تصدير

يطيب لي أن أضع هذه المقدمة للطبعة العربية لكتاب «العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية». تعتمد الصيغة النظرية للعلاج المعرفي على أساس تجريبي شديد الرسوخ. وقد صُمِّم النموذج المعرفي العام المستمد من النظرية بحيث يلائم الخصائص المميزة لقطاع عريض من الاضطرابات النفسية الخاصة بالمحور I، II.١ وجاء عدد كبير من الدراسات الخاصة بالنتائج العلاجية مؤيدًا لفعالية العلاج المعرفي في علاج اضطرابات المحور I.
وقد دلَّت أحدث الدراسات المنضبطة للنتائج العلاجية على فعالية العلاج المعرفي، سواء كان مقترنًا بالأدوية أم لم يكن، في علاج الاضطرابات الأكثر استعصاءً وشدة مثل الاكتئاب المزمن الشديد والاضطراب ثنائي القطبية٢ وفقدان الشهية العصبي والفصام العقلي وزُملات التعب المزمن وإساءة استخدام المواد المخدرة. وإنني أعتزم في مقبل الأيام أن أقوم بإلقاء الضوء بشكلٍ خاص على مداخل معرفية جديدة لتناول مرض الفصام العقلي.
لقد آن لنا أن نستشرف الألفية الجديدة لنرى كيف يمكن للعلاج المعرفي أن يفي على خير وجه بالاحتياجات المتجددة للمرضى وللمستفيدين بنظام التأمين الصحي. إنني أتوقع في المستقبل ظهور علاج نفسي واسع النطاق يمكن أن يطوَّر ليستوعب المجال العريض من المشكلات النفسية لدى المرضى النفسيين والجسميين. وأتصور، تمشيًا مع المتغيرات التي طرأت على طرق تقديم الخدمات الصحية، أن المهام التي يُعهَد بها إلى المعالجين سوف يتم تحديدها بحسب مستوى خبرتهم ومهاراتهم المتخصصة؛ فالمعالجون الأقل خبرةً ومهارة سوف يقومون على الأرجح بعلاج الصنف العادي البسيط من الاضطرابات علاجًا قصير الأمد (يستغرق ما بين ثلاث زيارات علاجية واثنتي عشرة زيارة)، بينما يضطلع المعالجون الأكثر مهارة بتناول الاضطرابات المستعصية من اضطرابات المحور I، II، وذلك في علاجٍ أطول أمدًا توزَّع فيه الزيارات العلاجية على امتداد فترة زمنية أطول مما هو معتاد في الوقت الراهن.

سيعمل المعالجون النفسيون أيضًا كأعضاء فريق مع أطباء الرعاية الأولية؛ بحيث يكون كل معالج مسئولًا عن فحص عموم المرضى للكشف عن المشكلات الطبنفسية. وحيث إن أربعين إلى خمسين بالمائة من مرضى طب العائلة يعانون بدرجة أو بأخرى من الاكتئاب؛ فإن هذه المشكلات سوف يتناولها معالج الرعاية الأولية. كذلك سوف يشارك المعالجون النفسيون في «الخطة العلاجية» لاضطراباتٍ من قبيل مرض السكر وضغط الدم وآلام أسفل الظهر والربو الشعبي.

ومع دخولنا القرن الحادي والعشرين فإن فرصًا أوفر سوف تكون متاحة أمام المعالجين ذوي الخبرة والتدريب العاليَين. وسوف يعتمد الترخيص للمعالجين في المستقبل بمزاولة العلاج على مدى كفاءتهم في التعامل مع المرضى. وهو ما يعني أنهم لن يُعهَد إليهم بعلاج مرضى إلا بقدر مهارتهم العلاجية النفسية العامة، وكذلك لمهارتهم العلاجية الأكثر تخصصًا ودقة.

دعوني أعرب لكم مرة ثانية عن بالغ سعادتي بأن تكون لدينا طبعة عربية لكتاب «العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية» متاحة للممارسين المهتمين بالمدخل المعرفي؛ فإنني على إدراك واضح بأن العلاج المعرفي ينسجم كل الانسجام مع المفاهيم الخاصة بالمرض النفسي في البلاد العربية. ومن المؤمَّل أن تيسِّر هذه الترجمة استخدامه مع أولئك الذين يعانون من الاكتئاب والقلق والاضطرابات الأخرى.

أرون. ت. بِك
أستاذ الطب النفسي
جامعة بنسلفانيا
فيلادلفيا/الولايات المتحدة الأمريكية
١٩ / ٨ / ١٩٩٩م
١  محوران من المحاور الخمسة التي يشتمل عليها التصنيف الأمريكي للأمراض النفسية كما يمثله «الدليل التشخيصي والإحصائي DSM». يختص المحور I بالاضطرابات الإكلينيكية، ويختص المحور II باضطرابات الشخصية والتخلف العقلي. (المترجم)
٢  هو ما كان يسمَّى في السابق «الهوس الاكتئابي». (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤