الفصل الثاني

رحلة الابتكار في فيدكس

عندما أتأمل اﻟ ٢٥ عامًا الماضية التي أصبحنا فيها في مقدمة صناعة متطورة وديناميكية، أرى عاملين ظلَّا ثابتين في فيدكس؛ ألا وهما: التغيير، وقدرة الموظفين واستعدادهم لتقبل التغيير نيابة عن عملائهم.

فريد سميث؛ مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة فيدكس

الابتكار ليس عملية يقوم بها الفرد أو الشركة مرة واحدة فحسب، فلكي تحافظ الشركة على ميزة تنافسية لا بد لها من مواصلة الابتكار. وقد أدت فكرة فريد سميث إلى إنشاء الشركة، لكن مشروعه التجاري تطور وأصبح ناجحًا لأنه استمر في الابتكار؛ فإرساء ثقافة الابتكار والحفاظ عليها هي مسيرة طويلة.

جميعنا يعرف شركات حققت نجاحًا عظيمًا في وقت ما؛ مثل: بولارويد، ووانج، وبان إم، وكيه مارت، وزيروكس، وتي دبليو إيه، بدأت بتقديم منتجات أو خدمات مبتكرة، لكنها لم تعد موجودة الآن، أو أصبح حجمها لا يتعدى جزءًا ضئيلًا من حجمها السابق. في اقتصاد اليوم، لا يوجد ما يُدعى ميزة تنافسية ثابتة؛ إذ إن إيقاع التغيير التكنولوجي المحموم، والعولمة المتزايدة، والتحولات التي لا تنقطع في أذواق العملاء جميعها يتطلب أن تستمر الشركات في طرح السؤال التالي: ما الذي نستطيع تغييره كي نحسِّن ميزتنا التنافسية؟ وما الذي نستطيع تغييره كي نحسِّن خدمة عملائنا؟ لا بد أن يدور هذا الحوار في جميع مستويات المؤسسة، بدءًا من المديرين المختصين بدراسة هدف الشركة إلى موظفي الخطوط الأمامية الذين ينفذون عمليات التشغيل.

(١) موقعي المتميز في هذه الرحلة المثيرة

في أحد أيام شهر سبتمبر عام ١٩٧٩، لاحظت إعلانًا في جريدة «وول ستريت جورنال» يطلب مدير مواد وتنظيم مخازن في شركة «فيدرال إكسبريس» في مدينة ممفيس، بولاية تينيسي. كنت في ذلك الوقت أعمل في شركة آر سي إيه بعدما حصلت على ماجستير العلوم في الهندسة الصناعية من معهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاجو، وكنا نقطن أنا وزوجتي في مدينة إنديانابوليس؛ حيث كان لدينا الكثير من الأصدقاء، بينما بدأ ابني الدراسة في الصف الأول الابتدائي؛ كنا قد انتقلنا لتوِّنا إلى منزل جديد بُني طبقًا لمواصفاتنا الخاصة، وكنت أحضر دروسًا مسائية ضمن برنامج ماجستير إدارة الأعمال التابع لجامعة باتلر.

لكن ما أثار اهتمامي في إعلان الوظيفة بشركة «فيدرال إكسبريس» هما نقطتان: (١) تحدي الانضمام إلى شركة حديثة الإنشاء، و(٢) احتمالية الانتقال إلى منطقة أكثر دفئًا. فرغم أنني وزوجتي قد تعلمنا التأقلُم مع الشتاء البارد الجليدي، فقد كنا نتوق إلى العيش في مناخ أكثر اعتدالًا. وبعدما أرسلت سيرتي الذاتية، تلقيتُ اتصالًا هاتفيًّا يطلب مني مقابلة دينيس سويني — مدير خدمات التوزيع في شركة فيدرال إكسبريس — لتناول الإفطار في فندق هيلتون بمطار إنديانابوليس.

لم أكن أعرف الكثير عن شركة فيدرال إكسبريس، واقتصرت معلوماتي عنها على ما شاهدته في إعلاناتهم التليفزيونية المضحكة، التي تزعم أن فيدكس هي شركة «توصيل سريع موثوق مائة بالمائة» للطرود؛ ومن ثم كان أحد أول الأسئلة التي وجهتُها لدينيس هي: «أنتم شركة خدمات لا تصنع أي شيء في الحقيقة، فلماذا تحتاجون إلى مدير مواد؟» كنت أعتقد بناءً على خبرتي ومعرفتي في ذلك الوقت أن مدير المواد يتولى عادةً التأكُّد من توافر المواد اللازمة لعمليات التصنيع في المكان والوقت المناسب من أجل إنتاج المنتجات المقررة. شرح لي دينيس أن شركة فيدرال إكسبريس تحتاج إلى مجموعة متنوعة من المواد على المستوى الداخلي لخدمة أقسام العمل المتنوعة بالشركة، وعلى المستوى الخارجي أيضًا لخدمة عملائها. تتنوع مواد دعم العمليات الداخلية من قطع غيار الطائرات إلى أزياء مسئولي التوصيل الموحدة. وعلى المستوى الخارجي، تتضمن المواد بوليصات الشحن الجوي وتجهيزات الشحن.

وبالإضافة إلى شرح مهام ومسئوليات المنصب المعلن عنه، خصَّص سويني بعض الوقت لإخباري عن النمو الهائل الذي حققته الشركة في سنواتها الست الأولى، بالإضافة إلى خططها الهادفة إلى توسع أكبر بكثير في المستقبل القريب. وبعد بضعة أسابيع، دُعيت إلى زيارة ممفيس لإجراء مقابلة شخصية. وفي شهر نوفمبر، عُرضت عليَّ الوظيفة، وهكذا انضممت إلى شركة فيدرال إكسبريس في ديسمبر ١٩٧٩ في منصب مدير المواد وتخطيط المخازن.

في غضون بضعة أسابيع من عملي بفيدكس، لاحظت اختلافًا كبيرًا بين بيئة وثقافة آر سي إيه ومكان عملي الجديد. إن شركة آر سي إيه وشركة «ريكوردز» التابعة لها كلتيهما شركتان قديمتان راسختان؛ ففي شركة «آر سي إيه ريكوردز»، وصلت حركة العمل إلى آخر مراحل التطور ولم تعد تنمو تقريبًا؛ ومن ثم كانت وتيرة الحياة في الشركة بطيئة وثابتة، ونادرًا ما تُحدث تغييرات. بصفتي عضوًا في فريق إنديانابوليس الإداري في شركة آر سي إيه، كنت أسافر في كثير من الأحيان إلى مركز الشركة الرئيسي لحضور اجتماعات؛ إذ كان التفاعل مع الإدارة التنفيذية على المستوى المؤسسي في آر سي إيه تفاعلًا رسميًّا وهرميًّا، لكن في فيدكس، كانت التغييرات تحدث كل أسبوع، وكانت وتيرة الحياة أسرع، بينما ساد المكان جوٌّ من الحماس وإحساس بأهمية الوقت؛ إذ كان الجميع مندمجين تمامًا في مشروع الشركة. كان الوصول إلى الإدارة التنفيذية في فيدكس سهلًا، وكان معتادًا أن ترى فريد وغيره من المسئولين الكبار بالشركة يعرِّجون على أي من مباني مكاتب فيدكس العشرين حول مطار ممفيس ويلقون السلام على الموظفين.

في عام ١٩٨٦، تمَّتْ ترقيتي إلى منصب مدير عام المواد وتخطيط الموارد. وبعد عشر سنوات، كان العمل في قسم تخطيط المواد يسير على أفضل وجه؛ إذ كان مديرو الإدارات والموظفون قد تلقوا تدريبًا جيدًا؛ ومن ثم بدأت أنشد مهام خارج نطاق مسئولياتي المباشرة، مثل قيادة فريق تطبيق الجودة؛ بهدف تحسين عملية التخطيط الطويلة الأمد. استمتعت حقًّا بتلك المهام؛ ومن ثم أخبرت رئيسي في العمل — كين والبي؛ نائب رئيس قسم خدمات الدعم المركزي — أنني مستعد لتحدٍّ جديد. سألني كين عما إذا كنت مهتمًّا بالعمل في إدارة تصميم نماذج الأنظمة التي تلعب دورًا رئيسيًّا في عملية التخطيط الطويلة الأمد وفي خطط إنشاء المراكز في شتى أنحاء العالم. تنوعت المهام بين تقديم وتقييم سيناريوهات تشغيل مبتكرة تختص بالتعامل مع نمو الشركة العالمي المتوقع، وتحديد أفضل المواقع الجغرافية لإنشاء مراكز الفرز حول العالم.

وبعدما قضيت تسع سنوات في منصب مدير عام تصميم نماذج الأنظمة، رُشحت لمنصب مدير عام/أستاذ (منسق) في معهد فيدكس للقيادة. أُنشئ معهد القيادة في أوائل ثمانينيات القرن العشرين بهدف تدريب المديرين الحديثي الترقي، وكبار المديرين، ومَن يحتلون منصب المدير العام. أثناء السنوات الثلاث التي شغلت خلالها هذا المنصب، توليت تنسيق محاضرات تطوير القيادة لجميع مستويات الإدارة في شتى أنحاء العالم.

(٢) نمو فيدكس أثناء رحلة الابتكار

في الفترة من عام ١٩٧٩ حتى عام ٢٠٠١، مرت فيدكس بالأحداث المهمة التالية:
  • نمو العائدات من ٤٠٠ مليون دولار إلى ٢٢ مليار دولار.

  • نمو أسطول الطائرات من ٦٠ طائرة إلى ٦٠٠ طائرة.

  • زيادة في متوسط كم الشحن اليومي من ٦٠ ألفًا إلى ٤٫٧ ملايين.

  • زيادة عدد الموظفين من سبعة آلاف إلى مائتي ألف.

  • توسع نطاق الخدمة من دولة واحدة (الولايات المتحدة الأمريكية) إلى ٢١٥ دولة.

  • مجلة «فورتشن» تصنِّف فيدكس واحدةً من أكثر الشركات إبهارًا في العالم.

  • تصنيف الشركة ضمن أفضل أماكن العمل في أمريكا، وكندا، والهند، والبرازيل، وآسيا.

  • مجلة «فاينانشيال تايمز» تصنف الشركة واحدةً من أكثر الشركات المرموقة في العالم.

  • أول شركة تتخطى أرباحها مليار دولار في عشر سنوات (مايو ١٩٨٣) نتيجة لنموها الداخلي لا لاستحواذها على شركات أخرى.

سيزداد انبهارنا بتلك الإنجازات حالما نفهم المتطلبات والتعقيدات الكامنة في هذا المجال.

(٣) تفاصيل عمل شركة فيدكس

القائمة التالية تتعقب رحلة طرد محلي سريع عبر نظام فيدكس:
  • عندما يصبح الطرد جاهزًا للشحن، يتصل العميل بالشركة ويطلب استلام الطرد منه.

  • تُرسل رسالة إلكترونية إلى مسئول التوصيل المختص بالمسار الذي يوجد فيه مكان العميل.

  • يستلم مسئول التوصيل الطرد ثم ينقله إلى محطة الشركة بالمدينة في الوقت المحدد.

  • يفرغ العمال الطرود من الشاحنات ويفرزونها، ثم يتولون تحميلها داخل حاويات في محطة المدينة.

  • تُجر الحاويات المحملة إلى مطار المدينة في الوقت المحدد أيضًا.

  • تدمج الحاويات المنفصلة داخل المطار وتُحمَّل على الطائرات.

  • ترسل الطائرةُ الطردَ إلى المركز المحلي في ممفيس أو إلى مركز إقليمي.

  • تُفرغ الحاويات وتُفرز ثم يُعاد تحميلها في حاويات إلى مدينة الوجهة.

  • تُفرغ الحاويات في مطار الوجهة. يخدم المطار في المدن الكبرى العديد من المحطات في المدينة والمناطق المحيطة.

  • تنتهي عملية فرز الحاويات المختلطة على أرض المطار قبل نقل الطرود على شاحنات إلى محطات المدن الخاصة بكل طرد.

  • تُفرغ الطرود من الشاحنات على سير الفرز في محطة المدينة، ثم تُصنف وفقًا لمسار التوصيل.

  • يتوجه مسئول التوصيل إلى موقع العميل من أجل توصيل الطرد قبل الموعد الذي تلتزم به الشركة.

تتم معظم تلك العمليات ليلًا في وقت محدود للغاية؛ ففي بعض الحالات تُحمَّل الطائرات أو تُفرغ أثناء عواصف رعدية أو مع تساقط الجليد. وفي الأسواق الأصغر حجمًا — التي تفصلها عن مطار المدينة مسافة أطول من أن تقطعها شاحنة — تنطلق رحلات طيران إضافية على طائرات أصغر من مطار المدينة وإليه. أما إذا كان الطرد دوليًّا، فسينبغي إنجاز بعض الخطوات الإضافية من بينها إجراءات التخليص الجمركي في كل من بلد المنشأ وبلد الوجهة.

(٣-١) وصف نظام المركز – المحاور الجوي

يرغب العملاء في كل عملية شراء يقومون بها في الحصول على أفضل قيمة مقابل أموالهم، فقد يريدون النوع الأفضل من الخدمة، أو منتجًا جيدًا بسعر منخفض. الأمر ذاته ينطبق على عملاء الشحن الذين يستخدمون النقل السريع من أجل توصيل مضمون في الوقت المحدد وبأقل تكلفة؛ لذا لا بد أن تستمر شركات الشحن في تقييم أنظمتها وعملياتها من أجل تحسين الخدمة وخفض التكاليف.

إن الفكرة الأصلية وراء شركة فيدرال إكسبريس — كما استعرضها فريد سميث في بحث كتبه أثناء دراسته في جامعة ييل — أصبحت ذائعة الصيت. أشار البحث إلى أن أنظمة الشحن الجوي التابعة لخطوط نقل الركاب ستعجز عن الوفاء باحتياجات قطاع الشحن الجوي المتنامي؛ ومن ثم دعت الحاجة إلى تصميم نظام خاص بالشحن الجوي. المزيد من العمل على تطوير هذا المفهوم إلى خطة عمل قابلة للتطبيق أدى إلى نظام المركز – المحاور الجوي. فبعدما تُحمَّل الطائرات بالطرود التي جُمعت على مدار اليوم، تصل جميع الطائرات القادمة من المدن التي تخدمها الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى المركز المحلي أثناء الليل. ثم تحمل كل طائرة من الطائرات الوافدة طرودًا يُفترض أن تُسلم في مدن أخرى داخل النظام. تلعب الخطوط الجوية التي تصل بين نقطتين — مدينة المصدر أو الوجهة والمركز الدولي — دور محاور النقل، وتكمن ميزة هذا النظام في أن المركز الرئيسي يصل كل نقطة في النظام بكل نقطة أخرى. تُصنف الطرود وتُجمع حسب الوجهة. وأخيرًا تصل كل طائرة صباحًا إلى مطار مدينة مختلفة محملة بطرود من شتى أنحاء البلاد في طريقها للتسليم بتلك المدينة.

قد يبدو مستغربًا أن يمر طرد متجهٌ من شيكاجو إلى لويفيل بالمركز المحلي أولًا في ممفيس بدلًا من الذهاب مباشرة إلى وجهته، لكن الأمر يبدو منطقيًّا من الناحية المالية؛ فنظرًا لغلو ثمن الطائرات لا بد أن تُستغل على أكمل وجه كي تظل تكلفة التشغيل وسعر الخدمة ضمن حدود المعقول. ومع اتساع نطاق العمل، أصبحت الأسواق الأكبر حجمًا في حاجة إلى أكثر من طائرة واحدة لحمل كمِّ الطرود الوافدة والصادرة. أدى هذا النمو إلى طرح فكرة توجيه الطائرة الثانية إلى موقع آخر (مركزي) أقرب إلى الأسواق التي تخدمها الشركة. وهكذا أُضيف مركز إنديانابوليس الإقليمي إلى النظام عام ١٩٨٧، ومن ذلك الحين دُعم النظام مرارًا وتكرارًا.

إن العامل الأشد إلحاحًا والمورد الحيوي في مجال النقل السريع هو الوقت؛ أي عدد الساعات المحدودة بين استلام الطرد وتسليمه؛ إذ لا بد أن تُسلَّم الطرود السريعة التي جمعت في فترة الظهيرة مع صباح اليوم التالي في حدود الساعة ١٠:٣٠ صباحًا. كل دقيقة تُحدث فارقًا. فإذا لم تستطع فيدكس تسليم الطرد في الوقت المحدد اليوم، فإنها لن تفي بوعدها حيال تقديم خدمة توصيل سريع موثوق مائة في المائة. وحتى إذا ارتفع الطلب فجأة، فما زال أمام الشركة نفس عدد الساعات المتاحة لفرز الطرود في مدينة المنشأ، ثم الانطلاق نحو المركز الرئيسي، ثم فرز الطرود في المركز الرئيسي، ثم الطيران نحو مدينة الوجهة، ثم فرز الطرود في مدينة الوجهة، وأخيرًا تسليمها؛ لذا لا بد أن تنفذ كل مهمة في إطار جدول زمني محكم. يجب على الطائرات الالتزام بالمواعيد الدقيقة للمغادرة والوصول؛ لأن حالة وصول متأخر واحدة قد تتسبب في تأخير عملية الفرز بأكملها في المركز الرئيسي. كذلك يؤثر الفرز المتأخر في المركز الرئيسي تأثيرًا سلبيًّا على النظام بأكمله في الصباح التالي. إن خللًا فنيًّا في النظام قد يتسبب في تأخُّر ٤٠ ألف مسئول توصيل عن مغادرة محطاتهم صباحًا لبدء دورة توصيل الطرود، ورغم ذلك لا بد من إتمام جميع عمليات التوصيل السريع في حدود الساعة العاشرة والنصف صباحًا. في حالة عدم وصول الطرد قبل العاشرة والنصف صباحًا، بإمكان العميل استغلال ضمان استرداد الأموال، وقد يلجأ لذلك بالفعل. وقد قُدر في إحدى المرات أن دقيقة تأخير واحدة في النظام تكلف الشركة مليون دولار.

فمن ناحية، لا بد لمناطق التشغيل أن تتبع عمليات قابلة للتنبؤ كي تخرج النتائج المطلوبة يومًا بعد يوم. وفي نفس الوقت، لا بد أن تتمتع بالمرونة اللازمة للتعامل مع زيادة كم العمل في أحد الأيام؛ ومن ثم يجب على موظفي قسم تصميم وتخطيط العمليات، على مستوى الشركة وعلى المستوى الإقليمي، الاستمرار في تطوير الخطط الهادفة إلى زيادة القدرة والكفاءة التشغيلية من أجل الاحتفاظ بمعدلات نموٍ عالية. وبالإضافة إلى تشغيل النظام في الوقت المحدد، يضطلع مديرو التشغيل وموظفوهم بدور رئيسي؛ فهم مسئولون عن التطبيق الناجح لتلك الخطط.

(٣-٢) دور الإدارة العليا في رحلة الابتكار

في ظل اقتصاد يعتمد على الابتكار — حيث تستطيع الشركات تحقيق أرباح كبيرة إذا أصبحت أذكى من منافسيها — فإن عبارة مثل «ماذا لو …؟» قد تصبح الجملة الأهم في مجال الأعمال، لكن كيف تأتي الأفكار؟ لماذا يستطيع بعض الأفراد وبعض الشركات توليد ذخيرة لا نهائية من الأفكار، بينما يكافح آخرون كي يعثروا على فكرة جديدة إبداعية أو مختلفة عن المعتاد؟ تكمن الإجابة في أن المؤسسات التي تملك العديد من الأفكار الإبداعية تتمتع بثقافة ابتكار مزدهرة تُشرك القادة على جميع المستويات في سلوكيات «القيادة من أجل الابتكار»، وتلك البيئة هي العامل الحاسم في توليد الأفكار ومشاركتها. من العوامل الأخرى المهمة وجود عمليات محددة لكل مرحلة من مراحل الابتكار الثلاث، ألا وهي توليد الأفكار وقبولها وتقييمها، ثم تطبيق الأفكار التي تمت الموافقة عليها. ومثل أي عملية، لا تثبت تلك العمليات فعاليتها إلا بقدر الدعم الذي تتلقاه من مواقع القيادة؛ إذ يجب على القادة المشاركة في تيسير كل خطوة من تلك الخطوات.

صممت فيدكس عمليات واضحة المعالم من أجل توليد الأفكار المحتملة، وقبولها، وتنفيذها على مستوى المؤسسة ومستويات الأقسام التشغيلية على حدٍّ سواء. وقد كان تخصصي على مدار تسعة أعوام هو توليد الأفكار على مستوى المؤسسة؛ إذ كرست الإدارة التي أعمل بها وإدارة أبحاث العمليات جلَّ وقتهما للعمل على الأفكار الاستراتيجية المحتملة. يبدأ التدفق الحر للأفكار بملحوظة من فريد سميث تتضمن أسئلة مثل: «ماذا لو تطلعنا إلى إنشاء مركز رئيسي في دالاس/فورت وورث، أو جرينزبورو، أو باريس؛ كي نستوعب نمو الشركة و/أو نحسن مستويات الخدمة؟» أو «ماذا لو أجرينا هذا التغيير على أسطول طائراتنا؟» أو «ماذا لو نظمنا رحلة إلى مدينة بومباي؟» وفي أحيان أخرى، قد يفكر مدير المنتجات في قسم التسويق بصوت عالٍ متسائلًا: «ماذا لو قدمنا هذا المنتج الجديد؟» أو قد يفكر مدير المبيعات بصوت عالٍ قائلًا: «ماذا لو عدلنا الحد الزمني لجمع الطرود في مناطق بريدية معينة في الساحل الشرقي ليصبح ٥ مساءً بدلًا من ٤ مساءً؟ ومن ثم نتمكن من جمع عدد أكبر قليلًا من الطرود.» وكان من المعتاد لدينا أن نعمل على تطوير أربعة أو خمسة سيناريوهات عمل محتملة في نفس الوقت.

(٣-٣) إشراك جميع المعنيين بالأمر

لكل من تلك التغيرات تأثير كبير على المؤسسة بأكملها؛ لذا من المهم أن يشارك الأفراد من جميع المجالات التي سيؤثر عليها القرار في تقييم تلك الأفكار وتطويرها. ولضمان ذلك، تعقد الشركة شهريًّا ثلاثة اجتماعات منفصلة في كل شهر يُحدد موعدها مقدمًا من أجل إشراك الأفراد على كافة مستويات المؤسسة. في الأسبوع الأول من الشهر، يشارك المديرون والرؤساء. في الأسبوع الثاني يتقابل الرؤساء ونواب الرؤساء. أما في الأسبوع الثالث من الشهر، فيحضر الاجتماع رئيس مجلس الإدارة، وكبار المسئولين في الشركة، ومديرو التخطيط. تعرف تلك الاجتماعات في جميع أرجاء الشركة باسم اجتماعات لجنة التخطيط البعيد المدى، والجميع يعي أهميتها الاستراتيجية.

أثناء الاجتماع على مستوى المديرين، المتوقع من كل مدير أن يشارك الحاضرين أفكاره المحتملة في مجاله كجزء من عملية قبول الفكرة الأكبر وتطويرها. تُناقَش تلك الأفكار التشغيلية المحتملة في الاجتماع القادم على مستوى نواب الرؤساء. وفي وسعنا إضافة تلك الأفكار المقترحة إلى جدول أعمال لجنة التخطيط البعيد المدى. بعد الاستماع إلى تقييمنا، يعرض فريد سميث وكبار المسئولين وجهات نظرهم. وبناءً على خبرتي — التي تزيد عن ٢٥ عامًا — في مجال العمل والتشاور مع كبار الرؤساء التنفيذيين، أشهد أن سميث وفريقه كانوا يتمتعون بمزيج نادر من مهارات التحليل الاستراتيجي، إذ كانوا يطرحون فكرة تلو الأخرى وفي الوقت نفسه يدركون الأساليب الفنية التي يتطلبها التطبيق على مستوى التشغيل. أبدى فريق سميث اهتمامًا شخصيًّا بالخطط المصدق عليها، ودعموها وتابعوها بانتظام من أجل ضمان تنفيذها بنجاح. ضمنت هذه العملية توليد جميع الخيارات الإبداعية ومشاركتها وتقييمها.

إحدى المسئوليات الأخرى المهمة التي تضطلع بها إدارة تصميم نماذج الأنظمة وإدارة أبحاث العمليات هي تطوير خطط بعيدة المدى لإنشاء مراكز للشركة في مختلف المواقع حول العالم. تبدأ عملية التخطيط للعمليات والمرافق البعيدة المدى مع طرح إدارة التسويق لتوقعاتها في مجال العمل على مدى السنوات الثلاث والخمس التالية. أما دورنا فيتركز في تطوير مواصفات تشغيلية لمراكز الفرز الرئيسية وغيرها من المراكز حول العالم، وتطوير وتقييم سيناريوهات تشغيل أكفأ للتعامل مع زيادة كم العمل.

بعد الانتهاء من سيناريوهات التشغيل، تكتمل عملية تقييم الأفكار المحتملة، وتصبح خطط المرافق البعيدة المدى جاهزة للعرض على لجنة التخطيط البعيد المدى. لم يرغب فريد سميث في أن يتولى المخططون والمهندسون تلك المهمة، بل أراد أن يقدم نوابُ الرؤساء الإقليميون التقرير الأخير. كان هدفه هو التأكد من أن الإدارة الإقليمية تعي الخطط وتوافق عليها. يتعاون المخططون والمهندسون تعاونًا وثيقًا مع نواب الرؤساء المحليين بهدف مساعدتهم على التحضير لهذا الاجتماع. وعقب تقديم الخطط، دائمًا ما يطرح فريد في النهاية السؤالين التاليين: «كيف أستطيع مساعدتكم على تنفيذ تلك الخطط؟» و«ما الذي تحتاجونه مني؟» وكان يحرص على متابعة الطلبات التي تقدَّم إليه.

(٣-٤) ابتكارات بارزة

لم تعد كلمة فيدكس اليوم مجرد اسم شركة، بل تحولتْ في اللغة إلى فعل يستخدمه الناس عندما يرغبون في توصيل شيء إليهم سريعًا وفي الوقت المحدد، فيستخدمون كلمة فيدكس كمرادف لكلمة «أرسل» في عشرات اللغات فيما يزيد على ٢٠٠ دولة في شتى أنحاء العالم. كيف إذن استطاعت هذه الشركة أن تنمو من شركة ناشئة غير معروفة كي تصبح إحدى أشهر العلامات التجارية وأكثرها استحقاقًا للثقة؟ فيما يلي بعض الابتكارات التي ساعدت على حدوث ذلك، كلها مستقاة من احتياجات السوق والعملاء.

أول شركة شحن سريع تملك وتدير طائرات، ومراكز فرز الطرود، وشاحنات توصيل (١٩٧٣)

أبدى العملاء رغبتهم في خدمة توصيل ليلي يُعتمد عليها من الباب إلى الباب. وعبر التحكم في جميع جوانب هذه العملية وفي الطرود منذ جمعها حتى تسليمها، استطاعت فيدكس ضمان خدمة توصيل يعول عليها وتلتزم بالوقت المحدد.

أول شركة شحن جوي تستخدم الإعلانات التليفزيونية (١٩٧٥)

يحتاج مجال التوصيل السريع للطرود إلى عمالة كثيفة ورأس مال كبير. ويتطلب بدء مشروع في هذا المجال رأسَ مال ضخمًا. قبل أن تبدأ شركة فيدكس في ممارسة نشاطها كان عليها أن تنفق مبالغ ضخمة من المال على الطائرات، وشاحنات التوصيل، ومحطات المدن، ومراكز التصنيف في المطارات. كذلك برزت الحاجة إلى عدد ضخم من الأيدي العاملة لجمع الطرود وفرزها وتوصيلها. وبعد شراء الطائرات، وإرساء البنية التحتية الداعمة، وتعيين الموظفين، أصبح التحدي الذي يواجه فيدكس هو الإعلان عن وجودها سريعًا وتحقيق حجم العمل المطلوب. وهكذا توصلت إدارة التسويق في الشركة إلى أن الإعلانات التليفزيونية هي أسرع وسيلة لتعريف الناس بشركة التوصيل السريع الجديدة هذه. وقد كان هذا القرار خطوة جريئة في وقت لم يشهد توجُّهَ أيٍّ من شركات الشحن للإعلان على شاشة التليفزيون.

كانت استراتيجية الحملة الإعلانية تهدف إلى جعل الشركة هي «أول ما يخطر ببال» العملاء عندما يحتاجون إلى شركة نقل سريع. تضمن الإعلان الأول هذه الجملة البسيطة: «أمريكا، لقد أصبح لديك شركة طيران جديدة.» تلاه إعلان «فيدرال إكسبريس من أجل توصيل سريع موثوق مائة بالمائة.» أما الإعلانات التالية فقد استخدمت روح الدعابة استخدامًا بارعًا كي توصل الرسالة. وفي غضون أربع سنوات، ساعدت هذه الحملة المبتكرة على تحول فيدكس إلى شركة رائدة في السوق. ورغم أن تلك الإعلانات قد أذيعت منذ أكثر من ٢٥ عامًا، فإن من شاهدوها ما زالوا يتذكرونها بإعجاب.

إحدى الإعلانات الماثلة في الذاكرة هو إعلان «الرجل الذي يتحدث سريعًا»؛ حيث لعب الممثل جون موشيتا دور مدير يتحدث سريعًا جدًّا وفي غاية الانشغال. يجلس المدير على مكتبه ويتحدث في الهاتف كي يصدر الأوامر ويعقد الصفقات بسرعة جنونية. في الخلفية تعمل مساعدته على نحو هستيري سعيًا لمواكبة جون. في المشاهد الأخيرة، تنهار المساعدة خلفه يائسةً بينما تتطاير الأوراق من آلة التصوير في جميع أنحاء الغرفة. يحتاج هذا الرجل إلى شركة توصيل سريعة لتلبية احتياجات العمل لديه. وينتهي الإعلان بالرسالة التالية: «فيدرال إكسبريس تعد بتوصيل الطرود قبل الساعة العاشرة والنصف صباحًا. تخيل ما تستطيع فعله بكل هذا الوقت الإضافي.» طرحت الشركة أيضًا إعلانًا آخر من بطولة جون أيضًا — بحديثه السريع وصفقاته التجارية التي لا تنقطع — ينتهي بالجملة التالية: «في هذا العالم السريع الحركة، والمليء بالضغوط، أليس رائعًا أن تجد شركة تستطيع مواكبة كل ذلك؟ فيدكس، من أجل توصيل سريع موثوق مائة بالمائة.»

دور قيادي في تخفيف صرامة اللوائح في مجال الشحن الجوي (١٩٧٧)

ما إن أدرك العملاء أن في وسعهم شحن طرودهم ليلًا عبر شركة يعتمد عليها حتى أصبحوا راغبين في إرسال شحنات أكبر وأثقل. كذلك أبدت مدن كثيرة أخرى خارج نطاق خدمة فيدكس في ذلك الوقت رغبتها في الاستفادة بهذه الخدمة الليلية. تخضع كلٌّ من شركات الشحن الجوي وشركات نقل الركاب للوائح إدارة هيئة الطيران المدني. وقد ظلت الهيئة تشترط ألا يزيد الحد الأقصى لحمولة الشحن الجوي عن ٧٥٠٠ رطل — مما كان يسمح باستخدام طائرات صغيرة فحسب، مثل طائرات فالكون النفاثة، في حين تستطيع طائرة من طراز ٧٢٧ (وهي طائرة ركاب صغيرة) حمل ٤٠ ألف رطل — حتى صدَّق الكونجرس على قانون رفع القيود الحكومية على الشحن الجوي عام ١٩٧٧؛ ومن ثم سعتْ فيدكس بالتعاون مع جميع أصحاب الشأن — أي العملاء، والموظفين، وأعضاء الغرف التجارية في المدن التي تحتاج إلى خدمة الشحن الليلي — سعيًا حثيثًا من أجل إقرار القانون.

إطلاق نظام كوزموس (نظام العملاء والعمليات والخدمة الإلكتروني المتخصص، ١٩٧٩)

أدى وضع جميع المعلومات المرتبطة بالطرود في نظام إلكتروني مركزي إلى تمكين موظفي الخدمة من الإجابة عن أسئلة العملاء حول وضع طرودهم، وقد سمح كذلك لمديري العمليات بوضع خطط أفضل مع وجود جميع البيانات الحالية والسابقة تحت تصرفهم.

أول شركة شحن سريع تُدخل نظام التواصل الإلكتروني السريع في شاحنات التوصيل (نظام النقل المدعوم رقميًّا «دادز»، ١٩٨٠)

أتاح هذا الابتكار لمسئولي التوصيل استقبال طلبات استلام الطرود أثناء دوريتهم عبر شاشة عرض في شاحناتهم، ومن خلال هذه المعلومات التي يتلقونها في الوقت المناسب، يتمكَّنون من تلبية طلبات العملاء على الفور. كذلك استطاع هذا النظام القضاء على الحالات التي يُغفل فيها جمع بعض الطرود.

أول شركة تستخدم مواد تغليف تلبي احتياجات العملاء الخاصة — خدمة البريد الليلي المستعجل (١٩٨١)

تهدف هذه الخدمة إلى تسهيل تعامل العملاء مع الشركة بقدر الإمكان. كذلك أتاحت فيدكس ميزة أخرى جذابة؛ ألا وهي سعر الشحن الثابت حتى وزن معين لأي وجهة. وقد راعت أيضًا أن تجعل طرد المرسل يبدو متميزًا وسط أكوام البريد الوارد لدى المرسل إليه، وأن يوحي بكونه بريدًا مهمًّا وملحًّا.

أول شركة شحن سريع تقدم خدمة التوصيل في الساعة العاشرة والنصف صباحًا (١٩٨٢)

كانت الشركات المنافسة تعرض التوصيل مع حلول الظهيرة أو بعد ذلك، لكن العملاء عبروا عن رغبتهم في تسلم شحناتهم مبكرًا بقدر الإمكان؛ كي يكون أمامهم يوم العمل بأكمله يستطيعون فيه استخدام الموارد أو الرد على المراسلات المهمة.

أول شركة شحن سريع تدخل نظام الشحن الأتوماتيكي على الكمبيوتر (١٩٨٤)

أراد العملاء تسريع عملية الشحن عبر حذف الوقت الضائع في عملية استيفاء الاستمارات. منذ ذلك الحين، يخضع هذا النظام للتحديث المستمر، ويتيح مهامَّ مصممة لتلائم احتياجات المُرسل.

استخدام سوبرتراكر، جهاز قراءة الباركود المحمول (١٩٨٦)

يستخدم هذا الجهاز في قراءة الباركود على الطرود في كل خطوة من خطوات عملية الشحن؛ لمتابعة وضع الطرد والإبلاغ عن حالته في الزمن الفعلي (انظر المناقشة في الفصل الأول).

تطوير شبكة محلية ودولية سلسة ومتكاملة (١٩٨٩)

خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، بدأ تزايد كم البضائع التي تتحرك عبر الحدود والمحيطات الشاسعة التي تفصل بين القارات، وشهدت هذه الفترة انتقال صناعة البضائع المرتفعة القيمة، مثل الشرائح الإلكترونية وغيرها من مكونات أجهزة الحاسوب الشخصية السريعة الانتشار إلى الصين وغيرها من الدول الآسيوية. كانت شرائح الذاكرة الإلكترونية تُصنع في سنغافورة، بينما تصنع الأقراص الصلبة في الصين والشاشات في ماليزيا. وتنتقل جميع تلك المكونات إلى الولايات المتحدة ثم تُجمع وتُسلَّم إلى المستهلكين.

بناءً على توقع فيدكس لهذا النمو في التجارة العالمية، وضعت الإدارة التنفيذية تصورًا لشبكة محلية ودولية سلسة وموحدة. كان التحدي الأكبر عند إنشاء هذه الشبكة هو ضمان حقوق الهبوط على أراضي المطارات الدولية الرئيسية؛ إذ يستغرق البدء من نقطة الصفر سنوات لأنه من الصعب العثور على أماكن هبوط في تلك المطارات الشديدة الازدحام. وعلاوة على ذلك، تخضع الموافقات على أماكن جديدة للهبوط للوائح ومفاوضات حكومية ثنائية، وتتضمن عمليات طويلة ومعقدة. وهكذا كان البدء من نقطة الصفر يعني انتظار سنوات؛ نظرًا لمحدودية أماكن الهبوط المتاحة في تلك المطارات الشديدة الازدحام؛ ومن ثم ساعدت الاستراتيجية المستحدثة التي لجأت فيدكس بمقتضاها إلى الاستحواذ على شركة طيران «فلاينج تايجرز» على حيازة حقوق الهبوط القيِّمة تلك بضربة واحدة.

كانت فلاينج تايجرز شركة شحن — يقع مقرها في مدينة لوس أنجلوس — لديها بالفعل حقوق هبوط في كبرى المطارات. أما عملاؤها فكانوا غالبًا من وكلاء الشحن ممن يعرضون خدمة نقل البضائع بين المطارات. كان هدف فيدكس هو تقديم خدمة توصيل محددة الوقت من الباب إلى الباب بين مدن الولايات المتحدة والوجهات الدولية الرئيسية.

لم يكن على الشحنات الجوية الخضوع للإجراءات الروتينية المعتادة لدى جهة المصدر وجهة الوصول فحسب، بل كان عليها كذلك إنهاء التخليص الجمركي لدى كلتا الجهتين؛ ومن ثم تطلب الوضع تفكيرًا ابتكاريًّا في جميع دوائر الشركة (الاستراتيجية، تخطيط النظم، تحديد الجداول الزمنية، التصميم، العمليات الدولية، والعمليات المحلية، على سبيل المثال وليس الحصر) من أجل دمج الشبكة الدولية مع الشبكة المحلية الموجودة بالفعل. أرست هذه الشبكة السلسة الموحدة مستوًى أعلى بمراحل من الخدمة في الساحة الدولية يماثل ما حققته الشبكة المحلية من قبل في سوق الولايات المتحدة الأمريكية.

أول شركة خدمات تفوز بجائزة مالكوم بالدريج الوطنية للجودة رفيعة المستوى (١٩٩٠)

تقيِّم هذه الجائزة جميع العمليات الداخلية بهدف ضمان تركيزها على تقديم خدمة عملاء متميزة، وتضع في اعتبارها كذلك مشاركة الموظفين المستمرة في تحسين تلك العمليات ومستوى خدمة العملاء.

أول شركة تتيح خدمة التتبُّع الإلكتروني (١٩٩٤)

أحد أهم الابتكارات التي ساعدت العملاء على التمتُّع بتحكم أفضل في عملياتهم التجارية هو موقع فيدكس دوت كوم؛ أول تطبيق على الشبكة العنكبوتية يقدم معلومات فورية عن حالة الطرد. يخضع الموقع لتحسينات مستمرة كي يتيح للمستهلكين خدمة الشحن الإلكتروني، المحلي أو الدولي. وقد اختِير الموقع أفضل موقع نقل إلكتروني.

تحسين استخدام الأصول وكفاءة النظام من أجل الاحتفاظ بميزة انخفاض التكلفة (١٩٩٧)

في السنة المالية لعام ١٩٩٧، سلمت شركة فيدكس ما يقرب من ٢٫٥ مليون طرد محلي، وما يزيد على ٢٢٠ ألف طرد دولي. كذلك تزايدت الأرباح المحلية لتصل إلى ٨ مليارات دولار، بينما بلغت الأرباح الدولية ٣ مليارات دولار. فرض هذا النمو متطلبات هائلة على النظام وآليات التشغيل؛ إذ أدى إلى اضطلاع المركز الرئيسي بدور أكبر في إدارة النظام مع الالتزام بالوقت المحدد للحفاظ على ارتفاع مستويات الخدمة. ولضمان إنهاء مركز ممفيس الوطني الرئيسي عملية الفرز في الوقت المحدد، كانت مواعيد وصول الرحلات تخضع باستمرار للتقييم والتعديل. في إحدى تلك المبادرات، أُعيد تحديد مواعيد عدة رحلات من نورث كارولينا وساوث كارولينا بحيث تغادر من خمس إلى عشر دقائق مبكرًا؛ مما أثر تأثيرًا جديًّا على العمليات الميدانية. التقى مايكل موس؛ مدير العمليات الميدانية الإقليمي، بالموظفين الذين تأثروا بهذا التغيير كي يشرح لهم سبب تبكير توقيت تلك الرحلات، مبديًا تفهمه للصعوبات الناتجة عن هذه المبادرة، ومعلنًا عن الحاجة إلى إجراء عدد من التغييرات المهمة، لكنه أضاف أن هذه الخطوة ستساعد على تحسين مستوى خدمة العملاء لدى شركة فيدكس محليًّا ودوليًّا على حدٍّ سواء.

طلب موس من الموظفين التعاون من أجل تحديد التغييرات التي ينبغي إجراؤها على عمليات التشغيل بهدف الالتزام بجدول الرحلات الزمني الجديد، والتأثير الذي سيحدثه هذا التغيير على العملاء، وكيفية إعادة تنظيم أوقات جمع الطرود بحيث يتمكن مسئولو التوصيل من العودة إلى المحطة مبكرًا. وفي غضون يومين، توصل الموظفون والمديرون إلى خطة مبتكرة تتلاءم مع التغيير دون زيادة التكلفة أو التأثير سلبًا على العملاء. ونظرًا لمشاركة الموظفين في خطة التطوير، فإن التزامهم بتطبيقها تطبيقًا ناجحًا كان أمرًا حتميًّا. شرح لي مايك فلسفته قائلًا: «دائمًا ما أُخبر مسئولي التوصيل وغيرهم من موظفي المحطة أنهم يضطلعون بالدور الأهم في هذه العملية، وأراعي أن يشارك كل فرد منهم في حل المشكلة وتطوير خطط تنفيذية، فإذا تولى المدير أو الرئيس جميع مهام التفكير وحل المشكلات، فإنه لن يحصل في النهاية إلا على أفكاره هو، وسيكتفي الموظفون بتنفيذ ما يُملَى عليهم، ولن ينشغلوا بأي نوع من التفكير الإبداعي. وعلاوة على ذلك ستخسر فيدكس أفكار الموظفين المبتكرة.»

فيدكس للنقل السريع، فيدكس للنقل البري، فيدكس للشحن، فيدكس كينكو

في عالم الأعمال أصبحت الخدمات اللوجستية عاملًا محوريًّا في سبيل التمتع بميزة تنافسية؛ فهي لم تعد تقتصر على نقل البضائع من النقطة أ إلى النقطة ب، كما في حالة تجار التجزئة الذين ينقلون المنتجات من المخزن إلى المتجر، أو شركات التصنيع التي تنقل قطع الغيار من الموردين إلى المصانع بهدف التجميع، بل أصبح التخطيط اللوجستي بأسره جزءًا لا يتجزأ من تطوير استراتيجية العمل وتنفيذها؛ ومن ثم لم يعد العملاء يبحثون عن شركة شحن فحسب، بل عن شريك استراتيجي يستوعب خططهم العملية ويتعاون معهم بهدف إيجاد حل لوجستي يساعدهم على اكتساب ميزة تنافسية.

قد يضمن ذلك بالفعل استخدام وسائل نقل متعددة. فلكي تقدم شركة فيدكس حلولًا لوجستية شاملة ومتكاملة، تولت تطوير وتنفيذ استراتيجية الاستحواذ على الشركات التي تقدم خدمات الشحن والنقل البري. نجحت فيدكس في ضم تلك الشركات تحت علامتها التجارية محل الثقة، ولكي تلبي المتطلبات المتفردة لدى تجار التجزئة على شبكة الإنترنت ابتكرت خدمة التوصيل إلى المنازل. ولكي تلبي احتياجات الأسر التي يعمل فيها كلا الزوجين، أتاحت خيار تحديد موعد التوصيل بما يناسب العميل.

التعاون مع أمازون دوت كوم لتلبية احتياجات ظاهرة مبيعات غير مسبوقة (٢٠٠٠)

تطلبت استراتيجية تسويق كتاب «هاري بوتر وكأس النار» الذي طال انتظاره طرح الكتاب في الولايات المتحدة بأسرها في نفس اليوم؛ ومن ثمَّ تلقَّى موقع أمازون ٢٥٠ ألف طلب لشراء الكتاب وتوصيله في نفس يوم إصداره. استطاعت شركة فيدكس — عبر استغلال موارد الشركات المتنوعة التي تعمل تحت مظلتها — تقديم حلٍّ أُعدَّ خِصِّيصَى لمجابهة هذا التحدي ونفَّذته بنجاح. في عام ٢٠٠٣، حققت فيدكس إنجازًا مماثلًا عبر توصيل ٤٠٠ ألف نسخة من كتاب «هاري بوتر وجماعة العنقاء» في يوم واحد؛ مما أسعد أعدادًا ضخمة من القراء الشباب في جميع أنحاء البلاد.

الاتفاق مع هيئة البريد الأمريكي لوضع صناديق إيداع الطرود التابعة لفيدكس في مكاتب البريد عبر البلاد (٢٠٠١)

كانت هيئة البريد الأمريكي تبحث عن وسيلة نقل جوي يُعتمد عليها كجزء من خدمات البريد التي تقدمها. استفاد البريد الأمريكي من هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر امتلاك وسيلة نقل جوي يعتمد عليها من أجل خدمة عملائه، بينما تمكنت فيدكس من تسهيل عملية توصيل طرود فيدكس على عملائها. يكمن العامل الابتكاري في هذه الشراكة في تحول المنظور لدى الطرفين؛ إذ أصبح كلٌّ منهما يرى الآخر طرفًا في شراكة بدلًا من اعتباره منافسًا.

(٣-٥) ابتكار متواصل

قدمت فيدكس بعض الابتكارات التي ترقى إلى مستوى الإنجازات الكبرى، بينما ساعدت مجموعة أخرى من الابتكارات على تحسين منتج أو عمليات موجودة بالفعل. عندما يتحدث الناس عن الابتكار عادةً ما يرد بأذهانهم التقنيات أو المنتجات أو الخدمات الجديدة، لكن الابتكار في عالم الأعمال — كما يوضح الشكل ٢-١ — هو عملية متواصلة تبدأ من الابتكارات الصغيرة وصولًا إلى الابتكارات العظيمة. إن الأفكار والخواطر اليومية قد تؤدي في النهاية إلى توليد تلك الأفكار غير المسبوقة التي تهز العالم وتبدِّل حاله، أو على الأقل تبدل حال شركة ما.
fig2
شكل ٢-١: ابتكار متواصل.
  • الابتكارات الصغيرة (ص): هي التحسينات المستمرة؛ التغيرات الصغيرة والتغيرات المتوسطة الحجم في مسارات العمل التي تؤدي إلى تحسين تجربة العميل مع الشركة، وتحسين تصميم عروض خدمة العملاء (مثل إدخال تحسينات على منتج ما)، وخدمة التوصيل، وتحسين الكفاءة التشغيلية … إلخ.
  • الابتكارات الكبرى (ك): هي التغييرات في أسلوب العمل، والتعديلات الواسعة النطاق التي تتخذ شكل تكنولوجيا تقلب النظام رأسًا على عقب، أو استخدام إبداعي لتكنولوجيا متوافرة بالفعل بهدف تطوير منتجات أو خدمات جديدة، أو تحقيق توسع عالمي … إلخ.

حتى الشركات التي تبدأ بنموذج عمل كبير فريد من نوعه تحتاج إلى تغييرات صغيرة، أو متوسطة الحجم، أو إلى تحسينات مستمرة من الأجل الاحتفاظ بميزتها التنافسية.

(٣-٦) دعم الابتكارات الصغيرة والمتوسطة الحجم للابتكارات الكبرى في مخطط العمل

في عام ١٩٨٣، وبعد مرور ١٠ سنوات على إرساء شركة فيدكس مخطط عملها الإبداعي، أصبح لدى الشركة مشروع تجاري محلي عظيم النجاح بلغت مبيعاته مليار دولار أمريكي. وبناءً على ذلك، تبنت فيدكس هدف التوسع الدولي باعتباره أولوية عمل استراتيجية، ودعت إلى توسع مكثف في أكبر عدد ممكن من البلدان. إذ إن امتلاك الشركة لشبكة عالمية هو عامل محوري من وجهة نظر العملاء.

ترأس أرون كولكرني قسم التوسعات الدولية بالتعاون مع طاقم من خمسة محترفين. تمحورت مهام عمل هذا الفريق حول ابتكار النموذج الأمثل والقابل للتكرار من أجل تأسيس فروع لفيدكس في دول مختلفة. يهدف هذا النموذج أولًا إلى ضمان أن يحمل مسار العمل في كل دولة طابع فيدكس. أما أهدافه الأخرى فتتعلق بتطوير مسار العمل وفقًا لنمو المشروع، وتقليل الاستثمار المالي في البداية إلى الحد الأدنى. مثلت كل دولة تحديات فريدة فيما يتعلق بالنظام التشريعي والتخليص الجمركي … إلخ.

سألتُ أرون عن سر نجاح فريقه في تأسيس شبكة فيدكس الدولية وتوسيعها، وقد لخص العوامل الرئيسية وراء نجاح فريقه في تنفيذ استراتيجية التوسع في النقاط التالية:
  • (١)

    إبداع طاقم العمل الذي تجلى في طرح أفكار مبتكرة من أجل تهيئة النموذج الأساسي كي يلائم البيئة الخاصة بكل دولة.

  • (٢)

    العلاقات الوثيقة والتعاونية بين طاقم العمل وبين المسئولين الرئيسيين في أقسام الشئون القانونية والمالية والتسويق.

  • (٣)

    الاتصال المباشر بالإدارة التنفيذية وتلقي توجيهاتها.

  • (٤)

    الاتصال المباشر بالمسئولين في أقاليم فيدكس الدولية والتعاون الوثيق معهم.

  • (٥)

    ملاحظة ما نحدثه من فارق والشعور به.

أصبحت الشركات الدولية الآن القطاع الأسرع نموًّا في مجال التوصيل السريع محققةً معدلات نمو عشرية. كانت فكرة توسيع نموذج العمل المبدئية كي يضم شبكة عالمية متكاملة فكرةً مبدعة؛ ففي ذلك الوقت، كانت شركات الشحن الأخرى تعرض خدمة النقل الدولي السريع للمستندات، وكانت شركات نقل الركاب الجوية تتيح خدمات التغليف والشحن الجوي الدولي، لكن لم توجد حينها خدمة يعتمد عليها لنقل الطرود سريعًا على المستوى الدولي، ومن الباب إلى الباب؛ ومن ثم كان النجاح في تنفيذ هذه الرؤية والاستراتيجية الدولية يتطلب المئات من الابتكارات على جميع مستويات وجوانب التشغيل.

(٤) ابتكارات مستقاة من احتياجات السوق والعملاء

تتكون رحلة الابتكار الناجحة من جزأين: (١) إدراك موقع الشركة في تلك الرحلة وتحديد الأسباب الجذرية (العوائق) التي تمنعها من إرساء ثقافة الابتكار ودعمها، و(٢) تطوير وتطبيق خطة عمل لمعالجة الأسباب الجذرية المحددة.

كانت استراتيجية عمل فيدكس مستقاة من احتياجات السوق والعملاء، حتى وإن أدى ذلك إلى تخفيض قيمة نشاطها التجاري في حد ذاته. شهدت خدمة الشحن الليلي السريع والتوصيل قبل الساعة العاشرة والنصف في صباح يوم العمل التالي نموًّا بمعدلات جيدة، لكن العملاء عبَّروا عن حاجتهم لخدمة شحن ليلي أوفر تكلفةً؛ ومن ثم قدمت فيدكس خدمة الشحن الليلي النموذجي التي تتيح التوصيل في ظهيرة يوم العمل التالي نظير سعر أقل. بلا شك، تحول بعض من عملاء التوصيل الصباحي إلى خدمة التوصيل الأوفر بعد الظهيرة، لكن عمومًا جذبت هذه الخدمة عددًا أكبر من العملاء والطرود يفوق ما خسرته الشركة من تخفيض قيمة الخدمة.

عقب ذلك، عندما ظهرت رغبة لدى السوق والعملاء في أن تقدم فيدكس مجموعة كاملة من الخدمات من بينها خدمة النقل البري الأرخص سعرًا في يوم محدد، واجهت الشركة خطر انخفاض حجم شحناتها من النقل السريع العالي الربح، لكن فيدكس اتبعت استراتيجية عمل مبتكرة تهدف إلى تطوير حلول تجارية كلية لتلبية احتياجات العملاء لنقل المستندات والصناديق والحمولات — سواء محليًّا أو دوليًّا — عبر الجمع بين خدمات النقل الجوي والبري.

ومع توقع التغيرات في بيئة العمل، قررت فيدكس أنه من الأفضل لها تحويل نقل الطرود من النقل السريع إلى النقل البري ضمن مجموعة شركاتها بدلًا من أن يقدِّم أحد منافسيها هذه الخدمة (في سبتمبر عام ٢٠٠٤، اضطرت شركة «وندر» — وهي علامة تجارية شهيرة في مجال الخبز — إلى إشهار إفلاسها، الذي يرجع أحد أسبابه إلى بُطئها في الاستجابة لتحوُّل ذوق المستهلكين نحو المنتجات منخفضة الكربوهيدرات).

إن الشرط الأساسي لإرساء ثقافة الابتكار ودعمها هو إدراك ما الذي يعيق المؤسسة، ما الذي يمنعها من التطور وإطلاق العنان لإمكانياتها الإبداعية الطبيعية؟ يستعرض الفصل الثالث الأسباب الجذرية الشائعة وراء افتقار المؤسسات إلى ثقافة ابتكار مزدهرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤