الملحق ب: الاختيارات والقيم والأطر

دانيال كانمان وعاموس تفرسكي
(تم تقديم هذه المقالة في الأساس كخطاب في اجتماع جمعية علم النفس الأمريكية أثناء الحصول على جائزة الإسهام العلمي المميز في أغسطس من عام ١٩٨٣. وقد تم تنفيذ هذا العمل اعتمادًا على المنحة رقم NR 197-058 المقدمة من جانب مكتب الأبحاث البحرية الأمريكية. وقد نشرت هذه المقالة في مجلة «أمريكان سايكولوجيست»، المجلد رقم ٣٤، لعام ١٩٨٤.)
ملخص: نناقش هنا العوامل المعرفية والفيزيائية النفسية المحددة للاختيار في السياقات الخطرة وغير الخطرة. تحث الطبيعة الفيزيائية النفسية للقيمة على تجنب المخاطرة على صعيد المكاسب، وتدفع نحو السعي للمخاطرة على صعيد الخسائر. وتسبب الطبيعة الفيزيائية النفسية مبالغة في تقدير الأشياء المضمونة والأحداث غير المحتملة، فيما يتعلق بالأحداث ذات الاحتمالية المتوسطة. ويمكن وصف إشكاليات القرار أو تأطيرها بطرق متعددة تخلق تفضيلات مختلفة، على عكس معيار الثبات للاختيار العقلاني. وتعمل عملية الحساب الذهني، التي يقوم الناس خلالها بتنظيم نتائج التعاملات والصفقات، على تفسير بعض انحرافات سلوك المستهلك. ويمكن لمقبولية خيار ما، على وجه الخصوص، أن تعتمد على كون نتيجة سلبية ما قد تم تقييمها كتكلفة أو كخسارة لا تعوض. وستناقَش أيضًا العلاقة بين قيم القرار وقيم الخبرة.

يشبه صنع القرارات الكلام العادي؛ إذ يقوم به الناس طوال الوقت بوعي أو بدون وعي، ومن ثم قلما يكون الأمر مفاجئًا أن يكون موضوع صنع القرارات مشتركًا بين العديد من فروع المعرفة، بدءًا من الرياضيات والإحصاء، مرورًا بالاقتصاد والعلوم السياسية، وصولًا إلى علم الاجتماع وعلم النفس. تعالج دراسة القرارات مسائل معيارية ووصفية، أما التحليل المعياري، فيُعنى بطبيعة العقلانية ومنطق صناعة القرار. وفي المقابل يُعنى التحليل الوصفي بمعتقدات وتفضيلات الناس كما هي، وليس كما ينبغي أن تكون. والتوتر القائم بين الاعتبارات المعيارية والوصفية يميز جزءًا كبيرًا من دراسة إصدار الأحكام والاختيار.

وعادة ما تميز تحليلات صناعة القرار ما بين الاختيارات الخطرة وغير الخطرة. والمثال النموذجي لصنع القرار في ظل وجود مخاطرة هو مقبولية أي رهان يمكن أن يسفر عن نتائج نقدية ذات احتمالات محددة. ومن القرارات النموذجية الخالية من المخاطر ما يتعلق بمقبولية صفقة ما يتم بموجبها تبادل سلعة أو خدمة مقابل مال أو جهد. في الجزء الأول من هذا المقال نقدم تحليلًا للعوامل المعرفية والفيزيائية النفسية التي تحدد قيمة الاحتمالات الخطرة، وفي الجزء الثاني نتوسع في هذا التحليل ليشمل الصفقات والتبادلات التجارية.

الاختيار الخطر

تُتَّخذ الاختيارات الخطرة — مثل أخذ مظلة أو عدم أخذها، أو الخروج للحرب أو التخلف عنها — دون معرفة مسبقة بعواقبها. فنظرًا لاعتماد عواقب مثل هذه الأفعال على أحداث غير مؤكدة مثل الطقس أو قرار الخصم، قد يُفسَّر اختيار أي فعل كقبول لمراهنة يمكن أن تسفر عن نتائج متعددة ذات احتمالات مختلفة؛ ولذا يكون من الطبيعي أن تكون دراسة صنع القرار في ظل وجود مخاطرة قد ركزت على الاختيارات بين المراهنات البسيطة ذات النتائج النقدية وبين احتمالات محددة، على أمل أن تكشف هذه الإشكاليات البسيطة عن توجهات أساسية تجاه المخاطرة والقيمة.

سوف نصف مدخلًا إلى الاختيار المحفوف بالمخاطر يستمد العديد من فرضياته من تحليل نفسي فيزيائي للاستجابات تجاه المال والاحتمالية. ويمكن أن نعزو تاريخ المنهج النفسي الفيزيائي لصناعة القرار إلى مقال رائع نشره دانيال برنولي عام ١٧٨٣ (برنولي ١٩٥٤) حاول فيه تفسير السبب وراء تجنب الناس للمخاطرة بشكل عام ولِمَ يقِلُّ تجنب المخاطرة مع ازدياد الثروة. ولتوضيح تجنب المخاطرة وتحليل برنولي، تأمل الاختيار بين احتمال يقدم فرصة بنسبة ٨٥٪ للفوز بألف دولار (مع احتمال بنسبة ١٥٪ لعدم الفوز بأي شيء)، والبديل المتمثل في الحصول على ٨٠٠ دولار مضمونة. تفضل أغلبية كبيرة من الناس الشيء المضمون على المراهنة، على الرغم من أن المراهنة تحمل توقعًا (رياضيًّا) أعلى. إن توقع المراهنة النقدية هو متوسط مرجح حيث تقدر كل نتيجة محتملة باحتمال حدوثها. والمكسب المتوقع للرهان في هذا المثال هو ٠٫٨٥ × ١٠٠٠ دولار + ٠٫١٥ × ٠ دولار = ٨٥٠ دولارًا، وهو التوقع الذي يتجاوز توقع اﻟ ٨٠٠ دولار المرتبط بالشيء المضمون. ويعد تفضيل المكسب المضمون مثالًا لتجنب المخاطرة. وبشكل عام يُطلَق على تفضيل نتيجة مضمونة على رهان ذي توقع أعلى أو مساوٍ «تجنب المخاطرة»، فيما يسمى رفض شيء مضمون تفضيلًا لرهان ذي توقع أقل أو مساوٍ «السعي للمخاطرة».

وقد أشار برنولي إلى أن الناس لا يقيِّمون الاحتمالات بالتوقع المرتبط بنتائجها النقدية، ولكن بتوقع القيمة الذاتية لهذه النتائج. ومرة أخرى تعتبر القيمة الذاتية لأي رهان متوسطًا مرجحًا، ولكن القيمة الذاتية لكل نتيجة هي التي تقدر الآن باحتمالية حدوثها. ولشرح تجنب المخاطرة داخل هذا الإطار، اقترح برنولي أن القيمة الذاتية، أو المنفعة، عبارة عن دالة مقعرة للمال. في مثل هذه الدالة، يكون الفارق بين منفعة ٢٠٠ دولار ومنفعة ١٠٠ دولار، على سبيل المثال، أكبر من فارق المنفعة بين ١٢٠٠ دولار و١١٠٠ دولار. ويترتب على هذا التقعر أن تمثل القيمة الذاتية لمكسب قيمته ٨٠٠ دولار أكثر من ٨٠٪ من قيمة مكسب قدره ١٠٠٠ دولار. وبالتالي يقتضي تقعر دالة المنفعة تفضيلًا لتجنب المخاطرة تجاه مكسب مضمون قدره ٨٠٠ دولار على احتمال بنسبة ٨٠٪ للفوز بألف دولار، على الرغم من أن الاحتمالين لهما نفس التوقع النقدي.

من المعتاد في تحليل القرار وصف نتائج القرارات في إطار إجمالي الثروة. على سبيل المثال، يتم تمثيل عرض بالمراهنة ﺑ ٢٠ دولارًا على قذف عملة ذي احتمالات عادلة في صورة اختيار بين الثروة الحالية للفرد (ث) وبين احتمال عادل للانتقال إلى ث + ٢٠ دولارًا أو إلى ث − ٢٠ دولارًا. إن هذا التمثيل يبدو غير واقعي سيكولوجيًّا؛ فالناس في الأحوال العادية لا يفكرون في النتائج الصغيرة نسبيًّا في إطار حالات الثروة وإنما في إطار المكاسب، والخسائر، والنتائج المحايدة (مثل الإبقاء على الوضع الراهن). فإذا كانت الحاملات الفعالة للقيمة الذاتية تعد تغيرات في الثروة وليست وضعًا مطلقًا للثروة، كما نقترح، فلا بد من تطبيق التحليل النفسي الفيزيائي للنتائج على المكاسب والخسائر وليس على الأصول الإجمالية. ويلعب هذا الافتراض دورًا أساسيًّا في معالجة الاختيار المحفوف بالمخاطر التي أطلقنا عليها نظرية التوقع (كانمان وتفرسكي ١٩٧٩). ويشير الاستبطان وكذا القياسات الفيزيائية النفسية إلى أن القيمة الذاتية عبارة عن دالة مقعرة لحجم أي مكسب. ويسري نفس التعميم على الخسائر أيضًا. فالفارق في القيمة الذاتية بين خسارة قدرها ٢٠٠ دولار وخسارة قدرها ١٠٠ دولار يبدو أكبر من الفارق في القيمة الذاتية بين خسارة قدرها ١٢٠٠ دولار وخسارة قدرها ١١٠٠ دولار. وحين يتم تجميع دوال القيمة للمكاسب والخسائر معًا، نحصل على دالة على شكل حرف S من النوع المبين في الشكل ١.
fig17
شكل ١: دالة قيمة افتراضية.
إن دالة القيمة الموضحة في الشكل ١: (أ) محددة في المكاسب والخسائر وليس في إجمالي الثروة. (ب) مقعرة على صعيد المكاسب ومحدبة على صعيد الخسائر. (ﺟ) أكثر انحدارًا بشكل كبير بالنسبة للخسائر عنها بالنسبة للمكاسب. والخاصية الأخيرة — والتي نطلق عليها «تجنب المخاطرة» — تعبِّر عن حدس مفاده أن خسارة قدرها x دولار أكثر تنفيرًا من إغراء مكسب قدره x دولار. ويفسر تجنب الخسارة عزوف الناس عن الرهان على قذف عملة ذي احتمالات عادلة لوجود مخاطر مساوية: فإغراء المكسب المحتمل لا يكفي تقريبًا للتعويض عن النفور المرتبط بالخسارة المحتملة. على سبيل المثال، رفض المستطلعون في عينة تجريبية من طلاب الجامعة المقامرة بعشرة دولارات على قذف عملة إذا كان ربحهم أقل من ٣٠ دولارًا.
وقد لعب الافتراض الخاص بتجنب الخسارة دورًا أساسيًّا في النظرية الاقتصادية؛ غير أنه مثلما يفرض تقعر قيمة المكاسب تجنبًا للمخاطرة، يفرض تحدب قيمة الخسائر سعيًا نحو المخاطرة. ويعتبر السعي للمخاطرة في الخسائر بالفعل من التأثيرات القوية، لا سيما حين تكون احتمالات الخسارة كبيرة. تأمل، على سبيل المثال، موقفًا يُجبَر فيه أحد الأفراد على الاختيار بين احتمال بنسبة ٨٥٪ لخسارة ألف دولار (مع احتمال ١٥٪ لعدم خسارة أي شيء) وبين خسارة مؤكدة قدرها ٨٠٠ دولار. تعبر أغلبية كبيرة من الناس عن تفضيل للمراهنة على الخسارة المؤكدة، مما يجعله اختيارًا للسعي للمخاطرة؛ لأن التوقع الخاص بالمراهنة (−٨٥٠ دولارًا) أقل من التوقع الخاص بالخسارة المؤكدة (−٨٠٠ دولار). وقد تم إثبات السعي للمخاطرة في حالة الخسائر على أيدي العديد من الباحثين (فيشبرن وكوشينبرجر ١٩٧٩؛ هيرشي وشوميكر ١٩٨٠؛ باين ولافهون وكرام ١٩٨٠؛ سلوفيك وفيشهوف ولشتنشتاين ١٩٨٢). ولوحظ كذلك مع النتائج غير النقدية، مثل ساعات المعاناة من الألم (إيريكر وسوكس ١٩٨١) وخسارة الأرواح البشرية (فيشهوف ١٩٨٣، وتفرسكي ١٩٧٧، وتفرسكي وكانمان ١٩٨١). هل من الخطأ أن تتجنب المخاطر في حالة المكاسب وتسعى للمخاطرة في حالة الخسائر؟ إن هذه التفضيلات تتوافق مع البداهات القائمة بشأن القيمة الذاتية للمكاسب والخسائر، والافتراض المسبق بأن الناس يجب أن يكونوا مستحقين لقيمهم. غير أننا سنرى أن دالة القيمة على شكل حرف S لها آثار ضمنية غير مقبولة معياريًّا.

لمعالجة المسألة المعيارية، نتحول من علم النفس إلى نظرية القرار. يمكن القول بأن نظرية القرار الحديثة بدأت بما حققه فون نيومان ومورجنستيرن (١٩٤٧) من ريادة في هذا المجال، فقد وضعا العديد من المبادئ النوعية، أو البديهيات، التي يجب أن تحكم تفضيلات صانع القرار العقلاني. وضمت بديهياتهما مبدأ التعدي (إذا كانت (أ) مفضلة عن (ب)، و(ب) مفضلة عن (ﺟ)، فإن (أ) مفضلة عن (ﺟ))، ومبدأ الاستبدال (إذا كانت (أ) مفضلة عن (ب)، فإن احتمالًا متساويًا للحصول على (أ) أو (ﺟ) مفضل عن احتمال متساوٍ للحصول على (ب) أو (ﺟ))، إلى جانب حالات أخرى ذات طبيعة أكثر تقنية. وقد كان الوضع المعياري والوصفي لبديهيات الاختيار العقلاني موضوع مناقشات موسعة. وهناك تحديدًا دلائل مقنعة على أن الناس لا يمتثلون دائمًا لمبدأ الاستبدال، وهناك اختلاف كبير في الرأي بشأن الميزة المعيارية لهذا المبدأ (مثل آليه وهاجن ١٩٧٩). غير أن جميع تحليلات الاختيار العقلاني تتضمن مبدأين؛ هما: السيطرة والثبات. يقتضي مبدأ السيطرة أنه إذا كان الاحتمال (أ) بنفس جودة الاحتمال (ب) على الأقل في كل الجوانب، وأفضل من (ب) في جانب واحد على الأقل، فإنه ينبغي تفضيل (أ) عن (ب). أما الثبات، فيقضي بأن ترتيب التفضيل بين الاحتمالات لا ينبغي أن يعتمد على طريقة وصفها. وعلى وجه الخصوص ينبغي أن تقوم نسختان من إحدى إشكاليات الاختيار يُلاحظ تساويهما حين تُعرضان معًا بإثارة نفس التفضيل حتى حين تُعرضان كلٌّ على حدة. وقد أثبتنا الآن أنه لا يمكن بشكل عام الوفاء بشرط الثبات مهما بدا أساسيًّا وغير ضار.

تأطير النتائج

تتميز الاحتمالات الخطرة بنتائجها الممكنة وباحتمالات تحقق هذه النتائج، غير أن نفس هذا الخيار يمكن تأطيره أو وصفه بطرق مختلفة (تفرسكي وكانمان ١٩٨١). على سبيل المثال، يمكن تأطير النتائج المحتملة لمراهنة ما إما في صورة مكاسب وخسائر نسبةً إلى الوضع الراهن، أو كحالات للأصول تشمل الثروة المبدئية. ويقضي مبدأ الثبات بأنه ينبغي لمثل هذه التغييرات في وصف النتائج ألا تغير ترتيب التفضيل. توضِّح الإشكاليتان التاليتان انتهاكًا لهذا الشرط. يُرمز للعدد الإجمالي للمستطلعين في كل إشكالية بالحرف (ع)، وكذلك يشير ما بين الأقواس إلى نسبة من اختاروا كل خيار:
الإشكالية ١ (ع = ١٥٢): تخيل أن الولايات المتحدة تستعد لمواجهة تفشي مرض آسيوي غير مألوف من المتوقع أن يودي بحياة ٦٠٠ شخص. تم طرح برنامجين بديلين لمكافحة المرض. لنفترض أن التقديرات العلمية الدقيقة لعواقب البرنامجين هي كما يلي:
إذا تم تبني البرنامج (أ)، فسوف يتم إنقاذ ٢٠٠ شخص. (٧٢٪)
إذا تم تبني البرنامج (ب)، فهناك احتمال بمقدار الثلث أن يتم إنقاذ ٦٠٠ شخص، واحتمال بمقدار الثلثين ألا يتم إنقاذ أي شخص. (٢٨٪)
أي البرنامجين تفضل؟
إن صيغة الإشكالية رقم (١) تتبنى، كنقطة بدء، حالة راهنة يُسمح فيها للمرض بحصد أرواح اﻟ ٦٠٠ شخص. فنتائج البرنامجين تتضمن النقطة المرجعية ومكسبين محتملين يقاسان بعدد الأرواح الناجية. وكما هو متوقع، تميل التفضيلات لتجنب الخسارة؛ فثمة أغلبية كبيرة من المستطلعين يفضلون إنقاذ حياة ٢٠٠ شخص بشكل مؤكد عن رهان يقدم فرصة لإنقاذ أرواح ٦٠٠ شخص بمقدار الثلث. تأمل الآن إشكالية أخرى تتبع فيها نفس القصة الرئيسية بوصف مختلف للاحتمالات المرتبطة بالبرنامجين:
الإشكالية ٢ (ع = ١٥٥):
إذا تم تبني البرنامج (ﺟ)، فسوف يموت ٤٠٠ شخص. (٢٢٪)
إذا تم تبني البرنامج (د)، فهناك احتمال بمقدار الثلث ألا يموت أي شخص واحتمال بمقدار الثلثين أن يموت ٦٠٠ شخص. (٧٨٪)

من السهل إثبات أن الخيارين (ﺟ) و(د) في الإشكالية ٢ لا يمكن تمييزهما في حقيقتهما عن الخيارين (أ) و(ب) في الإشكالية رقم ١ على التوالي. غير أن النسخة الثانية تفترض نقطة مرجعية لا يموت فيها أي شخص جراء المرض. فأفضل نتيجة هي الحفاظ على هذه الحالة، فيما تعد البدائل الأخرى خسائر تقاس بعدد الأشخاص الهالكين جراء المرض. والأشخاص الذين يقيمون الخيارات بهذه القيم من المتوقع أن يظهروا تفضيلًا ساعيًا للمخاطرة؛ أي تجاه المراهنة (الخيار (د)) على الخسارة المؤكدة لحياة ٤٠٠ شخص. بالفعل هناك مزيد من السعي للمخاطرة في النسخة الثانية من الإشكالية مقارنة بتجنب الخسارة في النسخة الأولى.

إن فشل الثبات منتشر وقوي على حدٍّ سواء؛ فهو شائع بين المستطلعين المثقفين قدر شيوعه بين المستطلعين عديمي الخبرة، ولا يتم القضاء عليه حتى عندما يجيب نفس المستطلعين على كلا السؤالين في غضون دقائق معدودة. وعادة ما كانت الحيرة تعتريهم حين تتم مواجهتهم بإجاباتهم المتضاربة. فحتى بعد إعادة قراءة الإشكاليتين، يصرون على رأيهم بتجنب المخاطرة في نسخة «الأرواح الناجية»، والسعي نحو المخاطرة في نسخة «الأرواح الهالكة»، ويرغبون أيضًا في الامتثال لقاعدة الثبات والإدلاء بإجابات متوافقة في النسختين. ففي حكمهم العنيد تشبه تأثيرات التأطير الضلالات الإدراكية أكثر من كونها أخطاء حسابية.

الإشكاليتان التاليتان تثيران تفضيلات تنتهك شرط السيطرة للاختيار العقلاني:
الإشكالية ٣ (ع = ٨٦): اختر ما بين:
(ﻫ) احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٢٤٠ دولارًا واحتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ٧٦٠ دولارًا. (٠٪)
(و) احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٢٥٠ دولارًا واحتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ٧٥٠ دولارًا. (١٠٠٪)

من السهل أن ترى أن الخيار (و) يطغى على الخيار (ﻫ). وبالفعل كان اختيار جميع المستطلعين على هذا الأساس.

الإشكالية ٤ (ع = ١٥٠): تخيل أنك تواجه القرارين المتزامنين التاليين:
ادرس القرارين أولًا، ثم أشر إلى الخيارات التي تفضلها.
القرار (١) اختر ما بين:
(أ) مكسب مضمون قدره ٢٤٠ دولارًا. (٨٤٪)
(ب) احتمال بنسبة ٢٥٪ لربح مبلغ قدره ١٠٠٠ دولار واحتمال بنسبة ٧٥٪ لعدم ربح أي شيء. (١٦٪)
القرار (٢) اختر ما بين:
(ﺟ) خسارة أكيدة قدرها ٧٥٠ دولارًا. (١٣٪)
(د) احتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ١٠٠٠ دولار واحتمال بنسبة ٢٥٪ لعدم خسارة أي شيء. (٨٧٪)

كما هو متوقع من التحليل السابق، اختار أغلبية كبيرة من أفراد الدراسة تجنب الخسارة باختيار المكسب المضمون على الرهان الإيجابي في القرار الأول، بينما اختارت أغلبية أكبر السعي للمخاطرة باختيار الرهان بدلًا من الخسارة الأكيدة في القرار الثاني. بل إن ٧٣٪ من المستطلعين اختاروا (أ) و(د)، فيما اختار ٣٪ فقط الخيارين (ب) و(ﺟ). وقد لوحظ نفس نمط النتائج في نسخة معدلة من الإشكالية انخفضت فيها نسبة المخاطرة، وقد اختار فيها الطلاب الجامعيون مراهنات كانوا سيخوضونها بالفعل.

ونظرًا لأن أفراد الدراسة قد درسوا القرارين في الإشكالية رقم ٤ بشكل متزامن، فقد أظهروا في الواقع تفضيلًا للخيارين (أ) و(د) على الخيارين (ب) و(ﺟ). غير أن الخيارين المفضلين يطغى عليهما الخياران المرفوضان. فإضافة مكسب قدره ٢٤٠ دولارًا مضمونة (الخيار (أ)) للخيار (د) ينتج عنها احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٢٤٠ دولارًا واحتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ٧٦٠ دولارًا. وهذا هو بالضبط نص الخيار (ﻫ) في الإشكالية رقم ٣. بالمثل، ينتج عن إضافة الخسارة المؤكدة وقدرها ٧٥٠ دولارًا (الخيار (ﺟ)) للخيار (ب) احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٢٥٠ دولارًا واحتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ٧٥٠ دولارًا. وهذا هو بالضبط نص الخيار (و) في الإشكالية رقم ٣. وبناء عليه تؤدي قابلية التأثر بالتأطير إلى جانب دالة القيمة التي تتخذ حرف S إلى انتهاك لقاعدة السيطرة في مجموعة من القرارات المتزامنة.

المغزى وراء هذه النتائج يثير الانزعاج؛ ألا وهو أن الثبات ضروري معياريًّا، وإلزامي حدسيًّا، وغير قابل للتطبيق سيكولوجيًّا. والواقع أننا نتصور طريقتين فقط لضمان الثبات. الأولى هي تبني إجراء سوف يكون من شأنه تحويل النسخ المتساوية من أي إشكالية إلى نفس التمثيل المعياري. وهذا هو الأساس المنطقي للنصيحة التقليدية التي توجَّه لطلاب إدارة الأعمال بضرورة دراسة كل قرار في إطار الأصول الإجمالية وليس في إطار المكاسب والخسائر (شليفر ١٩٥٩). ومثل هذا التمثيل من شأنه تفادي انتهاكات قاعدة الثبات الموضحة في الإشكاليات السابقة، ولكن إسداء النصيحة أسهل من اتباعها. ففيما عدا ما يأتي في سياق الإفلاس المحتمل، من الطبيعي اعتبار النتائج المالية كخسائر ومكاسب أكثر من اعتبارها حالات للثروة. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التمثيل المعياري للاحتمالات الخطرة مراكمة لكل نتائج القرارات المتزامنة (مثل الإشكالية رقم ٤) بما يتجاوز قدرات الحساب الحدسي حتى في الإشكاليات والمسائل البسيطة. وتحقيق تمثيل معياري يكون أكثر صعوبة في سياقات أخرى مثل السلامة، أو الصحة، أو نوعية الحياة. هل ينبغي أن ننصح الناس بتقييم تبعات سياسة للصحة العامة (مثل الإشكالية رقم ١ و٢) في إطار إجمالي الوفيات، أم الوفاة جراء المرض، أم عدد الوفيات المرتبطة بالمرض قيد الدراسة؟

ثمة نهج آخر يمكن أن يضمن الثبات، وهو تقييم الخيارات في إطار عواقبها الإكتوارية وليس عواقبها السيكولوجية. فالمعيار الإكتواري له بعض الجاذبية في سياق الأرواح البشرية، ولكنه غير كافٍ بشكل واضح للخيارات المالية كما كان معروفًا بشكل عام على الأقل منذ عصر برنولي، وغير قابل للتطبيق تمامًا على النتائج التي ينقصها مقياس موضوعي. نستنتج من ذلك أنه لا يمكن توقع الحفاظ على ثبات الإطار، وأن إحساسًا بالثقة في اختيار بعينه لا يضمن اتخاذ نفس الاختيار في إطار آخر؛ ومن ثم فإن اختبار قوة التفضيلات من خلال محاولات مدروسة ومقصودة لتأطير أي إشكالية قرار بأكثر من طريقة يعتبر من الممارسات الجيدة (فيشهوف، وسلوفيك، ولشتنشتاين ١٩٨٠).

الفيزياء النفسية للاحتمالات

افترضت مناقشتنا حتى الآن قاعدة برنولية للتوقع يتم بمقتضاها حساب قيمة أو منفعة احتمال غير مؤكد بإضافة منافع النتائج المحتملة التي تقدر كلٌّ منها باحتمالية حدوثها. ولدراسة هذا الافتراض، دعنا مرة أخرى نراجع البداهات النفسية الفيزيائية. بعد تحديد قيمة الوضع الراهن عند نقطة الصفر، تخيل منحة نقدية، لنقُل ٣٠٠ دولار، وحدد لها قيمة قدرها ١. تخيل الآن أنك لا تُمنح سوى تذكرة ليانصيب له جائزة واحدة فقط قدرها ٣٠٠ دولار. إلى أي مدى تتغير قيمة التذكرة كدالة لاحتمالية الفوز بالجائزة؟ فيما عدا المنفعة الخاصة بالمراهنات، لا بد أن تتنوع قيمة مثل هذا الاحتمال ما بين صفر (حين يكون احتمال الفوز صفرًا) وواحد (حين يكون الفوز ﺑ ٣٠٠ دولارا أكيدًا).

fig18
شكل ٢: دالة تقدير افتراضية.
يشير الحدس إلى أن قيمة التذكرة ليست دالة خطية لاحتمالية الفوز، كما تفرض قاعدة التوقع. وبشكل خاص، يبدو تأثير زيادة من ٠٪ إلى ٥٪ أكبر من زيادة من ٣٠٪ إلى ٣٥٪، والتي تبدو أيضًا أصغر من زيادة من ٩٥٪ إلى ١٠٠٪. وتشير هذه الاعتبارات إلى وجود تأثير لحد الفئة: فالتحول من المستحيل إلى الممكن أو من الممكن إلى اليقين له تأثير أكبر من تغيير مشابه في منتصف المقياس. وهذه الفرضية مدرجة داخل المنحنى الموضح في الشكل ٢، الذي يرسم الوزن المحدد لحدث في صورة دالة لاحتماليته الرقمية المقررة. ولعل أبرز سمات الشكل ٢ هو أن أوزان القرار ارتدادية فيما يتعلق بالاحتمالات المعلنة. ففيما عدا المنطقة قرب نقاط النهاية، تؤدي زيادة قدرها ٠٫٥٠ في احتمالية الفوز إلى زيادة قيمة الاحتمال بأقل من ٥٪ من قيمة الجائزة. وفي الفقرة التالية نبحث الآثار المترتبة لهذه الفرضيات الفيزيائية النفسية بالنسبة للتفضيلات بين الخيارات الخطرة.
في الشكل ٢، تقل أوزان القرار عن الاحتمالات المناظرة عبر معظم أجزاء النطاق. ويساهم التقليل من قدر وزن الاحتمالات المتوسطة والمرتفعة فيما يتعلق بالأشياء المضمونة في تجنب الخسارة في حالة المكاسب من خلال الحد من إغراء المراهنات الإيجابية. كذلك يساهم نفس التأثير في السعي نحو المخاطرة في حالة الخسائر، وذلك من خلال تخفيف حدة النفور من المراهنات السلبية. غير أن الاحتمالات المنخفضة تكون هناك مبالغة في تقديرها، والاحتمالات بالغة الانخفاض إما أنها يُبالَغ في تقديرها إلى حد كبير للغاية أو يتم تجاهلها كلية، مما يجعل أوزان القرار غير مستقرة بشكل كبير في تلك المنطقة. وتعمل المبالغة في تقدير الاحتمالات المنخفضة على قلب النمط الموصوف أعلاه؛ فهي تعزز من قيمة الاحتمالات البعيدة وتضخِّم النفور من احتمال بسيط لتجشم خسارة فادحة. ومن ثم غالبًا ما يسعى الناس للمخاطرة في التعامل مع المكاسب المستبعدة ويتجنبون المخاطرة في التعامل مع الخسائر غير المحتملة. وبهذا تساهم سمات وخصائص أوزان القرار في جاذبية كلٍّ من تذاكر اليانصيب وبوليصات التأمين.
وتؤدي لاخطية أوزان القرار حتمًا إلى انتهاكات لقاعدة الثبات، كما هو موضح في الإشكاليتين التاليتين:
الإشكالية ٥ (ع = ٨٥): تأمل اللعبة التالية المكونة من مرحلتين. في المرحلة الأولى، يوجد احتمال بنسبة ٧٥٪ لإنهاء اللعبة دون الفوز بأي شيء، واحتمال بنسبة ٢٥٪ للانتقال إلى المرحلة الثانية. إذا وصلت للمرحلة الثانية يكون لديك اختيار بين:
(أ) فوز مضمون بمبلغ ٣٠ دولارًا. (٧٤٪)
(ب) احتمال بنسبة ٨٠٪ للفوز ﺑ ٤٥ دولارًا. (٢٦٪)
ولا بد أن تحدد اختيارك قبل بدء اللعبة؛ أي قبل معرفة نتيجة المرحلة الأولى. لذا يرجى الإشارة إلى الخيار الذي تفضله.
الإشكالية ٦ (ع = ٨١): أيٌّ من الخيارين التاليين تفضل؟
(ﺟ) احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٣٠ دولارًا. (٤٢٪)
(د) احتمال بنسبة ٢٠٪ للفوز ﺑ ٤٥ دولارًا. (٥٨٪)

نظرًا لوجود فرصة واحدة من أربع للانتقال إلى المرحلة الثانية في الإشكالية رقم ٥، فإن الاحتمال (أ) يقدم احتمالًا قدره ٠٫٢٥ للفوز ﺑ ٣٠ دولارًا، فيما يقدم الاحتمال (ب) احتمالية قدرها ٠٫٢٥ × ٠٫٨٠ = ٠٫٢٠ للفوز ﺑ ٤٥ دولارًا. لذا فإن الإشكاليتين ٥ و٦ متماثلتان فيما يتعلق بالاحتمالات والنتائج. غير أن التفضيلات ليست واحدة في النسختين؛ فهناك أغلبية واضحة تفضل الاحتمال الأعلى للفوز بمبلغ أصغر في الإشكالية رقم ٥، بينما تتجه الأغلبية في الاتجاه المضاد في الإشكالية رقم ٦. وقد ثبت هذا الانتهاك لقاعدة الثبات بمكافآت نقدية حقيقية وافتراضية على حد سواء (علمًا بأن النتائج الحالية تحققت بالنقود الحقيقية)، وكنتائج في حياة الأشخاص، وبتمثيل لاتسلسلي لعملية الاحتمال.

ونحن نعزو فشل مبدأ الثبات إلى التفاعل بين عاملين: تأطير الاحتمالات ولاخطية أوزان القرار. ونقترح على وجه الخصوص أن يتجاهل الناس المرحلة الأولى في الإشكالية رقم ٥، مما يؤدي لنفس النتيجة بغض النظر عن القرار المتخذ، ويركز انتباههم على ما يحدث إذا وصلوا للمرحلة الثانية من اللعبة. وبالطبع في تلك الحالة يواجهون مكسبًا مضمونًا إذا اختاروا الخيار (أ) واحتمالًا بنسبة ٨٠٪ للفوز إذا فضَّلوا المراهنة. والواقع أن اختيارات الأشخاص في النسخة التسلسلية مماثلة بشكل عملي للاختيارات التي يتخذونها بين مكسب مضمون قدره ٣٠ دولارًا واحتمال بنسبة ٨٥٪ للفوز ﺑ ٤٥ دولارًا. ونظرًا لأن الشيء المضمون يبالَغ في تقديره بالمقارنة مع الأحداث ذات الاحتمالية العالية أو المتوسطة (انظر الشكل ٢)، فإن الخيار الذي قد يقود إلى مكسب قدره ٣٠ دولارًا يكون أكثر إغراءً في النسخة التسلسلية. ونطلق على هذه الظاهرة تأثير اليقين الوهمي؛ لأن حدثًا هو في الواقع غير مؤكد يتم تقدير وزنه وكأنه مؤكد.
يمكن توضيح ظاهرة وثيقة الصلة في النهاية السفلى لنطاق الاحتمال. افترض أنك متردد ما بين شراء أو عدم شراء بوليصة تأمين ضد الزلازل نظرًا لارتفاع قيمة قسط التأمين. وبينما أنت متردد، يأتيك وكيلك التأميني الودود بعرض بديل: «نظير نصف قيمة القسط العادي يمكنك الحصول على تغطية تأمينية كاملة في حالة وقوع الزلزال في يوم فردي من الشهر. تلك صفقة جيدة؛ لأنك نظير نصف السعر تحصل على تغطية تأمينية لأكثر من نصف أيام الشهر.» فلماذا إذن يجد معظم الناس مثل هذا التأمين الاحتمالي غير مغرٍ بشكل واضح؟ يقترح الشكل ٢ إجابة لهذا السؤال. بدءًا من أي نقطة في منطقة الاحتمالات المنخفضة، يكون التأثير على وزن القرار الخاص بخفض الاحتمالية من p إلى p/2 أصغر بكثير من تأثير خفضها من p/2 إلى صفر. ومن ثم فإن تقليل المخاطرة بمقدار النصف لا يستحق نصف القسط التأميني.
وتجنُّب التأمين الاحتمالي على قدر كبير من الأهمية لثلاثة أسباب؛ الأول أنه يقوض التفسير الكلاسيكي للتأمين في إطار دالة منفعة مقعرة. فبحسب نظرية المنفعة المتوقعة، لا بد وأن يميل التفضيل إلى جانب التأمين الاحتمالي بشكل قاطع على التأمين العادي حين يكون الأخير مقبولًا بالكاد (انظر كانمان وتفرسكي ١٩٧٩). السبب الثاني أن التأمين الاحتمالي يمثل كثيرًا من أشكال الإجراء الوقائي، مثل الخضوع لفحص طبي شامل، أو شراء إطارات جديدة للسيارة، أو تركيب جهاز إنذار ضد السرقة. فمثل هذه الإجراءات تقلل عادة من احتمال وقوع خطر ما دون القضاء عليه نهائيًّا. أما السبب الثالث، فيكمن في أن مقبولية التأمين يمكن استغلالها من خلال تأطير الاحتمالات. فوثيقة التأمين التي تغطي الحرائق دون الفيضانات، على سبيل المثال، يمكن تقييمها إما كوقاية كاملة ضد خطر بعينه (مثل الحرائق)، أو كتقليل من الاحتمالية الكلية لخسارة الممتلكات. ويشير الشكل ٢ إلى أن الناس يبخسون قيمة أي انخفاض في احتمالية وقوع خطر ما مقارنة بالتخلص الكامل من هذا الخطر. وعليه ينبغي أن يبدو التأمين أكثر إغراء حين يتم تأطيره كقضاء تام على الخطر مما يكون إذا ما وُصِف كتقليل للخطر. وبالفعل أوضح كلٌّ من سلوفيك وفيشهوف ولشتنشتاين (١٩٨٢) أن لقاحًا افتراضيًّا يقلل من احتمال الإصابة بمرض ما من ٢٠٪ إلى ١٠٪ يكون أقل جذبًا إذا ما وصف بأنه فعال في نصف الحالات عما إذا تم تقديمه كلقاح فعال بشكل تام ضد واحدة من سلالتين فيروسيتين استثنائيتين لهما نفس درجة الاحتمالية وتسببان أعراضًا متماثلة.

تأثيرات الصياغة

ناقشنا حتى الآن التأطير كأداة لتوضيح إخفاقات قاعدة الثبات. والآن نتحول بالاهتمام إلى العمليات التي تتحكم في تأطير النتائج والأحداث. توضح إشكالية الصحة العامة أحد تأثيرات الصياغة التي أدى فيها تغيير في الصياغة من «الأرواح الناجية» إلى «الأرواح الهالكة» إلى حدوث تحول ملحوظ في التفضيل من تجنب المخاطرة إلى السعي نحو المخاطرة. فقد تبنى أفراد الدراسة بشكل واضح توصيفات النتائج كما وردت في الأسئلة، وقاموا بتقييم النتائج على هذا الأساس كمكاسب أو خسائر. ثمة تأثير آخر للصياغة أشار إليه ماكنيل وبوكر وسوكس وتفرسكي (١٩٨٢)؛ فقد وجدوا أن تفضيلات الأطباء والمرضى بين العلاجات الافتراضية لسرطان الرئة قد اختلفت بشكل ملحوظ حين وصفت نتائجها المحتملة في إطار معدلات الوفيات أو معدلات النجاة. فالجراحة، على عكس العلاج الإشعاعي، تتضمن خطر الوفاة أثناء الإجراء الجراحي. ونتيجة لذلك، كان خيار الجراحة أقل جاذبية نسبيًّا حين وصفت الإحصائيات الخاصة بنتائج العلاج بحسب معدلات الوفيات وليس معدلات النجاة.

ويمكن لأحد الأطباء — وربما كان مستشارًا رئاسيًّا أيضًا — أن يؤثر على القرار الذي يتخذه المريض أو الرئيس، دون تحريف أو إخفاء للمعلومات فقط من خلال تأطير النتائج والاحتمالات. فمن الممكن أن تحدث تأثيرات الصياغة دون قصد دون أن يعي أي شخص تأثير الصياغة على القرار النهائي، ويمكن كذلك استغلالها عن قصد للتلاعب بالجاذبية النسبية للخيارات. على سبيل المثال، نوَّه تالر (١٩٨٠) إلى أن أعضاء جماعات الضغط في مجال البطاقات الائتمانية أصروا على تسمية أي فارق في الأسعار بين المشتريات التي تدفع نقدًا والمشتريات على بطاقة الائتمان كخصم نقدي وليس كرسوم إضافية على بطاقة الائتمان. فكلتا التسميتين تصوغان فارق الأسعار كمكسب أو كخسارة بتعيين انخفاض أو ارتفاع الأسعار ضمنيًّا كأمر عادي. ولما كانت الخسائر تظهر جليًّا عن المكاسب، فإن المستهلكين لا يميلون إلى تقبل رسوم إضافية بينما يمكنهم التخلي عن خصم نقدي. وكما هو متوقع، تشيع محاولات التأثير على التأطير في الأسواق وعلى الساحة السياسية.

ويكون تقييم النتائج معرضًا لتأثيرات الصياغة نتيجة للاخطية دالة القيمة ونزعة الناس إلى تقييم الخيارات بحسب النقطة المرجعية المقترحة أو المشار إليها ضمنًا في بيان الإشكالية. وتجدر الإشارة إلى أنه في سياقات أخرى يحول الناس رسائل مشابهة تلقائيًّا إلى نفس التمثيل. وتشير دراسات الفهم اللغوي إلى أن الناس سرعان ما يعيدون تشفير قدر كبير مما يسمعونه في شكل تمثيل مجرد لم يعد يميز ما إذا كانت الفكرة مصاغة بصيغة المعلوم أم المجهول، ولا يميزون بين ما قيل بالفعل عما أشير إليه ضمنيًّا، أو تم افتراضه مسبقًا (كلارك وكلارك ١٩٧٧). وللأسف فإن الآلة الذهنية التي تؤدي هذه العمليات في صمت وبلا جهد ليست كافية لأداء مهمة إعادة تشفير نسختي إشكالية الصحة العامة أو إحصائيات الوفاة والنجاة وتحويلها إلى صيغة مجردة عادية.

الصفقات والتبادلات التجارية

يمكن توسيع نطاق تحليلنا للتأطير والقيمة ليشمل الاختيارات متعددة الخصائص، مثل مقبولية صفقة أو تبادل تجاري. فنحن نقترح أنه لكي يتم تقييم خيار متعدد الخصائص، يقوم الشخص بإنشاء حساب ذهني يحدد مزايا وعيوب الخيار، بالنسبة لنقطة مرجعية متعددة الخصائص. ويتم حساب القيمة الكلية لخيار ما بحساب مميزاته وعيوبه بالنسبة للنقطة المرجعية. وبناء عليه يكون الخيار مقبولًا إذا كانت قيمة مميزاته تتجاوز قيمة عيوبه. ويفترض هذا التحليل قابلية للانفصال سيكولوجية — وليست ماديَّة — للمميزات والعيوب. ولا يضع النموذج قيودًا على الأسلوب الذي يتم به دمج الخصائص المنفصلة لتكوين قياسات كلية للمميزات والعيوب، ولكنه يفرض على هذه القياسات افتراضات التقعر وتجنب الخسارة.

ويدين تحليلنا للحساب الذهني بالشكر الجزيل للعمل الملهم لريتشارد تالر (١٩٨٠، ١٩٨٥) الذي أظهر صلة هذه العملية بسلوك المستهلك. وتقدم الإشكالية التالية، القائمة على أمثلة سافاج (١٩٥٤) وتالر (١٩٨٠)، بعض القواعد التي تحكم بناء الحساب الذهني وتوضح امتداد تقعر القيمة ليشمل مقبولية الصفقات والتعاملات.

الإشكالية ٧: تخيل أنك بصدد شراء سترة بسعر ١٢٥ دولارًا وآلة حاسبة بسعر ١٥ دولارًا. يخبرك بائع الآلة الحاسبة بأن الآلة الحاسبة التي ترغب في شرائها معروضة بسعر مخفض، وهو ١٠ دولارات، في الفرع الآخر للمتجر الذي يقع على بعد ٢٠ دقيقة بالسيارة. هل كنت ستخوض الرحلة إلى المتجر الآخر؟

تتعلق هذه الإشكالية بمقبولية خيار يجمع بين عيب المشقة والعناء وميزة مالية يمكن صياغتها كحساب أدنى، أو حساب موضوعي، أو حساب شامل. يشمل الحساب الأدنى الاختلافات بين الخيارين فقط مع إغفال السمات المشتركة بينهما. وفي الحساب الأدنى أيضًا، تصاغ الميزة المرتبطة بالقيادة إلى المتجر الآخر كمكسب قيمته ٥ دولارات. أما الحساب الموضوعي، فيربط عواقب الخيارات المحتملة بمستوى مرجعي يتحدد بالسياق الذي يظهر فيه القرار. في الإشكالية السابقة، يتمثل الموضوع ذو الصلة في شراء الآلة الحاسبة، ومن ثم تصاغ فائدة الرحلة إلى المتجر الآخر في صورة تخفيض في السعر، من ١٥ إلى ١٠ دولارات. ولما كان التوفير المحتمل يرتبط فقط بالآلة الحاسبة، فإن سعر السترة ليس مدرجًا ضمن الحساب الموضوعي. يمكن إدراج سعر السترة، وكذلك النفقات الأخرى، ضمن حساب أكثر شمولًا يُقيَّم فيه التوفير على أساس — لِنَقُل — النفقات الشهرية.

تبدو صياغة الإشكالية السابقة محايدة فيما يتعلق بتبني الحساب الأدنى، أو الموضوعي، أو الشامل، غير أننا نزعم أن الناس سوف يصوغون القرارات بشكل تلقائي وفقًا للحسابات الموضوعية التي تلعب دورًا — في سياق صنع القرار — مماثلًا لدور «الأنماط الجيدة» في الإدراك ودور فئات المستوى الأساسي في المعرفة. يستتبع التنظيم الموضوعي، بالاشتراك مع تقعر القيمة، أنه ينبغي أن يكون الاستعداد للذهاب إلى المتجر الآخر من أجل توفير ٥ دولارات في ثمن الآلة الحاسبة مرتبطًا ارتباطًا عكسيًّا بسعرها كما ينبغي أن يكون مستقلًّا عن سعر السترة. ولاختبار هذا التنبؤ، قمنا بإنشاء نسخة أخرى من الإشكالية تم فيها تبديل سعر السلعتين؛ فتم تحديد سعر ١٢٥ دولارًا للآلة الحاسبة في المتجر الأول، و١٢٠ دولارًا في الفرع الآخر، فيما تحدد سعر ١٥ دولارًا للسترة. وكما تنبأنا، اختلفت نسب المستطلعين الذين قالوا إنهم كانوا سيقومون بالرحلة إلى الفرع الآخر بشكل حاد في الإشكاليتين. فقد أظهرت النتائج أن ٦٨٪ من المستطلعين (ع = ٨٨) كانوا على استعداد للذهاب إلى الفرع الآخر لتوفير ٥ دولارات على آلة حاسبة سعرها ١٥ دولارًا، ولكن ٢٩٪ من ٩٣ مستطلعًا فقط هم من كانوا على استعداد للقيام بنفس الرحلة إلى الفرع الآخر لتوفير ٥ دولارات على آلة حاسبة سعرها ١٢٥ دولارًا. وتدعم هذه النتيجة فكرة التنظيم الموضوعي للحسابات، لما كانت النسختان متماثلتين فيما يتعلق بالحساب الأدنى والشامل.

وتتأكد أهمية الحسابات الموضوعية لسلوك المستهلك من خلال ملحوظة أن الانحراف القياسي للأسعار التي تحددها المتاجر المختلفة في مدينة ما لنفس المنتج يتناسب بشكل تقريبي مع متوسط سعر هذا المنتج (برات ووايز وزيكهاوزر ١٩٧٩). ولما كان تشتت الأسعار يخضع بالتأكيد لسيطرة جهود أصحاب المحال لإيجاد أفضل صفقة شراء، فإن هذه النتائج تشير إلى أن المستهلكين بالكاد يبذلون جهدًا أكبر لتوفير ١٥ دولارًا على سلعة سعرها ١٥٠ دولارًا أكثر من ذلك الذي يبذلونه لتوفير ٥ دولارات على سلعة سعرها ٥٠ دولارًا.

إن التنظيم الموضوعي للحسابات الذهنية يقود الناس إلى تقييم المكاسب والخسائر بقيم نسبية لا بقيم مطلقة، مما ينتج عنه الكثير من الاختلافات في معدل مقايضة المال بأشياء أخرى، مثل عدد المكالمات الهاتفية التي تتم لإيجاد صفقة شراء جيدة، أو الاستعداد للقيادة لمسافة طويلة للحصول على صفقة جيدة. وسوف يجد معظم المستهلكين سهولة أكبر في شراء جهاز ستريو للسيارة أو سجادة عجمية، على التوالي، في سياق شراء سيارة أو منزل عن شراء كل منهما على حدة. وتتناقض هذه الملاحظات بالطبع مع النظرية العقلانية القياسية لسلوك المستهلك، التي تفترض الثبات ولا تدرك تأثيرات الحساب الذهني.

توضِّح الإشكاليتان التاليتان مثالًا آخر للحساب الذهني يتم خلاله التحكم في عملية إيداع تكلفة بحساب ما عن طريق التنظيم الموضوعي:
الإشكالية ٨ (ع = ٢٠٠): تخيل أنك قررت مشاهدة مسرحية ودفعت ثمن تذكرة الدخول بسعر ١٠ دولارات للتذكرة الواحدة. وبينما تهم بدخول المسرح، تكتشف أنك قد فقدت التذكرة. لم يكن المقعد مميزًا برقم، ولا يمكن استعادة التذكرة.
هل تدفع ١٠ دولارات مقابل تذكرة أخرى؟
نعم (٤٦٪)، لا (٥٤٪).
الإشكالية ٩ (ع = ١٨٣): تخيل أنك قد قررت مشاهدة مسرحية حيث يبلغ سعر الدخول ١٠ دولارات للتذكرة الواحدة. وبينما تهم بدخول المسرح، تكتشف أنك قد فقدت عملة ورقية فئة ١٠ دولارات.
هل كنت ستظل راغبًا في دفع عشرة دولارات مقابل تذكرة لدخول المسرحية؟
نعم (٨٨٪)، لا (١٢٪).

إن الاختلاف بين إجابات الإشكاليتين مثير للاهتمام. فلمَ لا يرغب العديد من الناس في إنفاق ١٠ دولارات بعد فقد تذكرة، رغم أنهم على استعداد لإنفاق المبلغ عينه بعد فقدان مبلغ نقدي مساوٍ؟ نحن نعزو هذا الاختلاف إلى التنظيم الموضوعي للحسابات الذهنية. ينظر الناس إلى الذهاب إلى المسرح بطبيعة الحال كصفقة يتم فيها مقايضة ثمن التذكرة بخبرة مشاهدة المسرحية. وشراء تذكرة ثانية من شأنه زيادة تكلفة مشاهدة المسرحية لمستوى يجده العديد من المستطلعين فيما يبدو غير مقبول. في المقابل، لا يودع فقدان المبلغ النقدي بالحساب الخاص بالمسرحية، ويؤثر على شراء التذكرة فقط من خلال إشعار الفرد بأنه أقل ثراء بعض الشيء.

وقد لوحظ تأثير مثير للاهتمام حين عُرضت نسختا الإشكالية على نفس أفراد التجربة؛ فقد زاد الاستعداد لاستبدال تذكرة ضائعة بشكل ملحوظ حين تلت تلك الإشكالية نسخة المال الضائع. في المقابل، لم يتأثر الاستعداد لشراء تذكرة بعد فقدان النقد بالتقديم السابق للإشكالية الأخرى. لقد مكن تجاور الإشكاليتين معًا أفراد التجربة بشكل واضح من إدراك أنه من المنطقي اعتبار التذكرة الضائعة كنقود ضائعة وليس العكس.

إن الوضع المعياري لتأثيرات الحساب الذهني محل شك؛ فعلى عكس الأمثلة السابقة، مثل إشكالية الصحة العامة التي اختلفت فيها النسختان في الشكل فقط، يمكن الدفع بأن النسخ التبادلية لإشكاليتي الآلة الحاسبة والتذكرة تختلف أيضًا في الجوهر. فعلى وجه خاص، قد يكون توفير ٥ دولارات على سلعة ثمنها ١٥ دولارًا أكثر متعة من توفيرها في صفقة شراء كبيرة، وقد يكون الدفع مرتين مقابل نفس التذكرة أكثر إثارة للضيق من فقدان ١٠ دولارات نقدًا. كذلك يمكن لمشاعر الندم والإحباط والرضا الذاتي أن تتأثر بالتأطير والصياغة (كانمان وتفرسكي ١٩٨٢). فإذا اعتبرت مثل هذه العواقب الثانوية مشروعة، فإن التفضيلات الملحوظة إذن لا تنتهك معيار الثبات، ولا يمكن استبعادها بسهولة لأنها متناقضة أو خاطئة. على الجانب الآخر، قد تتغير العواقب الثانوية عند تأملها. فالرضا النابع من توفير ٥ دولارات على سلعة قيمتها ١٥ دولارًا يمكن أن يفسد إذا اكتشف المستهلك أنه لم يكن ليبذل نفس الجهد لتوفير ١٠ دولارات على سلعة قيمتها ٢٠٠ دولار. ولا نرغب في أن نوصي بأن أيًّا من إشكاليتي القرار لهما نفس العواقب الأساسية ينبغي حلهما بنفس الطريقة. غير أننا نقترح أن الفحص المنهجي للتأطيرات والصياغات البديلة يقدم آلية تأملية مفيدة يمكن أن تساعد صناع القرار على تقدير القيم التي ينبغي إضفاؤها على العواقب الأساسية والثانوية لاختياراتهم.

الخسائر والتكاليف

كثير من إشكاليات القرار تتخذ شكل اختيار بين الإبقاء على الوضع الراهن أو قبول بديل له، وهو ما يكون مفيدًا في بعض الجوانب وضارًّا في جوانب أخرى. يمكن توسيع نطاق تحليل القيمة الذي تم تطبيقه فيما سبق على الاحتمالات الخطرة أحادية البعد ليشمل هذه الحالة من خلال افتراض أن الوضع الراهن يحدد المستوى المرجعي لجميع الخصائص. وعلى ذلك سيتم تقييم مزايا الخيارات البديلة كمكاسب وعيوبها كخسائر. ولما كانت الخسائر تظهر جلية أكثر من المكاسب، سينحاز صانع القرار للإبقاء على الوضع الراهن.

قام تالر (١٩٨٠) بصياغة مصطلح «تأثير المنحة» لوصف عزوف الناس في التخلي عن الأصول التي تخصهم. فحين يكون ألم التنازل عن أحد الأصول أكبر من متعة الحصول عليه، فإن أسعار الشراء سوف تكون أقل كثيرًا من أسعار البيع؛ بمعنى أن أعلى سعر يدفعه أحد الأشخاص لامتلاك أصل من الأصول سوف يكون أصغر من التعويض البسيط الذي كان سيحث نفس الشخص على التخلي عن هذا الأصل الذي اقتناه يومًا ما. وقد ناقش تالر بعض أمثلة تأثير المنحة في سلوك المستهلكين ورواد الأعمال. وأشار الكثير من الدراسات إلى وجود فروق جوهرية بين أسعار البيع والشراء في الصفقات الافتراضية والحقيقية على حد سواء (جريجوري ١٩٨٣؛ هاماك وبراون ١٩٧٤؛ نيتش وسيندن ١٩٨٤). وقد تم عرض هذه النتائج كتحديات للنظرية الاقتصادية القياسية التي تتطابق فيها أسعار البيع والشراء، دون أن نضع في الاعتبار تكاليف الصفقات وتأثيرات الثروة. وقد لاحظنا أيضًا عزوفًا عن التبادل التجاري في دراسة للخيارات بين وظائف افتراضية اختلفت فيما بينها في الراتب الأسبوعي (ر) ودرجة حرارة (ح) مكان العمل. فقد طُلب ممن شملهم استطلاعنا تخيل أنهم قد تقلدوا منصبًا بعينه (ر١، ح١) وعُرض عليهم خيار الانتقال إلى منصب آخر (ر٢، ح٢)، كان أفضل في جانب وأسوأ في جانب آخر. ووجدنا أن معظم الأفراد الذين عُيِّنُوا في (ر١، ح١) لم يرغبوا في الانتقال إلى (ر٢، ح٢)، وأن معظم الأفراد الذين تم تعيينهم في المنصب الأخير لم يرغبوا في الانتقال إلى المنصب الأول. من الواضح أن نفس الفارق في الأجر أو في ظروف العمل يبدو أكبر كعيب منه كميزة.

وبصفة عامة، يميل تجنب الخسائر إلى تفضيل الاستقرار عن التغيير. تخيل معي توءمين متطابقين على نحو كبير يجدان أمامهما بيئتين متساويتين تمامًا في قدر جاذبيتهما، واستطرِدْ في تخيلك أنه بمقتضى بعض الظروف القاهرة انفصل التوءمان كلٌّ منهما في بيئة من البيئتين. فبمجرد أن يستقرا في حالتيهما الجديدتين، والتي ستكون كلٌّ منهما النقطة المرجعية للتوءمين، ويقوما بتقييم المميزات والعيوب لبيئة الآخر، فإن كلًّا من التوءمين لن يعودا إلى حالة الحيادية بين الحالتين، وسوف يفضل كلٌّ منهما البقاء حيث كان مصيرهما من البداية. ومن ثم ينتج عن عدم استقرار التفضيلات تفضيل للاستقرار. وإضافة إلى تفضيل الاستقرار على التغيير، فإن الامتزاج بين التكيف وتجنب الخسارة لا يحمي صاحبه كثيرًا من الشعور بالندم والحسد من خلال التقليل من جاذبية البدائل المتروكة وما هو لدى الآخرين.

إن من غير المحتمل أن يلعب تجنب الخسارة وما يليه من تأثير المنحة أي دور ذي أهمية في التبادلات الاقتصادية الروتينية. فعلى سبيل المثال، لا يعتبر مالك متجر من المتاجر ما يدفعه للموردين خسائر وما يحصل عليه من زبائنه مكاسب، وإنما ما يحدث هو أن التاجر يقوم بتجميع التكاليف والعوائد خلال فترة زمنية معينة ويقيِّم فقط رصيد حسابه. فيتم إلغاء مضاهاة الدائن والمدين بشكل حقيقي قبل إجراء التقييم. كذلك لا يتم تقييم ما يسدده العملاء من مدفوعات على أنها خسائر بل كمشتريات بديلة. ووفقًا للتحليل الاقتصادي المعياري يعتبر المال — بطبيعة الحال — وسيطًا لشراء السلع والخدمات التي يمكن شراؤها به. ويتضح هذا النمط من التقييم عندما يكون في ذهن الشخص بديل بعينه مثل «أستطيع شراء إما آلة تصوير جديدة أو خيمة جديدة.» وفقًا لهذا التحليل يستطيع الشخص شراء آلة التصوير إذا ما فاقت قيمتها الذاتية قيمة الاحتفاظ بالمال الذي ستتكلفه هذه السلعة.

هناك حالات يمكن فيها تأطير العيوب إما كتكاليف أو كخسائر. على وجه الخصوص يمكن تأطير شراء وثيقة تأمينية أيضًا على أنه اختيار ما بين خسارة مؤكدة ومخاطرة بخسارة أفدح، وفي مثل هذه الحالات يمكن أن يؤدي الفارق بين التكلفة والخسارة إلى إخفاقات مبدأ الثبات. تأمل، على سبيل المثال، الاختيار ما بين خسارة خمسين دولارًا مؤكدة واحتمالٍ نسبته ٢٥٪ لخسارة ٢٠٠ دولار. قرر كلٌّ من سلوفيك وفيشهوف ولشتنشتاين (١٩٨٢) أن نحو ٨٠٪ من أفراد التجربة أعربوا عن تفضيلهم لقبول المخاطرة على الخسارة المؤكدة. غير أن ٣٥٪ فقط من أفراد التجربة رفضوا سداد مبلغ ٥٠ دولارًا نظير وثيقة التأمين في مقابل مخاطرة نسبتها ٢٥٪ لخسارة ٢٠٠ دولار. كما توصل أيضًا كلٌّ من شوميكر وكونرويتر (١٩٧٩) وهيرشي وشوميكر (١٩٨٠) إلى نفس النتائج. ونحن نقترح أن المبلغ الذي تم تأطيره في صورة خسارة لا يمكن تعويضها في الإشكالية الأولى يتم تأطيره كتكلفة حماية في الإشكالية الثانية، وقد تم عكس التفضيل الشكلي في الإشكاليتين نظرًا لأن الأشخاص يتجنبون الخسائر أكثر من التكاليف.

كذلك لاحظنا تأثيرًا مماثلًا في المجال الإيجابي كما يتضح من الإشكاليتين التاليتين:
الإشكالية ١٠: هل تقبل مراهنة تقدم احتمالًا نسبته ١٠٪ لربح ٩٥ دولارًا واحتمالًا نسبته ٩٠٪ لخسارة ٥ دولارات؟
الإشكالية ١١: هل تقبل دفع ٥ دولارات نظير المشاركة في يانصيب يقدم احتمالًا نسبته ١٠٪ لربح ١٠٠ دولار واحتمالًا نسبته ٩٠٪ لعدم ربح أي شيء؟

أجاب ١٣٢ طالبًا جامعيًّا على هاتين الإشكاليتين، وقد تم الفصل بينهما من خلال إشكالية تعتبر حشوًا إضافيًّا لا علاقة لها بالموضوع. وقد تم عكس ترتيب هذه الأسئلة لنصف عدد المشاركين. وبالرغم من أنه من السهل التأكيد على أن كلتا الإشكاليتين تقدمان خيارات متطابقة من ناحية الهدف، فقد عبَّر ٥٥ مشاركًا عن تفضيلات متباينة في النسختين. رفض ٤٢ طالبًا قبول المراهنة في الإشكالية رقم ١٠ بينما قبلوا اليانصيب المساوي لها في الإشكالية رقم ١١. وتوضح فعالية هذا التلاعب الذي يبدو غير منطقي ظاهريًّا فقط كلًّا من الفارق بين الخسارة والتكلفة وقوة التأطير، حيث إن التفكير في دفع ٥ دولارات يجعل المغامرة أكثر قبولًا مما لو كان نفس المبلغ محسوبًا كخسارة.

يشير التحليل السابق إلى إمكانية تحسين الحالة الذاتية للفرد من خلال تأطير النتائج السلبية في صورة تكاليف وليس في صورة خسائر. وقد تُفسِّر إمكانية هذا التلاعب النفسي شكلًا من أشكال السلوك المتناقض يمكن تسميته بتأثير الخسارة الباهظة. ناقش تالر (١٩٨٠) مثالًا عن رجل أصابه مرض مرفق لاعب التنس بعد أن سدد قيمة اشتراكه في نادٍ للتنس، استمر الرجل في ممارسته للرياضة على الرغم من آلامه لتجنب خسارة استثماره. وبافتراض أنه لم يكن ليلعب إذا لم يكن قد سدد مصاريف الاشتراك، يظهر أمامنا هذا السؤال: كيف يمكن للعب مع الشعور بالألم أن يعزز من حظ الشخص؟ فنحن نزعم أن اللعب مع الشعور بالألم يُبقي على تقييم مصاريف العضوية في صورة تكلفة. فإذا توقف الشخص عن اللعب فسوف يكون مُجبرًا على الاعتراف بأن هذه القيمة أصبحت خسارة باهظة وهو ما يعتبر أكثر تجنبًا من اللعب مع الشعور بالألم.

ملاحظات ختامية

يشيع استخدام مفهومَي المنفعة والقيمة بمعنيين مختلفين: (أ) قيمة التجربة، بمعنى درجة التلذذ أو الألم، الرضا أو الكرب في التجربة الفعلية للنتيجة، و(ب) قيمة القرار، وهي مساهمة النتيجة المتوقعة في الجاذبية أو النفور الكلي لخيار ضمن اختيار. ونادرًا ما يكون الاختلاف واضحًا في نظرية القرار؛ لأنه من المفترض ضمنًا أن قيم القرار وقيم الخبرة أو التجربة تتطابقان. ويعتبر هذا الافتراض جزءًا من فهم صانع القرار المثالي الذي يستطيع التنبؤ بخبرات المستقبل بدقة عالية؛ ومن ثم يقوم بتقدير الخيارات المطروحة. إلا أن الأمر يختلف بالنسبة لصانع القرار العادي، حيث إن التوافق بين قيم القرار وقيم الخبرة بعيد كل البعد عن التطابق (مارس ١٩٧٨). ولا يسهل التنبؤ ببعض العوامل التي تؤثر على الخبرة وبعض العوامل التي تؤثر على القرارات التي ليس لها تأثير مقارن على خبرة النتائج.

خلافًا للكمِّ الكبير من الأبحاث التي أجريت على صناعة القرار، ثمة القليل نسبيًّا من الاستكشاف المنهجي للفيزياء النفسية التي تربط التجربة التلذذية بالحالات الموضوعية. وأكثر الإشكاليات الأساسية في الفيزياء النفسية التلذذية هو تحديد مستوى التكيف أو التطلع الذي يفصل بين النتائج الإيجابية والنتائج السلبية. تتحدد النقطة المرجعية التلذذية إلى حد كبير من خلال الحالة الراهنة الموضوعية، إلا أنها تتأثر بالآمال والمقارنات الاجتماعية. على سبيل المثال، قد يحصل أحد الموظفين على زيادة في راتبه إلا أنها أقل مما حصل عليه جميع زملائه في مكان العمل، وهنا يمكن اعتبار خبرة التحسن الموضوعي كخسارة. كذلك فإن خبرة المتعة أو الألم المرتبطة بتغيير الحالة الراهنة تعتمد إلى حد بعيد على آليات التكيف التلذذي. ومفهوم بريكمان وكامبِل (١٩٧١) عن آلة المشي الخاصة بالسعادة (أي إن الشخص الباحث عن السعادة يشبه من يستخدم آلة المشي؛ يواصل المشي إلا أنه يظل في مكانه، وهو ما يدل على أن مستوى السعادة ثابت) يفترض افتراضًا أصليًّا أن التكيف السريع سوف يجعل آثار أي تحسن موضوعي قصيرة المدة. إن تعقُّد ودقة الخبرة التلذذية يجعل توقع الخبرة الفعلية التي تفرزها النتائج من الأمور الصعبة على صانع القرار. وكثير من الناس في حالة الجوع الشديد يطلب الطعام الكثير، إلا أنه يعترف بعد وصول الطبق الخامس أن ذلك كان خطأ كبيرًا. إن عدم التوافق بين قيم القرار وقيم الخبرة يقدم عنصرًا إضافيًّا من عدم اليقين في العديد من إشكاليات القرار.

وتزيد هيمنة آثار التأطير وانتهاكات مبدأ الثبات من تعقيد العلاقة بين قيم القرار وقيم الخبرة. فكثيرًا ما يحفز تأطير النتائج قيمًا للقرار ليس لها نظير في الخبرة الفعلية. على سبيل المثال، من غير المحتمل أن يؤثر تأطير النتائج الخاصة بعلاجات سرطان الرئة من حيث نسب الوفيات والنجاة على الخبرة، على الرغم من أن لها تأثيرًا منطوقًا وواضحًا على الاختيار. إلا أنه في حالات أخرى لا يقتصر تأثير تأطير القرارات على القرار فقط، ولكنه يؤثر على الخبرة أيضًا. على سبيل المثال، يمكن أن يؤثر تأطير النفقات في صورة خسارة لا يمكن تعويضها أو في صورة سعر التأمين على خبرة هذه النتيجة. وفي مثل هذه الحالات، يؤدي تقييم النتائج في سياق القرارات إلى توقع الخبرة، بل وتشكيلها.

المراجع

  • Allais, M., and O. Hagen, eds. 1979. Expected Utility Hypotheses and the Allais Paradox. Hingham, MA: D. Reidel.
  • Bernoulli, D. 1954 [1738]. “Exposition of a New Theory on the Measurement of Risk.” Econometrica 22: 23–36.
  • Brickman, P., and D. T. Campbell. 1971. “Hedonic Relativism and Planning the Good Society.” In Adaptation Level Theory: A Symposium, ed. M. H. Appley. New York: Academic Press, 287–302.
  • Clark, H. H., and E. V. Clark. 1977. Psychology and Language. New York: Harcourt.
  • Erakar, S. E., and H. C. Sox. 1981. “Assessment of Patients’ Preferences for Therapeutic Outcomes.” Medical Decision Making 1: 29–39.
  • Fischhoff, B. 1983. “Predicting Frames.” Journal of Experimental Psychology: Learning, Memory and Cognition 9: 103–16.
  • Fischhoff, B., P. Slovic, and S. Lichtenstein. 1980. “Knowing What You Want: Measuring Labile Values.” In Cognitive Processes in Choice and Decision Behavior, ed. T. Wallsten. Hillsdale, NJ: Erlbaum, 117–41.
  • Fishburn, P. C., and G. A. Kochenberger. 1979. “Two-Piece von Neumann-Morgenstern Utility Functions.” Decision Sciences 10: 503–18.
  • Gregory, R. 1983. “Measures of Consumer’s Surplus: Reasons for the Disparity in Observed Values.” Unpublished manuscript, Keene State College, Keene, NH.
  • Hammack, J., and G. M. Brown Jr. 1974. Waterfowl and Wetlands: Toward Bioeconomic Analysis. Baltimore: Johns Hopkins University Press.
  • Hershey, J. C., and P. J. H. Schoemaker. 1980. “Risk Taking and Problem Context in the Domain of Losses: An Expected-Utility Analysis.” Journal of Risk and Insurance 47: 111–32.
  • Kahneman, D., and A. Tversky. 1979. “Prospect Theory: An Analysis of Decision under Risk.” Econometrica 47: 263–91.
  • ───. 1982. “The Simulation Heuristic.” In Judgment Under Uncertainty: Heuristics and Biases, ed. D. Kahneman, P. Slovic, and A. Tversky. New York: Cambridge University Press, 201–208.
  • Knetsch, J., and J. Sinden. 1984. “Willingness to Pay and Compensation Demanded: Experimental Evidence of an Unexpected Disparity in Measures of Value.” Quarterly Journal of Economics 99: 507–21.
  • March, J. G. 1978. “Bounded Rationality, Ambiguity, and the Engineering of Choice.” Bell Journal of Economics 9: 587–608.
  • McNeil, B., S. Pauker, H. Sox Jr., and A. Tversky. 1982. “On the Elicitation of Preferences for Alternative Therapies.” New England Journal of Medicine 306: 1259–62.
  • Payne, J. W., D. J. Laughhunn, and R. Crum. 1980. “Translation of Gambles and Aspiration Level Effects in Risky Choice Behavior.” Management Science 26: 1039–60.
  • Pratt, J. W., D. Wise, and R. Zeckhauser. 1979. “Price Differences in Almost Competitive Markets.” Quarterly Journal of Economics 93: 189–211.
  • Savage, L. J. 1954. The Foundation of Statistics. New York: Wiley.
  • Schlaifer, R. 1959. Probability and Statistics for Business Decisions. New York: McGraw-Hill.
  • Schoemaker, P. J. H., and H. C. Kunreuther. 1979. “An Experimental Study of Insurance Decisions.” Journal of Risk and Insurance 46: 603–18.
  • Slovic, P., B. Fischhoff, and S. Lichtenstein. 1982. “Response Mode, Framing, and InformationProcessing Effects in Risk Assessment.” In New Directions for Methodology of Social and Behavioral Science: Question Framing and Response Consistency, ed. R. Hogarth. San Francisco: Jossey-Bass, 21–36.
  • Thaler, R. 1980. “Toward a Positive Theory of Consumer Choice.” Journal of Economic Behavior and Organization 1: 39–60.
  • ───. 1985. “Using Mental Accounting in a Theory of Consumer Behavior.” Marketing Science 4: 199–214.
  • Tversky, A. 1977. “On the Elicitation of Preferences: Descriptive and Prescriptive Considerations.” In Conflicting Objectives in Decisions, ed. D. Bell, R. L. Kenney, and H. Raiffa. New York: Wiley, 209–22.
  • Tversky, A., and D. Kahneman. 1981. “The Framing of Decisions and the Psychology of Choice.” Science 211: 453–58.
  • von Neumann, J., and O. Morgenstern. 1947. Theory of Games and Economic Behavior, 2nd ed. Princeton: Princeton University Press.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤