عثمان نور الدين باشا

وُلِدَ عثمان نور الدين بجزيرة «مدلي Mitylène» حوالي سنة ١٧٩٤، ثمَّ رحل مع أسرته إلى مصر حيث استقرَّ به النوى ودخل أبوه في خدمة محمد علي باشا الذي عيَّنه فرَّاشًا أو سقَّاءً في أحد قصوره، فعُرِف الابن باسم «عثمان سقه باشى زاده» أي عثمان ابن الباش سقا.
غير انه سرعان ما أبصر الوالي في عثمان دهاء وذكاء نادرين، فأرسله على نفقته الخاصة في سنة ١٨٠٩ — بناءً على طلب المسيو يوسف بكتي Joseph Bokty قنصل السويد بمصر — في بعثة علمية إلى ميلانو وبيزا وليفورن بإيطاليا حيث مكث بها نحو خمس سنوات، ثمَّ انتقل إلى باريس عاصمة فرنسا فأتمَّ في معاهدها العلوم الحربية والبحرية وتلقَّى فنون السياسة وإدارة الحكم ولبث بها سنتين عاد على إثرهما إلى مصر في سنة ١٨١٧ وهو يجيد من اللغات التركية والعربية والإيطالية والفرنسية ويلمُّ بحظٍّ لا بأس به من الإنجليزية.

وما إن قفل عثمان راجعًا إلى مصر حتى عُيِّن كاشفًا في حرس محمد علي باشا الحربي، ثمَّ عُهِدَ إليه تنظيم مكتبة قصر إبراهيم باشا ببولاق، إلى أن نيط به في خلال سنتَي ١٨٢٠ و١٨٢١ أمر تدريس علم الهندسة واللغة الفرنسية إلى بعض التلامذة المصريين، فكان هذا نواة مدرسة بولاق أولى المدارس النظامية التي أنُشئت في مصر في عهد محمد علي تنفيذًا لاقتراح عثمان نور الدين الذي تولى نظارتها والإشراف عليها.

وكان النشاط على أتمه حينذاك لتكوين الجيش وتدريب الجنود على النظم الأوربية الحديثة، فقام عثمان نور الدين بترجمة المؤلفات الحربية المختلفة من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية، منها كتاب «القواعد البحرية»، و«قانون نامة سفاين بحرية جهادية».١

وفي سنة ١٨٢٣ عُيِّنَ عثمان نور الدين سر عسكر الجيش المصري، وأُنعِم عليه برتبة البكوية.

وفي سنة ١٨٢٥ تُرجِمت تحت إشرافه قوانين ونظم البحرية من الإنجليزية إلى التركية، ثمَّ عهد إليه محمد علي باشا بالاشتراك مع الجنرال ليتلييه Le Tellier مهمة تنظيم شئون البحرية وتعليم ضباطها.

وفي السنة نفسها قام بتأسيس مدرسة قصر العيني، فكان أول مدير لها، كما أشار على محمد علي باشا في غضون هذه المدة بإنشاء مدرسة أركان الحرب، فلقي هذا الاقتراح هوًى في نفس الوالي ولم يمضِ من الوقت إلا القليل حتى أُسست هذه المدرسة في قرية جهاد آباد، وتولى عثمان نور الدين إدارتها.

وفي يوم ٢٥ مايو سنة ١٨٢٥ عيَّنه محمد علي باشا مير لواء، ثمَّ ولاه رياسة هيئة أركان حرب، إلى أن عهد إليه في سنة ١٨٢٨ القيادة العامة للأسطول بمرتب قدره ١٨٠٠٠٠ قرش سنويًّا؛ أي ١٥٠ جنيهًا شهريًّا،٢ فكان ثالث أمراء البحار في عصر محمد علي.

وفي سنة ١٨٢٥ استقدم محمد علي باشا الدكتور كلوت بك الفرنسي، وعهد إليه في إنشاء مدرسة الطب المصرية وكلف عثمان نور الدين الإشراف على إنشائها، وإليه رفع كلوت بك أول تقرير وضعه.

ولما كان عثمان نور الدين قد اتصل في أثناء مدة تلقيه العلوم في فرنسا بالمسيو جومار Jomard أحد علماء الحملة الفرنسية التي حضرت إلى مصر بقيادة الجنرال بونابرت، وتوثقت بينهما فيما بعد عُرى المودة، وعملا سويًّا على تنمية الروابط الودية والثقافية بين مصر وفرنسا، فقد اقترح عثمان على محمد علي باشا فكرة إيفاد بعثة علمية كبيرة إلى فرنسا، وبالفعل قامت هذه البعثة من مصر في سنة ١٨٢٦ تحت إشراف المسيو جومار نفسه.

وفي التاسع من شهر أغسطس سنة ١٨٣٠ (٢٧ صفر سنة ١٢٤٦) أصدر السلطان محمود الثاني فرمانًا شاهانيًّا إلى محمد علي باشا بإحالة إدارة جزيرة كريت إلى عهدته مكافأة له على ما أدَّاه للباب العالي بجيشه وأسطوله من خدمات جليلة في سبيل قمع ثورة المورة وفتنة تلك الجزيرة بعد أن عجز السلطان عن إخمادهما منفردًا.

وفي أواخر شهر أكتوبر سنة ١٨٣١ بدأ سير الحملة المصرية لفتح سوريا، فتولى أمير البحار عثمان نور الدين قيادة القوة البحرية المؤلَّفة من ثلاث وعشرين سفينة حربية وسبع عشرة سفينة نقل، فاجتمعت تلك القوة البحرية بفيالق الجيش في ميناء حيفا التي اتخذها إبراهيم باشا قاعدة للحركات العسكرية، ثمَّ اشترك بعض قطع الأسطول في حصار عكا من جهة البحر في ديسمبر سنة ١٨٣١ وأمطر المدينة وابلًا من القنابل.

وكان عدد هذه السفن تسع فرقاطات، وهي المسماة: «الجعفرية»؛ وكانت معقودة اللواء لأمير البحار عثمان نور الدين، و«البحيرة»؛ وكانت معقودة اللواء لمصطفى مطوش باشا، و«كفر الشيخ» و«رشيد» و«شيرجهاد» و«دمياط» و«مفتاح جهاد» و«بومبه» و«رهبر جهاد»، وكانت تقل ٣٨١٠ من البحارة و٤٨٤ من المدافع.٣

غير أن بعض هذه السفن أُصيب بعطب اضطر معه إلى العودة لإصلاحه في ترسانة الإسكندرية، ولم تُسلم قلعة عكا إلا في السابع عشر من مايو سنة ١٨٣٢ على إثر رجوع جميع الوحدات المصرية وضربها الحصار ثانية من البحر.

وكان للأسطول المصري جولات خلال الحرب السورية؛ إذ تألفت العمارة المصرية من سبع وعشرين سفينة حربية معقودًا لواؤها لأمير البحار عثمان نور الدين، فسارت تمخر العباب باحثةً عن الأسطول العثماني، حتى اجتمع الأسطولان بعد واقعة بيلان في مياه جزيرة قبرس، غير أن عثمان باشا لم يسعَ لمهاجمة السفن العثمانية نظرًا لتفوقها عددًا وعُددًا، وأخذ يترقَّب حركاتها وسكناتها إلى أن سارت الوحدات التركية في ميناء مرمريس من ثغور الأناضول، فتعقَّبتها العمارة المصرية وحاصرت الميناء، ولكن غوائل الطبيعة حالت دون استمرار الحصار، فاتجه عثمان باشا بأسطوله إلى خليج السودا بجزيرة كريت ثمَّ عاد به إلى الإسكندرية.

وفي صيف عام ١٨٣٣ انتوى محمد علي باشا القيام برحلة إلى جزيرة كريت، فاستقلَّ في يوم ٢٧ يوليو سنة ١٨٣٣ السفينة المصرية «المحلة الكبرى» التي أقلعت به من ثغر الإسكندرية تحفُّ بها وتتبعها أربع سفن وأربع فرقاطات وثلاث قراويت بقيادة عثمان باشا نور الدين.

وممن دُعي إلى شرف مصاحبته في تلك الرحلة: المسيو ميمو Mimaut قنصل فرنسا في مصر، والكولونيل كامبل Campbell قنصل بريطانيا العظمى فيها، والمسيو دي سيريزي بك De Cérisy مدير دار الصناعة (الترسانة) المصرية بالإسكندرية الذي يرجع إليه الفضل الأكبر في بلوغ الأسطول المصري في عهد محمد علي باشا المرتبة الثالثة بين أساطيل الدول على الرغم مما أصابه من خسارة فادحة إثر كارثة نافارين البحرية.

ولقد صادفت «المحلة الكبرى» رياح عكسية اضطرَّت معها إلى الرسو على شواطئ الأناضول تجاه جزيرة رودس، ولكن الوالي أبى أن ينزل منها إلى البر على الرغم من أن محافظ الجزيرة قد خفَّ لاستقباله مقدِّمًا إليه سلالًا من الفاكهة وألوانًا من المرطبات.

وفي يوم ١٢ أغسطس سنة ١٨٣٣ — أي بعد مضي ستة عشر يومًا على إبحار محمد علي باشا من الإسكندرية — ألقت السفن المصرية مرساها في مياه جزيرة كريت، حيث استقبله بعض قطع الأسطولين الفرنسي والبريطاني، فقُدمت إليه التحية باسم قائدَي القوات البحرية الفرنسية والبريطانية في الشرق الأوسط. ثمَّ نزل محمد علي باشا إلى الجزيرة وتفقَّد شئونها وتنقَّل بين مدنها وقرها من السودا Le Sude إلى ريتيمو Retimo إلى خانيا La Canée، وأمر بتوسيع بعض موانئها وتدعيم القاعدة البحرية المصرية في خليج السودا.

وكان الباعث على هذه الرحلة — كما تبين فيما بعد — إنشاء دار للصناعة البحرية في السودا لبناء السفن وإعداد ميناء حربي لإيواء قطع الأسطول المصري الذي كان يحمي جيش إبراهيم باشا وفتوحاته في سوريا والأناضول.

وقد وُفِّقَ محمد علي باشا في اختيار هذه البقعة لقربها من غابات أطنه التي نزل لها عنها السلطان محمود الثاني كَرهًا؛ ولذلك لم يكن الباب العالي ينظر بعين الارتياح والرضاء إلى هذه الرحلة لما انطوت عليه من سر غامض وما حملت بين ثناياها من آثار ونتائج.

على أن شدة القيظ اللافح في أشهر الصيف في تلك السنة قصَّرت رحلة الوالي وعجَّلت عودته إلى مصر؛ فقد اضطر إلى مغادرة كريت في أول سبتمبر سنة ١٨٣٣ — بعد أن أقام بين ربوعها ثمانية عشر يومًا — وتولى بنفسه في الإياب قيادة السفن في أثناء العودة إلى مقر حكمه.

ولما عاد محمد علي باشا إلى مصر اعتزم تجنيد أهل جزيرة كريت. ولم يكد يُذاع في أرجاء الجزيرة هذا النبأ حتى شبَّت الثورة بين الكريتيين وحمل السلاح نحو ستة آلاف منهم وقصدوا إلى ثكنات الحامية المصرية التي اعتصمت في معاقلها، وأرسل مصطفى باشا الأرنائوطي حاكم الجزيرة إلى محمد علي باشا يبلغه تمرد السكان تمرُّدًا ينذر بالهرج والمرج وسوء العقبى، فعهد الوالي إلى قوة من الجند برياسة أمير البحار عثمان نور الدين باشا بقمع الفتنة.

غير أن عثمان باشا لجأ في البداية إلى أخذ الثوار باللين، ولكنهم أصرُّوا على موقفهم واشتبكوا مع الحامية المصرية في قتال فرَّقتهم فيه نيران المدافع، ووقع ثلاثون منهم في أسر الجيش المصري، فارتأى عثمان باشا أن يعفو عنهم على أمل أن يستميل الثوار إليه ويفل من حدَّتِهم.

إلا أنه لما عرض على محمد علي باشا هذه الفكرة رفض الوالي هذا الاقتراح ورفض العفو، وأصدر أوامره بقتل الثائرين الأسرى. ولكن كبُر على عثمان باشا نور الدين ألا يُؤبه لرأيه، فوطَّد عزمه على الاستقالة من خدمة الوالي.

وفي يوم ١٩ ديسمبر سنة ١٨٣٣ أقلعت العمارة المصرية من خليج السودا، وبعد بضعة أيام وصلت إلى كريت الفرقاطة «البحيرة» قادمة من ميناء يافا مقلَّة ٦٠٠ جندي من آلاي المشاة الخامس لإمداد حامية الجزيرة. أما عثمان باشا فكان قد برح كريت في صباح السابع عشر من شهر ديسمبر على ظهر إبريق صغير لجهة غير معلومة.

وفي أواخر ديسمبر عاد الأسطول المصري إلى الإسكندرية من غير قائده، وفي يوم ٢٩ ديسمبر لحق به الإبريق الذي كان قد استقله عثمان باشا بغير أمير البحار إذ كان قد ذهب إلى مدلي — مسقط رأسه — وأمر السفينة بالعودة بدونه إلى مصر.

وفي يوم ٢ يناير سنة ١٨٣٤ تلقَّى بوغوص بك يوسف ناظر الخارجية المصرية كتابًا من عثمان نور الدين باشا هذا تعريبه:

يا صاحب السعادة

إن إصراري على الاستقالة الذي قضت به ضرورة قصوى سوف لا يُدهش صاحب السمو ولا يُدهشكم أنتم. بل بالعكس، وأنتما العليمان بأسبابها كل العلم سوف تُقدِّران رجلًا يُضحي بكل ما لديه لإنقاذ شرفه ويترك جميع ما يملك لعدم الوقوع في الذل.

ولئن كان في مقدور ضابط في مصر أن يلتمس عزله من غير أن يستهدف لعقوبة صارمة لكنت قد طلبت ذلك في السنة الماضية وتركت آنئذٍ خدمة الحكومة المصرية. وأرجوكم أن تتقبلوا شكري الخالص للخدمات التي أديتموها لي حتى الآن، والتي آمل أن تواصلوا أداءها لأفراد أسرتي الذين لا عون لهم بالإسكندرية.

وتفضلوا بقبول شعائر التبجيل والاحترام من:

عثمان نور الدين

وفي الوقت نفسه أرسل عثمان نور الدين كتابًا آخر إلى محمد علي باشا ضمَّنه هذا المعنى وأبدى له فيه جزيل شكره للنعم التي أولاه إيَّاها.

وقع هذا الحادث على الوالي وقعًا أليمًا حتى شعر غير مرة بنوبة اختناق وضيق نفس مثلما كان يشعر بها في ساعات الحزن الشديد، ولكنه على الرغم من هذا فإنه لم يتفوَّه بكلمة جارحة واحدة في حق عثمان باشا، بل نوَّه بكفاءته وأبدى تأثُّرًا ملحوظًا لابتعاده عنه وهو يكاد لا يكون لديه مال وبدون أن يتخذ أدنى احتياط أو عناية بثروته.

وبينما كان محمد علي باشا يفكر في إنفاذ سكرتيره الخاص إلى مدلي لحمل عثمان نور الدين على العودة إذا هو يتلقى في العشرين من يناير سنة ١٨٣٤ نبأ وصول عثمان باشا إلى الآستانة عارضًا خدماته على السلطان.

على أن هذه الخيانة لم تحُل دون استمرار محمد علي باشا على إعانة أسرة عثمان نور الدين التي تخلَّفت بالقطر المصري. وهكذا كافأ والي مصر ذلك القائد البحري الذي انقلب عليه في أخريات أيامه، وما لبثت المنية أن عاجلته بعد قليل فتُوفيَ في غضون سنة ١٨٣٤ نفسها متأثِّرًا بوباء الطاعون الذي تفشَّى في تركيا.

وقد أصدر المؤرخون على موقف عثمان نور الدين هذا أحكامًا مختلفة:

كتب عنه الأستاذ شفيق غربال بك فقال:
كان عثمان نور الدين من رجال العهد الأول من النهضة المصرية، وكان ساعد محمد علي في الطور الأول من أطوار الإصلاح، ثمَّ شاءت الظروف أن ينسحب عثمان نور الدين من مجال الإصلاح المحمدي العلوي وأن ينضم للسلطنة العثمانية، وكأني بمحمد علي وقد جرحه هذا العقوق أو هذه الخيانة، فأسدل الستار على عثمان وسقط اسمه من الأفواه وأغفله المؤرخون. وحياة عثمان نور الدين ونهايته تثيران ألوانًا من التفكير والأحكام، فقد توزَّع الرجل بين محمد علي والسلطان واضطرب قلبه بين هذين العاهلين، وتحكَّم في ولائه السيدان، ثمَّ اختلف كلاهما، فكيف يكون حال عثمان؟ مسألة لها في الأدب وفي الأخلاق وفي التاريخ نظائر، ولا يمكن أن يُقال إن الحكم فيها نهائي …٤
وقال عنه الأميرال دوران فييل:
Alors (en 1829) parut au premier rang un personnage d’une tout autre étoffe (qu’Ismaïl Djebaltar et Moharrem Bey), le produit par excellence de la transformation de l’Egypte que rêvait le Vice-Roi. Osman Noureddin, fils de Sakka Bachi, né en 1799 était un jeune mamlouk que le consul de Suède, Joseph Bokty, avait fait envoyer en 1809 en Europe, où il resta sept ans, à Milan, Pise, Livourne et Paris. Il revint en 1818⋆⋆ et grâce à l’appui d’Ismaïl Djebaltar, devint toud de suite un grand favori. Très instruit—il parlait le turc, l’arabe, l’italien, le français et un peu lánglais—il montrait une érudition encyclopédique et un désir immodéré de l’accroîte encore, tout cela gâte par un peu de verbalsime et un manque complet de caractère. Chargé de constituer une bibliothèque pour Ibrahim à Boulak, il s’y attela avec son ami Ahmed Effendi, qui fut directeur de l’instruction publique, à la traduction de ouvrages techniques européens, particultièrement de guierre et de marine. Mais alors, à la tête de l’école établie à Boulak, puis à Kasr-El-Aini pour la formation du personnel, puis directeur du collège d’Etat-Major créé à Djihad Abad par Planat, il se fit de tous ses élèves une manière de clientèle dévouée, en même temps qu’il se conciliait l’amitié de Sève et qu’il réussissait à se créer d’utiles solidarités, jusque dans le harem. Brusquement, le 25 mai 1825, la confiance de Mohammed Aly en ses capacités extraordinaires en fit un général de brigade, puis un chef d’état-major général; enfin, elle le plaça en 1828 à la tête de la marine, en même temps qu’il recevait la tâche de pacifier la Crète.
Osman Noureddint allait s’acuitter de ces diverses fonction avec un rare bonheur en attendant qu’il couronnât cette éblouissante carrière par la plus laide de trahisons.⋆⋆⋆
إن تاريخ ميلاد عثمان نور الدين على وجه التحديد غير محقق، غير أنه بالاستئناس ببعض المصادر التاريخية يمكن إرجاع هذا التاريخ — على وجه التقريب — إلى سنة ١٧٩٤. أمَّا سنة ١٧٩٩ التي يذكرها الأميرال دوران فييل فإنها قطعًا بعيدة عن الصواب، وإلا كان عثمان نور الدين قد أُرسِلَ في بعثة علمية إلى الخارج في سنة ١٨٠٩ وعمره دون العاشرة.
⋆⋆ عاد عثمان نور الدين إلى مصر في سنة ١٨١٧ لا في سنة ١٨١٨، إذ سافر في غضون سنة ١٨٠٩ وقضى في أوروبا سبع سنوات (على حد قول الأميرال دوران فييل نفسه).
⋆⋆⋆ Vice-Amiral Durand-Viel: “Les Campagnes navales de Mohammed Aly et d’Ibrahim”. t. I., P. 431 et 432.

وتعريب هذه الفقرات ما يأتي:

في ذلك الوقت (أي في سنة ١٨٢٩) برزت في الطليعة شخصية من معدن آخر (غير معدن إسماعيل جبل طارق ومحرم بك)، هي ثمرة من ثمرات تحول مصر كما كان يمنِّي الوالي به نفسه، ذلك هو عثمان نور الدين ابن سقه باشا. فقد ولد في سنة ١٧٩٩ وكان مملوكًا صغيرًا توسَّط له يوسف بكتي قنصل السويد فأُرسِل في سنة ١٨٠٩ إلى أوروبا حيث مكث سبع سنوات في ميلانو وبيزا وليفورن وباريس. ثمَّ عاد في سنة ١٨١٨ وسرعان ما أصبح من المحظوظين الملحوظين بفضل معاضدة إسماعيل جبل طارق. وكان عثمان على جانب وافر من العلم؛ إذ كان يتكلم من اللغات التركية والعربية والإيطالية والفرنسية وقليلًا من الإنجليزية، كما كان واسع المعارف وذا رغبة ملحَّة في الاستزادة منها، ولكن إلى جانب هذه الخلال قد أفسده ميله إلى الثرثرة وحاجة قصوى إلى خلق قويم. ولما عُهِدَت إليه مهمة تكوين مكتبة إبراهيم باشا في بولاق عكف مع صديقه أحمد أفندي — الذي صار فيما بعد ناظرًا للمعارف العمومية — على ترجمة المؤلفات العلمية الأوروبية وعلى الأخص المؤلفات الخاصة بالجيش والبحرية. ولما تولى إدارة المدارس التي تأسست في بولاق ثمَّ في قصر العيني لتهذيب وتدريب المستخدمين، وصار مديرًا لكلية أركان حرب الجيش التي أنشأها بلانات في جهات آباد. استطاع عثمان نور الدين أن يستميل تلامذته ويستأثر بهم ويضمن إخلاصهم له، كما خطب ود الكولونيل سيف وتمكن من ربط صلات حسنة حتى في داخل الحرم. وفجأة في الخامس والعشرين من مايو سنة ١٨٢٥ تجلَّت ثقة محمد علي بكفاءته الخارقة للعادة، فعيَّنه مير لواء ثمَّ رئيس عام أركان حرب الجيش إلى أن نصَّبه في سنة ١٨٢٨ على رأس البحرية، وعهد إليه إخضاع جزيرة كريت.

وقد شغل عثمان نور الدين تلك المناصب المختلفة بمقدرة فائقة إلى أن ختم حياته الباهرة بأقبح الخيانات.

وفي أول يناير سنة ١٨٣٤ كتب المسيو دي سيريزي De Cérisy يقول:
Je crois que depuis longtemps ce projet était dans sa tête. Il y a deux ans, n’yant pas attaqué et détruit la flotte turque, Ibrahim Pacha avait demandé à son père une rien n’était oublié. Dernièrement, il lfut envoyé à Adana où Ibrahim le reçut fort mal; enfin, il y a deux mois Osman reçut l’ordre de partir avec sa flotte pour aller apaiser les troubles de la Crète … On pendit sans jugement un grand nombre d’individus … Ces évènements chagrinèrent tant Osman Pacha que, sans doute, il conçut le projet de s’évader … Avant de quitter la flotte, Osman Pacha avait fait changer une valeur d’environ 65000 francs de monnaie turque …

وتعريبه:

إنِّي أعتقد أن فكرة الاستقالة كانت مختمرة في رأس عثمان نور الدين منذ زمن بعيد؛ فإنه لما أحجم عثمان نور الدين عن مهاجمة الأسطول التركي منذ سنتين ولم يدمِّره طلب إبراهيم باشا من والده أن يعاقبه عقابًا صارمًا. غير أنه وإن تأجل تنفيذ العقاب فإنه بقي في الذاكرة، وأخيرًا أرسل عثمان باشا إلى أطنه حيث قابله إبراهيم مقابلة فاترة، ومنذ شهرين صدر إلى عثمان أمر بالإقلاع بأسطوله لإخماد ثورة كريت. وقد أُعدم هناك عدد عديد من الأهالي شنقًا وبدون محاكمة، وقد تألم عثمان باشا كثيرًا لهذه الحوادث حتى صحَّ عزمه على الفرار. وقبل أن يودع البحرية استبدل عثمان باشا ٦٥٠٠٠ فرنك من العملة التركية.

وفي أثناء حديث دار بين محمد علي باشا والمسيو ميمو Mimaut قنصل فرنسا بمصر ذكر هذا الأخير للوالي أن تصميم أمير البحار عثمان نور الدين على الاستقالة إنما مرجعه إلى التدابير القاسية التي اضطر إلى اتخاذها مكرهًا ضد الأهالي في جزيرة كريت. غير أن محمد علي لفت نظره إلى أن لكل حكومة حق إخماد الفتن وتأديب الثائرين. على أنه فضلًا عن هذا فإن الأوامر التي صدرت إلى عثمان باشا كانت مقصورة على معاقبة المسئولين.
ولما كان المسيو ميمو قد لاحظ أن تنفيذ عقوبة الإعدام قد حصلت أحيانًا بدون محاكمة، فقد ختم الوالي الحديث بقوله: «أما عن عدد الذين أُعدموا، فهذا خطأ مني بل هذا ذنبي أنا …»٥
١  إسماعيل سرهنك باشا: «حقائق الأخبار في معرفة دول البحار»، الجزء الثاني، ص٤٨.
٢  البكباشا عبد الرحمن زكي: «الجيش المصري في عهد محمد علي باشا الكبير»، ص١٨٨.
٣  إسماعيل سرهنك باشا: «حقائق الأخبار عن دول البحار»، الجزء الثاني، ص٢٤٥.
٤  الأستاذ شفيق غربال بك: مقدمة كتاب الدكتور إبراهيم عبده عن «تاريخ الوقائع المصرية».
٥  المراجع: الأمير عمر طوسون: «البعثات العلمية في عهد محمد علي». والأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك: «تاريخ الحركة القومية، عصر محمد علي»، ص٤٢٨. والأستاذ جمال الدين الشيال: «عثمان نور الدين» (مقالة منشورة بمجلة «الكتاب» عدد سبتمبر سنة ١٩٤٦، ص٣٧٢). والأميرال دوران فييل: «حملات محمد علي وإبراهيم البحرية»، الجزء الثاني، ص١٢٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤