الفصل الحادي والثلاثون

سياسات المخاطرة

تخيل أنك تواجه القرارين المتزامنين التاليين. ادرس أولًا كلا القرارين، ثم اتخذ اختياراتك.

القرار (١) اختر بين:
(أ) مكسب مضمون قيمته ٢٤٠ دولارًا.
(ب) احتمال بنسبة ٢٥٪ بربح ١٠٠٠ دولار، واحتمال بنسبة ٧٥٪ بربح لا شيء.
القرار (٢) اختر بين:
(ﺟ) خسارة مؤكدة قيمتها ٧٥٠ دولارًا.
(د) احتمال بنسبة ٧٥٪ بخسارة ١٠٠٠ دولار، واحتمال بنسبة ٢٥٪ بخسارة لا شيء.

إن معضلتي الاختيار هاتين لهما موضع مهم في تاريخ نظرية التوقع، ولديهما أشياء جديدة لتخبرنا بها بشأن العقلانية. بينما تمر سريعًا بالمعضلتين، كان رد فعلك المبدئي تجاه الأشياء المضمونة (أ) و(ﺟ) هو الانجذاب نحو الأول والنفور من الثاني. فالتقييم العاطفي «للمكسب الأكيد» و«الخسارة الأكيدة» هو رد فعل تلقائي للنظام ١، ويحدث بالتأكيد قبل العملية الأكثر مشقة (والاختيارية) لحساب القيم المتوقعة للرهانين (وهي على التوالي مكسب قيمته ٢٥٠ دولارًا وخسارة قدرها ٧٥٠ دولارًا). وقد توافقت اختيارات معظم الناس مع انحيازات النظام ١، والأغلبيات الواسعة تفضل (أ) عن (ب)، و(د) عن (ﺟ). وكما في العديد من الاختيارات الأخرى التي تتضمن احتماليات متوسطة أو عالية، يميل الناس لتجنب الخسارة على صعيد المكاسب والسعي للمخاطرة على صعيد الخسائر. ففي التجربة الأصلية التي أجريتها أنا وعاموس، اختار ٧٣٪ من المشاركين الخيار (أ) في القرار رقم ١، و(د) في القرار رقم ٢، فيما فضل ٣٪ فقط الجمع بين (أ) و(ب).

طُلب منك دراسة كلا الخيارين قبل اتخاذ اختيارك الأول، وعلى الأرجح أنك قد فعلت. ولكن هناك شيئًا لم تفعله بالتأكيد: فلم تقم بحساب النتائج المحتملة لمجموعات الاختيارات الأربع ((أ) و(ﺟ)، (أ) و(د)، (ب) و(ﺟ)، (ب) و(د)) لتحديد أي مجموعة تفضلها أكثر. لقد كانت تفضيلاتك المنفصلة للمعضلتين مقنعة على المستوى الحدسي، ولم يكن هناك سبب لكي تتوقع أنها من الممكن أن تقود لمتاعب. علاوة على ذلك، يعد دمج معضلتي القرار معًا تدريبًا شاقًّا كنت بحاجة لقلم رصاص وورقة لإجرائه، ولكنك لم تفعل. والآن تأمل معضلة الاختيار التالية:
(أ د) احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٢٤٠ دولارًا، واحتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ٧٦٠ دولارًا.
(ب ﺟ) احتمال بنسبة ٢٥٪ للفوز ﺑ ٢٥٠ دولارًا، واحتمال بنسبة ٧٥٪ لخسارة ٧٥٠ دولارًا.

الاختيار سهل! فالخيار (ب ﺟ) «يطغى» على الخيار (أ د)، (وكلمة يطغى هي المصطلح الفني الذي يعبر عن أفضلية خيار عن آخر بشكل واضح). أنت تعرف بالفعل ماذا بعد، فالخيار السائد في (أ د) هو اتحاد الخيارين المرفوضين في معضلتي القرار الأوليين، اللتين لم يفضلهما سوى ٣٪ من المشاركين في دراستنا الأصلية. فيما فضل ٧٣٪ الخيار (ب ﺟ) الأدنى.

واسع أم ضيق؟

هذه المجموعة من الاختيارات تحوي الكثير لتخبرنا به بشأن حدود العقلانية البشرية؛ فهي تساعدنا على رؤية الاتساق المنطقي لتفضيلات البشر كما هي على حقيقتها؛ مجرد سراب ميئوس منه. ألقِ نظرة أخرى على الإشكالية الأخيرة السهلة. هل تخيلت إمكانية تفكيك هذا الاختيار الواضح إلى معضلتين من شأنهما أن تقودا أغلبية كبيرة من الأشخاص إلى خيار أدنى؟ هذا صحيح على وجه العموم: فكل خيار بسيط يصاغ في إطار المكاسب والخسائر يمكن تفكيكه بطرق لا حصر لها إلى مجموعة من الاختيارات؛ مما يسفر عن تفضيلات من المحتمل ألا تكون متناغمة.

يوضح المثال كذلك أن تجنب الخسارة في حالة المكسب والسعي للمخاطرة في حالة الخسارة أمر مكلف. فهذه التوجهات تجعلك على استعداد لدفع مبلغ إضافي للحصول على مكسب أكيد وليس مواجهة رهان، وعلى استعداد أيضًا لدفع مبلغ إضافي (في القيمة المتوقعة) لتجنب خسارة مؤكدة. وكلا المبلغين يخرج من نفس الجيب، وعندما تواجه كلا النوعين من المشكلات في آن واحد، من غير المحتمل أن تكون التوجهات المتباينة توجهات مثلى.

وقد كانت هناك طريقتان لبناء القرارين ١ و٢:
  • التأطير الضيق: تسلسل من قرارين بسيطين يتم دراستهما على نحو منفصل.

  • التأطير الواسع: قرار واحد شامل يضم أربعة خيارات.

كان التأطير الواسع هو الغالب في هذه الحالة بشكل واضح، بل إنه سيكون الغالب (أو على الأقل لن يكون في مرتبة متدنية) في كل حالة تدرس فيها عدة قرارات معًا. تخيل قائمة أطول من ٥ قرارات بسيطة (مزدوجة) من المفترض تدبرها في نفس الوقت. يتألف الإطار الواسع (الشامل) من اختيار واحد يضم ٣٢ خيارًا. أما الإطار الضيق، فسوف يفرز سلسلة من ٥ قرارات بسيطة. سوف تكون السلسلة ذات الخمسة اختيارات واحدة من اﻟ ٣٢ خيارًا الموجودين في الإطار الواسع. هل ستكون الأفضل؟ ربما، ولكنه ليس احتمالًا كبيرًا. فالفاعل العقلاني بالطبع سوف يمارس التأطير الواسع، ولكن البشر بطبيعتهم يميلون للتأطير الضيق.

والنموذج المثالي للاتساق المنطقي، كما يبين المثال، لا يمكن أن يتحقق بواسطة عقولنا المحدودة. فنظرًا لكوننا عرضة للخضوع لنظرية «ما تراه هو كل ما هناك» ونتجنب الجهد الذهني، نميل لاتخاذ القرارات مع ظهور المشكلات، حتى عندما نوجه على وجه الخصوص لدراستها بشكل مشترك. فنحن لا نملك النزعة ولا الموارد العقلية اللازمين لفرض الاتساق والتناغم على تفضيلاتنا، وتفضيلاتنا ليست مهيأة بشكل سحري لكي تكون متماسكة، كما هي في نموذج الفاعل العقلاني.

معضلة صامويلسون

سأل العظيم بول صامويلسون — أحد عمالقة علم الاقتصاد في القرن العشرين — أحد أصدقائه ما إذا كان سيقبل رهانًا على قذف عملة قد يخسر فيه ١٠٠ دولار أو يفوز ﺑ ٢٠٠ دولار. فأجابه صديقه: «لن أراهن لأنني سأشعر أن خسارة المائة دولار أكبر من مكسب المائتي دولار. ولكنني سأوافقك إذا وعدتني بأن تدعني أقوم ﺑ ١٠٠ رهان كهذا!» ما لم تكن منظِّرًا في مجال صنع القرار، ربما تشارك حدس صديق صامويلسون من أن لعب رهان مغرٍ ولكنه محفوف بالمخاطر عدة مرات، من شأنه الحد من المخاطرة الشخصية. وقد وجد صامويلسون إجابة صديقه تلك مثيرة، ومضى يحللها، فأثبت أنه تحت ظروف خاصة للغاية، ينبغي على من يسعى لتعظيم المنفعة، والذي يرفض رهانًا واحدًا، أن يرفض أيضًا عرضًا لخوض عدة رهانات.

والمثير أنه لا يبدو أن صامويلسون قد اهتم بحقيقة أن دليله، الذي يعتبر صحيًحا بالطبع، قد قاد إلى استنتاج يخرق المنطق السليم، إن لم يكن يخرق العقلانية؛ ألا وهو أن عرض المائة رهان مغرٍ بما لا يدع مجالًا لأي شخص عاقل لرفضه. فقد أشار ماثيو رابين وريتشارد تالر إلى أن «المراهنة المجمعة على مائة رهان تتساوى فيها احتمالات المكسب والخسارة، بخسارة قدرها ١٠٠ دولار ومكسب قدره ٢٠٠ دولار، يقدر عائدها المتوقع ﺑ ٥٠٠٠ دولار، حيث احتمال خسارة أي أموال يبلغ ١ / ٢٣٠٠ فقط، فيما يبلغ احتمال خسارة أكثر من ١٠٠٠ دولار ١ / ٦٢٠٠٠ فقط.» إن فكرتهما تتمثل بالطبع في أنه إذا كان من الممكن لنظرية المنفعة أن تتسق مع مثل هذا التفضيل الأحمق تحت أي ظروف، فلا بد إذن أن هناك شيئًا يعيبها كنموذج للاختيار العقلاني. إن صامويلسون لم يرَ إثبات رابين للعواقب المنافية للعقل للتجنب الحاد للخسارة في الرهانات الصغيرة، ولكنه بالتأكيد لم يكن ليُفاجأ به. فاستعداده حتى لدراسة إمكانية أنه قد يكون من العقلانية رفض العرض يشهد على السيطرة القوية للنموذج العقلاني.

لنفترض أن دالة قيمة بسيطة للغاية تصف تفضيلات صديق صامويلسون (لندعُهُ سام). للتعبير عن تجنبه للخسائر، يعيد سام صياغة الرهان «بعد ضرب كل خسارة في ٢». بعد ذلك يقوم بحساب القيمة المتوقعة للرهان المعاد صياغته. فيما يلي النتائج لقذف العملة مرة واحدة، أو اثنتين، أو ثلاث. وهي نتائج إرشادية بما يكفي لتستحق ما تجلبه من إرهاق للعينين:

القيمة المتوقعة
قذفة واحدة (احتمال ٥٠٪ لخسارة ١٠٠؛ احتمال ٥٠٪ للفوز ﺑ ٢٠٠) ٥٠
الخسائر مضاعفة (احتمال ٥٠٪ لخسارة ٢٠٠؛ احتمال ٥٠٪ للفوز ﺑ ٢٠٠) ٠
قذفتان (احتمال ٢٥٪ لخسارة ٢٠٠؛ ٥٠٪ للفوز ﺑ ١٠٠ واحتمال ٢٥٪ للفوز ﺑ ٤٠٠) ١٠٠
الخسائر مضاعفة (احتمال ٢٥٪ لخسارة ٤٠٠؛ ٥٠٪ للفوز ﺑ ١٠٠ واحتمال ٢٥٪ للفوز ﺑ ٤٠٠) ٥٠
ثلاث قذفات (احتمال ١٢٫٥٪ لخسارة ٣٠٠؛ احتمال ٣٧٫٥٪ للفوز بلا شيء؛ احتمال ٣٧٫٥٪ للفوز ﺑ ٣٠٠؛ احتمال ١٢٫٥٪ للفوز ﺑ ٦٠٠) ١٥٠
الخسائر مضاعفة (احتمال ١٢٫٥٪ لخسارة ٦٠٠؛ احتمال ٣٧٫٥٪ للفوز بلا شيء؛ احتمال ٣٧٫٥٪ للفوز ﺑ ٣٠٠؛ احتمال ١٢٫٥٪ للفوز ﺑ ٦٠٠) ١١٢٫٥

يمكنك أن ترى من خلال هذا العرض أن للرهان قيمة متوقعة تساوي ٥٠. غير أن قذفة واحدة للعملة لا تساوي شيئًا لسام؛ لشعوره بأن ألم خسارة دولار أشد مرتين من متعة الفوز بدولار. وبعد إعادة صياغة الرهان بحيث تعكس ميله لتجنب الخسارة، سوف يجد سام أن قيمة الرهان تساوي صفرًا.

الآن تأمل ما يحدث في حالة قذف العملة مرتين. لقد انخفضت احتمالات الخسارة إلى ٢٥٪. والنتيجتان الطرفيتان (خسارة ٢٠٠ دولار أو الفوز ﺑ ٤٠٠ دولار) تلغي قيمة إحداهما الأخرى؛ فاحتماليتهما متساوية، وتقدر الخسائر بضعف المكسب مرتين. ولكن النتيجة المتوسطة (خسارة واحدة، مكسب واحد) إيجابية، وكذلك الحال بالنسبة للرهان المضاعف ككل. يمكنك الآن أن ترى تكلفة التأطير الضيق وسحر المراهنات المجمعة. إن لدينا هنا رهانين رابحين، كلاهما لا يساوي شيئًا لسام بشكل فردي. وإذا واجه العرض في مناسبتين منفصلتين، سوف يرفضه في كلتا المرتين. غير أنه إذا جمع العرضين معًا، سوف يساويان معًا ٥٠ دولارًا!

وتسير الأمور للأفضل عند جمع ثلاث مراهنات معًا. فتظل قيمة النتائج الطرفية لاغية، ولكنها أصبحت أقل أهمية. وقد أضافت القذفة الثالثة ٦٢٫٥٠ دولارًا إلى القيمة الإجمالية للصفقة، على الرغم من كونها عديمة القيمة إذا تم تقييمها بمفردها. ووقتما يعرض على سام خمسة رهانات، سوف تكون القيمة المتوقعة للعرض ٢٥٠ دولارًا، وسوف يكون احتمال خسارته أي شيء ١٨٫٧٥٪، وسوف يكون معادله النقدي ٢٠٣٫١٢٥ دولارًا. ولعل الجانب البارز من هذه القصة هو أن سام لم يتزعزع قط عن نزعته لتجنب الخسائر. غير أن تجميع المراهنات الرابحة سرعان ما تقلل من احتمال الخسارة، وبالتالي يتقلص تأثير تجنب الخسارة على تفضيلاته.

والآن لدي خطبة وعظية جاهزة لسام إذا رفض العرض الخاص برهان محبب إلى حد كبير يتم لمرة واحدة، ولك أنت أيضًا إذا كنت تشاركه تجنبه غير المنطقي للخسائر:
أتفهَّم تجنبك لخسارة أي رهان، ولكنه يكلفك الكثير من المال. أرجو منك أن تفكر في هذا السؤال: هل أنت على فراش الموت؟ هل هذا هو آخر عرض لرهان صغير رابح تفكر فيه على الإطلاق؟ من غير المحتمل بالطبع أن يعرض عليك نفس الرهان بالضبط مرة أخرى، ولكنك ستحظى بفرص عديدة للتفكير برهانات مغرية تحمل مخاطر محدودة للغاية بالنسبة لثروتك. وسوف تسدي لنفسك معروفًا كبيرًا على الصعيد المالي إذا استطعت النظر إلى كل واحدة من هذه المراهنات كجزء من حزمة مراهنات صغيرة، وتتدرب على الشعار الذي سيقربك إلى حد كبير إلى نقطة العقلانية الاقتصادية: إنك تفوز بالقليل، وتخسر لبعض الوقت. فالهدف الأساسي من هذا الشعار هو التحكم في استجابتك الانفعالية عند الخسارة. وإذا أمكنك أن تثق في فعاليته، فلا بد أن تذكر نفسك به عند اتخاذ قرار بشأن قبول أو رفض مخاطرة صغيرة تحمل قيمة متوقعة إيجابية. ولتتذكر هذه المواصفات والمؤهلات عند استخدام الشعار:
  • إنه يجدي حين تكون المراهنات مستقلة إحداها عن الأخرى بشكل فعلي؛ فهو لا ينطبق على الاستثمارات المتعددة في نفس المجال، والتي تسير جميعًا في اتجاه سيئ معًا.

  • إنه يجدي فقط حين لا تثير لديك الخسارة المحتملة قلقًا بشأن ثروتك الإجمالية. فإذا كنت تعتبر الخسارة بمثابة نبأ سيئ عن مستقبلك الاقتصادي، فلتحذرها!

  • لا ينبغي أن يطبق على الصفقات طويلة المدى، حيث احتمال الفوز محدود للغاية لكل رهان.

إذا كان لديك الانضباط الانفعالي الذي تتطلبه هذه القاعدة، لن تفكر قط في أي رهان صغير بشكل منفصل، أو تتجنب الخسارة في أي رهان صغير حتى تكون على فراش الموت فعليًّا؛ ولا حتى في ذلك الوقت.

إن هذه النصيحة لا يستحيل اتباعها؛ فالمضاربون المحنكون في الأسواق المالية يطبقونها كل يوم، واقين بذلك أنفسهم من ألم الخسائر من خلال «التأطير الواسع». وكما ذكرنا من قبل، نحن نعلم الآن أنه قد أمكن علاج أفراد العينة التجريبية من نزعتهم لتجنب الخسارة (في سياق معين) من خلال حثِّهم على «التفكير بعقلية التاجر»، تمامًا مثلما أن تجار بطاقات البيسبول المحنكين غير قابلين للتأثر بتأثير المنحة مثل التجار المستجدين. فقد اتخذ الطلاب قرارات بها مخاطرة (بقبول أو رفض مراهنات من الممكن أن يمنوا فيها بخسارة) تحت توجيهات مختلفة. في حالة التأطير الضيق، طلب منهم «اتخاذ كل قرار وكأنه القرار الوحيد المتاح» وأن يتقبلوا انفعالاتهم ومشاعرهم. أما التوجيهات الخاصة بالتأطير الواسع للقرار، فشمل عبارات «تخيل نفسك تاجرًا»، و«إنك تفعل ذلك طوال الوقت»، و«تعامل معه كواحد من قرارات مالية عديدة سوف تجمع معًا لتكوين «محفظة أوراق مالية».» قام المجربون بتقييم الاستجابة الانفعالية لأفراد العينة تجاه المكاسب والخسائر عن طريق القياسات الفسيولوجية، من ضمنها التغيرات في المواصلة الكهربية للجلد، والتي تستخدم في كشف الكذب. وكما هو متوقع، فقد قلل التأطير الواسع من حدة رد الفعل الانفعالي تجاه الخسائر، وزاد من الاستعداد للمجازفة.

ويعد مزيج تجنب الخسارة والتأطير الضيق لعنة مكلفة. وبإمكان المستثمرين الفرديين تجنب تلك اللعنة، محققين الفوائد العاطفية للتأطير الواسع مع توفير الوقت والمعاناة في ذات الوقت، وذلك من خلال الحد من تكرار مراجعة مدى جودة أداء استثماراتهم. فمتابعة التقلبات اليومية عن كثب تعد قضية خاسرة؛ نظرًا لأن ألم الخسائر الصغيرة المتكررة يفوق متعة المكاسب الصغيرة المتكررة بنفس القدر. يكفي مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، بل إنها قد تكون أكثر من كافية للمستثمرين الفرديين. فإلى جانب تحسين الجودة العاطفية للحياة، يعمل التجنب المتعمد للتعرض لنتائج قصيرة المدى على تحسين جودة كل من القرارات والنتائج. إن رد الفعل النمطي على المدى القصير للأنباء السيئة هو تزايد الميل لتجنب الخسائر. والمستثمرون الذين يحظون بمردود مجمع يتلقون مثل هذه الأنباء بمعدل أقل بكثير، ومن المحتمل أن يكونوا أقل تجنبًا للخسارة وينتهي بهم الحال لثراء أكبر. كذلك تكون أقل عرضة للتداول المفرط غير المجدي لمحفظة أوراقك المالية إذا لم تكن على علم بسير كل سهم فيها كل يوم (أو كل أسبوع أو حتى كل شهر). والالتزام بعدم تغيير موقفك لفترات متعددة (وهو ما يعادل مصطلح «تثبيت» الاستثمار) من شأنه تحسين الأداء المالي.

سياسات المخاطرة

يقوم صناع القرار المعرضون للتأطير الضيق ببناء تفضيل ما في كل مرة يواجهون اختيارًا محفوفًا بالمخاطر. ويميل أداؤهم للتحسن من خلال امتلاك «سياسة مخاطرة» يقومون بتطبيقها بشكل روتيني كلما ظهرت مشكلة في هذا الصدد. ومن الأمثلة الشائعة لسياسات المخاطرة «خذ أعلى تأمين قابل للخصم ممكن عند شراء تأمين»، و«لا تشترِ ضمانات ممتدة مطلقًا». وتدخل سياسة المخاطر في عداد الإطارات الواسعة. ففي الأمثلة الخاصة بالتأمين، تتوقع الخسارة المؤقتة للتأمين القابل للخصم بأكمله، أو الإخفاق المؤقت لمنتج غير مؤمن عليه. والقضية في هذا الصدد تتعلق بقدرتك على الحد أو التخلص من الخسارة العرضية، من خلال الاعتقاد بأن السياسة التي تركتك معرضًا لها سوف تكون نافعة ماليًّا على المدى الطويل بشكل شبه مؤكد.

وسياسة المخاطرة التي تقوم بتجميع القرارات تكون مشابهة للمنظور الخارجي للتخطيط للمشكلات التي ناقشتها سابقًا، فالمنظور الخارجي ينقل التركيز من تفاصيل الموقف الحالي إلى إحصاءات النتائج في مواقف مشابهة. ويعد المنظور الخارجي إطارًا واسعًا لتدبر الخطط. أما سياسة المخاطرة، فهي إطار واسع يدمج اختيارًا معينًا محفوفًا بالمخاطر داخل مجموعة من الاختيارات المشابهة.

ويعد كل من المنظور الخارجي وسياسة المخاطرة علاجين ضد نوعين مختلفين من التحيزات التي تؤثر على العديد من القرارات: التفاؤل المفرط لمغالطة التخطيط، والحذر المفرط الذي يولده تجنب الخسارة. وكلا التحيزين يتعارض أحدهما مع الآخر، فالتفاؤل المفرط يحمي الأفراد والمؤسسات من الآثار التعجيزية لتجنب الخسارة؛ فيما يحميهم تجنب الخسارة من حماقات التفاؤل مفرط الثقة. والمحصلة مُرضية نوعًا ما لصانع القرار. فيعتقد المتفائلون أن القرارات التي يصنعونها أكثر حصافة وحكمة مما هي في الحقيقة، فيما يرفض صناع القرار المتجنبين للمخاطرة — عن حق — اقتراحات هامشية ربما كانوا سيقبلونها في ظروف أخرى. بالطبع لا يوجد ضمان أن هذه التحيزات توازن إحداهما الأخرى في كل موقف، والمؤسسة التي تستطيع القضاء على كل من التفاؤل المفرط وتجنب المخاطرة المفرط ينبغي أن تفعل ذلك. ولا بد أن يكون مزيج المنظور الخارجي وسياسة المخاطرة هو الهدف.

يحكي ريتشارد تالر عن مناقشة حول صناعة القرار، خاضها مع كبار مديري ٢٥ قسمًا لإحدى الشركات الكبرى؛ إذ طلب من كل واحد منهم التفكير في خيار محفوف بالمخاطر قد يخسر فيه مبلغًا كبيرًا من رأس المال الذي يديره أو يربح ضعف هذا المبلغ، مع تساوي احتمالات المكسب والخسارة. لم يكن أي من المسئولين التنفيذيين على استعداد لخوض مثل هذا الرهان الخطير. بعد ذلك اتجه تالر إلى المدير التنفيذي للشركة، الذي كان موجودًا أيضًا، وطلب رأيه. فأجاب المدير التنفيذي دون تردد: «أود منهم جميعًا أن يقبلوا مخاطرهم.» في سياق هذه المحادثة، كان من الطبيعي للمدير التنفيذي أن يتبنى إطارًا واسعًا يشمل اﻟ ٢٥ رهانًا كاملة. وعلى غرار سام الذي واجه ١٠٠ قذفة عملة، استطاع أن يعتمد على التجميع الإحصائي للتخفيف من وطأة المخاطرة الكلية.

في الحديث عن سياسات المخاطرة

«أخبِرها أن تفكر بعقلية تاجر! فالمرء يفوز لبعض الوقت، ويخسر لبعض الوقت.»

«لقد قررت أن أقيِّم محفظة أوراقي المالية مرة واحدة فقط كل ثلاثة أشهر. فأنا أميل لتجنب الخسارة بشكل يتعذر معه اتخاذ قرارات عقلانية في وجه التقلبات اليومية للأسعار.»

«إنهم لا يشترون ضمانات ممتدة مطلقًا، تلك هي سياسة المخاطرة التي يتبعونها.»

«كل مسئول من مسئولينا التنفيذيين متجنب للخسارة في مجاله. وهذا أمر طبيعي تمامًا، ولكن المحصلة هي أن المؤسسة لا تجازف بما يكفي.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤