المأمون وجاريته (١)

قال أبو حماد الموكبي: وصفت للمأمون جارية بكل ما تُوصف امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها، فأُتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم، فلما همَّ ليلبس درعهُ خطرت بباله فأمر فخرجت إليه، فلما نظر إليها أُعجب بها وأُعجبت به، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم، قالت: قتلتني والله يا سيدي، ثم انحدرت الدموع على وجنتيها كنظام اللؤلؤ وأنشأت تقول:

سأدعو دعوة المضطر ربًّا
يُثيب على الدعاء ويستجيبُ
لعلَّ الله أن يكفيك حربًا
ويجمعنا كما تهوى القلوبُ

فضمها المأمون إلى صدره وأنشأ متمثلًا يقول:

فيا حسنها إذ يغسل الدمعُ كحلها
وإذ هي تذري الدمعَ منها الأناملُ
صبيحة قالت في العتاب قتلتني
وقتلي بما قالت هناك تحاولُ

ثم قال لخادمه: يا مسرور، احتفظ بها وأكرم محلها وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى حين رجوعي، ثم خرج، فلم يزل الخادم يتعهدها ويصلح ما أُمر به، فاعتلت علة شديدة أشفق عليها منها، ثم ورد نعي المأمون، فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وأنشدت وهي تجود بنفسها:

إن الزمان سقانا من مرارتهِ
بعد الحلاوة أنفاسًا وأروانا
أبدى لنا تارةً منهُ فأضحكنا
ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا
إنَّا إلى الله فيما لا يزال لنا
من القضاء ومن تلوين دنيانا
دنيا نراها ترينا من تصرُّفها
ما لا يدوم مصافاة وأحزانا
ونحن فيها كأنَّا لا نزايلها
للعيش أحياؤنا يبكون موتانا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤