الفصل الحادي عشر

القانون والدين

بعض هذه الحركات التقدُّمية كانت منبهرة بشدة بنهرو؛ فطالما راق له أن يُنظر إليه باعتباره شخصًا حديثًا؛ فهو يريد أنْ يكون مثل لوحة لبيكاسو مُعلَّقة في الأكاديمية الملكية، فينظر إلى كل الأشكال الكلاسيكية المحيطة به بنوعٍ من التعالي.

الصحفي دي إف كارَكا، ١٩٥٣

إنها حقيقة ثابتة أنَّ كل بلد، وكل أمة، له شخصيته الخاصة، اللصيقة به والفطرية، والتي لا يمكن تغييرها؛ فشكسبير وكاليداسا كلٌّ منهما شاعر وكاتب مسرحي عظيم … والهند … لا يمكنها أن تُنجب شخصًا من نوعية شكسبير كما أنَّ إنجلترا لا يمكنها أنْ تُنجب أحدًا من نوعية كاليداسا. وأسأل رُعاة الإصلاح، بكل قوةٍ وثقةٍ بالنفس، ما ضرورة «إضفاء الطابع الأوروبي على القانون الهندوسي»؟ … فبتقنينه ينشأ خطر إحداث ضررٍ كبيرٍ لحساسيات ملايين الأشخاص ومشاعرهم الدينية.

محامٍ هندوسي، ١٩٥٤

١

سأل الكاتب الفرنسي أندريه مالرو جواهر لال نهرو ذات مرةٍ عن «أكبر الصعوبات التي واجهها منذ الاستقلال»، فأجابه نهرو قائلًا: «إقامة دولة عادلة بوسائل عادلة.» ثم أضاف: «وربما أيضًا: إقامة دولة علمانية في بلدٍ ديني.»1

فالحقيقة أنَّ فكرة العلمانية كانت هي الفكرة التي ارتكزت عليها أساسات الهند الحرة ذاتها؛ فقد رفضت الحركة القومية الهندية تعريف نفسها من منطلقٍ ديني. وأصَرَّ غاندي على إمكانية وضرورة تعايش الديانات المتعددة في الهند في سلامٍ في إطار دولةٍ حُرَّة. وقد شارك غاندي ذلك الاعتقاد أبرز أتباعه — نهرو — وكذلك جوبال كريشنا جوخال، الذي اعتبره غاندي معلِّمًا له.

وقد تعرَّضت قومية حزب المؤتمر الهندي لضربةٍ موجِعَةٍ عند الاستقلال؛ فقد جاء الاستقلال، ليس لدولةٍ واحدة — كما كان غاندي ورفاقه يأملون — بل لدولتين. وحينذاك أصبحت العلمانية تواجه مجموعة جديدة من التحديات. كان أحدها يتعلق بمجال قوانين الأحوال الشخصية؛ ففي زمن الاستعمار، خضعت الهند كلها لقانونٍ جنائيٍّ موحَّد، صاغه المؤرِّخ توماس بابنجتون ماكولي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. إلا أنَّه لم تَجرِ محاولة للاستعاضة عن قوانين الأحوال الشخصية للطوائف والأديان المختلفة بقانون عقوباتٍ موحَّد؛ فقد رأى البريطانيون في هذه الحالة أنَّ دور الدولة الاستعمارية يقتصر على التحكيم بين التأويلات المختلفة للشرائع الدينية.

وبعد الاستقلال، كان ممن فضَّلوا وضع قانونٍ مدنيٍّ موحَّدٍ رئيس الوزراء جواهر لال نهرو، ووزير القانون الدكتور بي آر أمبيدكار؛ فكلٌّ منهما كان ذا عقليةٍ نازعةٍ إلى الحداثة، وكلٌّ منهما كان مدرَّبًا حسب التقاليد القانونية الغربية. وبالنسبة إليهما، أصبح إصلاح قوانين الأحوال الشخصية بمنزلة اختبار لحقيقة التزام الهند بالعلمانية والحداثة.

٢

تنص المادة ٤٤ من دستور الهند على الآتي: «تسعى الدولة إلى توفير قانونٍ مدنيٍّ موحدٍ للمواطنين في جميع أنحاء أراضي الهند.»

أثناء مناقشة تلك المادة في الجمعية التأسيسية، أثارت اضْطِرابًا كبيرًا، لا سيما فيما بين الأعضاء المسلمين؛ فطوال القرنين اللذين استغرقهما الحكم البريطاني، كان تدخُّله محدودًا في قوانين الأحوال الشخصية؛ فلماذا لا تحذو الدولة التي خلفته حذوَه؟ وأشار أحد الأعضاء إلى أنَّه «فيما يتعلق بالمسلمين، فإنَّ قوانينهم المنظِّمة لأمور الملكية، والميراث، والزواج، والطلاق «تعتمد اعتمادًا كُلِّيًّا» على دينهم». وشعر آخر بأنَّ «السُّلطة التي مُنِحَت للدولة لتوحيد القانون المدني سابقة لأوانها». ورأى ثالث أنَّ ذلك البند يتعارض مع بندٍ آخر في الدستور: حرية نشر الدين وممارسته.2
فنَّد بي آر أمبيدكار تلك الحجج بقوة؛ فقد رأى أنَّ «الإبقاء على قوانين الأحوال الشخصية … سيوصلنا إلى طريقٍ مسدودٍ في المسائل الاجتماعية». ففي المجتمعات التقليدية، يفترض الدين تمتُّعه «بنطاق اختصاص واسع وشامل بحيث يغطي الحياة كلها». إلا أنَّه لا بد من الحد من هذه الرخصة في النُّظُم الديمقراطية الحديثة، ولو حتى «بغية إصلاح منظومتنا الاجتماعية، المليئة بأوجه الإجحاف والتمييز وغير ذلك مما يتعارض مع حقوقنا الأساسية». وتهدئةً للمخاوف، قال أمبيدكار إنَّ الدولة يمكنها أنْ تختار تطبيق قانونٍ مدنيٍّ موحَّدٍ بالاتفاق؛ أي، ألا تطبقه إلا على الأشخاص الذين يختارون الخضوع له طواعية.3
والواقع أنَّه خلال السنوات الأخيرة من الحكم البريطاني، بدأ البريطانيون متأخِّرين في صياغة قانونٍ موحَّدٍ للهندوس. كان ذلك القانون يسعى إلى التوفيق بين قواعد مدرستَي الفكر القانوني الرئيسيتين — ميتاكشارا وديابهاجا — وأشكالهما المحلية المتعددة؛ فأُنشِئت لجنة عام ١٩٤١، برئاسة السير بي إن راو، الذي اضطلع أيضًا بدورٍ محوريٍّ في صياغة دستور الهند. طافت لجنة راو بأنحاء الهند، لاستطلاع آراء طائفة واسعة من الهندوس بشأن التعديلات التي اقترحها الأعضاء. وقد اعترضت الحرب طريق عمل اللجنة، ولكن بحلول عام ١٩٤٦ كان أعضاؤها قد أعدُّوا مسودة قانون للأحوال الشخصية يُطَبَّق على الهندوس كافة.4

كان اختصاص الهندوس دون غيرهم يُعزَى جزءٌ منه إلى كونهم أكبر جماعة سُكَّانية، وجزءٌ آخر إلى حركة الإصلاح المتحمِّسة الدائرة فيما بينهم. المهاتما غاندي تحديدًا كان قد انتقد أشكال التمييز على أساس الطائفة الاجتماعية والنوع، وسعى إلى إلغاء ممارسة النَّبْذ وإشراك المرأة في الحياة العامة. وعلى الرغم من بقاء قطاعٍ متزمِّتٍ مؤثِّر فيما بين الهندوس، فقد قاد الهندوس المحدثون حملاتٍ قويةً في سبيل وضع قوانين تُلغي الفوارق بين الطوائف الهندية وتعزز حقوق المرأة.

وفي عام ١٩٤٨، شكَّلت الجمعية التأسيسية لجنة مُختارة لمراجعة مسودة القانون الهندوسي الجديد. رأس تلك اللجنة بي آر أمبيدكار، بصفته وزير القانون. راجع أمبيدكار القانون الذي صاغته لجنة راو بنفسه، قبل إخضاعه لعدة قراءات متمعِّنة من جانب اللجنة المُختارة.

وعلى الرغم من أن هذا القانون كان موجهًا بالأساس للهندوس، فقد تقرَّر تطبيقه على السيخ والبوذيين والجاينيين، إلى جانب كافة الطبقات والطوائف الاجتماعية. وعندما طرح أمبيدكار مشروع القانون الجديد، أخبر الجمعية أنَّه يهدف إلى «تقنين قواعد القانون الهندوسي المبعثَرَة في عددٍ لا حصر له من الأحكام الصادرة عن المحاكم العليا والمجلس الخاص، والتي تُشكِّل خليطًا متنافرًا يحيِّر الرجل العادي وتُسفر عن منازعاتٍ قضائيةٍ مستمرة». وكان لذلك التقنين غرضان؛ أولًا: الارتقاء بحقوق المرأة الهندوسية ومكانتها، وثانيًا: التخلُّص من أوجه التفاوت والانقسام المرتبطة بالطوائف الاجتماعية. وقد تضمَّنت السمات البارزة للتشريع المقترَح الآتي:
  • (١)

    تخصيص «النصيب ذاته كالابن» للأرملة والابنة في أملاك المُتوفَّى دون أن يترك وصية (التي كانت في الماضي تَئُول إلى الورثة الذكور فقط). وبالمِثل، صارت ملكية المرأة الهندوسية — التي كانت مُقَيَّدة فيما سبق — مُطلَقة، ويحقُّ لها التصرُّف فيها كيفما شاءت.

  • (٢)

    توفير نفقات الإعاشة للزوجة التي تختار العيش بعيدًا عن زوجها إنْ كان مُصابًا ﺑ «مرض كريه»، أو يقسو عليها، أو اتَّخذ خليلةً، أو غير ذلك.

  • (٣)

    الاستغناء عن القواعد الحاكمة للطوائف الرئيسية والفرعية في إقرار مشروعية الزواج؛ فجميع الزيجات المعقودة بين الهندوسيين تتساوى في قدسيَّتها فضلًا عن قانونيَّتها، «بصرف النظر» عن الطائفة الاجتماعية التي ينتمي إليها الأزواج. وأصبح من الممكن إتمام مراسم الزواج بين الطوائف الاجتماعية المختلفة بما يتماشى مع الأعراف والطقوس المتَّبعة لدى «أي» من الطرفين.

  • (٤)

    السماح لأيٍّ من الطرفين بطلب الطلاق والحصول عليه لأسبابٍ معينة؛ مثل: القسوة والخيانة الزوجية والأمراض المستعصية وما إلى ذلك.

  • (٥)

    «الإلزام» بالزواج الأحادي.

  • (٦)

    السماح بتبنِّي أطفالٍ ينتمون إلى طائفةٍ اجتماعيةٍ مختلفة.

قطعت تلك التغييرات شوطًا كبيرًا باتجاه إقامة العدل بين الجنسين. بعد فترةٍ طويلة، قالت باحثات نسويات إنَّ تلك التغييرات لم تبلغ حدًّا كافيًا؛ فقد استثنت الملكية الزراعية — على سبيل المثال — أو إنَّ المزايا التي منحتها القوانين الجديدة للوريثات كانت أكبر في حالة الملكية المكتَسَبة ذاتيًّا مقارنةً بالملكية الموروثة.5 ولكن من وجهة نظر الاتجاه الأصولي الهندوسي كانت التغييرات قد قطعت شوطًا كبيرًا بالفعل؛ فقد مثَّلت خروجًا جذريًّا عن المتن الرئيسي للقوانين الهندوسية، حيث يكون للابن نصيب أكبر بكثيرٍ من الزوجة والابنة في تَرِكة والده، وحيث يُعَدُّ الزواج رباطًا مُقَدَّسًا ومن ثَمَّ لا يجوز حلُّه، وحيث يُسمَح للرجل باتِّخاذ عدة زوجات، وحيث يخضع الزواج للقواعد الطائفية الصارمة.
أحيانًا كان أمبيدكار يتَّخذ موقفًا دفاعيًّا إلى حدٍّ ما عند تقديمه الحجج المساندة لتلك التغييرات؛ فقد قال إنَّ نصوص شَسترا — النصوص الهندوسية المقدَّسَة — لم تمنح الزوج «حقًّا غير مقيَّد أو مشروط للزواج المتعدد». فقد «قيَّد المشرِّع القديم كوتيليا الحق في الزواج مرةً ثانيةً بدرجةٍ كبيرة». وكذلك طالما أُبيح الطلاق بموجب القانون العرفي للطوائف الاجتماعية الدنيا المتنوعة، أو الشودرا (المَنْبوذين). أما عن حق النساء في الملكية، فقد أجازت بعض مدارس الفكر القانوني لها نصيب الربع من تركة أبيها؛ فكل ما فعله أمبيدكار كان أنْ «رفع نصيب الابنة بين الوَرَثة»، بمساواة نصيبها بنصيب الابن.6
كان أمبيدكار بذلك يُضفي أفضل «مظهر» ممكن — أو الأكثر ليبرالية — على النصوص والتقاليد الهندوسية. إلا أنَّه كان ثَمَّةَ تأويلات بديلة ممكنة، وأكثر معقولية بالتأكيد؛ فلا عجب في أن تكون اقتراحات أمبيدكار أثارت أيضًا «استنكارًا مُدوِّيًا» من جانب الأصوليين، الذين رأَوْا فيها «إبطالًا كاملًا للأعراف والتقاليد الهندوسية»، وتدخُّلًا غير مقبولٍ في القواعد الحاكمة للطوائف الاجتماعية والعلاقات التقليدية بين الجنسين.7
كان من المعارضين المِقدامين للقانون رئيس الجمعية التأسيسية، راجندرا براساد؛ ففي يونيو من عام ١٩٤٨ — بعد فترةٍ قصيرةٍ على تكوين اللجنة المُختارة — حذَّر راجندرا براساد رئيس الوزراء من أنَّ إدخال «تغييرات أساسية» على قانون الأحوال الشخصية معناه فرض «الأفكار التقدُّمية» التي تمتلكها «أقليَّة ضئيلة جدًّا» على المجتمع الهندوسي ككلٍّ؛ فأجاب نهرو بأنَّ مجلس الوزراء نفسه أعلن تأييده للقانون، وأضاف: «أنا شخصيًّا أؤيد كُلِّيًّا المبادئ العامة المتجسِّدة فيها.» وقال إنَّ نَبْذ القانون الآن من شأنه أنْ يثير شكوكًا حيال كَوْن حزب المؤتمر «كيانًا رجعيًّا محافظًا جدًّا»، كما أنَّه لن يَلقى صدًى طيبًا «في أذهان الأجانب خارج الهند». فردَّ براساد بسرعةٍ وحَنَقٍ قائلًا إنَّ آراء «الكتلة الكبيرة من جموع الهندوس» أهم من آراء الأجانب.8
اشتملت الجمعية التأسيسية على معارضين آخرين أيضًا. وكلهم عملوا على المماطلة في فعاليات الجلسات وعرقلتها، حتى قال لهم نهرو — في امتعاضٍ بالغ — إنَّه بالنسبة إليه يُعَدُّ تمرير القانون ذاك مسألة هيبة. وردًّا عليه، أعدَّ براساد خطابًا يُحذِّر فيه رئيس الوزراء من أنَّ ذلك «يتنافى مع العدل والديمقراطية»، إذ إنَّ ذلك «التشريع الجوهري والخلافي» لم يُطرَح على جمهور الناخبين الهندي قط. ومن حُسن حظ براساد أنَّه طلب المشورة من فالابهاي باتيل قبل إرسال الخطاب لنهرو. وقد كان عامل الوقت ذا أهميةٍ محوريةٍ في تلك المسألة؛ إذ كان ذاك شهر ديسمبر من عام ١٩٤٩، وكان من المزمَع أن يختار حزب المؤتمر عمَّا قريبٍ أول رئيسٍ للهند، من بين قائمةٍ قصيرةٍ تتألف من راجندرا براساد وسي راجا جوبالاتشاري؛ فإذْ وَضَعَ باتيل تلك المسألة نُصب عينيه، نهى براساد عن إرسال انتقاداته للقوانين الهندوسية إلى رئيس الوزراء، حتى لا «يؤثر ذلك على موقفك داخل الحزب».9

ومن ثَمَّ فقد لزم براساد الصمت (وانتُخِب كما كان متوقَّعًا أول رئيسٍ لجمهورية الهند). ولكن خارج إطار المجلس التشريعي تعالتْ حِدة النداءات. وفي مارس ١٩٤٩، كانت لجنة عموم الهند المناهِضة لمشروع القانون الهندوسي قد تشكَّلت بالفعل. ورأى أعضاؤها أنَّ الجمعية التأسيسية «لا يحق لها التدخُّل في قوانين الأحوال الشخصية للهندوس القائمة على نصوص الدارما». وأصدر ستون عضوًا في نقابة المحامين بدلهي بيانًا معارضًا لتعديل قوانين الأحوال الشخصية الهندوسية، على أساس أنَّ «عددًا كبيرًا من الهندوس يؤمنون بألوهية منشأ قوانين أحوالهم الشخصية».

حَظِيَت تلك اللجنة بمساندة المحامين المحافظين وكذلك رجال الدين المحافظين. وأصدر ابن مدينة دواركا صاحب النفوذ، شنكراتشاريا، «منشورًا» معاديًا للقانون المقتَرَح، قال فيه إنَّ الدين هو «النور الأسمى، ومصدر الإلهام والدعم للبشر، وحمايته أسمى مهمة موكَلَة للدولة».

عقدت لجنة عموم الهند المناهِضة لمشروع القانون الهندوسي مئات الاجتماعات في جميع أنحاء الهند، أدان فيها كهنة متعددون التشريع المقتَرَح. وقدَّم المشاركون في تلك الحركة أنفسهم باعتبارهم محاربين دينيين في حربٍ دينية. وألقت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج ثقلها وراء الاضْطِرابات؛ ففي يوم ١١ ديسمبر من عام ١٩٤٩، نظَّمت راشتريا سوايامسيفاك سانج مؤتمرًا شعبيًّا في ساحة رام ليلا بدلهي، حيث راح متحدِّث تلو الآخر يندِّد بمشروع القانون؛ فأطلق عليه أحدهم «قنبلة ذرية ستسقط على المجتمع الهندوسي». وشبَّهه آخر بقانون رولات مفرط التعسُّف لدولة الاستعمار؛ فمثلما أفضت الاحتجاجات المناهضة لذلك القانون إلى سقوط بريطانيا، قال إنَّ محاربة مشروع القانون من شأنها أن تشير إلى سقوط حكومة نهرو. وفي اليوم التالي نظَّم مجموعة من العاملين في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج مسيرة إلى محيط مقر الجمعية التأسيسية، وسط هتافات: «يسقط مشروع القانون الهندوسي» و«الموت للبانديت نهرو». وأحرق المتظاهرون صُوَرًا لرئيس الوزراء والدكتور أمبيدكار، ثم خرَّبوا سيارة الشيخ عبد الله.

تزعَّم الحركة المناوئة للقانون الجديد السوامي كَرباتريجي-مهاراج. لا نعرف الكثير عن ماضيه، سوى أنَّه جاء من شمال الهند وبدا ضليعًا في اللغة السنسكريتية. تأثَّر موقفه بشأن مشروع القانون وتعمَّق بحقيقة أنَّه صدر تحت توجيه أمبيدكار؛ فقد بدرت منه عدة إشاراتٍ واضحةٍ إلى الطائفة الاجتماعية التي ينتمي إليها وزير القانون، مشيرًا إلى أنَّه لا ينبغي لشخصٍ كان من المَنْبوذين فيما مضى أنْ يتدخَّل في شئونٍ كانت في المعتاد حِكرًا على البراهمة.

وتحدَّى السوامي كَرباتريجي أمبيدكار — في خُطَبٍ في دلهي وغيرها من المناطق — لإجراء مناظرةٍ عامةٍ بشأن تأويلاته لنصوص شسترا. وردًّا على ادِّعاء وزير القانون الخاصِّ بأنَّ نصوص شسترا لم تستحسن تعدُّد الزوجات فعلًا، اقتبس السوامي نصًّا ليجنافالكيا جاء فيه: «إذا كانت الزوجة امرأةً سكيرةً أو تعاني عَجزًا أكيدًا أو لئيمةً أو عقيمةً أو مُسرِفة، أو إذا كانت سليطة اللسان أو إذا كانت تلد إناثًا فقط ولا تلد ذكورًا، أو إذا كانت تكره زوجها، فحينها يمكن للزوج أن يتَّخذ زوجةً أخرى حتى في حياة الأولى.» وقدَّم السوامي الموضع الدقيق لذلك الأمر، وهو: المقطع الثالث في الفصل الثالث في الجزء الثالث من نصوص ليجنافالكيا عن الزواج. إلا أنَّه لم يخبرنا بما إذا كان النص يُبيح للزوجة أيضًا اتِّخاذ زوج آخر إذا كان زوجها سكيرًا أو سليط اللسان أو مُسرِفًا، وما إلى ذلك.

ومن وجهة نظر السوامي، كان الطلاق محرَّمًا في التقاليد الهندوسية، في حين أنَّ «السماح بتبنِّي ولدٍ من أي طائفةٍ اجتماعيةٍ فيه تحدٍّ لنصوص شسترا ولفكرة الملكية». وحتى وفقًا لأكثر التأويلات تحرُّرًا، كان ميراث المرأة قاصرًا على الثُّمن، وليس النصف مثل ما سعى أمبيدكار لتحقيقه؛ فقد مثَّل مشروع القانون ككلٍّ انتهاكًا للنصوص الهندوسية المقدَّسة، وكان قد أثار بالفعل «معارضة ضارية»، ولم يعد بإمكان الحكومة الدفع به إلا بوضع نفسها على المَحَك. وأصدر السوامي تحذيرًا شديدًا مفاده: «كما هو مبيَّن بوضوحٍ في نصوص الدارما، فإنَّ تحدِّيَ القوانين الإلهية والدارما عادةً ما يترتب عليه ضرر بالغ للحكومة والبلاد، وكلاهما سيندم على حماقته العنيدة تلك.»10

٣

في ديسمبر ١٩٤٩، بعد الاتفاق على الدستور، حلَّ برلمان مؤقت محلَّ الجمعية التأسيسية، كان من المُزمَع بقاؤه لحين إجراء أول انتخابات عامة. خلال عامَي ١٩٥٠ و١٩٥١، أجرى نهرو وأمبيدكار عدة محاولاتٍ لتمرير مشروع القانون الهندوسي الخاص بالأحوال الشخصية ليصير قانونًا. ولكن المعارضة كانت كبيرة، داخل البرلمان وكذلك خارجه؛ فنقلًا عن جيه دي إم دِريت: «جُمِعَت كل حُجَّةٍ يمكن أن تُساق ضد مشروع القانون، بما في ذلك حجج كثيرة أبطلت بعضها بعضًا.» و«عرض الطلاق على جميع الأزواج المقهورين أصبح الهدف الرئيسي للهجوم، وتعالت صيحاتٌ بأنَّ الدين في خطرٍ ممن كان اعتراضهم الحقيقي على مشروع القانون هو مسألة تساوي نصيب البنات مع الأبناء.»11

وفي داخل البرلمان المؤقت، زعم أعضاؤه الأصوليون أنَّ القوانين الهندوسية ظلَّت ثابتة لم تتغيَّر من قديم الأزل. وقال رام نارايان سينج: «إنَّ قواعد السلوك والواجبات الخاصة بالبشر في بلدنا مُحدَّدَة في نصوص فيدا.» وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها على مَرِّ العصور — من قِبَل البوذية والإسلام والمسيحية — «لم تندثر الديانة الفيدية … فالديانة الفيدية لا تزال حَيَّة». ولكن الآن «صار لدينا إدارة البانديت نهرو التي يرغب ممثِّلها الدكتور أمبيدكار في إلغاء كل تلك القواعد القائمة منذ بداية العالم بجَرَّة قلم».

كان بعض أعضاء البرلمان يرَوْن أنَّ الحكومة ينبغي لها صياغة قانون هندي وتمريره عوضًا عن قانونٍ هندوسيٍّ على وجه التحديد. وعن ذلك قال إندرا فيديا فَتشاسباتي: «لا أظن أنَّ النساء الهندوسيات هن وحدهن المقهورات.» وبتمرير مشروع القانون بصورته الحالية، ستكون الدولة بصدد «تشجيع … الشر المتمثل في الطائفية». وأصرَّ فيديا فَتشاسباتي على أنَّ عدم تطبيق القانون على جميع القطاعات السكانية سوف يُفضي إلى «بروز المشاعر الطائفية إلى السطح وتَحوُّل ما كان يُفتَرَض أنْ يكون نعمةً إلى نقمة».

إلا أنَّه كان ثَمَّةَ أعضاءٌ آخرون مسرورون بمشروع القانون كما هو؛ فقد قال تهاكور داس بهارجافا: «مع إعجابي بالمُطالبين بقانونٍ مدنيٍّ موحَّدٍ للهند كلها، فإنني لا أراه اقتراحًا عمليًّا أنْ نضع قانونًا مدنيًّا موحَّدًا للمسلمين والمسيحيين واليهود، إلخ.» وكان الأعضاء المسلمون قد أعربوا بالفعل عن معارضتهم لأي تغيير في قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم، الذي كانوا مؤمنين بأن أحكامه كلام مُنزَّل من الله. وقد اعْتُبِرَت المطالبة بقانونٍ مدني موحَّدٍ في تلك المرحلة تكتيكًا للمماطلة، بصرف الانتباه عن الإصلاح المطلوب بدرجةٍ مُلِحَّةٍ لدى مجتمع الأغلبية؛ فعلى حدِّ تعبير الدكتور أمبيدكار: «أولئك الذين كانوا من أشدِّ المعارضين بالأمس لهذا القانون وأعظم المناصرين للقانون الهندوسي العتيق في حالته المعاصرة» يزعمون الآن أنهم «مستعدُّون لقانونٍ مدنيٍّ لعموم الهند». وذلك يُعزَى إلى أملهم في أنهَّ في حين أنَّ «صياغة مشروع القانون الهندوسي استغرقت بالفعل من أربعة إلى خمسة أعوام، فمن المرجَّح أن تستغرق صياغة قانونٍ مدنيٍّ عشرة أعوام».

كان أمبيدكار يعي أنَّه في حين كان ثَمَّةَ عدد كافٍ من الشخصيات الهندوسية المؤثِّرة — مثل جواهر لال نهرو — المؤيدة لذلك التشريع التقدُّمي، فاحتمالات النزعة التحرُّرية فيما بين المسلمين أضعف بكثير. وقال إنَّ الحكومة لا يمكن أن تكون من «الحماقة» بحيث «تعجز عن إدراك مشاعر الجماعات المختلفة في هذا البلد». ولهذا السبب كان ذلك القانون معنيًّا آنذاك بالهندوس فحسب.12

ولكن مما لا شك فيه أنَّ الهندوس لم يكونوا جميعًا متحررين؛ فتحفُّظات الأصوليين — كما أُعرِب عنها في البرلمان — حملها أتباع منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج إلى الشارع؛ فقد جلبوا متطوعين من دلهي ليهتفوا بشعاراتٍ مضادةٍ لمشروع القانون الهندوسي معرِّضين أنفسهم لاحتمال القبض عليهم. وكان من أهدافهم الكبرى: تفكيك باكستان، وإقالة نهرو من منصبه.

وكان المتحدث الرئيسي في تلك الاحتجاجات التي أعدَّتها المنظمة هو السوامي كَرباتريجي في المعتاد. وأثناء حديثه في أحد الاجتماعات في ١٦ سبتمبر ١٩٥١، تحدَّى رئيس الوزراء أن يُجريَ معه مناظرة حول مشروع القانون المقترَح. وقال: «إذا نجح البانديت نهرو وزملاؤه في إثبات تماشي أي جزئيةٍ من القانون الهندوسي المُقترَح مع نصوص شسترا، فسوف أُقِرُّ القانون الهندوسي بأكمله.» وفي اليوم التالي، خرج السوامي وأتباعه — تنفيذًا لذلك التحدي — في مسيرةٍ إلى البرلمان؛ فمنعتهم الشرطة من الدخول. وقد ورد عن إحدى الصحف الهندوسية الأسبوعية، أنَّه في المشاجرة التالية لذلك: «دفعتهم الشرطة إلى الوراء وكُسِرت عصا السوامي، التي تعادل الخيط المقدَّس، الشعار الديني للنُّسَّاك.»13
كان من قبيل المصادفة أنَّه قبل يومين فحسب من مسيرة السوامي كَرباتريجي، كان رئيس الجمهورية قد كتب خطابًا طويلًا إلى رئيس الوزراء احتجاجًا على مشروع القانون؛ فكما عامَيْ ١٩٤٨ و١٩٤٩، كان راجندرا براساد يشعر في ذلك الحين أيضًا بأنَّ البرلمان القائم — المستند كسابقه إلى انتخاباتٍ مقيَّدة — ليس «مؤهَّلًا لتطبيق إجراءٍ جوهريٍّ من هذا القبيل». وقال إنَّ مشروع القانون «تمييزي للغاية»؛ إذ إنَّه ينطبق على جماعةٍ سكانيةٍ واحدة، وهي: الهندوس؛ فإمَّا أن تُطبَّق القوانين ذاتها الحاكمة للزواج والملكية على الهنود جميعًا، أو أنْ تُترك القوانين العُرفية الحاكمة للجماعات المختلفة دون المساس بها. وكتب براساد مُنذرًا أنَّه: «ينوي متابعة تطوُّر الأوضاع بالنسبة إلى ذلك الإجراء داخل البرلمان يومًا بعد يوم.» فإذا أُجيز مشروع القانون رغم ذلك، فسوف يتمسَّك «بحقه في النظر في الأسس الموضوعية لمشروع القانون … قبل أن تصدر موافقته».14
وكتب نهرو في ردِّه أنه يرى «تأييدًا هائل النطاق في أنحاء البلاد لمشروع القانون». ولكن معارضة الرئيس أقلقته؛ إذ إنها كانت نذيرًا بمواجهةٍ مُحتمَلة بين الحكومة ورئيس الدولة. وقد عرض خطاب براساد على عدة خبراء دستوريين؛ فأكَّدوا له أنَّ الرئيس مُلزَم بالتصرُّف «بمساعدة مجلس الوزراء ومشورته ولا يمكنه التصرُّف دون اللجوء إلى تلك المشورة». وحسب رؤيتهم، فقد كان منصب رئيس الهند حتى أضعف من منصب ملك بريطانيا.15
على الرغم من تلك النصيحة، فقد اختار نهرو عدم تحدِّي الرئيس. وعلى أي حال، فقد كان تقدُّم مشروع القانون داخل البرلمان المؤقت بطيئًا جدًّا؛ فقد تطلَّب تمريرُ أربعة بنود فقط أكثرَ من نصف عام. وفي النهاية «انتهت الدورة البرلمانية، وقد أعاقت كثرة النقاشات تمرير مشروع القانون، حتى تلاشى».16

كان أكثر المتضررين من ذلك الفشل هو وزير القانون؛ فالدكتور أمبيدكار كان وضْع سمعته على المَحَكِّ في إطار سعيه إلى تمرير مشروع القانون ذاك، وواجه الانتقادات والافتراءات بحزمٍ متساوٍ؛ لذا سبَّب له قرار نهرو في النهاية الاستسلام للمعارضة ألمًا بالغًا. وفي أكتوبر ١٩٥١ استقال من وزارة الاتحاد. كان ينوي إعلان الاستقالة في مقر المجلس التشريعي، ولكنْ عندما طلب نائب رئيس الجلسة نسخة من خطابه قبل أن يلقيه، خرج غاضبًا، وأصدر إعلانه للإعلام عوضًا عن المجلس.

قدَّم أمبيدكار عدة أسبابٍ لقرار الاستقالة؛ أولًا: كانت حالته الصحية على غير ما يرام. وثانيًا: عجز رئيس الوزراء عن أنْ يُودِع ثقته فيه بالدرجة الكافية؛ فعلى الرغم من كونه حائزًا لدرجة الدكتوراه في الاقتصاد (من كلية لندن للاقتصاد)، فقد استُبعِد من النقاشات الدائرة بشأن التخطيط والتنمية. وكان السبب الثالث هو: تحفُّظاته المتزايدة على السياسة الخارجية للحكومة، لا سيما فيما يتعلق بمسألة كشمير. والسبب الرابع: كان أنَّ حالة أشقائه في الطوائف الْمُجَدْوَلَة لم تزل متردِّيَة؛ فعلى الرغم من الاستقلال السياسي للبلد، ووجود دستور يحمي حقوق تلك الطوائف، فقد واجهوا «الاستبداد المعتاد ذاته، والقهر ذاته، وكذلك التمييز القديم ذاته ضدهم».

وأنهى أمبيدكار أسبابه بالقضية التي حثَّته في النهاية على تقديم استقالته؛ فقال إنَّه كان عاقد العزم على تمرير مشروع قانون الأحوال الشخصية الهندوسي قبل انتهاء دورة البرلمان. وكان قد حاول جاهدًا إقناع رئيس الوزراء بالأهمية المُلِحَّة التي ينطوي عليها ذلك الأمر. ولكنَّ نهرو لم يمنحه نوع الدعم الذي كان يرجوه. وشكا أمبيدكار من أنَّ رئيس الوزراء إذْ واجه معارضة من داخل حزبه، كان يفتقر إلى «الجدية والإصرار» اللازمين للتغلُّب على تلك المعارضة.17

٤

في الشهور الأولى من عام ١٩٥٢ أجرت الهند انتخاباتها العامة الأولى، التي كان للنقاشات الأخيرة الدائرة بشأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الهندوسي أنْ تُلقيَ عليها بظلالها؛ فلمَّا شعر الدكتور أمبيدكار بأنَّ حزب المؤتمر خذله، أنشأ حزبًا معارضًا تحت اسم «اتِّحاد الطوائف الْمُجَدْوَلَة». أما عن رئيس الوزراء، فقد واجه منافسة في دائرته الانتخابية ببلدته الله أباد من زعيم اللجنة المناهضة لمشروع القانون الهندوسي، التي كانت شهرتها قد بلغت الآفاق آنذاك.

كان ذاك هو برابهو دات براهماتشاري، الذي كان رجلًا زاهدًا وعازفًا عن الزواج، ويرتدي ثيابًا بلون الزعفران إشارةً إلى ذلك. كان ترشيح براهماتشاري يحظى بدعم حزب جانا سانج ومنظمة هندو ماهاسابها ومنظمة رام راجيا باريشاد. كان جدول أعمال حملته الانتخابية يقتصر على نقطةٍ واحدة، وهي: عدم العبث بالتقاليد الهندوسية؛ فقد طبع منشوراتٍ مفصَّلةً عن محاولات رئيس الوزراء الرامية إلى التدخُّل في شأن تلك التقاليد، وتحدَّى نهرو لإجراء مناظرةٍ مفتوحةٍ في هذا الصدد.18

وكان نهرو من الحكمة بحيث رفض. ثم رَبِحَ مقعده بهامشٍ كبير، بينما حصل حزب المؤتمر على أغلبيةٍ كبيرةٍ إجمالًا. رأى نهرو في ذلك تفويضًا إلى حدٍّ ما لحملته ضد الطائفية. وبعد انعقاد البرلمان سُرعان ما أعاد إحياء مشروع قانون الأحوال الشخصية الهندوسي.

وحيث كانت الاعتراضات السابقة على مشروع القانون لم تزل واقرة في الذهن، فقد فُتِّت مشروع القانون إلى عدة أجزاء؛ فكان ثَمَّةَ مشروعات قوانين منفصلة معنية بزواج الهندوس وطلاقهم، وأخرى للقُصَّر الهندوس ووصايتهم، ومواريث الهندوس، وتبنِّي أطفال الهندوس وإعالتهم. واحتفظت تلك المكوِّنات بالمنطق والقوة الدافعة لمشروع القانون الأصلي الموحَّد. كان الاتجاه العام الرئيسي يتلخَّص في القضاء على أهمية الطائفة الاجتماعية بالنسبة إلى الهندوس فيما يتعلق بالزواج والتبنِّي، وتجريم تعدُّد الزوجات، وإتاحة الطلاق وحلِّ الزواج استنادًا إلى أُسُسٍ محدَّدة، وزيادة حصة المرأة من أملاك زوجها ووالدها بدرجةٍ كبيرة.19

وكان رئيس الوزراء في طليعة الحركة المناصرة لمشروع القانون؛ فقد أخبر البرلمان أنَّ «التقدُّم الحقيقي للبلاد معناه التقدُّم لا على الصعيد السياسي فحسب، ولا الصعيد الاقتصادي فحسب، بل على الصعيد الاجتماعي أيضًا». فقد تحالف البريطانيون مع «القطاعات الأكثر محافظةً التي استطاعوا إيجادها في المجتمع». وكان ضَمُّ التقاليد والاستعمار يعني أنَّ «قوانيننا، وأعرافنا اشتدَّت وطأتها على معشر النساء»، ومن ثَمَّ «تُطَبَّق معايير أخلاقية مختلفة على الرجال والنساء». فالرجل يُسمح له باتِّخاذ أكثر من زوجة، ولكنَّ المرأة حينما ترغب في الطلاق تواجه تحدِّيًا من الرجال، وذلك لا لشيءٍ إلا «لأنَّ الرجال صادف أنَّهم يتبوَّءُون مراكز السيطرة. أرجو ألا يستمروا في تلك المراكز إلى الأبد».

كانت الأعراف والقوانين الهندوسية منافقة إلى جانب كونها ظالمة؛ فقد حَثَّت النساء على الاقتداء بشخصيات أسطورية تُجسِّد التفانيَ والإخلاص، ولكن — على حد قول نهرو — «لا يتبادر إلى ذهني تذكير مماثل للرجال براماتشاندرا وساتيافان، وحثَّهم على الاقتداء بهم؛ فالنساء فقط هن اللائي ينبغي لهن الاقتداء بسيتا وسافيتري، بينما يُسمَح للرجال بالتصرُّف كما يحلو لهم».20
عمل نهرو جاهدًا لإقناع زملائه بأهمية تلك التدابير؛ فقد كتب إلى أحد كبار وزرائه — رجل برهمي كان يميل إلى الأصولية — قائلًا: «علينا أنْ نتذكَّر أنَّ القوانين والممارسات الاجتماعية المتعارَف عليها في الهند — وفق الصورة التي كانت وما زالت عليها — لم تخلُ من الجنوح الأخلاقي وكذلك التعاسة البالغة؛ فقد كان ثَمَّةَ قانونان ساريان، أحدهما للرجل والآخر للمرأة. ولطالما كانت المرأة هي الأتعس حظًّا.» وكتب نهرو إلى أحد الأعضاء الشباب المستجدين في البرلمان: «علينا أن نُركِّز اهتمامنا على تمرير مشروعات القوانين المعنية بالزواج والطلاق والمواريث من خلال البرلمان؛ فتلك هي مشروعات القوانين الأهم. أما مشروعات القوانين المعنيَّة بالتبنِّي والوصاية وغيرهما، فغير مهمة نسبيًّا.»21
بحلول ذلك الوقت، كانت اللجنة المناهضة لمشروع القانون قد فقدت زخمها؛ فعقب انتخابات عام ١٩٥٢، لم يعد اسما السوامي كَرباتريجي وبرابهو دات براهماتشاري يظهران في الصُّحُف أو سجلَّات الشرطة. واختفت التظاهرات من الشوارع، وإنْ ظلَّت الانتقادات وفيرة في البرلمان؛ فقد رأى نواب البرلمان الأصوليون أنَّ مشروعات القوانين الجديدة مُصَمَّمة بهدف تدمير الثقافة الهندوسية؛ فبالنسبة إليهم، كانت قوانين مانو ويجنافالكيا ثابتة وغير قابلةٍ للتغيير، ولها عام ١٩٥٠ ميلاديًا الأهمية ذاتها التي كانت تنطوي عليها عام ٩٥٠ قبل الميلاد.22
ولكن إضافةً إلى ذلك، كان ثَمَّةَ معارضة أخرى أقل فجاجةً أُولِيَت اعتبارًا أكبر، مثَّلت ما يمكن أنْ نُسمِّيَه الاتجاه الهندوسي المحافظ، عوضًا عن الاتجاه الهندوسي الرجعي؛ فلننظر في آراء المؤرِّخ المتميِّز رادها كومود موكرجي، الذي انتابه إحساس بأنَّ المقترحات الجديدة — لا سيما الأحكام التي تُبيح الطلاق — كانت:
منافية للروح الهندوسية في حد ذاتها … مشروع القانون مُستلهَم من الرؤية الغربية للحياة التي تُعلي رومانسية العلاقات الزوجية والحياة الزوجية على الأُبُوَّة التي تتأتَّى بها ثمار الزواج؛ فالمنظومة الهندوسية تعتبر الأُبُوَّة شيئًا دائمًا ثابتًا لا مساس به … ومشروع القانون يسعى إلى تغيير رؤية علم النفس الشعبي حيال قُدسِيَّة الزواج والعائلة وإرخاء الروابط الأُسريَّة التي تُمثِّل عماد المجتمع؛ فهو يفكر في الزوج والزوجة أكثر مما يفكر في الأب والأم اللذين ينبغي أن يندمجا معًا بصفة دائمة من أجل حماية الأطفال ومستقبل البشرية.23
إلا أنَّه لم يكن ثَمَّةَ إجماع على تلك الحجة؛ فإحدى النائبات في البرلمان أعربت عن شعورها بأنَّ «التأثير الناجم عن تفكُّك الأُسرة أقل ضررًا من التأثير الناجم عن انعدام الانسجام داخل الأسرة؛ فالأطفال يتحلَّوْن بذهنٍ ذي قدرةٍ كبيرةٍ على الاستيعاب، ومشاهد التجاهل والشجار التي قد يرَوْنها بين الوالدين … من المحتم أنْ تُخلِّف أثرًا فيهم». وحسب تعليق عضوٍ آخر، فإنه إذا «فقد الزوج والزوجة السلام فيما بينهما»، فلا جدوى من «إكراههما على العيش معًا». فالأفضل هو إتاحة «الانفصال بصورةٍ محترمة».24
في مجلس الشعب الهندي، تزعَّم تيار معارضة الإصلاحات المحامي البارع من منظمة هندو ماهاسابها — إن سي تشاتِّرجي — الذي ذهب إلى أنَّه إن كانت الهند دولة علمانية بالفعل، فما الحاجة إلى سَنِّ تشريعٍ لزواج «الهندوس» وطلاقهم؟ لم لا يُسَنُّ قانون واحد يسري على المواطنين جميعًا؟ ومن ثَمَّ، فإذا كانت الحكومة تؤمن مُخلِصةً بمناقب الزواج بواحدة، وأنَّه «نعمة وتعدد الزوجات نقمة، فلِمَ لا تنقذ أخواتنا المسلمات من تلك النقمة ومن تلك المعاناة؟» وقال لوزير القانون: «أنتم لا تجسرون على التحلِّي بالمنطقية والاتِّساق.»25
وبالمِثل كان الاشتراكي جيه بي كريبالاني يشعر بأنَّ الحكومة منافقة بفرضها الزواج الأحادي على الهندوس فحسب. وقال: «لا بد أنْ تطبقه على المجتمعات المسلِمة أيضًا. صدِّقوني فإنَّ المجتمع المسلم مستعِدٌّ لتقبُّله ولكنكم لا تتحلَّوْن بالشجاعة الكافية لفعل ذلك.» إلا أنَّ زوجته نفسها — النائبة البرلمانية عن حزب المؤتمر، سوتشيتا كريبالاني — كانت ترى أنَّ المسلمين غير مستعدِّين لذلك بعد. وذلك لأنَّنا «نعلم الماضي القريب لبلدنا. ونعلم كَمَّ المتاعب التي واجهناها بسبب مشكلة الأقليَّات؛ ولذا أظنُّ أنَّ الحكومة ليست مستعدةً اليوم لطرح قانونٍ مدنيٍّ موحَّد. ولكني آمل أن يأتيَ في المستقبل القريب اليومُ الذي يتسنَّى لنا فيه التمتُّع بقانونٍ مدنيٍّ موحَّد».26
كانت انتخابات عام ١٩٥٢ قد أمدَّت البرلمان بمجموعةٍ من النائبات المتِّسمات بفصاحة اللسان والثقة بالنفس، اللاتي رأين — بطبيعة الحال — أن معارضة التشريع تأتي من جانب الرجعيين. وقد شنَّت سوبهادرا جوشي حملة شرسة باللغة الهندية ضد تقليد الزيجات المدبَّرة، التي تُباع النساء بموجبها فعليًّا لحياة الخزي والمهانة. وذكرت شيفراجفاتي نهرو أنَّه في حين يتحدث الساسة من الرجال حديثًا مثيرًا للإعجاب عن الإصلاح الاقتصادي والسياسي، فإنهم غير مستعدين لإحداث تغيُّرٍ واحدٍ في مجال الحياة والأعراف الاجتماعية؛ ففي المجتمع الهندوسي كان الرجل حرًّا سيِّدًا، ولكن المرأة كانت مكبَّلةً — به. وحتى الآن، نجد الرجل ميَّالًا لمعاملة زوجته مثل زوجٍ من النعال، يخلعه من قدميه متى شاء.27
كان ثَمَّةَ عدة أعضاء من الطوائف الْمُجَدْوَلَة يؤيدون تلك الإصلاحات، وهم كانوا خير العارفين بأنَّ «الأعراف» الهندوسية تُواري آثامًا متعددة. وقال أحدهم إنَّ الأصوليين لو كان لهم ما يريدون، فسوف:
يشرعون في تعديل الدستور بغية التخلُّص من جميع الشرور التي أتت بها حكومة حزب المؤتمر، وإضافة بعض الحقوق الأساسية الجديدة. أولها سيكون نيل جميع النساء الهندوسيات الحق الرائع والعظيم في إحراق أنفسهن على المحرقة الجنائزية لأزواجهن. وثاني حق أساسي سوف يتمثَّل في إعلان البقرة كائنًا إلهيًّا … وجميع الهنود — بمن فيهم المسلمون والمسيحيون وما إلى ذلك — سيُرغَمون على عبادة البقر.28
الشيوعيون، من جانبهم، اعتبروا القوانين الجديدة غير جذريةٍ بالقدر الكافي؛ ففي مجلس الشعب الهندي، أطلق عليها بي سي داس «محاولة مخفَّفة معتدلة للإصلاح الاجتماعي تحمل سمتَي التردد والوجل المعهودتين في جميع التدابير الاجتماعية المتَّخَذة برعاية هذه الحكومة». إلا أنَّ معارضي تلك «التدابير المعتدلة» كانت «عقلياتهم ترجع إلى القرن السابع عشر». وفي مجلس الولايات، أشار بوبيش جوبتا إلى تأخُّر طرح التشريع، الذي يُعزَى إلى حقيقة أنَّ «حزب المؤتمر … كثيرًا ما يكون كسولًا جدًّا غير مدرك لما يحدث حوله من تطورات».29
وأخيرًا، لا بد للمرء أن يأخذ في حسبانه أولئك الأعضاء المسلمين الذين أجزلوا الشكر للحكومة؛ فقد أثنى عليها أحدهم — متحدِّثًا باللغة الهندوستانية — لعدم مساسها بقوانينهم وعدم سماحها بإدخال أي تغييرٍ طفيف. وشكر آخرُ الحكومةَ «لإيلاء اهتمامٍ كبيرٍ لآراء مجتمع المسلمين ومشاعرهم، وإعفائهم من مُجريات مشروع قانون الزواج ذاك؛ لأن لديهم قانونًا للأحوال الشخصية، قائمًا على دينهم ويُمثِّل جزءًا لا يتجزَّأ منه، وإنهم يعتبرون دينهم الشيء الأكثر قداسةً وقيمةً في حياتهم».30

٥

بعد معركة مريرة دامت نحو عشرة أعوام، مُرِّرَ مشروع القانون الذي طرحه بي آر أمبيدكار وصار قانونًا؛ ليس دفعةً واحدةً كما كان يأمل، بل على عدة دفعات: قانون الزواج الهندوسي عام ١٩٥٥، والقوانين الهندوسية المعنية بالمواريث، والقُصَّر والوصاية، والتبنِّي والإعالة عام ١٩٥٦.

صدرت تلك القوانين من خلال البرلمان تحت توجيه وزير القانون الجديد، إتش في باتاسكَر. كان باتاسكَر يفتقر إلى المكانة والمعرفة اللتين تحلَّى بهما سابقه؛ فذات مرة، حينما أشار إلى أنَّ الزواج المقدَّس الهندوسي يُبيح الطلاق، قال إنْ سي تشاترجي مُعَلِّقًا إنَّ تلك العبارة لا أساس لها من الصحة، وأضاف: «لو كان السيد باتاسكَر دخل امتحانًا في القانون الهندوسي في أي جامعةٍ لكان رسب وحصل على صفر.»31
كان ذلك كلامًا دقيقًا على الأرجح، وإنْ كان غير ذي أهميةٍ أيضًا؛ فكما أقرَّ أحد المعارضين، كانت مشروعات القوانين تلك تُشكِّل «هجومًا مباشرًا على نصوص شسترا الهندوسية والأعراف الهندوسية».32 فقد كان حق المرأة في أن تختار شريك حياتها أو ترث الأملاك «متنافيًا مع الهندوسية» ولكن لم يكن متنافيًا مع الديمقراطية؛ إذ إنَّ الرجال لطالما كانوا يتمتَّعون بتلك الحقوق. وكما لاحظ باتاسكَر، فقد كانت القوانين الجديدة تستند إلى إقرار الدستور بتحقيق «كرامة الشخص، بصرف النظر عن أي تمييزٍ على أساس الجنس».33
وأعرب عضو آخر في حزب المؤتمر عن ذلك الرأي بوضوحٍ أكبر؛ فقال: لا بد أنْ تتمتَّع المرأة بالحق في اختيار زوجها (والطلاق منه)؛ لأنَّنا «نحن الهنود نناضل في سبيل الحرية؛ فبعد تحرير بلادنا، ووطننا الأم، نحن مسئولون عن تحرير أُمَّهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا. سيكون ذلك أعظم تتويجٍ للحرية التي حصلنا عليها».34
وفي الواقع فقد قدَّمت القوانين الجديدة إسهامًا ملحوظًا تجاه تحقيق هذا الهدف؛ فقد ضمَّ نطاق اختصاصها ستين مليون امرأةٍ هندوسية، وكانت التغييرات كبيرةً من الناحية الأخلاقية وكذلك العددية؛ فحسبما كتب الخبير الأمريكي النابغ في القانون الهندي مارك جالانتر، كان ذلك «إصلاحًا شاملًا جذريًّا، حلَّ محل شسترا كُليًّا كمصدرٍ للقانون الهندوسي». وتابع ذلك الباحث البريطاني البارز المختص بتلك المسألة قائلًا إن سلسلة القوانين محل الدراسة هنا «من حيث سعة نطاقها وجرأتها الخلَّاقة لا يمكن مقارنتها إلا بقانون نابليون».35
كانت التغييرات الجذرية ذات الصلة بمسألتَي الزواج والملكية في القوانين الهندوسية صنيعة رجلين بالأساس: جواهر لال نهرو وبي آر أمبيدكار. ولكن للأسف فقد كان أمبيدكار متفرِّجًا في المراحل الأخيرة المهمة من المعركة؛ فهو بعد أن خَسِرَ في الانتخابات البرلمانية المباشرة لعام ١٩٥٢، دخل مجلس الولايات، وفيه لاذ بالصمت أثناء مناقشة مشروعات القوانين تلك وتمريرها بين عامَي ١٩٥٤ و١٩٥٦.36 كان مريضًا جدًّا بالفعل، ويعاني مرض السكر ومضاعفاته. ثم تُوُفِّيَ في ديسمبر ١٩٥٦. وقد ألقى جواهر لال نهرو الذي كان زميلًا له لبعض الوقت كلمةً في البرلمان إشادةً به؛ فقال رئيس الوزراء إنَّ أهم ما سوف يُذكَر به أمبيدكار هو كونه «رمزًا للثورة على جميع ملامح القمع في المجتمع الهندوسي». ولكنه «سيُذكَر أيضًا للاهتمام الكبير والمتاعب التي تكبَّدها في سبيل مسألة إصلاح قانون الأحوال الشخصية الهندوسي. ويسرُّني أنَّه شهد تحقُّق ذلك الإصلاح إلى حدٍّ بعيد جدًّا، ربما ليس في صورة الكيان الضخم الذي صاغه بنفسه، وإنما في صورة أجزاء منفصلة».37
كانت تلك إشادةً سخِيَّة، لا سيما حينما ننظر فيما انطوت عليه استقالة أمبيدكار عام ١٩٥١ من مرارة؛ فآنذاك كان أمبيدكار يظنُّ نهرو أضعف من أنْ يحارب المعارضة داخل حزبه وخارجه؛ فمن وجهة نظره كان رئيس الوزراء يمضي ببطءٍ شديد، ولكن — بالطبع — من وجهة نظر الهندوسيين المتشددين كان نهرو يمضي بخُطًى وثَّابة. وخلال عامي ١٩٤٩ و١٩٥٠ — عندما طُرِح مشروع القانون لأول مرة — لم يكن نهرو فعليًّا يملك زمام حزب المؤتمر من الأساس؛ فهو لم يتولَّ إدارة الحزب فعليًّا إلا بعد وفاة فالابهاي باتيل؛ إذْ تغلَّب على الاتجاه المحافظ داخل حزب المؤتمر وقاد حزبه لنصرٍ مُحَقَّقٍ في الانتخابات العامة؛ فعندما حصل على تأييد الحزب والبلاد، صار مستعدًّا لطرح التشريع الذي اقترحه أمبيدكار ذات مرةٍ وتمريره.38
كان نهرو عازمًا على إحداث تغييراتٍ في القوانين الحاكمة لإخوانه الهندوس، وإنْ كان مستعِدًّا للتمهُّل قبل معاملة المسلمين بالمِثل؛ فالأحداث اللاحقة على التقسيم كانت قد أشعرت المسلمين الباقين في الهند بالضعف والارتباك؛ ففي تلك المرحلة، كان المساس بما يعدُّونه سُنَّةً مقدَّسة — كلمة الله — يزيد شعورهم بعدم الأمان. لذا عندما سُئِلَ نهرو في البرلمان عن سبب إحجامه عن إدخال قانونٍ مدنيٍّ موحَّدٍ فورًا، أجاب بأنَّه في حين أنَّ ذلك القانون يحظى ﺑ «تأييد كامل» منه، فهو لا يرى أنَّه قد «آن الأوان في الوقت الحالي لكي أحاول الدفع به؛ فأنا أودُّ أنْ أُمَهِّد له الطريق، ومثل هذا الإجراء أحد أساليب تمهيد الطريق».39

نظر آخرون إلى ذلك التحوُّط بتشكُّكٍ أكبر؛ فكما أشار الدكتور شياما براساد موكرجي في البرلمان المؤقت: «لا أحد يرى أنَّ الزواج الأحادي أمر محمود للهندوس فقط أو البوذيين فقط أو السيخ فقط.» فَلِمَ لا يُطْرَح مشروع قانونٍ منفصلٍ يفرض الزواج الأحادي على المواطنين كافة؟ وإذْ ألقى الدكتور موكرجي ذلك السؤال، رَدَّ عليه بنفسه قائلًا: «لن أتطرَّق إلى تلك المسألة لأنني أعلم مواطن ضعف المروِّجين لمشروع القانون ذاك؛ فهم لا يجرءون على المساس بالأقليَّة المُسلِمة؛ فالمعارضة في جميع أنحاء الهند ستكون شديدةً لدرجةٍ لن تجرؤ معها الحكومة على المُضِيِّ قُدُمًا. ولكنْ طبعًا يمكنك المُضِيُّ قدمًا في شأن المجتمع الهندوسي على أي نحوٍ يطيب لك وأيًّا كانت العواقب المحتملة.»

في تلك اللحظة قاطعه سي راجا جوبالاتشاري قائلًا: «لأننا نحن المجتمع.»40 كانت «نحن» المقصود بها حزب المؤتمر، لا سيما الجناح الإصلاحي منه، مُمَثَّلًا في نهرو وفي راجا جوبالاتشاري بدرجةٍ كبيرةٍ من الاقتدار أيضًا. يمكننا تقدير تردُّدهما في التطرُّق لشئون أُناسٍ من دياناتٍ أخرى غير ديانتهما؛ فقد استغرقا ما يقرب من عشر سنوات حتى تسنَّى لهما «المُضِيُّ قدمًا في شأن المجتمع الهندوسي على أي نحوٍ» يطيب لهما؛ أي على نحو من شأنه أنْ يساعدهما على تقريب قوانين الأحوال الشخصية الهندوسية بعض الشيء من المفاهيم الحديثة للعدالة بين الجنسين.41

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤