الفصل الرابع عشر

تخصص توم دبليو

ألقِ نظرة على هذه المسألة المحيرة:

توم دبليو طالب دراسات عليا في الجامعة الرئيسية في ولايتك. رجاءً صنف المجالات التسعة التالية في تخصصات الدراسات العليا وفق ترتيب احتمالية أن يكون توم دبليو طالبًا في أحدها. استخدم رقم ١ للإشارة إلى الاحتمال الأكبر، و٩ للاحتمال الأقل:
  • إدارة أعمال

  • علوم كمبيوتر

  • هندسة

  • إنسانيات وتربية

  • قانون

  • طب

  • علوم مكتبات

  • علوم طبيعية وحياتية

  • علم اجتماع وخدمة اجتماعية

هذا سؤال سهل، وكنت تعلم في الحال أن الحجم النسبي للقيد في التخصصات المختلفة هو مفتاح الحل. بقدر ما تعلم، اختير توم دبليو عشوائيًّا من بين طلاب الدراسات العليا في الجامعة، مثل كرة واحدة التُقطت من إناء. وحتى يمكن اتخاذ قرار بما إذا كانت الكرة تميل إلى أن تكون حمراء أو خضراء، يجب أن تعرف عدد الكرات الموجودة في الإناء من كل لون. يُطلق على نسبة الكرات من نوع محدد «المعدل الأساسي». بالمثل، يمثل المعدل الأساسي للإنسانيات والتربية في هذه المسألة نسبة الطلاب في ذلك التخصص ضمن جميع طلاب الدراسات العليا. في غياب معلومات محددة عن توم دبليو، ستستعين بالمعدلات الأساسية وستخمِّن أن توم دبليو سيكون على الأرجح مقيدًا في تخصص الإنسانيات والتربية أكثر منه في مجال علوم الكمبيوتر أو علوم المكتبات؛ نظرًا لأن الطلاب المقيدين في تخصص الإنسانيات والتربية أكثر من نظرائهم المقيدين في التخصصين الآخرين. تعتبر الاستعانة بمعلومات المعدل الأساسي الخطوة البديهية في حال عدم توفر أي معلومات أخرى.

•••

ثم يأتي تاليًا تمرين لا علاقة له بالمعدلات الأساسية:
فيما يلي صورة وصفية لشخصية توم دبليو رسمها أحد علماء النفس خلال السنة النهائية له في المرحلة الثانوية، وذلك بناءً على اختبارات نفسية غير مؤكدة الصلاحية:

يتمتع توم دبليو بذكاء كبير، على الرغم من افتقاره إلى الإبداع الحقيقي. وهو يميل إلى النظام والوضوح، وإلى النظم المرتبة والمنظمة التي يكون كل شيء فيها في موضعه. تعتبر طريقة كتابته مملة وآلية نسبيًّا، يحييها أحيانًا توريات غير شائقة وومضات من الخيال تنتمي إلى مجال الخيال العلمي. يمتلك توم دافعًا قويًّا للتميز. يبدو أن لديه مشاعر وتعاطفًا قليلًا تجاه الأشخاص الآخرين، وهو لا يستمتع بالتفاعل مع الآخرين. بالرغم من تمحوره حول ذاته، يمتلك توم حسًّا أخلاقيًّا عميقًا.

رجاءً التقط الآن ورقة وصنف مجالات التخصص التسعة التالية، وفق تشابه وصف توم دبليو مع طالب الدراسات العليا النموذجي في كل من المجالات التالية. استخدم رقم ١ للإشارة إلى الاحتمال الأكبر، و٩ للاحتمال الأقل.

ستستفيد أكثر من هذا الفصل إذا حاولت حل هذا التمرين. تعتبر قراءة التقرير الوصفي حول توم دبليو مهمة حتى تكوِّن أحكامك حول تخصصات الدراسات العليا المختلفة.

هذا السؤال أيضًا مباشر للغاية. يتطلب هذا السؤال استرجاع — أو ربما بناء — صورة نمطية لطلاب الدراسات العليا في مجالات التخصص المختلفة. عندما أُجريت التجربة للمرة الأولى، في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، كان متوسط ترتيب المجالات كما يلي (ربما لن يختلف ترتيبك كثيرًا):
  • (١)

    علوم كمبيوتر

  • (٢)

    هندسة

  • (٣)

    إدارة أعمال

  • (٤)

    علوم طبيعية وحياتية

  • (٥)

    علوم مكتبات

  • (٦)

    قانون

  • (٧)

    طب

  • (٨)

    إنسانيات وتربية

  • (٩)

    اجتماع وخدمة اجتماعية

ربما جعلت علم الكمبيوتر ضمن أفضل المجالات المناسبة لتوم؛ نظرًا لوجود إشارات إلى عدم جاذبية الشخصية بالرغم من الذكاء («توريات غير شائقة»). في حقيقة الأمر، كُتب وصف توم دبليو بحيث يلائم الصورة النمطية هذه. كانت الهندسة أحد التخصصات الأخرى التي وضعها المشاركون في مرتبة مرتفعة («النظم المرتبة والمنظمة»). ربما ظننت أن توم دبليو لا يتلاءم مع فكرتك عن علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية («يبدو أن لديه مشاعر وتعاطفًا قليلًا تجاه الأشخاص الآخرين»). يبدو أن الصور النمطية للمهن لم تتغير كثيرًا خلال حوالي أربعين سنة منذ وضعت وصف توم دبليو.

إن عملية تصنيف التخصصات التسعة معقدة، وتتطلب بالتأكيد التنظيم والترتيب المتعاقب اللذين لا يستطيع سوى النظام ٢ تنفيذهما. في المقابل، كانت الإشارات التي وضعت وضعًا في وصف شخصية توم دبليو (توريات غير شائقة وغيرها) تهدف إلى تنشيط ارتباط مع صورة نمطية، وهو أحد الأنشطة الآلية للنظام ١.

تطلبت التوجيهات الخاصة بمهمة إيجاد التشابه هذه عقد مقارنة بين وصف شخصية توم دبليو والصور النمطية للعديد من مجالات التخصص. للأغراض الخاصة بهذه المهمة، لم تكن دقة الوصف — ما إذا كان وصفًا حقيقيًّا لتوم دبليو أم لا — ذات صلة. وهكذا الحال بالنسبة لمعرفتك بالمعدلات الأساسية للتخصصات المختلفة. لا يتأثر التشابه بين شخص والصورة النمطية لمجموعة ما بحجم المجموعة. في واقع الأمر، يمكنك مقارنة وصف توم بصورة طلاب دراسات عليا في تخصص علوم المكتبات حتى لو لم يكن هناك هذا التخصص في الجامعة.

إذا تفحصت شخصية توم دبليو مجددًا، فستجد أن شخصيته تتلاءم جيدًا مع الصور النمطية لبعض مجموعات الطلاب الصغيرة (علماء الكمبيوتر، وأمناء المكتبات، والمهندسين) ولا تتلاءم كثيرًا مع المجموعات الأكبر (طلاب الإنسانيات والتربية، وعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية). في حقيقة الأمر، وضع المشاركون دومًا أكبر تخصصين في مرتبة متدنية جدًّا. لقد صُممت شخصية توم دبليو عمدًا باعتبارها شخصية «مضادة للمعدل الأساسي»، وهو ما يتلاءم جيدًا مع مجالات التخصص الصغيرة، ولا يتلاءم مع معظم مجالات التخصص الكبرى.

التنبؤ من خلال درجة التمثيل

أُجري التمرين الثالث في التجربة على طلاب الدراسات العليا في علم النفس، وكان ذلك هو التمرين الأهم؛ ألا وهو تصنيف مجالات التخصص وفق ترتيب احتمالية أن يكون توم دبليو طالب دراسات عليا الآن في كل من هذه المجالات. كان أعضاء مجموعة التوقع هذه يعرفون الحقائق الإحصائية ذات الصلة؛ فقد كانوا على دراية بالمعدلات الأساسية للمجالات المختلفة، وكانوا يعرفون أن مصدر وصف شخصية توم دبليو لم يكن مصدرًا يتمتع بمصداقية عالية. في المقابل، توقعنا من الطلاب أن يركِّزوا بصورة حصرية على درجة تشابه وصف الشخصية مع الصور النمطية — وهو ما أطلقنا عليه درجة التمثيل — متجاهلين المعدلات الأساسية والشكوك حيال صحة الوصف. قام الطلاب بعد ذلك بتصنيف التخصص الصغير — علوم الكمبيوتر — باعتباره تخصصًا عالي الاحتمال؛ نظرًا لأن هذه النتيجة تحقق أعلى معدلات درجة التمثيل.

عملت أنا وعاموس بجد خلال العام الذي قضيناه في يوجين، وكنت أمكث أحيانًا في المكتب طوال الليل. كانت إحدى مهامي في ليلة ما أن أبتكر وصفًا يضع درجة التمثيل في صدام مع المعدلات الأساسية. كانت شخصية توم دبليو ثمرة جهودي، وانتهيت من الوصف كاملًا في الساعات الأولى من الصباح. كان أول من جاء إلى العمل ذلك الصباح زميلنا وصديقنا روبين دوز، الذي كان إحصائيًّا متميزًا وأحد المتشككين في صحة الأحكام الحدسية. لو أن شخصًا يرى أهمية المعدل الأساسي، لكان هو روبين. ناديت روبين، وسألته السؤال الذي كنت قد دونته توًّا، وسألته أن يخمِّن مهنة توم دبليو. لا أزال أتذكر ابتسامته الخبيثة وهو يقول في حذر: «عالم كمبيوتر؟» كانت تلك لحظة سعيدة، حتى أكثر الأشخاص قدرة وقع في الخطأ. بالطبع، أدرك روبين في الحال خطأه عند ذكري «معدلًا أساسيًّا»، لكنه لم يفكر فيه بصورة تلقائية. فعلى الرغم من معرفته — مثل أي شخص آخر — بدور المعدلات الأساسية في عملية التنبؤ، إلا أنه لم يلجأ إليها عندما عرض عليه وصف شخصية أحد الأفراد. مثلما كان متوقعًا، استبدل روبين الحكم حول درجة التمثيل بالاحتمالية التي طُلبَ منه أن يقيِّمها.

جمعت أنا وعاموس الإجابات عن السؤال نفسه من ١١٤ طالب دراسات عليا في علم النفس في ثلاث جامعات كبرى، تلقى جميعهم مقررات دراسية عديدة في علم الإحصاء. لم يخيِّب هؤلاء ظننا. لم يختلف تصنيف المجالات التسعة عن طريق الاحتمالية عن تصنيفها عبر درجة التشابه مع الصورة النمطية. كان الاستبدال مثاليًّا في هذه الحالة: لم تكن ثمة إشارة إلى أن المشاركين قاموا بشيء سوى الحكم على درجة التمثيل. بينما كان السؤال عن الاحتمالية (الإمكانية) صعبًا، كان السؤال عن التشابه أسهل، وقد أُجيبَ عنه بدلًا من السؤال الأصلي. هذا خطأ كبير؛ نظرًا لأن إصدار الأحكام على درجة التشابه والاحتمالية لا تقيده القواعد المنطقية نفسها. بينما يظل مقبولًا تمامًا بالنسبة للأحكام حول درجة التشابه ألا تتأثر بالمعدلات الأساسية وأيضًا بإمكانية أن يكون الوصف غير دقيق، سيرتكب أي شخص يتجاهل المعدلات الأساسية وجودة الأدلة المتوفرة في عمليات تقييم الاحتمالية أخطاءً بالتأكيد.

ليس مفهوم «احتمالية دراسة توم دبليو لعلوم الكمبيوتر» مفهومًا بسيطًا. يختلف علماء المنطق والإحصاء حول معنى هذا المفهوم، وبعضهم ربما يقول إنه لا معنى له على الإطلاق. بالنسبة إلى الكثير من الخبراء، يعتبر هذا المفهوم مقياسًا للدرجة الذاتية للتصديق. هناك بعض الأحداث التي تكون متأكدًا منها، مثل أن الشمس أشرقت هذا الصباح، بينما تعتبر بعض الأحداث مستحيلة، مثل تجمُّد المحيط الهادئ فجأة. ثم إن هناك أحداثًا عديدة، مثل أن يكون جارك عالم كمبيوتر، التي تمنحها درجة متوسطة من التصديق، وهي نسبة الاحتمالية لذلك الحدث.

وضع علماء المنطق والإحصاء تعريفات متنافسة للاحتمالية، جميعها دقيق. في المقابل، بالنسبة إلى العوام، تعتبر الاحتمالية (وهي مرادف «إمكانية وقوع حدث» في اللغة اليومية) فكرة غير واضحة، مرتبطة بعدم اليقين، والميل، وإمكانية التصديق، والمفاجأة. ليس عدم الوضوح شيئًا مقصورًا على هذا المفهوم فقط، كما أن المفهوم ذاته ليس صعبًا. فنحن نعرف، بصورة أو بأخرى، ما نعنيه عندما نستخدم كلمة مثل «ديمقراطية» أو «جمال»، مثلما يفهم الأشخاص الذين نتحدث إليهم، بصورة أو بأخرى، ما كنا نقصده. خلال جميع السنوات التي قضيتها أطرح أسئلة عن احتمالية وقوع الأحداث، لم يرفع أحد أبدًا يديه ليسألني: «سيدي، ماذا تعني بالاحتمالية؟» مثلما كانوا سيفعلون إذا كنت قد سألتهم أن يقيِّموا مفهومًا غريبًا مثل «التعولم». تصرف الجميع كما لو كانوا يعرفون كيفية الإجابة عن أسئلتي، على الرغم من أننا جميعًا نعرف أن من قبيل عدم العدل سؤالهم عن تفسير معنى الكلمة.

لا يتحيَّر الأشخاص الذين يُطلب منهم تقييم الاحتمالية كثيرًا؛ نظرًا لأنهم لا يحاولون الحكم على الاحتمالية مثلما يستخدمها علماء الإحصاء والفلاسفة. يؤدي توجيه سؤال حول الاحتمالية أو إمكانية وقوع حدث إلى تنشيط عملية تدافع عقلي؛ مما يؤدي إلى إثارة إجابات الأسئلة الأسهل. تتمثل إحدى الإجابات السهلة في إجراء عملية تقييم آلية لدرجة التمثيل، وهو إجراء روتيني في فهم اللغة. تعتبر العبارة (الخطأ) القائلة إن «والدا ألفيس بريسلي أرادا له أن يكون طبيب أسنان» مضحكة قليلًا؛ نظرًا لآلية تحديد الفرق بين صورتي بريسلي وطبيب الأسنان. يولِّد النظام ١ انطباعًا بالتشابه دون أن يقصد ذلك. يكون استدلال درجة التمثيل حاضرًا عندما يقول أحد الأشخاص «ستفوز في الانتخابات؛ تستطيع أن ترى أنها شخصية تحقق الفوز دومًا»، أو «لن يحقق الكثير في المجال الأكاديمي؛ توجد رسومات وشم كثيرة على جسده.» نحن نعتمد على درجة التمثيل عندما نحكم على القيادة المحتملة لأحد المرشحين لتولي أحد المناصب عبر شكل ذقنه أو قوة خطاباته.

على الرغم من شيوعها، ليست عملية التنبؤ من خلال درجة التمثيل مثالية من الناحية الإحصائية. يعرض كتاب مايكل لويس «كرة المال» الأكثر مبيعًا قصة تدور حول عدم فاعلية هذا النمط من التنبؤ. في المعتاد يتنبأ مكتشفو لاعبي البيسبول المحترفين بنجاح اللاعبين المحتملين جزئيًّا من خلال بنيانهم الجسدي ومظهرهم. بطل كتاب لويس هو بيلي بين، مدير فريق أوكلاند أثليتيكس، الذي اتخذ قرارًا غير مألوف بتجاوز كشَّافيه وباختيار لاعبيه من خلال إحصاءات أدائهم السابق. كان اللاعبون الذين انتقاهم الفريق غير مكلفين؛ نظرًا لأن الفرق الأخرى رفضتهم لأنهم لا يَبدون كما ينبغي أن يكون لاعب البيسبول. سرعان ما حقق الفريق نتائج ممتازة بتكلفة منخفضة.

عيوب الاعتماد على درجة التمثيل

تحظى عملية الحكم على الاحتمالية من خلال درجة التمثيل بمزايا مهمة. فتعتبر الانطباعات الحدسية التي تنشأ عنها عادةً — بل كثيرًا — أكثر دقة من التخمينات العشوائية:
  • في معظم الحالات، يكون الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة ودية في حقيقة الأمر أشخاصًا ودودين.

  • من المحتمل أكثر أن يلعب الرياضي المحترف الذي يتمتع بطول فارع وبنية نحيفة كرة السلة من أن يلعب كرة القدم.

  • من المحتمل أكثر أن يشترك الأشخاص الذين يحملون درجة الدكتوراه في صحيفة «نيويورك تايمز» من الأشخاص الذين أنهوا تعليمهم بعد المرحلة الثانوية.

  • من المحتمل أكثر أن يقود الشباب من الرجال بطريقة أكثر طيشًا من النساء كبار السن.

في جميع هذه الحالات وفي حالات أخرى كثيرة، هناك شيء من الصحة في الصور النمطية التي تتحكم في الأحكام المعتمدة على درجة التمثيل، وربما تكون التنبؤات التي تسير على درب هذا النوع من الاستدلال دقيقة. في مواقف أخرى، تكون الصور النمطية خاطئة وسيؤدي استدلال درجة التمثيل إلى التضليل، خاصةً إذا كان يتسبب في تجاهل الأشخاص للمعلومات التي تعتمد على المعدل الأساسي والتي تشير في اتجاه آخر. وحتى لو كان هذا الاستدلال يتمتع بمقدار من الصحة، فإن الاعتماد الحصري عليه يرتبط بأخطاء كبرى إزاء المنطق الإحصائي.

من هذه الأخطاء الرغبة المفرطة في التنبؤ بوقوع أحداث غير محتملة (المعدل الأساسي لها قليل). فيما يلي مثال على ذلك: ترى أحد الأشخاص يقرأ صحيفة «نيويورك تايمز» في مترو أنفاق نيويورك. أي من الآتي يمثل تخمينًا أفضل بشأن هذا الغريب؟

يحمل درجة دكتوراه.
لا يحمل شهادة جامعية.

بينما تخبرك درجة التمثيل بأنه عليك تخمين أنه حاصل على درجة الدكتوراه، فإن ذلك ليس رأيًا صائبًا بالضرورة. يجب عليك أن تفكر في جدية في الخيار الثاني؛ نظرًا لأن عدد من لا يحملون الشهادات الجامعية الذين يستقلون مترو الأنفاق في نيويورك أكبر من عدد حاملي الدكتوراه. وإذا كان يجب عليك التخمين ما إذا كانت المرأة التي توصف بأنها «خجولة محبة للشعر» تدرس الأدب الصيني أم إدارة الأعمال، فيجب عليك أن تنتقي الخيار الثاني. فحتى لو كانت كل طالبة تدرس الأدب الصيني خجولة ومحبة للشعر، من شبه المؤكد أن هناك محبين خجولين للشعر أكثر بين مجموع طلاب إدارة الأعمال الأكبر.

يستطيع الأشخاص الذين لم يتلقوا أي تدريب في علم الإحصاء إلى حد كبير استخدام المعدلات الأساسية في إجراء عمليات تنبؤ وفق شروط معينة. في النسخة الأولى من مسألة توم دبليو، التي لا تقدِّم أي تفاصيل عنه، يبدو واضحًا للجميع أن احتمالية انتماء توم دبليو لأحد مجالات التخصص تتمثل في معدل تكرار المعدل الأساسي لقيد الطلاب في ذلك المجال. في المقابل، يختفي الالتفات إلى المعدلات الأساسية بوضوح بمجرد وصف شخصية توم دبليو.

بينما كنت أنا وعاموس نعتقد في البداية، بناءً على الدلائل المبكرة التي توفرت لدينا، أن المعلومات التي تعتمد على المعدل الأساسي سيجري تجاهلها «دومًا» عندما تتوفر المعلومات حول الواقعة المحددة، كان ذلك استنتاجًا قويًّا أكثر مما ينبغي. أجرى علماء النفس العديد من التجارب توفرت معلومات معتمدة على المعدل الأساسي فيها كجزء من المسألة، ويتأثر العديد من المشاركين بمثل هذه المعدلات، على الرغم من منح المعلومات حول الحالات المعنية ثقلًا أكبر دومًا من الإحصاءات المحضة. أظهر نوربرت شفارتز وزملاؤه أن توجيه المشاركين لأن «يفكروا مثل عالم إحصاء» يدعم استخدام المعلومات التي تعتمد على المعدلات الأساسية، بينما يؤدي توجيههم إلى «التفكير كطبيب» إلى أثر عكسي.

أفضت تجربة أُجريت منذ سنوات قليلة مضت على عدد من الطلاب الجامعيين في جامعة هارفرد إلى نتيجة أدهشتني: تتسبب عملية التنشيط المحسنة للنظام ٢ في تطور ملحوظ في دقة التنبؤ في مسألة توم دبليو. مزجت التجربة بين المسألة القديمة وأحد التنويعات الحديثة عن الطلاقة الإدراكية. طُلب من نصف طلاب التجربة نفخ خدودهم أثناء تنفيذ التجربة، بينما طُلب من الآخرين التقطيب. يزيد التقطيب، مثلما رأينا، عمومًا من يقظة النظام ٢ ويقلل من الثقة المفرطة والاعتماد على الحدس. كرر الطلاب الذين طُلب منهم نفخ خدودهم (وهو تعبير محايد عاطفيًّا) النتائج الأصلية. فقد اعتمد هؤلاء بصورة حصرية على درجة التمثيل وتجاهلوا المعدلات الأساسية. لكن مثلما توقَّع الباحثون، أظهر المقطِّبون بعض الحساسية تجاه المعدلات الأساسية. هذه نتيجة دالة.

•••

عند إصدار حكم حدسي غير صحيح، يجب توجيه أصابع الاتهام إلى النظام ١ والنظام ٢ كليهما. اقترح النظام ١ الحدس غير الصحيح، وصدَّق النظام ٢ عليه وعبَّر عنه في صورة حكم. هناك سببان ممكنان لفشل النظام ٢؛ ألا وهما الجهل أو الكسل. يتجاهل بعض الأشخاص المعدلات الأساسية؛ لأنهم يظنون أنها غير مهمة في ظل توفر المعلومات حول الحالة محل الاعتبار. يرتكب الآخرون الخطأ نفسه؛ نظرًا لأنهم لا يولون التمرين التركيز الكافي. إذا كان التقطيب يصنع فارقًا، فيبدو أن الكسل يمثِّل تفسيرًا مناسبًا لإهمال المعدلات الأساسية، على الأقل بين طلاب جامعة هارفرد. بينما «يعرف» النظام ٢ الخاص بهم أن المعدلات الأساسية مهمة حتى لو لم يجر ذكرها صراحةً، إلا أنهم لا يستخدمون هذه المعلومة إلا عندما يبذل النظام ٢ جهدًا خاصًّا في تنفيذ التمرين.

يتمثل الخطأ الثاني للاعتماد بشكل كلي على درجة التمثيل في عدم الحساسية تجاه طبيعة الأدلة المتوفرة. تذكَّر قاعدة النظام ١، «ما تراه هو كل ما هناك». في مثال توم دبليو، ينشِّط آليتك الترابطية وصف شخصية توم، الذي ربما يكون وصفًا دقيقًا أو لا يكون كذلك. ربما كانت عبارة أن توم دبليو «يبدو أن لديه مشاعر وتعاطفًا قليلًا تجاه الأشخاص الآخرين» كافية لإقناعك (وإقناع معظم القراء الآخرين) أن توم سيكون من المستبعد للغاية أن يكون طالبًا في مجال علم الاجتماع أو الخدمة الاجتماعية. في المقابل، قيل لك بوضوح إن وصف الشخصية لا يجب الوثوق به!

بينما تفهم لا شك مبدئيًّا أن المعلومات التي لا قيمة لها يجب التعامل معها بصورة لا تختلف عن التعامل مع حالة غياب كاملة للمعلومات، يجعل مبدأ «ما تراه هو كل ما هناك» من الصعوبة البالغة بمكان تطبيق هذا. سيعالج النظام ١ الخاص بك آليًّا المعلومات المتوفرة كما لو كانت معلومات صحيحة، إلا إذا قررت على الفور رفض الدلائل المتوفرة (من خلال الإشارة إلى أنك تلقيت هذه الدلائل من شخص كاذب، مثلًا). يوجد شيء واحد تستطيع القيام به عندما تنتابك الشكوك حيال طبيعة الدلائل المتوفرة؛ ألا وهو جعل أحكامك حول احتمالية وقوع حدث ما قريبة من المعدل الأساسي. لا تتوقع أن يكون تمرين ترويض الدلائل هذا سهلًا؛ إذ يتطلب ذلك جهدًا كبيرًا لمراقبة الذات والتحكم فيها.

تتمثل الإجابة الصحيحة عن مسألة توم دبليو في عدم الابتعاد عن معتقداتك الأصلية، وهو ما يقلل بصورة طفيفة الاحتمالات المرتفعة الأولية للمجالات كثيفة عدد الطلاب (الإنسانيات والتربية؛ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية)، كما يرفع بصورة طفيفة من الاحتمالات المنخفضة للتخصصات النادرة (علم المكتبات، علوم الكمبيوتر). بينما لا توجد في الموضع الذي ستوجد فيه إذا لم تكن تعلم أي شيء على الإطلاق عن توم دبليو، لكن الدلائل القليلة المتوفرة ليست ذات مصداقية؛ لذا يجب أن تهيمن المعدلات الأساسية على تقديراتك.

كيفية ترويض الحدس

بينما يمثِّل احتمال أنها ستمطر غدًا درجة تصديقك الذاتية، يجب عليك ألا تصدق كل شيء يرد إلى عقلك. وحتى تصبح معتقداتك مفيدة، يجب أن يقيدها منطق الاحتمالية؛ لذا، إذا كنت تعتقد أن هناك فرصة بنسبة تبلغ ٤٠٪ في أنها ستمطر غدًا خلال أي من ساعات اليوم، فيجب أيضًا أن تعتقد أن هناك فرصة بنسبة تبلغ ٦٠٪ أنها لن تمطر غدًا، ويجب ألا تعتقد أن هناك فرصة بنسبة ٥٠٪ أنها ستمطر غدًا صباحًا. وإذا كنت تعتقد أن هناك فرصة بنسبة ٣٠٪ لانتخاب المرشح س رئيسًا، وأن هناك فرصة بنسبة ٨٠٪ لإعادة انتخابه إذا فاز في المرة الأولى، فيجب إذن أن تعتقد أن فرص انتخابه مرتين متتاليتين هي بنسبة ٢٤٪.

وفرت الإحصاءات البايزية «القواعد» ذات الصلة لمسائل مثل مسألة توم دبليو. سُمِّي هذا الأسلوب الحديث واسع التأثير في الإحصاء على اسم قس إنجليزي عاش في القرن الثامن عشر، وهو توماس بايز، الذي يرجع الفضل إليه في مساهمته الأولى الكبرى في حل مشكلة كبيرة؛ ألا وهي «تحديد منطق تغيير الأفراد آراءهم في ضوء الأدلة». تشير قاعدة بايز إلى وجوب مزج المعتقدات السابقة (المعدلات الأساسية، وفق الأمثلة في هذا الفصل) مع نسبة احتمالية الأدلة، وهي درجة تفضيل فرضية على الفرضية البديلة. على سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أن ٣٪ من طلاب الدراسات العليا مقيدون في مجال علوم الكمبيوتر (المعدل الأساسي)، وإذا كنت تعتقد أيضًا أن وصف شخصية توم دبليو يشير بمقدار أربعة أضعاف إلى طالب دراسات عليا في ذلك المجال أكثر مما في المجالات الأخرى؛ فتقول قاعدة بايز بوجوب الاعتقاد في أن احتمالية أن يكون توم دبليو عالم كمبيوتر تبلغ نسبتها ١١٪. وإذا كان المعدل الأساسي يبلغ ٨٠٪، فستبلغ درجة الاعتقاد ٩٤٫١٪، وهكذا.

ليست التفاصيل الرياضية مهمة في هذا الكتاب. هناك فكرتان يجب أن تظلا في الذهن حول طريقة التفكير البايزية وحول طريقة ميلنا لخلط الأمور؛ تتمثل الفكرة الأولى في أهمية المعدلات الأساسية، حتى في حال وجود دلائل تعضد الحالة الحالية موضوع البحث. ليست هذه الفكرة واضحة بداهةً في الغالب. تتمثل الفكرة الثانية في أن الانطباعات الحدسية لنسبة احتمالية الدلائل المتوفرة تكون مبالغًا فيها عادةً. يميل المزج بين مبدأ «ما تراه هو كل ما هناك» والتماسك الترابطي إلى جعلنا نصدق القصص التي ننسجها لأنفسنا. ويمكن تلخيص المفاتيح الأساسية للتفكير البايزي المروض كالآتي:
  • قم بإرساء حكمك حول احتمالية تحقق نتيجة ما بالقرب من معدل أساسي معقول.

  • قم بالتحقق من مدى صحة الدلائل المتوفرة لديك.

كلتا الفكرتين مباشرة. كان الأمر بمنزلة صدمة لي عندما أدركت أنني لم أتعلم مطلقًا كيف أنفذ هاتين الفكرتين، وأنني لا أزال أجد ذلك غير طبيعي الآن.

في الحديث عن درجة التمثيل

«يبدو النجيل أمام الشركة مشذبًا جيدًا، وموظف الاستقبال يبدو كفؤًا، والأثاث أنيقًا، لكن لا يعني كل ذلك أنها شركة تتبع أساليب إدارة جيدة. آمل ألا يعتمد مجلس الإدارة في حكمه عليها على درجة التمثيل.»

«بينما تبدو هذه الشركة الناشئة كما لو أنها لن تفشل، يعتبر المعدل الأساسي للنجاح في مجال عمل الشركة منخفضًا للغاية. كيف نعلم أن هذه الحالة مختلفة؟»

«لا يزالون يرتكبون الخطأ نفسه؛ فهم يتنبئون بأحداث نادرة الوقوع من خلال أدلة ضعيفة. عندما تكون الأدلة ضعيفة، يجب أن يلزم المرء المعدلات الأساسية.»

«أعلم أن هذا التقرير يديننا بشدة، وربما يعتمد على دلائل قوية، لكن إلى أي مدى نحن متأكدون؟ يجب أن نفسح المجال أمام عدم اليقين هذا في طريقة تفكيرنا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤