ملحق

هدف هذا الملحق هو عرض تحليل موجز، وفكرة مختصرة للحجج والاستنتاجات والاستدلالات ذات الصلة بموضوعنا الذي تناولناه، والمأمول كذلك أن يفيد بالنسبة لهدف آخر ثانوي، وهو التبسيط.

الحجة ١: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة

نظرًا لأن التاريخ يروي لنا.

  • (١)

    أن تعاليم نظام الأسرار المصري انتقل من مصر إلى جزيرة ساموس، ومن ساموس إلى كروتون وإيليا في إيطاليا، وأخيرًا من إيطاليا إلى أثينا في اليونان، عن طريق فيثاغورس والإيليين وفلاسفة أيونيا المتأخرين. وبناء على هذا، كانت مصر هي المصدر الحقيقي للتعاليم السرية. ومن ثَم، فإن أي زعم ادَّعاه الإغريق القدماء عن أنهم هم المصدر والمنشأ ليس فقط زعمًا خاطئًا مجافيًا للحقيقة، بل قائمًا على دوافع تضليلية غير أمينة.

  • (٢)

    يعرض كذلك التاريخ الحياة والتعليم في القرون الأولى لفلاسفة اليونان، باعتبارها صفحة بيضاء خالية من أي معالم أو إشارات، كما يعرض أحداث التاريخ باعتبارها ضربًا من التخمين. ومن ثَم أعطى التاريخ العالم فكرة أن الفلاسفة اليونانيين، باستثناء الثلاثة الأثينيين، ربما لم يكن لهم وجود البتة، وربما لم يعلِّموا أبدًا المبادئ المنسوبة إليهم. أو لنقل — بعبارة أخرى — إن التاريخ يعرض فلاسفة ما قبل سقراط في صورة أشخاص مشكوك في وجودهم أصلًا، وأنه في ضوء تلك الملابسات يمكن القول إنهم لم يبدعوا فلسفة، مثلما لا يمكن الزعم بأنهم — حقًّا — أصحاب ما هو منسوب إليهم، إلا أن يكون وصلهم بوسائل مثيرة للشك وخادعة.

  • (٣)

    يبدو أن تصنيف الفلسفة اليونانية كان فكرة أرسطو وإنجاز خريجي مدرسته، ولم تكن الحركة مأذونًا بها من السلطة الحاكمة اليونانية، التي اعتادت كراهية واضطهاد الفلسفة لأنها مصرية وأجنبية. وأن تنظيم وتوجيه، وإدارة، وتشغيل نظام الأسرار أعطى المصريين حق ملكية الفلسفة، وبالتالي فإن أي ادعاء من جانب اليونانيين القدماء بأنهم أصحاب الفلسفة يجب النظر إليه باعتباره ادعاء غير مشروعٍ وباطلًا ومضللًا.

الحجة ٢: الفلسفة الإغريقية المزعومة كانت غريبة على الإغريق

والأسباب:

  • (١)

    فترة الفلسفة الإغريقية (من طاليس إلى أرسطو) كانت فترة حروب داخلية بين الدول-المدن ذاتها، وحروب خارجية ضد عدوهم المشترك؛ الفرس. وكان الإغريق ضحايا نزاعات داخلية أبدية، وخوف أبدي من أن يقضي عليهم عدوهم المشترك، ولم يكن لديهم وقت ينذرونه لدراسة الطبيعة؛ إذ إن هذا يحتاج إلى أغنياء وطبقة من ذوي الثراء والفراغ، ولكنهم كانوا فقراء على نحوٍ يحُول دون انكبابهم على مثل هذا العمل. وهذا أحد الأسباب في أن الفلاسفة الإغريق كانوا قلة محدودة للغاية، وفي أن الإغريق لم يكونوا على دراية بالفلسفة.

  • (٢)

    لم يكن لدى الإغريق القدرة الوطنية الأصيلة لاستحداث وتطوير فلسفة، وإن موت أرسطو، الذي ورث كمية هائلة من الكتب عن مكتبة الإسكندرية، والتي وصلته بفضل صداقته للإسكندر الأكبر، هذا الموت أعقبه — أيضًا — موت الفلسفة الإغريقية، التي سرعان ما تحللت، وتحوَّلت إلى نظام من الأفكار المستعارة الذي عُرِف باسم التلفيقية. ولم يتضمن هذا النظام فكرًا جديدًا، على الرغم من توفر ثروة هائلة من المعارف التي حصلوا عليها بفضل الصداقة التي جمعت بين الإسكندر وأرسطو، واحتلال الإسكندر لمصر.

  • (٣)

    رفض الإغريق الفلسفة واضطهدوها بسبب أنها وافدة من الخارج ومن مصدر أجنبي، وتشتمل على أفكار غريبة لا دراية لهم بها. وأفضى هذا الانحياز إلى اتباع سياسة اضطهاد ضد الفلسفة. ولهذا حُوكِم أناكساجوراس، وهرب من السجن، وفرَّ إلى أيونيا واتخذها منفًى له. ولهذا — أيضًا — حُوكم سقراط وأُعدِم، ولاذ أفلاطون بالفرار إلى ميجارا ملاذ إقليدس، وحوكم أرسطو وهرب إلى منفًى اختاره لنفسه، ومثل هذه السياسة التي استنها الإغريق ستكون بغير معنًى ولا هدف، إذا لم تكن تشير إلى أن الفلسفة كانت غريبة على العقلية الإغريقية.

الحجة ٣: الفلسفة اليونانية هي نتاج نظام الأسرار المصري

ذلك بسبب التطابق الكامل الذي وجدناه بين نظام الأسرار المصري والفلسفة اليونانية، وباستثناء وحيد خاص بالعمر، مثل العلاقة بين الأب وابنه. ذلك أن نظام الأسرار المصري سابق — في التاريخ — على الفلسفة اليونانية بآلاف السنين. وفيما يلي ملابسات وظروف هذا التطابق.

  • (١)

    توافق تام بين النظرية المصرية عن الخلاص وهدف الفلسفة اليونانية، وهو أن يتشبَّه الإنسان بالله، وأن سبيله إلى ذلك التزام بنظام الفضائل ونظام تعليمي تربوي.

  • (٢)

    توافق كامل بين شروط التحاق المبتدئين من المريدين في كلٍّ من النظامين، أي التحضير والتهيئة (مراحل متدرجة من الفضيلة) قبل كل التحاق.

  • (٣)

    توافق كامل في المعتقدات والممارسات.

  • (٤)

    يروي لنا التاريخ أن أطلال معبد الأقصر الكبير القديم كانت تمتد على طول ضفتي النيل في مدينة طيبة القديمة، وعلى بُعد مسافة قصيرة من دندرة في صعيد مصر، ويروي — أيضًا — أن هذا المعبد الضخم بناه فرعون مصر أمنحتب (أو أمينوتيس الثالث)، الذي بدأ تشييده ثم أكمله رمسيس الثاني. وفي الوقت الذي سادت فيه الفلسفة اليونانية كان نظام الأسرار المصري هو النظام الوحيد في العالم القديم، ومن ثَم كانت قيادته ومركزه الرئيسي هو هذا المعبد دون سواه؛ إذ كان مقر الحكم له الولاية على جميع المقار الأدنى، أي الأفرع والمدارس، أيًّا كان مكانها في العالم، وسواء سمَّينا هذا النظام الأسرار أو الفلسفة اليونانية، فإن النظام واحد تفرَّعت عنه، وتتبع له، جميع الأفرع الأخرى في العالم.

  • (٥)

    تأكد التطابق بين نظام الأسرار المصري والفلسفة اليونانية من خلال ما حدث حين أصدر الإمبراطوران الرومانيان ثيودوسيوس وجوستنيان مرسوميهما بإغلاق نظم الأسرار المصرية؛ فامتد الأمر نفسه — تلقائيًّا — إلى المدارس الفلسفية في اليونان، وكان لا بد من إغلاقها. وطبيعي أن الأشياء التي تتأثر بنفس الدرجة من علة واحدة هي أشياء متماثلة.

الحجة ٤: المصريون علَّموا الإغريق

ذلك لأن التاريخ يدعم الحقائق التالية:

(أ) نتائج الغزو الفارسي لمصر

  • (١)

    ألغى قيود الهجرة المفروضة ضد اليونانيين.

  • (٢)

    فتح أبواب مصر للبحوث التي أجراها اليونانيون.

  • (٣)

    شجع طلاب أيونيا، وغيرها، على زيارة مصر لغرض التعلُّم.

(ب) نتائج غزو الإسكندر الأكبر مصر

  • (١)

    كانت — عادة — الجيوش — قديمًا — عند غزو البلاد، البحث عن كنوزها في المكتبات وفي المعابد، وبناء على هذا، فإن المعتقد أن الإسكندر وأصدقاءه الذين صحبوه قد نقبوا في مكتبة الإسكندرية، وفي غيرها من المكتبات، ونهبوا منها ما شاءوا من الكتب. ومن المعتقد أيضًا أن هذه هي الطريقة التي حصل بها أرسطو على كميات الكتب المهولة التي زعموا أنه صاحبها ومؤلفها؛ وبذا اكتسب — زيفًا — شهرة واسعة لا يستحقها.

  • (٢)

    استحوذ خريجو وتلامذة مدرسة أرسطو على مكتبة الإسكندرية، وحوَّلوا المكتبة إلى مركز أبحاث وجامعة لتعليم الإغريق الذين اضطروا إلى الاستعانة بأساتذة مصريين بسبب صعوبات اللغة ولأسباب أخرى.

  • (٣)

    كان لدى الإغريق وسيلة أخرى للاستحواذ على ثقافة المصريين، علاوة على نهب الكتب وأخذها غنيمة، وتحويل مكتبة الإسكندرية إلى جامعة لتعليمهم. فقد اعتاد البطالمة إكراه كبار الكهنة المصريين على الإفضاء بما لديهم من معلومات مفيدة. وقد رُوي أن بطليموس الأول — المُلقَّب بالمخلص — أصدر أمره إلى كبير الكهنة المصريين مانيتو أن يدوِّن تاريخ الديانة والفلسفة عند المصريين، وأنجز مانيتو هذه المهمة، وأصبحت مؤلفاته هي المنهج الرئيسي في جامعة الإسكندرية.

(ﺟ) المصريون أول من أدخل الحضارة والمدنية في اليونان

يروي التاريخ أن اليونانيين تأثَّروا بالحضارة من ثلاثة مصادر:

  • أولًا: المستعمرون المصريون.
  • ثانيًا: المستعمرون الفينيقيون.
  • ثالثًا: المستعمرون من تراقيا.

ويروي التاريخ — أيضًا — أن هذه المستعمرات خضعت لسلطان وحكم رجال حكماء خفَّفوا من غلواء وحشية عامة الناس الجهلاء، ولم يكن سبيلهم إلى هذا هو فقط المؤسسات المدنية، بل وأيضًا لجام الدين القوي، والخوف من الآلهة، وكان على رأس هؤلاء المستعمرين كيكروبس من مصر، وكادموس من فينيقيا، وأورفيوس من تراقيا.

الحجة ٥: مبادئ فلاسفة اليونان هي مبادئ نظام الأسرار المصري

برهان هذا الطرح هو في الحقيقة أحد الأغراض الرئيسية لهذا الكتاب، ولذلك خصصنا الفصول الخمسة أو الستة الأولى لهذا الغرض. جرت عادة المصريين على التعبير عن تعاليمهم برموز مختلفة الطرز، ومن ثَم يمكن بيان أصولها بالرجوع إلى رمز مميز خاص بالموضوع، ولهذا لم نقتصر، في هذه الفصول، على ذكر أسماء الفلاسفة الإغريق والمبادئ المنسوبة إليهم، بل قرنا هذا بالإشارات الضرورية إلى أنماط الرموز المميزة تأكيدًا لمَنشئها المصري، وعرضناها في موجز الاستنتاجات على النحو التالي:

(١) فلاسفة أيونيا القدماء

منسوب إليهم القول بالمبادئ التالية:

  • (أ)

    الماء مصدر جميع الموجودات.

  • (ب)

    جميع الموجودات نشأت من العماء البدائي أو اللامحدود.

  • (جـ)

    جميع الموجودات نشأت من الهواء.

بيد أن هذه المبادئ لا يمكن أن تكون مبادئ قال بها فلاسفة أيونيا، نظرًا لأننا نجد المبادئ ذاتها يحدثنا عنها — صراحة — الإصحاح الأول من سفر التكوين؛ إذ نطالع فيه أن بداية العالم كانت حالة من العماء دون شكل محدد، والفراغ الكامل (اللانهاية غير المحدودة). ويصف لنا — أيضًا — كيف تحركت روح الله (الهواء) فوق سطح الماء الأزلي وفصله عن اليابسة، وفصل الأرض عن السماء. ويحدثنا أيضًا كيف خرجت الموجودات، رويدًا رويدًا، من الماء، وكيف ظهر الإنسان إلى الوجود أخيرًا بفضل نسمة الحياة (أي الهواء). وسفر التكوين هو أول كتاب في أسفار موسى الخمسة، ويرجع تاريخه — حسبما حدد المؤرخون — إلى القرن الثامن ق.م. ولم يكن في هذه الفترة قد ظهر فلاسفة أيونيا القدماء، وبالمثل، فإن سفر التكوين منسوب إلى موسى الذي يحكي لنا عنه فيلو السكندري، قائلًا إنه كاهن مصري أو أحد كبار الكهنة أو الفقهاء العارفين بالرموز السرية، والمحيط — علمًا — بحكمة المصريين، ولكن العصر الذي عاش فيه موسى لا بد من ربطه بخروج الإسرائيليين الذي قاده موسى في عهد الأسرة ٢١، المصرية، أي حوالي عام ١١٠٠ق.م. في عهد بوكوريس.

ولكن قصة الخلق في سفر التكوين تطابق قصة الخلق في فقه إلهيات مدرسة ممفيس عند المصريين، الأمر الذي يعود بنا إلى الوراء إلى فترة بين ٤، ٥ آلاف سنة ق.م. معنى هذا أن مبادئ فلاسفة أيونيا القدماء لم تظهر لأول مرة في عصرهم (القرن الخامس ق.م.) ولا في عصر أسفار موسى الخمسة (القرن الثامن ق.م.) بل ظهرت في عصر فقه إلهيات مدرسة ممفيس (فيما بين ٤، ٥ آلاف سنه ق.م.) ومن ثَم فهي — بكل يقين — مصرية المنشأ.

(٢) الفلاسفة الإيليون وأسماؤهم

  • (أ)

    زينوفانيس، وكان شاعرًا هجَّاء.

  • (ب)

    زينو الذي أفضى أسلوبه في تناول مسألتي الزمان والمكان إلى قياس الخلف.

  • (جـ)

    بارمينيديس، وهو الوحيد بينهم الذي يستحق الإشارة إليه، ومنسوب إليه تعريف الوجود والعدم بقوله «الوجود هو ما هو موجود»، والعدم هو ما ليس موجودًا. أو بعبارة أخرى، أن الطبيعة أو الواقع قوامه خاصيتان:

الإيجاب والسلب. ولكن بارمينيديس لم يقدم مبدأ جديدًا عند تحديده لمبدأ الأضداد، وقد استخدم فيثاغورس هذا المبدأ في نظريته عن الأعداد، واستخدمه سقراط في برهانه على خلود النفس، واستخدمه أفلاطون في نظريته عن المثل والتمييز بين الوجود الظاهر والوجود في ذاته. واستخدمه أرسطو في تحديده لصفات الوجود، وأوضحنا — في جميع هذه الحالات — أن مبدأ الأضداد نشأ — أصلًا — في نظام الأسرار المصري؛ حيث جرى تمثيل الأرباب في صورة الذكر والأنثى، وحيث أقيم أمام واجهة المعابد زوج من الأعمدة إشارة إلى المبدأين: الإيجابي والسلبي في الطبيعة.

(٣) فلاسفة أيونيا المتأخرون

وأسماؤهم:

  • (أ)

    هيرقليطس، الذي قالت تعاليمه إن النار منشأ العالم عبر عملية تحول، وحيث إن جميع الموجودات نشأت من النار إذن فإن النار هي اللوجوس.

  • (ب)
    أناكساجوراس، وكان يعلم أن العقل أو العقل الكوني (Nous) هو مصدر الحياة في الكون.
  • (جـ)
    ديمقريطس وكان يعلم أن الذرات أساس جميع الموجودات المادية، وأن الحياة والموت ليسا سوى تغييرات بفعل تباين مزيج الذرات التي لا تموت لأنها خالدة، والآن، وبعد أن أخذنا هذه المبادئ، حسب الترتيب الذي ظهرت به، تأكد لنا — تمامًا — منشؤها المصري:
    • (أ)
      فقد تتبعنا تاريخ مبدأ النار إلى أن عاد بنا إلى المصريين، وتبين أن نظام الأسرار المصري يأخذ بفلسفة النار وعبادة إله النار في الأهرامات. وإن كلمة أهرام Pyramid هي كلمة يونانية الأصل، مشتقة من «بير Pyr» وتعني النار، ويعود بنا هذا المبدأ إلى عصر الأهرامات في مصر ۳۳۰۰ سنة ق.م. ولم يكن اليونانيون معروفين في هذا الزمن.
    • (ب)
      يجب الإشارة إلى أن مبدأ اللوجوس Logos قد طابق هيرقليطس بينه وبين مبدأ النار، وسبب ذلك …
    • (جـ)
      أنه في مبدأ الأرباب المخلوقة المنسوب إلى أفلاطون نجد أن الله أتوم Atum أو Atom (والتي تعني الذرة) أو إله النار يقوم بدور الصانع الأول أو البارئ Demiurge في خلق الأرباب.
    • (د)

      وبالمثل، في مبدأ المحرك غير المتحرك، المنسوب إلى أرسطو، نجد أن أتوم إله النار، وقد استوى فوق التل الأزلي، ودون أن يتحرك؛ خلق الأرباب بكلمة منه؛ إذ أمرهم بالصدور عن الأعضاء المختلفة بجسمه سبحانه. وبهذا أصبح الإله أتوم ذاته هو المحرك غير المتحرك. ويوضح هذا — بجلاء — أن اللوجوس عند هيرقليطس يطابق الصانع عند أفلاطون، ويطابق المحرك غير المتحرك عند أرسطو. ووظيفة أتوم، من حيث هو الإله الصانع، وطريقته في الخلق نجدهما — تفصيليًّا — في فقه إلهيات مدرسة ممفيس عند المصريين. وهنا أريد أن أوجه أنظار الطلاب المهتمين بدراسة وتتبع أثر الفلسفة المصرية على الفكر المسيحي، إلى أن يقرءوا هذا الجزء من الكتاب، جنبًا إلى جنب مع الإصحاح الأول من إنجيل القديس يوحنا. كذلك فإن مشكلة الدوام أو الثبات والتغيير يمكن أن نتتبع بدايتها — أيضًا — في قصة الخلق في فقه إلهيات مدرسة ممفيس، حيث نجد المادة الخالدة يمثلها العماء البدائي، والتغيُّر يمثِّله التكوين التدريجي للنظام.

    • (هـ)
      مبدأ العقل الكوني Nous لم ينسب فقط إلى أناكساجوراس، بل — وأيضًا — إلى ديمقريطس، الذي تحدث عنه باعتبار أنه مؤلف من ذرات نارية موزعة في جميع أنحاء الكون. ومنسوب أيضًا إلى سقراط، على أساس أنه مقدمة مطلقة غائية، حيث إن كل ما هو موجود لغرض نافع فهو من عمل العقل. وأمكن تتبع تاريخ هذا المبدأ إلى أصوله في مذهب الأسرار المصري القديم؛ حيث كانت العين المبصرة تمثل الإله أوزيريس. والعين البصيرة لا تعني — فقط — المعرفة المحيطة بالكل أو الإله البصير بالكل، بل وتعني أيضًا الوجود في الكل.
    • (و)

      مبدأ الذرة، وهو منسوب إلى ديمقريطس، الذي لم يحدد معناه، وإنما وصف خصائصه: إنها أساس الحياة وخالدة لا تموت أبدًا. وحين تمتزج ذرات كثيرة بطريقة معينة يسفر المزيج عن تحول جذري. وتتطابق هذه الخصائص مع خصائص أتوم الإله الشمس والصانع أو بارئ الخلق عند المصريين، والذي خلق الأرباب الآخرين من أعضاء جسده، لقد كان أساس ومبدأ الحياة وواهبها. بيد أن أتوم الإله الشمس نجده في قصة الخلق في فقه إلهيات ممفيس، ويكشف لنا عن الأصل المصري لمعنى الذرة.

(٤) مذهب فيثاغورس

ويبدو مذهبًا شديد الشمول حتى إن جمع الفلاسفة — تقريبًا — الذين أتوا من بعده عمدوا إلى محاكاة أفكاره الواردة في تعاليمه، وحيث إن فيثاغورس حاول تفسير الطبيعة في صورة رياضية، فقد نسبوا إليه تعليم المبادئ التالية:

  • (أ)

    خصائص العدد: وتشمل عناصر الأضداد: الزوجي والفردي، المتناهي واللامتناهي، الإيجابي والسلبي. واستنسخ مبدأ الأضداد، وأفاد به في تعاليمه كلٌّ من هيرقليطس وبارمينيديس وديمقريطس وسقراط وأفلاطون وأرسطو.

  • (ب)

    مبدأ التناعم: وتحدد معناه بأنه وحدة الأضداد. واستنسخ هذا المبدأ، وأفاد به في تعاليمه كلٌّ من هيرقليطس وسقراط وأفلاطون وأرسطو.

  • (جـ)

    النار المركزية والمحيطية: وتم تعليم هذا المبدأ على أنه أساس الخلق. وأفاد به في تعاليمه كل من هيرقليطس وأناكساجوراس وديمقريطس وسقراط وأفلاطون.

  • (د)

    خلود النفس والخير الأسمى: وكان فيثاغورس يعلِّم هذا المبدأ في صورة تناسخ الأرواح. وكان يعلِّمه — أيضًا من بعده — سقراط باعتباره غرض الفلسفة التي تتغذى عليها النفس باعتبارها الحقيقة التي هي من جنس الطبيعة الإلهية. وبذا يمكن للنفس — بفضل هذا الغذاء — أن تنجو من عجلة إعادة الميلاد، وتبلغ غاية الكمال بالوحدة مع الله. وأوضحنا أن جميع مبادئ فيثاغورس نشأت — أصلًا — في نظام الأسرار المصري، فالعدد قوامه عناصر متضادة، ومبدأ الأضداد مبدأ خاص بنظام الأسرار المصري، ويمثِّلونه بأرباب ذكور وإناث. وحيث إن التناغم مزج بين الأضداد، فإن الأمر ليس بحاجة إلى مزيد، والنار — بالمثل — تعود بنا إلى نظام الأسرار المصري الذي كان فلسفة تؤمن بالنار مبدأ للوجود، وكان المريدون المبتدئون عبدة نار. وأخيرًا فقد كان غرض الفلسفة خلاص النفس، ويتحقق هذا بفضل طرق التطهر التي تحددها نظم الأسرار المصرية، التي رفعت الإنسان من الصعيد الفاني إلى الصعيد الخالد، وكان هذا هو الخير الأسمى.

(٥) سقراط

  • (أ)

    حياته.

  • (ب)

    مبادئه.

  • (جـ)

    محاكمته وإدانته وإعدامه.

  • (د)

    أحاديث الوداع.

  • (أ)

    التزم سقراط في حياته بالسرية والفقر؛ رغبة منه في تجنُّب غواية الثراء والأثرياء، وتمكينًا لنفسه من غرس الفضائل التي تتطلَّبها نظم الأسرار.

  • (ب)

    جميع مبادئه تقرنه — أيضًا — بنظم الأسرار المصرية.

    • (١)
      مبدؤه عن العقل Nous باعتباره العقل أو الذكاء الكوني أساس الخلق، وكانت تمثِّله في المعابد المصرية القديمة «عين أوزيريس البصيرة» إشارة إلى المعرفة المحيطة بالكل والوجود في الكل.
    • (٢)

      مبدؤه عن معرفة النفس: «أيها الإنسان اعرف نفسك»؛ وهو مبدأ منقول مباشرة أو على نحو غير مباشر من بين النقوش المكتوبة على الجدران الخارجية لمعابد نظام الأسرار في مصر القديمة.

    • (٣)

      مبدؤه عن الأضداد، وكذا مبدؤه عن التناغم، هما بيِّنة واضحة على عادة نظم الأسرار، وتثبت مبدأ الأضداد في الطبيعة في صورة أزواج من الأرباب الذكور والإناث، وأيضًا أزواج من الأعمدة في واجهة المعابد.

    • (٤)

      مبادئه عن خلود وخلاص النفس والخير الأسمى هي تلخيص لنظرية الخلاص، كما كانت تعلمها نظم الأسرار المصرية، وأوضح سقراط نفسه ذلك. وكان غرض الفلسفة خلاص النفس عن طريق عملية التطهر التي تسمو بالإنسان، وترفعه من المستوى الفاني إلى مستوى الخلود. وبلوغ الإنسان هذا المستوى يعني تحقق الخير الأسمى.

  • (جـ)

    إن اتهامه وإدانته وموته ملابسات توضح — أيضًا — ارتباطه بنظم الأسرار؛ فقد اتُّهم بإدخال آلهة أجنبية وإفساد الشباب الأثيني وأُدين وأُعدم. والمقصود بالآلهة الأجنبية آلهة نظم الأسرار، وإذعانه للشهادة يرجع من ناحية إلى تحيز سلطات أثينا، كما يرجع من ناحية أخرى إلى فضيلة الشجاعة في نفسه، وهي من شروط نظم الأسرار.

  • (د)

    أحاديث الوداع التي أدلى بها قبيل الوفاة تبين — أيضًا — انتماءه — عضويًّا — إلى النظام المصري للأسرار. وثمة روايتان لهذه المحادثات، إحداهما رواها كريتو، والأخرى رواها فيدو. ويصف كريتو السلوك الأخوي لمجموعة من الأصدقاء الأوفياء والمبتدئين الذين اعتادوا زيارته يوميًّا، وقتما كان رهين السجن ينتظر تنفيذ حكم الإعدام. واستهدفت هذه الزيارات تأمين هرب أحد الإخوة، ولكن جهودهم باءت بالفشل لأنه رفض الإذعان لتوسلاتهم. ويذكر فيدو أن موضوع المحادثات الأخرى هو خلود النفس، وقد سعى سقراط — جاهدًا — لكي يقدم لهم خلالها بعض البراهين ممثَّلة في تطبيقه لمبادئ الأضداد. وقيل لنا أيضًا، إنه قرب نهاية المحادثات، وقبيل تجرعه للسم مباشرة، رجا سقراط صديقه كريتو أن يسدد عنه دينًا محددًا كان مدينًا به، وتكشف هذه المحادثات عن الحقائق التالية:

    • (أ)

      الحب الأخوي للزائرين من الأعضاء المبتدئين في محاولاتهم تأمين هرب أخيهم سقراط.

    • (ب)

      مجموعة دراسية أخيرة يوجهها سقراط؛ إذ يحدِّثهم عن مبدأ الخلود: المبدأ الرئيسي في نظم الأسرار المصرية.

    • (جـ)

      الرجاء الأخير من سقراط لسداد دين عليه.

    • (د)

      تؤكد هذه الأحاديث — معًا — عضوية سقراط في نظم الأسرار المصرية، لقد كانت أُخوَّة هذا النظام أُخوَّة عالمية، وتستلزم غرس المحبة الأخوية بين الأعضاء. ويمثِّل موضوع خلود النفس محور التعليم في هذا النظام مثلما كان يتطلب من المبتدئين ممارسة فضائل العدل والأمانة؛ ولذا كان لزامًا سداد الدين.

    • (هـ)

      من المعتقد أن سقراط لم يدوِّن تعاليمه، وجاء هذا انصياعًا لسرية نظم الأسرار.

(٦) أفلاطون

  • (أ)

    حياته الباكرة وتعليمه، شأن جميع الفلاسفة الآخرين، مجهولان للتاريخ الذي يصوِّره هاربًا من أثينا عقب إعدام سقراط. وبعد اثني عشر عامًا، زار خلالها إقليدس في ميجارا، وزار الفيثاغوريين في إيطاليا، وديونيسيوس في صقلية، ونظام الأسرار في مصر، وعاد بعد ذلك إلى أثينا، وافتتح أكاديمية مارس فيها التعليم ٢٠ عامًا.

  • (ب)

    مبادئه المتناثرة على نطاقٍ واسعٍ في أعمال أدبية، تضم ٣٦ محاولة مشكوكًا فيها ومتنازعًا بشأنها من قِبَل الباحثين المحدثين، ومن المفترض أن تلامذة سقراط، خاصة أفلاطون، قد نشروا تعاليمه، وغير معروف كم من هذا الأدب الجم الكثير خاص بأفلاطون، وكم منه خاص بسقراط، وأمكن الرجوع بجميع مبادئ أفلاطون إلى مَنشئها المصري.

  • (١)

    نظرية المثل التي عبَّر عنها، موضحًا لها بالإشارة إلى ظواهر الطبيعة هي تمييز بين المثل أو الوجود في ذاته، وبين الظواهر التي هي محاكاة لها. وهي — أيضًا — تمييز بين الواقعي وغير الواقعي عن طريق تطبيق مبدأ الأضداد، والذي كان يفسره ويوضحه نظام الأسرار المصري بأزواج الأرباب الذكور والإناث، وأزواج الأعمدة عند واجهات المعابد.

  • (٢)
    مبدأ العقل الكوني Nous أمكن الرجوع به إلى «العين البصيرة» المستخدَمة في المعابد المصرية، والتي ترمز إلى علم الإحاطة بالكل، وإلى الوجود في الكل للإله المصري أوزيريس.
  • (٣)

    مبدأ الصانع الأول والأرباب المخلوقة، وقد رجعنا به إلى أتوم الإله الشمس في قصة الخلق في فقه إلهيات ممفيس عند المصريين.

  • (٤)

    مبدأ الخير الأسمى؛ وقد أوضحنا أنه مطابق لنظرية الخلاص في نظام الأسرار المصري. فخلاص النفس هو غاية الفلسفة، التي تنص على طرق للتطهر، تسمو بالمرء من مستوى الفناء، وترقى به إلى مستوى الأرباب، وهذا الهدف هو الخير الأسمى.

  • (٥)

    مبدأ الدولة المثالية، وقد قارنَّا بين صفاتها وصفات النفس والعدالة. وهاتان الصفتان تمثِّلها الصورة المجازية لسائق العربة ذات الجوادين المجنَّحين، وتكشف هذه الصورة المجازية عن أصلها المصري بعد أن تعقَّبنا تاريخها، ورجعنا بها إلى مشهد يوم الحساب في الآخرة، حسب رواية كتاب الموتى المصري.

  • (٦)

    مبدأ الفضيلة والحكمة، وقد أوضحنا أنه نشأ — أصلًا — في نظام الأسرار المصري، الذي كان يشترط الالتزام بعشر فضائل لإخضاع وتذليل العوائق البدنية العشرة.

(٧) أرسطو

(۱) حياة أرسطو حافلة بالتناقضات والشكوك.

  • (أ)

    بينما يجهل التاريخ كل شيء عن حياته الباكرة وتعليمه، شأن غيره من الفلاسفة اليونانيين الآخرين، إلا أنه يروي لنا قصة غريبة تحكي أنه قضى عشرين عامًا تلميذًا على يدي أفلاطون، وأنه لم يذهب أبدًا إلى مصر، وأن الإسكندر الأكبر منحه المال اللازم للحصول على العدد الضخم من الكتب المقترنة باسمه. ولكن التاريخ يروي كذلك أن أفلاطون كان فيلسوفًا، بينما كان أرسطو عالمًا، ومن ثَم لا مناص من أن نسأل السؤال التالي: لماذا يضيِّع رجل، مثل أرسطو، ٢٠ عامًا من حياته متتلمذًا على معلم غير أهل لتعليمه؟ أفضت هذه الملابسات إلى الشك في أن أرسطو لا بد وأن قضى الشطر الأكبر من هذه السنوات العشرين للارتقاء بتعليمه في مصر، وفي مصاحبة الإسكندر الأكبر خلال غزوه لمصر؛ حيث أتيحت له الفرصة للتنقيب في مكتبة الإسكندرية، والاستحواذ على الكتب التي يريدها. والملاحظ أن القصة التي يرويها التاريخ لا تشفي غليلًا، ولكنها — لسوء الحظ — تلقي بظلال كثيفة من الشك حول حياة أرسطو.

  • (ب)

    تناقض آخر نجده فيما يتعلق بقوائم الكتب التي يقال إنها تخصه، ولكنها متباينة من حيث المصدر والتاريخ والعدد. (١) القائمة التي كتبها بنفسه، والتي لا بد وأن يكون تاريخها أثناء حياته، أي في القرن الرابع ق.م. وتشتمل على أقل عدد من الكتب. (٢) قائمة مأثورة عن هيرمبوس السكندري، ويرجع تاريخها إلى ما بعد ذلك بقرنين، وتشتمل على ٤٠٠ عنوانًا. (٣) قائمة من مصادر عربية، تم تصنيفها في الإسكندرية بعد هذا التاريخ بثلاثة قرون، أي في القرن الأول الميلادي، وتضم ألف عنوان. ولا يسع المرء إلا أن يسأل الأسئلة التالية:

    هل حقًّا ألَّف أرسطو ألف كتاب في حياته؟ وكيف زادت قائمته الصغيرة بعد وفاته إلى ٤٠٠ عنوان عقب مضي قرنين، ثم إلى ألف عنوان بعد مضي خمسة قرون؟ هذه الملابسات من شأنها إثارة شكوك قوية في صحة تأليف أرسطو لهذه الكتب؛ إذ من غير المعقول أن يستطيع شخص واحد — بمفرده — أن يؤلف ألف كتاب في مجالات مختلفة من العلوم على مدار حياته.

(٢) وضح أن جميع مبادئ أرسطو نشأت في نظام الأسرار المصري

  • (أ)

    مبدأ الوجود في عالم ما وراء الطبيعة جرى تفسيره على أساس العلاقة بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل، والذي يعمل حسب مبدأ الأضداد. ولقد كان المصريون هم أول علماء يكتشفون مبدأ الاثنينية في الطبيعة؛ ولهذا مثَّلوها بأزواج من الأرباب الذكور والإناث، وبأزواج من الأعمدة المقامة عند واجهات المعابد، وهذا هو مصدر المبدأ.

  • (ب)

    في برهان وجود الله استخدم أرسطو مبدأين:

    (١) الغائية، موضحًا الغرض والتدبير والتعميم في الطبيعة باعتبارها أفعال عقل كوني. (٢) المحرك غير المتحرك. وأمكن تتبُّع كلا المبدأين — تاريخيًّا — والرجوع بهما إلى قصة الخلق في فقه إلهيات ممفيس عند المصريين القدماء، والذي يقرر أن الخلق تحوَّل من حالة العماء البدائي إلى حالة النظام، مما يدل على وجود عقل كلي أو كوني، وأيضًا حيث أتوم الصانع الأول، واللوجوس الذي استوى، دون أن يتحرك، فوق التل الأزلي، وصدرت عن أعضاء جسده — سبحانه — ثمانية آلهة، وبذلك أصبح المحرك غير المتحرك.

  • (جـ)

    مبدأ أصل الكون، يقرر أرسطو أن العالم خالد لأن المادة والحركة والزمان — جميعًا — خالدة وأبدية. وهذه النظرة — ذاتها — عبَّر عنها ديمقريطس في ٤٠٠ سنة ق.م. في عبارته «لا وجود يصدر عن عدم» مشيرًا إلى أن المادة أبدية وخالدة، وتتبعنا نفس النظرة تاريخيًّا، ورجعنا بها إلى قصة الخلق في فقه إلهيات ممفيس عند قدماء المصريين، وفيها نجد العماء أو المادة الأزلية يمثِّلها المحيط الأزلي نون، والذي خرج منه التل الأزلي، والمفترض أن هذه جميعها أزلية خالدة.

  • (د)

    مبادئ صفات الطبيعة، ويرى أرسطو أن الطبيعة قوامها حركة وسكون، وأن الحركة نقلة، من الأقل كمالًا إلى ما هو أكثر كمالًا، حسب قانون محدد، وأنا أفترض هنا قانون التطور. غير أن هذه التعاليم لم تنشأ على يدي أرسطو، ذلك لأن مشكلة الحركة والسكون، وكذلك الثبات والتغير، لم يبحثها فقط الفلاسفة الإيليون وفلاسفة أيونيا المتأخرون، بل بحثها — أيضًا — المصريون القدماء في قصة الخلق في فقه إلهيات ممفيس؛ إذ يوضح فقه إلهيات ممفيس أن الطبيعة تتحرك من العماء إلى النظام بخطوات تدريجية، والشيء اليقيني أن مبدأ صفات الطبيعة منحدر عن المصريين القدماء.

  • (هـ)

    مبدأ النفس. يقرر أرسطو أن النفس مبدأ أولي أساسي للحياة التي تطابق البدن، وأن لها خمس صفات؛ الحسية، العقلانية، الغذوية، الشهوية، الحركية، وحدد فلاسفة آخرون النفس بأنها:

    (أ) مادية مؤلفة من ذرات نارية. (ب) تناغم الجسد على أساس من مزيج الأضداد. (ج) نسمة الحياة في قصة الخلق في سفر التكوين. والمصدر الحقيقي لمبدأ أرسطو عن النفس أمكن الرجوع به إلى فلسفة النفس في كتاب الموتى عند المصريين القدماء؛ إذ نجد هنا النفس وحدة من تسعة أنفس، لا انفصال بينها، في نفس واحدة، شأنها شأن التاسوع أو الربوبية الواحدة المؤلَّفة من تسعة أرباب في واحد، مع الأبدان اللازمة. ونجد صفات النفس للبدن الطبيعي في هذه الفلسفة المصرية تطابق صفات النفس التي قال بها أرسطو، مما يبين معه — بوضوح — المصدر المصري لمبدأ أرسطو، والذي يمثِّل جانبًا صغيرًا من الفلسفة المصرية عن النفس.

الحجة ٦: تعليم الكهنة المصريين ومناهج التعليم في نظام الأسرار المصري يوضحان أن مصر هي مصدر التعليم العالي في العالم القديم وليست اليونان

الفكرة الأولى التي نخلص إليها من الفصل السابع هي حقيقة أن مؤسسة النظم الأخوية أو الطبقات الكهنوتية المقدسة نشأت عن نظم الأسرار المصرية؛ حيث اعتاد الكهنة الأفارقة أن ينتظموا في طبقات كهنوتية أو نظم أخوية مختلفة الدرجات والتثقيف، كل حسب مرتبته.

وهذا من شأنه أن جعل الكهنوتية هي القيِّم والحارس الأمين على التعليم حتى فجر العصر الحديث، وأوضح هذا — أيضًا — أن الأفارقة هم أول أساتذة في التعليم العالي. والفكرة الثانية التي نخلص إليها هي أن الفنون العقلية الأربعة١ نشأت أصلًا هي الأخرى داخل نظام الأسرار المصري؛ ذلك لأن هذه الموضوعات شكَّلت أساس تعليم الكهنة الذين كان عليهم، بالإضافة إلى ذلك، استظهار ٤٢ كتابًا هي كتب هرمس، وأن يتخصصوا في السحر وفي اللغة الهيروغليفية واللغة السرية والرمزية الرياضية. ثالث الأفكار التي نخلص إليها هي أن منهاج التعليم في نظام الأسرار المصري كان متسعًا، بحيث يطابق حاجات ومتطلبات أرقى حضارة في العالم القديم. وتألفت الكتب الدراسية مما يلي:
  • (١)

    ٤٢ كتابًا تُعرف باسم كتب هرمس.

  • (٢)

    الاستخدام العلاجي للفنون العقلية السبعة من أجل شفاء النفس.

  • (٣)

    العلوم والفنون التطبيقية على نحو ما كشفت عنها الآثار، مثل النحت والرسم والتصوير والعمارة والهندسة.

  • (٤)

    العلوم الاجتماعية الخاصة بالتجارة والتسويق، مثل الجغرافيا والاقتصاد وبناء السفن.

الحجة ٧: فقه إلهيات مدرسة مفيس يتضمن إلهيات وفلسفة وكوزمولوجيا المصريين، ولهذا هو مصدر ثقة لأصول المبادئ

يحاول الفصل ٧ إثبات أن فقه إلهيات ممفيس في مصر القديمة هو مصدر:

(۱) الفلسفة الإغريقية، عن طريق بيان أن مذاهب الفلاسفة، كل على حدة، إنما هي أجزاء من تعاليم ذلك الفقه، وهو مصدر (٢) الفروض العلمية الحديثة، عن طريق بيان أن (أ) الفرض السديمي و(ب) القول بوجود تسعة كواكب رئيسية في المجموعة الشمسية منشؤهما أتوم الإله الشمس المصري أو إله النار الذي أثبتنا أنه يتطابق مع مفهوم الذرة في العلم الحديث. وبسبب هذا الإلهام العظيم، أعني تطابق أتوم الإله الشمس المصري مع الذرة في العلم الحديث؛ أوصيتُ بأن يكون فقه إلهيات مدرسة ممفيس مجالًا لبحث علمي جديد؛ وأن يكون السحر قديمًا، من حيث هو منهج بحث في نظم الأسرار، مفتاحًا للتفسير والتأويل. والسبب الثاني عندي أن فقه إلهيات مدرسة ممفيس هو أول نظرية تقول بمركزية الشمس للكون، والسبب الثالث عندي أن تاريخ الفلسفة إنما هو تاريخ العلم.

(٩) الفلسفة الجديدة للتحرر الأفريقي:

يتناول الفصل ٩ الفلسفة الجديدة للتحرر الأفريقي، والهدف هو تحرر عقلي واجتماعي عن طريق تحوُّل العالم إلى الفلسفة الجديدة القائلة إن الشعب الأسود — في شمال أفريقيا — أعطى العالم فلسفة، وليس الإغريق، وأيضًا، عن طريق رفض عبادة العقل الإغريقي؛ لأن ما يجري هو عملية تضليل تعليمي، وأيضًا رفض الخضوع بعد ذلك لسياسة التبشير. إن فلسفة التحرر الأفريقي الجديدة هي المهرب وملاذ النجاة الذي لا فكاك منه للشعب الأسود لينجو من ورطته الاجتماعية، الناجمة عن تراث زائف خاص به، أطلقه وبعث به (أ) الإسكندر الأكبر. (ب) أرسطو ومدرسته. (ج) الإمبراطور ثيوداسيوس، والإمبراطور جوستنيان؛ إذ أصدر كلٌّ منهما مرسومًا يقضي بإلغاء نظم الأسرار المصرية — أعظم نظام تعليمي وإكليريكي أو ديني عرفه العالم — ووضعا المسيحية منافسًا أبديًّا له.

١  كل ما يختلف عن الدراسات المهنية والتقنية من لغات، تاريخ، فلسفة، علوم نظرية تجريدية. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤