الفصل الرابع

وادٍ دامٍ وجميل

جذبني لكشمير حبي للجبال وقرابتي بأهلها، وهناك لم أرَ حياة الحاضر وحيويتها وجمالها فحسب، وإنما الأزمان الماضية الرائعة القابعة في أركان الذاكرة … فعندما أفكِّر في الهند، تجول ببالي أشياء كثيرة … ولكن في المقام الأول جبال الهيمالايا ذات القمم المكسوة بالثلوج، أو وادٍ جبلي في كشمير في فصل الربيع وقد غطَّته أزهار يانعة، ويتدفق من ثناياه جدول ماء رقراق.

جواهر لال نهرو، ١٩٤٦

١

انضمت أكثر من ٥٠٠ ولاية أميرية إلى الاتحاد الهندي. كان أهم تلك الولايات — وما زال — ولاية جامو وكشمير؛ فبمساحة تبلغ ٨٤٤٧١ ميلًا مربعًا، كانت أكبر حتى من حيدر أباد، إلا أن تعداد سكانها الذي يفوق أربعة ملايين قليلًا كان أكثر تفرُّقًا. وقد اتسمت تلك الولاية بقدر كبير من التنوع الثقافي، فقد تضمنت خمس مناطق رئيسية، وتمتعت مقاطعة جامو المتاخمة للبنجاب بهضاب منخفضة ومساحات كبيرة من الأراضي القابلة للزراعة. قبل التقسيم كان المسلمون يمثلون فيها أغلبية طفيفة (٥٣٪)، ولكن مع موجة الهجرة المذعورة ذلك العام صار الهندوس هم الفئة الغالبة في جامو. وعلى العكس منها، كان وادي كشمير شمال جامو ذا أغلبية مسلمة كبيرة. كان ثمة إجماع على أنَّ ذلك الوادي — بالإجماع — أحد أجمل بقاع الهند، وكان السُّيَّاح الأغنياء من دلهي والبنجاب يصطافون في بحيراته وهضابه. وقد ضمَّ أيضًا مجموعة من أصحاب الحرف رفيعي المستوى الذين اشتغلوا في الحرير والصوف والأخشاب والنحاس، ليصنعوا تحفًا رائعة كانت تُصدَّر إلى جميع أنحاء الهند وخارجها. وتضمَّن كلٌّ من جامو وكشمير مجموعة صغيرة من السيخ أيضًا.

وقد امتدت جبال لاداخ العالية شرق الوادي على حدود التبت، وكان معظم سكانها بوذيين، وغربها كان قطاعا جلجيت وبلتستان قليلي السكان. كان معظم السكان هناك مسلمين، ولكن من فروع الإسلام الشيعية والإسماعيلية، لا فئة السنة الغالبة (كما كان الحال في الوادي).

لم تجتمع تلك المناطق المتفرقة تحت مظلَّة ولاية واحدة إلا في القرن التاسع عشر. فقد وحَّدتها عشيرةُ دوجرا الراجبوتيون من جامو، الذين غزوا منطقة لاداخ في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وانتزعوا وادي كشمير من أيدي البريطانيين في أربعينيات القرن التاسع عشر، ودخلوا جلجيت مع نهاية القرن. وبهذا صارت ولاية جامو وكشمير تشترك في حدودها مع أفغانستان وإقليم شينجيانج (سينكيانج) الصيني والتبت، فلم يكن يفصلها عن الاتحاد السوفييتي سوى شريط ضيق من الأراضي الأفغانية.1

موقع تلك الولاية منحها أهمية استراتيجية غير متناسبة إلى حدٍّ بعيد مع تعداد سكانها. وقد تضاعفت تلك الأهمية بعد ١٥ أغسطس ١٩٤٧، عندما أصبحت كشمير تتقاسم حدودها مع الدومنيونين الجديدين. وقد تفاقمت الحالة الشاذة المتمثلة في وجود حاكم هندوسي لأغلبية مسلمة إثر مصادفة جغرافية؛ فخلافًا للمشيخات الأخرى موضع الخلاف — مثل جوناجاد وحيدر أباد — كانت كشمير متاخمة للهند وباكستان على حد سواء.

كان مهراجا كشمير عام ١٩٤٧ رجلًا يُدْعَى هاري سينج، الذي اعتلى العرش في سبتمبر ١٩٢٥. وكان يقضى كثيرًا من وقته في حلبة السباق ببومباي، أو في الصيد في الأدغال الشاسعة الغنية بالطرائد التي حَوَتها أراضيه. وقد كان مثالًا نموذجيًّا للفئة التي ينتمي إليها من ناحية أخرى، فكما شكت زوجته الرابعة والصغرى: كان «لا يلتقي الشعب أبدًا، تلك هي المشكلة؛ فهو يكتفي بالجلوس محاطًا بمتملِّقيه من الحاشية والمحظيين، ولا يعرف أبدًا ما يحدث في الخارج».2
وفي أغلب فترة حكمه، كان أبغض الناس إلى المهراجا رجلًا مسلمًا من الوادي يُدعى الشيخ محمد عبد الله. وُلِدَ عبد الله عام ١٩٠٥ لتاجر أوشحة، وحصل على درجة الماجستير في العلوم من جامعة عليكرة الإسلامية. وعلى الرغم من مؤهلاته لم يتمكن من الحصول على وظيفة حكومية في كشمير؛ إذ كان الهندوس مسيطرين على إدارة الولاية، فبدأ عبد الله في التساؤل: «لماذا يُختَصُّ المسلمون بتلك المعاملة؟ إننا أغلبية، ونحن الأكثر إسهامًا في دخل الولاية، ونتعرض رغم ذلك للقهر … أكان ذلك لأن أغلبية موظفي الحكومة غير مسلمين؟ … لقد توصلت إلى أن إساءة معاملة المسلمين كانت نتيجة الاضطهاد الديني.»3
وبعد أن حُرِم عبد الله الوظيفة الحكومية، صار معلمًا؛ فأنشأ ناديًا للقراءة وكان يتحدث بالنيابة عن أشقائه الرعايا المحتجين على الوضع في البلاد. كان ذا حضور ملهِم بقامته الفارعة التي قاربت المترين وخُطَبه الذكية الآسرة. وعلى الرغم من أنه كان يشعل لفافة تبغ من حين لآخر، فهو لم يكن يعاقر الخمر، وكان يذهب إلى المسجد كل جمعة، وكان متبحِّرًا في دراسة القرآن.4
في صيف عام ١٩٣١، اختير عبد الله ضمن وفد من المسلمين كانوا يرجون رفع مسألتهم إلى المهراجا.5 وقبل أن تتسنى لهم مقابلته، قُبِضَ على ناشط يُدعى عبد القادر وقُدِّم للمحاكمة. أسفر ذلك عن صدام بين المحتجين والشرطة لَقِيَ فيه واحد وعشرون شخصًا مصرعهم. وقد تلا ذلك موجة من العنف الطائفي في الوادي، تعرَّض فيه كثير من محال الهندوس إلى النهب والحرق.

في العام التالي — عام ١٩٣٢ — شُكِّل مؤتمر لجموع مسلمي كشمير لتجسيد المعارضة المتنامية ضد المهراجا. كان من ضمن الأعضاء البارزين لذلك التنظيم: الشيخ عبد الله، وغلام عباس؛ محامٍ من جامو. وبعد ستة أعوام، تزعَّم عبد الله عملية تحويل التنظيم إلى «مؤتمر وطني» تضمَّن هندوسًا وسِيخًا أيضًا. وطالبت الهيئة الجديدة بحكومة تمثيلية قائمة على الاقتراع العام.

وفي ذلك الوقت تقريبًا، تعرَّف عبد الله على جواهر لال نهرو، وتوطدت صلتهما فورًا؛ فكلاهما كان عفويًّا ذا آراء قوية، ولكنهما اشتركا في آرائهما لحسن الحظ: أي الالتزام بالوئام بين الهندوس والمسلمين وبالاشتراكية. وقد ازداد تقرُّب حزب المؤتمر الوطني (الكشميري) من حزب المؤتمر الوطني الهندي؛ مما نفَّر بعض أعضائه، لا سيما غلام عباس الذي ترك الحزب وسعى إلى تنظيم صفوف مسلمي كشمير وحدهم. كانت تلك بداية خصومة مريرة مع الشيخ عبد الله، مثَّلت خلافًا شخصيًّا بقدر ما هو أيديولوجي.

في منتصف أربعينيات القرن العشرين، كان عبد الله قد اكتسح خصمه في التنافس على الشعبية، فقد ذكر أحد معاصريه أنه كان: «محبوبًا للغاية من أهل كشمير آنذاك».6 وقد دخل السجن وخرج منه أكثر من مرة منذ عام ١٩٣١، وأدخِل السجن مرة أخرى عام ١٩٤٦ بعد أن طلب إلى آل دوجرا «مغادرة كشمير» وتسليم السلطة إلى الناس. وفي الاضْطِرابات التالية، قُتِلَ أكثر من عشرين شخصًا، فأعلن المهراجا فرض الأحكام العرفية، وحُكم على الشيخ بالحبس ثلاث سنوات بتهمة «إشاعة الفتنة»؛ فأشعل ذلك الإجراء غضب جواهر لال نهرو، الذي هبَّ لنجدة صاحبه في كشمير. منَع رجالُ المهراجا نهرو من الدخول؛ إذ أوقفوه عند الحدود وأعادوه إلى الهند البريطانية.7
وبعد أن اتضح أنَّ بريطانيا سرعان ما سترحل عن شبه القارة الهندية، حثَّ رامتشاندرا كاك — رئيس وزراء هاري سينج — المهراجا على التفكير في مسألة استقلال ولايته؛ فصرَّح المهراجا يوم ١٥ يوليو عام ١٩٤٦، بأن الكشميريين سوف «يقررون مصيرهم دون إملاءات من أي جهة لا تشكل جزءًا لا يتجزأ من الولاية».8 وفي نوفمبر، لاحظ المندوب السامي البريطاني في سريناجار أن:
المهراجا وكاك ينظران جديًّا في احتمال عدم انضمام كشمير إلى الاتحاد الهندي إذا تكوَّن. وفي مناسبة سابقة ألمحَ إليَّ كاك بأن كشمير قد تضطر إلى البقاء خارج الاتحاد نظرًا للعداء الذي يُرجَّح أن تُبديه حكومة حزب المؤتمر المركزية تجاه كشمير. وأظن أن المهراجا يرى أنه بمجرد أن تختفي السلطة العليا ستضطر كشمير إلى الاعتماد على نفسها، وأن مسألة الولاء للحكومة البريطانية لن تنشأ، وأن كشمير ستكون حرة في التحالف مع أي قوة — بما في ذلك روسيا — يقع عليها اختيارها.9
كانت فكرة الاستقلال قد استحوذت على المهراجا، فقد كان يبغض حزب المؤتمر الوطني؛ لذا لم يستطع أن يفكر في الانضمام إلى الهند، ولكنه إنِ انْضَمَّ إلى باكستان فقد يقضي على حكم أسرته الهندوسية.10
وفي أبريل ١٩٤٧، تولى نائب جديد للملك في الهند مقاليد الحكم في نيودلهي، واتضح أنه كان من معارف المهراجا هاري سينج القدامى؛ فقد خدما معًا في طاقم موظفي أمير ويلز أثناء زيارته الهند عام ١٩٢١-١٩٢٢. في الأسبوع الثالث من يونيو عام ١٩٤٧ — بعد اتخاذ قرار تقسيم الهند — انطلق اللورد ماونتباتن إلى كشمير؛ «بغية استباق نهرو وغاندي إلى ذلك على الأرجح».11 فقد كان يريد أن يقيِّم بنفسه الوجهة التي قد تتَّخذها الولاية. في سريناجار، التقى نائب الملك بكاك ونصحه بأن يخبر المهراجا بالانضمام إلى أي من الدومنيونين، لكن المهم أن ينضم، فأجابه رئيس الوزراء متحدِّيًا بأن كشمير تنوي البقاء مستقلة.12 ثم حدد نائب الملك موعدًا للقاء المهراجا في جلسة خاصة. وفي اليوم المحدد — الذي كان آخر أيام زيارة ماونتباتن — لم يبارح هاري سينج فراشه متعللًا بمغص مفاجئ، والأرجح أن تلك كانت حيلة لتجنب ما كان من شأنه أن يكون لقاءً غير سار بالتأكيد.13
أخبر نهرو ماونتباتن أنه «في رأيي الشخصي، لم تُكلَّل زيارتك إلى كشمير بالنجاح». وقد أراد أن يذهب إلى هناك ويحل ذلك المأزق السياسي بنفسه. غاندي أيضًا كان يرغب في الذهاب. وكما هو متوقع، لم يكن هاري سينج يرغب في مجيء أي منهما.14 في النهاية، كان نهرو منشغلًا بأمور أخرى، فذهب غاندي عوضًا عنه، وبناءً على طلب المهراجا، لم يخطب في أي مجالس عامة خلال الأيام الثلاثة التي قضاها في سريناجار، ولكنه التقى وفودًا من العمال والطلاب طالبوا بالإفراج عن عبد الله، وإقالة رئيس الوزراء كاك من منصبه.15
ويوم ١٥ أغسطس، لم تكن ولاية جامو وكشمير قد انضمت لأي من الهند أو باكستان، فقد عرضت أن توقِّع «اتفاقية تجميد الوضع» مع البلدين على حد سواء، مع إتاحة حرية انتقال الأشخاص والبضائع عبر الحدود. وقَّعت مع باكستان الاتفاقية، ولكنَّ الهند قالت إنها ستنتظر وتراقب الوضع، إلا أنه في منتصف شهر سبتمبر عُلِّقت خدمة السكك الحديدية بين سيالكوت في البنجاب الغربية وجامو، وأوقِفَت حركة الشاحنات المحملة بالبضائع المتجهة إلى الولاية على الجانب الباكستاني من الحدود.16
وإذ تدهورت العلاقات مع باكستان، أقال المهراجا رئيسي وزراء واحدًا تلو الآخر؛ فأولًا استُعيض عن كاك بضابط يُدعى جاناك سينج، ثم حل محلَّه بدوره قاضٍ سابق من محكمة البنجاب العليا — ميهر تشاند ماهجان — كانت علاقته أفضل بزعماء حزب المؤتمر. ومن بين هؤلاء الزعماء كان الزعيمان الأكبران الفائقا الأهمية: رئيس الوزراء جواهر لال نهرو (الذي كان ينحدر هو نفسه من أصول كشميرية)، ووزير الداخلية ووزير الولايات فالابهاي باتيل. من الجدير بالذكر أنه بينما كان نهرو يرغب دائمًا في أن تكون كشمير جزءًا من الهند، مال باتيل في وقت ما للسماح لها بالانضمام إلى باكستان، ثم غيَّر رأيه يوم ١٣ سبتمبر، عندما قبلت حكومة باكستان انضمام جوناجاد، من منطلق أنه «إذا كان بإمكان جناح أن يبسط نفوذه على ولاية ذات أغلبية هندوسية حاكمها مسلم، فلماذا لا يهتم السِّردار بولاية ذات أغلبية مسلمة وحاكم هندوسي؟»17
وفي ٢٧ سبتمبر ١٩٤٧، كتب نهرو رسالة طويلة إلى باتيل عن الحالة «الخطيرة والمتردِّية» في الولاية. كان قد نَمَى إلى علمه أنَّ باكستان تُعِدُّ العدة لإرسال متسللين «لدخول كشمير بأعداد كبيرة». لم يكن بإمكان المهراجا وإدارته التصدي لذلك الخطر بمفردهما، ومن ثم كانت الحاجة إلى «التآلف مع حزب المؤتمر الوطني حتى يتوفَّر ذلك الدعم الشعبي في مواجهة باكستان». وكان من شأن الإفراج عن عبد الله وتطويع أتباعه أن يساعد على «تحقيق انضمام كشمير إلى الاتحاد الهندي».18
يوم ٢٩ سبتمبر، أُطْلِقَ سراح الشيخ عبد الله. وفي الأسبوع التالي — في خطاب أُلقِي في مسجد حضرة بال بسريناجار — طالب عبد الله «بنقل السلطة كاملةً إلى شعب كشمير، ومن ثم يقرر ممثلو الشعب في كشمير الديمقراطية ما إذا كانت الولاية ستنضم إلى الهند أم باكستان». وأضاف أن الحكومة الشعبية في كشمير «لن تكون حكومة أي طائفة بمفردها، وإنما ستكون حكومة مشتركة بين الهندوس والسيخ والمسلمين. وهذا ما أحارب من أجله».19
بطبيعة الحال، توقعت باكستان أنَّ كشمير — بأغلبيتها المسلمة — سوف تنضم إليها. أما الهند فاعتبرت العامل الديني غير ذي أهمية، لا سيما إذا كان الحزب السياسي الرئيسي — حزب المؤتمر الوطني — معروفًا عنه أنه غير طائفي. وبحلول مطلع شهر أكتوبر — حسبما كتب باتيل إلى نهرو — لم يكن ثمة «اختلاف بيني وبينك بشأن مسائل السياسة المتعلقة بكشمير»؛ فكلاهما رغب في ضمِّها.20 ما كانت مشاعر أهل كشمير أنفسهم؟ بعد إطلاق سراح عبد الله بفترة وجيزة، ذكر القائد البريطاني لقوات الولاية أنَّ «السواد الأعظم من أهل كشمير ليس لديهم تحيُّز قوي سواء للهند أو باكستان»، إلا أنه على الرغم من «عدم وجود كيان حسن التنظيم في كشمير يناصر انضمامها إلى باكستان»، فإن «المؤتمر الوطني الكشميري لطالما كان مؤيدًا للمؤتمر الوطني الهندي ومعاديًا لباكستان».21
أما عن المهراجا هاري سينج، فقد ظل متشبثًا بحلم الاستقلال. ويوم ١٢ أكتوبر، قال نائب رئيس وزراء ولاية جامو وكشمير في دلهي: ننوي أنْ نُبقي على علاقات ودية مع كل من الهند وباكستان. وعلى الرغم من الإشاعات المستمرة بهذا الصدد، فلا نية لدينا للانضمام إلى أي من الهند وباكستان … الشيء الوحيد الذي قد يغير رأينا هو إذا قرر أحد الطرفين استخدام القوة ضدنا … فقد أخبرني المهراجا أنه يطمح أنْ يجعل كشمير سويسرا الشرق؛ أي دولة محايدة تمامًا.22

٢

«الشيء الوحيد الذي قد يغير رأينا هو إذا قرر أحد الطرفين استخدام القوة ضدنا.» بعد نطق تلك الكلمات بأسبوعين، غزتْ قوة مكونة من عدة آلاف رجل مسلَّح الولاية من الشمال. وفي يوم ٢٢ أكتوبر، عبروا الحدود الفاصلة بين المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية وكشمير، وتوجَّهوا إلى العاصمة سريناجار دون إبطاء.

كان معظم هؤلاء الغزاة بشتونيين قادمين مما كان آنذاك مقاطعة باكستانية. لا خلاف حول ما ذكرناه حتى الآن. أما ما ليس مؤكدًا، فهو لماذا جاءوا؟ أو من كان معاونهم؟ هذان السؤالان هما محور النزاع بشأن كشمير؛ فبعد ستين عامًا، لا يزال المؤرخون عاجزين عن تقديم إجابات شافية. كان أحد أسباب ذلك الغزو هو أن الطرف الشمالي من كشمير كان منعزلًا ويصعب الوصول إليه؛ حيث لم يكن ثمة سكك حديدية ولا طرق تشقُّ تلك الجبال، ولم يذهب إليها علماء أنثروبولوجيا ولا حتى صحفيون؛ لذا لم يكن ثمة شهود عيان مستقلُّون على ما صار يُطلَق عليه «الغزو القَبَلي لكشمير».

إلا أنه ثمة روايات كثيرة متحيزة لجانب أو آخر؛ ففي ذلك الوقت — وفيما بعد — اعتقد الهنود أنَّ باكستان هي التي دفعت القبائل عبر الحدود، وأنها كانت تمدهم أيضًا بالبنادق والذخيرة. نفى الباكستانيون ضلوعهم في الغزو بأي شكل من الأشكال؛ فقد أصرُّوا على أنَّ ذلك كان اندفاعًا «عفويًّا» للمسلمين البشتونيين للذود عن إخوانهم في الدين الذين يضطهدهم الملك الهندوسي والإدارة الهندوسية.23
وقد ثار سخط في جزء من كشمير بالفعل، وذلك في منطقة بونش غربيَّ العاصمة سريناجار؛ فحتى عام ١٩٣٦ كانت بونش تحكمها عشيرة متفرعة عن أسرة دوجرا الحاكمة، ولكن في ذلك العام أصبحت المنطقة تحت السيطرة المباشرة للمهراجا في سريناجار. فتضرَّرت من فقدان استقلالها، كما تضرَّرت من الضرائب الجديدة التي فرضها المهراجا؛ إذ فُرِضت ضرائب محلية على ماعز الأفراد وخرافهم وماشيتهم، إضافةً إلى ضريبة فُرضت على دخول الغابة، فكان أكثر المتضررين هم الرعاة في بونش، الذين كان أكثرهم مسلمين.24

وأثناء الحرب العالمية الثانية، خدم كثير من مسلمي بونش في الجيش البريطاني، فرجعوا من الحرب وقد اكتسبوا قدرًا وافرًا من الوعي السياسي، كحالة الجنود بعد تسريحهم من الجيش عادةً. وكان حكم مهراجا كشمير قد واجه تحديًا بالفعل في الوادي من الشيخ عبد الله وحزبه، وأُضيف إلى ذلك تحدٍّ منفصل تمثَّل في رجال بونش.

ويوم ١٤ أغسطس، رفعت متاجر ومكاتب عدة في بونش الأعلام الباكستانية، معلنةً ولاءها لها عوضًا عن ولاية كشمير، التي كانت ما زالت غير تابعة لأي من البلدين. فسُجِّل خلال الأسابيع التالية وقوع اشتباكات بين قوات دوجرا والمتظاهرين من أهل المنطقة. وبحلول بداية سبتمبر، كان عشرات من رجال بونش قد سلَّحوا أنفسهم ببنادق حصلوا عليها من «مصادر غير رسمية في باكستان»، وأنشئوا أيضًا قاعدة في بلدة مُري الباكستانية؛ حيث جُمِعت الأسلحة والذخيرة بغية تهريبها إلى كشمير عبر الحدود. وتقرُّ الروايات الباكستانية لتلك الواقعة بأنَّ كلًّا من رئيس الوزراء لياقت علي خان، وميان افتخار الدين — أحد كبار زعماء العصبة الإسلامية في البنجاب — كانا على علم بالمساعدات المُقدَّمة لأهل بونش وأقرَّاها. وقد أشرف على العملية عقيد في الجيش الباكستاني يُدْعَى أكبر خان. كان خان قد جمع ٤ آلاف بندقية من مخزون الجيش وحولها إلى الاستخدام في كشمير. الأغرب من ذلك أنه انتحل أثناء الحرب الاسم المستعار «الجنرال طارق»، تَيَمُّنًا بمحارب أسطوري من المور قاتَل المسيحيين في إسبانيا في العصور الوسطى.25

وفي بونش، كان الموظفون والجنود المسلمون قد تركوا وظائفهم في الإدارات الحكومية وانضموا إلى صفوف المتمردين. وبحلول نهاية سبتمبر، لاحت بوادر نزاع خطير بين إحدى مناطق المعارضة وحكومة المهراجا هاري سينج، إلا أنه على الرغم من وقوع صدامات من حين لآخر، لم تندلع أعمال عنف كبيرة، ولم يحدث التحام مباشر. كانت بونش تقع على حدود غرب البنجاب؛ فكان بلوغ مدن باكستانية مثل راولبندي يسيرًا من هناك، إلا أنَّ المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية تبعُد مسافةً إلى الغرب؛ فهل سمع الغزاة من تلك المنطقة بالتمرد الذي كان يختمر في بونش، أم أنهم كانوا ينتوون المجيء على أي حال؟

تلك الأسئلة بدورها ليس في إمكان المرء تقديم إجابات شافية عليها، فكل ما نعرفه على وجه التأكيد هو أن الغزاة البشتونيين بعدما عبروا الحدود يوم ٢٢ أكتوبر تقدموا بسرعة ملحوظة في زحفهم صوب الجنوب. وقد كتب المؤرخ مايكل بريشر يقول: «السمات الرئيسية للغزاة كانت تكتيكاتهم المفاجئة، وغياب أبسط صور الدفاع لدى جيش ولاية كشمير، والسلب والنهب والسطو الذي أعملوه في الهندوس والمسلمين على حد سواء.» أو مثلما عبر عنها باقتضاب أخصائي اجتماعي بريطاني خبير بكشمير، فقد ارْتَأَى الغزاة البشتونيون «فرصة للتحلِّي بالفضيلة الدينية وكسب الغنيمة الوفيرة».

وما إن بلغ البشتونيون كشمير حتى تحركوا بسرعة إلى جنوب وادي جيلوم؛ فكانت محطتهم الأولى هي بلدة مظفر أباد المطلة على نهر كيشانجانجا، على بُعد سبعة أميال فحسب من الحدود، وهناك كان مقر كتيبة مشاة من جيش جامو وكشمير، ولكنها كانت منقسمة إلى نصفين؛ إذ أعلن نصف الرجال — مسلمو بونش — عن سخطهم على المهراجا آنذاك، فسقطت الحامية، ولكن ليس قبل أن يفرَّ بعض رجالها ويَتَّصِلوا بسريناجار هاتفيًّا للإبلاغ عما حدث، فأتاح ذلك للقائم بأعمال قائد قوات الولاية — العميد راجيندر سينج — أن يجمع مائتي رجل وينطلق صوب أوري — وهي بلدة تقع قرابة منتصف الطريق بين سريناجار ومظفر أباد.

كان الغزاة في طريقهم إلى أوري أيضًا، ولكن العميد راجيندر سينج وصل إلى هناك أولًا، ونسف الجسر الذي يربط البلدة بالشمال على سبيل الاحتياط، فعطَّل ذلك الإجراءُ الغزاةَ ثمانيَ وأربعين ساعة، ولكنهم تمكنوا في النهاية من عبور النهر وسحْق معظم رجال العميد. ومن أوري اتجهوا إلى موقع محطة الكهرباء التي كانت تغذي الوادي بالطاقة، فأطفئوا مفاتيح التشغيل مغرِقين سريناجار في ظلام دامس.26
لا ينبغي أن نندهش من التباين في تقديرات أعداد الغزاة؛ فوفقًا لبعض التقديرات لم يزد عددهم عن ألفين، ووفقًا لتقديرات أخرى بلغ عددهم ١٣ ألفًا. ما نعرفه هو أنهم كانت في حيازتهم بنادق وقنابل يدوية، وأنهم تنقَّلوا في شاحنات. وقد لَقِيَ غزوهم لكشمير تشجيعًا صريحًا من عبد القيوم؛ رئيس وزراء المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، بينما غضَّ الحاكم البريطاني السير جورج كانينجهام الطرف عما يحدث، وكذلك فعل الضباط البريطانيون الذين كانوا يخدمون في الجيش الباكستاني. وقد ذكر الأمريكي مدوِّن سيرة جناح أنَّ: «الشاحنات والبنزين والسائقين لم يكونوا من عتاد القبائل التقليدية البتَّة، وقد نُفِّذت عملية أكتوبر العنيفة التي أمَّلَت باكستان على ما يبدو في أن تُمَثِّل المحرك لانضمام كشمير إلى باكستان بعلم وتأييد الضباط البريطانيين، وكذلك المسئولين الباكستانيين على طول الطريق الباكستاني الشمالي الذي سلكته القبائل، حتى وإن لم ينظِّموها ويحرِّضوا عليها فعليًّا.»27

ما إن سيطر الغزاة على محطة الكهرباء يوم ٢٤ أكتوبر حتى سلكوا الطريق المفتوح المؤدي إلى سريناجار. وفي طريقهم كانت بلدة بارامولا، وهناك — لأول مرة — يمكننا استقاء روايتنا لما حدث من شهود عيان، فقد رأى مدير بريطاني لإحدى شركات الأخشاب في بارامولا الغزاة قادمين «بإمدادات وفيرة من الشاحنات والوقود والذخيرة، وكان لديهم أيضًا مدافع هاون من عياري بوصتين وثلاث بوصات».

سُرق من ذلك المدير ١٥٠٠ روبية كان قد سحبها لتوِّه من البنك، وكان الهدف التالي هو دير سان جوزيف، فهناك دمَّر الغزاة الأجهزة الموجودة في المستشفى، وأطلقوا النار على رئيسة الراهبات وأصابوها، وقُتِلَ عقيد كان مقيمًا في ذلك المجمع على الفور. وأفادت إحدى الروايات أنَّ الراهبات أُوقِفنَ صفًّا استعدادًا لرميهن بالرصاص، ولكن رجلًا أفريديًّا كان قد درس في مدرسة رهبان في بيشاور أوقف رجاله قبل أن يضعوا اللمسات الأخيرة في مهمتهم.28
كتب ألاستير لام، أحد مؤرخي نزاع كشمير يقول: «لا شك أن سلوك البشتونيين طريق الحرب كان نذير شؤم لمن يقعون في طريقهم.» وقد أخبرنا بأنه إلى جانب الهجوم على الدير، أحرق البشتونيون أيضًا متاجر كان يمتلكها الهندوس والسيخ، ويقول لام إنهم فعلوا «ما يمكن توقعه من محاربين منخرطين فيما اعتبروه جهادًا أو حربًا مقدسة».29 إلا أن جشعهم طغى قطعًا على هويتهم الدينية في بارامولا؛ فقد «تهجَّموا على ديار مسلمي كشمير المسالمين أيضًا، فسلبوا ديارهم ونهبوها، واغتصبوا فتياتهم الصغيرات. وقد ترددت أصداء صرخات الفزع والألم لهؤلاء الفتيات في جميع أنحاء بلدة بارامولا».30
مثَّلت أحداث بارامولا كارثة استراتيجية ودعائية بالنسبة إلى الغزاة، فقد أثبتت أنه «ما إن يزول التعصب المبدئي للجهاديين حتى لا يتبقى سوى حافز النهب»، فآنذاك كان ثمة «اندفاع لملء الشاحنات بالغنائم من أسواق كشمير وإرسالها إلى ديارهم في وزيرستان».31 وقد أضاع الغزاة بتوقفهم للسرقة والنهب الهدف الرئيسي الذي كان نُصب أعينهم، وهو: إسقاط سريناجار، وهم بهجومهم على المسلمين إضافةً إلى الهندوس، قوَّضوا زعمهم أنهم يحاربون حربًا مقدسة. وكان مما ألحق ضررًا كبيرًا بموقفهم أنه من ضمن من قتلوا كان قساوسة مسيحيين «خَيِّرين» لا شأن لهم بالسياسة، وأنه كان ثمة مراسل بريطاني في الجوار أخذ شهادة الناجين.32

ويوم ٢٤ أكتوبر — بينما كان البشتونيون في طريقهم من أوري إلى بارامولا — أبرق المهراجا هاري سينج إلى الحكومة الهندية طلبًا للمساعدة العسكرية. في صبيحة اليوم التالي، اجتمعت لجنة الدفاع الحكومية في نيودلهي وقررت انتداب في بي مينون لتفقُّد الأوضاع فورًا، فسافر مينون في وقت لاحق من ذلك اليوم إلى سريناجار، وعندما هبطت طائرته في المطار انتابته حالة من «الكآبة من سكون المقابر المحيط به من كل مكان، فقد خيم على الأجواء نذير نكبة وشيكة». فاتجه فورًا إلى منزل ميهر تشاند ماهجان وعرف أن الغزاة في بارامولا على بُعد أقل من خمسين ميلًا، والتقى المهراجا أيضًا ونصحه بأنْ يلوذ إلى جامو.

وصباح يوم ٢٦ أكتوبر، عاد مينون إلى دلهي، بصحبة رئيس وزراء كشمير. اجتمعت لجنة الدفاع مرة أخرى. كان من ضمن الحاضرين — إلى جانب ماونتباتن ونهرو وباتيل — الشيخ عبد الله، الذي صادف أن كان موجودًا في دلهي ذلك اليوم، فألحَّ هو وماهجان على أن ترسل الهند قوات لصد الغزاة فورًا، إلا أن ماونتباتن اقترح أنه من الأفضل ضمان انضمام هاري سينج إلى الهند قبل تخصيص أي قوات للدفاع عنه.

وقتها ذهب مينون إلى جامو حيث لجأ المهراجا، وعندما وصل إلى القصر «وجد الفوضى ضاربة أطنابها، وقد بُعثِرَت المقتنيات الثمينة في جميع أنحاء القصر». كان المهراجا نائمًا، بعد ليلة أمضاها على الطريق من سريناجار، فأوقِظ وقَبِل الانضمام على الفور للاتحاد الهندي. وعاد مينون بصكِّ الانضمام المُوقَّع إلى دلهي.33
أقلعت أول طائرة إلى سريناجار من دلهي فجر يوم ٢٧ أكتوبر حاملةً على متنها القوات والعتاد، وانطلقت ثمانٍ وعشرون طائرة داكوتا إجمالًا إلى سريناجار ذاك اليوم. وفي الأيام التالية، غادرت دلهي أكثر من مائة طائرة تجاه الوادي محملةً بالجنود والإمدادات، وعائدةً باللاجئين والجرحى.34
كانت بعض الطائرات المتجهة إلى سريناجار يوم ٢٧ أكتوبر ملكًا للجيش أو القوات الجوية، والبعض الآخر صادرته الحكومة من شركات الطيران الخاصة. وحسبما ذكر ضابط استقلَّ إحدى طائرات الركاب تلك: «انتُزعت التجهيزات الفاخرة، واقتُلعت المقاعد الوثيرة من مكانها، وفي غضون دقائق صعدت قوات مسلحة تسليحًا كاملًا على متن الطائرات، بقدر سعة الطائرة.» طاروا فوق البنجاب؛ حيث شاهدوا «سلاسل طويلة من قوافل اللاجئين أسفلهم»، و«بقايا حريق في منزل أو قرية هنا وهناك»، وهبطوا في مطار سريناجار حيث استقبلهم «أصوات أسلحة صغيرة ونيران مدافع آلية».35
بوصول القوات إلى الوادي، تنفَّس رئيس الوزراء الهندي الصعداء؛ فقد كتب إلى أخته قائلًا: «لو كنا ترددنا وتأخرنا يومًا واحدًا، لربما صارت سريناجار حطامًا محترقًا؛ فقد وصلنا هناك في الوقت المناسب تمامًا.» وكان يظن أنهم نجحوا في إبقاء باكستان بمنأًى عن كشمير؛ فقد اتفقنا على أن مستقبل كشمير لا بد أن يُقرِّره أهلها. وفي الوقت نفسه، عُهِد إلى الشيخ عبد الله بتشكيل وزارة. من ناحيتي، لا أمانع في أن تكون كشمير مستقلة إلى حد ما، ولكنها كانت ستكون ضربة قاسية إذا صارت مجرد جزء خاضع لاستغلال باكستان.36
كان المشهد مختلفًا تمامًا على الجهة المقابلة؛ فقد استشاط حاكم باكستان العام غضبًا عندما بلغته أنباء وصول القوات الهندية إلى سريناجار. احتسى جناح أولًا عدة أقداح من البراندي لتشد أزره، ثم أمر قادته بتسيير قواتهم إلى كشمير.37 رفض قائد الجيش البريطاني الانصياع إلى ذلك الأمر، فظلت القوات الباكستانية خارج النزاع مؤقتًا، وإن ظلَّ ضباطها على اتصال وثيق بالغزاة.
عندما نزلت القوات الهندية سريناجار، كان المهراجا قد غادرها بالفعل، كما لم يكن ثمة وجود يُذكَر لإدارته؛ فقد اختفت الشرطة وحلَّ محلها متطوعون من حزب المؤتمر الوطني الكشميري، تولَّوا حراسة الشوارع والجسور، والإشراف على حركة الناس والبضائع بصفة عامة. وقد أقرَّ صحفيٌّ قام بتغطية أحداث العنف في البنجاب بالتالي: «لم أكن أتوقَّع مشاهد الود، بل الأخوة المذهلة التي رأيتها في سريناجار، فقد تنقل الهندوس والسيخ دون تحرُّج في أرجاء البلدة بين المسلمين الذين مثَّلوا أغلبية السكان؛ وساروا معهم جنبًا إلى جنب في شوارع سريناجار متطوعين منخرطين في مهمة مشتركة.»38 وتذكر مراسل آخر العلاقة الهانئة بين حزب المؤتمر الوطني الكشميري والجيش، التي رمزت إليها الجولات التي قام بها الشيخ عبد الله وقائد القوات اللواء ثيمايَّا معًا.39
وبينما راح الهنود يستعدون لصدِّ الغزاة، سافر اللورد ماونتباتن إلى لاهور في بعثة سلام، وعقد اجتماعًا مشحونًا بالجدل مع جناح في أول نوفمبر ١٩٤٧، قِيلَ له فيه إن الهند إذا تخلَّت عن المطالبة بكشمير، فسوف تتخلى باكستان عن المطالبة بولاية جوناجاد المتنازع عليها. ووصف جناح انضمام كشمير إلى الهند بأنه قائم على «الاحتيال والعنف»، فأشار ماونتباتن إلى أن العنف جاء من طرف الغزاة الذين كانوا مواطنين باكستانيين، وأنه يعرف تمام المعرفة أن المهراجا هاري سينج أراد الاستقلال، وأنه أُجبر على الانضمام إلى الهند فقط بعد الهجوم على ولايته، فرد جناح قائلًا إنَّ المهراجا جلب الوبال على نفسه بإساءته معاملة مسلمي بونش.40
وفي ذلك الحين، كان الجيش الهندي قد طوَّق سريناجار، فآنذاك كان ثمة ٤ آلاف جندي في موقعه مسلحين بمدافع آلية، وبذلك كُفل أمن المدينة.41 وبخروج سريناجار من دائرة الخطر، بدأ الهنود يطهِّرون أجزاءً أخرى من الوادي من الغزاة، فوضعوا أيديهم على بارامولا يوم ٨ نوفمبر، وسقطت محطة الكهرباء بعد أربعة أيام، في الوقت المناسب لإنقاذها من التفجير، وسقطت بلدة أوري في اليوم التالي.42
وبحلول فصل الشتاء، عُلِّقَت العمليات العسكرية مؤقتًا، فعاد الانتباه مرة أخرى إلى الشئون الداخلية لكشمير. كان ماهجان ما زال رئيسًا للوزراء، ولكنه كان يتلقى مساعدة نشطة من زعماء حزب المؤتمر الوطني الكشميري. وفي يوم ١١ نوفمبر كتب نهرو إلى هاري سينج طالبًا منه أن يضع «ثقته الكاملة» في الشيخ عبد الله؛ أي أن يولِّيه الإدارة رسميًّا عوضًا عن ماهجان؛ فقد أصرَّ نهرو على أن: «الشخص الوحيد القادر على تحقيق المرجو في كشمير هو الشيخ عبد الله؛ إذ من المفروغ منه أنه الشخصية الشعبية الرائدة في كشمير. وقد ثبتت طبيعة ذلك الرجل حين هبَّ للتعامل مع الأزمة، وأنا أقدِّر نزاهته ورجاحة عقله بصفة عامة؛ فقد اجتهد وحقق نجاحًا باهرًا في حفظ السلام المجتمعي. قد يخطئ كثيرًا فيما يتعلق بصغائر الأمور، ولكني أرجِّح أنه سيكون مصيبًا فيما يتعلق بالقرارات الكبرى.»43
وكان المهاتما غاندي يضاهيه في إعجابه بالشيخ عبد الله؛ ففي الأسبوع الأخير من نوفمبر ١٩٤٧، زار عبد الله دلهي، حيث رافق غاندي في اجتماع عُقِد احتفالًا بذكرى مولد جورو ناناك؛ مؤسس العقيدة السيخية، وأخبر غاندي جموع الحاضرين التالي:
إنكم ترون الشيخ عبد الله إلى جواري. كنت متحرِّجًا من إحضاره معي، لعلمي بوجود شقاق كبير بين الهندوس والسيخ من ناحية، والمسلمين من ناحية، ولكن الشيخ عبد الله — المعروف بأسد كشمير — على الرغم من أنه مسلمٌ حقًّا — قد فاز بقلوب الطائفتين الأخريين؛ إذ أنساهم أنه ثمة فرق بين الطوائف الثلاث … وعلى الرغم من مقتل المسلمين على أيدي الهندوس والسيخ في جامو في الآونة الأخيرة، فقد ذهب إلى جامو ودعا الآثمين إلى نسيان الماضي والتوبة عما اقترفته أيديهم. استمع إليه الهندوس والسيخ، والآن صار المسلمون والهندوس والسيخ … يقاتلون معًا دفاعًا عن وادي كشمير الجميل.44
بالنسبة إلى غاندي ونهرو على حد سواء، كان الشيخ عبد الله قد أصبح رمزًا للعلمانية، وممارِسًا لتناغم الديانات، ومثَّلت أعماله في كشمير نفيًا قاطعًا لنظرية الدولتين. وفي المقابل، نعت رئيس الوزراء الباكستاني — لياقت علي خان — عبد الله مزدريًا ﺑ «الخائن». وفي ٢٧ نوفمبر، التقى خان نهرو في دلهي، وقام ماونتباتن مقام الحَكَم بينها. وعندما اقتُرح إجراء استفتاء للخروج من الأزمة، صرَّح خان بأنه أولًا «ينبغي إنشاء إدارة جديدة كليًّا في كشمير يقبلها شعب باكستان باعتبارها محايدة».45
آنذاك كان نهرو يرى أنَّ الهند يجب أن تصل إلى «قرارات سريعة وحاسمة إلى حدٍّ بعيد مع حكومة باكستان بشأن كشمير»؛ فاستمرار العمليات العسكرية كان معناه «تعريض سكان الولاية لمحن ومعاناة شديدتين». ووضع نهرو في رسالة إلى المهراجا هاري سينج ملامح الصور المختلفة التي يمكن أن تتَّخذها التسوية؛ فذَكَر احتمال إقامة استفتاء شعبي للولاية بأكملها لتحديد إلى أي دومنيون تنضم، أو أنْ تظلَّ الولاية كيانًا مستقلًّا يضمن الدفاع عنه كلٌّ من الهند وباكستان. أما الخيار الثالث، فكان التقسيم؛ بانضمام جامو إلى الهند، وبقية الولاية إلى باكستان. وتضمَّن خيار رابع بقاء جامو والوادي مع الهند، مع التنازل عن بونش وما وراءها إلى باكستان. كان نهرو ذاته ميالًا لذلك الخيار الأخير؛ فقد رأى أنه في بونش «من المرجح أن تعارض غالبية السكان الاتحاد الهندي»، ولكنه كان راغبًا عن التخلِّي عن وادي كشمير؛ معقل حزب المؤتمر الوطني الكشميري، الذي بدا سكانه ميالين إلى الهند؛ فقال نهرو للمهراجا في رسالة إنه من وجهة نظر الهند:
بقاء كشمير داخل الاتحاد الهندي ذو أهمية حيوية … ولكن مهما رغبنا في ذلك، فلا يمكنه أن يتحقق في النهاية دون رضا جموع الشعب، حتى إنْ سيطرت القوات العسكرية على كشمير لفترة، وقد تأتي عاقبة ذلك لاحقًا في صورة رد فعل قوي مضاد. إذن تلك مشكلة تتعلَّق في جوهرها بالتقرُّب النفسي من جموع الشعب، وإشعارهم بأنهم سيفيدون من التواجد في الاتحاد الهندي؛ إذا شعر المسلم العادي بأنه لا موضع آمن أو مضمون له في الاتحاد، فمن البديهي أنه سيبحث عنه في مكان آخر؛ فلا بد أن تُبقي سياستنا الأساسية ذلك نُصب عينيها، وإلا فشلنا.46

تلك الرسالة التي كتبها نهرو لم تنل الشهرة التي تستحقها؛ فقد اسْتُبْعِدَت (لسبب ما) من «الأعمال المختارة» لنهرو، ووُجدت في مراسلات فالابهاي باتيل، الذي كان قد أرسل إليه نسخة منها؛ إذ تُظهر تلك الرسالة — على عكس الفكرة الراسخة في الأذهان — أنَّ رئيس الوزراء الهندي كان مستعدًّا إلى حدٍّ بعيد للوصول إلى تسوية بشأن كشمير. والواقع أن الخيارات الأربعة التي وضعها في ديسمبر ١٩٤٧ لا تزال هي الخيارات الأربعة قيد النقاش حتى يومنا هذا.

٣

يوم ١ يناير من عام ١٩٤٨، قررت الهند رفع مسألة كشمير إلى الأمم المتحدة؛ وذلك بناءً على نصيحة الحاكم العام اللورد ماونتباتن؛ فمنذ انضمام كشمير إلى الهند، أرادت الهند طلب المساعدة من الأمم المتحدة في تطهير المناطق الشمالية مما قالت إنه احتلال غير قانوني من جماعات موالية لباكستان.47

خلال شهري يناير وفبراير، عقد مجلس الأمن عدة جلسات بشأن كشمير، واستطاعت باكستان — التي مثَّلها الخطيب عظيم الموهبة السير ظفر الله خان — أن تقدِّم حجة أقوى بكثير من الهند؛ حيث أقنع خان الوفود الحاضرة بأن الغزو كان نتيجة لأحداث الشغب المأساوية التي اندلعت في شمال الهند عامي ١٩٤٦ و١٩٤٧، وأنه كان رد فعل «طبيعيًّا» من المسلمين لمعاناة أشقائهم. واتَّهم الهنود بارتكاب «إبادة جماعية» في شرق البنجاب؛ إذ أجبروا ٦ ملايين مسلم على الفرار إلى باكستان؛ فأُعيدت صياغة مسألة كشمير باعتبارها جزءًا من ذيول مسألة التقسيم. وقد مُنيت الهند بهزيمة رمزية منكَرة عندما غيَّر مجلس الأمن بند جدول الأعمال من «مسألة جامو وكشمير» إلى «مسألة الهند وباكستان».

fig4
عندها اقترحت باكستان انسحاب القوات المسلحة كافة المرابطة في الولاية، وإجراء استفتاء في ظل «إدارة مؤقتة محايدة». والمفارقة أنَّ باكستان كانت قد رفضت فكرة إجراء الاستفتاء في حالة جوناجاد، وكان رأي جناح آنذاك أنَّ إرادة الحاكم هي التي ستقرر أي دومنيون تنضم إليه الولاية الأميرية. في المقابل، أحالت الهند المسألة إلى الإرادة الشعبية؛ إذ بعد أن اتبعت ذلك النهج في جوناجاد، لم تستطع التنصُّل من الأمر بسهولة في كشمير، إلا أن الحكومة الهندية أصرت على أن الاستفتاء الشعبي يمكن إجراؤه في ظل إدارة حزب المؤتمر الوطني الكشميري، التي كان زعيمها الشيخ عبد الله؛ «الزعيم السياسي الأكثر شعبية في الولاية».48
وهذا ما قاله الشيخ عبد الله نفسه عندما ألقى خطبة في الأمم المتحدة يوم ٥ فبراير ١٩٤٨، حيث كان حديثه — على حد تعليق أحد المراقبين — «صريحًا مباشرًا خاليًا من اللغة الدبلوماسية». فقد أخبر مجلس الأمن أنه «ما من قوة على الأرض يمكن أن تعزلني من منصبي [في كشمير]؛ فما دام الناس يقفون ورائي فلن أبارحه».49
وكانت السمة المميِّزة للمحادثات التي أُجريت في الأمم المتحدة بشأن كشمير هي تحيز بريطانيا؛ فقد عضَّد ممثِّلها — فيليب نويل-بيكر — الموقف الباكستاني بقوة. وقد أورث ذلك التحيز البريطاني الهنود سخطًا بالغًا؛ إذ رآه البعض من مخلَّفات أيام الاحتلال، أو تحوُّلًا من مساندة العصبة الإسلامية إلى مساندة باكستان، والبعض الآخر رأى أنه تعويض عن إقامة دولة إسرائيل حديثًا، وما استتبعه من حاجة لاسترضاء المسلمين في جميع أنحاء العالم. وتمثلت الفرضية الثالثة في أنه في المعركة التالية مع روسيا السوفييتية، كان المتوقع أن تكون باكستان حليفًا يُعتمَد عليه أكثر؛ فقد كانت باكستان تحظى بموقع أفضل أيضًا؛ إذ توفِّر مدخلًا يسيرًا إلى القواعد الجوية البريطانية في الشرق الأوسط.50
وفي الأسبوع الأول من مارس ١٩٤٨، كتب محرر صحيفة «صنداي تايمز» إلى نويل-بيكر قائلًا: في المعركة العالمية من أجل الشيوعية وضدها، تحتلُّ كشمير مكانةً أهم مما يدرك معظم الناس؛ فهي الركن الوحيد الذي يلامس فيه الكومنولث البريطاني الاتحاد السوفييتي فعليًّا، وهي وتر حساس غير متوقع في نطاق حوض المحيط الهندي يتوقف أمن الكومنولث كله، بل العالم أجمع، على الحفاظ عليه.51
بحلول ذلك الوقت، كان نهرو نادمًا أشد الندم على لجوئه إلى الأمم المتحدة؛ فقد صدمه — حسبما قال لماونتباتن — اكتشافه أن «سياسات القوة وليس الأخلاق» هي التي تحكم منظمة «سيطر عليها الأمريكيون تمامًا»، الذين — على غرار البريطانيين — «لم يتحرَّجوا من إبداء تعاطفهم مع القضية الباكستانية».52 وداخل مجلس الوزراء، تنامت الضغوط الداعية إلى استئناف الأعمال العدائية، وطرد الغزاة من شمال كشمير، ولكن هل كان ذلك ممكنًا من الناحية العسكرية؟ فقد قال جنرال بريطاني خدم لسنوات في شبه القارة الهندية محذِّرًا:
قد تظل كشمير بمنزلة «حرب شبه الجزيرة الأيبيرية»؛ أي، مصدر استنزاف مستمرٍّ. أنا لم أجد هنديًّا على دراية بمدى استنزاف تلك الحرب لقوات نابليون وخزانته، وأحيانًا أشعر أن الوزراء ينفرون من التفكير في احتمال حدوث مثل ذلك التطور في حالة كشمير. أشعر أنهم لا يزالون يؤثِرون الظن بأنَّ تلك المسألة قابلة للتسوية، في حملة حاسمة قصيرة، بضربات قاصمة تسدِّدها القوات الهندية المتفوقة إلى حدٍّ بعيد التي ينبغي أن «تُلقَى» في كشمير.53
في ذلك الوقت، حلَّ الشيخ عبد الله في مارس ١٩٤٨ محل ميهر تشاند ماهجان في منصب رئيس وزراء جامو وكشمير، ثم في منتصف مايو — عندما ذاب الجليد — استؤنفت الحرب. تقدمت فرقة مشاة من أوري باتجاه الشمال والغرب، فأسقطت بلدة تيثوال، ولكنها واجهت مقاومة شديدة في طريقها إلى بلدة مظفر أباد المهمة.54
وعلى الجهة المقابلة من خط الحدود المتغير باستمرار، أشرفت باكستان على تكوين حكومة لآزاد كشمير (كشمير الحرة)، وتشكيل جيش لها، قوامها رجال من تلك الأجزاء من الولاية، بمعونة وتوجيه من ضباط في الجيش الباكستاني، وكانت تلك القوات ماهرة في استغلال تضاريس المنطقة. وفي أواخر صيف ١٩٤٨، استولت على بلدتي كارجيل ودراس، وصارت تهدِّد ليه — عاصمة لاداخ — التي تقع على ارتفاع ١١ ألف قدم، إلا أنَّ سرب طائرات تابع للقوات الجوية الهندية نجح في تزويد ليه بالإمدادات، وأغاث السرب أيضًا بلدة بونش في الغرب، التي سيطر الغزاة على المناطق المحيطة بها.55
ظلَّ الجيشان يتقاتلان خلال الشهور اللاحقة من عام ١٩٤٨، وفي نوفمبر استردَّ الهنود كلًّا من دراس وكارجيل، فصارت ليه ولاداخ في أمان مؤقتًا. وفي الشهر ذاته، تحررت الهضاب المحيطة ببونش أيضًا، إلا أنَّ المناطق الشمالية والغربية من كشمير ظلَّت تحت سيطرة باكستان. أراد بعض قادة الجيش الهندي مواصلة الزحف، وطلبوا إعادة نشر ثلاث فرق من على السهول، فلم يُلبَّ طلبهم؛ أولًا: كان الشتاء على الأبواب، وثانيًا: لم يكن الهجوم سيتطلب إمدادات من القوات فحسب، وإنما غطاءً جويًا كبيرًا أيضًا.56 ولعله كان خيرًا أن أوقف الجيش الهندي زحفه؛ فكما علَّق آنذاك أحد الباحثين المتابعين لمسألة كشمير عن كثب: «إما أن تُسوَّى المسألة بالتقسيم، وإما أن تضطر الهند إلى دخول غرب البنجاب؛ فلا يمكن اتخاذ قرار عسكري في كشمير نفسها أبدًا.»57

وفي الأمم المتحدة، عُيِّنت بعثة خاصة لكشمير أجرى أعضاؤها جولة مطوَّلة في المنطقة، زاروا فيها دلهي وكراتشي وكشمير؛ في سريناجار، استضافهم الشيخ عبد الله في حدائق شاليمار الشهيرة. وفيما بعدُ أجرى حديثًا طويلًا مع أحد ممثِّلي الأمم المتحدة، الدبلوماسي والباحث التشيكي جوزيف كوربيل. وقد استبعد عبد الله خياري الاستفتاء الشعبي والاستقلال قائلًا: إن «الحل الوحيد» هو تقسيم كشمير، وخلافًا لذلك — بحسب قوله — «سيستمر القتال وسيطول الخلاف بين الهند وباكستان إلى ما لا نهاية، وتستمر معاناة شعبنا».

وفي سريناجار، ذهب كوربيل للاستماع إلى خطبة الشيخ عبد الله في المسجد. كان الحاضرون ٤ آلاف «أعاروه انتباههم كاملًا، وقد بدا إيمانهم وولاؤهم جليًّا في وجوههم. ولم نلحظ وجود الشرطة، التي كثيرًا ما استُخدمت لاستدرار الولاء». ثم زارت البعثة باكستان، وهناك عرفت أن باكستان لن تنظر في أي حل يمنح وادي كشمير — بأغلبيته المسلمة — للهند.58

٤

بحلول مارس ١٩٤٨ كان الشيخ عبد الله قد صار أهم رجل في الوادي. كان هاري سينج ما زال الرئيس الشرفي للولاية — صار يحمل لقب «صدري رياست» — لكنه لم يعد يمتلك سلطات حقيقية، وأقصته حكومة الهند تمامًا من مباحثات الأمم المتحدة. من وجهة نظرهم كان رجلهم هو الشيخ عبد الله؛ فقد كان الشعور السائد أنه وحده دون غيره القادر على «إبقاء» كشمير للاتحاد الهندي.

في تلك المرحلة كان الشيخ عبد الله نفسه ميَّالًا إلى التأكيد على الروابط بين كشمير والهند؛ فنظم في مايو ١٩٤٨ أسبوعًا من احتفالات «الحرية» في سريناجار دعا إليه قيادات الحكومة الهندية. وتضمَّنت الفعاليات أغاني شعبية، وقراءات شِعرية، وتذكِرة بالشهداء، وزيارات إلى مخيمات اللاجئين. وأثنَى الزعيم الكشميري على «الروح الوطنية لشعبنا وقوات الاتحاد الهندي القتالية الباسلة». وأضاف: «إنَّ معركتنا ليست شأن الشعب الكشميري فحسب، وإنما هي حرب كل ابن وابنة في الهند.»59
في عيد الاستقلال الهندي الأول، أرسل عبد الله رسالة إلى «سواتنترا»، الصحيفة الأسبوعية الكبرى في مدراس. كانت الرسالة تنادي بتوحيد الشمال والجنوب، والجبال والسواحل، وفي المقام الأول انضمام كشمير بالكامل للهند. وإنها جديرة بذكرها كاملةً هنا:

أود أن أوجِّه رسالة أُخوة على صفحات «سواتنترا» إلى أهل الجنوب. في سجلات الهند التاريخية، التقى الجنوب والشمال على أرض كشمير؛ فقد جاء الشنكراتشاريا العظيم إلى كشمير لينشر فلسفته الديناميكية، ولكنه هُزم هنا في جدال مع امرأة من البانديت. تمخَّض ذلك عن فلسفة كشمير الفريدة؛ الشيفية. ويقف نصب تذكاري للشنكراتشاريا العظيم في كشمير شامخًا على هضبة شنكراتشاريا في سريناجار؛ وهو معبد يحوي تمثال شيفا.

بعد ذلك عُهد إلى أحد أبناء الجنوب بمهمة رفع قضية كشمير إلى الأمم المتحدة، وكما تعلم الهند كلها، دافع عن كشمير بصمود وإصرار خليق بأبناء الجنوب.

نحن في كشمير نتوقع أن نستمر في تلقِّي دعم أهل الجنوب وتعاطفهم، وأننا يومًا ما عندما نصِفُ حدود بلدنا سنستخدم عبارة «من كشمير إلى رأس كومورين».60
من جانبها، ردت صحيفة «سواتنترا» بنشر أنشودة غنائية عن وحدة الهند وكشمير، جاء فيها أن «دماء كثير من التاميليين والأندريين والمالاياليين والكورجيين البواسل روتْ تربة كشمير الخصبة، وامتزجت بدماء الوطنيين الكشميريين لتحفظ وحدة الشمال والجنوب إلى الأبد». وذكرت الصحيفة أنَّ خطب الشيخ عبد الله العصماء في العيد تلقى آذانًا صاغية لدى جنود مسلمين كُثُر من كيرالا وتاميل نادو. وفي أوري على بُعد ستين ميلًا من سريناجار، كان ثمة قبر جندي مسيحي من ترافنكور، نُقِش عليه الصليب المعقوف للديانة الفيدية وآية قرآنية؛ إذ لم يكن ثمة «رمز أقوى وأشد تأثيرًا من ذلك على وحدة الهند واتحادها الكاملين».61
سواء كان ولاء عبد الله للهند أم لا، فهو لم يكن لباكستان بالتأكيد؛ ففي أبريل ١٩٤٨ وصف باكستان بأنها «عدو متوحش عديم الضمير»،62 واستهزأ بها باعتبارها دولة دينية، كما استهزأ بالعصبة الإسلامية باعتبارها «موالية للأمير» لا «موالية للشعب». فمن وجهة نظره، «القادة الهنود لا الباكستانيون … وقفوا في صف حقوق سكان الولايات طيلة الوقت».63 وعندما سأل أحد الدبلوماسيين في دلهي الشيخ عبد الله عن رأيه في خيار الاستقلال، أجاب بأنه لن ينجح أبدًا؛ نظرًا لصغر كشمير وفقرها المفرطين. إضافةً إلى ذلك، قال الشيخ: «باكستان ستبتلعنا. لقد حاولت مرة، وستعيد الكَرة.»64
وفي داخل كشمير، منح عبد الله الأولوية القصوى لإعادة توزيع الأراضي؛ ففي ظلِّ نظام المهراجا، عدد صغير من الهندوس وعدد أصغر من المسلمين تمتعوا بحيازات كبيرة جدًّا، فيما خدمهم أغلبية سكان الريف كعمال أو مستأجرين بقاؤهم مرهون برضاء الملاك. وفي عامه الأول في السلطة، نقل عبد الله ملكية ٤٠ ألف فدان من الأراضي الزائدة إلى مَن لا يملكون أرضًا، وجرَّم الملكية الغائبة، ورفع حصة المستأجر من المحصول من ٢٥٪ إلى ٧٥٪، وأمَر بتأجيل سداد الديون. أزعجت سياساته الاشتراكية بعض العناصر في الحكومة الهندية، لا سيما أنه لم يدفع تعويضات لملاك الأراضي الذين انتُزعت ملكيتهم، ولكن عبد الله رأى ذلك ضروريًّا للنهوض بكشمير. إذ، كما قال في مؤتمر صحفي عُقد في دلهي، إن لم يُسمَح له بالقيام بإصلاحات زراعية، فلن يستمرَّ في منصب رئيس وزراء جامو وكشمير. وعندما سُئِلَ عما قد يفعله إن صار للعناصر الرجعية اليد العليا في الحكومة المركزية، أجاب عبد الله قائلًا: «لا تظنوا أنني سأتخلى عنكم حتى إن تخلَّيتم عني؛ فسوف أستقيل وأنضمُّ إلى غيري في الاتحاد الهندي ممن سيناضلون أيضًا من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية للفقراء.»65
وفي ذلك المؤتمر الصحفي، أدلى عبد الله أيضًا ببعض التعليقات الساخرة من المهراجا هاري سينج، حيث أشار إلى أن المهراجا فرَّ من سريناجار عندما كانت معرَّضة للخطر. وفي أبريل ١٩٤٩، حقق عبد الله نصرًا عظيمًا عندما حلَّ ابن هاري سينج — كاران سينج — ذو الثمانية عشر عامًا محلَّ أبيه في منصب صدري رياست. في الشهر التالي، اختير عبد الله وثلاثة رجال آخرون من حزب المؤتمر الوطني لتمثيل كشمير في الجمعية التأسيسية بدلهي، في مزيد من التأكيد على وحدتها مع الهند.66 ذاك الصيف أعاد الوادي فتح أبوابه للسياح. وعلى حد تعبير أحد الصحفيين المتعاطفين: «كل سائح يذهب إلى كشمير هذا الصيف سيؤدي لكشمير — والهند — خدمة تعادل الخدمة التي يقدمها جندي يحارب على الجبهة.»67

في الخريف، جاء زائر أهم من مليون سائح؛ جواهر لال نهرو. قام نهرو وعبد الله بجولة متأنِّية مدتها ساعتان في ممر سريناجار الرئيسي؛ نهر جيلوم. وعلَّق مراسل مجلة «تايم» قائلًا إنه بينما شقَّ زورقهما سطح المياه، «تدافعت مئات قوارب الجندول حوله؛ إذ رغب ركابها المكدَّسون في إلقاء نظرة، وراحوا يقذفون نهرو بالزهور». شاهَد الآلاف الموكب من على ضفاف النهر مُطلقين ألعابًا نارية من حين لآخر، وراح «تلاميذ حسنو التدريب» يهتفون بشعارات تشيد بنهرو وعبد الله، واغتنم التجار الفرصة فعلَّقوا بضائعهم بجانب لافتات دعائية كتبوا عليها «أفضل سجاد فارسي وكشميري».

وخلصت المجلة إلى أن «البشائر كلها» كانت تشير إلى أن «الهند اعتبرت أنها ربحت المعركة من أجل كشمير، وأنَّ الهند كانت تنوي الاحتفاظ بجائزتها».68

٥

لم تكن المعركة من أجل كشمير — وحتى الآن — تقتصر ولا حتى في معظمها على قتال على أرض؛ فهي — كما وصفها جوزيف كوربيل منذ نصف قرن — «معركة ضارية ربما تكون مستعصية بين أسلوبي حياة، ومبدأين للتنظيم السياسي، ومعيارين للقيم، واتجاهين روحانيين».69

على أحد الجانبين كانت فكرة الهند، وعلى الجانب الآخر فكرة باكستان. في ربيع عام ١٩٤٨، زار الصحفي البريطاني كينجزلي مارتن البلدين ليرى كيف يرى كلُّ جانب كشمير، فوجد الهنود مقتنعين تمامًا بمشروعية انضمام تلك الولاية، وشديدي الإدانة لباكستان على مساعدتها الغزاة. وبالنسبة إليهم لم يكن لديانة أهل كشمير أي أهمية. وكانت حقيقة أن عبد الله كان الرئيس الشعبي لحكومة طارئة «دليلًا دامغًا على أن الهند ليست «هندوستان (بلاد الهندوس)»، وأنه كان ثمة مسلمون اختاروا بكامل إرادتهم أن يدخلوا في الهند التي يُفتَرَض — كما أكد نهرو — أنها بلد ديمقراطي يمكن للأقليات أن تعيش فيه بسلام وحرية».

وعندما عبر مارتن الحدود، رأى «كم بدا الوضع مختلفًا من زاوية باكستان». فمعظم الأشخاص الذين التقاهم كان لهم أصدقاء أو أقارب ماتوا على أيدي الهندوس أو السيخ، والنزاع بالنسبة إلى الباكستانيين بدأ بتمرد اندلع في بونش، و«صار منسيًّا إلى حد بعيد غير مبرر» في الهند. وفي كراتشي ولاهور، كان الناس «متعاطفين تمامًا» مع الغزاة الذين جاءوا من الحدود، والذين كانوا — من وجهة نظرهم — يخوضون «حربًا مقدسة ضد مضطهدي الإسلام».70 وقد عضَّد مراسل الحرب الأسترالي المُخَضْرَم آلان مورهيد النتائج التي خلص إليها مارتن؛ ففي زيارة لباكستان وجد هو أيضًا أن النزاع الكشميري كان يُنظر إليه «على أنه حرب إسلامية مقدسة … لقد رأيت بعضهم يتحدثون بحماس جارف عن المضيِّ إلى دلهي. وكان التجنيد جاريًا في كل مكان، وساد جو من الإثارة البالغة إثر نجاح المسلمين».71

تجسَّدت هشاشة الدولة الباكستانية وأيديولوجيتها في الهُويات الملتبسة لزعمائها الكبار؛ فقد كان الحاكم العام محمد علي جناح جوجاراتيًّا تزوَّج من بارسية، ورئيس الوزراء لياقت علي خان كان رجلًا أرستقراطيًّا من المقاطعات الاتحادية تزوَّج من مسيحية، وكلاهما لم يكن يمارس الإسلام فعليًّا بأي معنًى من معاني الكلمة. وكان كبار موظفي الخدمة المدنية بباكستان — على غرار جناح ولياقت — «مهاجرين» تقع بيوت أجدادهم على الجانب الهندي من الحدود، فلم تكن جذور الطبقة الحاكمة متأصلة فيما صار دولتهم. يشك المرء في أن ذلك زاد من رغبتهم المحمومة في جعل كشمير جزءًا من باكستان.

إلا أن الدولة القومية الهندية الجديدة لم تكن بالغة الصلابة هي الأخرى؛ فقد تبيَّن عدم إتزانها في اختيارها ضابطًا مسلمًا مات أثناء القتال في كشمير باعتباره بطلًا علمانيًّا. صحيح أن الجيش الهندي كان مكوَّنًا من رجال من جميع الديانات خلافًا للجيش الباكستاني — من بين كبار قياداته كان رجل سيخي وآخر بارسي وكورجيان آتيان من مجتمع يقطن هضاب جنوب الهند، ويروق له اعتبار نفسه «غير هندوسي» — إلا أن القائد الذي حَظِيَ بأكبر قدر من الإجلال كان مسلمًا. تلقَّى ذاك الرجل — العميد عثمان — تعليمه في الله آباد وساندهيرست، واختار البقاء في الهند ساعة التقسيم. قِيلَ إنَّ باكستان كفَّرته، وإنَّ حكومة آزاد كشمير عرضت مكافأة قيمتها ٥٠ ألف روبية لمَن يأتي به حيًّا أو ميتًا.

خلال شهري يناير وفبراير من عام ١٩٤٨، تصدَّى عثمان ورجاله لهجوم شرس على نوشهره، وفي يوليو من ذلك العام، استُشهد في المعركة، فكتب صحفي هندي أنَّ «حياة ثمينة زاخرة بالخيال وبوطنية لا تلين، سقطت ضحية التعصب الطائفي. سيظل النموذج الشجاع الذي مثَّله العميد عثمان مصدرَ إلهامٍ دائم للهند الحرة».72 ونعى زعماء حزب المؤتمر وفاته على الملأ، بدءًا من جواهر لال نهرو وصولًا إلى أسفل السلم الوظيفي. ولم تقتصر الإشادات الوافدة بالثناء على شجاعته فحسب، وإنما شخصه أيضًا؛ فقيل لعامة الشعب الهندي إنه إضافة إلى كونه ضابط جيش، فقد كان «نباتيًّا لا يدخِّن ولا يعاقر الخمر». أعيد جثمانه من كشمير إلى دلهي ودُفِن بتكريم عسكري كامل، ووُضع قبره إلى جوار قبر الدكتور إم إيه أنصاري، القومي المسلم الشهير الذي كان من الجيل السابق.73 يمكن القول إن العميد عثمان كان في نظر الجيش الهندي كالشيخ عبد الله في نظر السياسة الهندية؛ رمزًا لما يفترض أن تتسم به الدولة من علمانية شمولية، وتأكيدًا على أنها إنْ كانت ستوصَف بشيء، فهو أنها الوجه المقابل لباكستان؛ حيث الانعزالية والتعصُّب الديني.

كلا الطرفين وظَّفا رجالًا وأموالًا في معركة كشمير، والأهم من ذلك أن كلًّا منهما وظَّف أيديولوجيته المتعلقة بصفة الدولة. وتجسد الصدام بين الأيديولوجيتين في نقاش بشأن مستقبل كشمير نظمته إحدى الصحف الأسبوعية الرائدة في بومباي. كان بطلا النقاش صحفيين شابين؛ كلاهما مسلم، ولكن أحدهما هندي والآخر باكستاني. طُلب من كلٍّ منهما الإجابة عن سؤال: كيف سيصوت الكشميريون إذا نجحت الأمم المتحدة في إقامة استفتاء شعبي؟

كان المتحدث باسم الهند هو الروائي وكاتب السيناريو الموهوب خواجة أحمد عباس. قال إنَّ رُبع سكان كشمير يؤيدون الشيخ عبد الله وحزب المؤتمر الوطني الكشميري بقوة، وتلك هي العناصر «التقدمية» ذات الوعي السياسي. ربع آخر يعارض الشيخ عبد الله بالقوة ذاتها، هؤلاء هم «من تشبَّعوا تمامًا بالأيديولوجية الباكستانية». ونصف الناخبين لم يحسموا موقفهم، ويمكن أن يميلوا إزاء أي الطرفين؛ فهؤلاء منجذبون إلى شخص عبد الله، ولكنهم أيضًا «متأثرون بدعوة أن الإسلام في خطر». ظن عباس أنه عندما يأتي يوم الحساب، سترجِّح ذكريات الأعمال الوحشية التي ارتكبها الغزاة وجاذبية الأيديولوجية العلمانية التقدمية كفة الهند، إلا أن الهند إذا «أرادت التأكد تمامًا من الحصول على أغلبية كافية ومقنعة»، فلا بد من تنحية المهراجا وأسرته، والسماح للشيخ عبد الله بإتمام تطبيق برنامجه الاقتصادي.74
في الأسبوع التالي، ردَّ على عباس صحفي مقيم في كراتشي يُدعى وارِس إسحاق، كان يرى أنَّ تأثير الدين سيكفل النصر لباكستان في أي استفتاء شعبي يُجرى في كشمير، وقال إن الإسلام ليس مجرد دين، وإنما ثقافة وأسلوب حياة، والكشميريون لن يغضُّوا الطرف عن دعوة الإيمان إلا في حالة واحدة: إن حققت الهند فعلًا زعمها أنها دولة علمانية. إلا أنَّ وضع الأقليات بعد وفاة غاندي كان محفوفًا بالمخاطر. وكتب إسحاق أنَّ رفع الحظر عن التنظيم المتحيز للهندوس — راشتريا سوايامسيفاك سانج — على وجه الخصوص «أقنع المسلمين في جميع أنحاء الهند أخيرًا، ولا سيما في كشمير، بأنَّ وضعهم في الهند سيظل وضع الأقلية المقهورة». فعندما تحين اللحظة الحاسمة، سيصوت أكثرية أهل كشمير على الانضمام إلى «مجتمع الأمم الإسلامية».75

٦

يجوز قول إن نزاع عامي ١٩٤٧ و١٩٤٨ لم يسفر إلا عن خاسرين؛ فالوضع المعلَّق — إذ لم تفلح أي من الدولتين في ضم الولاية كاملةً — أضرَّ بالطرفين، ولا يزال يضرهما حتى الآن. لهذا نمت نظريات المؤامرة وازدهرت؛ فعلى الجانب الهندي، وُجِّهَت أصابع الاتهام إلى الحاكم العام البريطاني، الذي رفع القضية إلى الأمم المتحدة، وإلى الجنرال البريطاني المسئول عن قيادة الجيش الهندي، الذي قِيلَ إنه منع قواته من الزحف إلى شمال كشمير.76 ولكن الباكستانيين بدورهم ألقوا اللوم على ماونتباتن؛ إذ ظنوا أنه تآمر مع السير سيريل رادكليف حتى يُهدي مقاطعة جورداسبور إلى الهنود، فيفتح أمامهم الطريق إلى كشمير.77 ولاموا حكومتهم نفسها على عدم تقديمها مزيدًا من العون إلى الغزاة؛ فكما قال أحد كبار موظفي الخدمة المدنية متحسِّرًا عام ١٩٩٨:
كانت فرصة باكستان الوحيدة في الحصول على كشمير هي الحرب الخاطفة، التي تجتمع فيها دعوة الجهاد مع السرعة والمفاجأة؛ لوضع العدو أمام الأمر الواقع قبل أن يتسنى له الإفاقة من الصدمة؛ فقد كنا ندرك تمام الإدراك أنَّ ذلك الغزو القبلي كان الوسيلة الوحيدة للتصدي لخطط الهند، وتعويض ضَعف باكستان من الناحية العسكرية … العنصر الوحيد الذي حسم المسألة في غير صالح باكستان كان القيادة المعيبة للجماعة القبلية … كان ذلك هو الخطأ الوحيد — والحاسم — وينبغي لمنظمي الغزو … أن يتحملوا مسئوليته.78
سيعود هذا الكتاب إلى كشمير بصفة متكرِّرة، ولكن دعوني أُنهي هذه الدراسة لأصول النزاع ببعض العبارات المستبصرة التي أُدلي بها آنذاك. جاءت الأقوال المقتبسة أدناه من معلِّقين تحدَّثوا لا عام ١٩٩٩ أو عام ٢٠٠٠، وإنما في السنوات الأولى من النزاع.79

كشمير هي المشكلة الكبرى الوحيدة التي قد تتسبب في سقوط الهند وباكستان (هنري جرايدي؛ سفير الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهند، يناير ١٩٤٨).

ما دام نزاع كشمير مستمرًّا فسيظل استنزافًا خطيرًا للقوة العسكرية والاقتصادية، والأهم من ذلك، الروحانية لهذين البلدين العظيمين (الجنرال إيه جي إل مكنوتن؛ وسيط تابع للأمم المتحدة، فبراير ١٩٥٠).

يبدو امتلاك كشمير ذا أهمية حيوية لأمن باكستان الاقتصادي والسياسي إلى حدِّ أنَّ سياساتها الخارجية والدفاعية بالكامل تمحورت حول النزاع على كشمير بالأساس … فإلى حد ما يتخطى كثيرًا مذابح البنجاب — التي لم تدم طويلًا رغم بشاعتها — نزاع كشمير هو الذي سمَّم كل جانب من جوانب العلاقات الهندية الباكستانية (ريتشارد سيمِنز؛ الأخصائي الاجتماعي والمؤلف البريطاني، ١٩٥٠).

كشمير حالة يستحيل احتواؤها حال اشتعالها، فقد تطول آثارها العالم الإسلامي أجمع، وهي ربما تكون أخطر قضية في العالم (رالف بَنش؛ مسئول كبير في الأمم المتحدة، فبراير ١٩٥٣).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤