علية ابنة المهدي العباسية

كانت ظريفة الوجه، عفيفة النفس، ذات صيانة وأدب بارع، وكانت تهوى غلامًا يُدعى طلًّا، فنهاها عنهُ أخوها الرشيد فلم تنتهِ، فحلف أنها لا تذكره ثم تسمَّع عليها يومًا فوجدها وهي تقرأ القرآن في آخر سورة البقرة حتى بلغت قوله تعالي: فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ (البقرة: ٢٦٥)، فما نهى عنه أمير المؤمنين، فدخل الرشيد وقبَّل رأسها وقال لها: قد وهبتك طلًّا ولا منعتك بعدها عما تريدين.

ولما خرج الرشيد إلى الري أخذها معه، فلما وصلت إلى المرج وبعدت عن الحبيب أنشدت تقول:

كتمت اسم الحبيب عن العباد
ورددت الصبابة في فؤادي
فوا شوقي إلى أيام خلى
لعلي باسم من أهوى أنادي

فلما بلغت الحمى وآنست قرب الحبيب خف عنها بعض الوجد الذي كان عندها، ففي ذات يوم بينما كانت في بيتها وأخوها إلى جانبها جاءتها عريب وجاءها يعقوب وكان أحذق الناس بالمزمار فلح عليها بالغناء، فغنت شعرًا لها:

تحبب فإن الحب داعية الحب
وكم من بعيد الدار مستوجب القربِ
تبصر فإن حُدثت أن أخا الهوى
نجا سالمًا فانج النجاة من الحربِ
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا
فأين حلاوات الرسائل والكتْبِ
وأطيب أيام الفتى يومهُ الذي
يروَّع بالهجران فيه وبالعتبِ

ثم أنشدت:

لم ينسينك سرور لا ولا حزن
وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسنُ
ولا خلا منك لا قلبي ولا جسدي
كلي بكلك مشغولٌ ومرتهنُ
وحيدة الحسن ما لي عنك من كلفٍ
نفسي بحبك إلا الهم والحزنُ
نورٌ تولد من شمس ومن قمرٍ
حتى تكامل فيه الروح والبدنُ

فطرب الجميع من رقتها ورخامة صوتها وعذوبة ألفاظها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤