علي بن زريق البغدادي وابنة عمه

كانت له ابنة عم كلف بها أشد الكلف، ثم ارتحل عنها من بغداد لفاقة علته، فقصد أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ومدحه بقصيدة بليغة فأعطاه عطاء قليلًا، فقال ابن زريق: إنا لله وإنا إليه راجعون، سلكت القفار والبحار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء، ثم تذكر فراق ابنة عمه وما بينهما من بُعد المسافة وتحمل المشقة مع ضيق ذات يده فاعتل غمًّا ومات، وأراد عبد الرحمن بذلك أن يختبره، فلما كان بعد أيام سأل عنه، فتفقدوه في الخان الذي كان فيه فوجدوه ميتًا وعند رأسه رقعة مكتوب فيها:

لا تعذليه فإن العذل يولعهُ
قد قلت حقًّا ولكن ليس يسمعهُ
جاوزت في نصحه حدًّا أضر به
من حيث قدرت أن النصح ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلًا
من عنفه فهو مضني القلب موجعه
قد كان مضطلعًا بالخطب يحمله
فضلعت بخطوب البين أضلعه
يكفيه من روعة التفنيد أن له
من الجوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه
عزم إلى سفر بالرغم يزمعه
تأبى المطالب إلا أن تكلفه
للرزق سعيًا ولكن ليس يجمعه

ومنها:

أستودع الله في بغداد لي قمرٌ
بالكرخ من فلك الإِزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشفع بي أن لا أفارقه
وللضرورات حال لا تشفعه
علَّى الليالي التي أضنت بفرقتنا
جسمي ستجمعنا يومًا وتجمعه
وإن تغل أحدًا منا منيته
لا بد في غده الثاني سيتبعه
وإن يدم أبدًا هذا الفراق لنا
فما الذي بقضاء الله نصنعه

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤