الفصل الثلاثون

صعود «نظام حزب بهاراتيا جاناتا»

لا يزال حزب المؤتمر، ومن المحتمل أن يظل كذلك لفترةٍ طويلة، الحزب السياسي الأكثر تنظيمًا في البلاد، مع وجود أنصار له على مستوى الأمة، وعمق كبير في المناطق المحلية.

راجني كوتاري، ١٩٧٠

رأى الشعب الهندي في نريندرا مودي قائدًا ديناميكيًّا وحازمًا وذا توجه نحو التنمية، بزغ كشعاع أمل من أجل تحقيق أحلام وتطلعات المليار هندي. إن تركيز مودي على التنمية واهتمامه بالتفاصيل وجهوده من أجل إحداث تغير نوعي في حياة أفقر الفقراء جعله قائدًا شهيرًا ومحترمًا بطول الهند وعرضها. لقد كانت حياته رحلة من الشجاعة والرحمة والكد المستمر في العمل.

موقع الويب الخاص برئيس وزراء الهند، بحسب تحديث الساعة ٧ مساءً في ٢٦ مايو ٢٠١٤

١

من ضمن الأسباب التي أدت إلى خسارة حزب المؤتمر للانتخابات العامة لعام ١٩٨٩ كانت قضية بوفور. وقد جرى الفوز والخسارة أيضًا في بعض انتخابات المجلس التشريعي بسبب مسألة الفساد. ولكن فقط في صيف ٢٠١١ أصبحت إساءة استخدام المناصب العامة لتحقيق مكاسبَ شخصية قضيةً وطنيةً كبرى، دار الجدل حولها في جميع أنحاء البلاد. لقد كان الشرارة التي بدأت هذا الجدل دخول الناشط الاجتماعي المخضرم آنا هازاري في صوم في نيودلهي في أبريل.

في عام ٢٠١١، كان هازاري في الثالثة والسبعين من عمره. ولقد ولد في أسرةٍ ريفية في مهاراشترا، وعمل لعدة سنوات سائقًا في الجيش الهندي. وبعد التقاعد، استقر في قرية أسلافه، راليجان سيدي، وصمم ونفذ نموذجًا ناجحًا للغاية للزراعة المستدامة. لقد حثَّ الفلاحين على الاحتفاظ بمياه الأمطار (ببناء سدودٍ حاجزة) وإعادة تشجير سفوح التلال القاحلة. كما أقنعهم بالإقلاع عن الكحوليات (وفي بعض الروايات، أجبرهم على ذلك). وبعد عقد من استقرار هازاري في القرية، أصبحت منارة ﻟ «التنمية الخضراء»، يزورها الناشطون البيئيون من جميع أنحاء الهند والعالم.1

كان الاسم الأصلي لهازاري هو كيسان بابوراو. ولكن مع عمله في راليجان سيدي، أصبح يطلق عليه اسم «آنا»، أي، الأخ الأكبر. وبمجرد أن أصبحت قريته مشهورة، وسع نطاق نشاطه ليشمل ولاية مهاراشترا بأكملها. لقد جذب الانتباه إلى الفساد في برامج التنمية في الولاية، ودخل في حالة صوم من آن لآخر للضغط على مسئولي الولاية وسياسييها. وفي ذلك الوقت، في أبريل ٢٠١١، أغرت هازاري فضائح دورة ألعاب الكومونولث والاتصالات، والتغطية الإعلامية الهائلة التي أحدثتهما، وجعلته يعتقد أنه يحتاج إلى أن ينقل نشاطه للنطاق الوطني.

أقدم هازاري على الصوم في نيودلهي في جانتار مانتار، التي أصبحت الوجهة المفضلة للاحتجاجات بمجرد أن أغلقت الشرطة الباب أمام الناشطين في راج باث. وقبل أن يبدأ صومه، زار راج جات؛ وهو النصب التذكاري المخصص للمهاتما غاندي. وهناك، قال للصحفيين المحتشدين: «لقد جئت كي أطلب من غاندي أن يمنح الحكمة لهذه الحكومة. لقد جرى تقديم الكثير من التضحيات من أجل هذا البلد. لكن جرى تدمير كل شيء. لقد وجهتَ [يا غاندي] هذا البلد إلى الطريق الصحيح، لكن هؤلاء الأشخاص حادوا عنه.»2

كان هازاري يقصد ﺑ «هؤلاء الأشخاص» السياسيين والمسئولين الذين يديرون الحكومة الهندية. كان لصومه هدفٌ عام؛ ألا وهو توجيه انتباه الأمة نحو قضية الفساد، وهدفٌ خاص، وهو إجبار الحكومة على تمرير قانون يقضي بتعيين «لوكبال» أو أمين مظالم، بصلاحيات تسمح له بالكشف عن المسئولين والسياسيين الفاسدين ومعاقبتهم.

لقد غطَّت الصحافة على نطاقٍ واسع، وفي بعض الأحيان على نحوٍ حثيث، صوم هازاري. لقد انطبع فشل الحكومة في معاقبة الجناة في فضائح الاتصالات ودورة ألعاب الكومونولث في المخيلة العامة. وبنحو أو بآخر، دفع كل هندي في نقطةٍ ما من حياته رشوة. أدركت القنوات التليفزيونية أن هناك جمهورًا مرحبًا بشدة بالصوم؛ لذا، أرسلت طواقمها إلى جانتار مانتار من أجل نقل الحدث. كان هازاري يجلس على المنصة، بينما أخذ الناشطون المناهضون للفساد يقدمون سلسلة من الخطب الحماسية، مع رفرفة العلم الوطني الثلاثي الألوان في الخلفية. وقد ذهب مجموعةٌ كبيرة من الكُتاب والقضاة المتقاعدين والموسيقيين وحتى الممثلين البوليووديين إلى جانتار مانتار للقاء هازاري، وكان كل دعم تقدمه شخصيةٌ شهيرة يضيف إلى الإثارة والدراما المحيطين بالحدث.

لقد جرى تكوين حركةٍ جامعة تدعى «الهند ضد الفساد» لدعم هازاري. وتضمن المحركون الرئيسيون لها أرفيند كيجريوال، وهو مهندس تحول إلى موظفٍ عام ثم تحول إلى ناشط، عمل في حملة قانون الحق في الحصول على المعلومات. وقد نظمت تلك الحركة وقفاتٍ احتجاجيةً داعمة في المدن في أنحاء البلاد، حيث أضيئت الشموع ورُددت الأغاني تضامنًا مع الاحتجاجات في دلهي.3
كان من أبرز من جاءوا لدعم هازاري طلاب الجامعات وشباب المهنيين. لقد تأثروا بمجيء رجلٍ عجوز، كما أعلن، لإنقاذ الأمة من الأشخاص الذين عاثوا فسادًا في أرضها. هازاري نفسه لم يستخدم هاتفًا ذكيًّا أو الإنترنت، لكن هؤلاء الداعمين الشباب نشروا رسالته بكل همة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد رأوا أن آنا هازاري — إن جاز القول — فيما يتعلق الرسالة والأسلوب، صورةٌ مصغرة من المهاتما غاندي. كان «انضموا إلى مسيرة داندي الثانية» و«مهاتما يعلن عن صوم حتى الموت» من ضمن الشعارات المستخدمة في تويتر وفيسبوك. وفي ٧ أبريل ٢٠١١، وبعد يومَين من بدء هازاري لصومه، كانت تغريدة بعنوان «زلزال اسمه آنا هازاري يضرب سياسيي الهنود الفاسدين، مركزه الهند، وتبلغ قوته ١.٢٢ مليار قلب ريختار» ضمن الموضوعات العشرة الأكثر انتشارًا على مستوى العالم على تويتر.4
تأثرت الحكومة الهندية بالاحتجاجات وحتى أكثر بالتغطية الواسعة والمتعاطفة تمامًا في وسائل الإعلام ورضخت لمطالب المحتجين. وفي ٩ أبريل، أعلنت أنها ستشكل لجنة من عشرة أعضاء للمساعدة في إعداد قانون لوكبال. في تلك اللجنة، كان سيعمل خمسة وزراء من الحكومة المركزية مع خمسة أشخاص تختارهم حملة الهند ضد الفساد، وذلك في تنازلٍ غريب يضع حكومةً وطنيةً منتخبة على قدم المساواة مع قطاعٍ واحد، وغير ممثل على الإطلاق، من المجتمع المدني. وفور علمه بهذا، أنهى هازاري صومه وقال إنه يأمل أن يمرر البرلمان قانون لوكبال الجديد قبل ١٥ أغسطس ٢٠١١، عيد الاستقلال.5

٢

خلال صيف ٢٠١١، كان حديث الهنود يتمحور حول الفساد. وفي الأسبوع الأخير من أبريل، قبض مكتب التحقيقات المركزي على سوريش كالمادي، رئيس اللجنة المنظمة لدورة ألعاب الكومونولث في نيودلهي، بتهمة «التواطؤ» بمنح عقد لشركةٍ سويسرية بتكلفةٍ مبالَغٍ فيها قدرها ١٤١ كرور روبية. كان كالمادي عضوًا بارزًا ومؤثرًا في حزب المؤتمر، وعلى الرغم من أن الحزب أوقفه في ذلك الوقت، فلم يستطع منع تضرر سمعته بسبب القبض عليه.6

في تلك الأثناء، واجهت اللجنة المكوَّنة من عشرة أعضاء والمنوط بها صياغة قانون لوكبال جديد صعوبات كبيرة. إذ كان هناك انعدام ثقة بين الوزراء والناشطين الاجتماعيين، وكان كلٌّ من الجانبين يعبر عن ذلك على نحوٍ منفصل كل مساء للصحفيين بمجرد انتهاء الجلسات. وقد طالبت حملة الهند ضد الفساد بأن تذاع الجلسات تليفزيونيًّا على الهواء؛ وهو مطلب وجدت الحكومة أنه من المستحيل تنفيذه. ومن ثم، اختار الناشطون مقاطعة الاجتماعات، وجرى حل اللجنة.

وفي الأسبوع الأول من يونيو، بدأ صومٌ جديد في نيودلهي، قام به هذه المرة بابا رامديف، وهو معلم يوجا له أنصارٌ كُثر في شمال الهند وشرقها. كان رامديف، فيما يتعلق بالشخصية، مختلفًا تمامًا عن هازاري؛ فقد كان همه الأكبر هو مصالحه الخاصة، وكانت لديه طموحاتٌ كبيرة؛ سواء سياسية، فقد كان قريبًا من حزب بهاراتيا جاناتا، وكان يفكر في تشكيل حزبٍ جديد، أو تجارية، فقد يفكر في تطوير خط منتجاتٍ غذائية وطبية قائم على منظومة الأيورفيدا.

كان رامديف قد طالب قبل ذلك بأن تسعى الحكومة لاسترداد الأموال المودعة في البنوك السويسرية التي سرقها الهنود الأغنياء. والآن، في يونيو ٢٠١١، دخل في صوم تحت «باندال» (خيمة) كبيرة في ميدان رامليلا، وهو الساحة المفتوحة الكبيرة الواقعة بين دلهي القديمة ونيودلهي، التي شهدت العديد من الخطب والمسيرات الملحمية منذ وقت الصراع من أجل الاستقلال في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وحتى الحركة التي قادها جايا براكاش نارايان في سبعينيات القرن الماضي. وعندما سئل عن تكلفة الباندال، أجاب (ودعني هنا أقتبس ترجمة الترجمة الإنجليزية غير الملائمة للغته الهندية الغنية): «إن صنع مثل هذا الباندال ليس مشكلة بالنسبة لي. الجميع يعرفون أنني يمكنني الأمر ببناء الكثير من تلك الباندالات في يومٍ واحد. إن كل المجتمعين هنا سيكونون على استعداد لتحمل تكلفة البناء».7
كانت الحكومة تدرك مدى جاذبية رامديف لدى الجماهير، فتعاملت معه في البداية بلطف. كان قد قابله وزراء من الحكومة المركزية قبل ذلك وحثوه على تأجيل صومه أو التخلي عنه. وعندما مضى قُدمًا فيه، أرسلوا مبعوثين إلى ميدان رامليلا ليحثوه على إنهائه. وهذا لم يفلح أيضًا. ثم اختاروا استخدام خيار القوة، فهاجمت مجموعةٌ كبيرة من رجال الشرطة الباندال وفرقت أنصار رامديف. أصيب رامديف نفسه بالذعر، ولبس ملابسَ نسائية وحاول الفرار من المكان. فاحتجزته الشرطة لكنها لم تُلقِ القبض عليه. بدلًا من ذلك، صدر أمر بطرده من دلهي.8
في الأسبوع الأخير من يوليو، صدَّقت حكومة الاتحاد على قانون لوكبال. ولكن القانون لم يحظَ بموافقة الناشطين، لأنه أخرج رئيس الوزراء والهيئة القضائية العليا وسلوك أعضاء البرلمان من نطاق اختصاصه. وقد وصفت حركة الهند ضد الفساد القانون بأنه «مزحةٌ سخيفة» و«خداع للأمة».9 وقد أعلن آنا هازاري أنه سيقدم على صومٍ جديد للضغط من أجل إصدار قانونٍ محسَّن يكون «قويًّا وفعالًا».10
في ١٥ أغسطس، ألقى رئيس الوزراء مانموهان سينج خطابه الخاص بعيد الاستقلال من فوق أسوار القلعة الحمراء. متحدثًا من خلف حاجزٍ مضاد للرصاص، اعترف رئيس الوزراء بأن الفساد كان «عقبةً كبيرة» في طريق تحقيق البلاد لآمالها. لكنه أضاف أنه لا توجد «عصًا سحرية» للقضاء عليه.11
في اليوم التالي، أعلن آنا هازاري أنه سيقدم على صومٍ جديد من أجل قانون لوكبال يحظى بموافقته هو وزملائه. فقبض عليه، واقتيد إلى سجن تيهار بالعاصمة. رفض هازاري التماس الإفراج عنه بكفالة، وبدلًا من ذلك، بدأ صومه في السجن. أدى اعتقاله إلى خروج الآلاف من الناس إلى شوارع دلهي، مع وجود احتجاجات موازية في أماكنَ أخرى عبر البلاد. ورفضت المعارضة السماح للبرلمان بالعمل، طالبة إطلاق سراح هازاري. وفي ٢٠ أغسطس، أطلقت الحكومة سراحه، وحينها استمر هازاري في صومه وهو حر، وإن كان ذلك على مرمى ومسمع من الناس ووسائل الإعلام. ذهب إلى ميدان رامليلا حيث أنشأ مناصروه منصة جلس عليها، وأخذ يلوح بيده ويتحدث من آنٍ لآخر للحشود المتجمِّعة.12

لم يكن هازاري مثل غاندي، لكن صومه الثاني نافس مسيرة داندي في لفت انتباه الأمة. إن ما زاد بشدة من جاذبيتها، على عكس مسيرة المهاتما إلى البحر، إجراؤها في عصر البث الحي والأقمار الصناعية والتليفزيون. وطَوال اليوم، احتشد سكان دلهي — الطلاب والعمال والمهنيون — بميدان رامليلا ليروا بأنفسهم المشهد وهو يتكشف. ألقى قادة حركة الهند ضد الفساد خُطبًا حماسية، مع تلويح المتطوعين بالعلم الوطني الثلاثي الألوان وهم يتحدثون. في الصباح ومرةً أخرى في المساء، كان هازاري يظهر من وراء حاجز (حيث كان يصوم ويستريح) ليَعدَ الحشود بأنه سيستمر في صومه «ليومٍ آخر من أجل الأمة».

لقد كنت أجلس حينها في منزلي في بنجالور أمام التليفزيون؛ إذ كنت واحدًا من ضمن ملايين الهنود الذين تركوا العمل من أجل مشاهدة تلك الدراما السياسية المثيرة والمشاركة فيها. كان الاختلاف بين هازاري ورئيس الوزراء لافتًا للنظر على نحوٍ خاص؛ فالرجلان كانا في السبعينيات من عمرهما، ولكن أحدهما كان مستعدًّا للمخاطرة بحياته من أجل القضاء على الفساد، والآخر غير مستعد للقيام بأي خطوة ضد الوزراء الفاسدين في حكومته.13
مع مضيِّ كل ساعة، كانت شرعية نظام حزب المؤتمر تنهار أكثر. فكما كتب الصحفي سي بي سوريندران في ذلك الوقت، «الحزب الذي لا يستطيع توضيح موقفه والدفاع عنه في مواجهة سائق شاحنة متقاعد كان يعمل لدى الجيش، والذي يتمثل مصدر قوته الوحيد في حقيقة الأمر في نوع من النزاهة الشديدة وقدرةٍ هائلة على الصوم، لا يستحق أن يكون في السلطة».14
مع استمرار هازاري في الصوم، أرسلت الحكومة مبعوثين إليه، كان من ضمنهم وزراء ومسئولون من ولايته مهاراشترا. وفي ٢٧ أغسطس، ومع دخول صوم آنا هازاري أسبوعه الثاني، قرر مجلسا البرلمان بالإجماع تمرير قانون لوكبال معدل يتضمن الآراء الخاصة بهازاري وزملائه. وفي اليوم التالي، أنهى هازاري صومه، وارتشف من كوب به ماء جوز هند ممزوج بالعسل قدَّمته إليه فتاتان صغيرتان، واحدة من الداليت والأخرى من المسلمين، في رمزية في الأغلب لم تكن من اختيار هازاري وإنما اختيرت له من قبل مستشاريه الذين كانت لديهم خبرة في التعامل مع وسائل الإعلام. وفي أنحاء البلاد، خرج عشرات الآلاف من الهنود إلى الشوارع للاحتفال بما كانت تسميه حركة الهند ضد الفساد «انتصارًا شعبيًّا».15
مع اقتراب عام ٢٠١١ من نهايته، كان يعاني نظام التحالف التقدمي المتحد من أزمة مصداقية. وكان الأسوأ قادمًا. ففي فبراير ٢٠١٢، قضت المحكمة العليا بعدم قانونية تراخيص الاتصالات التي أصدرتها الحكومة والتي يصل عددها إلى ١٢٢ حيث إن الأمر جرى على نحوٍ غير صحيح وغير شفاف. رحب كلٌّ من حزب بهاراتيا جاناتا واليسار بالحكم، وقالا إنه على الرغم من أن الوزير الذي أصدر التصاريح (إيه راجا) كان بالفعل في السجن، فإنه لا يمكن إعفاء رئيس الوزراء نفسه من المسئولية. وكانت هناك دعوات لاستقالة الدكتور مانموهان سينج.16
مُني حزب المؤتمر بفضائح فساد في الحكومة المركزية وكذلك في الولايات التي كان فيها على رأس السلطة. ففي مهاراشترا، أعطت حكومة حزب المؤتمر شققًا كانت مخصصة للأرامل اللاتي فقدن أزواجهن في الحرب؛ للسياسيين والموظفين الحكوميين ذوي الحظوة لديها. وعندما انكشف الأمر، أُجبر رئيس الوزراء، أشوك تشافان، على الاستقالة. وفي يوليو ٢٠١٢، قدم مكتب التحقيقات المركزي لائحة اتهام ضد تشافان وشركائه. وتضمنت الجرائم التي اتُّهموا بها الغش والتواطؤ الجنائي.17
ربما حتى أكثر مما كان يحدث في أجزاءٍ أخرى من الهند، كان السياسيون في مهاراشترا سريعين على نحوٍ ملحوظ في إبرام العقود الحكومية. ففي ٢٠١٢، لاحظ المسح الاقتصادي السنوي الخاص بحكومة الاتحاد أنه على الرغم من صرف نحو ٧٠ ألف كرور روبية على مشروعات الري في العقد السابق، فقد زادت المساحة المروية في مهاراشترا بنحو ١٪ فقط. ولطالما كانت وزارة الري من نصيب حزب المؤتمر القومي، وهو حليف حزب المؤتمر في الولايات والحكومة المركزية، وحزبٌ معروف عنه قربه من شركات البناء والمقاولات. ومع اتهامه بسوء التصرف في المخصصات الموجهة للري، التي، إن أُحسن استغلالها، كان من الممكن أن تقلل من آثار الجفاف الذي حدث في مهاراشترا، أشار سياسيٌّ بارز من حزب المؤتمر القومي إلى أنه سيتبول في السدود حتى يساعد في ملئها. ولقد زاد تعليقه الفظُّ هذا من حدة النقد الذي كان يواجه حزبه وحكومته.18
الشهر التالي، أغسطس، شهد ضربةً موجِعةً أكثر لصورة التحالف الحاكم في نيودلهي. فقد عُرض على البرلمان تقرير قدَّمه المراقب المالي ومراجع الحسابات العام، وهو سلطةٌ دستوريةٌ عليا مسئولة عن مراقبة السلوك المالي للحكومة المركزية، يرى أن المحاباة في تخصيص حقول الفحم أدت إلى خسارة لخزانة الدولة قدرها ١.٨٦ لاخ كرور روبية. وحقول الفحم هذه كانت موجودة على نحوٍ كبير في الغابات المملوكة للدولة، والتي في هذا الشأن استخدمت (أو لِنقُل أساءت استخدام) سلطاتها التقديرية لتخصصها لرواد أعمال مقربين من حزب المؤتمر أو قادةٍ محدَّدين من الحزب.19

لقد حدث العديد من عمليات التخصيص (أو لنقل، سوء التخصيص) هذه في الأعوام فيما بين ٢٠٠٦ و٢٠٠٩، عندما كانت وزارة الفحم تتبع مباشرة رئيس الوزراء. لطالما كان للدكتور مانموهان سينج صورة شخص يتمتع بالنزاهة؛ في واقع الأمر، لعبت تلك السمعة دورًا في استمالة الناخبين للتصويت لصالح حزب المؤتمر في عام ٢٠٠٩. وفي حين أنه لم يستفد شخصيًّا من تلك العمليات، فكون أنها حدثت في ظل رئاسته للوزراء كان ضربةً موجعة لسمعته. ولقد أصبحت الدعوات المطالبة باستقالة رئيس الوزراء حتى أعلى.

٣

في مايو ٢٠١١، خسرت الجبهة اليسارية، التي كانت قد حكمت على نحوٍ مستمر غرب البنغال منذ ١٩٧٧، السلطة لصالح حزب ترينامول كونجرس، وهو حزب كانت تديره وتتحكم فيه ماماتا بانرجي. وفي تلك الأثناء، في ولاية تاميل نادو، حلفت جيه جايا لاليتا، من حزب أنَّا درافيدا مونيترا كازاجام لعموم الهند، اليمين كرئيسة للوزراء. ومع وجود ماياواتي على رأس السلطة في أوتر براديش، كانت في ذلك الوقت ثلاثٌ من أكبر وأهم الولايات في الهند تديرها سياسيات. وفي غضون ذلك، كانت سوشما سواراج زعيمة المعارضة في مجلس الشعب، وبالطبع، كانت سونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر ورئيسة التحالف التقدمي المتحد الذي كان يقود الحكومة المركزية.

أثرت بعض النساء بشدة في عالم السياسة الهندية. ولكن في المجمل، لم تكن مكانة النساء في الهند شيئًا يُفتخر به. لقد أمل واضعو الدستور أن يتزايد حضور النساء بمرور الوقت كعاملات ومديرات وطبيبات ومحاميات ومدرسات ورائدات أعمال. ولقد حدث بعض التقدم في هذا الاتجاه في العقود الأولى بعد الاستقلال؛ لكن، منذ ثمانينيات القرن الماضي فصاعدًا، كانت هناك ردة فعل عكسية بسبب العُرف. فقد وضع أكبر دينين في الهند، الهندوسية والإسلام، الرجال في مكانة أعلى من النساء، سواء في المعتقدات أو في الممارسة الاجتماعية. وهذا التمييز تصادم أو تصارع مع القيم الأساسية للدستور الهندي، مؤديًا إلى نتائجَ حزينة. ففي القرى، فرضت البنشايات الطائفية شتى أنواع القيود على ما يمكن أن ترتديه النساء أو تفعله؛ ففي بعض الأماكن، حتى استخدام الهواتف المحمولة حُظر عليهن. وقد أصبح قتل الفتيات اللاتي اخترن أزواجهن بدعوى الدفاع عن الشرف شائعًا على نحوٍ مقلق. في تلك الأثناء، في العديد من الأُسر المسلمة، أُخرجت الفتيات من المدارس الثانوية، ولم يسمح لهن بالعمل خارج المنزل، وغالبًا ما كن يُجبرن على ارتداء الحجاب.20
في واقع الأمر، رغم ارتفاع مستويات التعليم بين النساء في الهند، فإن نسبة الإناث في سوق العمل كانت تتراجع. فقد تراجعت من ٣٤٪ إلى ٢٧٪ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في ظل نموٍّ اقتصاديٍّ هائل. وقد واجهت النساء العاملات قدرًا كبيرًا من التمييز في سوق العمل. وحتى في المجالات المهنية التي تدعي أنها تقدمية مثل الإعلام والقانون، كان هناك القليل من النساء في مناصبَ قيادية.21
خلصت دراسة للاقتصاديات الآسيوية الستة الكبرى إلى أن الهند هي الأسوأ فيما يتعلق بالتحيزات ضد النساء. فقد كانت سن الزواج الأقل في الهند. وحتى عندما تحصل النساء الهنديات على وظائفَ مجزيةٍ في قطاعات العمل المنظمة، فقد كان من المتوقع منها تحمُّل أعباء المنزل وتربية الأطفال والتخلي عن تطلعهن لإسعاد أو إرضاء آبائهن أو آباء أزواجهن.22
إذا كان وضع النساء سيئًا في المدن، فقد كان في الريف أسوأ. ففي خلال القرن الماضي، كانت نسبة الإناث إلى الذكور في انخفاضٍ مطرد؛ فمن ٩٧٢ أنثى في مقابل ١٠٠٠ ذكر في عام ١٩٠١، انخفضت إلى ٩٤٧ في عام ١٩٥١ و٩٣٣ في عام ٢٠٠١. وارتفعت إلى ٩٤٠ في عام ٢٠١١، غير أنها ظلت غير ملائمة؛ مما يشير إلى الحقيقة التي ترى أن معدل وفيات الأطفال كان متفاوتًا بدرجةٍ كبيرة حسب النوع. وفي أغلب البيوت الهندية، كان الأولاد يعامَلون على نحوٍ أفضل من البنات؛ إذ كانوا يحصلون على طعامٍ مُغذٍّ أكثر ورعايةٍ صحية أفضل ويُرسَلون إلى المدارس، في حين كانت أخواتهم تكدح في الحقول والغابات. وبداية من ثمانينيات القرن الماضي، ساهمت التطورات في التقنيات الطبية في زيادة فتك التمييز المقيت الذي كان قاتلًا أصلًا. لذا، سمحت اختبارات تحديد نوع الجنين الحديثة للآباء بإجهاض الأجنة الإناث. وعلى الرغم من أن القانون كان يحظر إجراء تلك الاختبارات، فقد كانت متاحة على نطاقٍ واسع في العيادات الطبية في جميع أنحاء الهند.23
العيادات الطبية التي تجهض الأجنة الإناث كانت منتشرة على نحوٍ خاص في الولايتَين الشماليتَين البنجاب وهاريانا، حيث كانت تقل نسبة الإناث إلى الذكور كثيرًا عن ٩٠٠. أدى هذا إلى ما كان يُطلق عليه «أزمة ذكورة». فطبقًا للقواعد المتعارف عليها للزواج، كان يجب أن يكون شريك حياة الشخص من نفس الطائفة والجماعة اللغوية، وإن لم يكن في الغالب من نفس قريته. ومع تحول الفتية إلى رجال، كان يجد عددٌ متزايد منهم أن العرائس غير متوافرة ببساطة في منطقتهم. لذا، كانوا يسعون للزواج من فتيات يعشن على بعد مئات الأميال منهم، وينتمين لولايات وطوائف وجماعاتٍ لغوية أخرى. في ذلك الوقت، كان الرجال من البنجاب وهاريانا يسعون وراء النساء من ولايات آسام وبيهار وغرب البنغال، ومن حين لآخر، يشترونهن. إن تلك الارتباطات عبر الأقاليم كانت تتم في إطارٍ غير رسمي في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى كانت تُقنَّن عبر إتمام مراسم الزواج. ولكن ظلت هناك تساؤلات بشأن الطريقة التي ستعامل بها الذرية الناتجة عن تلك الزيجات غير المألوفة بالمرة من قِبل مجتمع لا يزال محكومًا، في أغلب الجوانب الأخرى، بقيود الطوائف الاجتماعية وصلات القرابة.24
كان هناك عنف يمارَس ضد الأجنة الإناث، وحتى عنف أكثر ضد الفتيات بمجرد أن يخرجن للعالم ويصلن إلى سن البلوغ. وكان هناك قدرٌ كبير من العنف الجنسي في البيوت، ليس فقط من خلال ضرب الأزواج للزوجات ومعاملتهن بوحشية، وإنما أيضًا كان يتكرر هذا بين أبناء العمومة وبنات عمومتهم، والأعمام/الأخوال وبنات الأخ/الأخت، وحتى، من آن لآخر، بين الآباء والبنات. وقد كان العنف الجنسي شائعًا إلى حدٍّ كبير في أماكن العمل أيضًا. فالاستغلال، سواء بالتهديد أو بالفعل، للموظفات الأصغر سنًّا من قبل رؤسائهن الذكور كان سمة غرف الأخبار ومكاتب الشركات وحتى جماعات الناشطين والمراكز الفكرية والبحثية التقدمية التي تسعى من أجل تحسين أحوال الناس.25
تمثل على نحوٍ درامي وصادم مدى تجذر التمييز الذكوري في الهند الحديثة في الاغتصاب الجماعي لفتاة في الثالثة والعشرين من عمرها تسمى جيوتي سينج في دلهي في ديسمبر ٢٠١٢. كانت الآنسة سينج مسافرة مع صديقها في حافلة بالليل، مع وجود أربعة ركابٍ آخرين فقط، كلهم من الذكور، على متنها. أوسع هؤلاء الرجال الأربعة رفيق الفتاة ضربًا (بأسياخٍ حديدية)، واغتصبوها. لم يفعل السائق ولا المحصل شيئًا لإيقافهم. وبينما كان كل هذا يحدث، مرت الحافلة بالعديد من نقاط التفتيش الشرطية. وفي النهاية، ألقى الرجال بالفتى والفتاة من الحافلة على الطريق السريع، حيث رآهما أحد المارين واستدعى الشرطة التي أخذتهما إلى المستشفى.26
بينما كانت جيوتي سينج تصارع من أجل البقاء، وأصبحت قصتها معروفة للناس، خرج مواطنون غاضبون للاحتجاج في شوارع دلهي. قاد طلاب من جامعات العاصمة الاحتجاج، منظِّمين مظاهراتٍ ووقفاتٍ احتجاجية على ضوء الشموع. اتجه المحتجون إلى القصر الرئاسي، مطالبين بإعدام المغتصبين. كان يجب بالطبع أن تفرقهم الشرطة. وفي العديد من المدن الأخرى في الهند، حدثت تظاهراتٌ واحتجاجاتٌ مماثلة.27

ردًّا على الاحتجاجات، شكلت الحكومة لجنة، برئاسة القاضي جيه إس فيرما (وهو رئيسٌ سابق للمحكمة العليا)، لاقتراح إجراءات لتسريع محاكمة المجرمين «الذين يرتكبون اعتداءً جنسيًّا بالغًا ضد النساء» وتوقيع عقوبةٍ أشد عليهم. في غضون ذلك، جرى نقل الضحية (التي أعطيت الاسم «نيربهايا»، أي، التي لا تعرف الخوف) إلى سنغافورة، حيث ماتت في ٢٩ ديسمبر. وبعد ثلاثة أسابيع، قدمت لجنة فيرما تقريرها. لقد وجَّه التقرير انتقادات لبطء العملية القضائية ولامبالاة المجتمع المدني. وذكر ما يلي عن حماة القانون والنظام المزعومين: «إن عدم اكتراث الشرطة فيما يتعلق بالتعامل مع ضحايا الاغتصاب لأمرٌ معروف. تحترم الشرطة سيادة السلطة الذكورية في المجتمع، ولم تستطع التعامل مع حالات القهر والمعاناة غير الاعتيادية». وأضاف أن «الشرطة متورطة في الاتجار بالأطفال (بما في ذلك الإناث منهم)».

طالبت لجنة فيرما الشرطة بتحمل مسئولياتها أكثر، والهيئة القضائية بمزيد من اليقظة، والدولة بتوفير الإمكانيات اللازمة لتعليم الأطفال اللقطاء أو المشردين، والأحزاب السياسية بعدم السماح لمرشحين لديهم سوابقُ جنائية بدخول الانتخابات. كما أوصت ﺑ «إنشاء سلطةٍ دستوريةٍ جديدةٍ مماثلة للمراقب المالي ومراجع الحسابات العام معنية بتعليم النساء والأطفال وضمان عدم ممارسة التمييز ضدهما».

كان السطر الأخير من التقرير كالتالي: «إننا نصلي من أجل الروح الراحلة لنيربهايا التي كانت السبب في عمل هذا اللجنة».28
بعد عرض تقرير لجنة فيرما على البرلمان، مرر الأخير القانون الجنائي (المعدل) لعام ٢٠١٣ الذي نص على عقوباتٍ أشد للجرائم التي ترتكب بحق النساء. ويمكن لمرتكبي جرائم مثل الاغتصاب أن يواجهوا عقوبة السجن مدى الحياة، في حين يمكن حتى أن يواجه من يكرر ارتكاب مثل هذا الجرائم عقوبة الإعدام. كما عرف القانون المطاردة والتلصص باعتبارهما جريمتَين لا يجوز الإفراج عن مرتكبيهما بكفالة، ونص على عقوبة السجن لمدة عشر سنوات على من يلقي بمادةٍ حارقة على النساء (وهي جريمة شائعة في بعض أجزاء الهند).29 طُبق القانون، لكن بقيت المهمة الأكثر صعوبة والمتمثلة في تغيير معتقدات الناس ومواجهة الهيمنة الذكورية في الحياة اليومية.
في الواقع، في الهند، حيث كان يوجد على نحوٍ معقد ومتصارع في آنٍ واحد التقدم والتخلف، والتقاليد والحداثة، لا يستطيع دائمًا أن يثق المرء في أن يرشدنا القانون إلى طريق العدالة والتعقل. ففي يوليو ٢٠٠٩، أبطلت محكمة دلهي العليا دستورية المادة ٣٧٧ من قانون العقوبات الهندي التي كانت تجرم ممارسة الجنس المثلي. جرى نقض الحكم في المحكمة العليا، حيث تضافر جماعة من المحافظين الهندوس والمسلمين والمسيحيين معًا في استعراضٍ نادر للتضافر بين الجماعات الدينية في البلاد. وفي ديسمبر ٢٠١٣، أعادت المحكمة العليا الهندية المادة ٣٧٧ وجرمت مرةً أخرى ممارسة الجنس المثلي بين البالغين. اختلف القاضيان جي إس سينجفي وإس جيه موكوبادياي مع محكمة دلهي العليا في أن المادة ٣٧٧ قد انتهكت مواد الدستور الهندي. واتفقا مع هؤلاء الذين صاغوا قانون العقوبات الهندي، في القرن التاسع عشر، ورأَوا أن ممارسة الجنس المثلي كانت «ضد نظام الطبيعة».30
كان في المحكمة أثناء إصدار الحكم العديد من المثليين، سواء من الرجال أو النساء. لقد بكوا بينما كانا القاضيان (الذي اعترف أحدهما لاحقًا أنه لم يقابل من قبلُ شخصًا مثليًّا في حياته) يتلوان حكمهما معيدين الأمور لما كانت عليه.31 كان على هؤلاء المنخرطين في علاقاتٍ مثلية، والذين كانوا قد بدءوا يتنفسون الصعداء بعد حكم عام ٢٠٠٩، أن يواجهوا مرةً أخرى خطر التعرض لملاحقة الشرطة ونبذ المجتمع.

٤

في معظم الديمقراطيات، يقلق أي حزب يكون في السلطة بشأن إعادة انتخابه تقريبًا قبل عام ونصف من انتهاء فترة حكمه. ويكون القلق واضحًا، من بين أمورٍ أخرى، في الأشياء التي يقولها رئيس الحزب الحاكم أو يفعلها، والتنازلات والوعود التي يعلن عنها لجمهور الناخبين. هكذا كان الحال مع إنديرا غاندي عام ١٩٨٣ وراجيف غاندي في عام ١٩٨٧، وكان أيضًا الحال مع سونيا غاندي مع دخول الهند عام ٢٠١٣. ففي يناير، عُين ابنها راهول غاندي نائبًا لرئيسة حزب المؤتمر في اجتماع للحزب في جايبور، مع إضاءة الألعاب النارية للسماء وحديث أعضاء البرلمان للصحفيين عن كيف أنهم كانوا منبهرين بدينامية هذا العضو الشاب من عائلة نهرو-غاندي. لكن التملق لم يكن مقتصرًا على أعضاء البرلمان العاديين؛ فبعد عدة شهور، حتى رئيس الوزراء، الدكتور مانموهان سينج، أعلن للصحافة أنه سيكون «سعيدًا بالعمل مع حزب المؤتمر تحت قيادة راهول غاندي».32

حتى وهي تشرف على صعود ابنها، سعت سونيا غاندي لتعزيز مكانة حزبها داعمًا لمجال الرعاية الاجتماعية. فقد اقترح التحالف التقدمي المتحد نظامًا للأمن الغذائي كان سيحصل بمقتضاه ثلثا السكان على الحبوب مجانًا أو بأسعارٍ مدعمة بشدة. انتُقد النظام باعتباره استنزافًا محتملًا لخزانة الدولة، وتشجيعًا للفساد. كانت هناك انتقاداتٌ أخرى أيضًا؛ فقد كان يُرى أن مشروع القانون سعى لتشجيع الاعتماد الزائد على الكربوهيدرات في وقت كان الهنود فيه يتجهون نحو نظمٍ غذائيةٍ متنوعة العناصر وأنه دلل الفلاحين وليس المستهلكين.

لم يجرِ تمرير مشروع القانون الخاص بالأمن الغذائي في البرلمان. غير أن السيدة غاندي كانت عازمة على إقراره. وأعلنت عن التزام الحزب في هذا الشأن في ٢٠ أغسطس، الذي يوافق ذكرى ميلاد راجيف غاندي. فبينما كانت تتحدث عن التزام زوجها المعلن تجاه مساعدة الفقراء، أخبرت الصحفيين المحتشدين أن «حكومة التحالف التقدمي المتحد تتبع قيم [المهاتما] غاندي وتسعى باستمرار لإحداث تغييراتٍ جذرية في حياة الناس البسطاء.»33

فيما يتعلق بوعدها بمزيد من نظم الرعاية الاجتماعية، كانت استراتيجية حزب المؤتمر لانتخابات عام ٢٠١٤ مماثلة لتلك الخاصة بانتخابات عام ٢٠٠٩. لكن هذه المرة كانت ملصقات الحزب تضم وجهًا واحدًا وهو ذلك الخاص براهول غاندي. لم يكن لمنافسهم الأساسي؛ حزب بهاراتيا جاناتا، استراتيجيةٌ محددةٌ خاصة به. فقد كان مناصراه إيه بي فجبايي وإل كيه أدفاني في ذلك الوقت متقدمَين جدًّا في السن بحيث لا يمكن أن يكونا مرشحَين مقبولَين لمنصب رئيس الوزراء. على الجانب الآخر، كان هناك العديد من رؤساء وزراء الولايات الأصغر سنًّا التابعين لحزب بهاراتيا جاناتا وكذلك العديد من قادة الحزب في البرلمان، الذين كانوا جميعًا ذوي خبرةٍ سياسيةٍ كافية وجدارة كافية لشغل المنصب. فأي من هؤلاء كان سيجري ترشيحه؟

على عكس حزب المؤتمر، كان بهاراتيا جاناتا حزبًا يأخذ قرارته على أساس النقاش والحوار، وليس وفق أهواء شخصٍ واحد أو عائلةٍ معينة. في الواقع، لطالما كانت المنظمة المرشدة للحزب، منظمة راشتريا سوايامسيفاك، معارضة لما يطلق عليه «فياكتي بوجا»، أي، تأليه الأشخاص. ولكن الآن، ومع تدارس الحزب ومجالسه لخيارتهم، فرض أحد أعضائه مطالبه بقوة عليهم. كان هذا العضو هو نريندرا مودي، الذي كان رئيس وزراء جوجارات على مدى عقد وصمم على الترشح لمنصب رئيس الوزراء.

في وقتٍ مبكر من عام ٢٠١٣ — قبل أكثر من عام على الانتخابات الوطنية — بدأ نريندرا مودي في تقديم نفسه بقوة على الساحة الوطنية. لقد أدرك قوة الناخبين الذين يدلون بأصواتهم لأول مرة (وعددهم)؛ ولذلك تحدث إلى الطلاب في العديد من المدن. لقد تحدث إليهم عن النجاحات، الحقيقية والمتخيلة، لما أسماه «نموذج جوجارات». لقد أخبر جمهوره عن كيف أنه زاد من النمو الصناعي والزراعي لولايته، وقلَّل من الفساد والروتين البيروقراطي، وولَّد الأمل لدى الشباب.34
في مارس، عُين نريندرا مودي في اللجنة البرلمانية المركزية لحزب بهاراتيا جاناتا. وفي يونيو، عُين رئيسًا للجنة الحملة الانتخابية. وفي النهاية، في سبتمبر، اختير رسميًّا مرشحًا الحزب لمنصب رئيس الوزراء. ولقد لاقى صعوده هذا معارضة من بعض قادة الحزب الذين كانوا يشعرون بالقلق بسبب شخصيته الفظة وماضيه المثير للجدل. في كل مرة، كان الخلاف الذي يحدث بين الكوادر يجبر الجبهة المعارضة للسيد مودي داخل حزب بهاراتيا جاناتا على التراجع.35
وفي ١٥ أغسطس ٢٠١٣، احتفلت الهند بعيد استقلالها السابع والستين. وقد ألقى رئيس الوزراء خطابه المعتاد إلى الأمة من القلعة الحمراء في دلهي. وفي محاولة جريئة للتغلب عليه، ألقى نريندرا مودي خطابه الخاص بعيد الاستقلال في مدينة بوج في شمال جوجارات، مع وضع نموذج للقلعة للحمراء على المنصة. الخطاب نفسه سخر من الدكتور سينج بسبب إخفاقات حكومته. لقد كانت سخرية رئيس وزراء ولاية من رئيس وزراء حالي للحكومة المركزية في عيد الاستقلال أمرًا غير مسبوق. ولكن خطاب مودي ساعد في تقديم نفسه باعتباره البديل لنظامٍ فاسد ومتآكل.36

في نوفمبر ٢٠١٣، أجريت انتخابات المجلس التشريعي في الولايات الكبيرة ماديا براديش وراجستان وتشاتيسجار. فاز حزب بهاراتيا جاناتا في الولايات الثلاث بسهولة. كانت هشاشة الحزب القديم العظيم للهند، وللحكومة التي يديرها في نيودلهي، واضحةً على نحوٍ متزايد.

بدأ نريندرا مودي في ذلك الوقت التفرغ للحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات العامة. وفيما بين يناير ومايو، كان يلقي عدة خطب كل يوم، متنقلًا بين الأماكن التي يتحدث فيها باستخدام طائرةٍ خاصة. لقد خطب في أكثر من ٤٠٠ تجمع عبر أنحاء الهند؛ في المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة والمناطق الريفية.

في أعين الكثير من الهنود، ظلت مذبحة جوجارات التي وقعت في عام ٢٠٠٢ وصمة عار في سمعة مودي. ولكنه في سنواتٍ لاحقة، نجح بدأب في تغيير صورته إلى «فيكاش بوراش»، أي، رجل تنمية. وفي غضون ذلك، استبعد مانموهان سينج إمكانية ترشحه لفترةٍ ثالثة. وكانت الحملة الانتخابية لحزب المؤتمر سيقودها راهول غاندي.

في عام ١٩٨٤، كان راجيف غاندي، والد راهول، رئيس الوزراء عندما حدثت مذبحة ضد السيخ في نيودلهي. وفي ظل نظام العدالة الجنائية البطيء للغاية للهند، لم تجرِ محاسبة مرتكبي العنف ضد السيخ حتى ذلك الحين. وفي تلك الأثناء، أعيد ترشيح قادة حزب المؤتمر الذين قادوا الحشود كأعضاء في البرلمان، وعُين أحدهم وزيرًا. ولذا، قال حزب بهاراتيا جاناتا لهؤلاء الذين كانوا يشيرون إلى ضلوع السيد مودي في العنف ضد المسلمين في جوجارات في عام ٢٠٠٢ إن عليهم بدلًا من ذلك أن يتذكروا العنف الذي رعاه حزب المؤتمر ضد السيخ في شمال الهند في عام ١٩٨٤.

مع تساوي الفريقين في المذبحة التي ارتكبها كلٌّ منهما، طلب مودي حينها أن تجري مقارنته، من حيث كونه إداريًّا وسياسيًّا، مع راهول غاندي. في هذا السباق، لا يمكن أن يوجد سوى فائزٍ واحد. كان مودي خطيبًا نابضًا بالحيوية ومؤثرًا في مسقط رأسه جوجارات وبأكثر لغات الهند انتشارًا، ألا وهي الهندية. على الجانب الآخر، كان راهول غاندي متحدثًا لامباليًا وغير بارع. وكان لدى مودي نشاطٌ هائل؛ فسافر عبر أنحاء البلاد كي ينشر رسالته. أما أنشطة راهول غاندي السياسية، فكانت عشوائية وغير منتظمة. فقد كان على سبيل المثال يقضي ليلة في منزل فلاح فقير ثم لا يُرى لأسابيع متتالية.

إن جعل هذا السباق بمنزلة نزال بين رجلَين وليس حزبَين كانت حركةً ملهمة من جانب نريندرا مودي. فقد كان رئيس وزراء ولايةٍ هنديةٍ مهمة لأكثر من عقد. على الجانب الآخر، وفي خلال عشر سنوات في البرلمان، لم يلقِ راهول غاندي سوى خطبٍ قليلة، ولم تكن أيٌّ منها بارزة. وقد رفض شغل أي منصب في الحكومة المركزية. كما لم تكن لديه أي خبرةٍ إدارية على الإطلاق.

كثيرًا ما كان مودي يقارن الخلفية التي جاء منها مع تلك الخاصة بالوريث المنتظر لحزب المؤتمر. فقد زعم رئيس وزراء جوجارات أنه عمل في متجرٍ صغير لبيع الشاي وهو فتًى صغير. لم يجرِ التحقق من صحة هذا الزعم؛ ولكن ما كان غير محل شك أنه ولد في أسرةٍ متواضعة كانت تنتمي لطائفةٍ متخلفة. ولقد كان نريندرا مودي عصاميًّا تمامًا. على الجانب الآخر، ولد راهول غاندي في أسرةٍ غنية، غير أنه لم يستفد جيدًا من ظروفه الحسنة. كان مودي على مدار حملته الانتخابية يبرز بشدة الفارق بينه باعتباره «تشايوالا» (بائع شاي) وبين راهول، الشاب الغني المدلَّل.

كذلك، اعتاد مودي الإشارة إلى راهول باعتباره «شهزادا»، وهي كلمة أردية من أصل فارسي معناها «ولي العهد». إن كون آل غاندي يرون أنفسهم باعتبارهم أسرةً حاكمةً وراثية مقدرًا لها أن تحكم الهند لفتراتٍ طويلة في المستقبل كان اتهامًا من السهل دعمه، لأسبابٍ عديدة ليس أقلها أن سونيا غاندي، بينما كانت في السلطة، قد سمَّت عشرات المشروعات الحكومية على اسم نهرو وإنديرا وراجيف، وأنها، بوصفها رئيسة حزب، قد اختارت آليًّا ابنها نائبًا لها على الرغم من أنه لم يكن بأي نحو عضو حزب المؤتمر الأكثر كفاءة في جيله. ومع ذلك، كان اختيار المسمى جديرًا بالملاحظة؛ فمودي لم يختر عن قصد الكلمة الهندية الشائعة المقابلة لكلمة ولي العهد «يوفراج»، مفضلًا استخدام كلمة من لغةٍ مختلفة، في إشارةٍ واضحة للغاية إلى أصول سونيا الإيطالية وكذلك ﻟ «الاسترضاء» الملاحظ من جانب حزب المؤتمر للمسلمين المتحدثين بالأردية. وفي خطبه، كان مودي يسخر من كسل وعدم كفاءة الشهزادا، واعدًا الناخبين بأنه بعد ستين شهرًا فقط في الحكم سيزيل كل الضرر الذي زُعم أن حزب المؤتمر تسبب فيه في الستين سنة الأخيرة.37

واضعًا في اعتباره ماضيه الطائفي، لم يسعَ نريندرا مودي للتأكيد على أيديولوجية الهندوتفا الخاصة بحزبه في خطبه. بدلًا من ذلك، أكد على أهمية التنمية الاقتصادية السريعة، وعلى وجه الخصوص، توفير الوظائف. فعلى مدار العقدَين اللذين تلوَا تحريره من سيطرة الدولة الخانقة، حقق الاقتصاد الهندي قفزاتٍ مهمة، كما ظهر من خلال الانخفاض السريع في معدل الفقر وحدوث نموٍ مقابل في الطبقة الوسطى. ولكن القطاعات التي قادت هذا النمو، مثل تكنولوجيا المعلومات ومجال الدواء، لم توفر فرص عمل كثيرة. لاحظ مودي ذلك، ووعد بإعطاء مزيد من الاهتمام للتصنيع لتحقيق، على نحوٍ أفضل، تطلعات ملايين الشباب الداخلين لسوق العمل كل عام.

كانت الحشود التي تدفقت للاستماع إلى خطب نريندرا مودي في كل مكان دليلًا على الإثارة والأمل اللذين أثارهما. ورغم أن راهول غاندي كان أصغر منه سنًّا بكثير، فإن الناخبين الجدد كانوا معجبين، على نحوٍ أكبر بكثير، بمودي، الذي كان يفيض منه الثقة والحسم، في حين بدا منافسه ضعيفًا وكسولًا ومشوَّشًا. قال طالب في السنة الثالثة بالجامعة في مومباي، كان سيصوت في انتخابات عامة لأول مرة، لصحفي في تجمعٍ خاص بمودي: «إننا بحاجة إليه. إننا نحتاج لدكتاتورية في الهند. هو دكتاتور يمكنه محاربة الفساد وضعف الوحدة والنظام في البلاد».38
كانت حملة نريندرا مودي الانتخابية تُغطى على نحوٍ واسع (وأحيانًا مكثف) في التليفزيون، وهو وسط كان منتشرًا بشدة حينها في الهند أكثر حتى من ذي قبل. ففي عام ١٩٩٦، كان ١٩٪ فقط من الهنود يشاهدون البرامج الإخبارية على التليفزيون. وبحلول عام ٢٠١٤، زادت النسبة إلى نحو ٤٦٪. وكان عشرات الملايين من الناخبين يشاهدون خطب مودي وقد انبهروا بها وبحماسه وحيويته الواضحين. وأظهرت استطلاعات الرأي، التي أجريت في ٢٠١٣–٢٠١٤ في الفترة السابقة على الانتخابات، أنه من بين هؤلاء الذين كانوا يشاهدون التليفزيون ويقرءون الصحف بانتظام، كان الناخبون المحتملون لحزب بهاراتيا جاناتا يزيدون عن نظرائهم الخاصين بحزب المؤتمر بنحو ٢٠ نقطةً مئوية.39
من أجل الوصول إلى الناخبين الأصغر سنًّا، استغل مودي وسائل التواصل التي كانت حتى أجدد من التليفزيون. لقد كان لديه موقع ويب كبير، كان يُحدث بانتظام، هذا إلى جانب حسابَين نشطَين على فيسبوك وتوتير. وكثيرًا ما كان يكتب تغريدات عن هموم الشباب وتركيزه على التنمية، التي كانت ذات طابعٍ تفاؤلي، والتي كانت تصاحبها تغريداتٌ أخرى ساخرة أو مزدرية عن منافسيه.40
كانت حملة نريندرا مودي الانتخابية متناغمة على نحوٍ رائع. لقد استعان بخدمات أفضل وكالات الدعاية في الهند التي وضعت له شعارَين بسيطَين ولكنهما معبران بشدة، وهما: «أبكي بار مودي ساركار» (لننتخب هذه المرة مودي على رأس الحكومة، وهو الشعار الذي كان له جرسٌ رائع في اللغة الهندية في موضع السجع)؛ و«آتشي دين آني ويلي هين» (الأوقات الطيبة على وشك القدوم). كما كانت حملته ممولة جيدًا جدًّا. لقد كان مصدر هذه الأموال الشركات الكبيرة والهنود الذين كانوا يعيشون في الخارج. ووفق أحد التقديرات، كان يقترب المبلغ الذي صرفه حزب بهاراتيا جاناتا على الدعاية وحدها من ٥٠٠ مليون جنيه إسترليني.41 ومن المفترض أنه جرى صرف مبلغٍ مماثل على نقل الناس بالحافلات إلى التجمعات الانتخابية وانتقالات مرشح الحزب.
لقد كان من ضمن مستشاري مودي مهنيون هنودٌ شباب كانوا يعملون في الولايات المتحدة. لقد أحضروا معهم أحدث تقنيات الدعاية الانتخابية، بما في ذلك الاستفادة البارعة من وسائل التواصل الاجتماعي. على الجانب الآخر، لم يسعَ حزب المؤتمر لاستخدام تلك الوسائل، واختار الاعتماد على الجاذبية التقليدية لاسم وسمعة الأسرة التي ينتمي إليها مرشحه.42

٥

في ديسمبر ٢٠١٢، أثناء الدعاية لحزبه في انتخابات ولاية جوجارات، استخدم نريندرا مودي عبارة «الطبقة الوسطى الجديدة» لوصف عشرات الملايين من الهنود الذين كانوا يرغبون في الخروج من دائرة الفقر والاستمتاع بمتع حياة الطبقة الوسطى. لقد ساعدته هذه الطبقة في أن تجري إعادة انتخابه في جوجارات، وكان في ذلك الوقت يأمل أن تسانده أيضًا على المستوى القومي.

لقد قال المهاتما غاندي مقولةً شهيرة وهي أن الهند تعيش في قراها. وبحلول القرن الحادي والعشرين، بدأت على نحوٍ متزايد تعيش أيضًا في مدنها وبلداتها. ففي ١٩٥١، كانت هناك خمس مدنٍ هندية فقط يزيد عدد سكانها على المليون نسمة. وبحلول ٢٠١١، وصل عدد هذه المدن إلى ٥٣ مدينة. ومثَّل حينها سكان الحضر نحو ٣١٪ من إجمالي سكان الهند. وفي عام ١٩٥١، كانوا يمثلون فقط ١٣٪. وكان في ذلك الوقت يسكن ما يقرب من ٤٠٠ مليون هندي في المراكز الحضرية.43
لطالما كان هناك قدرٌ كبير من الهجرة في الهند، بين القرى ومن القرى إلى المدن. وهذا الارتحال للناس عبر البلاد أصبح شائعًا أكثر بعد تحرير الاقتصاد. قدرت إحدى الدراسات أن الهجرة بين الولايات قد زادت بنسبة ٥٣٫٦٪ فيما بين عامَي ١٩٩١ و٢٠٠١. وكان هذا ناتجًا عن التنمية غير المتكافئة، في ظل ازدهار بعض الولايات والمناطق أكثر من غيرها. لقد عانى شرق الهند على وجه الخصوص ركودًا اقتصاديًّا، لذا شهد تدفقًا كبيرًا للمهاجرين منه للعمل في مدن الغرب والجنوب وفي مزارع البنجاب وكذلك في أراضي القهوة في منطقة كوداجو. في عام ٢٠٠١، كان لدى ثلاث من كل خمس أسر في ولاية بيهار الريفية مهاجرون يعملون خارج القرية. وقد كان إسهامهم في دخل أسرهم كبيرًا، خاصة في الطوائف الاجتماعية الدنيا.44
في المدن، كان المهاجرون الجدد يعملون على نحوٍ رئيسي في القطاعات غير الرسمية. فمع إغلاق المصانع أو تسريحها للعمال مع تبنِّيها لتقنيات توفر العمالة، كان هؤلاء القرويون الذين تحولوا لسكان مدن يعملون بائعين متجولين وبائعين في متاجر وعمال بناء وسباكين وحراس أمن. وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين من الذكور. ولقد جعل هؤلاء، الذين انجذبوا لزخم المدينة، اقتصاد المدن أكثر زخمًا بعملهم. ولذا، زاد إسهام المدن في الناتج المحلي الإجمالي من ٢٩٪ في ١٩٥٠–١٩٥١ إلى ٦٢٪ في ٢٠٠٧.45
ولَّدت الهجرة إلى المدن رغباتٍ وتطلعاتٍ جديدة، مع سعي المهاجرين إلى هجر حياتهم القديمة في الريف. لقد أرادوا مساكن بوكا ومياهًا جارية وسبيلًا لوسائل الترفيه والسلع الاستهلاكية التي يمكن أن يتطلعوا لشرائها. وأرادوا كذلك شق طريقهم في الحياة بأنفسهم، بدلًا من الاعتماد على مساعدات الرعاية الاجتماعية التي تقدمها الدولة.46

في غضون ذلك، ومع نمو المدن، تغيرت القرى؛ اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا. في السابق، كانت الطوائف الاجتماعية العليا مثل البراهمة في جنوب الهند والراجبوت في شمال الهند تسود الريف. أما في ذلك الوقت، فكانوا قد فقدوا أرضهم أو باعوها، وجرى تحديهم على المستوى الأيديولوجي كذلك. فالاندماج مع العالم الخارجي كان في السابق حكرًا على الطوائف العليا، ولكن حينها كان العديد من الرجال (وكذلك النساء وإن كان على نحوٍ أقل بكثير) المنتمين للطوائف الوسطى والدنيا يتركون القرى أيضًا للدراسة أو على نحوٍ أكبر للعمل.

أدت الميكنة المتزايدة للزراعة إلى نقص في الطلب على العمالة الريفية؛ لكن كان هناك انخفاض في العرض أيضًا؛ إذ لم يعد الداليت يرغبون في العمل في الحقول. لقد فضلوا العمل خارج القرى لأنهم يحصلون من خلاله على أجورٍ أفضل، ولأنه حررهم من القبضة الخانقة للطائفة المهيمنة في منطقتهم. إن العمل الذي كانوا يقومون به في ذلك الوقت — على سبيل المثال، في الإنشاءات أو تحميل وتفريغ الشاحنات وعربات القطارات — عادة ما يكون مرهقًا بدنيًّا وخطرًا على الصحة. لكنه كان أقل إهانة بكثير.

كان هناك تغييرٌ آخر، وربما حتى جوهري أكثر، يتعلق بالتعليم. ففي قريةٍ ممثلة إلى حدٍّ ما في شمال الهند، زادت نسبة المتعلمين التهاكور المنتمين للطوائف العليا من ٣٨٫٦٪ في عام ١٩٥٨ إلى ٨٢٪ في عام ٢٠٠٨. في نفس الفترة، زادت نسبة المتعلمين الجاتاف المنتمين للطوائف الدنيا (الذين كانوا يعدون في السابق من المنبوذين) من ٣٪ إلى ٤٢٫٧٪. وفي عام ١٩٥٨، أقل من واحدة من كل عشر سيدات من التهاكور كنَّ متعلمات؛ أما في عام ٢٠٠٨، فارتفعت النسبة إلى أربعة من كل عشر سيدات. وفي عام ١٩٥٨، لم تكن أيٌّ من نساء الجاتاف في القرى تستطيع القراءة أو الكتابة؛ أما في عام ٢٠٠٨، فارتفعت النسبة إلى واحدة من كل خمسة.

كان هناك اهتمامٌ كبير، عبر الطوائف الاجتماعية، بتعليم أبنائهم. فلم يُرد الراجبوت لأبنائهم أن يكونوا فلاحين، كما لم يرد الداليت أن يُحكم على أبنائهم بعيش حياةٍ ريفية تقوم على السخرة. ومع بحث الشباب عبر الطوائف عن وظائف وإثبات الذات خارج القرى، كانت نسبةٌ متزايدة من هؤلاء الذين يزرعون بالفعل الأرض في الخمسينيات أو الستينيات من عمرهم، وكان الوقت قد تأخر جدًّا بالنسبة لهم على التفكير في تغيير مهنتهم أو محل إقامتهم.

كانت الحياة في القرى تتغير على نحوٍ كبير عبر أنحاء الهند. غير أن بعض النواحي فيها ظلت كما هي دونما تغييرٍ ملحوظ. فقد ظلت هناك تفرقة بين الطوائف فيما يتعلق بالسكن؛ وعلى الأقل في القرى، الجوانب الاجتماعية. فالغالبية العظمى من الزيجات (التي على الأرجح تقترب نسبتها من ١٠٠٪ وليس ٩٥٪) في ريف الهند كانت تُعقد داخل الجماعة التزاوجية نفسها، وكان يرتبها الآباء أو الأقارب.47
في العقود الأخيرة، كان هناك عدم وضوح في الحدود الفاصلة بين الحضر والريف. فقد أصبح الهنود الذين كانوا يعيشون في القرى على نحوٍ متزايد يألفون حياة المدن، إما بسبب تجاربهم الشخصية وإما بسبب دخول الوسائل الحديثة إلى منازلهم. وكان شيوخ القرى حينها يرغبون في إرسال أبنائهم لأقرب مدينة للدراسة في مدرسةٍ لغة الدراسة فيها هي الإنجليزية. وهم أنفسهم كانوا يركبون الدراجات النارية بدلًا من الدراجات أو العربات التي تجرُّها الثيران. والعديد حتى عمل لبعض الوقت في القطاعات الحديثة وفي المصانع الصغيرة والورش التي بدأت في الظهور بطول الطرق السريعة، حيث كانت الأراضي أرخص مما هي عليه في المدن المزدحمة.48
أدت حرية الانتقال الأكبر من ذي قبل التي كان يتمتع بها سكان الريف الهنود حينها إلى إضعاف — وإن لم يكن بالطبع إنهاء — الارتباط بين الطائفة الاجتماعية والمهنة. فقد اختار بعض البانيا ترك مجال التجارة من أجل التدريس لمعلمي المدارس، وفضل بعض الياداف الخدمة في الجيش على رعي البقر. وفي خروجٍ جذري أكثر على العرف، اختار بعض الداليت المغامرة بالدخول في مجال ريادة الأعمال. فقد أنشئوا شركاتٍ ناجحة في مجال تجارة الجلود، وهي تجارةٌ مرتبطة تقليديًّا بطائفتهم. ودخل آخرون في مجالاتٍ جديدة تمامًا؛ إذ أنشئوا معارض لبيع السيارات وشركات بناء ومصانع أدوية. وكان هناك حينها حتى غرفة تجارية للداليت.49

بالطبع، قصص النجاح هذه كانت نادرة واستثنائية. فقد استمر غالبية الداليت في مهنهم القديمة المهينة القليلة الأجر. وعاشوا في أحياء منعزلة في القرى والمدن. وما كانت الطوائف العليا لتأكل معهم أو تلتقيهم أو تتزوج منهم. غير أن سبعة عقود من الديمقراطية والتنمية قد أحدثت فجوات في صرح العرف والتمييز. فمن خلال التمييز الإيجابي، كان بإمكان بعض الداليت أن يصبحوا مسئولين كبارًا بالحكومة. ومع اعتماد الانتخابات على حق الاقتراع العام للبالغين، كان بإمكان بعض الداليت أن يصبحوا وزراء ورؤساء وزراء. وفي ذلك الوقت، وفي ظل تحرير الاقتصاد، كان بإمكان بعض الداليت أن يصبحوا مليارديرات أيضًا.

٦

أثناء قيام حزب بهاراتيا جاناتا وحزب المؤتمر والأحزاب الإقليمية الكبرى بحملاتهم الدعائية للانتخابات العامة التالية، كانت تحدث معاركُ مهمة أكثر في بعض أجزاء البلاد. ففي يوليو ٢٠١٢، اندلعت أحداث شغب وحشية في آسام بين قبائل بودو والمسلمين الذين كانوا أصلًا من بنجلاديش، ولكنهم استقروا منذ عدة عقود في شرق الهند. مات نحو ٥٠ شخصًا في أحداث العنف، في حين ترك أكثر من ١٠٠ ألف شخص منازلهم وانتقلوا إلى مخيمات لاجئين. وكانت غالبية الضحايا من المسلمين. وفي ظل عدم رغبة قوات الشرطة المحلية في إيقاف العنف أو عدم قدرتها على ذلك، كان يجب استدعاء الجيش لاستعادة النظام.50
كان مركز أحداث العنف يتمثل في منطقتَي كوكراجار وباكسا في آسام السفلى. وحتى بعد إخماد أعمال الشغب، كان الفارُّون الذين كان معظمهم من المسلمين يخشون العودة إلى منازلهم وقُراهم. وعندما فعلوا ذلك في النهاية، واجهوا موجات عنف جديدة. وفي الأسبوع الأول من مايو ٢٠١٤، قتل مسلحو قبائل بودو ٢٣ شخصًا في يومٍ واحد. مرةً أخرى، جاء الجيش للقيام بمسيرات لاستعراض القوة لاستعادة الأمن والسعي من أجل إعادة هيبة الدولة.51
كان الصدام في آسام بين طائفتَين ضعيفتَين وغير آمنتَين. فقد شعرت قبائل بودو بأنهم قد جرى قمعهم من قبل طائفة آهوم المهيمِنة في آسام؛ وبعد نضالٍ طويل، جرى منحهم الاستقلال في المناطق التي مثلوا أغلبية فيها. وفي تلك الأثناء، كان قد استقر المسلمون القادمون من بنجلاديش الكثيفة السكان في المناطق المحيطة بهم؛ ما أشعل من جديد موجة من الاستياء، وبمرور الوقت، العنف.52

وبعد عام من الاضطرابات في كوكراجار، اندلعت أعمال شغب في أكثر ولايات الهند اكتظاظًا بالسكان، أوتر براديش. كان المسلمون هنا يعدون من سكان المكان الأصليين. لقد عاشوا في سهل الجانج الهندي إلى جانب الهندوس، فيما عدا أنهم، قبل نحو ستة أو سبعة قرون، قد اعتنقوا الإسلام. وبداية من أواخر القرن التاسع عشر، أصبح هذا الجزء من شمال الهند عرضة لنوباتٍ دورية من الشغب الديني. فقد حدث صدام بين الهندوس والمسلمين في أربعينيات القرن الماضي، قبل وبعد التقسيم، وفي ثمانينياته وتسعينياته، نتيجة للخلاف حول رام جانمابهومي، وهو الموقع الذي يعتقد أنه مسقط رأس الإله راما.

كان السلام الاجتماعي في أوتر براديش هشًّا، تهدده من جانبٍ عناصرُ سانج باريفار المتشددون المتبنون لأيدولوجية الهندوتفا ومن الجانب الآخر الأحزاب التي تحظى بدعم رجال الدين المسلمين. لقد كان على رأس السلطة في الولاية في عام ٢٠١٣ حزب سَماجوادي الذي كان قائده الأساسي، مولايام سينج ياداف، مقربًا بشدة من المسلمين لدرجة أنه كان يطلق عليه «مولانا مولايام». وكان حينها ابنه الشاب وغير المحنك، أكيليش ياداف، هو رئيس وزراء الولاية.

في سبتمبر ٢٠١٣، اندلعت أحداث شغب بين الهندوس والمسلمين في غرب أوتر براديش. بدأت الاضطرابات بعدما شوهد شابٌّ مسلم وهو يتحدث إلى شابة من طائفة الجات، وعلى إثر ذلك، قُتل الشاب على يد إخوتها. تصاعد العنف، مع مطالبة قادة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوس (وطائفة الجات المهيمنة على وجه الخصوص) بإعطاء درس للمسلمين وحث قادة حزب سَماجوادي المسلمين على أن يكونوا لهم بالمرصاد. انطلقت الدعوة للتحرك، والانتقام، عبر فيسبوك وواتس آب؛ إذ ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هاتان التقنيتان الجديدتان في التحريض على الكراهية بين الطوائف في الهند. قُتل أكثر من خمسين شخصًا في أحداث الشغب، وشُرد عشرات الآلاف. وكما هو الحال في آسام، وكذلك في واقع الأمر في معظم أجزاء البلاد (خارج كشمير)، التي وقع فيها مثل هذه الأحداث، عانى المسلمون على نحوٍ غير متناسب.53

٧

خلال أبريل ومايو ٢٠١٤، صوت نحو ٥٥٤ مليون هندي في الانتخابات العامة الهندية السادسة عشرة. كان هذا، كما هو الحال في كل الانتخابات العامة الهندية السابقة، أكبر ممارسة للإرادة الانتخابية في التاريخ الإنساني. وجرت الانتخابات على تسع مراحل. وكان نحو ٨٠٠ ألف جندي ورجل شرطة يقومون بتأمين الانتخابات، مع تخصيص ٥٠٠ قطار وحتى ٥٠ طائرة هليكوبتر لنقلهم من مكان لآخر.54

عندما جرى فرز الأصوات، في ١٦ مايو، حقق حزب بهاراتيا جاناتا انتصارًا ساحقًا بحصوله على ٢٨٢ مقعدًا، محققًا أغلبيةً واضحة. وتعرض منافسه الرئيسي، حزب المؤتمر، لخسارةٍ كبيرة. فقد حصل على عدد ضئيل من المقاعد وهو ٤٤ مقعدًا، أي، أقل ﺑ ١٥٠ مقعد عن المقاعد التي حصدها في انتخابات ٢٠٠٩.

لقد تحقق الانتصار الأبرز لحزب بهاراتيا جاناتا في كبرى ولايات الهند، أوتر براديش. فقد حصل هنا على ٧١ من ضمن ٨٠ مقعدًا، منتصرًا على حزب المؤتمر وكذلك الأحزاب الطائفية القوية محليًّا. (في انتخابات ٢٠٠٩، حصل الحزب على ١٠ مقاعد فقط في هذه الولاية.) كما أبلى الحزب بلاءً حسنًا في بيهار وماديا براديش وراجستان، وبالتأكيد في ولاية نريندرا مودي، جوجارات. ولم يحالفه نفس النجاح في ولايات غرب البنغال وأوديسا في الشرق وتاميل نادو وكيرالا في الجنوب. في هذه الولايات، لا يتحدث أو يفهم غالبية السكان اللغة الهندية، ولم يتأثروا بالجاذبية الشديدة لخطب مودي.

إذا نظرنا للدولة ككل، فسنجد أن حزب بهاراتيا جاناتا زاد حصته التصويتية من ١٩٪ إلى ٣١٪. وقد صوَّت الناخبون الجدد على وجه الخصوص، ومن هم تحت سن ٣٥ بوجهٍ عام، بحماس لحزب بهاراتيا جاناتا، في انعكاسٍ واضح لعدم كفاءة راهول غاندي كمرشح جامع للأصوات؛ نظرًا لأن الشباب اعتقدوا أن منافسه الأكبر منه سنًّا بكثير من المحتمل على نحوٍ أكبر بكثير أن يفي بتوقعاتهم.55

لم يفز نريندرا مودي بالانتخابات بمفرده. ورغم ذلك، كانت هناك حالاتٌ قليلة في الماضي ترك فيها شخصٌ واحد مثل هذا الانطباع على الانتخابات الهندية. ربما تمثلت السابقتان الوحيدتان في انتخابات ١٩٥٢ و١٩٧١، حيث قاد جواهر لال نهرو وإنديرا غاندي الحملة الانتخابية الناجحة لحزبهما وكانا الشخصيتين الأكثر بروزًا فيها، تمامًا كما فعل مودي في ذلك الوقت.

على الرغم من أنه نشأ على أفكار منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج، فإن نريندرا مودي بوصفه رئيس وزراء لجوجارات حرص على عدم تقريبها منه. فهو لم يرد أن يكون هناك مصدرٌ آخر للسلطة. ومع ذلك، في الفترة السابقة على الانتخابات العامة، حدث تقارب مرةً أخرى بين الجانبين. وبعد بعض التردد في البداية، أعلنت المنظمة عن تأييده كمرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء، وساند كوادر المنظمة على الأرض مودي بحماس، وبخاصة في ولاية أوتر براديش الأساسية. وسرعان ما حصلت المنظمة على مكافأتها لهذا الدعم؛ فقد كان ١٧ من بين ٢٣ عضوًا في وزارة مودي من المنظمة.56
في يوليو، انتُخب الصديق المقرب لمودي أميت شاه رئيسًا لحزب بهاراتيا جاناتا. كان شاه الشخص الوحيد الذي كان رئيس الوزراء يثق فيه تمامًا. ففي جوجارات، شغل في إحدى المرات ٩ حقائب في وزارة مودي. ولكن شاه كان له ماضٍ مثير للجدل؛ فقد مُنع حتى من دخول ولايته الأم من قبل المحكمة العليا خوفًا من احتمال عبثه بالأدلة في قضايا قتل خارج نطاق القانون. والآن، باعتباره رئيسًا للحزب الحاكم، كان يعد ثاني أقوى رجل في الهند.57

٨

في أشهره الأولى في المنصب، أعلن نريندرا مودي عن مجموعة كاملة من البرامج والمشروعات الجديدة. فكانت هناك مهمة «سواش بهارات» (الهند النظيفة)، التي وعدت بالقضاء على التغوط في العراء بحلول الثاني من أكتوبر ٢٠١٩؛ أي، في الذكرى السنوية المائة والخمسين لميلاد المهاتما غاندي. رئيس الوزراء نفسه أخذ مكنسة لينظف الممرات القذرة المؤدية إلى جانب النهر في مدينة فاراناسي المقدسة.58 ثم كانت هناك حملة «صنِّع في الهند» التي وعدت بجعل البلد مركزًا للتصنيع على نحوٍ مماثل للصين.59 ثم جاءت مهمة «بيتى باشاو بيتى باداو» (أنقذ الفتاة، علِّم الفتاة) التي أطلقها مودي والتي سعت لتعزيز المساواة بين الجنسين من خلال تعليم الفتيات.60 وكانت هناك أيضًا مهمة «المدن الذكية»، التي من خلالها سعى رئيس الوزراء لتطوير مائة مركزٍ حضري لتصبح مراكز للابتكار والتجديد.61
كشف رئيس الوزراء أيضًا عن ولعه بالاختصارات. فبينما كان يرحب بالاستثمار الأجنبي المباشر (الذي يرمز له بالإنجليزية بالاختصار: إف دي آي)، قال إن هذا الاختصار يجب أن يشير أيضًا إلى العبارة الإنجليزية التي ترجمتها «طوِّر الهند أولًا». وفي يوم رأس السنة الجديدة لعام ٢٠١٥، جرى إلغاء لجنة التخطيط، وحلَّت محلها نيتي أيوج، التي تعد أول كلمة فيها اختصارًا للمقابل الإنجليزي ﻟ «المعهد الوطني للتحول في الهند».62 وفي دعوته لإقامة علاقاتٍ أفضل مع أقوى جارة للبلاد، قال مودي العبارة الإنجليزية التالية: INCH towards MILES، التي أول اختصار فيها يشير إلى الهند والصين، في حين يشير الثاني إلى قرن من التعاون الاستثنائي.63

وفي آخر أعوامها في السلطة، قدَّمت حكومة التحالف التقدمي المتحد قانون مصادرة أراضٍ جديدًا، جعل موافقة الفلاحين إلزامية قبل مصادرة أراضيهم لصالح مشروعاتٍ صناعية أو غيرها. وقد وعد نريندرا مودي باستبدال قانونٍ جديد بهذا القانون؛ مما يسهل على رواد الأعمال حيازة أراضٍ لبناء مصانع ستخلق فرص عمل وكذلك ثروة. ولكن القانون الذي وضع مستشاروه مشروعه جرت مقاومته بضراوة داخل قطاعات في حزبه، إذ رأت أنه «متحيز لرجال الأعمال» بشدة.

لقد جرى تمويل حملة مودي الانتخابية بسخاء من قبل الشركات الكبيرة. وهو نفسه وعد بنموٍّ صناعي أسرع وخلقٍ سريع للوظائف. وبعد تعطل مشروع قانونه المقترح الخاص بمصادرة الأراضي، أعلن حينها عن ضريبةٍ جديدة على السلع والخدمات. كانت هذه بالأساس مبادرة من جانب رئيس الوزراء السابق، دكتور مانموهان سينج، الذي مع ذلك فشل في تمريرها عبر البرلمان.

سعى مشروع القانون الخاص بهذه الضريبة إلى إلغاء الضرائب والرسوم والجمارك التي كانت مطبقة في الولايات المختلفة، واستبدال ضريبة قيمة مضافة واحدة لكل السلع والخدمات بها. وعندما اقترحت حكومة التحالف التقدمي المتحد هذه الضريبة في البداية، عارضها مودي، قائلًا إنها ستعتدي على حقوق الولايات. ولكن أغلب رواد الأعمال كانوا مؤيدين لفرضها؛ وهكذا كان موقف معظم الاقتصاديين الذين اعتقدوا أنها ستخلق سوقًا وطنيةً موحدة وتحفز النمو وتقلل الفساد. وفي أغسطس ٢٠١٦، مُرِّر مشروع قانون خاص بهذه الضريبة عبر البرلمان؛ وكان يجب حينها التصديق عليه من جانب غالبية مجالس الولايات حتى يصير قانونًا.64
إن تركيز مودي على تنشيط الاقتصاد الوطني كان متوقعًا. إذ لم يولد النمو الاقتصادي الذي شهدته الهند في العقود الأخيرة فرص عمل كافية. ففيما بين عامَي ٢٠٠٠ و٢٠١٠، زاد إجمالي القوى العاملة في الهند ٦٣ مليون شخص. ومن بين هؤلاء، التحق ٤٤ مليونًا بقطاعات العمل غير المنظمة، وأصبح ٢٢ مليونًا عاملين غير رسميين في قطاعات العمل المنظمة، في حين انخفض عدد العمال الرسميين في قطاعات العمل المنظمة بنحو ٣ ملايين. ورغم تاريخها الطويل في إنشاء المشروعات الصناعية، ومؤسساتها التعليمية الفنية والهندسية العديدة، لم تكن الهند قادرة على مضاهاة النجاح الذي حققته بنجلاديش وفيتنام (ناهيك عن الصين) في خلق فرص عمل واسعة النطاق في المصانع التي كانت تنتج سلعًا للسوق العالمية.65
بمعايير أغلب الدول المتقدمة، كان معدل البطالة في الهند منخفضًا. لكنه كان يتزايد، وهي علامةٌ مقلقة للسياسيين وصناع السياسات. لقد وصل إلى ٦٫٨٪ في عام ٢٠٠١، وقفز إلى ٩٫٦٪ بعد عَقدٍ من الزمان. وحدث تراجعٌ تدريجي في ازدهار الصادرات الذي حدث في تسعينيات القرن الماضي. وقد عاقَ إنشاءَ مشروعات تصنيعية جديدة التكلفة العالية (والمتزايدة) للعمالة والأراضي. ولم تكتمل على نحوٍ كبير البنية التحتية التي وعدت بها الحكومة (والمتمثلة في طرق وموانئ ومطارات أفضل) لتسهيل انتقال المواد الخام وكذلك السلع النهائية. لذا، كان زعم حزب بهاراتيا جاناتا في بيانه الرسمي الخاص بانتخابات عام ٢٠١٤ أنه سيخلق عشرة ملايين وظيفة كل عام هدفًا طموحًا للغاية، وبمجرد اعتلائه للسلطة، كان يجده صعبًا على نحوٍ متزايد في تحقيقه.66
في ٢٠١٥، ظهرت عيوب نموذج الهند القائم على «نمو دون خلق فرص عمل» على نحوٍ واضح عندما تقدم نحو ٢٫٣ مليون شاب لشغل ٣٦٨ وظيفةً صغيرة أعلنت عنها حكومة أوتر براديش. كانت الوظائف في أدنى مستويات التسلسل الوظيفي الحكومي. وقد تضمنت قيادة دراجة للقيام بمهامَّ بسيطة للموظفين الكبار أو حراستهم خارج مكاتبهم أو تقديم الشاي لهم ولضيوفهم. لكن كانت فرص العمالة التي يوفرها القطاع الخاص قليلةً جدًّا في هذا الجزء من الهند لدرجة أن نحو ٢٥ ألف خريج جامعة وحتى ٢٥٥ من حاملي شهادة الدكتوراه تقدموا لشغل تلك الوظائف الصغيرة في الحكومة.67
كان تأكيد رئيس الوزراء على برامج مثل «صنِّع في الهند» استجابة لأوجه الخلل هذه في عملية التنمية. ولكن أدى هذا الدفع باتجاه نموٍّ اقتصادي أسرع إلى تجاهلٍ أكثر للمعايير والضمانات البيئية. ففي أكتوبر ٢٠١٥، سهلت وزارة البيئة والغابات أكثر من عمليات التعدين بإلغاء القيمة الهيدرولوجية للغطاء الحرجي باعتباره قيدًا على المشروعات الجديدة. جدير بالذكر أن الغابات الطبيعية تلعب دورًا محوريًّا في استدامة الأنهار والبحيرات. وقد شجعت السياسة الجديدة على تدمير الغابات على يد المشروعات الصناعية والتعدينية الجديدة؛ مما هدد توفير المياه العذبة للزراعة والأسر الريفية.68
جرى تقليص ميزانية وزارة البيئة والغابات (التي أضيف لاسمها الآن «تغير المناخ») بنسبة ٥٠٪ في العام الأول لشغل مودي لمنصب رئيس الوزراء. وفي غضون ذلك، جرى أيضًا تخفيف القوانين القائمة الخاصة بحماية الحياة البرية والتنوع البيولوجي، وإلغاء الغرامات التي كانت تُفرض على الصناعات لتلويثها للبيئة. كما جرى في ذلك الوقت إلغاء موافقة القبائل على إقامة مشروعاتٍ جديدة في المناطق المحيطة بهم، التي كانت في السابق إجبارية.69
كان النمو الصناعي مهما كانت التكلفة هو الشعار الجديد، دون النظر لما سيعنيه هذا التخفيف للمعايير البيئية بالنسبة لتوفير هواء وماء نظيفَين للمواطن العادي أو استدامة عملية التنمية نفسها. وسرعان ما كشفت تبعات تلك السياسات الجديدة عن نفسها، عندما، في أبريل ٢٠١٦، ذكرت دراسةٌ عالمية أن الهند على رأس الدول التي بها قضايا بيئية. وكانت نحو ٢٧٪ من كل القضايا المرتبطة بالطبيعة في البلاد مرتبطة بندرة المياه. وتعلقت قضايا أخرى بتدمير الغابات والتخلص من النفايات غير المعالجة وتأثير التلوث الصناعي.70

٩

كانت السياسات الاقتصادية التي اتبعها نريندرا مودي، وهو رئيس وزراء، متسقة مع سجل أدائه في جوجارات. ما كان مدهشًا أكثر هو اهتمامه الشديد بالشئون العالمية. ففي عامه الأول في المنصب، سافر مودي إلى العديد من الدول التي وصل عددها إلى ١٩، والتي كانت من بينها اليابان والصين وأستراليا والولايات المتحدة. وفي عامه الثاني، سافر إلى ١٧ دولةً أخرى، مع سفره مرةً أخرى إلى بعض الدول التي كان قد زارها بالفعل.

وعلى الرغم من أنه لم يشغل رسميًّا منصب وزير الشئون الخارجية، فقد كان مودي مسئولًا مسئوليةً كاملة عن السياسة الخارجية، كما فعل جواهر لال نهرو فقط من قبلُ من ضمن رؤساء الوزراء الهنود الآخرين. وقد أخبر أحد المحاورين أنه كان يسافر كثيرًا لأن (بحسب زعمه) وسائل الإعلام الهندية قد رسمت صورةً سيئة له، ولذا فقد أراد أن يكتشف قادة العالم بأنفسهم الشخصية الحقيقية لرئيس وزراء الهند الجديد.71
في رحلاته الخارجية، كان مودي حريصًا على الحديث إلى أعضاء الشتات الهندي، في لقاءاتٍ عامة في أماكن مثل ساحة ماديسون سكوير جاردن بنيويورك وستاد ويمبلي لكرة القدم بلندن، حيث كانت حشودٌ كبيرة ومتحمسة تهتف له. كانت خطبه مؤثرة على نحوٍ كبير. ولتوضيح أنه، بخلاف رؤساء الوزراء السابقين، كان هنديًّا أصيلًا وفخورًا بتراثه، تحدث عن مفكرين دينيين مثل سري أوروبندو وسوامي فيفيكانادا وقدم الباجافاد جيتا لكبار الشخصيات الأجنبية واحتفى بالهدية التي أعطتها الهند للعالم المتمثلة في اليوجا.72
في دولٍ أخرى، كما في الهند، بدا مودي أنه لا يتعب. غير أنه لم يكن من السهل تمييز توجهٍ معين في مبادراته في مجال السياسة الخارجية. فقد زار اليابان وقال بعض التعليقات اللاذعة بخصوص دولةٍ أخرى (افترض كثيرون أنها الصين)، ولكنه بعد بضعة أسابيعَ لاحقة، استضاف الرئيس الصيني في جوجارات. ودعا مودي رئيس الوزراء الباكستاني لمراسم حلفه لليمين في مايو ٢٠١٤، وبعد عام ونصف، سافر ليحضر حفل زفاف حفيدته في لاهور. غير أن العلاقات بين باكستان والهند ظلت فاترة، مع تبادل المتحدثين الرسميين للتعليقات اللاذعة والتلميحات المسيئة، كما كان هو الحال دائمًا. وقال وزير داخلية مودي علنًا إن «الذهاب إلى باكستان والذهاب إلى الجحيم سواء».73
كان المجال الوحيد الذي كانت هناك فيه استمراريةٌ واضحة هو علاقة الهند بالولايات المتحدة. فعندما زار باراك أوباما نيودلهي في يناير ٢٠١٥، تحدث مودي عن وجود «كيمياء» خاصة بينه وبين الرئيس الأمريكي.74 في الحقيقة، كان مودي يعزز فقط العمل الذي قام به رئيسا الوزراء السابقان عليه مباشرة، فَجبايي ومانموهان سينج، من أجل التقريب بين أكبر ديمقراطيتين في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، في ظل حدوث فجوة بينهما خلالها.75

١٠

في كتاب نُشر في عام ١٩٧٠، تحدث راجني كوتاري عن النظام السياسي الهندي باعتباره على نحوٍ أساسي «نظام حزب المؤتمر». فبخلاف ما يحدث في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث يتبادل اثنان أو أكثر من الأحزاب تولي السلطة، كان في الهند حزبٌ واحد متصدر المشهد، وإن لم يكن مهيمنًا على الساحة السياسية. وكان على رأس السلطة باستمرار في الحكومة المركزية وكذلك في معظم حكومات الولايات. ولعدة سنوات بعد الاستقلال، نجح هذا الحزب في تقديم نفسه باعتباره «المتحدث الرسمي الموثوق به للأمة إلى جانب عاملها الثابت للنقد والتغيير».

كان كوتاري يؤلف كتابه هذا في أعقاب انتخابات ١٩٦٧، وهي المرة الأولى التي تتهدد فيها سيطرة حزب المؤتمر على مقاليد الحكم في البلاد على نحوٍ خطير. لقد احتفظ الحزب حينها بالسلطة في الحكومة المركزية، لكنه فقدها في العديد من الولايات التي وصل عددها إلى ٨ ولايات. ولكن، وكما أشار كوتاري، على الأصعدة المهمة، ظل حزب المؤتمر «القوة السياسية الغالبة في البلاد». في واقع الأمر، في الولايات الست التي فقد فيها حزب المؤتمر السلطة في عام ١٩٦٧، كان يقود الحكومة عضوٌ سابق في حزب المؤتمر. وهكذا ظل حزب المؤتمر «الحزب الحاكم والقوة السياسية المسيطرة على المستوى الوطني»، هذا بالإضافة إلى أنه «كان يتحكم في نواحٍ عديدة من شأنها التأثير على سياسات الولايات».

تمثلت إحدى النتائج الفرعية للسيطرة السياسية لحزب المؤتمر في أنه ساعد على الحفاظ على تماسك البلاد في تلك العقود الأولى التي تلت الاستقلال والتي كانت حافلة بالتوتر والانقسامات. ولذا، كما لاحظ كوتاري، «نظرًا لأن حزب المؤتمر استطاع تولي السلطة على نحوٍ مستمر ولم يكن هناك تهديدٌ منظم أو فعال لسلطته، فقد اكتسبت العملية السياسية في البلاد ميزتَين فريدتَين وهما الاستمرارية والوحدة».76

ساد «نظام حزب المؤتمر» هذا الذي تكلم عنه كوتاري، بنحو أو بآخر، في العقود الثلاثة الأولى التي تلت الاستقلال. لكن جرى تحدي سلطته في ١٩٧٧، بعد فترة الطوارئ، لكنه أعاد إثبات نفسه فيما بين عامَي ١٩٨٠ و١٩٨٩.

السنوات فيما بين ١٩٨٩ و١٩٩٨ كانت فترةً انتقالية في عالم السياسة الهندية. فقد ضعفت سيطرة حزب المؤتمر عبر أنحاء الهند، مع فوز أحزابٍ إقليمية ودينية وطائفية وطبقية بالانتخابات وتوليها للسلطة في ولاية تلو الأخرى. وبدأت مرحلةٌ ثالثة في عام ١٩٩٨، مع ظهور نظامٍ سياسي ثنائي القطب. كان هذا نتاج بروز حزب بهاراتيا جاناتا على الساحة الوطنية. تمثل القطبان في حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا على التوالي، وقد دار في فلك كلٍّ منهما مجموعة من الأحزاب الأصغر.

شهدت الانتخابات العامة لعام ٢٠١٤ تراجعًا لحزب المؤتمر على نحو لم يسبق له مثيل. ففي ديسمبر من نفس العام، بعد انتخابات الولايات في جامو وكشمير وجهارخاند، كانت هناك علامةٌ فارقة أكبر وربما أكثر حسمًا، تمثلت في أن حزب بهاراتيا جاناتا أصبح له حينها أعضاء في مجالس الولايات أكثر من حزب المؤتمر.

إن التراجع السريع لأسهم حزب المؤتمر كان نتاجًا، من ضمن أمورٍ أخرى، للجاذبية المتراجعة لعائلة نهرو-غاندي التي أتى منها قادته. فمع وجود ناخبين أصغر سنًّا، بدأ يقل أكثر فأكثر عدد الهنود الذين يتذكرون إسهامات نهرو أو إنديرا أو راجيف. كما أن تنظيم الحزب كان قد انهار في أجزاءٍ عديدة من البلاد؛ فكان بمجرد أن يفقد الحزب السلطة في ولايةٍ معينة، يجد أنه من الصعب للغاية استعادتها. فهو، في تاميل نادو، لم يتولَّ السلطة منذ ١٩٦٧؛ وفي غرب البنغال منذ ١٩٧٧؛ وفي أوتر براديش منذ ١٩٨٩. وكان هناك سببٌ ثالث وهو القيادة الضعيفة لراهول غاندي. فقد فشل في بث الحماس في الناخبين؛ في واقع الأمر، كان أول عضو من أسرته لا يحوز حتى احترام زملائه في الحزب.77

بينما كانت مكانة حزب المؤتمر تتراجع في جميع أنحاء الهند، ظلت بعض الأحزاب الإقليمية قوية. ففي الانتخابات العامة لعام ٢٠١٤، حقق حزب بهاراتيا جاناتا نتائجَ جيدةً جدًّا في بيهار. ولكن عندما انعقدت انتخابات المجلس التشريعي هناك في ٢٠١٥، سُحق حزب مودي على يد تحالفٍ مكوَّن من حزبَين محليَّين في بيهار. وفي العام التالي، أعيد انتخاب ماماتا بانرجي وحزب ترينامول كونجرس بسهولة في غرب البنغال، وكررت جيه جايا لاليتا وحزبها أنَّا درافيدا مونيترا كازاجام لعموم الهند نفس الشيء في تاميل نادو. وظل الشيوعيون أقوياء في تريبورا وكيرالا، بينما في الولاية المدينية دلهي، أذاق حزبٌ جديد؛ وهو حزب آم آدمي — وُلد من رحم الحركة المناهضة للفساد التي ظهرت في ٢٠١١ — حزبَي بهاراتيا جاناتا والمؤتمر هزيمةً مذلة.

أثناء كتابتي لهذه السطور، في أكتوبر ٢٠١٦، من الواضح أن حزب بهاراتيا جاناتا قد حلَّ محل حزب المؤتمر باعتباره القطب الرئيسي للنظام السياسي الهندي. وتمثلت عتبةٌ فارقةٌ أخرى في مسيرته في انتصاره في انتخابات الولاية في آسام في وقتٍ سابق من هذا العام، حيث كان حزب المؤتمر على رأس السلطة منذ ٢٠٠١. إن مزيجًا من التصويت العقابي والجاذبية الشخصية لنريندرا مودي والتأجيج الواضح للمخاوف من مزيد من الهجرة من جانب المسلمين من بنجلاديش قد مكن حزب بهاراتيا جاناتا من الحصول على أغلبية في آسام.78 وكان هذا أول موطئ قدم للحزب في شرق الهند، وربما كان إيذانًا بتحقيق انتصاراتٍ أخرى في الولايات الشمالية الشرقية الأصغر، والتي كانت تعد حتى ذلك الحين معاقل حزب المؤتمر.

بينما كان هذا الكتاب في طريقه للنشر، كان حزب بهاراتيا جاناتا يتولى السلطة في الحكومة المركزية، وكذلك في حكومات عددٍ كبير من الولايات وصل عددها إلى ١٣ ولاية. وتظل كارناتاكا الولاية الوحيدة الكبرى التي يوجد فيها حزب المؤتمر على رأس السلطة. إن حزب بهاراتيا جاناتا يعد اليوم الحزب «الوطني» الوحيد في الهند؛ فهو له حضورٌ كبير في أغلبية ولايات الاتحاد الهندي. وهو يشغل اليوم في النظام السياسي الوطني المكانة التي كانت من قبلُ لحزب المؤتمر.

١١

في قمة نفوذه وتأثيره في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان بإمكان حزب المؤتمر الوثوق بتحقيقه انتصارًا مريحًا في الانتخابات التي يخوضها. ولكنه كان مع ذلك يواجه اعتراضات ومعارضة من جانب سياسيين من أحزابٍ أخرى ومن مفكرين ومن حركاتٍ اجتماعية ومن حركات تمرد. وكانت هناك انتقادات للسياسات الاقتصادية والخارجية لحكومة الحزب من جانب أكاديميين ومن جانب أعضاء برلمان، ومعارضة لسياساتها الاجتماعية من جانب الحركات الشعبية (تذكر الصراع اللغوي)، وأخيرًا وليس آخرًا، محاولاتٌ عنيفة للتخلص من فكرة الهند الموحدة التي كانت يتبناها (تذكر الانتفاضات الشعبية للكشميريين وقبائل الناجا والميزو).

هكذا هو الحال مع حكومة حزب بهاراتيا جاناتا أيضًا. ففي مجلس الشعب، يتمتع التحالف الذي يقوده الحزب بأغلبيةٍ مريحة. ومع ذلك، عندما تُعقد انتخابات المجلس التشريعي بأي ولاية، تكون هناك معارضةٌ قوية لما يعد الآن الحزب الوطني الوحيد في الهند من قبل الأحزاب الأخرى. وما قد يجعله يشعر بالقلق بنفس القدر أنه يواجه، فيما بين انتخابات المجلس التشريعي والانتخابات الوطنية، ضغطًا شديدًا من جانب الحركات الشعبية التي تعبر عن اعتراضاتٍ مختلفة فيما يتعلق بسياسات الحكومة.

أحد جوانب الاعتراض المبكرة على حكومة نريندرا مودي تمثل في تأثير منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج على عملها. ففيما بين عامي ١٩٩٨ و٢٠٠٤، عندما تولى فَجبايي رئاسة الوزراء، جرى تعليق تنفيذ أجندة الهندوتفا المتشددة الخاصة بالمنظمة على نحوٍ كبير، جزئيًّا لأن حزب بهاراتيا جاناتا لم تكن لديه الأغلبية الكافية التي تمكنه من الحكم بمفرده. ولكن أصبح الآن للحزب أغلبية في مجلس الشعب لعبت كوادر المنظمة دورًا مهمًّا وربما حاسمًا في الوصول إليها. لذا، طالبت المنظمة في المقابل بالسيطرة على الوزارات المهمة (التي كان من بينها التعليم والثقافة والداخلية)، وكذلك أن تجري استشارتها في المناصب المهمة.

في غضون ذلك، أدلى بعض أعضاء البرلمان المنتخبين حديثًا عن حزب بهاراتيا جاناتا بتصريحاتٍ علنيةٍ مستفزة. فأحدهم اتهم المسلمين بالدعوى ﻟ «جهاد الحب» الذي يسعى لإغواء الفتيات الهندوسيات ودفعهن لاعتناق الإسلام. في حين أثنى ثانٍ على الشخص الذي اغتال المهاتما غاندي؛ ناثورام جودسي. وطالب ثالث بأن «يُرجع» كل المسيحيين والمسلمين إلى الهندوسية. واستخدم رابع كلمة مسيئة للغاية؛ ما يشير إلى افتقاره التام للأخلاق، لوصف الطائفة المسلمة ككل.79

أدى البروز المتزايد لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج وتأثيرها المتنامي على سياسة الحكومة إلى ظهور سيل من الانتقادات من جانب الأكاديميين والكُتاب اليساريين الذين كانوا يهيمنون على الساحة الفكرية في الهند. لقد خشوا أن يُستبدل بالطابع العلماني والتعددي للتعليم آخر يؤكد على مُثل العنصريين الهندوس. وقد اعتُبر صمت رئيس الوزراء حيال تلك التصريحات المستفزة والمسيئة التي صدرت من بعض أعضاء حزبه بالبرلمان علامة على أنه يتفق مع ما يقولونه. وردَّ الكثير من الكُتاب، الذين كان بعضهم ذا مكانةٍ عالية، جوائز الدولة التي حصلوا عليها، اعتراضًا على تلك التصريحات.

في تلك الأثناء، سعى الجناح الطلابي لحزب بهاراتيا جاناتا، اتحاد طلاب عموم الهند، لزيادة نفوذه في العالم السياسي بالجامعات. فقد حثَّ أعضاء البرلمان والوزراء على دعمهم بقوة من خلال، على سبيل المثال، القبض على الناشطين الطلاب المنتمين للجناح اليساري. في جامعة حيدر أباد، وبضغط منهم، حظرت وزارة التعليم جماعة تتبع فكر أمبيدكار وفصلت بعض أعضائها لبعض الوقت. وأدى هذا إلى انتحار أحد الناشطين الداليت الشباب، وهو باحثٌ أكاديمي، كتب في رسالة الانتحار الخاصة به على نحوٍ مؤثر طموحاته الفكرية التي ظلت حينها دون تحقيق بسبب التمييز والعداء من قبل الطوائف العليا.80
لطالما كانت حماية البقر والحظر التام لذبحها موضوعًا أساسيًّا في أجندة الهندوتفا. وفي ذلك الوقت، ومع تولي حزب بهاراتيا جاناتا السلطة، كان هناك سعي لجعلها مبدأً أساسيًّا في السياسة العامة. حظرت حكومتا حزب بهاراتيا جاناتا في هاريانا ومهاراشترا بيع وأكل اللحم البقري. وفي ولاياتٍ أخرى، هاجمت ميلشيات تتبنى أجندة الهندوتفا وقتلت في بعض الأحيان أشخاصًا اشتُبه في بيعهم للبقر أو أكلهم للحم البقري.81

كان الضحايا السابقون لتلك الهجمات من المسلمين، لكن حينها، في يوليو ٢٠١٦، أربعة من الداليت في الولاية الأم لمودي، جوجارات، ضُربوا بعنف لسلخهم بقرًا ميتًا. لقد كانت تجارة الجلود يهيمن عليها تقليديًّا الداليت، وكان سلخ البقر الميت ظاهرةً شائعة في الريف الهندي. ولكن في ظل التصعيد من جانب الناشطين في مجال حماية البقر، عُدت تلك الممارسة اليومية فعلًا محظورًا. والأسوأ أن الميلشيات في جوجارات صورت ضربهم لهؤلاء الداليت وحمَّلت تلك الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي.

أدى الغضب إلى إدانةٍ شديدة في الصحافة، والأهم من ذلك، احتجاجاتٍ هائلة في أنحاء جوجارات. فألقى الداليت جثث حيوانات أمام الهيئات الحكومية وأحرقوا حافلاتٍ حكومية. ونظموا تجمعاتٍ هائلة في العديد من المدن، متعهدين بألا يستسلموا أبدًا لاضطهاد الطوائف العليا. كانت الاحتجاجات شديدة وطويلة جدًّا لدرجة أن أنانديبين باتيل، خليفة مودي المنتقى بعناية في رئاسة وزارة جوجارات، اضطر للاستقالة. رئيس الوزراء نفسه، الذي غضَّ الطرف قبل ذلك فيما يتعلق بهذا الموضوع، اضطر أخيرًا للتعليق بمجرد أن أعلنت عن نفسها الميلشيات الخاصة بحماية البقر في ولايته الأم.82

لكن لم تكن كل الاعتراضات التي أثيرت ضد حكومة حزب بهاراتيا جاناتا بسبب سياسات منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج أو الهندوتفا. فقد كان بعضها نتيجة سياساتٍ سابقة ورثتها من أحزاب وحكومات أخرى. فقد أدى توسيع في بي سينج لنطاق التمييز الإيجابي ليتجاوز الطوائف المجدولة والقبائل المجدولة إلى سعيٍ محموم من الطوائف الأخرى من أجل التضمين في القائمة الرسمية الخاصة ﺑ «الطوائف المتخلفة الأخرى». ومن بين المطالبين الجدد بالحصول على وضع «طائفةٍ متخلفة»، الذين ربما لا يستحقون ذلك، الجات في هاريانا والباتيدار في جوجارات. كانت هاتان الطائفتان مسيطرتَين، إذ تتحكمان في الاقتصاد الريفي في هاتين الولايتان، وتمتلكان كذلك نفوذًا كبيرًا في الحياة السياسية.

كان لدى كل من الجات والباتيدار وعي وفخر شديدان بهويتهما الطائفية. فقد استاءا من ظهور طوائف أقل منهما في التسلسل الاجتماعي، وكانا يسعيان الآن لإعادة بسط سيادتهما بالحصول على مقاعدَ مخصصة لهما في الجامعات والهيئات الحكومية.

في يوليو ٢٠١٥، بدأ الباتيدار ثورةً كبيرة في جوجارات، فسدُّوا الطرق وعطلوا الحياة اليومية. وطالبوا بالتضمين الفوري في القائمة الخاصة بالطوائف المتخلفة الأخرى. وفي فبراير ٢٠١٦، حذا الجات حذوهم. وكانت احتجاجاتهم حتى أكثر عنفًا؛ إذ أحرقوا محطات الحافلات والقطارات وأضرموا النار في المنازل والهيئات الحكومية. وفي مرحلةٍ ما، تعرض إمداد الماء لعاصمة الأمة، نيودلهي، للخطر.83
كانت ثورتا الباتيدار والجات يقودهما ويقوم عليهما رجال في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم. إذ لم يعد الأعضاء الأصغر سنًّا في هاتين الطائفتَين يريدون كسب عيشهم من الزراعة. ففي قرى الباتيدار، كان الشباب يتنقلون في الأنحاء مستخدمين دراجاتهم النارية ويلعبون ألعاب الورق أو يعبثون بهواتفهم الذكية. وكان الشباب من الجات يفعلون كل هذه الأشياء، وينظمون مباريات مصارعة وحفلات سُكْر.84 ونظرًا لأن هذا الجيل الجديد من الجات والباتيدار كان قد أدار ظهره لماضيه ولم يكن قادرًا على الفهم الكامل للحاضر أو التحكم فيه، فقد عبر عن غضبه وإحباطه من خلال احتجاجاتٍ جماعية ضد الدولة فيما يتعلق بمسألة تخصيص المقاعد.85

كان على رأس السلطة في هاريانا وجوجارات حزب بهاراتيا جاناتا. كان الحدوث المفاجئ لاحتجاجات الجات والباتيدار، وطابعها شبه العنيف، علامة على مدى هشاشة قبضة الحزب الحاكم، «أي» حزبٍ حاكم، على الناس الذين يحكمهم. لقد جلبت الديمقراطية والتنمية معهما الرخاء وعدم الرضا في آنٍ واحد. ولا يمكن لأي باحث أو مؤرخ، أو حتى سياسي من المفترض أن يكون أكثر تواصلًا مع القاعدة الشعبية، أن يتوقع على نحوٍ دقيق أو ملائم أي وجه منهما سيكشف عن نفسه، وفي أي وقت، وبأي نحو.

١٢

في ديسمبر ٢٠١٤، عُقدت انتخابات المجلس التشريعي في جامو وكشمير. وكشفت النتائج عن انقسام الولاية، مع حصول الحزب الديمقراطي الشعبي على ٢٨ مقعدًا في الوادي ذي الأغلبية المسلمة واكتساح حزب بهاراتيا جاناتا لمنطقة جامو ذات الأغلبية الهندوسية. لم يتمتع أيٌّ من الحزبَين بأغلبية. وبعد أسابيع من عدم اليقين، شكَّل الحزبان حكومةً ائتلافية.

بخلاف المؤتمر الوطني، الذي منذ أن وقع الشيخ عبد الله اتفاقه مع إنديرا غاندي كان ملتزمًا بقوة بجعل كشمير جزءًا من الهند، كان للحزب الديمقراطي الشعبي موقفٌ متناقض. فقد كان يناهض الانتخابات ويتحاشى حمل السلاح، لكنه كان في بعض الأحيان يعبر عن تعاطفه مع الحركة الانفصالية. على الجانب الآخر، كان لجناح جامو الخاص بحزب بهاراتيا جاناتا جذورٌ عميقة في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج، تعود لحركة براجا باريشاد الخاصة بخمسينيات القرن الماضي التي سعت إلى «الدمج» الكامل لكشمير في الهند.

إن ائتلاف حزبَي الحزب الديمقراطي الشعبي وبهاراتيا جاناتا فرضه انقسام الأصوات في الولاية. لقد حافظ على السلام، الصعب، بين الحزبَين وفي الوادي نفسه. وفي صيف ٢٠١٥، كان قطاع السياحة مزدهرًا. ولكن محاولة فرض حظر على اللحم البقري في الوادي أثارت الاستياء، كما فعل تأخر الحكومة في توفير المخصصات اللازمة لإعادة بناء البيوت التي تضرَّرت أو تدمَّرت جراء الفيضانات التي حدثت في العام المنصرم.

في يناير ٢٠١٦، مات رئيس الوزراء؛ السياسي المخضرم مفتي محمد سعيد. وحلفت ابنته محبوبة اليمين كخليفة له. ثم، في يوليو، خُرق السلام الصعب (وربما غير الطبيعي) بمقتل متطرفٍ شاب يسمى برهان واني على يد القوات الأمنية. قيل إن واني كان قد دخل عالم التطرف بعد مشاهدته لأخيه وهو يُضرب بقوة على يد رجال الشرطة. ومن مخابئه، أرسل الفيديوهات الخاصة بخطبه على وسائل التواصل الاجتماعي، محققًا شعبيةً كبيرة.

أدى مقتل واني إلى حزنٍ كبير تبعه غضبٌ شديد. لقد شهد جنازته جمعٌ غفير (تتراوح التقديرات الخاصة بالحاضرين بين ٣٠ ألف شخص وأكثر من ١٠٠ ألف شخص)، والتي تبعها صدام بين الشباب الكشميريين والشرطة في العديد من المدن والقرى. ردت الشرطة بإطلاق الخرطوش؛ ما أدى إلى إصابة العديد من المحتجين بالعمى، وإشعال الغضب أكثر. ولمدة تزيد على الشهر، خضع الوادي لحظر تجول، مع إغلاق كل المتاجر والمدارس والجامعات والهيئات الحكومية. وقد لقي أكثر من ٧٠ شخصًا حتفهم في أحداث العنف هذه.86
أدت الاضطرابات في كشمير إلى سيل من الشوفينية في وسائل الإعلام الهندية. فقد تنافست القنوات التليفزيونية بعضها مع بعض في اتهام المحتجين بأنهم عملاء لباكستان. كما وُجه نفس الاتهام للهنود الذين استنكروا استخدام القوة المفرطة وإصابة الشباب بالعمى. وقارن هؤلاء الإعلاميون الانتهازيون بين «الكشميريين الأشرار» الذين خرجوا إلى شوارع سريناجار و«كشميري طيب» يدعى شاه فيصل الذي حصل على المركز الأول في اختبار الخدمة الإدارية الهندية المرموق قبل بضع سنوات. تلك القولبة السطحية جعلت شاه فيصل يصدر ردًّا علنيًّا، أعرب فيه عن قلقه من أن الحكومة التي يعمل لديها «قد عهدت بمهمة التواصل [مع الجيران والشعب]، أو بالأحرى تخلَّت عنها، للقنوات التليفزيونية التي همُّها فقط التحريض وتصدير العداء». وأضاف أن الدولة الهندية «يجب ألا تترك مشروع كشمير للمفكرين والسياسيين المتلونين والانتهازيين وأجهزة الاستخبارات، والأكثر أهمية لمن نصبوا أنفسهم وصاة على الصالح الوطني». وحذر من أن «كل ساعة من الهجوم في البرامج الإخبارية التليفزيونية في أوقات الذروة تدفع كشمير باتجاه الغرب بعيدًا عن الهند».87

كتب فيصل هذا في أواخر شهر يوليو. وفي الأسبوع الثالث من سبتمبر ٢٠١٦، هاجم إرهابيون تسللوا إلى كشمير من باكستان معسكرًا للجيش في بلدة أوري الحدودية؛ ما أدى إلى مقتل ١٨ جنديًّا هنديًّا. وكانت هناك دعواتٌ جديدة للانتقام من باكستان، وذلك بتفجير معسكرات التدريب فيها. حتى إن بعض المُنظِّرين طالبوا بأن تُلغي الهند معاهدة مياه نهر السند؛ من أجل إركاع باكستان. ومع تصاعد حدة التصريحات، تراجعت معاناة الكشميريين أكثر إلى خلفية المشهد.

في مايو ١٩٤٩، كان قد كتب فالابهاي باتيل إلى قطب الصناعة جي دي بيرلا، الذي كان حينها خارج الهند، ليُطلعه على أخبار الهند. كتب باتيل: «نحن نمُرُّ بوقتٍ عصيب، من حيث الطقس والمشاكل التي ما تفتأ تظهر؛ فكشمير تحديدًا تتسبب لنا في صداعٍ رهيب». كان يقصد باتيل بكلمة «نحن» الدولة الهندية أو المؤسسة الهندية. وبعد ٦٧ عامًا، ظل الصداع رهيبًا كما كان دائمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤