الفصل الأول

الجامع الطولوني

الجامع الطولوني هو الثالث في ترتيب المساجد الجامِعة١ التي أُقيمتْ فيها صلاة الجمعة في مصر بعد الفتح، بناه الأمير أحمد بن طولون على جبل يشكر في الجهة الجنوبية من القاهرة بينها وبين الفسطاط في حي السيدة زينب الآن، وهو أقدم مساجد مصر بلا نزاع، بل أقدم آثارها العربية بعد مقياس النيل بجزيرة الروضة.٢ وإليه يؤدِّي طريقان:
  • الطريق الأول: يُسلَك إليه من ميدان المشهد الزينبي فشارع مراسينا حتى مسجد صرغتمش بأول الصليبة حيث يُوجَد بجانب الوجهة القِبْلية من هذا المسجد سُلَّمٌ يوصل إلى الباب الغربي لمسجد ابن طولون، وإذا جاوز القادم من هذا الطريق جامع صرغتمش وجد ساحة كبيرة تخلَّفتْ من هدم طائفة من المنازل كانتْ تحجب واجهة الجامع البحرية بينه وبين الحارة التي كانتْ تُعرَف ببئر الوطاويط،٣ وفي النهاية الشرقية من هذه الساحة عطفة يُسلَك منها إلى باب المسجد الشرقي.
  • الطريق الثاني: يُسلَك فيه من شارع محمد علي فالسيوفية فالركبية إلى أنْ يصل الزائر إلى مُلْتقى شارعَيْ دَرْب الحصر وابن طولون ثم ينعطف غربًا فيمرُّ بزُقاقين في صدر الثاني منهما باب المسجد الشرقي المتقدِّم ذكرُه.
ولمَّا يصل الزائر إلى الزُّقاق لا يَجِد بأوَّله ولا بنهايته رَحَبة ولا ميدانًا، بل يَجِد على يمينه وشماله أبنيةً عاليةً مصفوفة على الجانبين، بعضُها من آثار القرن الحادي عشر الهجري، ممَّا يجعل لهذه المنطقة منظرًا خاصًّا تتمثَّل فيه بقية من المعالِم القديمة التي كانتْ تستهوي النظر بما اجتمع فيها من الموردات والساباط٤ والسبيل.
وإذا وقف الزائر في وَسَط الزَّقاق وحوَّل نظرَه نحو باب المسجد تمثَّله إطارًا متوَّجًا بعِقْد ستيني يُحيط بمنارة جامع صرغتمش الرشيقة القائمة أمامَه في الطرف الآخَر على بُعْدٍ.٥ (لوحة رقم ١).
ويُحيط بالمسجد من الجهات الأربع شوارع طولون والزيادة وبئر الوطاويط٦ والخضيري.

وكانتْ هذه الجهة تُعرَف بخط المغاربة.

(١) السبب في إنشاء الجامع وما قيل عن بنائه في هذا المكان

كان الناس يُصلُّون في جامع العسكر، فلمَّا قَدِم ابن طولون صار يُصلِّي فيه الجمعة، ثم ضاق على المصلِّين بجنده وسودانه، وشكا أهل مصر إليه فعزم على بناء جامع، فأشار عليه جماعة من الصالحين أن يَبْنِيَه على جبل يشكر وذكروا له فضائله فأخذ برأْيهم.

قال ابن عبد الظاهر: وهو جبل مبارَك معروف بإجابة الدعاء فيه، ويُقال إنَّ الله — تعالى — كلَّم موسى عليه («صبح الأعشى»، ثالث، ص٣٤٤).

وقد اختلف الرُّواة في سبب تسميته بجبل يشكر، فقال القضاعي: يُنسَب إلى يشكر بن جزيلة من لَخْم قبيلة من قبائل العرب اختَطَّتْ عند الفتح بهذا الجبل فعُرف بجبل يشكر لذلك («خطط المقريزي»، أول، ص١٢٥، و«صبح الأعشى»، ثالث، ص٣٤٤).

ونقل الحافظ جمال الدِّين اليغموري أنَّ يشكر المنسوب إليه هذا الجبل كان رجلًا صالحًا (ابن دقماق، ص١٢٣، جزء رابع).

قال المقريزي: وكان هذا الجبل يُشرِف على النيل، وليس بينه وبين النيل شيء، وكان يُشرِف على البركتين؛ أعني: بركة الفيل،٧ والبركة التي تُعرَف اليوم ببركة قارون.٨

وعلى هذا الجبل كانتْ تُنصَب المجانيق التي كانت تُجرَّب قبلَ إرسالها إلى الثُّغور («الخطط»، أوَّل، ص١٢٥).

ثم قال: وبجوار جبل يشكر: الكبش،٩ وهو جبل كان يُشرف على النيل من غربيه، ولمَّا اختَطُّ المسلمون الفسطاط بعد فتح أرض مصر صار الكبش من جملة خطة الحمراء القصوى.

حديث الكنز: قال جامع السيرة الطولونية: إنَّ أحمد بن طولون بَنَى جامعَه ممَّا أفاء الله عليه من المال الذي وجَدَه فوق الجبل في الموضع المعروف بتَنُّور فرعون («الخطط» للمقريزي، ثانٍ، ص٢٦٥).

وقال المقريزي عن مسجد التَّنُّور: إنَّه بأعلى جبل المقطم من وراء قلعة الجبل في شرقيها، ويُقال إنَّ تَنُّور فرعون لم يَزَلْ في هذا الموضع بحالِه إلى أنْ خرج إليه قائدٌ من قُوَّاد أحمد بن طولون يُقال له وصيف قاطرميز وحَفَر تحتَه، وقدَّر أنَّ تحتَه مالًا، فلم يَجِدْ فيه شيئًا، وزال رسم التنُّور وذهب («الخطط» للمقريزي، ثانٍ، ص٤٥٥).

والظاهر أنَّ هذا الخبر الأخير هو الأصل الذي صدر عنه حديث الكنز.١٠

(٢) تاريخ إنشاء الجامع (لوحة رقم ٢)

قال المقريزي: ابتدأ بنيانه في سنة ثلاث وستين ومائتين هجرية/٨٧٦ و٧٧م، وفُرغ منه في سنة خمس وستين ومائتين/٨٧٨ و٧٩م.١١

وذهب آخَرون منهم أبو المحاسن بن تغري بردي وابن دقماق إلى أنَّ أحمد بن طولون شرع في بنائه في سنة ٢٥٩ﻫ/٨٧٣ و٧٤م.

وخالَفَهم الكندي فقال: ابتدأ في بنائه سنة أربع وستين ومائتين هجرية، وقضي في سنة ٢٦٦ﻫ١٢/٨٧٩ و٨٠م، والصحيح هو ما أَوْرده المقريزي، فقد ثبت ما قاله عن تاريخ الفراغ من البناء؛ لأنه واردٌ في كتابة الجامع التاريخية، وهي منقوشة في لوح من الرخام بالقلم الكوفي البسيط بخطٍّ ممتلئٍ قليل الارتفاع متقارب الحروف.
وكان مارسيل السابق على غيره نشر كتابتين تاريخيتين للجامع في أطلس كتاب «وصف مصر»، وهما في لوحتين نُقِلتا من بعض قِطَعٍ من الرخام مكسورة ومجموعة بعضها ببعض، والنص في الكتابتين واحد مع اختلاف طفيف (راجع مجموعة الكتابات المنقوشة «القاهرة» لفان برشم، ص٢٢، ومذكراته، ج٢، ص٦ في المجلة الآسيوية سنة ١٨٩١ ص٥٢٧ وما يليها).١٣

وفي سنة ١٨٩٠ بينما كانت لجنة حفظ الآثار العربية تُجرِي بعض الأعمال بالجامع عُثِر بين الأنقاض على بعض قِطَع من الرخام جُمِعتْ ورُتِّبتْ فتألَّف منها اللوح الموجود الآن، وهو النصف من إحدى كتابتَيْ مارسيل.

وهذا نصُّ ما اشتمل عليه من الكتابة:
(١) بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين، الله لا إله إلا هو الحي (٢) القيوم لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، له ما في السموات وما في (٣) الأرض مَن ذا الذي يشفع عنده إلَّا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم و(٤) ما خلفهم ولا يُحيطون بشيء من علمه إلَّا بما شاء، وسع كرسيُّه السموات و(٥) الأرض ولا يئوده حفظهما، وهو العلي العظيم، محمد رسول الله والذ (٦) ين معه أَشِدَّاء على الكُفَّار رُحَماء بينهم تراهم رُكَّعًا سُجَّدًا يبتغون فضلًا (٧) من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم مِن أَثَر السُّجود ذلك مثلهم (٨) في التورية، ومثلُهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزَرَه فاستغلظ (٩) فاستوى على سوقه يُعجِب الزُّرَّاع لِيَغِيظ بهم الكُفَّار وعد الله الذين آمنوا (١٠) وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا، كنتم خير أُمَّةٍ أُخرِجت للناس تأ (١١) مرون بالمعروف وتنهَوْن عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمَنَ أهل الكتاب (١٢) لكان خيرًا لهم، إنما يَعمُرُ مساجد الله مَن آمَن بالله واليوم الآخِر وأ (١٣) قام الصلوة وآتَى الزَّكوة ولم يَخْشَ إلَّا الله فعسى أولئك أن يكونوا (١٤) مِن المُهتَدِين، أمَرَ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون مَوْلى أَمِير المؤ (١٥) منين أدامَ اللهُ له العِزَّ والكرامةَ والنعمة [ا]لتامَّة في الآخِرة والأو (١٦) لى ببناء هذا المسجد١٤ المبارك الميمون مِن خالِص ما أفاء الله عليه وطيَّبه (١٧) لجماعة المسلمين ابتغاء رضوان الله والدار الآخِرة وإيثارًا لما فيه تَسْنِية الدِّين (١٨) وأُلْفة المؤمنين ورغبة في عمارة ﺑﻴ[ـت] الله وأداء فرضه وتلاوة كـ[ـتا] (١٩) به ومداومة ذكره إذ يقول الله تقدَّس وتعالى في بيوت أذ[ن] الله أن تُرفَع و(٢٠) يُذكَر فيها اسمُه يُسبِّح له فيها بالغدوِّ والآصال رجال لا تُلْهِيهم تجارة ولا بيعٌ عن (٢١) ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة يخافون يومًا تتقلَّب فيه القلوب والأبصار (٢٢) ليجزيَهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من [فـ]ـضله والله يرزق مَن يشاء بغير حساب (٢٣) في شهر رمضان من سنة خمس وستين ومائتين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و(٢٤) سَلمٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدًا (٢٥) وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كأفضل ما صلَّيْتَ وترحَّمتَ وباركتَ على إبراهيم (٢٦) … وعلى آل إبراهيم وأنعم إنك حميد مجيد.
وقد أَوْرد كوربت بك هذه الكتابة في رسالته التي وضعها عن هذا الجامع بعنوان «حياة وأعمال أحمد بن طولون» المُدرَجة في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية سنة ١٨٩١، وقد تخلَّلها نقصٌ في بعض المواضع وتحريفٌ في النقل، ومِن تعليقاته عليها قوله: إن هذه الكتابة على ما يُعلَم أقدم كتابة تاريخها معروف، ثم نوَّه عن قول مارسيل في البحث الذي وضعه عن مقياس النيل في كتاب «وصف مصر»١٥ (في المجلد الخامس عشر، ص٣٢٩) إنَّ جزءًا من كتابته يرجع إلى المأمون، يعني إلى سنة ١٩٩ هجرية/٨١٤ ميلادية، وإلى عمارتَي المتوكل أي إلى سنة ٢٣٣ هجرية/٨٤٧ ميلادية، و٢٤٧ هجرية/٨٦١ ميلادية، وكانت العمارة الأخيرة على عهد أحمد بن طولون نفسه، إلَّا أنه يرى أنَّ هذه الكتابات على كل حالٍ لا تتعدَّى بعض الكلمات.

والصحيح أنَّ قسمًا من كتابة المقياس أقدم عهدًا من كتابة تاريخ الجامع الطولوني، وهو مِن الآيات الشريفة، والكاتب له أحمد بن محمد الحاسب في سنة ٢٤٧ هجرية، وكان واردًا في هذه الكتابة اسمه واسم المتوكل وتاريخ الكتابة، ثم أُزِيل ذلك فيما بعدُ واستُبدِل ببعض الآيات الشريفة بخطٍّ أقل إتقانًا من الخط الأصلي، وكلاهما بالكوفي، ومِن السهل معرفة النص الأصلي وما استُبدِل منه بالمقابلة بين المكتوب على جدران بئر المقياس وبين ما أورده ابن خَلِّكان في ترجمة أبي الردَّاد في «وفيات الأعيان»، ج١، ص٣٣٩، ولولا أنَّ هذا البحث خارجٌ عن الموضوع لشرحناه شرحًا وافيًا، وما جرَّنا إليه غير إشارة كوربت إلى قول مارسيل.

وبجانب هذه الكتابة التاريخية تُوجَد بالجامع كتاباتٌ أُخرى كبيرة الأهمية من أزمنةٍ مختلفة يُعرَف منها تاريخ التجديدات والعمارات التي وقعتْ فيه، وسيأتي الكلام عليها.

(٣) مهندس الجامع

ذكر المقريزي أنَّ الذي تولَّى بناء الجامع لأحمد بن طولون كان رجلًا نصرانيًّا حسن الهندسة حاذقًا بها، وكان عَهِد إليه ببناء عين بظاهر المعافر١٦ وجعل عليها قناطر لا تزال بقيةٌ منها موجودة إلى الآن، واتَّفق أنَّه لمَّا فرغ مِن بنائها وأقبل أحمد بن طولون ليتفرَّج عليها غاصَتْ يدُ فرَسِه في موضع لم يَجِفَّ بناؤه فغضب على المهندس وضرَبَه وأمَرَ به إلى المطبق (السجن) فأقام به مدة.

ولمَّا أراد أحمد بن طولون بناء الجامع قدَّر له ثلاثمائة عمود، وقيل له لا تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك، فلم يرضَ، وبلغ الخبر المهندس النصراني وهو في المطبق، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عُمُد إلا عمودي القِبْلة، فأحضره وسأَلَه فقال: أنا أصوِّره للأمير حتى يراه عيانًا بلا عُمُد إلا عمودي القِبْلة، فأمر أن تُحضَر له الجلود فأُحضِرت وصوَّره له فأعجبه، ووضع المهندسُ يده في البناء في الموضع الذي هو فيه وهو جبل يشكر فكان يُنشَر منه ويعمل الجير ويُبنَى إلى أن فَرغ من جميعه وبَيَّضه («الخطط» للمقريزي، ج٢، ص٢٦٥ باختصار).

وقد بحث كثيرٌ ممَّن كتبوا عن الجامع في أمر هذا المهندس، فقال بعضهم: كان بيزنطيًّا،١٧ وقال البعض: قِبْطيًّا، وعلَّل الأولون قولهم بأنَّ الطرز البيزنطي واضحٌ في أقدم أجزاء الجامع، وهي أقوال مبنية على الظن والتخمين، وقد مهَّد لها الطريق سكوت الرواة والمؤرِّخين عن ذكر اسم المهندس، ونحن لا نُنكِر أنَّ الفن العربي لم يكن بلغ أشدَّه بعدُ، وأنَّ الضرورة كانتْ كثيرًا ما تقضي بالاقتباس من المألوف من أساليب الصناعة عند الأمم الأخرى واستحضار مَهَرة الصُّنَّاع من فارس والرُّوم، كما قال بذلك ابن خلدون وغيره من كُتَّاب العرب («مقدمة ابن خلدون»، ص١٧٣؛ وابن جبير، صحيفة ٢٦٢، طبع ليدن؛ و«مسالك الأبصار»، ج١، ص١٨٣).

ولكن الذي يحملنا على ترجيح أنَّ المهندس كان عراقيًّا مُسلِمًا كان أو نصرانيًّا هو ما أثبته ابن دقماق والمقريزي بوجهٍ خاصٍّ عن هذا المسجد من أنَّ بناءه أُقِيم على مثال بناء جامع سامرا («الانتصار»، ج٤، ص١٢٣، و«الخطط»، ج٢، ص٢٦٦)، ومطابقة ذلك للواقع، كما سنُبيِّنه.

وقد شرح الكبتن كريسول هذا الموضوع جليًّا، فقال: إنه على عهد بني أُمَيَّة كانت الدولة عربيةً خالصةً، وكان يغلب على العمارة التأثير السوري واستعمال الفُسَيْفِساء البيزنطية، كما في قبة الصخرة، والجامع الأموي بدمشق، وقصير عمرة، وغير ذلك.

ثم انتقلتْ عاصمة الخلافة إلى بغداد في عهد بني العباس، وصارتْ مركزًا لتطوُّر الدولة، فغلبتْ على العمارة العربية التأثيرات الفارسية أي أساليب العمارة الساسانية والعراقية.

ولمَّا جاء ابن طولون من سامرا إلى مصر حمل معه كلَّ تقاليدها.

ولا يبعد أن يكون المعمار الذي شيَّد الجامع أحد أولئك المهندسين الذي اشتُهروا في تاريخ ذلك الوقت، وأقربهم لعهد بناء الجامع أحمد بن كثير الفرغاني الذي عمل المقياس بجزيرة مصر.١٨

(٤) الصلاة في الجامع

قال المقريزي: ولمَّا كمُل بناء جامع ابن طولون صلَّى فيه القاضي بكار١٩ إمامًا، وخطَبَ فيه أبو يعقوب البلخي، وأَمْلَى فيه الحديث الرَّبيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي، ودفع إليه أحمد بن طولون في ذلك اليوم كيسًا فيه ألف دينار، وعمل الرَّبيع كتابًا فيما رُوي عن النبي أنه قال «مَن بَنَى لله مسجدًا ولو كمَفْحَصِ٢٠ قطاةٍ بَنَى الله له بيتًا في الجنة» (ثانٍ، ص٢٦٥).
fig2
شكل ١-١: القطاع الأُفُقي للجامع.
fig3
شكل ١-٢: قطاعٌ طوليٌّ للجامع بين المحراب والمنارة (رسم كالجي من مجموعة اللجنة).
fig4
شكل ١-٣: قطاعٌ طوليٌّ للجامع بين المحراب والمنارة.

(٥) وصْف الجامع ومساحته وتقسيمه

(راجع القطاع الأفقي شكل رقم ١-٢، واللوحة رقم ٣ والقطاع الطولي شكل رقم ١-٣) في هذا المسجد يُرَى المثال الأول الذي اتخذه بُناة المساجد الجامعة فيما بعدُ، وقد بقِيَ معمولًا به في هذه البلاد حتى في العصور التي أُدْخِلَتْ فيها رسومٌ جديدةٌ للجوامع عقبَ استيلاء العثمانيين على مصر، ولمَّا نُقارِن بينه وبين جامع عمرٍو يتبيَّن لنا أنَّ الوضْع الأفقي في المسجدَيْن واحدٌ مع وجود تفاوُتٍ بينَهما من الوجهة الأركيولوجية «الأثرية»؛ إذ بينَما جامع عمرٍو زِيدَ فيه وجُدِّد مِرارًا، فإنَّ جامع ابن طولون بقِيَ على أصْله.

وقد قال الأستاذ فان برشم: إنَّ هذين المسجدين اتَّفقا في الوضْع الأفقي، ولكن هذا لا يقوم دليلًا على ما كان عليه وضْع المساجد قبل الجامع الطولوني.

وهو تقريبًا على شكل مربع ضلعه ١٦٢٫٥٠ × ١٦١٫٧٣ (= ٢٦٢٨١٫١٢٥ مترًا مربعًا أعني ستة أفدنة ونصف)، يشغل منه المسجد مع جدرانه مستطيلًا مساحته ١٧٢٤٣٫٨١٨ مترًا مسطَّحًا، ويتكوَّن هذا المستطيل من صحنٍ مكشوف مربع ٩٢٫٣٠ × ٩١٫٩٥ أي ٨٤٨٦٫٩٨٥ مترًا مسطَّحًا تحيط به بلاطات؛ أي أروقة٢١ من جوانبه الأربعة مساحتها مع الجدران ٨٧٥٦٫٨٣٣ مترًا مربعًا. ما هو بمقدَّم الجامع وفيه قِبْلته خمس بلاطات، منها البلاطة التي تَلِي الصحن اندثرتْ وجُدِّدتْ قواعدها في سنة ١٩٢٠.

وما هو بكلٍّ مِن مؤخَّره وجانبَيْه بلاطتان، وحول بلاطات المؤخَّر والجانبَيْن؛ أي مِن الجهات الشمالية الشرقية والشمالية الغربية والغربية الجنوبية، ثلاثة أروقة خارجية تُعرَف بالزيادات مسطَّحها مع جدرانها ٩٠٣٧٫٣٠٧ مترًا.

وهذه الزيادات تكمل مساحة المربع الكلي للجامع إذا ضُمَّتْ إلى المستطيل المكوَّن منه المسجد نفسه (راجع الشكل رقم ١-٢).

وقد ذكر ابن دقماق الأروقة الخارجية باسم الزيادات، وأَوْرد سببًا لبنائها، فقال: إنَّ الجامع ضاق على المصلِّين فقالوا لأحمد: نريد أن تَزِيد لنا فيه زيادةً، فزاد فيه هذه الزيادة بظاهره (ج٤، ص١٢٣).

وقال الكبتن كريسول: إنَّ ما يُسمِّيه ابن دقماق بالزيادة هو من أصل بناء المسجد ومثله موجود في جامع سامرا.٢٢
ومن ذلك يتبيَّن أنَّ هذه الزيادات الثلاث ليستْ إلَّا أروقةً خارجية، وقد سمَّاها ابن دقماق رِواقًا في موضع آخَر في قوله: «ويُقال إنَّ ذرع جامع ابن طولون مثل ذلك٢٣ سوى الرِّواق المحيط بجوانبه الثلاثة» (ج٤، ص٦٦).

وممَّا يدلُّ على أنَّ الأروقة مِن هذا القَبِيل اتُّخِذتْ في غير هذا المسجد قول سلادين في موجزه الفن الإسلامي «العمارة» (ص٩٠): إنَّ الجامع الأعظم بسوسة ببلاد تونس منعزل مثل جامع ابن طولون بأروقة جانبية.

وذهب باسكال كوست إلى أنَّ الغرض من إحاطة المسجد بالأروقة أن يكون بعيدًا عن أن تَصِلَ إليه الضَّوضَى من الخارج.٢٤ ولم يكن جامع ابن طولون منعزلًا، بل كان بجواره كثيرٌ من المساكن وغيرها، من ذلك ما ذكره ابن عبد الظاهر في قوله: «وسمعتُ مَن يقول إنَّه عمَّر ما حولَه حتى كان خلفَه مسطبة ذراع في ذراع أُجْرتُها في كل يوم اثنا عشر درهمًا في بكرة النهار لشخص يبيع الغزل ويشتريه، والظهر لخبَّاز، والعصر لشيخٍ يبيع الحمص والفول».

ومِن ذلك دارٌ كانت أمام واجهة الجامع الشرقية، ولها — على ما جاء في قول المقريزي وأبي المحاسن — بابٌ من جدار الجامع يُسلَك منه إلى المقصورة المحيطة بمصلَّى الأمير بجوار المحراب والمنبر، وكان يُقال لها دار الإمارة؛ لأنَّ أحمد بن طولون كان ينزل بها إذا راح إلى صلاة الجمعة فيجلس فيها ويجدِّد وضوءه ويغيِّر ثيابَه.

وقد تنبَّه سالمون إلى أنَّ الباب المذكور لم يكن مفتوحًا على الجامع مباشرةً، بل كان ينفذ منه من الدار إلى رِواق أو مقصورة٢٥ وراء جدار القِبْلة شبيه بالرِّواق الخارجي المحيط بالمسجد من الجهات الثلاث الأخرى، وقال: إنَّ هذا الباب كان يُقابِله بابٌ آخَر في جدار الجامع على مقربة من الركن الجنوبي، وهذا القول لا اعتراض عليه؛ لأنَّ وجود الرِّواق في هذا المكان يتم به التماثل حول الجامع في نواحيه الأربع، ويمكن تشبيهه بالطريق الدائر الذي كان يُحِيط بجامع عمرٍو من جميع الجهات (ابن دقماق جزء رابع، ص٦٢)، وقد ورد في المقريزي ما يُفهَم منه أنَّه كان هناك فاصلٌ بين دار الإمارة والمسجد، لقوله إنها كانت بحذاء الجامع، يعني أمام وجهته الجنوبية الشرقية.

ولقد كان مثل هذا الترتيب موجودًا في جامع قرطبة الأعظم، وهو من بناء عبد الرحمن الداخل. قال ابن بشكوال: وليس لهذا الجامع في القبلي سوى باب واحد بداخل المقصورة المستجدَّة في قِبْلته متصل بالساباط المفضي إلى قصر الخلافة، منه كان السلطان يخرج من القصر إلى الجامع لشهود الجمعة («نفح الطيب» أول، ص٢٥٧، طبع مصر بالمطبعة الأزهرية).

وبقيتْ دار الإمارة إلى أنْ قَدِم الإمام المعزُّ لدين الله أبو تميمٍ مَعَدٌّ من بلاد المغرب إلى مصر فكان يستخرج فيها أموال الخراج، ثم خَرِبتْ هذه الدار فيما خرب من القطائع والعسكر وصار موضعها ساحة تنتهي من الجهة القِبْلية إلى حيث تُوجَد الآن حارة الزيادة التي يفصلها عن الجامع الرِّواق الجنوبي الغربي الخارجي.٢٦

وقد كان بهذه الحارة قبل اليوم بنحو أربعين سنة تجاه سور هذا الرِّواق دُور قديمة جميلة تَسُرُّ الناظرين بما حَوَتْه واجهاتها من المشربيات العديدة المختلفة الرسم المحملة على حرمدانات أو كوابيل وماوردات من خير ما أخرجه الصانع وأبدعه في صناعة الخرط والتفريغ، وذلك بجانب إتقان البناء في هذه الوجهات والعناية بتقسيمها وتوزيع الفتحات فيها، وما في وضْع الشبابيك والمصبَّعات والأبواب ذات الرسم الجميل، زيادةً على تنوُّع النقوش المتَّخَذة في حجارتها ممَّا يعز وصْفه ويُحزِن الآنَ فَقْدُه.

والظاهر أنَّ هذه الدُّور كانتْ مسكنًا لمَن يتولَّوْن أمور الجامع الطولوني لمَّا كان زاهيًا زاهرًا، وكان يقصدها هُواة الفنِّ للتمتُّع بمنظرها ورسمها وتصويرها باعتبار أنَّها من النماذج النادرة التي تمثِّل الحارات القديمة بالقاهرة (لوحة ٤).

أسوار الجامع وأبوابه

(راجع القطاع الأفقي شكل رقم ١-٢، واللوحة رقم ٥) وحول الأروقة الثلاثة الخارجية الموازية لجدران المسجد جدرانٌ بل أسوارٌ دونَها في الارتفاع، عليها شُرُفات مخرَّمة متقاربة كالمغازل، اختَلَف في وصْفها الكُتَّاب فشبَّهوها بالعمامة وألْسِنة اللَّهَب وشَنْف الدِّيك، وبهذه الأسوار أبوابٌ، كلُّ بابٍ منها يُقابِل بابًا من أبواب المسجد، وقد رأى ناصر خسرو السائح الفارسي هذه الأسوار في سنة ٤٣٩ﻫ فقال: «إني لم أرَ ما يفوقها في حُسْنها في غير آمِد وميافارقين.» («سفرنامه»، ص١٤٥، ترجمة شيفر).٢٧ وكانتْ أبواب المسجد ٣٣ بابًا٢٨ بعضها بجدران الأروقة الخارجية؛ أي بالأسوار، والبعض الآخَر بجدران المسجد، وبيانها:

بجدران الأروقة الثلاثة الخارجية

  • ٥ بجدران الرِّواق الخارجي الشمالي الشرقي.

  • ٥ بجدران الرِّواق الخارجي الجنوبي الغربي.

  • ١ بجدران الرِّواق الخارجي الشمالي الغربي (وربما كان عدد الأبواب في الأصل أكثر من ذلك).

  • ١ بالجنوب الشرقي في منتصف نهاية الرِّواق الشمالي الشرقي، وهو المدخل المُستعمَل الآن، ولا يُوجَد ما يُستَدَلُّ منه على قِدَمه.

بجدران المسجد

  • ٦ بالجدار الشمالي الشرقي.

  • ٦ بالجدار الجنوبي الغربي.

  • ٤ بالجدار الشرقي: اثنان يُسلَك منهما إلى خلوتين على يمين وشمال المنبر، ويليهما بابان آخَران أحدُهما مسدودٌ مكانه.

  • ٥ بالجدار الشمالي الغربي.

ولا يبعد أنْ تكشف أعمال التخلية المنتظر إجراؤها حول المسجد عن بقايا يُستَدَلُّ منها على أبوابٍ أخرى.

ومن الاطِّلاع على القطاع الأفقي تُعرَف مواقع الأبواب، وما هو المفتوح منها والمسدود، ولا يُوجَد بين هذه الأبواب أبوابٌ كثيرة فخمة مما اتُّخِذ في المساجد بعد عهد بناية المسجد، وإنما هي أبوابٌ بسيطة معابِرُها أفقية٢٩ (راجع اللوحة رقم ٥ حرف أ).

الآجُرُّ

والجامع مبنيٌّ بالآجُرِّ المجلَّل بطبقة سميكة من الجِصِّ، قال سلادين: والذي دعا ابن طولون لبناء جامعه بالآجُرِّ مع وجوده بسفح المقطم هو أنَّ المهندس كان كلدانيًّا فبنى الجامع بالمواد المألوفة عنده.٣٠

وفي الروايات المتواترة عن الجامع نُسِب إلى أحمد بن طولون أنَّه لمَّا أراد بناءه قال: أُريد أنْ أَبْنِيَ بناءً إنِ احترقتْ مصر بقِيَ، وإنْ غَرِقَتْ بقِيَ، فقيل له: يُبْنَى بالجير والرماد والآجر الأحمر القوي النار إلى السقف، ولا يُجعَل فيه أساطين رخام؛ فإنَّه لا صبرَ لها على النار، فبناه هذا البناء … (ابن دقماق رابع، ص١٢٣، و«الخطط» للمقريزي ثانٍ، ص٢٦٦)، ويُؤخَذ من ذلك أنَّ البناء بالآجُرِّ في ذلك الوقت لم يكن شائعًا كثيرًا، ولا ينقض ذلك ما وُجِد بالفسطاط من بقايا أبنيته المشيَّدة بالآجُرِّ فإنها لا ترجع إلى ما قبل العصر الطولوني.

والمعروف في تاريخ العمارة أنَّ المصريين كانوا يستعملون اللَّبِن في العهد القديم بدليل وجوده بوفرة في أطلال مصر، ومع ذلك فإنَّه لم يبلغ ما كان عليه عند الأمم الآسيوية من الانتشار بسب قِلَّة المحاجر التي تُستخرَج منها الكُتَل العظيمة عندهم على عكس مصر فإنَّ فيها الجرانيت والسماق، وقد وُجد في مصر بعض طرقٍ كانتْ تُعَدُّ لنَقْل المهمات والمواد اللازمة لتشييد بعض الأهرامات مبنية باللَّبِن، وكانت الأهرامات في الغالب تُبْنَى نواتها من الطوب وتُكْسَى بالحجر.

أمَّا الآجُرُّ فإنَّ المصريين لم يستعملوه إلَّا في أحوالٍ خاصة، كما في مجرى مدينة آبو مثلًا، وهيكل موت بالكرنك، على عكس ما كان في العراق؛ فإنَّ الآجُرَّ الجيد الحريق كان يُستعمَل دوامًا،٣١ وكانوا يُعطونه شكلًا مربعًا، والآجُرُّ المصري القديم مستطيلٌ وأكثره استعمالًا ما كان مقاسه ٠٫٢٢ × ٠٫١١ × ٠٫١٤ (ماسبيرو، «الأركيولوجيا المصرية»، ص١٠).

وفي جامع ابن طولون الآجُرُّ أحمر غامق جيِّد الحريق، ويبلغ مقاسه في الغالب ٠٫١٨ × ٠٫٠٨ × ٠٫٠٤ وهو مبنيٌّ مداميك متناوِبة أديه وشناوي، وأعني بالأول في اصطلاح البنَّائين مدماك أحمال تُرَصُّ بطول الطوبة على امتداد الجدار، والثاني مدماك أسهل تُرَصُّ بعرض الطوبة عموديًّا على طول الجدار وتُبسَط عليه المونة، ولحام الآجُرِّ بعضه مع بعض منتظمٌ ثخينٌ، أُخِذَ مقاسه فوُجِد أنَّ كل خمس طوبات بلحامها تساوي ٣٦ سنتيمترًا في المتوسط من ذلك اللحام الأفقي ثلاثة سنتيمترات والرأسي ١٨ ملليمترًا وثخانة الطوبة ٤٤ ملليمترًا في المتوسط، والمعروف في الأبنية البيزنطية أنَّ اللحام يزيد عن ثخانة الطوب.

الأرجل أو الدعائم

(راجع اللوحات رقم٣ و٦) لم يقتصر ابن طولون على بناء الجدران والأسوار فقط بالآجُرِّ، بل بَنَى بها أرجُلًا اتخذها بدلًا من العُمُد ليرفع عليها الأقواس أعني الطارات، على عكس ما في جامع عمرٍو.

وقد ذكرنا فيما تقدَّم السببَ الذي انتُحِل لذلك وهو عدم صبر الرخام على النار، ولا يَخفَى أنَّه سببٌ واهٍ، وقد وُفِّق الأستاذ كوربت بك إلى بيان ما يجوز أن يكون هو السبب الحقيقي، وهو تعذُّر الحصول في ذلك الوقت على الرخام من المباني المهجورة بسبب نفاد ما كان موجودًا فيها في المدَّة السابقة على ابن طولون.٣٢ غير أنَّ هذا لا ينفي ما تواترتْ به الرواية عن تورُّع ابن طولون عن أنْ يأتِيَ بها من المعابد والكنائس، خصوصًا وأنَّ سيرته ثابتٌ فيها أنَّه كان منذ صِغَره يألَف مجالس رجال التقوى والورع.

أما عن صبر الرخام على النار فقد قال الأستاذ فان برشم: إنَّ تسلُّط النيران على ما بالقاهرة من العُمُد الرفيعة التي لم تُهَيَّأ بإتقان يُعرِّضها حالًا للعطب، ونحن لا نُنكِر أنَّ الدَّعائم إذا كانتْ ثخينةً من الآجُرِّ تكون مقاومتها أكبر، ولكن نسبة بقاء الجامع سليمًا حتى الآن إلى ذلك فقط لا يؤيده ما نشاهده في الجوامع الكبيرة بالقاهرة، فإنَّ جامع الحاكم وجامع بيبرس الأول الكائن بميدان الظاهر اتُّخِذتْ لهما الدعائم، وقد أُصِيبا بعَطَبٍ شديد والأول منهما اندثر كله تقريبًا، ولمَّا نبحث عن السبب يجب ألَّا ننظر في طريقة بنائهما فقط، بل يتحتَّم علينا أنْ نُراعِيَ أمورًا أخرى كبنائهما على أرض غير ثابتة وعبث الجند بهما.

وإذا نظرنا إلى الجوامع الكبيرة يتبيَّن أن المهندس الذي بَنَى الجامع لابن طولون كان مُوَفَّقًا في فكرته لأنَّ اتخاذ الدعائم من الآجُرِّ في بناء جامعه أفاده ثباتًا كما أفاد بناؤه على أرض ثابتة.٣٣

وقد أراد الأستاذ فان برشم بالأرض الثابتة الصخر المشيد عليه الجامع، فإنَّ معظم الأساس — إنْ لم نَقُلْ كله — قائمٌ عليه، وقد ظهر من الأعمال التي أُجْرِيتْ في الجهة الغربية أنَّ الطبقة الصخرية قريبةٌ جدًّا من مستوى بلاط الجامع، وتبلغ أحيانًا مستوى أرض الصحن.

والقوائم منشورية الشكل، في زواياها الأربع عُمُد لطيفة من الآجُرِّ مندمجة فيها عُمِلتْ للتحلية لأنَّ الدعامة كلها هي الحاملة للثقل، وقواعد الدعائم من الطراز السابق على العهد الإسلامي، ولهذه القوائم أمثلة كثيرة في أبنية العصور التالية لعهد ابن طولون.

وقد عثر مسيو دي سرزق ومسيو دومرجان على أمثلة قديمة للعُمُد المتَّخَذة في أركان الدعائم المربعة أو المستطيلة كالتي في جامع ابن طولون في تللووسوس٣٤ وهي٣٥ موجودة بمتحف اللوفر بالقاعة الآشورية وقاعة دومرجان («الفن العربي» لسلادين ص٩٢).

التيجان

(راجع اللوحة رقم ٦ والشكل رقم ١-٤)، وعلى العُمُد تِيجانٌ بسيطة مستديرة على أسلوب التيجان الكورنتية، على شكل النواقيس تشاهد في زخرفتها ورقة النبات المُسمَّى شوك اليهود، وهي معروفة في تاريخ العمارة بأنَّها من لوازم التاج الكورنتي، بل الأصل في زخرفته على ما ذكره فيتروف في الكتاب الرابع الباب الأول، وقد حكى ما يأتي: إنَّ فتاةً من بنات كورنتة ماتتْ ليلة زفافها، فجَمَعَتْ مرضعتُها بعض أشياء صغيرة كانتْ عزيزةً عند الفتاة في سلةٍ ووضعتْها على القبر وغطَّتْها بقطعةٍ من الآجُرِّ لتحفَظَها من تقلُّبات الجوِّ، وصادفَ وجود ساقٍ من النبات المسمَّى شوك اليهود في هذا المكان ولم يكن ظاهرًا، فلمَّا جاء فصل الربيع اخضرَّ وامتدَّتْ منه فروع وأوراقٌ أحاطتْ بالسلة من جميع جهاتها، وكانتْ أطرافُ الآجُرَّة بارزةً فحالَتْ دونها فاستدارتْ حولَها على شكل حلزوني، وصادَفَ مرور كالليماخوس النقاش الشهير بجمال مصنوعاته ومهارته فلفَتَت السلةُ نظرَه وأعجَبَه منظرُ الأوراق والفروع الملتفَّة حولَها فتكوَّنتْ عنده في الحال فكرة التاج الكورنتي فعمل بعض تيجان للعُمُد على مثالِها، ومِن ثَمَّ وضع قواعد النظام الكورنتي (شابات «قاموس العمارة»، ص٢٢، أول).
fig5
شكل ١-٤

وقد نفَى فرنسوا بنوا هذا الخبر، واعتبرَه من الأساطير، وقال: إنَّ التاج الكورنتي كان معروفًا قبل كالليماخوس، وقد اتخذه أكتيوس على أحد العُمُد بمعبد فيجاليا، ومع ذلك فإنَّ الشَّبَه بينَه وبين بعض التيجان المصرية معروف («العمارة» تأليف فرنسوا بنوا، ص٣٦٥ و٣٦٦).

الأقواس أو العقود

(راجع اللوحة رقم ٦ والشكل رقم ١-٥) وفوق الأرجل قناطر أو أقواس كبيرة من الآجُرِّ من الطراز الستيني، تجاوَزَتْ قليلًا حدَّ المراكز بكيفية لم تُخرِجها عن شكل حدوة الفَرَس، وهي أوَّل مثالٍ استُعملتْ فيه هذه العقود بمثلِ هذه الكثرة.

قال لين بول في المذكرات الملحَقة بكتاب لين الذي عنوانه «المصريون المعاصرون»: إنَّ أوَّل مرةٍ عمَّ فيها استعمال العِقْد الستيني (المهموز) في بناية على ما نعلَمُه الآنَ هو عندَ العرب في مصر، وإنَّه صار فيها الميزة التي تُعرَف بها أحسن عماراتهم، والدليل الناهض على أنَّ هذه العقود اتُّخذتْ لأوَّل مرةٍ بكثرة هو وجود هذا الجامع الذي يرجع إنشاؤه إلى سنة ٢٦٣ﻫ وكلُّ عقوده ستينية، وقد بقِيَ هذا الجامع، وهو أقدم بناء عربي بَحْت، على أصله إلى اليوم ولم يتغيَّر؛ وعلى ذلك يكون نموذجًا لم يُمَسَّ على نَقِيض جامع عمرٍو.

fig6
شكل ١-٥

ثم قال: وقد أصبح البحث عن أصل العقود الستينية، بل وعن العِقْد نفسِه من المسائل الأركيولوجية الممتِعة، وما يُوجَد من النماذج الفردية لهذا العِقْد في المباني السابقة للجامع الطولوني لا يُؤثِّر على الواقع، وهو أنَّ هذا الجامع أقدَمُ مثالٍ وُجِدتْ فيه العقود الستينية بصفة مميز للبناية.

وقد تناول الأستاذ فان برشم الكلام على ما إذا كانتْ هذه العقود من مبتكرات العمارة العربية، وهل لها صلة بالهندسة الغوطية، فقال: قامتْ بعض نظريات تَنقُصُها قوةُ الحُجَّة عن استعمال العقود المنكسرة بهذا النظام في القرن الثالث الهجري، ذهب واضِعوها إلى أنَّ هذه العقود من مبتكرات الهندسة العربية، وأنَّ الهندسة الغوطية شرقية الأصل، ولكنَّ التمسُّك بهاتين النظريتين آخِذٌ في التحوُّل؛ إذ ظهرَ اليومَ أنَّ انكسارَ العِقد من المميِّزات الثانوية في العمارة، وأنَّ العقود المنكسرة مخلَّفة منها أمثلة من كل العصور التاريخية في جميع البلدان المتمدْيِنة، ومع التجاوُز عمَّا في المباني العتيقة في مصر وآشور فليس من المتعذِّر — وإنْ قلَّت الأدلة — وجودُ أمثلةٍ سابقة تدنو كثيرًا من العِقد الطولوني، كما في طاق كسرى مثلًا؛ فإنَّ العقود المنكسرة موجودة فيه، ويفوق ذلك في الأهمية أمرٌ غَفَل عنه المؤرِّخون الذين كتبوا عن جامع ابن طولون، وهو وجودُ العِقد المنكسر في العمارة القبطية البيزنطية؛ ومِن ثَمَّ يصعب اعتبارُ عقود الجامع من المبتكرات، على أنَّ العمارة الإسلامية نفسَها لم تَخْلُ من أمثلةٍ سابقةٍ، مِن ذلك عقود مقياس النيل ومجرى أحمد بن طولون، وهي من بناء مهندس الجامع نفسِه، ومَن يعلم بالضبط الوقت الذي بُنِيتْ فيه العقود المنكسرة في المسجد الأقصى وعقود الجامع الكبير الأموي بدمشق.

fig7
شكل ١-٦: عن كتاب أوين جونس.
fig8
شكل ١-٧: نماذج من زخارف المسجد عن كتاب أوين جونس.
وفي أسوان مسجدان عتيقان بهما عقودٌ نصف دائرية، ولكنْ يتعذَّر تعيين تاريخهما، ولم يُعثَر على أمثلةٍ أُخرى، والعقود النصف الدائرية التي ببوائك الرِّواق بتربة برقوق وقبابه المُتَّخَذة من الآجُرِّ، وهي النموذج الوحيد المخلَّف بالقاهرة من قبلِ القرن السابع عشر الميلادي، عليها منذ ذلك الوقت مسحة أبنية القسطنطينية الرومية التركية، وبعد مُضِيِّ قرنٍ ونصف من ذلك العهد دخل العِقْد النصف الدائري مصر مع العثمانيين، وبناءً على ذلك لا يكون هناك ما يُجِيز القول بأنَّ العِقْد النصف الدائري كان مُتَّخَذًا في الآثار الإسلامية الأولى، أمَّا الصحيح الثابت فهو أنَّ العِقْد المنكسر كان عام الاستعمال في القرن الثالث الهجري («منشورات المعهد العلمي الفرنسي» المجلد ٥٢، ص٧٤).٣٦

ويقع مبدأ هذه العقود في الجامع الطولوني على ارتفاع ٤٫٦٤م من الأرض وقِمَّتها على ارتفاع قدره ٣٫٧٠م من عند المبدأ، أما سَعَتُها فإنَّها ٤٫٥٦م وهي مُرتَدَّة ارتدادًا خفيفًا من الجانبين بشكل ظاهر.

الزخارف

(راجع اللوحة رقم ٦، والأشكال رقم ١-٦ و١-٧ و١-٨ و١-٩) في هذا الجامع أكثر الزخارف من الجِصِّ، منها بواجهات الأقواس طراز مكندج يُحِيط بفتحاتها عرضه ٤٦ سنتيمترًا ويتصل ببعضه عند نهايات الدعائم فوق تيجان العُمُد المُتَّخَذة في أركانها، وكانتْ بواطن الأقواس في الأصْل مُزَخْرفة أيضًا بنقوشٍ جميلةٍ، ثم أصابَها ما أصابَ غيرَها من تفاصيل الجامع من التَّلَف، فزالتْ وبقِيَ الشيءُ القليل منها محجوبًا تحت طبقات عديدة من البياض، وقد كان قسمٌ منها ظاهرًا لمَّا وضَعَ بريس دافن كتابَه «الفن العربي» المطبوع بباريس سنة ١٨٧٧، وهو زخرفة باطن أحد الأقواس من حبل الطارات الجنوبي الشرقي بالقُرْب من المنبر، وقد رَسَمها في اللوحة الأولى من الكتاب المذكور، وحوالي سنة ١٨٩١ تمَّ كشْفُ قسم من زخارف القوسين الرابع والسادس من حبل طارات الأروقة الجنوبية الغربية من جهة مقدَّم الجامع، وهذه النقوش تختلف في الرسم في كل طارة عن الأخرى.
fig9
شكل ١-٨
fig10
شكل ١-٩

وتتكوَّن هذه الزخارف من نقوش عربية جميلة، أساسُها خطوط متشابِكة، وإنْ لم تبلُغْ من الرُّقِيِّ ما صارتْ إليه الزخارف العربية فيما بعد، كما في جامع وقبة قلاون مثلًا، أو في جامعي الناصر محمد والسلطان حسن، وبالأخص في منارة جامع الناصر.

وقد قال ستانلي لين بول في كتابه «تاريخ القاهرة» (ص٧٩) عن هذه الزخارف إنَّها لم تُصَبَّ في قوالب كزخارف قصر الحمراء، وإنما هي من نقشِ يدٍ ماهِرةٍ نتبيَّن فيها الفرقَ بين عمل الفني والصانع، وفي الواقع أنَّ ما بالجامع الطولوني منها عليه مسحةٌ من اللَّطافة لم نَجِدْها فيما بين أيدينا من رسوم الحمراء، وقد وصَفَها كوربت بك وصفًا حسنًا.

ويُلاحَظ أنَّ اتِّخاذ الزخرفة بهذا المسجد من الجِصِّ يُخالِف المُتَّبَع في بلاد الشام؛ لأنَّ الزخرفة في دمشق وأورشليم على كثرتها قوامها الرخام الجيِّد الثمين والمعادن والفُسَيْفِساء.

وفوق كل دعامة فيما بين القوسين طاقة صغيرة (شكل رقم ١-٥) عِقْدها ستيني من طراز الأقواس الكبيرة، ترتفع نهاياتُها على مثلِ نهاية القوسين الكبيرين، والغرض من هذه الطاقات تخفيف الثقل عن الأرجُل وإيجاد حِلْية أخرى في تقاطيع البناء، وعلى العقود الصغيرة طرازٌ عرضه ٤٢ سنتيمترًا نقوشُه الجِصِّية أقربُ إلى البداءة من نقوش الطراز الممتدِّ فوقَ الأرجُل وحولَ الأقواس الكبيرة.

الإزار

(راجع اللوحة رقم ٦) وما بين الطراز السابق والسقف إزار من ألواح خشبية بعضها تحت بعض، وفي الوَسَط من الإزار كتابة من الآيات الشريفة تُنْبِئُ بأنَّها من عصر إنشاء الجامع؛ لأنَّها من الكوفي المربع الساذج الخالي من التشجير والتوريق، وقد نُقِشَتْ حروفُها بارزةً وليستْ قِطَعًا منفصلةً ومُسَمَّرةً في الخشب كما ظنَّه كوربت بك، ويبلغ ارتفاع كلِّ حرفٍ منها ١٩ سنتيمترًا، وهي طرفة فريدة في علم الخط تتمثَّل فيها الابتكارات العربية الخالِصة التي أَخَذَتْ تترقَّى فيما بعدُ إلى أنْ وصَلَتْ بالكتابة إلى المقام الأول بين مميزات الزخرفة العربية.

ومما يُؤسَف له ضَياعُ أجزاءٍ من هذا الإزار في مواضِعَ كثيرة.٣٧

ولا يغرب عن البال أنَّ الكتابة رُكنٌ عظيم من أركان الزخرفة العربية بجانب الزخارف المستقيمة الخطوط والزخارف المنحنية، ومن المعلوم أنَّ مِن هذه الأركان الثلاثة تتألَّف الزخرفة العربية.

والكتابة التي بهذا الإزار نموذج ممَّا كان عليه الخط الكوفي في طَوْره الأوَّل، وقد سمَّاه الأستاذ فان برشم بالخط المربع أو ذي الزوايا أو الكوفي البسيط، وسمَّاه آخَرون بالخط الأثري النقدي؛ لأنَّه ظهَرَ مرةً واحدة على النقود وفي كتابات عبد الملك بن مروان بالمسجد العمري (قبة الصخرة)٣٨ بالقُدس الشريف وغيره، ثم شاع في نقود الأُمَوِيين والعبَّاسيين وبني طولون وبني أُمَيَّة بالأندلس وعند الفاطميين على عهد خلفائهم الأُوَل، وكانتْ تتخلَّله فروق خفيفة، وبه كُتِب كثيرٌ من الشواهد في مصر في القرن الثالث، وقد شُوهِد في كتابات عسقلان سنة ١٥٥ﻫ/٧٧١ و٧٢م، وفي مقياس النيل بجزيرة الروضة بالقاهرة (القرن الثالث الهجري)، وفي سوسة والقيروان بتونس (في سنتَيْ ٢٤٥ و٢٨٥ﻫ)، وهو موجود أيضًا في كتابات جامع قرطبة، وفي طُلَيْطِلة، وفي بلاد القوقاز.

وقد لُوحِظ في بعض هذه الكتابات استعدادُها للتحوُّل إلى زخرفة.

قال كوربت بك: والظاهر أنَّ هذا الإزار هو الذي روى المقريزي في شأنه تلك الأسطورة التي تُنُوقِلتْ بعده وبالَغ فيها بعض المؤلِّفين المتأخِّرين حتى رَوَوْها كأنَّها من الحقائق، على أنَّ المقريزي مع أنَّه مؤرِّخ عربي قديم كان إذا ما روى الشيء الذي من هذا القَبِيل قدَّره ولم يقطع بصحته، وقد نَقَلَ هذا الخبرَ على الوجه الذي يَلِيق به ولم يَذْكُرْه كأنَّه مصدِّقٌ له، فقال: «ورأيتُ مَن يقول إنَّه عمل له منطقة دائرة بجميعِه من عنبر، ولم أرَ مصنفًا ذَكَرَه إلَّا أنَّه مُستَفاض مِن الأفواه والنَّقَلة.» أمَّا في عصرنا فقد زِيد فيه حتى صار يؤكَّد أنَّ القرآنَ كلَّه كُتِب حول الجامع بحروفٍ من العنبر.

وقد يكون لكوربت بك مبرِّرٌ لانتقاد ما جاء عن منطقة العنبر من المبالَغة، على أنَّ النص الذي أَوْرده المقريزي يُخالِف رواية ابن دقماق؛ لأنَّه يقول إنَّ ابن طولون لمَّا أكمل بناءَه أرادَ أن يعمل بدائره منطقة عنبر معجون ليَفُوحَ رِيحُها على المصلِّين، ولكنَّ الذي لا نَفْهَمه في تعليقه هو العلاقة التي أَوْجَدها بين منطقة العنبر والإزار؛ لأنَّ هذا الإزار بأعلى الجدران تحت السقف، ولا يُتصوَّر أنَّه وهو على هذا الارتفاع كان يُخَلَّق بالعنبر، والذي جَرَتْ به العادة هو تخليقُ القِبْلة وبعض مواضع في أنحاء المسجد،٣٩ وهو أمرٌ معروفٌ، وقد ورد في المقريزي نفسه عن عمر بن شيبة أنَّه قال: إنَّ عثمان بن مظعون تَفَل في القِبْلة فأصبَحَ مكتَئِبًا فقالتْ له امرأتُه: «ما لي أراك مكتئبًا» قال: «لا شيء، إلَّا أني تَفَلْتُ في القِبْلة وأنا أُصَلِّي» فَعَمَدَتْ إلى القِبْلة فغَسَلَتْها ثم عَمِلَتْ خَلوقًا فخلَّقتْها فكانتْ أوَّلَ مَن خلَّقَ القِبْلة.

ونفى كوربت بك احتمال كتابة القرآن كلِّه في الإزار، وبيَّن ما يمكن أنْ يَسَعَه منه، فقال: إنَّ الكتابة ١٩٨٨ مترًا، وفي كلِّ متر تسعة حروف، فتكون حروف الإزار ١٧٨٩٢ حرفًا، ومجموع الحروف التي يحتوي عليها القرآن الشريف ٣٢٣٦٧١ حرفًا، كما ذكره ثقات المؤلِّفين، فإذا قسمنا هذا المجموع على ١٧٨٩٢ كان خارج القسمة ١٧؛ وعلى ذلك لا يكون في الإزار غير ١/١٧ من القرآن الشريف.

السقف

(لوحة رقم ٢١ حرف ب، والقطاع شكل رقم ١-١٠) قد تَلاشَى معظم السقف القديم وكان مكوَّنًا من جوائز، كلٌّ منها مُتَّخَذٌ من فلقَيْن من جذوع النخل، وقد كُسِيَتْ وجوهُها الثلاثة المرئية بألواح من الخشب، وجعل في الفراغ بين كل جائزتين عوارض عمودية عليها فتكوَّنتْ منها سطوح مرتَدَّة عن العوارض.
fig11
شكل ١-١٠

البوائك أو حبل الطارات

(راجع اللوحة رقم ٣، والشكلين رقم ١-٣ و١-١١) تختلف زخرفة واجهات البوائك المحيطة بالصحن من جوانبه الأربعة عن داخل الجامع بوجود عصابة مكوَّنة من سُرَر من الجِصِّ تقوم مقام الإزار الخشبي والطراز الجصي المُزَيَّنة بهما الجدران والقوائم داخل المسجد، وكل سُرَّة موضوعة في طبقٍ مُثَمَّن، وأغلبها محزوز حزًّا غائرًا، وهي على شكلين متناوِبين يختلف أحدُهما عن الآخَر اختلافًا طفيفًا، وتحت ذلك سُرَّة كبيرة على يمين وشمال الطاقات الصغيرة، أكثرها موضوع في طبق مستدير متداخِل والبعض بارز، ويبلغ عدد ما تخلَّف منها من السُّرَر الأصلية نحو ثلاثين نوعًا، والغالب أنَّ كل عِقْد صغير في جانبيه سُرَّتان من نوع واحد، ولكنَّ التماثُل بينهما يفترق، وقد انفردتْ من بين ذلك سُرَّتان داخل مربع في حبل الطارات الجنوبي الغربي.

وهذه السُّرَر كلها على وجه التقريب بسيطة وعلى بداءة، وإذا قيل إنَّها من عمل لاجين، فتكون — كما قال كوربت بك — منقولة عن أصل تنطبق عليه انطباقًا تامًّا؛ لأنَّ العصور المتأخِّرة لم يتخلَّف منها شيء من هذا القَبِيل، ولاجين الوارد ذكره هنا هو الملك المنصور حسام الدين، وإذا وافقنا كوربت بك على أنَّ هذه الزخارف قد تكون له فما ذلك إلَّا لأنَّه أَجْرَى بالجامع عمارةً كبيرة أَوْرد لها المقريزي خبرًا في «خططه» نذكره في كلامنا على التجديدات والعمارات، والشيء الوحيد الذي يرسم في ذهننا أثرًا من نظام الصحن في هذا الجامع إنما هو الصحن الكبير بالجامع الأزهر سنة ٣٦١ﻫ/٩٧١م، إلَّا أنَّ العُمُد هناك تحلُّ محلَّ الأرجُل، وكان بدائر الصحن شُرُفات كالتي على الأسوار، لا يزال بعضها موجودًا عليه.

وفي سنة ١٩١٨ عُنِيتْ لجنة حفظ الآثار العربية بتنظيف الزخارف (لوحة رقم ٧ و٨)، وفي أثناء ذلك كان من حظ حضرة محمد أفندي نافع المهندس المراقب للعمل العثور على قطعة من الزخارف بوجه إحدى الطارات بالبائكة الجنوبية الغربية من جهة الصحن؛ ولهذا الاستكشاف قيمة كبيرة؛ لأنه يُعين على تجديد ما امَّحى من الزخارف بوجهات الطارات الأُخرى التي على الصحن.٤٠
fig12
شكل ١-١١: نماذج من السُّرَر الجِصِّية المُزَخرَفة بها وجهات الصحن.

الطاقات٤١

(راجع اللوحتين رقم ٩ (أ) و(ب) و١٠، وشكل ١-١٢) ولمَّا يقع نظرنا على العقود نلمح صفًّا من الطاقات مركب عليها شبابيك من الجِصِّ مخرَّمة تتكوَّن من تخريمها أشكال هندسية بسيطة جميلة تدور حول جدران المسجد الأربعة، والسماء من ورائها تُرَى على بُعْد كأنما هي من وراء سِتْرٍ رقيق، وهي على شكل الأقواس الكبيرة معقودة عقدًا ستينيًّا مرفوعًا على عمودين قصيرين مُتَّخَذين في نفس البناء، ويُحِيط بعقودها طراز من الجِصِّ يعتدِلُ ويأخذ اتجاهًا أفقيًّا عند مبادئها ليتصل ببعضه بين العقود، كما في الأقواس الكبيرة، وهي منظَّمة على نَسَقٍ يجعل كلَّ طاقة ثالثة واقعة على محور عقد.
fig13
شكل ١-١٢

ومن البَدَهي أنَّ هذا الوصْفَ لا يَسْري على النهايتين الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية من مقدَّم الجامع ومؤخَّره؛ لأنَّ الدعائم تُقاطِع صدر الجدار، كما هو واضح في الرسم الأفقي، والطاقات تقع الواحدة منها بين صَفَّيْن من الدعائم، كما أنَّ الطراز الأفقي هناك تقطعه الدعائم.

ويغلب على الظن أنَّ معظم الشبابيك الجصية المركبة على الطاقات لا ترجع إلى ما قبل العمارة الكبيرة التي أُجْرِيَتْ في الجامع في القرن الثالث عشر.

قال هرتس باشا: ويؤيِّد ذلك أنَّ زخرفة باطن شبابيك الجامع الطولوني هي عين زخرفة مدفن قلاون.

وقد صادف أثناء كتابتي هذا البحث أنْ زارني جناب مستر كريسول فعلمتُ منه أنَّه ما زال بين طاقات الجامع ذات الشبابيك الجصية القديمة، وهي ثمانون: أربعٌ من طرز خاص قوام رسمها دوائر متشابكة، وهذا الشكل نفسه يُرَى في زخرفة بواطن العقود بحبل الطارات الغربي، ولم يُعرَف شيءٌ من هذا القَبِيل في الآثار المتأخِّرة عن عهد الجامع الطولوني؛ وهو لذلك يعتقد أنَّ هذه الشبابيك الأربعة ترجع إلى زمن ابن طولون، وجميعها بجدار القِبْلة، وهي التي تقع في العَدِّ تحت رقم ٥ و٦ و١٥ و١٦، إذا عددنا الطاقات من الشمال إلى اليمين.

وفي اللوحة التاسعة (أ) رسم إحدى الطاقات الأربعة منقولة عن صورة فتوغرافية من رسم جناب مستر كريسول.

ولمَّا نكون في الأروقة الخارجية نرى جدران المسجد فيها الطاقات مصفوفة بطول امتداد وجهاتها، لا يُحِيط بعقودها طراز ولا زخرفة (لوحة رقم ٥).

المحراب الكبير

(لوحة رقم ١١) لم يكن بالجامع على عهد ابن طولون غير المحراب الكبير الموجود الآن، وهو منحرفٌ عن سَمْتِ محراب الصحابة.

قال كوربت بك: وقد حقَّقْتُ ذلك على قدْر الإمكان ببوصلة الجيب فوجدتُ سَمْتَ المحراب على ١٤٨° وإذا أسقطنا ° وهو مقدار الانحراف المغنطيسي الغربي٤٢ يَبْقَى لدينا ° أو ° جنوب الجنوب الشرقي، وفي جامع عمرٍو سمت المحراب على ١٣٥° وهو بالضبط الجنوب الشرقي مع إسقاط نحو ° شرق الجنوب الشرقي للانحراف المغنطيسي، وهذا الفرق وهو ١٣° أورده المقريزي في المجلد الثاني صحيفة ٢٥٦ عند ذكر محاريب مصر التي يستقبلها المسلمون في صلواتهم وقد قال إنها أربعة: أحدها محراب الصحابة — رضوان الله عليهم — الذي أسَّسوه في جامع عمرٍو والبلاد التي كثر ممرُّهم فيها من إقليم مصر. والمحراب الثاني محراب مسجد أحمد بن طولون وهو منحرف إلى الجنوب عن سمت محراب الصحابة، وقد عُقد مجلس بجامع ابن طولون في ولاية قاضي القضاة عز الدِّين عبد العزيز بن محمد بن جماعة حضره علماء الميقات ونظروا في محرابه فأجمعوا على أنَّه منحرفٌ عن خط سمت القِبْلة إلى جهة الجنوب مغربًا بقدْر أربع عشرة درجة، وكُتب بذلك محضر وأُثبت على يد ابن جماعة؛ وعلى ذلك تُعَدُّ هذه القِبْلة منحرفةً وأنَّها ليستْ على وضعٍ صحيح. والمحراب الثالث محراب جامع القاهرة المعروف بالجامع الأزهر وما في سمته من بقية محاريب القِبْلة، وهي محاريب يَشهَد الامتحانُ بتقدُّم واضعِيها في معرفة استخراج القِبْلة فإنها على خط سمت القِبْلة من غير مَيْل عنه ولا انحراف البتة. والمحراب الرابع محاريب المساجد التي في قُرى بلاد الساحل فإنها تُخالِف محاريب الصحابة، إلَّا أنَّ محراب جامع منية غمر قريبٌ من سمت محاريب الصحابة.

وقد أفاض المقريزي في هذا الموضوع، ويَحسُن بالقارئ مراجعة أقواله إذا أحبَّ الاستزادة (راجع «الخطط» ثانٍ، ص٢٥٦–٢٦٤).

fig14
شكل ١-١٣

وممَّا ذكره في سبب انحراف محراب جامع أحمد بن طولون: أنَّ أحمد بن طولون لمَّا عزم على بناء الجامع بعث إلى محراب مدينة رسول الله مَن أخَذَ سمته فإذا هو مائل عن خط سمت القِبْلة المستخرج بالصناعة نحو العشر درجات إلى جهة الجنوب، فوضع حينئذٍ محراب مسجده هذا مائلًا عن خط سمت القِبْلة إلى جهة الجنوب بنحو ذلك اقتداءً منه بمحراب مسجد رسول الله ، وقيل إنَّه رأى رسول الله في منامه وخطَّ له المحراب فلمَّا أصبح وجد النمل قد طاف بالمكان الذي خطَّه له رسول الله في المنام، وقيل غير ذلك.

روى المقريزي ذلك ثم قال: «وأنت إنْ صعدتَ إلى سطح جامع ابن طولون رأيتَ محرابَه مائلًا عن محراب جامع عمرو بن العاص إلى الجنوب، ورأيتَ محراب المدارس التي حدثَتْ إلى جانبه قد انحرفتْ عن محرابِه إلى جهة الشرق، وصار محراب جامع عمرٍو فيما بين محراب ابن طولون والمحاريب الأخرى.»

وصف المحراب: لا يزال المحراب الطولوني على وضْعه الأصلي وتكاد أجزاؤه الأصلية تكون كلُّها موجودة، وهو من الطرز المجوَّف نصف دائري، لا يختلف عن غيره من محاريب المساجد إلَّا في كون تجويفه داخلًا في الجدار أكثر ممَّا في المحاريب الأخرى، ويكتنفه من كلٍّ من جانبيه عمودان من الرخام متلاصقان لطيفان (شكل رقم ١-١٣) مرتدٌّ أحدهما عن الآخَر، قائمان في زوايا كُسِيَتْ بالرخام، ويغلب على الظن أنَّ هذه الأعمدة جُمْعتْ أجزاؤها من أبنية قديمة، ما عدا القواعد، فإنَّها قد تكون عُمِلَتْ خِصِّيصى لهذا المحراب، وقد نجح الصانع الذي عُهِد إليه بتركيبها في التوفيق بين الأبدان والتيجان والقواعد نجاحًا باهرًا.

والتيجان الأربعة من الرخام المفرَّغ كل اثنين منها متشابهان، وهي دقيقة الصُّنْع من الطرز البيزنطي القديم ومِن أحسَنِه صنعًا.

منها التاجان الجوَّانيان من النوع الذي على هيئة السلال وعليهما صحفتان من أجمل المصنوعات فيهما الحوافي منقوشة على مثال التيجان الكورنتية، وعلى أحد التاجين حلزون صغير أو كعكة، وهو من مميزات التيجان اليونانية.

أما التاجان الآخَران فإنهما من طرز عتيق مندثِر صحفتاهما منقوشتان نقشًا عميقًا ولهما رفرف على شكل العصابة التي تُتوَّج بها الكرانيش القديمة، وما عدا ذلك من التفاصيل من البيزنطي الخالص.

وقد تفنَّن الصانع في نقْش ذلك إلى حدِّ الإفراط، فأتى بالمعجز في التوريق، وتمكَّن من الحصول على الظل في عمق كبير.

وإذا نظر الإنسان إلى التزهير الموجود في التاجين الأوَّلين وإلى كيفية عمل السلة والتوريق في التاجين الآخَرين تصوَّر أنَّ ما يراه من الجِصِّ لا من الرخام، وتجويف المحراب مجلَّل بألواح من الرخام الملوَّن الأحمر والأبيض والأسود والأخضر، والألواح ليستْ عريضة ومصفوفة بعضها بجانب البعض تتخلَّلها هنا وهناك أشرطة رفيعة من الرخام.

وفوق هذه الكسوة نطاق من الفُسَيْفِساء المُذَهَّبة البيزنطية التي اشتُهرتْ بها القسطنطينية وبيت المقدس (الحرم)، وهذه الفُسَيْفِساء مكوَّنة من فصوص من الزجاج٤٣ على شكل الزهور الملتفَّة والأوراق، ومكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله بمادة سوداء رقيقة كالزجاج، ولا شك في أنَّ هذه الفُسَيْفِساء والكسوة المُتَّخَذة من الرخام بتجويف المحراب تعديلات أُدْخِلتْ على المحراب.

قال الأستاذ فان برشم: وهذه الفُسَيْفِساء نادرة جدًّا بالقاهرة، ولا يُعرَف منها غير ثلاثة نماذج صغيرة في المحاريب: بهذه القِبْلة، وفي مدرسة قلاون ٦٨٤ هجرية/١٢٨٥ ميلادية، وفي مدرسة أقبغا بالأزهر الشريف ٧٣٤–٧٤٠ هجرية/١٣٣٣ و١٣٣٤–١٣٣٩م.

وهي في محراب الجامع الطولوني ترجع إلى سنة ٦٩٦ هجرية/١٢٩٦م، إذا كانت من عمل لاجين.

والظاهر أنَّ صناعة الفُسَيْفِساء لم تُتَّخَذ في مصر أبدًا، ولم تُتداوَل فيها باستمرار، وهو بحثٌ جديرٌ بأنْ يُعنَى بالبحث فيه، وممَّا يُستَغرَب له أنَّ تلك النماذج الثلاثة رُكِّبتْ في بحر نصف قرن، وقد رُوعي في التذهيب والتوريق بهذه الفُسَيْفِساء الزخرفة لا النقل عن الطبيعة. وفي مدرسة قلاون (المنصورية) فرعٌ مورَّقٌ خارجٌ من آنية من فُسَيْفِساء («منشورات المعهد الفرنسي» المجلد ٥٢، ص٧٦) من قَبِيل الزخارف المُتَّخَذة من الفُسَيْفِساء بجامع عمر ببيت المقدس، ولكنَّها أدنى منها منزلة.

وفوق ذلك القبو عليه كسوة من ألواح رقيقة من الخشب مكسورة في عدَّة مواضع وعليها زخارف زهرية لم يُحكَم وضْعُها.

أمَّا قطاع عقده المكندج المزدوج فقد علَّق عليه الأستاذ فان برشم بأنه يبتعد قليلًا عن قطاع عقود الجامع التي تكلَّمنا عليها، ويقترب في شيء من الشبه للقطاع الفاطمي.

ومن أهم ما يلفت النظر في المحراب الكتابة الكوفية المتوَّج بها؛ لأنَّها جميلة للغاية، وهي على لوح من الخشب ثخانته ثلاثة سنتيمترات، جرى الكاتب في وضْعها على الطريقة التي عُمل بها الإزار بأنْ قطع ما حول حروفها من اللوح فلم يَبْقَ سواها، وهي من الكوفي البسيط مكتوبٌ فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله .

القُبَّة التي فوق المحراب: وبالسقف أعلى المحراب قُبَّة حديثة صغيرة من الخشب محمولة على مقرنصات.٤٤
المحاريب الصغيرة: وبالدعامتين اللتين في منتصف حبل الطارات الأوَّل٤٥ بمقدَّم الجامع مما يَلِي الصحن محرابان غير مجوَّفَيْن مصنوعان من الجِصِّ المزخرف، بعض أجزائهما ضائعة.
المحراب الأيمن منهما تُحِيط به من ثلاث جهات كتابة بالكوفي المشجَّر تشتمل على اسمَي الأفضل والمستنصر، والظاهر أنَّه من سنة ٤٨٧ هجرية/١٠٩٤م،٤٦ راجع اللوحة رقم ١٢أ، والشكل رقم ١-١٤.
وهذا نص كتابته:
(على اليمين) بسملة … أَمَر بإنشاء هذا المحراب خليفة فتى مولانا وسيدنا الإمام، (فوق) المستنصر بالله أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، (على اليسار) وأبنائه المُنتَظَرين السيِّد الأجلِّ الأفضل سيف الإمام جلال الإسلام شرف الأنام ناصر الدِّين «خليل أمير المؤمنين»،٤٧ وتحت السطر الأفقي من الكتابة الكوفية سطرٌ صغيرٌ ضيِّق مكتوب فيه: … ثقة الإمام فخر الأحكا[م] … لقاسم عبد الحاكم بن وهيب بن عبد الرحمن.

وعبد الحاكم هذا من قُضاة مصر في القرن الرابع، وقد ذُكر في كتاب «رفع الإصر عن قُضاة مصر».

والمحراب الأيسر يُحاكِي الأيمن، وهو من عمل السلطان لاجين لوُرود اسمه وألقابه في كتابته بالنص الآتي:

هذا المحراب المبارَك مولانا السلطان الملك المنصور حسام الدُّنيا والدِّين لاجين سلطان الإسلام.

fig15
شكل ١-١٤
وهذه الكتابة بخطٍّ كوفي جميل مشجَّر، والمراد بالكوفي المشجَّر الظاهرة الثانية للكتابة الكوفية البسيطة لمَّا تكامَلَتْ عوامل تحوُّلها إلى زخرفة، وذلك أنَّ ما بدا فيها من الرُّقِي في الطور السابق أخَذَ في الوضوح، وبعد أنْ كانت الكتابة في العمارة العربية البيزنطية بمعزِلٍ عن باقي الزخرفة صارتْ ترتبط بسهولة بالزخارف العربية التي تُحِيط بها كلَّما تقدَّم الطرز العربي في التحرُّر عن التأثيرات اليونانية لتقوم منها زخرفة تستعير رسمَها من الزخارف الزهرية، فانقسمتْ رأس الكاف إلى ورقة مزدوجة، وصارت العين في بعض الأحيان على هيئة الزهرة التي تنبثق منها الخوصة في الزخارف، وامتدَّت النهايات من رءوس الحروف واستدارتْ على شكل رباطٍ أو على هيئة غصون ملتوية، وسمَّاها البعض في هذا الطور بالكوفي القُرْمُطي٤٨ وآخَرون بذات الزوايا المزخرفة. أمَّا فان برشم فسمَّاها بالخط الكوفي المربع المزهر، أو ذي الزوايا المزهر؛ لأنَّها مشتقة من النوع السابق.
وكان ظهورها واضحًا لأول مرة على العملة التي أصدَرَها الخليفة الفاطمي المأمون في تونس، والظاهر أنَّها انتقلتْ فيما بعدُ بواسطة الفاطميين إلى مصر، وكانتْ رائجةً أيضًا عند العباسيين والأخيرِينَ من أمويِّ الأندلس وغيرهم من الدول الإسلامية، حتى ظهر الخط المستدير المعروف أيضًا بالنسخ، فكانتْ تُرَى في جميع النقوش التاريخية عند الفاطميين من منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن السادس، وانتقلتْ إلى القوقاز والعجم والعراق وصقلية وأفريقيا الشمالية والأندلس، وأول كتابة ظهرتْ منها كانتْ كتابة القيروان في سنة ٣٤١ﻫ.٤٩ ومن الغريب أنَّ الشَّبَه تامٌّ بين هذه الكتابة والنقود التي أَصْدَرها المأمون في تونس، واستمرَّتْ هذه الكتابة مدة قرنين سائدة على النقوش والعملة وكانتْ كثيرة التنوُّع، ومن أهم أنواعها الزخارف الجصية.
وآخِر كتابة تاريخية باقية في القاهرة بالخط المزهر عهدها سنة ٥٥٥ هجرية،٥٠ وهي منقوشة بالوجهتين الغربية والبحرية بجامع الصالح طلائع بن رزيك بجوار باب زويلة، وبعد اثنتَيْ عشرة سنةً من هذا التاريخ زالت الدولة الفاطمية، وزالتْ معها الكتابات التاريخية بالخط المزهر.
وممَّا تقدَّم يتبيَّن أنَّ كتابة محراب لاجين من النماذج النادرة بالنظر لاستعمال الكوفي المشجر من الطرز الفاطمي في كتابة تاريخية بهذا القلم في مثل هذا العصر المتأخِّر،٥١ والمظنون أنَّ نقش الكتابة كان الغرض منه المُطابَقة بين هذا المحراب ومحراب المستنصر ليس إلَّا، وفي الواقع أنَّ كتابات لاجين الأخرى المنقوشة في هذا الأثر هي بقلم النسخ المملوكي.

وفي الصف الثالث من حبل الطارات بجانبَيْ سُدَّة المبلغ محرابان آخَران من الجِصِّ اعتبرَهما فلوري من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) (لوحة رقم ١٢ب).

والمحراب الخامس من الجِصِّ أيضًا، وهو في جدار القِبْلة على يسار المحراب الكبير، اشتُهر باسم محراب السيدة نفيسة، وقد زُيِّن صدرُه ودائرُ عِقْده بنقش بعض الآيات الشريفة بالكوفي المشجر، أمَّا إطاره فإنَّه منقوش بقلم النسخ القديم.

وقد ظن كوربت بك أنَّه مِن عَمَل لاجين أو محمد الناصر، ويقول فان برشم برجوعه إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).

المنارة

(لوحة رقم ١٣ حرف أ وب، ولوحة رقم ١٤ حرف أ وب): هذه المنارة من أغرب ما يستوقف الأبصار في الجامع، وتُعَدُّ من الألغاز؛ لأنَّها مبنيةٌ على شكلٍ لا نظيرَ له في المنائر بجميع الأقطار الإسلامية، وهي تتكوَّن من ثلاث طبقات، واحدة فوق الأخرى: قاعدة مربعة، فطبقة أسطوانية، تعلوها طبقة مُثَمَّنة، ويبلغ ارتفاع قمَّتها عن أرض الجامع ٢٩ مترًا، وليس وجه الغرابة فيها يرجع إلى تربيعها؛ فإنَّ كثيرًا من المنائر قواعدها مربعة، بل لقِصَرها وضخامتها أي لانعدام التناسُب فيها بين قطاعها الأفقي وطولها، ووجود مراقِيها من الخارج على شكل مدرج حلزوني، وهي قائمة في الرِّواق الخارجي الغربي على بعد ٥٫٣٦ متر وراء جدار المسجد الخارجي، وتسعة أمتار شمالًا من محوره، وهذا الوضْع لا يجعل بينها وبين مجموع بناء الجامع علاقة، وفيما بين الجزء البحري من بنائها وبين جدار المسجد عِقْدان كبيران على شكل حدوة الفرس تبلغ فتحتهما ٤٫٠٤م، وينتهيان من الجهة البحرية على استقامة الجانب البحري من بناء المنارة بالذات، وهما مبنيان من جهة جدار المسجد بكيفية تدل دلالة ظاهرة على أنَّهما خارجان عن نظام البناء الأصلي؛ لأنَّهما عند اتصالهما به يصادفان طاقتين من طاقات المسجد يقطعانهما في وَسَطَيْهما، والعِقْدان يربطهما ببعضهما سقف مستدير من الحجر مرفوع من طرفَيْه على أربع كُتَل مستطيلة من الحجر والبناء، وهي مُتَّخَذة على هيئة أكتاف مسندة إلى جداري المسجد والمنارة وأصلها من أبنية أخرى.

ومع أنَّ العِقْدين مبنيان — على ما يَظهَر — من نفس حجر المنارة بطريقة واحدة إلَّا أنَّ حجارة العِقْدين أحكم وضْعًا من حجارة المنارة، ومع مشابهتهما أيضًا من حيث الشكل للعقود المسدودة المُتَّخَذة في أجناب قاعدة المنارة، فإنَّهما مجرَّدان من الحلية التي تُحِيط بهذه العقود والعِقْد الذي على مدخل السُّلَّم بأسفل المنارة، وزيادة على ذلك تستند رِجْل العِقْد القِبْلي على جانب سُلَّم المنارة مما يدلُّ على أنَّ الاثنين قد بُنِيَا في وقتين مختلفين، وهناك علامات أخرى ظاهرة لمَن يتأمَّل في البناء تدلُّ على أنَّ الجدار الذي يربط العِقْد الشرقي بالمنارة لم يكن هو وجدار المنارة في الأصل حائطًا واحدًا.

وقد أدَّتْ هذه الملاحظات التي أبداها كوربت بك وتتبَّعَها الأستاذ فان برشم واقتبسناها منهما إلى استنتاج أنَّ العِقْدين ليسا جزءًا من التصميم الأصلي للمنارة وأنهما بُنِيا في زمن متأخِّر ليكون بين المنارة وبين المسجد صلةٌ، وقد عُنِي بذلك عناية كبيرة لحفظ التناسُق بين العِقدين وبين الجزء الأصلي.

ثم قال كوربت بك: ومِن ثَمَّ تَظهَر المنارة التي أمامنا بسبب انعدام الاتصال بينها وبين المسجد واختلاف المواد المبنية بها وشكل عقودها — بل بكل جزئية يمكننا ملاحظتها — كأنَّها تُعلِن عن نفسِها بأنها غريبةٌ عن بناء المسجد، وأنَّها — وهو الواقع — ليستْ من عَصْره.

وبحث كوربت بك في الروايات التاريخية فقرَّر أنَّه لم يَجِدْ بينها ما يجعله يشك في نسبة هذه المنارة إلى أحمد بن طولون، ثم قال: وما ذكره المقريزي وتداوَلَه بعدَه وزخرَفَه كُتَّاب هذا العصر قد بدأه بقوله: «قيل»، وهو لفظٌ معناه: «رَوَى المؤلِّفون أو بعضُهم»، مما لا يتعيَّن به وقت رواية الخبر، ولكن الناقلون له حرَّفوه؛ ولذلك أنقله كما رواه المقريزي بحروفه وهو: «قيل عن أحمد بن طولون أنَّه كان لا يَعْبَثُ بشيءٍ قطُّ، فاتفق أنَّه أخذَ درجًا أبيض بيده وأخرجه ومدَّه واستَيْقَظ لنفسِه وعلم أنَّه قد فُطِن به، وأُخِذ عليه لكونه لم تكن تلك عادته فطلب المعمار على الجامع وقال: تَبنِي المنارة التي للتأذين هكذا، فبُنِيَتْ على تلك الصورة.»٥٢

وهذا الخبر لا أشك في أنَّه من الأقاصيص المخترَعة، غير أنَّه يدلُّ على أنَّ المنارة كانتْ منسوبةً لابن طولون، وأنَّ شكلها الخاص لَفَتَ نظر الناس إليها، ولو صدَّقناه وجدناه يحوم حول المنارة بالذات كأنْ لا علاقة لها بالمسجد؛ لأنَّ مَغزَى الخبر نفسِه واضحٌ في أنَّ شكل المنارة لم يُفكَّر فيه إلَّا بعد بناء الجامع.

ثم قال: والظاهر أنَّ هذا الخبر وُضِع ليُبيِّن السبب في اتخاذ المنارة على هذا الشكل، وهو ما لا يُمكِن التسليم به؛ لأنَّ المقريزي رَوَى عن القضاعي خبرًا وجيزًا دلَّ على الزمن الذي بُنِيَتْ فيه، هذا نصُّه حرفيًّا: «وبناه على بناء جامع سامَرَّا، وكذلك المنارة»؛ لأنَّ المفهوم من ذلك هو أنَّ بناء المنارة كان متقدِّمًا على زمن القضاعي.٥٣ وفي الخبر بيان آخَر ستُظهِر صحتَه الأيامُ عن النموذج الذي بُني عليه المسجد والمنارة، ولكنه لم يأْتِنا بجديد؛ لأنَّا لا نزال نجهَل الوضْع المبني به جامع سامَرَّا ومنارته، على أنِّي بالرغم عن مَيْلي إلى القول بأنَّ المنارة من عصرٍ متأخِّر، وأعني عصرًا فاطميًّا، أرى أنَّ الأسلَمَ هو ترك الفصْل في هذا الموضوع الآن.

على هذا النَّحْو ختم كوربت بك قولَه متردِّدًا في نسبة المنارة لابن طولون، مع أنَّه يَمِيل إلى القول بأنَّها من عصر فاطمي.

وقد علق فان برشم على الشطر الأخير بقوله: إنَّ البقايا الموجودة من المنائر الفاطمية الكبيرة هي التي بجامع الحاكم، ولا صلةَ بينَها وبينَ منارة أحمد بن طولون، ومن رأْيِه أنَّ المنارة لأحمد بن طولون، ولكنَّها لم تكنْ داخلةً في تصميم المهندس لمَّا بنَى الجامع، وإنَّما هي وليدة هواه.

وألْحَقَ كوربت بك قوله بملحوظ قال فيه: وبعدَ أنْ كتبتُ ما تقدَّم أَطْلَعَنِي مستر و. م كونواي على صورة برج متخرِّب من أبراج النار بفَيْرُوزَاباد في كتاب «ميديا وبابيلون وفارس» (تأليف زينائيد وأ. رجوزان، صحيفة ١٥١ و١٥٣)، فرأيتُه على شكل منارة ابن طولون، وإذا رجعنا إلى ما قيل من أنَّها بُنِيَتْ على هيئة منارة سامَرَّا لا يتعذَّر القول بأنَّها مأخوذةٌ من أصل فارسيٍّ، وأنَّ مؤذِّن ابن طولون المسلم كان يدعو إلى الصلاة فوق برجٍ بانِيه مجوسيٌّ، فتكون المنارة من أصل شرقي، ولا علاقةَ لها بالمعمار النصراني الذي أكثروا من ذكره.

وتناول مستر كريسول هذا الموضوع في كتابه «السلسلة التاريخية عن الآثار العربية» «كرونولوجي» (صحيفة ٤٦–٤٨) فجاء بعدَّة ملاحظات قيِّمة، رأَيْنا ألَّا نُغْفِلَها، قال: إنَّ كوربت وفرنز باشا (في كتابه «القاهرة» (كايرو)، ص١١) وغيرهما ذهبوا إلى أنَّ المنارة متأخِّرة في العهد عن الجامع، والمؤكَّد أنَّها ترجع إلى ما قبلَ سنة ٣٧٥ هجرية/٩٨٥ و٨٦م؛ لأنَّ المقدسي (طبع دوجوج، ص١٩٩) كتب عنها في تلك السنة فقال: ومنارته من حُجَر صغيرة درجها من خارج، وإنِّي لا أشك في أنَّها من بناء ابن طولون، وقد ذكر المقريزي القضاعي — وكان موجودًا في سنة ٤٥٤ﻫ/١٠٦٢م٥٤ — بمناسبة قوله: إنَّ ابن طولون بَنَى الجامع على بناء سامَرَّا، وكذلك المنارة، وقد قال ابن دقماق الذي تُوُفِّي في سنة ١٤٠٦ ميلادية مثل ذلك عن الجامع ولم يذكر المنارة صريحًا (ج٤، ص١٢٣)، ٥٥ ولا شك أنَّ المقريزي يريد منارة سامَرَّا، وهي المنارة التي بناها المتوكل سنة ٨٤٧–٨٦١ ميلادية، وما زالتْ موجودةً، وتُعرَف باسم المنارة الملوية، وقد ذكرها كينير في سنة ١٨١٤، وذكرها أخيرًا فرازر وريش والقومندور جونس وفون تيلمان، ومع ذلك فقد بَقِيَتْ مجهولةً إلى ما قبل اليوم بعشر سنوات.

ومما يلفتُ النظرَ أنَّ منارة ابن طولون، وإنْ تكن من فوقُ مستديرةً ومن تحتُ مربعةً، فالمحقَّق أنَّها كانتْ في وقت من الأوقات أكثَرَ شبهًا بمنارة سامَرَّا عمَّا هي عليه الآن (راجع المقريزي، ج٢، ص٢٦٧، وابن دقماق، ج٤، ص١٢٤، وأبا المحاسن، ج٢، ص٨ و٩) وقد رَوَوْا عن أحمد بن طولون حكاية الدرج الأبيض، وهذه الحكاية نفسها مُتداوَلة عن المنارة الملوية بسامَرَّا، على أنَّه إذا انطبق ما جاء فيها من الوصْف على المنارة الملوية فإنَّه لا ينطبق على منارة ابن طولون، كما هي الآن، وهذا يُفضِي بنا إلى السؤال الآتي:

هل أُدْخِلتْ على المنارة تعديلات؟ الجواب: نعم؛ لأنَّنا إذا بحثْنا نَجِدُ أنَّ العِقْدين الموجودين على شكل حدوة الفَرَس اللَّذَيْن يَصِلان المنارة بالمسجد يرجعان إلى زمن متأخِّر؛ لأنَّ هناك شباكين يقطعانهما في مرورهما، وإذا اعتبرنا — ولنا الحق — أنَّ القاعدة المربعة والعِقْدين المتصلين بالجامع عهدهما متأخِّر، فما هو العصر الذي يُعَيَّن لهما؟

قال ناصر خسرو، وقد زار القاهرة في خلال سنة ١٠٤٧ و٤٨: إنَّ أولاد ابن طولون باعوا الجامع للحاكم في أيَّامِه بمبلغ ٣٠٠٠٠ دينار، وبعد قليلٍ شرَعوا في هدم المنارة، ولمَّا سُئِلوا في ذلك قالوا: إنَّهم لم يبيعوها، وعند ذلك ألْزَمَهم الخليفة بأنْ يستردُّوا الجامع (راجع ترجمة شيفر، ص١٤٥ و١٤٦)، والمحتمل أنْ تكون المنارة حصل فيها تجديدٌ وقتئذٍ، ولو أنَّ مؤرِّخي الجامع سكتوا عن هذا الموضوع، وعلى أيِّ حال كانت المنارة بحالة سيئة لمَّا لجأ لاجين إليها.

ثم قال مستر كريسول: ومن المناسب أنْ نَنظُر فيما إذا كان شكلها الحالي يرجع إلى ذلك الوقت، وعلَّق على ذلك بأنَّ هناك علامتين متبايِنَتَيْن تدلَّان على ذلك؛ الأولى: عِقْدان على هيئة حدوة الفَرَس وهما اللذان ذكرناهما فيما تقدَّم، وعِقْد من قَبِيلهما بنهاية السُّلَّم (لوحة رقم ١٤ حرف أ)، وأربعة أزواج من العقود المسدودة بالوجوه الأربعة من المربع التحتاني من المنارة، والأعمدة اللولبية المضلَّعة المُتَّخَذة كحوامل في الوَسَط لثلاثة من العقود المذكورة؛ لأنَّ العقود التي من هذا القَبِيل ظهرتْ لأول مرة في مدرسة وتربة قلاون ٦٨٣ و٨٤ هجرية، فوق المدخل، ووُجدتْ عقود منها على منارة هذه المدرسة ومنارة مدرسة تربة سلار وسنجر الجاولي ٧٠٣ هجرية، ثم قال: ومن المحتمل جدًّا أنْ يكون قسم من التغييرات التي وقعتْ في المنارة من ضمن الأعمال التي أَجْراها لاجين في سنة ٦٩٦ هجرية، وكذلك النهاية التي على هيئة المبخرة الموجودة الآن تتَّفِق مع هذا التاريخ (راجع «السلسلة التاريخية» لكريسول، ص٤٦–٤٨).

ولمَّا أُزِيلَت المباني الملاصِقة للمنارة وانكشَفَ جانبُها تبيَّنَ أنَّ الحجارة المكوَّنة منها المداميك لم تُنحَتْ سطوحها، وأنَّ هناك فرقًا عظيمًا بين مباني الجامع والمنارة.

وللتثبُّت ممَّا إذا كان بناء المنارة كله خارجًا وباطنًا من عصر واحد، نُقِبَ فيه نقبٌ بعرض متر وارتفاع ثلاثة أمتار تقريبًا في الجانب الجنوبي من الكتلة المكوِّنة للقاعدة بارتفاع الصُّفَف التي على هيئة طاقات، فظهر ما يأتي:
  • أولًا: أنَّ البناية على امتداد النقب كله من نوع واحد.
  • ثانيًا: أنَّه لا يُوجَد فاصلٌ في أجزاء البناء بين خارج البناء وداخله.
  • ثالثًا: لم تُصادَف أيةُ علامة يُستَدَلُّ منها على وجود بناء داخلي أسبق في العهد من البناء الظاهري.

وقد تقدَّم أنَّ مستر كريسول يَرَى أنَّ التماثُل قائمٌ بين منارتَيْ جامعَي ابن طولون وسامَرَّا، ولكن هذا التماثُل غير موجود؛ لأنَّ الشكل الظاهري يختلف في كلٍّ من المنارتين عن الأخرى اختلافًا تامًّا: فإنَّ منارة سامَرَّا مبنيةٌ من أسفلها بناءً حلزونيًّا يَدُور ستَّ دورات صاعدًا بانحدار خفيف يقوم مقام الدرج، ومنارة ابن طولون على العكس من ذلك لها قاعدة مربعة وسُلَّم خارجي مدرج بأربع قلبات وأربعة أجناب ينتهي إلى بسطة فسُلَّم حلزوني ينتهي بعدَ نصف دَوْرة يُصعَد منه إلى بسطة أخرى يستند عليها الجزء العلوي الذي على هيئة مبخرة من الطرز المعروف في أبنية العصر الأيوبي.

وقد ذهب مستر كريسول أيضًا فيما ذكره إلى أنَّ المنارة الأخيرة من بناء ابن طولون واستند في نظريته على رواية المقريزي (جزء ثانٍ، ص٢٦٦) عن القضاعي بأنَّ ابن طولون بنَى جامعَه على بناء جامع سامَرَّا، وأنَّ هذه المنارة على رواية المقدسي من حُجَر صغيرة درجها من خارج، ولكن بعد الإيضاحات التي أَوْرَدْناها لم يَبْقَ للشك مجالٌ في أنَّ البناية الموجودة الآن ليستْ من القرن الرابع الهجري ولا الثالث.

ويظهر أنَّ مستر كريسول مُقتَنِع بحقيقة ذلك حتى أنَّه لم يتردَّد في القول بأنَّ المنارة وَقَع فيها تبديل («كرونولوجي»، ص٤٧)، على أنَّه لم يَظهَر من الاستكشاف الذي عُمل ما يمكن اعتباره تبديلًا أو ترميمًا حقيقيًّا، وأنَّ البناء مشيدٌ في وقت واحد من أسفل إلى أعلى على قاعدة واحدة، ولا بأس من أنْ نُسلِّم بما قاله المؤرِّخون من أنَّ المنارة كانتْ متخرِّبة لمَّا اختَفَى فيها لاجين في سنة ٦٩٣، ولكن يَظهَر أنَّ الأقرب إلى الاستنتاج هو أنَّه بعدَ وقوع هذا الحادث التاريخي كان من المتيسِّر هدمُ المنارة وإعادة بنائها عن ترميمها (هذه الملاحظة الأخيرة اقتبسناها من مجموعة لجنة حفظ الآثار العربية سنة ١٥–١٩، ص٢١ و٢٢، الطبعة الفرنسية).

قال الأستاذ فان برشم: ولم يكن المقرنص الذي على شكل خلايا الموجود بالطبقة العليا من المنارة معروفًا على عهد ابن طولون («مجموعة الكتابات العربية المنقوشة»، القاهرة، ص٧٥ من المجلد الثاني والخمسين من منشورات المعهد العلمي الفرنسي).

وقال أيضًا في موضع آخَر: إنَّ الشَّبَه متوفِّر بين هذه المنارة ومنار الإسكندرية الذي رمَّه أحمد بن طولون المتواتِر ذكره في المؤلَّفات التاريخية العربية، والذي وصفوه بأنَّه «ثلاثة أشكال: فقريبٌ من النصف وأكثر من الثلث مربع الشكل بناؤه بأحجار بِيض، ثم من بعد ذلك مُثَمَّن الشكل مبنيٌّ بالحجر والجِصِّ، وأعلاه مُدوَّر» (مقريزي، ج١، ص١٥٧)، ومنارة ابن طولون بهذا الوضْع إلَّا أنَّ الدَّوْر الثاني أسطواني.

وكان بأعلى المنارة مركب من نحاس تُعرَف بالعشاري، وهي مرسومة في اللوحة التاسعة والعشرين من أطلس كتاب «وصف مصر».

قال المقريزي: «والعامَّة يقولون: إنَّ العشاري الذي على المنارة المذكورة يَدُور مع الشمس، وليس صحيحًا، وإنَّما يَدُور مع دوران الرياح.»

قال كوربت بك: ولم تنفرد هذه المنارة بالمركب التي فوقها؛ لأنَّ الأمثلة منها كثيرةٌ بمصر، من ذلك مركب قُبَّة الإمام الشافعي، وقد رأيتُ مثلَها كثيرًا بمساجد عديدة بالأقاليم وفي رشيد،٥٦ وكانتْ تُمْلَأ بالحبوب ليأكل منها الطير، وقد أَوْرد الجبرتي خبر سقوطها في حوادث سنة ١١٠٥ هجرية،٥٧ ورآها المقريزي قبلَه وذكرها مرَّتين (ج٢، ص٢٦٦ و٢٦٧)، وكذا ابن دقماق (رابع، ص١٢٣).
الميضأة التي في وسط الصحن: (لوحة رقم ١٥ حرف أ) وفي وسط الصحن ميضأة مرفوعٌ عليها قُبَّة كان محلَّها في الأصل — على ما ذكره المقريزي — بناءٌ أعلاه قُبَّة مشبك من جميع جوانبه على عشر عُمُد رخام، ويُحِيط به ستة عشر عمودًا من الرخام، ويُفهَم من ذلك أنَّ هذا البناء كان على شكل مُخَمَّس ترتكز كل زاوية من زواياه على عمودين، وحَوْلَ ذلك مُثَمَّن محمول على عُمُد بالترتيب السابق، وتحت القُبَّة قصعة من رخام قُطْرها أربعة أذرع (أعني مترين وثلاثين سنتيمترًا)، وفي وَسَطها فوَّارة، والظاهر أنَّه بالرغم من اضطراب عبارة المقريزي وغموضها، أنَّ سطح المُثَمَّن كان مُحاطًا بدرابزين ساج٥٨ ويُستَعمَل للأذان، وقيل بل كان المستعمل لذلك السُّلَّم، وكانتْ على القُبَّة علامات الزوال.

قال كوربت بك: والظاهر أنَّ هذه الفوَّارة لم تكن مخصَّصةً للوضوء، وإنما اتُّخِذتْ زينةً في الصحن، وقد رُوِيَ أنَّ ابن طولون لمَّا فرغ من بناء الجامع قال رجلٌ: ليستْ له ميضأةٌ، فقال له: أمَّا الميضأةُ فإنِّي نظرتُ ما يكون بها من النجاسات فطهَّرتُه منها، وأنا أبْنِيها خلْفَه، ثم أمَرَ ببنائها.

وفي ليلة الخميس لعشرٍ خَلَوْن من جُمَادَى الأُولى سنة ستٍّ وسبعين وثلاثمائة (٩٨٦م) احترقَتِ الفوَّارة فلم يَبْقَ منها شيءٌ.

وفي المحرَّم سنة خمس وثمانين وثلاثمائة/٩٩٥م أمَر العزيزُ بالله ابن المعز الخليفة الفاطمي، وقيل بل أُمُّه تغريد،٥٩ ببناء فوَّارة عِوَضًا عن التي احترقتْ فعُمِل ذلك على يد راشد الحنفي، وتولَّى عمارتَها ابن الرُّومية وابن البناء، وهي أول عمارة أُجْرِيتْ في الجامع وحفِظَ لنا التاريخُ ذكرَها، وفيما بعدُ أُقِيم محلَّ هذه الفوَّارة البناء الموجود الآن، وهو مكوَّن من قاعدة على شكل قائم الزوايا ١٢٫٨٧م × ١٤٫٣٨م، وأطول أضلاعه الجنوبي الشرقي والشمالي الغربي، وهذه القاعدة مشيدة بحجر جيِّدٍ من جبل المقطم فوقَه منطقة اتصال مكوَّنة من طبقتين من الحنايا من قَبِيل ما في جامع بيبرس الجاشنكير المبني في سنة ٧٠٦–٧٠٩ﻫ/١٣٠٦–١٣٠٩م، وعلى هذه الحنايا سقفٌ مُثَمَّن من الخارج وشبه مستدير من الداخل، مرفوع عليه قُبَّة قطاعها ستيني، وهذه القُبَّة تشغل من البناء مربعًا ضلعه ١٢٫٨٧ في القسم الجنوبي الغربي، وما زاد بعدَه من البناء في الجهة الشمالية الشرقية يحتوي من الداخل على سُلَّم كان يُصعَد منه إلى غرفة صغيرة في الركن الشمالي الشرقي من السطح.

وفي كل جانب من الجوانب الأربعة من البناء عِقْد كبيرٌ لا ارتداد فيه مبنيٌّ بالآجُرِّ المجلَّل بالجِصِّ، والظاهر أنَّ هذه العقود لم يكن تحتها أبواب بل كان البناء مفتوحًا في جوانبه الأربعة، والأرض مفروشة بالرخام وأكثره ألواح طويلة شُقَّتْ من عُمُد.

ولا يوجد في القاهرة قُبَّة أخرى أُقِيمتْ لتكون ميضأة، والمشاهَد في كثير من المساجد والمدارس كجامع السلطان حسن مثلًا هو وجود ميضأة عليها قُبَّة أو مِظَلَّة بسيطة على عُمُد من الرخام أو الحجر وليست على قاعدة ذات قطاع مربع، ولا يُخامِرنا شك في أنَّ هذه الميضأة من تجديدات الملك المنصور لاجين، وتدلُّ على ذلك كتابةٌ منقوشةٌ في لوحٍ من الخشب بقلم نسخ نصُّها:

أمَرَ بإنشاء هذه القُبَّة المبارَكة والفسقية والساعات الشريفة مولانا السلطان الملك المنصور حسام الدُّنيا والدِّين لاجين المنصوري، في سنة ستٍّ (؟) وتسعين وستمائة (١٢٩٦ ميلادية).

وهذا اللوح مُثبَّتٌ بأعلى الزاوية الشمالية الشرقية من القاعدة، ولهذه الكتابة أهمية تاريخية؛ لأنَّ الميضأة لم يذكرها المقريزي في كلامه على عمارة لاجين، كما أنَّ القُبَّة التي عليها تمتاز من الوجهة الأثرية بكونها على هيئة القباب التي لم تُؤْلَف إلَّا في الأضرحة، والمراد بالساعات في هذه اللوحة المِزْوَلة التي تُتَّخَذ لإخراج ساعات النهار، ولقد عثر الفرنسيون لمَّا احتلُّوا هذه البلاد على لوحٍ من الرخام منقوشٍ عليه مجموعةٌ من الخطوط تحتوي في الوَسَط على أسماء الساعات ومنطقة البروج، والاتجاهات مكتوبة بالقلم الكوفي المعروف بالفلكي، وفي الطرف سطر بالكوفي الدقيق يُقرَأ منه:

أمَرَ بعمل هذه الساعات بالجامع المعروف بأحمد بن طولون تغمَّده الله برحمته في سنة ٦٩٦.

ولا يبعد أنْ تكون هذه المزولة هي المقصودة بكلمة الساعات في الكتابة التي على القُبَّة الوُسْطى، وهي مُندَرِجة في أطلس كتاب «وصف مصر»، ج٢، لوحة حرف ج.٦٠
ومما تقدَّم يتبيَّن أنَّ لاجين لم يَبْنِ هذه الميضأة على مثال الفوَّارة الأصلية،٦١ والدليل على أنَّها ميضأة الحوض الكبير المُثَمَّن، وإشارة الآية الشريفة المنقوشة على القُبَّة من الداخل إلى الوضوء.

(كوربت بك في «المجلة الآسيوية» سنة ١٨٩١، ص٥٤٥، و«منشورات المعهد العلمي الفرنسي» المجلد ٥٢، ص٧٦، و«خطط المقريزي» بتصرف).

(٦) بعض العمارات والتجديدات التي أُجْرِيَتْ بالجامع

عمارة بدر الجمالي

ذكرنا فيما تقدَّم تجديد العزيز أو أمِّه تغريد للميضأة، ولم يَرِدْ في التاريخ بعد ذلك ما يُستَدَل منه على إجراء عمارات أو تجديدات بالجامع إلى أيام المستنصر بالله الخليفة الفاطمي؛ إذْ أجرى به بدر الجمالي عمارةً لا زال أثرُها مُشاهَدًا على باب كبير مسدود الآن بالبناء في السور الخارجي على بُعْد نحو ثلاثين مترًا من الزاوية الشمالية الشرقية؛ حيث يقرأ الإنسان ما بين نجاف (عتب) الباب والشرفات كتابة بالكوفي الجميل المزهر منقوشة في لوح من الرخام مقاسه ٠٫٢٦٠ × ٠٫٤٥ نصُّها:

بسملة … (٢) نصرٌ من الله وفتحٌ قريب لعبد الله ووليِّه معدٍّ أبي تميمٍ الإمام المستنصِر بالله أمير المؤمنين صلواتُ الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين (٣) أمَرَ بتجديد هذا الباب وما يَلِيه عند عُدْوان النار على ما أبْدَعَه المارِقون فيه السيِّد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام أبو النجم بدر المستنصري (٤) أدام الله قدرتَه وأعلى كلمتَه ابتغاءَ ثواب الله وطلب مرضاته، وذلك في صفر سنة سبعين وأربعمائة، الحمد لله وصلواته على سيِّدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليمًا.

(راجع اللوحة رقم ١٦).

وتدل هذه الكتابة وإنْ كانت غير صريحة على أنَّ الحوادث العظيمة التي جَرَتْ على عهد المستنصر في الشِّدَّة العظمى، وقد أشَرْنا إليها فيما تقدَّم، نال منها جامع ابن طولون نصيبَه لمَّا ثار الأتراك والعَبِيد وتجمَّعوا لمحاربة بعضهم مرارًا ظهر في آخِرِها الأتراكُ وهزموا العبيدَ إلى بلاد الصعيد، فاغترَّ ابنُ حمدان مقدَّمُهم وعاد إلى القاهرة وقد عَظُم أمرُه وقوِيَ جأْشُه واستخفَّ بالخليفة وخرقَ ناموسَه، وطال الفسادُ إلى أنِ انتهى بالاعتداء على القصر والمكتبة فنُهبا نهبًا بمرأًى ومسمعٍ من الخليفة، وزادتِ المصائبُ بوقوع الطاعون والجوع فالْتُهمتِ القاهرة والفسطاط، وصار الخليفة على آخِر رَمَقٍ إلى أنْ فكَّر في بدر الجمالي نائبِه بالشام فاستدعاه ليُعِيد الأمنَ إلى نصابِه فأبْحَرَ إليه في سنة ٤٦٥، وتمَّ له الفَوْزُ، وقد أشار المقريزي إلى ما تركتْه هذه الحوادث من الأثر فقال: وبسبب هذا الغلاء خرب الفسطاط، وخلا موضع العسكر والقطائع وظاهر مصر مما يلي القرافة حيث الكيمان الآن إلى بركة الحبش.

والظاهر أنَّ بعض الثائرين، وقد سمَّاهم المقريزي بالمارقين، توصَّلوا إلى الجامع وتحصَّنوا فيه فحوصِروا وأُحْرِق بسبب ذلك جزءٌ منه جَدَّدَه بدر الجمالي سنة ٤٧٠، ولمَّا تمَّ ذلك أشار إلى هذه الحوادث في الكتابة التي وضَعَها تذكارًا لعمارته.

عمارة الحافظ الفاطمي

وفي سنة ٥٢٦ ﻫ/١١٣٢م أَحْدَث القاضي سراج الدِّين باسم الخليفة الحافظ بعض أعمال في الجامع لم تدلَّ عليها كُتُب المؤرِّخين ولا الكتابة التي كانت في الجامع واندثرتْ، وهي مندرجة في كتاب «وصف مصر» بالكوفي الخفيف المزهر، وبها اسم الخليفة الحافظ الفاطمي، ونصُّها حسب قراءة جناب الأستاذ جاستون فييت مدير دار الآثار العربية:

(١) بسملة … ممَّا أمَرَ بإنشائه عبد الله ووليُّه مولانا وسيدنا عبد المجيد أبي (٢) الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين صلواتُ الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين (٣) على يد (؟؟) عبده (؟) ومملوكه القاضي المؤيَّد الأمير سراج الدِّين علَم المجتهـ[ـد]ين (كلمة) المؤمنين (كلمة) الإمام وعمدة الأحكام (٤) نظام (؟) المِلَّة وجلاله فخر الأمة وكماله (كلمة) الدولة النبوية عماد الخلافة العلوية الحافظية درًّا (٥) لمآثر والفضائل ولي أمير المؤمنين أبو الثُّرَيَّا نجم بن جعفر (كلمة) الله (١١–١٣ كلمة) وعشرين (؟) شوَّال (؟) سنة ست (؟) وعشرين (؟) [وخمسمائة].

ولقد عانَى في هذه القراءة مشقَّةً، وكان الأستاذ فان برشم حاول ذلك فلم يتمكَّن من قراءة كل الكلمات على صحة فاستدرك ذلك الأستاذ فييت (راجع تعليقاته في «منشورات المعهد العلمي الفرنسي» المجلد ٥٢، ص٨٢ وما يليها).

وكان سراج الدين أبو الثُّرَيَّا بن جعفر قاضي القُضاة بالقاهرة من جُمادَى الثانية سنة ٥٢٦ إلى شوَّال أو القعدة سنة ٥٢٨، وفي هذا التاريخ قَتَلَه حسن ابن الخليفة الحافظ لمَّا تغلَّب على الأمر، وقد وردَ ذِكْرُه في كتاب «رفع الإصر عن قضاة مصر» لابن حجر العسقلاني.

اتخاذ الجامع مأوًى للغُرَباء: قال الرحَّالة الشهير أبو الحسين محمد بن أحمد بن جُبَيْر الكِنَاني الأندلسي البَلَنْسي عند ذكْرِه هذا المسجد الكبير أنَّ السلطان صلاح الدِّين يوسف جعَلَه «مأوًى للغُرَباء من المغاربة، يسكنونه ويُحلِّقون فيه، وأجْرَى عليهم الأرزاق في كل شهر. قال: ومِن أعجب ما حدَّثنا به أحَدُ المتخصِّصين منهم أنَّ السلطان جعل أحكامَهم إلَيْهم ولم يَجْعَل يدًا لأحدٍ عليهم، فقدَّموا من أنفسِهم حاكمًا يمتثلون أمرَه ويتحاكَمون في طوارئ أمورِهم عندَه، واستَصْحَبوا الدَّعَة والعافية وتفرَّغوا لعبادة ربهم، ووجدوا مِن فضْل السلطان أفضلَ مُعِين على الخير الذي هم بسبيله.» وقد عُرِفَتْ بهم الجهة التي بها الجامع فكانتْ تُسمَّى «خط المغاربة»، وكانت رحلة ابن جبير إلى مصر في سنة ٥٧٨ هجرية.

اتخاذ الجامع كمخزن أو مخبز للغلال: وفي سنة ٦٦٢ هجرية/١٢٦٣ ميلادية جُعل الجامع — على ما يظهر — مخزنًا أو مخبزًا؛ لأنَّ المقريزي يقول: «وأمَرَ السلطان بيبرس البندقداري» أنْ يُفرَّق من الشون السلطانية على أرباب الزوايا كل يوم مائة إردبٍّ بعدما يُعمَل خبزًا بجامع ابن طولون.٦٢ (ورقة رقم ١٥٦، مجلد ٢، من الجزء الأول والثاني من «السلوك» للمقريزي من النسخة المأخوذة بالفتوغراف ومحفوظة بدار الكتب).

عمارة حسام الدِّين لاجين

وقال المقريزي: لمَّا قُتل الأشرف بناحية تروجة في سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكان ممَّن وافق الأميرَ بيدرًا، قاتِلُه الأميرُ حسامُ الدِّين لاجين المنصوري والأميرُ قراسنقر، فلمَّا قُتِل بيدر في محاربة مماليك الأشرف فرَّ لاجين وقراسنقر من المعركة فاختَفَى لاجين بالجامع الطولوني، وقراسنقر في داره بالقاهرة، وصار لاجين يتردَّد بمفرده على الجامع وهو حينئذٍ خرابٌ لا ساكِنَ فيه وأعطَى اللهَ عهدًا إنْ سلَّمَه من هذه المحنة ومكَّنَه من الأرض أنْ يُجَدِّد عمارةَ الجامع ويجعل له ما يقوم به، ثم إنَّه خرج منه في خفيةٍ إلى القرافة فأقام بها مدةً وراسل قراسنقر فتحيَّل في لحاقه به، وعملا أعمالًا إلى أنِ اجتمعا بالأمير زين الدين كتبغا المنصوري وهو إذ ذاك نائب السلطنة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون القائم بأمور الدولة كلها فأحضرَهما إلى مجلس السلطان بقلعة الجبل بعد أن أتقن أمرهما مع الأمراء ومماليك السلطان فخلع عليهما وسار كلٌّ منهما إلى داره وهو آمِنٌ، فلم تَطُلْ أيامُ الملك الناصر في هذه الولاية حتى خلَفَه الأمير كتبغا، وجلس على تخت الملك، وتلقَّب بالملك العادل فجعل لاجين نائب السلطنة بديار مصر، وجرتْ أمورٌ اقتَضَتْ قيام لاجين على كتبغا وهو بطريق الشام ففرَّ كتبغا إلى دمشق واستَوْلَى لاجين على دست المملكة، وسار إلى مصر وجلس على سرير الملك بقلعة الجبل، وتلقَّب بالملك المنصور في المحرم من سنة ست وتسعين وستمائة، فأقام قراسنقر في نيابة السلطنة بديار مصر وأخرج الناصر محمد بن قلاون من قلعة الجبل إلى كرك الشوبك فجعله في قلعتها، وأعانَه أهل الشام على كتبغا حتى قَبَض عليه وجَعَله نائب حماة فأقام بها مدة سنين بعد سلطنة مصر والشام، وخلع على الأمير علم الدين سنجر الدواداري وأقامَه في نيابة دار العدل وجعل إليه شراء الأوقاف على الجامع الطولوني، وصرف إليه كل ما يحتاج إليه في العمارة وأكَّد عليه ألَّا يُسَخِّر فيه فاعلًا ولا صانعًا وألَّا يُقِيم مُستَحِثًّا للصُّنَّاع، ولا يشتري لعمارته شيئًا مما يحتاج إليه من سائر الأصناف إلَّا بالقيمة التامَّة، وأنْ يكون ما ينفق على ذلك من مالِه، وأشهَدَ عليه بوكالته، فابتاع منية أندونة من أرض الجيزة، وعُرِفتْ هذه القرية بأندونة كاتب مصر كان نصرانيًّا في زمن أحمد بن طولون، وممَّن نكبه وأخذ منه خمسين ألف دينار، واشترى أيضًا ساحةً بجوار جامع أحمد بن طولون ممَّا كان في القديم عامرًا ثم خرب وحكرها، وعمر الجامع وأزال كل ما كان فيه من تخريب وبلَّطه، وزاد لتحسين المحراب الكبير — على ما يظهر — التعديلات التي أُدْخِلتْ عليه على ما بيَّنَّاه في وصْفه، وأنشأ القُبَّة التي فوقَه أو الجزء السُّفلي منها على الأقل.

وممَّا تخلَّف من هذه العمارة قطعة من نحاس طولها ١٫٤٠ متر مكتوب عليها بقلم نسخ متوسط:

أمَرَ بتجديد هذا الجامع مولانا السلطان الملك المنصور حسام الدُّنيا والدِّين لاجين.

وهي معروضة بدار الآثار العربية.

وبيَّضَه ورتَّب فيه دروسًا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة التي عمل أهل مصر عليها، ودروسًا يُلقَى فيها تفسير القرآن الكريم، ودرسًا لحديث النبي ، ودرسًا للطب، وقرَّر للخطيب معلومًا، وجعل له إمامًا راتبًا ومؤذِّنِين وفرَّاشِين وخَدَمة، وعمل بجواره مكتبًا لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله عز وجل، وغير ذلك من أنواع القُرُبات ووجوه البر،٦٣ فبلغت النفقة على عمارة الجامع وثمن مشتملاته عشرين ألف دينار.

وقد ذهب البعض إلى أنَّ ما بقِيَ من سقف المسجد هو من عمل لاجين لقول ابن إياس: إنَّ الجامع كان خربًا بغير سقف مدة ١٧٠ سنة (ج أول، ص١٣٦)، ولكن مَن يتأمل في طرز هذه البقايا يميل لنسبتها إلى عصر إنشاء المسجد، وما عدا ذلك جدَّدَتْه لجنة حفظ الآثار العربية في أوائل القرن الرابع عشر الهجري.

المنبر (اللوحات رقم ١٧ و١٨ و١٩ و٢٠ وشكل رقم ١-١٥): ومن إصلاحات لاجين أنَّه أزالَ ما كان في الجامع من تخريب، وسقفه وبلَّطه، وعمل له منبرًا بعد أنْ نقل منه منبره القديم.

وكان منبر لاجين لا يزال في محلِّه كامِلًا في سنة ١٨٤٥ ميلادية لمَّا حضر إلى القاهرة مستر جيمس ويلد أمين متحف سوان بلوندرة وتمكَّن من فحصه ورسمه رسمًا دقيقًا، ومَن يطَّلِع على هذا الرسم يرى أنَّ المنبر كان يحتوي في كل جانبٍ على شكل هندسي دائري كبير في وَسَطه نجمة تُحِيط بها ثمان حشوات كبيرة مُثَمَّنة تتبادل بين نجوم وأشكال عربية، وبأعلى الشكل وأسفله أنصافٌ من أربعة أشكال من الرسم نفسه، ثم امتدَّتْ إليه الأيدي ونزعتْ منه حشواته المُتَّخَذة من الساج الهندي «التك» والعظم والأبنوس.

fig16
شكل ١-١٥
وقد اشترى منها متحف سوث كينسينجتون (المسمَّى الآن متحف فكتوريا وألبرت) ست حشوات مستطيلة من الخشب المنقوش، وبمساعدة الرسم الذي وضَعَه مستر جيمس ويلد تمكَّن المتحف من تركيب هذه الحشوات في مربع كبير، ثم فُصلت القِطَع عن بعضها، وعُرِضتْ منفردة على جدران المتحف تحت رقم ١٠٨٥، ومِن بينها حشوتان منقوش عليهما الكتابة الآتية، وهي بقلم النسخ المملوكي بحروف صغيرة، وقد نشرها مسيو لين بول في كتابه «الفن الإسلامي» (ص١٣١، وشكل ٤٠)، وهي بالنص الآتي، كما نقلناه عن فان برشم:

(١) أمَرَ بعمل هذا المنبر المبارَك مولانا السلطان (٢) الملك المنصور حسام الدُّنيا والدِّين لاجين (٣) المنصوري، وذلك في العاشر من صفر من شهور (٤) سنة ست وتسعين وستمائة (١٢٩٦م) أحسن الله عاقبتها.

وعلى باب المنبر كتابةٌ أخرى باسم لاجين في لوحٍ آخَر تشتمل على تاريخ إنشاء المنبر، والنص واحد، ويُؤخَذ من هذا التاريخ أنَّ لاجين بمجرَّد جلوسه على كرسي السلطنة في يوم الإثنين ٢٨ محرم/ ٢٦ نوفمبر من تلك السنة شرع في الوفاء بنذره.

والقِطَع الأخرى مزخرفة بنقوش مشجرة مورقة من شغل ممتلئ عريض (ميجون «الفن الإسلامي»، ص١٠٤).

وفي كتاب رونيه المسمَّى «أيام في القاهرة» صورة منقولة عن بعض تفاصيل المنبر (رسم ١، دوزا في سنة ١٨٣٠م).

وفي سنة ١٩٠٥ ميلادية أهدى مسيو جودفروي بروار من فلورنسا لدار الآثار العربية ست قِطَع من حشوات المنبر، وكان قد حضر إلى القاهرة سائحًا، وهو من المُولَعين بالآثار، فرأى عنده هرتس باشا اثنتي عشرة قطعة من هذه الحشوات، وكان قد اشتراها، ولمَّا عرف منه أنَّها من المنبر أهدى لدار الآثار القِطَع الست المذكورة، والباقي سلَّمَه لهرتس باشا ليصنع مثله.

وفي سنة ١٩٠٨ ميلادية في مرور هرتس باشا بفينا رأى في متحف الفنون والصنائع بعض حشوات من الخشب المنقوش مكتوب عليها ما يُفهَم منه أنَّها مأخوذة من سقف جامع ابن طولون، فأدْرَك أنَّها لا بدَّ أن تكون من المنبر، وطلب من المتحف أنْ يُرسِل له من الحشوات صُوَرًا فتوغرافية بالحجم الطبيعي ليتمَّ منها ما ينقص من أجزاء المنبر الأصلية، وقد أُجِيبَ إلى طلبه، فاجتمع عند اللجنة ما يُساعِد على إرجاع هذا الأثر النفيس إلى أصْله، وقد تمَّ ذلك، وأُعِيد المنبر إلى ما كان عليه.

وعلى عهد السلطان لاجين أَوْقَف شادي بن شيركوه على الجامع شمعدانًا من النحاس محفوظًا الآن بدار الآثار العربية، وهو يحتوي على أربعة سطور مُستديرة، منها سطر على البدن وآخَران على الرقبة مكتوب فيها ما يأتي:

على البدن

  • السطر الأول، بقلم نسخ متوسط: ممَّا عُمل برسم الجامع المعمور ببقاء سيد ملوك المسلمين مولانا السلطان الملك المنصور حسام الدُّنيا والدِّين أبي (ابن) عبد الله لاجين الذي تقرَّب إلى الله تعالى بعمارته.
  • السطر الثاني، بالنسخ الدقيق: المعروف بابن طولون تقبَّل الله منه ذلك، وأحسن إليه في الدُّنيا والآخِرة، وجعله في صحائف حسناته.

على الرقبة

  • السطر الثالث، بالقلم السابق: تقرَّب بوقْفيَّته على جامع ابن طولون في المحراب.
  • السطر الرابع، بالقلم نفسه: العبد الفقير إلى الله تع شادي ابن شيركوه أثابه لله تعالى الكبير.

وتلَتْ عمارةَ لاجين عماراتٌ جزئية، منها: أنَّ القاضي كريم الدِّين الكبير جدَّد في الجامع مِئْذَنتين في عهد الناصر (مقريزي ج٢، ص٢٦٩)، وقد ذكرناهما فيما تقدَّم.

وفي سنة ٧٠٢ﻫ/١٣٠٢م لمَّا نُكِبت القاهرة بالزلزال وسقط كثيرٌ من جوامعها القديمة لم يُصَبِ الجامع الطولوني بشيءٍ مُهِمٍّ على ما يَظهَر (كاترمير «السلاطين المماليك»، ج٢، (٢)، ص٢١٤ وما بعدها).

وفي سنة ٧٩٢ﻫ/١٣٩٠م جدَّد الحاج عبيد بن محمد بن عبد الهادي الهويدي البازدار مقدَّم الدولة في أيام السلطان برقوق الرِّواق الغربي الملاصِق للمِئْذنة الكبرى، وجدَّد ميضأةً بجانب المِئْذنة القديمة٦٤ التي كانتْ — على ما يُظَنُّ — في الجناح البحري الغربي من هذا الرِّواق حيث تُوجَد الآن ساقية.

وقد أغفل المقريزي وابن دقماق المحلَّ الذي كانتْ به، ولم يذكرا عنها إلَّا أنَّها كانت في مؤخَّر الجامع (ابن دقماق، ج٤، ص١٢٣، ومقريزي، ج٢، ص٢٦٩).

وفي سنة ٩٣٠ هجرية/١٥٢٣ ميلادية أنشأ شخصٌ يُعرَف بشرف الدِّين المديني على يسار المنارة الكبيرة مُصلًّى وتربةً على بابِها قطعةٌ من الخشب منقوش فيها كتابة بهذا المعنى.

وعلى عهد محمد بك أبي الذهب أُنشِئتْ في الجامع ورشةٌ لعمل الأحزمة الصوف، واستمرَّ الجامع بعد ذلك متروكًا حتى كانتْ سنة ١٢٦٣ (١٨٤٧ ميلادية) فتحوَّل الجامع إلى مَلْجَأ للعَجَزة والطاعنين في السِّنِّ على يد كلوت بك، ولحِقَ به تَلَفٌ كبيرٌ، وفي ذلك يقول بريس دافن في سنة ١٨٧٧ ص٩٥:

إنَّ وقوع هذا الأثر الجليل العريق في القِدَم فريسةً للخراب يَرْجِع إلى كلوت بك؛ لأنَّه أرادَ أنْ يجعَلَه ملجأً فأقام سُدودًا من بناءٍ رديءٍ بين الدعائم وفتح فيها نوافذ فتحوَّلت الأروقة إلى مساكن وأصبح من المتعذِّر رؤية الجامع كله ورسم تفاصيله المهمة.

والإنسان لا يكاد يملك نفسه عن انتقاد هذا الاعتداء الفظيع المحجوب تحت ستار الرغبة في عمل الخير.

ثم صدرتْ إرادة سَنِيَّة بنقْل الملْجَأ إلى مارستان بولاق، وقد لَبِثَ الجامع بعد ذلك مدَّة طويلة مهجورًا يُعرَف بالتكية لهذا السبب.

١  كان المسلمون في صدر الإسلام يجمعون الجمعة في المُدُن في مسجدٍ واحدٍ يُطلِقون عليه مسجد الجماعة؛ لأن عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — لمَّا افتتح البلدان كتب إلى أمرائه بالبصرة والكوفة ومصر أنْ يتخذ كلٌّ منهم مسجدًا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضمُّوا إلى مسجد الجماعة، فكان الناس متمسِّكين بأمر عمر وعهده، ولمَّا قَدِم أحمد بن طولون مصر كانت الجمعة تُقام بجامع عمرٍو وبجامع العسكر، فلمَّا بنى جامعه أُبْطِلت الخطبة من جامع العسكر وصارتْ تُقام بجامع عمرٍو وبجامع ابن طولون.
وفي عهد الفاطميين كانت الخطبة تُقام في جامع الحاكم والجامع الأزهر وجامع أحمد بن طولون وجامع مصر. ولمَّا استبدَّ السلطان صلاح الدِّين يوسف بن أيوب بالسلطنة عمل بمقتضى مذهب الإمام الشافعي — رضي الله عنه — وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد، فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقرَّ الخطبة بالجامع الحاكمي من أجل أنه أوْسَع، فلم يَزَل الجامع الأزهر مُعطَّلًا من إقامة الجمعة فيه نحو مائة عام إلى أيام الملك الظاهر بيبرس فأُعِيدت الخطبة فيه بعد أنْ أُخِذتْ فتوى العلماء بجواز الجمعة فيه («خطط المقريزي»، جزء ثانٍ، ص٢٤٤ و٢٧٥ و٢٧٦).
٢  راجع «وفيات الأعيان»، جزء أول، ص٣٣٩ و٣٤٠، وابن دقماق، رابع، ص١١٤ و١١٥، و«المكافأة» لابن الدَّاية، طبع الجمالية بمصر، ص١١٠، ومارسيل في كتاب «وصف مصر»، ج١٨، «مقياس النيل».
٣  راجع ما كتبه المقريزي في الجزء الثاني، ص١٣٥، وسالمون ص٤٤ و٤٥ عن بئر الوطاويط.
٤  الساباط: سقيفة بين دارين تحتها طريقٌ نافِذٌ.
٥  ولقد قال المرحوم هرتس باشا، باشمهندس لجنة الآثار العربية سابقًا: إنَّ المعالِم الموجودة بهذا المكان تجعله من المواقع الجميلة الشائقة (مجموعة لجنة الآثار العربية، الفقرة الرابعة من ملحق كُرَّاسة سنة ١٩٠٩)، وقد عُنيتْ لجنة حفظ الآثار العربية بالمحافظة على هذه الأبنية، وأجابتْ مصلحة التنظيم رغبتها فأقرَّتْ على أنْ لا يُمَسَّ هذا المكان في مشروعاتها.
٦  هذا الشارع تحوَّل الآن إلى ميدان.
٧  راجع عن بركة الفيل «الخطط» للمقريزي، ج٢، ص١٦١، وسالمون «قلعة الكبش»، ص٤٨ وما بعدها.
٨  راجع عن بركة قارون الكتاب السابق أيضًا، ج٢، ص١٦١، وسالمون «قلعة الكبش»، ص٣٥ وما بعدها.
٩  نقل سالمون أسطورةً جاء فيها: إنَّ كاهنةً مصريةً اسمها «برصا» كانتْ حاكمةً على الوجه البحري وأقامتْ على جبل يشكر طلسمًا على هيئة كبش من الحجر الأحمر حتى إذا اقترب العدوُّ نبَّه عن حضوره («قلعة الكبش»، صحيفة ٧٧).
١٠  مما يدلُّ على أنَّ هذا الخبر مِن قَبِيل الأساطير العديدة التي أَوْردها المقريزي وُرودُ الكلمات الآتية فيه، وهي: «ممَّا أفاءَ الله عليه»، فإنَّ هذه الكلمات واردةٌ في كتابة الجامع مجرَّدةً من ذِكْر المال الذي قيل بوجوده على الجبل، والمراد بها على ما أرى: الفيء، وهو كما جاء في التعريفات: «ما ردَّه الله — تعالى — على أهلِ دِينِه من أموال مَن خالَفَهم في الدِّين بلا قتالٍ، إمَّا بالجلاء أو المصالحة على جزية أو غيرها».
وقد فهِمَ الأستاذ فان برشم من هذه الألفاظ ما يتَّفِق مع هذا القول («مجموعة الكتابات المنقوشة القاهرة»، أول، ص٣٨، رقم ٣).
ولكن جناب الأستاذ فييت مدير دار الآثار العربية بالقاهرة يستبعد في تعليقاته المدوَّنة في منشورات المعهد العلمي الفرنسي في المجلد الثاني والخمسين ص٨٠ و٨١، أنْ يَبْنِيَ ابن طولون الجامع من أموال لم تكن مِلْكًا خالصًا له، وعلى الخصوص أموال الدولة، ويعني بذلك أنَّه بناه من مالٍ لم يكن من قَبِيل مال الفيء الذي هو للدولة، وأشار إلى أنَّ منشئي الجوامع كانوا يَحرِصون على التنْويه بذلك في الكتابات العربية المنقوشة على الآثار، فكان المنشئ ينقش عليها في الحجر ما يدلُّ على أنَّ ما أنشَأَه أنفَقَ عليه من خالِص مالِه، أمَّا الألفاظ التي وردتْ في كتابة الجامع التاريخية فإنَّها مُقْتَبَسة من القرآن الشريف (آية ٦ و٧ سورة ٥٩ التي هي سورة الحشر)، وتجيء نادرًا لأنَّ الفيء ضريبةٌ تُجْبَى بلا قتال، والمتداوَل في النقوش التاريخية: «من ماله»، أو: «من خالِص مالِه»، أو: «من فيض نِعَم الله على عبده»، أو: «ممَّا أنْعَم الله على …»
وقد ذكر الأستاذ فييت كتابة أخرى ترجع إلى سنة ٧٢٥ هجرية وردتْ فيها تلك الألفاظ، وهي منقولة من جامع المهمندار بالقاهرة، ونصُّها: «أمَرَ ببناء هذه التُّرْبة والمسجد المبارَك من خالِص مالِه ممَّا أفاء الله عليه وطيَّبه لجماعة المسلمين ابتغاء رضوان الله والدار الآخِرة …» («مذكرات المعهد العلمي الفرنسي»، المجلد ٥٢، ص٨٠ و٨١).
وهذا الاعتراض وجيهٌ، وإنما يلاحظ أن ليس ما يمنع بناء المسجد من مال الفيء، خصوصًا وأنَّ جامع ابن طولون أُقِيم لضرورة ضِيق العسكر على المصلِّين، وفي بنائه مصلحة عامَّة، ويجوز أن يكون ما أُنفِق عليه من نصيب ابن طولون في الفيء.
على أنَّ بناء المساجد من الفيء معروفٌ، وورد في الخبر الآتي: أنَّ عمر بن عبد العزيز أرادَ أنْ يُجَرِّدَ ما في قِبْلة مسجدِ دمشقَ من الذَّهَب، وقال: إنَّه يَشغَل عن الصلاة، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنَّه أُنفِق عليه من فيء المسلمين وأُعْطِياتهم، وليس يجتمع منه شيءٌ يُنتَفَع به، فأراد أنْ يُبَيِّضَه بالجص، فقيل له: تُذهِب النفقات فيه، فأراد أنْ يَسْتُرَه بالخزف، فقيل له: ضاهَيْتَ الكعبة، فبينما هو كذلك إذ ورد عليه وَفْدٌ من الرُّوم فاستأذنوا في دُخُولِه فأَذِن لهم وأرسلَ معَهم مَن يَعرِف الرُّومية، وقال: احفظوا ما يقولونه، فلمَّا وقفوا تحت القُبَّة قال رئيسُهم: كم للإسلام؟ فقالوا: مائة سنة، قال: فكيف تصغِّرون أمرَهم؟ ما بَنَى هذا البنيانَ إلَّا مَلِك عظيم، وأتى الرسولُ عمرَ فأخبَرَه، فقال: أمَّا إذْ غايَظَ العدوَّ فدَعْه، وهذا صريحٌ في أنَّهم كانوا يُنفِقون على المساجد من الفيء («مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»، ص١٩٢ ج١).
١١  «الخطط» للمقريزي، ثانٍ، ص٢٦٥.
١٢  ص٢١٩.
١٣  راجع أيضًا اللوحة العشرين الملحقة بتاريخ مارسيل «مصر» طبع سنة ١٨٤٨.
١٤  كان يُطلَق حتى ذلك الوقت لفظ مسجد، كما في هذه الكتابة، على الجوامع كلِّها بلا تمييز، ثم صارت الجوامع الكبيرة بمصر تُعرَف بالجامع لما تقام فيها صلاة الجمعة.
١٥  كتاب «وصف مصر» يشتمل على مجموعة عظيمة من الأبحاث في موضوعات شتَّى من عمل علماء فرنسا الذين كانوا مع نابليون بونابرت لمَّا أغارَ على مصر، وقد جُمعتْ في سنة ١٨٠٩ في عدَّة مجلَّدات بهذا الاسم.
١٦  راجع ما كتبه المقريزي عن بركة المعافر في الفصل الخاص ببركة الحبش.
١٧  قال رونيه في كتابه «مصر»: كان المهندس سوريًّا، وقد يكون بيزنطيًّا قَدِم من سوريا (ص٤٤٥). وقال ستانلي لين بول: لو كان بيزنطيًّا لقال عنه المقريزي: روميًّا («القاهرة» ص٧٨ في الذيل).
١٨  كتاب «المكافأة» لأبي جعفر أحمد بن يوسف الكاتب المعروف بابن الدَّاية.
١٩  هو بكار بن قُتَيْبة، ولَّاه المتوكل القضاءَ في مصر سنة ٢٤٦، فبَقِيَ بها إلى أن تُوُفِّي سنة ٢٧٠، وسيأتي ما وقع له مع ابن طولون، وقد أفرد له أحمد بن عبد الرحمن بن برد ترجمةً في ذيل «كتابي الولاة والقضاة» لأبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي، طبع بيروت، ص٤٧٧، وابن خَلِّكان في «وَفَيَات الأعيان» أول، ص١١٣ و١١٤، وابن حجر العسقلاني في كتاب «رفع الإصْر عن قُضاة مصْر»، ص٢٦.
٢٠  المَفْحَص: الموضِع التي تُقِيم فيه القَطاةُ وتَبِيض، كأنَّها تَفْحَص عنه التراب وتكشفه، والفحص: البحث والكشف.
٢١  يجري خطأً على ألْسِنة بعض المشتغلين بعلم الآثار لفظ إيوان إذا أرادوا ذكر الأروقة التي بمقدَّم هذا المسجد ومؤخَّره وجانبَيْه، على أنه لم يَرِدْ في التاريخ أنَّ هذا اللفظ استُعمل في هذا المعنى قبل إنشاء المدارس.
٢٢  هذه المدينة كانتْ وقتئذٍ عاصمة الخلافة، وهي على بُعْد ثلاثة أيام شمال بغداد، أُنشِئَتْ في موقع مدينة كان الخليفة العباسي هارون الرشيد شرع في بنائها ثم تركها، ولمَّا كانتْ سنة ٢٢١ﻫ/٨٣٥م بناها الخليفة المعتصم بالله وسمَّاها سُرُّ مَنْ رَأى، وحرَّفها الناس وصاروا يُسمُّونها سامَرَّا، ويُقال: إنَّ هذا الاسم كان يُطلَق على هذا الموقع من قبل بزمن طويل.
٢٣  هذه الفقرة وردتْ في كلام ابن دقماق في وصْف جامع عمرو بن العاص بعد زيادة عبد الله بن طاهر بن الحسين فيه.
٢٤  كان بهذه الزيادات والأروقة على عهد ابن طولون مرافق تابعة للمسجد، منها بمؤخَّره ميضاة وخزانة شراب («خطط المقريزي» ثانٍ، ص٢٦٦).
٢٥  «قلعة الكبش»، ص٣٠: لم أقف على المصدر الذي يستند إليه سالمون في تسمية الرِّواق الخارجي بالمقصورة، والذي أعلمه أنَّها تُتَّخَذ داخل المساجد الجامعة حول موقف الإمام، وكان يُسمَّى بها الجزء المقدَّم من الجامع، وأوَّل مَن بَنَى المقصورة بلَبِنٍ كان أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانتْ فيها كُوًى ينظر الناس منها إلى الإمام، ثم عَمِلَها عمر بن عبد العزيز من السَّاج، قال ابن دقماق: ولعلَّ قرَّة بن شريك لمَّا بنى الجامع بمصر عمل المقصورة، وفي سنة إحدى وستين ومائة أمر المهدي بنزع المقاصير من مساجد الأمصار، ثم أُعِيدتْ بعد ذلك، ولمَّا تولَّى موسى مصر من قِبَل أبي جعفر المعتصم أمر أن يخرج المؤذنون إلى خارج المقصورة، وهو أوَّل مَن أخرجهم، وكانوا قبل ذلك يؤذِّنون بظاهرها، ثم أمر الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين بعمل الحجر المقابل للمحراب بالزيادة في المقصورة في شرقيها وغربيها حتى اتصلتْ بالجدارين الشرقي والغربي، وفي سنة ٤٤٢ﻫ/١٠٥٠ و٥١م عُمِلتْ لموقف الإمام في زمان الصيف مقصورة خشب ومحراب ساج منقوش بعمودين من صندل، وتقلع هذه المقصورة في الشتاء إذا صلى الإمام في المقصورة الكبيرة («الانتصار» لابن دقماق رابع، ص٦٨ و٦٩).
٢٦  بقيتْ هذه الساحة إلى أنْ حكرها الدويداري عند تجديد عمارة الجامع («خطط المقريزي» ثانٍ، ص٢٦٩) كما سيجيء.
٢٧  الرحلة الكبيرة التي قام بها هذا السائح الشهير استَغْرَقَتْ من سنة ٤٣٧ إلى ٤٤٤ﻫ/١٠٤٥–١٠٥٢م.
٢٨  كما تدلُّ عليه المعالِم الموجودة.
٢٩  يُوجَد في النهاية الشرقية من سور الرِّواق الشمالي الشرقي الخارجي بابٌ من هذا القَبِيل يرجع إلى عهد المستنصِر الفاطمي، وقد أُجْرِيَتْ عدَّة استكشافات، ظهر منها أنَّ عتبته منخفِضة عن أرض المسجد بمقدار ٢٫٩٥، وعن أرض الرِّواق الخارجي بنحو متر، وكان يتوصل من العتبة إلى الرِّواق بدَرَج بعَرْض الباب.
٣٠  «الفن الإسلامي»، ص٩١.
٣١  شوازي «فن البناء عند المصريين»، ص١١، وبلاس «نينوى وآشور» أول، ص٢٢٦.
٣٢  قال هرتس باشا: إنَّهم (أي المسلمين) آثَروا الانتفاع بما عثروا عليه في الآثار اليونانية الرومانية أو النصرانية الموجودة بوادي النيل؛ وذلك لقِلَّة الرخام بمصر.
٣٣  منشورات المعهد العلمي الفرنسي (المجلد الثاني والخمسون، ص٧٣).
٣٤  أي التل، وهي أطلال في الجنوب من بابل، وُجدتْ بها آثار مدينة لجش، وبينها نماذج كثيرة من عمارة العصر القديم.
٣٥  وهي شوشة، مدينة قديمة بآسيا، وتُعرَف الآن باسم شستر.
٣٦  إني أشكر جناب الأستاذ فييت مدير دار الآثار العربية لأنَّه تفضَّل وأعارني الملزمة المشتمِلة على مذكرات الأستاذ فان برشم من هذا المجلَّد قبل أن يتمَّ طبعُه للاطِّلاع على آرائه.
٣٧  قال الأستاذ فان برشم في تعليقاته في مجموعة الكتابات المنقوشة في ذيل صحيفة ٣٨ «القاهرة» أول: إنَّ هذا الإزار به بعض كلماتٍ تَلِفَتْ وأتمنَّى لو تُنقَل كتابتُه قبلَ أنْ تَتَلَاشَى.
٣٨  تَرِدُ هذه التسمية «الجامع العُمَري وجامع عُمَر» في المؤلَّفات الإفرنجية، وهي في غير محلِّها؛ لأنَّ عُمَر لم يَبْنِ على الصخرة مسجدًا.
٣٩  قال ابن عبْدِ ربِّه في «العِقْد الفريد» في وصْف مسجد النبي : «وقد أُخِذ وجهُ السُّور القِبْلي من داخل المسجد بإزار رخامٍ من أساسِه إلى قدْر القامة منه، ولُفَّ على الإزار بطَوْق رخام في غلظ الإصبع، ثم من فوقه إزارٌ دونَه في العرض مُخَلَّق بالخَلوق.» ثالث، ص٣٦٥، طبع بولاق.
٤٠  راجع مجموعة اللجنة الفرنسية سنة ١٩١٥–١٩ ص٧٢٧.
٤١  وهي المناوِر التي بالجزء العلوي من الجدران.
٤٢  يُلاحَظ أنَّ كوربت بك جرى في تعيين الاتجاهات على طريقة المقريزي فاعتَبَرَ الجهة التي فيها القِبْلة الجنوب وسَمَّى الجهات الأخرى تبعًا لذلك، فعلى مَن يتَتَبَّع أقواله هنا عن الانحراف مراعاة ذلك.
٤٣  قال صاحب «مسالك الأبصار» في كلامه على مسجد دمشق: والفُسَيْفِساء مصنوع من زجاج يُذَهَّب ثم يُطبق عليه زجاج رقيق، ومن هذا النوع المسحور، وأمَّا الملوَّن فمعجون، وقد عُمل منه في هذا الزمان شيءٌ كثير برسم الجامع الأموي، وحصل منه عدَّة صناديق وفسدت في الحريق الواقع سنة أربعين وسبعمائة، وعُمل منه قبلُ للجامع التنكزي ما على جهة المحراب، غير أنَّه لا يجيء تمامًا مثل المعمول القديم في صفاء اللون وبهجة المنظر، والفرق بين الجديد والقديم أنَّ القديم قِطَعه متناسقة على مقدار واحد، والجديد قِطَعه مختلفة. وبهذا يُعرَف الجديد والقديم (أول، ص١٩٣).
٤٤  قال مستر كريسول: الظاهر أنَّ هذه القُبَّة — أو على الأقلِّ كُرسِيَّها — من عهد لاجين، بدليل أنَّ مقرنصاته — وهي من الخشب أيضًا — على هيئة مقرنصات القُبَّة الصغيرة التي بمدرسة وتربة سلار وسنجر الجاولي في نهاية الطرقة وراء ضريحَيْهما، وقد يكون الجزء العلوي من الكُرسِيِّ الذي به ثمانِ طاقات بزجاج «شمسيات» من عصر متأخِّر عن المقرنصات؛ لأنَّه قريب الشَّبَه جدًّا لقُبَّتَي الخانقاه ومدرسة شيخون اللتين يرجعان — على ما يظهر — إلى تجديدات بلال أغا في سنة ١٠٩٥ هجرية/١٦٨٤م (كرونولجي «السلسلة التاريخية»، ص٤٥ باختصار).
٤٥  وهو في الحقيقة: الثاني، إذا عددنا البائكة التي زالتْ ولم يَبْقَ منها غير قواعدها المجدَّدة.
٤٦  هذا المحراب يُعرَف بالمحراب المستنصري، ومنقوش عليه شكل العِقْد الفاطمي قائمًا على عمودين، وفوق العِقْد صورة هلال، وهو أقدم نقْش من نوعه، وعلى جانبَيْه توشيحتان بهما زخرفة هندسية ممَّا كان يُصنَع في القرن الثامن الهجري، خصوصًا على الأواني النحاسية («دليل دار الآثار العربية»، ص٢٦٤)، وقد نُقِلتْ من هذا المحراب ومن محراب لاجين الآتي ذكرُه بعدُ صورتان بالجِصِّ وأُلْصِقتا بجدار الغرفة الثالثة عشرة بدار الآثار العربية.
٤٧  هذه الكلمات الثلاث غير موجودة الآن.
٤٨  قُرْمُط رجلٌ من سواد الكوفة نُسِبَتْ إليه القَرامِطة، وهم أهل مذهب مذموم، ظهروا في سنة ٢٨١، في خلافة المعتَضِد بالله، وطالتْ أيَّامُهم وعظُمَتْ شَوْكتُهم، وأخافوا السبيل واستَوْلَوْا على بلادٍ كثيرة، وأخبارُهم مُستقصاة في التواريخ (ابن خَلِّكان، أول، ص٦٣٥).
٤٩  ٩٥٢ و٥٣ ميلادية.
٥٠  ١١٦٠ و٦١ ميلادية.
٥١  وتوجد كتابة أخرى من هذا القَبِيل بمدرسة السلطان حسن (مجموعة الكتابات المنقوشة «مصر» أول، رقم ٥٣٤).
٥٢  الجزء الثاني، ص٢٦٧، وابن دقماق، رابع، ص١٢٤.
٥٣  تُوُفِّيَ القضاعي في سنة ٤٥٤ﻫ/١٠٦٢ ميلادية على عهد آخِر الخلفاء الفاطميين؛ يعني بعد بناء الجامع بمائتَيْ سنة.
٥٤  راجع عن القضاعي «وَفَيَات الأعيان» لابن خَلِّكان، أول، ص٥٨٥.
٥٥  هذا الكتاب نقلتُه من اللغة الإنكليزية إلى العربية منذ ثلاث سنوات، ولم يُطبَع.
٥٦  لا يُوجَد الآن برشيد منائر عليها عشاريات.
٥٧  قال الجبرتي في حوادث السنة المذكورة: هبَّتْ ريحٌ شديدةٌ فأسقطتِ المركب التي كانتْ على هذه المنارة (الجبرتي، ج١، ص٢٥).
٥٨  مقريزي، ج٢، ص٢٦٨.
٥٩  ماتتْ أمُّ العزيز في سلخ ذي القعدة سنة ٣٨٥.
٦٠  يدلُّ الرسم على لوح مكوَّن من جملة قِطَع، قال الأستاذ فان برشم في مجموعة الكتابات «القاهرة»، ص٩٧: ولا يُعرَف ما تمَّ في هذا اللوح؛ لأنَّ مارسيل واضع رسمه المنقول في الأطلس لم يتمكَّن مِن تكميل المذكرة التي وَضَعَها عن الجامع.
٦١  وقد وَصَفَ المقدسي المعروف بالبشاري في كتابه «أحسن التقاسيم» القُبَّة القديمة بأنَّها: «على عمل قُبَّة زمزم فيها سقاية».
٦٢  ربما كان مراده ملحقات الجامع.
٦٣  حتى جعل من جملة ذلك وقفًا على الدِّيَكة تكون في سطح الجامع في مكان مخصوص بها؛ لأنها تُعِين الموقتين وتُوقِظهم في السَّحَر، فلمَّا قَرِئ كتاب الوقْف على السلطان أَعْجَبه كلُّ ما فيه إلَّا أمرَ الدِّيَكة فقال: أَبْطِلوا هذا؛ لا تُضْحِكوا الناس علينا، فأُبْطِل. («حسن المحاضرة» للسيوطي ثانٍ، ص١٥٤، طبع الموسوعات).
٦٤  وفي «حسن المحاضرة»: «بجانب الميضأة القديمة.» ثانٍ، ص١٥٤، طبع الموسوعات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤