مغامرات شيرلو كومبس

مع الاعتذار للدكتور كونان دويل وكتابه الممتاز؛ «دراسة في اللون القرمزي».

ذهبت لزيارة صديقي، شيرلو كومبس دون موعدٍ سابق؛ لسماع ما لديه ليقوله عن لغز بيجرام، كما سُمِّي في الصحف. وجدتُه يعزف على الكمان وعلى وجهه نظرة سكينة وسلام جميلة، لم أُلاحظها أبدًا على أوجه من هُم على مسافةٍ قريبة. كنت أعرف أن تعبير الهدوء الملائكي هذا يُشير إلى أن كومبس كان منزعجًا بشدة من شيءٍ ما. وقد ثبت، بالفعل أن الأمر كذلك؛ حيث احتوت إحدى الصحف الصباحية على مقال يمدح يقظة شرطة سكوتلاند يارد وكفاءتها العامة. كان ازدراء شيرلو كومبس لشرطة سكوتلاند يارد كبيرًا جدًّا لدرجة أنه لم يزُر اسكتلندا أبدًا أثناء إجازاته، ولم يعترف أبدًا أنَّ الرجل الاسكتلندي مناسب لأي شيءٍ سوى التصدير.

تكرَّم ووضع كمانه جانبًا؛ لأنه كان مُعجبًا بي حقًّا، واستقبَلني بلطفه المعتاد.

بدأتُ الحديث على الفور عن الأمر الذي يدور في ذهني قائلًا: «لقد جئتُ لسماع رأيك في لغز بيجرام العظيم.»

قال بهدوء: «لم أسمع به.» تمامًا كما لو أن كل لندن لا تتحدَّث عن هذا الشيء بالذات. كان كومبس يجهل بشكلٍ غريب بعض الموضوعات، ويعلم بأخرى بشكل غير طبيعي. وقد وجدت على سبيل المثال، أن النقاش السياسي معه كان مُستحيلًا؛ لأنه لم يكن يعرف من كان سالزبوري وجلادستون. وهذا جعل صداقته نعمةً عظيمة.

«حيَّر لغز بيجرام حتى المُحقق جريجوري من شرطة سكوتلاند يارد.»

قال صديقي بهدوء: «يمكنني تصديق ذلك جدًّا. إن الحركة الدائمة، أو تربيع الدائرة، سيُربك جريجوري. لأنه قليل الخبرة.»

كان هذا أحد الأشياء التي أحببتُها دائمًا في كومبس. لم يكن فيه أي غيرة مهنية، مثلما يتَّسم به الكثير من الرجال الآخرين.

ملأ غليونه، وألقى بنفسه على كرسيه الوثير ذي الذراعين، ووضع قدميه على رفِّ المدفأة، وشبَّك يديه خلف رأسه.

قال ببساطة: «أخبِرْني عن ذلك الأمر.»

بدأت حديثي قائلًا: «كان باري كيبسون العجوز سمسارًا في البورصة في لندن. وكان يعيش في بيجرام، وكانت عادته أن …»

صاح كومبس دون أن يُغير طريقة جلوسه ولكن بشكلٍ مفاجئ أفزعني: «ادخل!» لم أكن قد سمعتُ أي طرق.

قال صديقي ضاحكًا: «عفوًا، كانت دعوتي للدخول سابقةً لأوانها بعض الشيء. لقد كنت مهتمًّا جدًّا بروايتك لدرجة أنني تحدثتُ قبل أن أفكر، وهو ما لا يجب على المُحقق فعله أبدًا. والحقيقة هي أنه خلال لحظات سيأتي رجل ليُخبرني بكل شيءٍ عن هذه الجريمة، وبهذا ستدَّخر المزيد من الجهد.»

قلتُ وأنا أقوم من مكاني: «أوه، لديك موعد. في هذه الحالة لن أكون متطفلًا.»

«اجلس، ليس لدي موعد. لم أكن أعرف حتى تكلمتُ أنه قادم.»

حدقت فيه بدهشة. بما أنني معتاد على مواهبه الاستثنائية، كان الرجل مفاجأةً لا تنتهي بالنسبة إليَّ. استمرَّ في التدخين بهدوء، لكن من الواضح أنه استمتع بذُعري.

«أرى أنك متفاجئ. من السهل جدًّا التحدث عن هذا الأمر؛ فمن مكاني المقابل للمرآة، يمكنني رؤية انعكاس الأشياء في الشارع. توقَّف رجلٌ ونظر إلى إحدى بطاقاتي، ثم نظر عبر الشارع. لقد تعرفت على بطاقتي؛ لأنها — كما تعلم — كلها باللون القرمزي. لو كانت لندن — كما قلت — تتحدَّث عن هذا اللغز؛ فمن الطبيعي أنه سيتحدَّث عنه، ومن المُحتمل أنه يرغب في التشاور معي بشأنه. يمكن لأي شخصٍ أن يرى ذلك، بالإضافة إلى أنه يُوجَد دائمًا … ادخل!»

كان هناك طرق على الباب هذه المرة.

دخل رجل غريب. لم يُغير شيرلو كومبس جِلسته المُسترخية.

قال الرجل الغريب وهو يدخل في نطاق رؤية المدخن: «أريد أن أرى السيد شيرلو كومبس، المُحقق.»

علَّقت أخيرًا: «هذا هو السيد كومبس.» بينما كان صديقي يدخِّن بهدوء، وبدا نصف نائم.

تابع الرجل الغريب محاولًا بارتباكٍ البحث عن بطاقة له: «اسمح لي أن أُقدم نفسي.»

قال كومبس: «لا حاجة لذلك. أنت صحفي.»

قال الرجل الغريب وهو مندهش بعض الشيء: «آه، أنت تعرفني إذن.»

«لم أشاهدك أو أسمع عنك في حياتي من قبل.»

«إذن كيف بحق السماء …»

«هذا أمر بسيط للغاية. فأنت تكتب في صحيفة مسائية. ولقد كتبتَ مقالًا ينتقد بشدَّة كتابًا لأحد الأصدقاء. وسيشعر بالسوء حيال ذلك، وستُعرِب عن مواساتك له. ولن يعرف أبدًا مَن طعنه ما لم أُخبره.»

صاح الصحفي: «يا إلهي!» وهوى على أحد الكراسي ومسح جبينه، بينما أصبح وجهه شاحبًا جدًّا.

ردَّ كومبس بتكاسُل: «نعم، إنه لمن العار حقًّا أن يتم مثل هذه الأشياء. لكن ماذا تريد؟ كما نقول في فرنسا.»

عندما استعاد الصحفي طاقته، تمالك نفسه بعض الشيء. وقال: «هل تمانع في إخباري كيف تعرف هذه التفاصيل عن رجلٍ تقول إنك لم ترَه من قبل؟»

قال كومبس بهدوءٍ كبير: «نادرًا ما أتحدَّث عن هذه الأشياء. لكن بما أن تنمية عادة الملاحظة قد تساعدك في مهنتك، وبالتالي ستُفيدني على المدى البعيد بجعْل صحيفتك أقلَّ مللًا؛ سأخبرك. أصبعاك الأول والثاني مُلطخان بالحبر، مما يدل على أنك تكتب كثيرًا. تضم هذه الطبقة الملطخة فئتين فرعيتَين؛ الكتبة أو المحاسبين والصحفيين. والكتبة يجب أن يكونوا متأنقين في عملهم. لذا في حالتهم تكون بقعة الحبر طفيفة. أما أصابعك فهي ملطخة بشدَّة وبلامبالاة؛ لذلك أنت صحفي. لديك صحيفة مسائية في جيبك. قد يكون لدى أي شخص أي صحيفة مسائية، لكن نُسختك هي إصدار خاص لن يكون في الشوارع إلا بعد نصف ساعة من الآن. يجب أن تكون قد حصلت عليه قبل مغادرتك المكتب، ولكي تقوم بذلك يجب أن تكون ضمن طاقم العمل. وُضِعت علامة على التحليل النقدي لأحد الكتب بقلم أزرق. فالصحفي يحتقر دائمًا كل مقال في صحيفته لم يكتبه بنفسه؛ لذلك؛ أنت كتبت المقال الذي وضعتَ علامةً عليه، ولا شك أنك على وشك إرساله إلى مؤلِّف الكتاب المُشار إليه. وتتخصَّص صحيفتك في الإساءة لجميع الكتب التي لم يكتبها أحد أعضاء طاقمها. وببساطة توقعتُ أن المؤلف صديق لك. وهذا كله مثال بسيط للملاحظة العادية.»

«حقًّا يا سيد كومبس، أنت أروع رجلٍ على وجه الأرض. أنت تُضاهي جريجوري، يا إلهي، أنت تضاهيه.»

قطَّب صديقي جبينه وهو يضع غليونه على الخزانة، وسحب مُسدسه الذاتي التلقيم ذا الستِّ رصاصات.

«هل تقصد إهانتي يا سيدي؟»

«أنا، لا أقصد … أنا … أنا أؤكد لك. أنت قادر على تولي مسئولية شرطة سكوتلاند يارد غدًا. أنا جاد في ذلك، حقًّا أنا جاد يا سيدي.»

صرخ كومبس وهو يرفع ذراعه اليُمنى ببطء: «إذن فلْيساعدك الرب.»

قفزتُ بينهما.

صحت: «لا تُطلق النار! سوف تُتلف السجادة. إلى جانب ذلك، ألا ترى يا شيرلو أن الرجل نيته طيبة. إنه يعتقد في الواقع أنها مجاملة!»

علَّق المحقق: «ربما أنت على حق.» وهو يقذف مسدسه بلامبالاة بجانب غليونه، مما أراح الطرف الثالث إلى حدٍّ كبير. بعد ذلك، توجَّه إلى الصحفي وقال — بلطفه الباهت المعتاد:

«أعتقد أنك قلت إنك كنتَ تريد رؤيتي. ماذا يمكنني أن أفعل من أجلك، سيد ويلبر سكريبينجس؟»

ذُهل الصحفي. وقال وهو يلهث: «كيف تعرف اسمي؟»

لوَّح كومبس بيده بفراغ صبر:

«انظر داخل قبعتك لو كنت تشكُّ في اسمك.»

حينها لاحظتُ لأول مرة أن الاسم كان واضحًا للعيان داخل قبعته التي كان يمسكها بالمقلوب في يديه.

«لقد سمعت، بالطبع، عن لغز بيجرام.»

صرخ المحقق: «هراء، لا تسمِّه لغزًا، أتوسَّل إليك. لا يُوجَد شيء من هذا القبيل. وكأن الحياة ستصبح أكثر احتمالًا إذا كان هناك لغز. لا شيء أصلي. كل شيء أُنجِز من قبل. ماذا عن مسألة بيجرام؟»

«لقد حيَّرت … آه … مسألة بيجرام الجميع. ترغب صحيفة «إيفنينج بليد» في أن تقوم أنت بالتحقيق؛ حتى تنشر النتيجة. وسوف تدفع لك جيدًا. هل تقبل المهمة؟»

«ربما. أخبِرْني عن الموضوع.»

«اعتقدتُ أن الجميع يعرف التفاصيل. على كل حال، عاش السيد باري كيبسون في بيجرام. وكان يحمل تذكرةً موسميةً بالدرجة الأولى من المحطة الطرفية وحتى تلك المحطة. وكان من عادته أن يغادر إلى بيجرام في قطار الساعة ٣٠ : ٥ كل مساء. قبل بضعة أسابيع، أُصيب السيد كيبسون بالإنفلونزا. في زيارته الأولى للندن بعد شفائه، سحب ما يقرُب من ٣٠٠ جنيه إسترليني من الأوراق النقدية، وغادر المكتب في وقته المعتاد ليلحق بقطار الساعة ٣٠ : ٥. لم يُرَ مرةً أخرى على قيد الحياة، وفقًا لما أبلغ عنه الحضور. عُثِر عليه في بروستر في مقصورة بالدرجة الأولى في القطار الاسكتلندي السريع، الذي لا يتوقف بين لندن وبروستر. كانت هناك رصاصة في رأسه، واختفى ماله، مما يُشير بوضوح إلى القتل والسرقة.»

«وهل لي أن أسأل أين اللغز؟»

«هناك عدة أشياء غير قابلة للتفسير بشأن القضية. أولًا، كيف كان على متن القطار الاسكتلندي السريع الذي يغادر الساعة السادسة ولا يتوقف عند بيجرام؟ ثانيًا، كان لمُفتشي التذاكر أن يطردوه في المحطة الطرفية لو أظهر تذكرته الموسمية، وهناك تقرير بجميع التذاكر المباعة للقطار الاسكتلندي السريع في يوم الحادي والعشرين. ثالثًا، كيف يمكن للقاتل أن يهرب؟ رابعًا، لم يسمع الركاب في المقصورتَين اللتين على جانبي المقصورة — حيث عُثِر على الجثة — أي شجارٍ أو إطلاق نار.»

«هل أنت مُتأكد من أن القطار الاسكتلندي السريع في يوم الحادي والعشرين لم يتوقف بين لندن وبروستر؟»

«الآن بعد أن ذكرت هذا الأمر، نعم توقَّف. أُوقِفَ عن طريق إشارة خارج بيجرام مباشرة. توقف لبضع لحظات، وعندما أُبلِغَ أن الخط خالٍ، تابع السير مرةً أخرى. يحدث هذا بشكل مُتكرر، حيث يُوجَد خطٌّ فرعي بعد بيجرام.»

تأمل السيد شيرلو كومبس لبضع لحظاتٍ وهو يدخن غليونه بصمت:

«أفترض أنك تتمنى الحصول على الحل في أقرب وقتٍ من أجل صحيفة الغد؟»

«يا إلهي، لا. يعتقد المُحرِّر أنك إذا كوَّنت نظريةً في غضون شهر؛ فسيكون هذا جيدًا.»

«سيدي العزيز، أنا لا أتعامل مع النظريات ولكن مع الحقائق. إذا كان بإمكانك المجيء هنا غدًا في الساعة ٨ صباحًا؛ فسأُقدِّم لك التفاصيل الكاملة مُبكرًا بما يكفي للإصدار الأول. فلا معنى لقضاء الكثير من الوقت في قضيةٍ بسيطة مثل قضية بيجرام. طاب مساؤك سيدي.»

لم يستطع السيد سكريبينجس ردَّ التحية بسبب فرط اندهاشه. وغادر وهو عاجز عن الكلام، ورأيته يسير في الشارع ولا تزال قبعته في يده.

عاد شيرلو كومبس إلى جِلسته القديمة المُسترخية، ويداه مشبوكتان خلف رأسه. خرج الدخان من شفتيه في شكل نفثات سريعة في البداية، ثم على فترات زمنية أطول. رأيته على وشك الانتهاء، لذلك لم أقل شيئًا.

أخيرًا تحدَّث بأسلوبه الحالم قائلًا: «لا أُريد أن أبدوَ مُستعجلًا للأمور على الإطلاق يا واطسون، لكنني سأخرج الليلة على متن القطار الاسكتلندي السريع. هل تودُّ مُرافقتي؟»

«يا إلهي!» صرخت وأنا أنظر إلى الساعة: «ليس لديك وقت، لقد تجاوزت الخامسة الآن.»

تمتم، دون تغيير جِلسته: «لدينا مُتسع من الوقت يا واطسون، مُتسع. أُعطي نفسي دقيقةً ونصفًا لخلع النعلين والمبذل وارتداء الحذاء والمعطف، وثلاث ثوانٍ للقبعة، وخمسًا وعشرين ثانيةً للشارع، واثنين وأربعين ثانيةً في انتظار العربة، ثم سبع دقائق للوصول عند المحطة الطرفية قبل أن يتحرك القطار السريع. تُسعدني صحبتك.»

كنتُ سعيدًا جدًّا بحصولي على امتياز الذهاب معه. وكان من المُشوِّق جدًّا مشاهدة طرُق عمل مثل هذا العقل الغامض للغاية. أثناء مرورنا أسفل السقف الحديدي العالي للمحطة الطرفية، لاحظت ظهور نظرة انزعاج على وجهه.

علَّق وهو ينظر إلى الساعة الكبيرة: «نحن مُتقدمون بخمس عشرة ثانيةً عن وقتنا. أنا لا أحب أن يحدث خطأ في التقدير من هذا النوع.»

كان القطار الاسكتلندي السريع العظيم جاهزًا لرحلته الطويلة. نقر المُحقق على كتف أحد الحراس:

«هل سمعتَ عمَّا يُسمى بلغز بيجرام، على ما أظن؟»

«بالتأكيد يا سيدي. حدث ذلك في هذا القطار بالتحديد يا سيدي.»

«حقًّا؟ هل العربة ذاتها لا تزال في القطار؟»

أجاب الحارس، خافضًا صوته: «حسنًا، نعم يا سيدي، إنها كذلك، لكن بالطبع، علينا التزام الصمت حيال ذلك. وإلا فلن يسافر الناس فيها.»

«بلا شك. هل تعرف ما إذا كان هناك أحد يشغل المقصورة التي عُثر فيها على الجثة؟»

«سيدة ورجل يا سيدي؛ لقد أدخلتُهما فيها بنفسي.»

قال المُحقق، وهو يضع ببراعةٍ قطعةً نقديةً بقيمة نصف جنيه إسترليني في يد الحارس: «هل من المُمكن إذن أن تُسدِيَ لي معروفًا وتذهب إلى النافذة وتخبرهما بطريقة غير رسمية مُرتجلة أن المأساة وقعت في تلك المقصورة؟»

«بالتأكيد يا سيدي.»

اتَّبعنا الحارس، وفي اللحظة التي نقل فيها الخبر كان هناك صرخة مكتومة في العربة. وعلى الفور خرجت سيدة، يتبعها رجل ذو وجهٍ وردي، ينظر بغضبٍ إلى الحارس. دخلنا المقصورة التي أصبحت فارغةً الآن، وقال كومبس:

«نودُّ أن نكون وحدَنا هنا حتى نصِل إلى بروستر.»

أجاب الحارس: «سأضمن لك ذلك يا سيدي.» وأغلق الباب.

عندما غادر الشخص المسئول، سألتُ صديقي عمَّا يتوقع أن يجده في العربة من شأنه أن يُلقيَ أي ضوءٍ على القضية.

كان ردُّه المُختصر: «لا شيء.»

«إذن لماذا أتيت؟»

«لمجرد تأكيد الاستنتاجات التي توصَّلتُ إليها بالفعل.»

«وهل لي أن أسأل ما هي هذه الاستنتاجات؟»

أجاب المُحقق بنبرة متكاسلة: «بالتأكيد. أرجو أن ألفت انتباهك، أولًا، إلى حقيقة أنَّ هذا القطار يقف بين رصيفَين، ويمكن دخوله من أي جانب. أي شخص يتردَّد على المحطة لسنواتٍ سيكون على درايةٍ بهذه الحقيقة. يوضح هذا كيف دخل السيد كيبسون القطار قبل أن ينطلق مباشرة.»

حاولتُ أن أعترض قائلًا: «لكن الباب على هذا الجانب مقفول.»

«بالطبع. لكن كل حامل تذكرة موسمية يحمل مفتاحًا. هذا ما يفسر عدم رؤية الحارس له، وعدم وجود تذكرة. الآن اسمح لي أن أقدم لك بعض المعلومات عن الإنفلونزا. ترتفع درجة حرارة المريض عدة درجات فوق المُعدل الطبيعي، ويُعاني من حمَّى. عندما يصل المرض إلى نهايته؛ تنخفض درجة الحرارة بمقدار ثلاثة أرباع درجة عن المعدل الطبيعي. أعتقد أن هذه الحقائق غير معروفة لك، لأنك طبيب.»

اعترفتُ أن الأمر كذلك حقًّا.

«حسنًا، عاقبة هذا الانخفاض في درجة الحرارة هي أن عقل الشخص المُتماثل للشفاء يميل نحو الأفكار الانتحارية. وهذا هو الوقت الذي يجب أن يُراقبه فيه أصدقاؤه. ولكن أصدقاء السيد باري كيبسون لم يراقبوه في هذا الوقت. بالطبع أنت تتذكَّر يوم الحادي والعشرين. أليس كذلك؟ كان يومًا كئيبًا للغاية؛ الضباب في كل مكان، والطين تحت الأقدام. جيد جدًّا. يُقرر الانتحار. يرغب في عدم الكشف عن هُويته إن أمكن، لكنه ينسى تذكرته الموسمية. حسب خبرتي، الرجل الذي على وشك ارتكاب جريمةٍ دائمًا ما ينسى شيئًا ما.»

«لكن ما تفسيرك لاختفاء المال؟»

«المال ليس له علاقة بالموضوع. لو كان رجلًا عميقًا، وعلى علمٍ بغباء شرطة سكوتلاند يارد؛ فمن المُحتمل أنه أرسل الأوراق النقدية إلى عدو. ولو لم يكن الأمر كذلك؛ فربما أُعطيت لصديق. أفضل خطة لتجهيز العقل للانتحار هي إمكانية الذهاب في رحلةٍ ليلية على متن القطار الاسكتلندي السريع، والمنظر من نوافذ القطار وهو يمرُّ عبر الجزء الشمالي من لندن، يُفضي بشكل خاص إلى أفكار تدميرية.»

«ماذا حدث للسلاح؟»

«هذه هي النقطة التي أرغب في إرضاء نفسي بشأنها. اعذرني لحظة.»

سحب السيد شيرلو كومبس النافذة على الجانب الأيمن لأسفل، وفحص الجزء العلوي من الإطار بدقة باستخدام عدسة مكبرة. بعد وقتٍ قصير تنفَّس الصعداء، ورفع درفة النافذة.

وقال وهو يتحدَّث إلى نفسه لا معي: «كما توقَّعتُ تمامًا. هناك تجويف طفيف في الجزء العلوي من إطار النافذة. وهو ذو طبيعة لا يمكن صُنعها إلا من خلال زناد مسدس يسقط من يدِ مُنتحرٍ واهنة. كان ينوي إلقاء السلاح بعيدًا عن النافذة، لكنه لم يكن لديه القوة. ربما سقط في العربة. في الواقع، ارتدَّ بعيدًا عن خط السكة الحديدية ووقع بين العُشب على بُعد حوالي عشرة أقدام وستِّ بوصات من القضيب الخارجي. السؤال الوحيد الذي يتبقى الآن هو: أين ارتُكِبَ الفعل؟ والموقع الحالي الدقيق للمُسدس محسوب بالأميال من لندن. لكن هذا — لحُسن الحظ — بسيط للغاية لا يحتاج إلى شرح.»

صِحت: «يا إلهي، شيرلو! كيف يمكنك أن تطلق على ذلك أمرًا بسيطًا؟ يبدو لي أنه من المُستحيل حسابه.»

كنَّا الآن نمرُّ فوق شمال لندن، وانحنى المُحقق العظيم إلى الوراء وهو يشعر بالملل، وأغمض عينيه. أخيرًا تحدَّث بضجر:

«إنها حقًّا بسيطة للغاية يا واطسون، لكنني دائمًا على استعدادٍ لإسداء معروف لصديق. ومع ذلك، سأشعر بالارتياح عندما تكون قادرًا على فهم المبادئ الأساسية للتحقيق بنفسك، على الرغم من أنني لن أعترض أبدًا على مساعدتك في الكلمات التي تزيد على ثلاثة مقاطع لفظية. بعد أن قرَّر كيبسون الانتحار، كان ينوي بطبيعة الحال القيام بذلك قبل أن يصِل إلى بروستر؛ لأنه يتم فحص التذاكر مرةً أخرى عند تلك النقطة. عندما بدأ القطار في التوقف عند الإشارة بالقرُب من بيجرام، توصَّل إلى الاستنتاج الخاطئ؛ أنه كان يتوقف في بروستر. حقيقة أن الطلقة لم تُسمَع ترجِع إلى صرير المكابح الهوائية، بالإضافة إلى ضجيج القطار. ربما كانت الصافرة تدوِّي أيضًا في نفس اللحظة. سيتوقف القطار بالقُرب من الإشارة قدْر الإمكان لأنه قطار سريع. ستُوقِف المكابح الهوائية القطار بعد نقطة الإشارة بمقدار ضِعف طوله، فلنقُلْ ثلاثة أمثال الطول في هذه الحالة. جيد جدًّا. بثلاثة أمثال طول هذا القطار من عمود الإشارة باتجاه لندن، مع اقتطاع نصف طول القطار، حيث إن هذه العربة في المنتصف، ستجد المسدس.»

هتفت: «رائع!»

تمتم: «أمر عادي.»

في هذه اللحظة، بدا صوت الصافرة حادًّا، وشعرنا باحتكاك المكابح الهوائية.

صاح كومبس بشيءٍ يُشبه الحماس: «إشارة بيجرام مرةً أخرى. يا له من حظ. سوف ننزل هنا يا واطسون، ونختبر الأمر.»

عندما توقف القطار، نزلنا على الجانب الأيمن من خط السكة الحديدية. وقف المُحرك يلهث دون انقطاع تحت الضوء الأحمر، الذي تغيَّر إلى اللون الأخضر عندما نظرتُ إليه. مع تقدم القطار بسرعةٍ متزايدة، أحصى المُحقق عدد العربات، وسجَّله. حلَّ الظلام الآن، والهلال مُعلَّق في السماء الغربية يُلقي بضوءٍ خافت غريب على قضبان السكة الحديدية اللامعة. اختفت المصابيح الخلفية للقطار خلف مُنحنًى، ووقفت الإشارة باللون الأحمر البائس مرةً أخرى. أعجبني السحر الأسود الذي تُضفيه تلك الليلة المُنعزلة في ذلك المكان الغريب، لكن المُحقق كان رجلًا عمليًّا. أسند ظهره على عمود الإشارة، وسار على خط السكة الحديدية بخطواتٍ متساوية، وهو يَعدُّها. مشيتُ على طول الطريق الدائم بجانبه بصمت. توقف أخيرًا وأخذ شريط قياس من جيبه، قاس حتى عشرة أقدام وستِّ بوصات، محاولًا قراءة الأرقام في الضوء الشاحب للقمر الجديد. وضع مفاصل أصابعه على قضبان السكة الحديدية، مُشيرًا إليَّ للمضي قدمًا على الجسر للوصول إلى نهاية الشريط. فردْتُ شريط القياس، ثم غرستُ يدي في العشب الرطب لتحديد البقعة.

صرخت مذعورًا: «يا إلهي! ما هذا؟»

قال كومبس بهدوء: «إنه المسدس.»

وقد كان حقًّا المسدس!

•••

من الصعب على مدينة لندن الصحفية نسيان الإحساس الذي أحدثه تقرير تحقيقات شيرلو كومبس الذي طُبع باستفاضةٍ في صحيفة «إيفنينج بليد» في اليوم التالي. ليتَ قصتي انتهت هنا. لكن وا حسرتاه! سلَّم كومبس المُسدس بازدراءٍ إلى شرطة سكوتلاند يارد. وعثر المسئولون المُتطفلون — بدافع الغيرة، كما كنتُ أومن دائمًا — على اسم البائع على المسدس. وأجرَوا التحقيقات. وشهد البائع بأنه لم يكن في حوزة السيد كيبسون، على حدِّ علمه. بل بِيعَ لرجل يتوافق وصفه مع وصف مجرم تراقبه الشرطة منذ فترةٍ طويلة. وتم القبض عليه وشهد ضدَّ زميلٍ له على أمل شنقه. يبدو أن السيد كيبسون — الذي كان رجلًا كئيبًا قليل الكلام، وعادةً ما كان يعود إلى المنزل في مقصورة بمفرده، هربًا من الملاحظة — قد قُتل في الحارة المؤدية إلى منزله. وبعد سرقة أمواله، وجَّه المُجرمان أفكارهما نحو التخلُّص من الجثة، وهو موضوع يشغل دائمًا العقول الإجرامية من الدرجة الأولى قبل ارتكاب الفعل. اتفقا على وضعه على قضيب السكة الحديدية، ليمرَّ عليه القطار الاسكتلندي السريع المُتوقَّع وصوله قريبًا. قبل أن يصِلا بالجثة حتى منتصف الطريق على الجسر جاء القطار الاسكتلندي السريع وتوقف. نزل الحارس وسار على طول الجانب الآخر للتحدُّث مع المهندس. خطرت على الفور للقاتِلَين فكرة وضع الجثة في عربة فارغة بالدرجة الأولى. فتحا الباب بمفتاح المُتوفَّى. ومن المفترض أن المسدس سقط عندما كانا يرفعان الجثة في العربة.

لم تنجح حيلة الشهادة ضدَّ شخصٍ آخر، وأهانت شرطة سكوتلاند يارد صديقي شيرلو كومبس بطريقةٍ وضيعة بإرسال تصريحٍ له لرؤية عملية شنق الأشرار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤