العنكبوتية» لإي بي وايت بحلول نهاية المدرسة الابتدائية؛ فإنهم — على الأرجح — لن يقرءوها أبدًا. ادعُ طلابَك إلى مشاركة الكتب التي تعهَّدوا بقراءتها، وضَعْ قوائمَ على الموقع الإلكتروني للفصل ومدوَّنته، أو اعرضْ هذه العناوينَ أمام طلابك في الفصل، وشجِّعْ طلابَك على ذِكْر أسبابِ اعتقادهم في أنه يجب قراءة هذه الكتب. وخلال اللقاءات النقاشية، اسأل الطلاب عن ثغرات الكتب لديهم، وساعِدْهم في إيجاد هذه الكتب. إن خططَ القراءة يمكن أن تُعِيدنا إلى الوراء مثلما تأخذنا إلى الأمام بينما نواصِلُ رحلتَنا مع القراءة.

(٤) نقاط نقاشية

خلال المناقشات التي تدور في الفصل المدرسيِّ واللقاءات النقاشية حول القراءة، أناقش مع طلابي الكتبَ التي يعكفون على قراءتها في الوقت الجاري، لكنني غالبًا ما أرشدهم إلى ما يمكنهم قراءته بعد ذلك. كيف يمكن لتجارب الطلاب واهتماماتهم وأهدافهم المتعلقة بالقراءة أن تقودهم إلى الكتاب التالي، ثم الذي يليه؟ كيف يستطيع القرَّاء غير المتحمِّسين وضْعَ خططِ قراءةٍ تبني لديهم الزخمَ، وتزيد انخراطَهم في القراءة؟ كيف يستطيع الطلابُ ذوو العادات والتفضيلات القوية في القراءةِ الاستمرارَ في التطوُّر؟

(٤-١) قراءة سلاسل الكتب

إن الكتب المسلسلة التي تقوم على نفس الشخصيات أو الأحداث أو الموضوعات تروق لكثيرٍ من القراء. إذا سألتَ القراءَ البالغين عن الكتب التي أحبُّوها في طفولتهم، فستجد أن معظمهم يستطيع الإشارةَ إلى سلسلةٍ منها. لقد قضيتُ الجانبَ الأعظم من طفولتي أقرأ كتبًا مسلسلة، فقد قرأتُ كتبَ «هنري هاجينز» و«إنسايكلوبيديا براون» لبيفرلي كليري. وبسبب البرامج التليفزيونية الشهيرة، جمعتُ وقرأتُ سلاسلَ «نانسي درو» و«الفَتَيَان الشجاعان»، وكتب «المنزل الصغير» للورا إنجالز وايلدر. وفي مراهقتي، خبَّأْتُ سلسلةَ كتبِ عائلةِ «دولانجانجر» الغربية الأطوار للكاتبة في سي أندروز في خزانة ملابسي. لم تكن أمي تقلق كثيرًا بشأن ما كنتُ أقرؤه، لكني كنت أعرف أنها سترفض قراءتي لكتابٍ يتطرَّق لموضوعاتٍ مثل العلاقات المحرَّمة بين الأقارب، والقتل بسمِّ الزرنيخ.

وقرأت مذكرات جيمس هيريوت عن حياته كطبيبٍ بيطريٍّ في الريف، وكان ذلك أحد اهتماماتي المبكرة. أما دون، فكان يقرأ الكتب الهزلية المصوَّرة، مدَّخِرًا مصروفه لشراء أحدث كتب «الرجال إكس»، و«الأربعة الخارقون»، و«الرجل العنكبوت». قرأنا «رجل الرمال» لنيل جايمان ونحن لا نزال حديثَيِ الزواج، وقرأَتِ ابنتانا سيليست وسارة عددًا لا يُحصَى من كتب «بيت الشجرة السحري» وسلسلة كتب «فدج» لجودي بلوم حين كانتا أصغر سنًّا. وتقرأ سارة «لوك والمفتاح» وسلاسل الخيال العلمي الديسيوتوبية المفضَّلة لديها، مثل «المختلفة» لفيرونيكا روث، و«اقتران» لآلي كوندي هذه الأيام، ولا تزال تواكِبُ السلاسلَ المستمرة التي اكتشفَتْها في صِغَرِها؛ حيث تطلب كتبَ سلاسل «الفأر الطفل» و«الألعاب الأوليمبية» لجورج أوكونر حين تظهر إصداراتٌ جديدةٌ.

يحب طلابي سلاسلَ الكتب أيضًا، ويعبِّر بعضُ المعلمين والآباء عن قلقهم حين يقصر الطلابُ قراءاتِهم على الكتب المسلسلة؛ لأنهم يعتقدون أن الأطفال لا ينوِّعون قراءاتِهم إلى الحد الكافي، لكن سلاسل الكتب تفيد القراءَ وتمدُّهم بدروبٍ لعاداتِ قراءةٍ مستقلة تدوم لمدى الحياة (كراشين، ٢٠٠٤). وعندما يكون نصفُ الأطفال في فصلك عاكفين على قراءة «يوميات فتًى ضعيف» أو كتب «٣٩ دليلًا»، قد تتساءل إنْ كانوا سيتوقَّفون يومًا عن قراءة هذه الكتب ويقرءون شيئًا آخَر، لكنْ عليك تأمُّل الفائدة التي يمكن أن تقدِّمها قراءةُ سلاسلِ الكتب.

تمدُّ قراءةُ سلاسل الكتب الطلابَ بخططِ التزامٍ وخططِ تحدٍّ، وفقًا لاحتياجات القراء واهتماماتهم؛ إنها تشكِّل دعامةً للطلاب الذين يفتقرون إلى الثقة، أو الذين يعجزون عن متابَعةِ خططِ القراءة خاصتهم، وتمنح القراءَ إحساسًا بالألفة؛ ومن ثَمَّ تقلُّ احتمالاتُ أنْ يئول الحالُ بالطلاب إلى التعثُّر في خياراتِ الكتب غير الموفَّقة، أو هَجْر الكتب التي لم تَرُقْ لهم. لكنْ نظرًا لاندماجهم مع نفس الشخصيات والحبكة الروائية، ينمو لدى الطلاب ولعٌ بسلاسل الكتب التي توطِّد الروابطَ بالقراءة بصفةٍ عامةٍ. إن الطلاب الذين يقرءون السلاسلَ يبدءون كلَّ كتابٍ آخَر في السلسلة بخلفيةٍ معرفيةٍ من الأجزاء السابقة، وبينما يواصِلُ الطلابُ قراءةَ السلسلة يتحسَّن فَهْمُهم؛ ما يزيد من ثقتهم واستمتاعهم بالقراءة.

بالنسبة إلى الطلاب الشغوفين بالقراءة، يمنح إتمامُ سلسلةٍ كاملةٍ هؤلاء القراءَ الجامحين إحساسًا بالإنجاز ويشكِّل الخبرةَ، فالطلابُ الذين يقرءون سلسلةَ «بيرسي جاكسون» الكاملةَ، أو كل روايات «بون» المصوَّرة، يصبحون قرَّاءً مركزيِّين لهذه السلسلة، ويقدِّمون دعمًا للطلاب الآخَرين الذين قد يُظهِرون اهتمامًا بسلسلةٍ بعينها، أو يرغبون في معرفةِ مزيدٍ من المعلومات عنها. وهذه الخبرةُ تساعد المعلمين وأمناء المكتبات الذين قد يجدون مشقَّةً في قراءةِ كلِّ كتابٍ من كل سلسلة لكي يواكِبوا اهتمامات طلابهم. وتوجيهُ الطلاب إلى خبراء السلاسل هؤلاء في الفصل المدرسيِّ يبني العلاقاتِ القائمةَ على القراءة بين الطلاب، ويذكِّرهم بأن كل فرد منهم ليس خبيرَ القراءة الوحيد في الفصل.

لقد ساعدَتْ خبرةُ نيكو مع سلسلة «ألكس رايدر» لأنتوني هورويتس على انتشار السلسلة بين طلاب الفصل. وعلى الرغم من أنني قرأتُ أولَ كتابين من السلسلة؛ «ستورم بريكر» و«بوينت بلانك»، فإنني لم أواصِل قراءةَ باقي كتب السلسلة، وكثيرًا ما كنتُ أرشِّح السلسلةَ للطلاب، خاصةً الفِتْيَان الذين يبحثون عن كتبٍ عن المغامرات والخيال العلمي، وبعد ترشيح السلسلة لقارئٍ ما، دائمًا ما كنتُ أُتبِع ذلك بأنْ أقترح على الطالب أن يتحدَّث مع نيكو عن السلسلة. وعلى مدار السنة، اندفع كلٌّ من كاميرون وأنتوني، وأنتوني وإنريكي، وجون وبليك إلى قراءةِ كتبِ ألكس رايدر؛ بسبب ذلك التعاون بيني وبين نيكو وأنتوني هورويتس.

وعند النقاش مع الطلاب الذين لا يستطيعون دومًا اختيارَ الكتب التي يستمتعون بها بأنفسهم، أو يتعثَّرون بين الكتب، أو لا يبدو عليهم الشغفُ بالقراءة؛ يصبح ترشيحُ السلاسل استراتيجيتي الاحتياطيةَ، فأبحث عن السلاسل القصيرة التي تتضمَّن كثيرًا من الأحداث أو الشخصيات الجذَّابة. وفي حين أن كلَّ كتابٍ يُنشَر هذه الأيام يبدو جزءًا من سلسلة ملحمية أخرى، فأني لا أرشِّح عادةً سلاسلَ الفانتازيا الطويلة مثل «إيراجون» لطلابي غير المتحمِّسين للقراءة؛ لأن طولَها البالغ وتعقيدَ عالَمِها الروائي يصيبانهم بالإحباط. إن قراءة السلاسل تقدِّم لنا خطةَ قراءة رائعة تقلِّل الضغطَ الناتج عن البحث المستمر عن كتابٍ آخَر. بإمكانك العثور على السلاسل المفضَّلة لدى طلابي في الملحق «ﻫ». وقد أوردتُ بعضًا من السلاسل التي يمكن الاعتماد عليها، المُفضَّلة لديَّ في المربع التالي:

قائمة بسلاسل الكتب المُثلَى

«ألكس رايدر» لأنتوني هورويتس.

«أميوليت» لكازو كيبويشي.

«صبي في الحرب» لهاري ميزر.

«سيرك الغرباء» لدارِن شان.

«العصبة» لليزي هاريسون.

«يوميات فتًى ضعيف» لجيف كيني.

«كُتُب للفِتْيَان» لجون شسكا.

«الألعاب الأوليمبية» لجورج أوكونر.

«مطارِدو العواصف» لرولاند سميث.

«احتيال» لجوردون كورمان.

«ويني» لديفيد لوبار.

(٤-٢) قرارات القراءة

fig27
شكل ٤-٣: قرارات الطلاب بشأن القراءة.
عند العودة من عطلة الشتاء، يتأمَّل الطلابُ عاداتِ القراءة لديهم على مدار العام الماضي، ويحتفون بتطوُّرهم كقراءٍ، ويضعون أهدافَ قراءةٍ للعام الجديد؛ فنناقش إنجازات القراءة التي حقَّقْناها، ونحدِّد الجوانبَ التي تحتاج إلى تحسينٍ بينما أشجِّعهم على وضع خططٍ معتدلة. يسجِّل كلُّ طالبٍ قرارَه المتعلِّق بالقراءة على قطعةِ ورقٍ ملوَّنة، ثم يُطلِع بعضُنا بعضًا على قراراتنا (انظر الشكل ٤-٣). يتعهَّد إيثان وكيسي بالقراءة بقدرٍ أكبر في المنزل، وتخطِّط إيما وبراين لقراءةِ مزيدٍ من الشعر — وهو لون أدبي يتجنَّبان قراءته بطبيعة الحال — ويقرِّر أندريه القراءةَ أكثر مع أخيه الصغير.

نعرض قراراتنا بشأن القراءة في الفصل المدرسي، ونتأمَّل من حينٍ لآخَر التقدُّمَ الذي نُحرِزه باتجاه هذه الخطط. إن وضع أهداف القراءة للسنة التقويمية القادمة، بدلًا من وضعها لفصلٍ دراسيٍّ واحد أو للعام الدراسيِّ، يُرسِل لطلابي رسالةً مُفادُها أن حياة القراءة الشخصية لكلٍّ منهم تمتدُّ لما وراء الفصل المدرسيِّ، وتستمر في المستقبل.

(٤-٣) بدء القراءة الصيفية

تشير الأبحاث التي تُجرَى على القراءة إلى أن كثيرًا من قدرات القراءة لدى الأطفال تتقلَّص ما بين نهاية عام دراسيٍّ وبداية العام الذي يليه. يستطيع طلاب الصف السادس لديَّ أن يخبروك بسببِ حدوثِ ذلك؛ أنهم لا يقرءون كثيرًا على مدار الصيف. وبإمكان الطلاب تعويض هذا الركود الصيفي في القراءة من خلال قراءةِ قليلٍ من الكتب، نحو أربعة أو خمسة كتب، على مدار العطلة الصيفية (كيم، ٢٠٠٦). بالطبع، نحن نحبُّ أنْ يقرأ أطفالُنا أكثرَ من هذا العدد الضئيل من الكتب، لكنها بداية. تأمَّلِ الاقتراحاتِ التاليةَ لبدء مبادرةِ قراءةٍ خلال الصيف في مدرستك:
  • «توفير فرصٍ كثيرةٍ للطلاب لترشيح الكتب»: علِّقِ الترشيحات على الحوائط في الردهات وفي المكتبة. قدِّمْ إعلاناتِ الكتب عبر الإذاعات والنشرات المدرسية. اعرضِ القوائم التي وضعها الطلابُ أو النشرات الصوتية (بودكاست) على الموقع الإلكتروني للمدرسة. إنَّ مناقشةَ الكتب التي قد يقرؤها الطلاب خلال العطلة الصيفية تبعث لهم برسالةٍ مغزاها أن المعلم يتوقَّع منهم أن يقرءوا، ويرشِّح لهم عناوينَ كتبٍ يأخذونها في الاعتبار.

  • «تشجيع الأطفال على وضع قوائم بخمسة كتب على الأقل قد يحبون قراءتها»: فوضعُ أهدافٍ ترمي إلى قراءةِ قليلٍ من الكتب — على الأقل — يزوِّد الطلابَ خلال العطلة الصيفية بخطةِ قراءةٍ وبعضِ العناوين المحدَّدة التي اختاروها بأنفسهم للقراءة. أَعِرِ الطلابَ كتبًا من مكتبة المدرسة أو الفصل، إذا استطعتَ فعل ذلك. وكما سبق أنْ ذكرتُ في الفصل الثالث، تمثِّل مكتباتُ الفصول المدرسية والمدارس المصدرَ الوحيد للحصول على الكتب بالنسبة إلى كثيرٍ من الطلاب. فكِّرْ في الكيفية التي سيعثر بها الطلابُ على الكتب خلال عطلة الصيف عندما تغلق المدرسة.

  • «تنظيم فاعليةٍ لتبادُل الكتب»: ادعُ الطلابَ إلى التبرُّع بكتبهم القديمة في مقابل تذاكر لحضور الفاعلية. وفي أثنائها، قد يختار الطلاب كتابًا آخَر مقابل كل تذكرة يحملونها. منذ سنوات عديدة ونحن نعقد فاعليةً لتبادُل الكتب في الأحد الأخير من انتهاء العام الدراسيِّ؛ إذ يتبرَّع المعلِّمون وأمين المكتبة بمجموعاتٍ شخصية أو مجموعاتِ كتبٍ خاصة بالفصل أيضًا، وغالبًا ما يتبرَّعون بتذاكرهم للأطفال الذين لا يملكون كتبًا، وإذا تبقَّتْ لديك كتبٌ زائدة عن الحاجة عند نهاية فاعلية تبادُل الكتب، فابحثْ عن جمعية خيرية محلية أو مستشفًى أو مؤسسة للأطفال يمكن أن تستفيد بالكتب.

  • «استضافة حفل اشتراك في المكتبة»: يشكِّل أمناءُ المكتبات موردًا رائعًا للأطفال الذين يحتاجون إلى ترشيحات كتب. يقدِّم كثيرٌ من المكتبات العامة برامجَ قراءةٍ صيفية، وينظِّم زياراتِ المؤلِّفين للمكتبات، ومناسباتٍ أخرى لإغراء الأطفال بالقراءة أكثر خلال عطلة الصيف. ادعُ أمناءَ المكتبات أو متطوِّعين من المكتبة العامة لحضور أحد اجتماعات رابطة الآباء والمعلمين، أو إحدى الزيارات المفتوحة لشرح البرامج الصيفية للمكتبة. شجِّعِ العائلات على الاشتراك في عضوية المكتبة.

  • «نصْح الآباء بتخصيص وقتٍ للقراءة اليومية، وتشجيع الأطفال على حزْمِ الكتب ضمن أمتعة الرحلات، أو اصطحابها عند قضاء المشاوير»: إن القراءة لثلاثين دقيقةً يوميًّا تحافظ على نمو مفردات الطلاب وقدراتهم على القراءة خلال العطلة الصيفية، ويمكن أن يكون نشاطًا رائعًا خلال الأيام الممطرة، أو خلال الخروج لقضاء احتياجات الأسرة، أو أوقات الانتظار الطويلة في السيارة أو المطار أثناء الرحلات الصيفية.

إن العطلة الصيفية توفِّر للقراء الجامحين وقتًا ومساحةً لاستكشاف هواياتهم التي تمثِّل لهم شغفًا، بعدما تحرَّروا من واجبات القراءة التي تكلِّفهم بها المدرسة. فمتى إذن يستطيعون التهامَ سلسلةِ «هاري بوتر» بالكامل من البداية إلى النهاية، أو إشباعَ هَوَسِهم بالألغاز، إنْ لم يكن أثناءَ الإجازة الصيفية؟ وفي حين أنه من الصعب أن نراقِب أو أن نطلب مراقَبةَ نشاطِ القراءة لدى الطلاب خلال الصيف، يجب علينا أن نؤكِّد للطلاب وآبائهم على ضرورة الاستمرار في القراءة خلال الصيف، وإلا فسيفقد الطلابُ المكاسِبَ التي حقَّقوها خلال العام الدراسيِّ. ابحثْ عن طُرُقٍ لضمِّ الآباء والأطفال لمبادرات القراءة الصيفية التي تُطلِقها، وستحصل على مزيدٍ من الموافقة والحماس للمشاركة.

(٥) تتبُّع حياة القراءة

في إطار مساعدة الطلاب في تخطيط قراءاتهم المستقبلية، نتأمَّل أنا وسوزي الكيفية التي يتابع بها القراء الجامحون الكتبَ التي قد يحبون قراءتها، ويضعون أهدافًا للقراءة المستقبلية. إن تشجيع الطلاب على تحمُّل مسئولية قراءاتهم المستقبلية يقلِّل من اعتمادهم على المعلمين والآباء في تحديد متى وأين وما سيقرءونه. كما أن تسلُّح الطلاب بخطة وأهداف قراءةٍ يمدُّهم بشعورٍ من التمكين والثقة.

يحتفظ الطلاب داخل دفتر ملاحظات القارئ بقائمة مستمرة بالكتب التي يخطِّطون لقراءتها، باستخدام نموذج قائمة الكتب المخطَّط لقراءتها الخاص بكلٍّ منهم. تجمع هذه القائمةُ العناوينَ التي يكتشفها الطلابُ من خلال إعلانات الكتب، والمحادثاتِ مع الأصدقاء، واللقاءاتِ النقاشيةَ حول القراءة، ومجموعاتِ الكتب المخصَّصة للمعاينة، وزياراتِ المكتبات. يستخدم الطلاب قوائمَهم الخاصة كأداةٍ لتحديد الأهداف، ويرجعون إليها في الغالب عند التفكير في الكتاب الذي سيقرءونه فيما بعدُ. أصطحب أنا وطلابي قوائمنا أثناء الزيارات الأسبوعية للمكتبة؛ إذ يضمن جلْبُ هذه القوائم معنا إلى المكتبة أن تكون زياراتُ المكتبة مخطَّطة وهادفة، فبتزوُّد الطلاب بقوائم الكتب الشخصية هذه، يقلُّ الوقت الذي يقضونه في التجوُّل في المكتبة على غير هدًى، أو التزاحم على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمكتبة. ونركِّز أنا وسوزان وأمينة مكتبة المدرسة جهودَنا على مساعدة الطلاب الذي لا يستطيعون العثورَ على كتابٍ بعينه، أو يحتاجون إلى نصيحةٍ إضافية، فالطلابُ يشعرون بقدرٍ أكبر من المسئولية إزاء الكتب التي يختارونها بأنفسهم؛ ذلك لأن الكتب الموجودة على قائمة الكتب المخطَّط لقراءتها خاصتهم تمثِّل خياراتهم.

إن الاحتفاظ بقوائم الكتب المخطَّط لقراءتها يمدُّ الطلابَ بخطةِ قراءةٍ تدعم الاستقلالية، فعندما أتناقش مع طلابي الذين يبحثون عن كتابٍ ما، أخبرهم أن يعودوا إلى قائمة الكتب المخطَّط لقراءتها الخاصة بكلٍّ منهم، وأشجِّعهم على اختيارٍ يلبِّي احتياجاتهم، ويحقِّق أهدافهم. أرغب في أن يقلَّ اعتمادُ طلابي بمرور الوقت على ترشيحاتي، وأن تزيد ثقتُهم بأنفسهم. وبعيدًا عن المدرسة، يستطيع الطلابُ استخدامَ قوائمهم عند زيارة المكتبة العامة أو متاجر بيع الكتب. لقد مررنا جميعًا بتجربة العجز عن تذكُّر اسمِ كتابٍ نرغب في شرائه أثناء زيارة متجر الكتب؛ ومن ثَمَّ فإن حملَ قائمةٍ يذكِّرنا.

•••

يضع القراء الجامحون خططَهم الخاصة للقراءة، ويحدِّدون أهدافًا معقولة لتنفيذها. إنهم يقرءون لغاياتهم الخاصة، ويتأمَّلون تجاربَ القراءة الخاصة بهم، ويضعون أهدافًا توسِّع آفاقَ حياةِ القراءة الخاصة بكلٍّ منهم وتدعمها. إن الطلاب الذين يضعون أهدافَ القراءة المستقلة الخاصة بهم يحملون على عاتقهم مسئوليةَ قراءاتهم خارج حدود المدرسة، ويطوِّرون حسَّ كفاءةٍ ذاتيةٍ وحماسًا لا يعتمدان على توقُّعاتِ أو إرشاداتِ المعلمين أو برامج القراءة التي تضعها المدرسة. إن الطلاب الذين يضعون خططَ قراءةٍ — وهم مدفوعون باحتياجاتهم التي يحدِّدونها بأنفسهم — يصبحون قرَّاءً مستقلِّين قادرين على تحقيق احتياجاتهم الذاتية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤