الفصل الثالث

نقد المضمون الواقعي

(١) الرسول الإنسان

ويعني المضمون الواقعي مدى تطابق مضمون الحديث مع الواقع الإنساني وقدرات الإنسان وإمكانياته، خاصة أن الرسول بشَر مثل باقي البشر، وليس له معجزات باقي الأنبياء، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى. فالإسلام يعتمد على العقل. لذلك جاء مدى تطابق الحديث مع المضمون العقلي ضدَّ كل الموضوعات الخيالية المُتعالية، أي نقد المضمون العقلي. والآن نقد المضمون الواقعي أي مدى تطابق الحديث مع العادة والعُرف خاصَّة أن الإسلام يقوم على مجرى العادات وعدم جواز تكليف ما لا يُطاق ضِمن القواعد الأصولية. وفي المثل الشعبي يدلُّ أحيانًا تعبير «غير معقول» على معنى «غير واقعي» أو «غير مُشاهَد» أو «مُستحيل». وقد ظهرت هذه الواقعية في حديث الإسراء والمعراج عندما هبط عدد الصلوات من خمسين إلى خمسٍ في حديث الرسول مع موسى ورجوعه إلى ربه لمُراجعته بناء على ما طلبه، واستفادة من تجربة قوم موسى برفضهم التكليف الشكلي القاسي الذي أخذته صورة الشريعة. لذلك جاءتها محبَّة عيسى بالرحمة والمغفرة، والمحبة والسماحة. وهذا لا يتمُّ بالواقع فقط بل بالحديث أيضًا. فالأحاديث متنوِّعة منها ما يؤيد الرسول الإنسان لا يُبرزها المُحدِّثون ولا السامعون ولا الوُعَّاظ والمُبشِّرون لأنها غير مُغرية أو جاذبة للانتباه مثل أحاديث الرسول التي تجعله «سوبر مان» يتجاوز حدود الممكن والواقع، ويصِل إلى المُستحيل. ويعرف الواقع بتحليل الخبرات الشعورية وتحليل النفس لمعرفة طبيعة الإنسان وماهية الوجود البشري. فمصادر النفس البشرية، ومرجع الطبيعة الإنسانية. وهذه يمكن الاحتكام إليها بمعرفتها عن طريق الإحساس الذاتي والمشاركة الوجدانية مع الآخرين والملاحظات والمشاهدات ونتائج الاستبيانات والتحليلات في الدراسات النفسية الاجتماعية. وتعرف الطبيعة البشرية من الآداب والذكريات والأشعار والأمثال العامية.

وقد يتحوَّل نقد المضمون العقلي وخاصة الواقعي إلى عِلم السيرة، لأنه يتعلق بحديث الرسول وبموضوعاته أكثر مما يتعلق بأشكاله الأدبية أو بنقد السند. ومع ذلك يظلُّ تحليل المضمون في مقابل تحليل الشكل موضوعًا للحديث لأن المصدر في الحديث وليس في علم السيرة. السيرة تُستمَدُّ فقط من مصادر عِلم السيرة وليس من مصادر علم الحديث بالرغم من وجود بابٍ فيه عن السيرة. كل علمٍ يتميَّز عن الآخر بالرغم من أن العلوم النقلية الخمسة مُتداخلة لأنها كلها مُتعلقة بشخص الرسول: القرآن هو مُبلِّغه، والحديث هو قائله، والسيرة هو مادتها، والتفسير هو بادئه، والفقه هو مُشرِّعه.

وأحيانًا يكون الرسول مثل غيره من البشر خاضعًا لقانون الاستحقاق بل يكون أحيانًا أقلَّ من الآخرين لإعطاء النموذج. فإذا كان أحد الصحابة قد أتاه اليقين فإن الرسول لا يدري ماذا يُفعَل به. وهذا يدل على تضارُب الروايات، مرةً تعطي الرسول أكثر من البشر، ومرة أخرى تعطيه مثلهم أو أقل.١ والأوقع أنه مثل سائر البشر. ينطبق عليه ما ينطبق عليهم من حياة وموت، وصحة ومرض، ويقظة وصحو، وعلم وجهل، وطول وقصر، وقوة وضعف، وفرح وحزن، وأمل ويأس، واعتقاد وشك، وموافقة وعتاب. وهو ما يجعله نموذجًا للناس، وقدوةً للبشر، يمكن اتباعها، ولا يصعُب الاقتداء بها.
ويكون الرسول أكثر تساهُلًا من الصحابة في الإنسانية مثل سماع الغناء ومشاهدة الرقص الشعبي من أحبِّ زوجاته إليه أكثر من أبيها.٢ فهو شاعر عربي يُقدِّر الموسيقى وما يُصاحبها من رقصٍ اشتُهرت به الأحباش، وأحبَّ هو أن يضع عائشة على كتفيه لمشاهدته. وقد أوصى بدقِّ الدفوف والإعلان عن الأفراح. وكان سماع حداء الإبل من عادة العرب لمُصاحبتهم في الأسفار. ولم يَشقَّ عن قلوب الناس بل له أيضًا ما يُبدون من أفعالهم. فالإنسان يُبدي المظاهر، والله مُطلع على السرائر. وقد يخطئ الإنسان إذا حكم على بواطن غيره، وضلَّلته المؤشرات وأخطأته الدلالات. لذلك لا يمكن تكفير أحدٍ كما يحدث هذه الأيام بسهولة لأنه لا يجوز الشقُّ عن قلوب الناس كما فعل خالد عندما قتل متشهِّدًا بالله خائفًا وعاتبه الرسول «ألا شققتَ عن قلبه؟» فأصبحت مثلًا.٣
وأحيانًا يبدو الرسول واقعيًّا للغاية. يرفض أن يتصدَّق بثُلثي ماله أو بشطره بل يكفي الثلث وهو كثير حفاظًا على العيش الكريم للذُّرية.٤ فالصدقة اختيارية أما الإعالة فواجب. الصدقة مندوب، والإنفاق واجب بمصطلحات الأصوليين. لذلك كان أبو بكر مثاليًّا عندما كان يتصدَّق بكل ماله ولا يُبقي لعياله إلا الله ورسوله. وكان عمر واقعيًّا عندما كان يتصدَّق بنصف ماله ويبقي النصف الآخر لأهله. وكان يقول لأبي بكر «يا أبا بكر انزل قليلًا.» وكان يقول لعمر «يا عمر اصعد قليلًا.» فأبو بكر يُمثل المثال، وعمر الواقع، والإسلام بين الاثنين وهو ما عُرِف بالوسطية التي تُفهم خطأ كمحور اعتدال في مواجهة محور تطرُّف، وتُقسِّم الأمة سياسيًّا، وتجعلها نافرةً من الجهاد والمُمانعة لمُخططات السيطرة والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على الوطن العربي والعالم الإسلامي.
ولا يكفي المهر في العُرس بل لا بدَّ من الوليمة. فالمهر ذهب للعروس، والوليمة للاحتفال بالحدث.٥ قد يُعطى المهر في صمتٍ وكأنه صفقة في حين أن الوليمة إعلان واحتفال وبهجة جماعية. ويفضل أن يتزوَّج الصحابي بكرًا يُلاعبها وتلاعِبه وليس ثيبًا ذات خبرةٍ سابقة.٦ وتختلف الآراء حول أيهما أمتع جنسيًّا، المُجرِّبة أم غير المجربة. قد تكون المُجربة أكثر اصطناعًا وتكلُّفًا، وغير المُجرِّبة أكثر طبيعية وتلقائية. والطبيعة أفضل من الصنعة في الحُب والشعر كأسلوبٍ للحياة والإبداع.
لذلك كان الرسول يريد أن يقضي يومَه الأخير عند عائشة.٧ فهي البنت البكر الصغيرة اللعوب التي تُعطي الرجل الكبير الإحساس بالحياة، وتُرجعه إلى شبابه. لذلك كان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.٨ وكانت هي البكر الوحيدة التي تزوَّجها. وكانت كل زوجاته السابقات ثيِّبات بما فيهن خديجة أم أولاده التي كان يذكرها بخيرٍ حتى مع عائشة. فهي التي أعطته السند الرُّوحي والعون المادي والإشباع العاطفي وهي في سنِّ الشباب على مدى خمسة عشر عامًا قبل أن تُولَد عائشة، بالرغم من الحكايات التي قدَّمت عائشة على سريرٍ من حرير في السماء. وكانت هي تفخر على باقي زوجاته بأن الله زوجها في السماء في حين أن الله زوجهن في الأرض. وكان يُحب أصحابه وأبناء أبنائه المُتبنَّين ويلعب معهم مثل الحسن والحسين طبقًا للمثل الشعبي «ما أعز من الولد إلَّا ولد الولد.» وقد اعتزل الحسَن الناس ساعة الفتنة. واستُشهِد الحُسين.٩
وتبدأ الرواية الخيالية ببعض المُبالغات مثل أنَّ الرسول كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة.١٠ وقد ساند تلك الرواية حديث «أُوتيت قوة أربعين رجلًا منكم.» وهي صورة البطل الشعبي، المِغوار مع المرأة وفي ميدان القتال. فالقوي قوي في كل الميادين. والضعيف أو العاجز جنسيًّا لا يكون كذلك في ميدان القتال لأنه يهاب نفسه ويخشى الناس. والقوي جنسيًّا لا يكون كذلك إلا في ميدان القتال وإلا كان خائر القوى. فلا فرق بين غرفة النوم وساحة الوغى.
وبالرغم من إباحة تعدُّد الزوجات إلا أن الرسول كأبٍ رفض أن يتزوَّج علي على فاطمة كابنة. فما قد يقبله الآخرون على بناتهم قد لا يقبله هو.١١ وشريعة الإسلام عامة وليست خاصة. وتعدُّد الزوجات بين المندوب والمكروه ولكنه ليس واجبًا أو مُحرَّمًا، متروك للظروف وحُسن تقديرها، بعد الحرب إذا كان عدد النساء أكثر من عدد الرجال ولا تستطيع النساء أن يترهَّبن أو يتحوَّلنَ إلى نساء طريق. وربما قد تكون الزوجة الأولى مريضة مُعوقة ولا تستطيع أن تقوم بواجبات المنزل. وفي كلتا الحالتين يكون الزواج الثاني بموافقتها ورضاها وبإعطائها نفس الحقوق التي للزوجة الثانية في المسكن والملبس والمأكل والمشرب والمصروف اليومي، بل أيضًا بحُسن معاملتها وتقسيم وقته بينهما وعواطفه وهو ما يستحيل على الرجل الذي يميل بطبعه نحو واحدةٍ أكثر من الأخرى. وتعليق الفعل على شرط مُستحيل (على ألا تعدلوا ولن تعدلوا). يُصبح مستحيلًا.
وتختلف الرواية على أمر الرسول بقتل الفويسق أم لا.١٢ فالرسول لا يقتل ولا يأمُر بالقتل. فهو ليس سُلطانًا صاحبه سيَّاف كما هو الحال في بعض النظم البدوية المعاصرة التي تحكم باسم الإسلام والشريعة الإسلامية. فالحياة أول مقصدٍ من مقاصد الشريعة. لذلك كان قتل عربي مُتمسكًا بأستار الكعبة غير واقعي ولا عادي من صاحب دعوةٍ جديدة تقوم على الرحمة والمغفرة، والأخوة والتسامُح. القتل في حدِّ ذاته تمجُّه النفس حتى ولو كان قصاصًا. يصيب النفس بالغثيان حين رؤياه بالسيف أو الرصاص أو الشنق والمقتول مُعلق بحبلٍ من عنقه بعد أن فصل عن جسده وهو يتحرَّك في الهواء. لذلك منعت بعض الشرائع المُعاصرة عقاب الإعدام لأنه قتْل حتى ولو كان قتْل القاتل. فمجموع الخطأين لا يكون صوابًا. وقتْل القاتل قتْل، ومضاعفة تجربة القتْل. وكان الرسول يريد أن يُحيي أكثر ممَّا أن يُميت. وكان قد أمر بقتل شاعرٍ هجاه فرثتْهُ أخته وتأثر الرسول بالرثاء وقال إنه والله لو سمع هذا الرثاء قبل أن يأمر بقتلِه ما قتلَه.
وقد يراجع الرسول قوله. فقد أمر بحرْق اثنين ثم بدَّل الحرق بالقتل لأن الحرق بالنار من اختصاص الله يوم القيامة.١٣ فالقول من الرسول وليس من الوحي بناء على تقديره الخاص. وقد تتغيَّر الأحكام بناء على الذوق النبوي الذي يراجع نفسه، ويستدرك على نفسه، ويُنقذ نفسه بنفسه. وهو على عكس ما يتصوَّر البعض بأن كل ما يقوله الرسول وحي من عند الله بمعنى الوحي القرآني. الحديث اجتهاد، والاجتهاد خاضع للمُراجعة بناء على الدليل. وفي لحظة أُخرى، لا الحرق ولا القتل جائزان لأنهما إزهاق الروح التي أمر الله بحفظها كما يقول المثل الشعبي «ربنا عطى، ربنا خد، ربنا عليه العوض.»

(٢) الصاحب والأنصاري

الصاحب هو الدائرة الضيقة؛ الأخ والابن والحواري والأمين والأمير والقارئ والقائد. في حين أنَّ الصديق هو الدائرة الأوسع من المهاجرين والأنصار.

(أ) الصاحب

وأخبر أحد أصحابه أنه أشبَهَه بخَلقه وخُلقه. وهو ما يندُر، الشبه الجسمي والشبَه الأخلاقي.١٤ فليس للرسول ميزة بدنية مثل موسى أنه كان قويَّ البدن كما عرضَه الفنانون والرسَّامون والمثَّالون، أو عيسى أنه كان رقيق الحال صبوح الوجه كما تخيَّله الرسَّامون أيضًا. فهو مثل غيره بدنًا وخلقًا إلا أنه يُوحى إليه. هو بشَر مثل باقي البشر، مجرد وسيلة لإيصال الوحي مثل أي شخصٍ آخر دون ميزة خاصة فيه.
وإذا كان لكل نبيٍّ حواري فإن الرسول كذلك.١٥ وهو القادر على الانتصار على بني قريظة والإتيان بخبرهم. فالحواري هو الصديق الصدوق. هو الخليل وشقيق الرُّوح، هو الأليف والأنيس مثل صاحبه الذي يُحاوره وهو في الغار. فالروح في حاجة إلى أن تتخارَج وتتحاوَرَ مع روح آخر، يقضي على عُزلته ويؤنِس غربته. الإنسان بطبيعته زَوج، والرُّوحان رُوحان، والصديق صديقان. وإن لم يكن هناك آخر تكلَّم مع نفسه وأقام حديثًا ذاتيًّا (مونولوج) وليس حوارًا (ديالوج). والإنسان في أوَّلِه اثنان، آدم وحواء، بصرْف النظر عن كيفية الخلق من روحه أم من بدنه، من نفسه أم من ضلعه، من روحه أم من مادته. فلا فرق بين مُتحاورَين وشقيقَي روح.
وأحد أبنائه المُتبنَّين أخُوه ومولاه. لا يُطعن في إمارته كما طُعن في إمارة أبيه، وهو خليق بها. كان من أحبِّ الناس إليه هو وأبوه.١٦ وكلها أقوام بعضها من بعض. ورفض الرسول أن يتشفَّع الابن في سارقةٍ وأعلن قولته المشهورة أن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف طبَّقوا عليه الحد. ولو كانت ابنته سارقة لقطع يدَها. ولا يُوجَد أعزُّ من البنوَّة والأخوة، الأمومة والأبوَّة. فصِلةُ الرحم أساس العلاقات الاجتماعية، القرابة والزواج والإرث والجيرة والبيع والشراء في الشفعة، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ، فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. فالقرآن أصل الحديث، والحديث الصحيح فرع القرآن. والرسول الخيالي يستنِد إلى حديثٍ غير صحيح، والرسول الواقعي يستنِد إلى حديثٍ صحيح.
ويمدح أحد أبناء أصحابه إذا صلَّى بالليل. فلم يتوقَّف هذا الصاحب عن فعل ذلك.١٧ وهو الرجل الصالح. فأبناء أصحابه أصحابه مثل آبائهم. وهم صحابة أيضًا لأنهم عاصروا الرسول وليسوا تابعين عاشوا بعده. وهم مُطيعون لآبائهم مثل طاعة آبائهم للرسول. فالذرية صالحة وليست كالآن قتْل الابن أمَّه وأباه وأخاه لنيل السكن أو المال. فالصحوبية ليست المُصاحبة في المكان بل في الزمان. وليست المصاحبة في الزمان مُصاحبة مكانية في وقت الرسول ومكانه بل مُصاحبة شعورية باستحضاره في الزمان كمثَلٍ أعلى وقدوة ومصدر إلهام. وقد يكون الرسول لدى صحابي في المكان، بدويٍّ راعي غنم، أقلَّ حضورًا منه لدى مُعاصرٍ له في الزمان حتى ولو كان بينهما قرون. وهي المعاصرة الشعورية وليست الحضور المكاني أو الزماني.١٨
وقد سأل الرسول أحد أصحابه إذا كان يرضى أن يكون منه بمنزلة هارون من موسى، بمعنى الخلافة السياسية أو القيادة الروحية. واليهود عصَوا هارون وعبدوا العجل بعد أن غادر موسى وعاد غاضبًا وأخذ بلحيةِ أخيه الذي استعطفه بأنهم هم الذين عصَوه بالرغم من إشرافه عليهم.١٩ ويضاف عليهما حفيداه، ولأن الله أحبهما فالرسول يُحبهما.٢٠ وهما ريحانتان من الدنيا. وأحدهما سيِّد قد يُصلح به الله بين فئتين من المُسلمين. وقد كان الرسول دائم التشبُّه بموسى واستدعائه دائمًا أكثر من المسيح. فموسى مؤسِّس دولة ومُحرِّر قوم، وعيسى مؤسِّس جماعة ومُحرِّر روح.
وأراد الرسول إعطاء الراية غدًا لرجلٍ يفتح الله على يديه. يُحب الله ورسوله ويُحبُّه الله ورسوله. ثم سأل عن علي فقيل يشتكي عينَيه فبصقَ فيها ودعا له فبرأ وأعطاه الراية. ورفض أن يبدأهم بالقتال كي يكونوا مُسلمين دون دعوتهم إلى الإسلام أولًا. فهداية واحدٍ خير من حُمر النعم.٢١ وقد توحَّد الرسول مع علي بقوله «أنت منِّي وأنا منك.»٢٢ فلكلِّ صاحبٍ ميزة وفضل: الصلح أو القتال، الدرع أو الرمح، الدفاع أو الهجوم، البناء الداخلي أم البناء الخارجي. كان تاريخ الأنبياء حاضرًا للغاية في وعي الرسول لأنَّ التاريخ يُعيد نفسه وما هو إلا واحد من سلسلةٍ طويلة من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، أولي العزم حتى محمد. لذلك خرج الوعي التاريخي من قصص الأنبياء.٢٣
وأحد أصحابه من العلماء، زينة المجالس. ضمَّه إلى صدره ودعا له «اللهم علِّمه الحكمة.» وفي صياغة أخرى «علمه الكتاب».٢٤ فالعِلم من الصدر إلى الصدر، ومن الجوف إلى الجوف، ومن الرُّوح إلى الروح كما يقول الصوفية في مُقابل حرفية الفقهاء، وكما يقول الشيعة في مقابل تدوين السنة. والعالِم بجوار الرسول مثل الولي بجانب النبي عند الصوفية، والإمام بجوار الرسول عند الشيعة. وهو ما سمَّاه الإخوان الجمهوريون المُحدثون «الرسالة الثانية». فالعلماء ورثة الأنبياء بنص الحديث. أحيانًا يتمثَّل العالِم النبي وأحيانًا ينحرِف عنه ويُقدِّم رسالته مثل بولص مع عيسى الذي أعطى مسيحية مختلفة، يهودية عقائدية مُعقدة عن مسيحية المسيح، الأسينية الأخلاقية البسيطة.٢٥
وكان لا بدَّ له من قارئٍ للقرآن وهو أحد قرَّائه.٢٦ وأحدهم نموذج السلوك وحُسن الأخلاق ومن أحبِّهم إلى الرسول.٢٧ فالقرآن يُحِب أن يُسمع كما أن يُبلَّغ، وأن يُتلى كما أن يُعلن. لذلك كان هناك مجاميع القرَّاء والقراءات والمباراة في القراءة والمسابقة عند المُحدثين. بل تحوَّلت القراءات إلى علمٍ مُستقل ومدارس في مصر والشام والعراق والحجاز، هو عِلم القراءات. بل تتحوَّل القراءة أحيانًا إلى فنٍّ مُستقل أشبه بالموسيقى والغناء، يَطرَب المُستمع لأصوات المُستمعين ولتجاويد القرَّاء. وكان مشاهير المُغنِّين يبدءون مُنشدين للقرآن فكلاهما تلحين لكلام. وكلاهما عاطفيَّان يؤثران في النفس. والقارئ هو الفنان. لا يقرأ القرآن صاحب الصوت الغليظ أو الرفيع، الخشن أو الحاد. يفقد معناه وليس فقط لا يُطرب صوته.
ولمَّا كان لكل أمةٍ أمين فإنَّ أحد أصحابه أمين هذه الأمة، أمين حقُّ أمين.٢٨ والأمين تعني كل شيء، الصاحب والحارس والراعي سواء كسُلطان أو كآمِر بالمعروف، ناهٍ عن المنكر. هو الأمين على مصالحها من كل اتجاهاتها النظرية والعلمية، الشرعية والمصلحية. من يُنكر ذاته، ولا يرى مصلحته الفردية إلا في المصلحة الجماعية. وهو لفظ ما زال يتمُّ استعماله عندما وصف أحد الزعماء العرَب زعيمًا شابًّا آخر بأنه «أمين القومية العربية». كما تحوَّل «أمين» إلى اسم عَلَم شائع في عصرٍ تكثُر فيه خيانة الأمانة، والتخلِّي عن المسئولية، والتقديم إلى المُحاكمة، والضبطيات القضائية، والهروب خارج البلاد في شتَّى نواحي النشاط الاقتصادي.
وللرسول قائد مغوار. أخذ زيد الراية فأُصيب ثُم أخذَها جعفر فأُصيب ثُم أخذها ابن رواحة فأُصيب وعيناه تذرِفان حتى أخذها سيفٌ من سيوف الله فتح به الله عليهم.٢٩ ويتبرَّأ الرسول من قتل شخصٍ تشهَّد خوفًا.٣٠ فالنبي ليس قائدًا عسكريًّا حتى ولو كان داود وسليمان، بل هو مُبلغ الرسالة. والقائد شخص آخَر، قواه في القتال، في القوى العملية وليست في القوى النظرية. الرسول القلَم، والقائد السيف.
والرسول كثير المدح لأصحابه ولفضلهم مثل عِلم عمر. فقد رأى الرسول أنه يشرَب قدح لبنٍ والريُّ يخرج من أظافره فأعطاه عمر. والريُّ هو العِلم وفي صيغةٍ أخرى الدِّين.٣١ وفي صياغة ثالثة رأى الرسول الجنة وامرأة تتوضَّأ بجانب قصرٍ لعُمَر فغادره الرسول لمعرفته بغيرته. وفي رؤيا أُخرى رأى بئرًا ينزع أبو بكر منه بدلوٍ مرةً أو مرتَين وعمر عدَّة مراتٍ ممَّا يعني أن أبا بكر أضعف من عمر، وأن عمر أقوى من أبي بكر.٣٢ رأى الرسول في منامه أنه على قليبٍ فنزع منه ما استطاع. فأخذها أبو بكر فنزع ما استطاع، وفي نزعه ضَعف. ثم أخذها عمر فنزع نزعًا عبقريًّا.٣٣
ولكلِّ نبيٍّ حواري، وحواري الرسول الزبير.٣٤ وفي حديث آخر أبو عبيدة بن الجراح. وهذا يعني أن الرسول كان يثِق بأصحابه، ويأمُل فيهم خيرًا، وأن هذا الخير هو العِلم الباطني الذي يُنزَع من بين الأظافر أو اللبن، الريُّ الذي يُشرب من القدح أو ماء الوضوء من امرأةٍ بجوار قصر. ولا ضير من الغيرة في الحق وليس في الجشع والنَّهَم أو هو الماء على القليب في بيئة صحراوية. فمِن أصحابه لا يأتي إلا الخير. وكل سيولةٍ في بيئةٍ جافَّة وقصرٍ وسط خيام، وامرأة وسط تحجُّب وحرمان وحروب سلبٍ وسَبي وأغنام وأسلاب.
وقد استُعملت الأحاديث في فضل الصحابة لإعطاء الشرعية السياسية لهم مثل الأحاديث في علي وجعفر وزيد.٣٥ فالصحابة ليسوا مُجرد أصدقاء بل هم سلطة وخلفاء وتابعون بالرغم من أنه لا خلاف عليهم ولا وصاية نصًّا بل ترك الأمر شورى بين المسلمين. هناك إشارات وعلامات ونصوص يمكن تأويلها على هذا الوجه أو ذاك، ولكن يظل الأمر، أمر قيادة المسلمين، شورى بينهم طبقًا لنصوص القرآن. وبهذه النصوص في تفضيل الصحابة تمَّ تقديسهم وتحويلهم من تاريخٍ إلى مُقدَّس، ومن إنساني إلى إلهي، ومن سياسي إلى ديني. وما زال الصحابة إلى اليوم موضع تعظيمٍ وإجلال إلى درجة التقديس.
ويختلط في دائرة الحوار بين الخاص والعام، الزوج والصديق والقائد والقارئ والعالِم.٣٦ كان جبريل يُقرئ السلام لإحدى زوجاته فقد كمُل من الرجال الكثير ومِن النساء القليل. كان يريد أن يقضي عندها آخِر أيَّامه. ينزل الوحي إليه وهو في لحافٍ معها. ويرفض أن تنام إحدى زوجاته عليه.٣٧ فكان هو الرسول الشامل الذي يُدير كل شيء، النظر والعمل، الوحي والتبليغ، النبوَّة والرسالة، الدين والدنيا، السياسة والدولة.
وتعترِض بعض القبائل على قسمة الرسول بينهم العطاء، وجواب الرسول أنه يتألَّفهم. وطلب أحدُهم من الرسول تقوى الله. وأجابه ومن أحقُّ بطاعة الله منه. فاعترض ثانٍ ووصفه الرسول بأن البعض يقرأ القرآن باللسان ولكن يخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية، يقتلون المسلمين دون الوثنيين، ويستحقُّون القتل والهلاك مثل قوم عاد.٣٨ فصورة الرسول تتردَّد بين صورته المُثلى في قصص الأنبياء وصورته الواقعية في حياته. ولم يَثُر الرسول أو كما كان يمكن أن يثور عمر. فالاعتراض وارِد. والثورة على عدم المساواة عدل. والرسول إنسان. ينتابُه ما ينتاب البشَر من أهواءٍ كما هو في حادث عبد الله بن أم مكتوم عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. والعقاب تصحيح لسلوكٍ واقعي كان من الأفضل في هذا المَوقف أن يكون مِثاليًّا لإعطاء النموذج، على أن الاستماع إلى الوحي لا يُفرِّق بين غنيٍّ وفقير، وأن طلب الهداية والمعرفة لا يرتبط بالطبقات الاجتماعية، أعلى أو أدنى.

(ب) الأنصاري

وقد يكون من حوله أفرادًا مثل المهاجرين أو جماعةً وأفرادًا مثل الأنصار؛ فطابعهم الجماعي أكثر من طابع المهاجرين، وطابع المهاجرين الفردي أكثر من طابع الأنصار. ومع ذلك يتكلَّم عن الأنصار أكثر مما يتكلَّم عن المهاجرين.

بلغه عنهم أشياء لم يرضَها لهم، مثل جمع الغنائم بعد النصر. وإذا كان الناس يرجعون إلى بيوتهم بها فإنهم يرجعون برسوله. ولو سلك الأنصار واديًا أو شعبًا لسلكه الرسول معهم ثقةً بهم.٣٩ فالأنصار هم الذين ناصروا الرسول عندما كان مهاجرًا فقيرًا دون غنائم وأسلاب. كان يدافع عن نسائهم في المهر وفي العرس.٤٠ فكان يشعر أنه أبوهم ووليهم القاضي باسمِهم والشاهد على عقودهم والمُحيي لأفراحهم. لا يُحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق. من أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله.٤١ آية الإيمان حبُّ الأنصار، وآية النفاق بُغض الأنصار.٤٢ وهم أحبُّ الناس إلى الرسول. ويدعو لهم الرسول بأن يكونوا أكثر الناس أتباعًا.٤٣ فهم الذين ناصروا وقاسموا مع المهاجرين دُورهم وأموالهم. هم أشبه بحواريي عيسى. ويدعو الرسول بأن يُغفر لهم جزاء ما قاموا به من حسنات لا يقوم بها إلا الأبرار.٤٤ وكان الرسول يُوصي بالأنصار لأنهم كرشه وعيبته. قضوا ما عليهم، وبقي ما لهم. الإقبال على مُحسِنهم والتجاوز عن مُسيئهم.٤٥ الناس تكثر والأنصار تقلُّ حتى يكونوا كالملح في الطعام. فمن الواجب تحقيق المنافع لهم ودفع الأضرار عنهم. بينه وبينهم أُخوة في القضية، ومشاركة في الرسالة، وتضامُن في الموقف، وتآزُر في المحنة.
وقد يجمع الرسول المهاجرين مع الأنصار، نثرًا وشعرًا.٤٦ فلا فرق بين من هاجر وناصر، بين من آمَن أولًا وآمَن ثانيًا، بين من أسَّس ودعم، بين الأصل والفرع، بين من أيَّد في حالة العُسر ومن نصر في حالة اليسر. وتتفاضل دُور الأنصار فيما بينهم من الداخل.٤٧ وكلها خير؛ فالبعض ناصر بقلبه، والبعض الآخر ناصر بماله. وكلٌّ ناصر طبقًا لما لديه. ويستعمل الرسول التصوير الفني للتعبير عن إعجابه بكرم الأنصاري وزوجته.٤٨ هنا يتمُّ اللجوء إلى الله، الاعتقاد الجديد، للحثِّ على الفعل، وبيان فائدة الإيمان، وقبول الكرم من القيمة العُليا التي آمَن بها الجميع، مهاجرون وأنصار. ولأحد الأنصار مناديل من حرير أتت إليه من المناديل التي أُهديت للرسول.٤٩ وعندما تُوفِّي اهتز العرش له، وهو تصوير للحزن. والناس تنزل على حُكمه لأنه يحكم بحُكم الله أو بحكم الملك، وهو خيرهم وسيدهم. ووصفه بأنه سيد القوم أو خيرهم، وكله بلاغة عربية رصينة لدى قومٍ شعراء وتصوير فني: مناديل حرير للرسول، اهتزاز العرش، النزول على الحكم، سيادة القوم، كل ذلك لأنصاري. ويفسر الرسول حلم الأنصاري بأن الروضة هي الإسلام، والعمود هو الإسلام، والعروة الوثقى هي الإسلام وأنه على الإسلام حتى يموت.٥٠ فالأنصاري هو المُسلم الكامل، والإسلام الكامل هو الأنصاري. ويَعِدُ الرسول بعض الأنصار بأن ينتظروه على الحوض.٥١ وقد يظلُّ المكان على العموم يشعرون به أثر الرسول؛ فالأنصار ليسوا فقط مُكرمين في الدنيا بل أيضًا في الآخرة؛ ينتظرون الرسول على حوضه، يشربون منه في حين يُمنع منه الآخرون، وهي صورة بدوية للري والحرمان ساعة الحرب. وطالما كانت الحروب على الماء كما قد يحدُث في فلسطين في المُستقبل القريب بين الفلسطينيين أهل البلاد والمُستوطنين المُحتلين من الصهاينة. وطالما كان الموت من العطش كما هو الحال في أفريقيا الآن.
وقد تكون الدعوة لساكن المدينة، المهاجر أو الأنصاري؛ فللمهاجر عدة فضائل بعد الصدر الأول.٥٢ ويستمر في فضائله مع الأنصاري بعد أن استوطن المهاجرون المدينة وغادروا مكة، وشاركوا الأنصاري في مسكنه. واختلطت المدن التالية بالمهاجرين والأنصار دون تمييز بين الفريقين، ومع ذلك ظل لقب «الأنصاري» أكثر شيوعًا من «المهاجر». وقد تكون الدعوة للمدن كنايةً عن أهلها مثل الدعوة لمكة والمدينة. وإذا كانت لمكة ذكريات صبا فإن الدعوة تكون للمدينة حتى يكون حُبها مثل حبِّ مكة.٥٣ ويدعو لقبول هجرة أصحابه، ويرثي لمن مات بمكة؛ فالرسول في ولاء مزدوج بين مكة أصل الهجرة والمدينة دار الأنصار. لم يتنكَّر للقديم ولم يجحد الجديد.
والرسول من الأشعريين أهل اليمن، وهم منه.٥٤ هم أرقُّ أفئدة وألينُ قلوبًا. الإيمان يماني، والحكمة يمانية، واليمن أصل حضارة مثل الحجاز، مكة والمدينة؛ انتشرت بها اليهودية وعاشتها الحضارة العربية. وما زال اليمنيُّون حتى الآن أهل عِلم وقضاء. وجامع صنعاء حلقة درس وجامع تبليغ؛ انتشرت فيه الثورات الزيدية، وظل إسلامها صافيًا رائقًا مثل شِعرها وأدبها ومجالسها ومقايلها وساعات عصرها.

(٣) المرأة والسلطان

من الموضوعات التي تجاوزها الزمن المرأة والسلطان. وكلاهما رفيقا العمر، في الحياة الخاصة وفي الحياة العامة، في المنزل وفي الدولة. وقد قلت فيهما أحاديث كثيرة معظمها لا تتَّفِق مع الواقع أو الزمن أو التاريخ حتى ولو كانت صحيحة في زمنها وعصرها. فإن صحَّ السند تاريخيًّا فإن مضمون الحديث لا يصحُّ تاريخيًّا نظرًا لتغير التاريخ وإن بقي الحديث المنقول صحيحًا من حيث هو نقل وليس من حيث هو مضمون.

(أ) المرأة

بعض الأحاديث تجاوزها الزمن مثل «لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة.»٥٥ قِيلت في مناسبتها وهي تعادل أسباب النزول في القرآن تعليقًا على تنصيب امرأةٍ على مملكة الفرس. وهو حُكم خاص بالفرس وليس حكمًا عامًّا للناس جميعًا. وهو ما عرَّفه الأصوليون بالتمييز بين الخاص والعام.٥٦ وقد عمَّمتْه الأجيال على العرب بل قصروه عليهم. وأصبح يُستعمل حديثًا في الأدبيات المناهضة للمرأة ومنعها من حقوقها السياسية وتولِّي قمة السلطة السياسية. وقد انتبه القليل من نُقَّاد الحديث إلى سياق هذا الحديث وعدم جواز تعميمه ولكنه مُستعمل ومؤثر وفعَّال في الممارسة السياسية؛ فكل حديث في سياق. والحديث المشهور السلبي بالنسبة للمرأة إنما قيل بمناسبة تولِّي ابنة كسرى المُلك.٥٧ وقد يُقال: ولماذا لا يُقال هذا بخصوص السبب وعموم الحكم؟ والحديث الثاني إنَّ الشؤم في المرأة والدار والفرس. وهي ثلاثة أركان في حياة البدوي.٥٨ لا يستطيع أن يعيش بدونها. ومساواة المرأة بالفرَس تقوم على تشابُهٍ دلالي، في أن كليهما للركوب. والفرسة أو المهرة إحدى تشبيهات المرأة، وهو ما زال التصوُّر الشعبي. وأيضًا حديث ليس هناك من فتنة أضرَّ على الرجال من النساء.٥٩ وهو جزء من التصوُّر الشعبي أنَّ النساء فتنة، وأنها مكان إشباع الغريزة، وأنها عورة، وأنها عار تُحجَب وراء حجابٍ أو نقاب أو ستار. وأيضًا حديث المرأة كالضلع هشَّة، قابلة للانكسار؛ فقد خُلقت من ضلعٍ أعوج إن حاول أحد استقامته انكسر.٦٠ وهي صورة فنية لهشاشة المرأة بالرغم من أنها في الأدب الشعبي تُضرب وتُكسَر. وتعويضًا عن ذلك تستعمِل المكر والخديعة لتقوية نفسها والدفاع عن حقوقها. وأيضًا حديث عامة الجنة من المساكين وعامة النار من النساء.٦١ يكفرن بالله والعشير والإحسان. وهو تعميم سابق لأوانه يدل على تعويض المساكين بالجنة، ويجعل أهل النار من النساء من الفتنة والغواية. والرجل ليس أقلَّ غواية بل إنه هو البادئ بالغزل والمُوقِع في الشباك. وعادة ما تكون المرأة ضحية الغواية أكثر من كونها سببًا لها. وأحيانًا يتساوى الطرفان لحاجاتهما الطبيعية. وفي التاريخ حكايات عن كبار المُحبِّين: قيس وليلى، كُثير وعزة، جميل وبثينة، روميو وجولييت.
وتنقل أحاديث لا يتفق مضمونها مع هذا العصر مثل: لا تسافر المرأة إلا مع محرم. ويُفهم منها أمران: الأول، التعب والنصب وحاجة المرأة إلى رفيق طريق للمساندة. والثاني حمايتها من الغواية، وكأنَّ المرأة موضوع جنسي فحسب.٦٢ ولا تحجُّ ولا تخلو برجل؛ فالمرأة حِرز ومضمون وشيء للخفاء والتستُّر عليه إلى الآن. هي أحد أفراد «الحريم» من الحرم الممنوع الذي لا يمكن الاقتراب منه. وعند الأصوليين لا تجوز المصافحة باليد أو المجالسة معهن. وإذا أوصى الرسول بالنساء خيرًا فلأنَّ المرأة خُلقت من ضلع أعوج لو أقامه أحد لكُسِر وإن تُرك ظلَّ أعوجَ، فلا صلاح للمرأة في الحالتين؛ الثبات والحركة.٦٣ هناك حُكم مُسبق عليها أنه لا أملَ فيها سواء تركت على طبيعتها أو تغيَّرت. وهي الأفكار التي ما زالت تسري في الثقافة الشعبية.
والواقع أن المراجعة مُمكنة؛ فالزمان يتغيَّر، والعبادات أيضًا تتغيَّر. وكان الرسول في أحاديث أخرى يتمنى أن يغير الحديث طبقًا لتغيُّر الزمان.٦٤ فلا شيء ثابت في التشريعات نظرًا لتغيُّر الزمان؛ لذلك كان الاجتهاد أحد مصادر التشريع الأربعة.٦٥ وكان أيضًا الناسخ والمنسوخ.٦٦

(ب) السلطان

ويدعو الرسول إلى طاعة الأمير وعدم الطعن فيه كما طُعن في إمارة أسامة وأبيه زيد.٦٧ فالإمارة ليست بالمحبَّة بل بالعدل، وليست بالعصيان بل بالطاقة، وهو ما زال سائرًا في الفكر السياسي حتى الآن. الطاعة فضيلة، والعصيان رذيلة. الطاعة سنة، والمعصية خروج. ويدعو الرسول إلى الصبر على السلطان، وأن من خرج عليه مات ميتة جاهلية.٦٨ وطاعة الرسول طاعة لله، وعصيان الرسول عصيان لله؛ فسلطة الرسول مثل سلطة الله، وطاعة السلطان من طاعة الرسول وعصيان السلطان من عصيان الرسول، فسلطة الأمير من سلطة الرسول.٦٩ وهذا في كتاب الأحكام؛ أي علاقة الحاكم بالمحكوم؛ أي كتاب الحُكم.٧٠ وتؤدي الأمة حق السلطان وتسأل الله حقَّها وليس السلطان.٧١ والصبر على الأمير فضيلة حتى لو رُئي منه مكروه. فمن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية.٧٢ وهو نمَط من الأحاديث مثل «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.» فكل شيء مكروه ينتهي إلى موتٍ جاهلي. وهناك أحاديث أخرى مناقضة، أقرب إلى روح الشرع مثل: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.٧٣ لا ينفي الحديث الصبر على كراهة الأمير حتى حدود الأمر بالمعصية؛ فالطاعة لا تكون إلا في المعروف، وهو ما يجعل المسلمين حتى الآن ساكتين ساكنين راضين بالمُنكر في القهر والفقر وشتَّى ألوان الظلم، يُضرب بأنظمتهم السياسية المثَل في الطغيان والفساد والتبعية.
ولكل نبي أو خليفة بطانتان، بطانة تأمُره بالمعروف وأخرى تحضُّه على المنكر، بطانة خير وبطانة شر. والمعصوم من عصم الله وليس عن طريق أداة أخرى لضبط الحاكم عن طريق المؤسَّسات الدستورية والرقابة الشعبية.٧٤ وهو ما يحدُث في كل حكم، وما يقع في كل نظام سياسي.
وصاحب المال والثروة موضع حسَدٍ من الناس مع أنه قد يوظفه لخدمة الحق وهلاك أعدائه؛ فمعارضته إنكار لنعمة الله على الآخرين.٧٥ وحسد آخر لصاحب الحِكمة، المُعتدل في مواقفه والذي يقتصر دوره على التأمُّل وتعليم الآخرين، ولا شأن له بالسياسة. فمن لم يسأل الإمارة أعانه الله. لا يسأل أحدٌ الإمارة، فإن سأل عنها وُكِلت إليه، وإن لم يسأل أعين عليها. وإذا حلف عن يمين يُكفِّر اليمين من أجل ما هو أفضل. الحرص على الإمارة في الدنيا ندامة في الآخرة. والإمارة لا تسأل بل تُعطى.٧٦
وحصر الإمارة في قريش تسلُّط قَبَلي اعتمد عليه الأمويُّون منذ الإمامة في قريش، وهو ما يُعارض حديثًا آخر عن السمع والطاعة؛ ولو أُمِّر عبدٌ حبشي.٧٧ وهي أحاديث تُبقي الإمارة في قريش إلى آخر الزمان حتى ولو بقيَ منهم اثنان، وهو ما يعارض الواقع والتاريخ. وصياغة أخرى تجعل الأمر مشروطًا بإقامة الدين وليس على الإطلاق، وخذلان الله كلَّ من يُعاديهم.٧٨ وكل الأمراء حتى لو تولَّوا من قريش؛ لذلك تحرص أنظمة الحُكم الحالية أن تنتسِب إلى قريش وأن تكون من الهاشميِّين وكأنَّ الأمر وراثة. وقد تابعتها نظُم ملكية وراثية أخرى ترجع إلى العائلة وليس إلى الرسول.
قال الرسول للحسين بن علي إنه سيد، ولعل الله يُصلح به فئتين من المسلمين؛٧٩ إذ يتنبَّأ الرسول بالخلاف السياسي في الأمة، وبالمصالحة بينهما. وقد حدث العكس؛ أن استُشهد الحسين بعد أن وقعت الحرب. فما تمنَّاه الرسول لم يحدُث. وقراءته للتاريخ لم تقع. وتنبُّؤه للمستقبل مثل باقي الأنبياء لم يتم.
وهل تكفي النصائح الخلقية للراعي حتى يَحسُن حال الرعية؟ وهل تكفي نصيحة الراعي كي يَصلُح حال الرعية؟ وهل يكفي تحذير الراعي إن لم ينصح الرعية، أو يغشها، بأنه لن يشمَّ رائحة الجنة؟٨٠ يحتاج النظام السياسي إلى مُراقبة موضوعية على الراعي من الرعية من خلال مؤسَّسات رقابية فعَّالة؛ ديوان المحاسبة، القضاء الإداري، مجلس الدولة، مجلس الشعب، مجلس الشورى، الصحافة الحرة، مؤسَّسات المجتمع المدني؛ فالأخلاق شيء، والسياسة شيء آخر.
وقد يُوصَف الخوارج دون ذكر اسمهم، فإذا صحَّ الحديث فإنه يحتاج إلى دليلٍ على أن هذا الوصف ينطبق عليهم. وإن كان موضوعًا، وهو الأرجح، فالخوارج لم تَحدُث إلا بعد وفاة الرسول.٨١ وهذا يدلُّ على أن بعض الأحاديث ذات التوجُّه السياسي موضوعة بعد وفاة الرسول. وكان كل صاحب مصلحةٍ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يضع حديثًا لصالحه. وبلغت الأحاديث الموضوعة بالآلاف كلَّما زادت الأزمات، ما دام المجتمع ما زال يعيش النصَّ كسلطةٍ تشريعية.
والأمر بقتل المرتدين مرتبط بالحكم بالردة من فقهاء السلطان.٨٢ وهو ضدَّ روح الإسلام وحرية الاعتقاد والحوار مع الخصوم. ولا يستطيع أحد أن يشقَّ على قلوب الناس. ولا توجد هيئة لديها سلطة تستطيع أن تُصدِر أحكامًا بالارتداد أو معيارًا للإيمان والكفر.
ومع هذا هناك أشياء تجاوزها الزمن مثل «من قتل قتيلًا له عليه بيِّنة فله سلَبه.»٨٣ فلا أحد يقتل ولا أحد يسلب سلاحًا ناريًّا من مدفع حتى مُصفحة أو طائرة أو بارجة أو سلاحًا نوويًّا؛ فقد انتهى هذا العصر الذي كانت فيه الحرب نزالًا فرديًّا، وشجاعة عضلية وسيفًا ورمحًا ودرعًا وفرسًا إلى عصرٍ الحرب فيه قرار الدولة والجيش وليس الأفراد. تتدخل فيه المنظمات الدولية وتحكمه القوانين.

(٤) اليهود وباقي الأقوام

تعلَّم الإسلام واقعيته من تاريخ الأنبياء السابقين وتجاربهم مع أقوامهم. فالإسلام حصيلة تجربةٍ طويلة من آدم حتى محمد — وأعظمهم موسى — وقد تجسَّد الدرس ليلة الإسراء والمعراج في طريقة فرض الصلاة. ولمَّا كان العرب مُنفتحين حضاريًّا على الشعوب المجاورة؛ الفرس والروم والترك، فقد أراد الإسلام وراثة الجميع باعتباره ثقافة العرب، ودينهم الأخير يمثل وحدتهم وشخصيتهم، حاضرهم ومُستقبلهم.

(أ) اليهود

وليس التعامُل مع اليهود دائمًا سلبًا؛ إذ يمكن حل الخصومة بين المسلم واليهودي سلمًا؛ فكلاهما مُحسن. ويستفيد المسلمون من تجربة اليهود في الاختلاف فيما بينهم.٨٤ فاليهود مثل النصارى عرَب، آمنوا بمراحل سابقة من دين إبراهيم، وحقدوا على المراحل التالية التي هي إصلاح لليهودية مثل النصرانية والإسلام. أرادوا الدفاع ليس عن دينهم وهو في جوهره مع الدين الجديد واحد، بل عن قوَّتِهم الاجتماعية وسُلطتهم الاقتصادية والسياسية في المجتمع. آمن النصارى بالدين الجديد بسهولةٍ لأنهم وجدوا البشارة به في الإنجيل. وكان كبارهم دُعاة روح لا بدَن مثل ورقة بن نوفل. ولم يكونوا سلطةً اجتماعية مثل اليهود بل ظلُّوا يعبدون الله خالصًا طبقًا لمبادئ النصرانية.

وفي موقف آخر أعلن الرسول أنه لو آمن به عشرة من اليهود لآمن به اليهود نظرًا للطابع الجماعي لإيمانهم وتقليد بعضهم لبعض؛ ثقة بأنفسهم دون بحثهم عن الأدلة والبراهين. ومن يجد في نفسه الرغبة في الاستدلال كثيرًا ما يُفارق الجماعة ناقدًا لهم عقيدةً وممارسة، نظرًا وعملًا.

وقد يكون مصدر الحديث من الإسرائيليَّات لِما به من خيال. وهي رواية وليس بها قول مباشر. والرواية أقرب إلى الإبداع الخيالي، وتبدأ للتصديق بها بآيتين وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا ووَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا. يهودي استلف من يهودي مبلغًا من المال دون شهداء لأنَّ الله شاهد، وأخفاها في لوحة سفينة لإرسالها إلى صديق، فاستلمها الصديق على الضفة الأخرى، ثم جاء صاحب المال يسأل عن ماله فردَّها إليه الآخر ممَّا يُثبت أنَّ الله خير كفيلٍ وشاهد.٨٥ وهي أخلاق إسلامية في نسيجٍ يهودي.
والمقارنة بين الرسول وموسى لا تعني تفضيله عليه؛ فيوم القيامة يصعق الجميع، والرسول أول من يفيق وموسى بجانب العرش ربما لم يصعق وربما أفاق قبل الرسول؛ فيظل موسى رائدًا للأنبياء.٨٦ يظل موسى هو النبي النموذج لآخر الأنبياء، قوة وشريعة وقيادة لأمَّةٍ وتحريرًا لها من عبودية فرعون. وهو أكثر الأنبياء ذِكرًا في القرآن، وإحالة في الحدَث، وهو الذي حاجَّ آدم، وحاور محمدًا ليلة الإسراء والمعراج.
ومع ذلك لا يُوجَد ذكر كثير في الحديث لليهود كما يُوجَد في أسباب النزول. فهم سياق الوحي قبل أن يكونوا سياق الحديث. هم الذين غَضِب عليهم القرآن قبل أن يُخفِّف الحديث هذا الغضب لتأليف المجتمع وإعادة بناء طوائفه؛ المسلمين واليهود والنصارى والمشركين، على أساس التوحيد والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات. أراد الرسول فقط أن يرِث أنبياء اليهود وشريعتهم وعاداتهم كما فعل في صوم عاشوراء «نحن أحقُّ بصومه.» وفي صياغةٍ أُخرى «نحن أولى بموسى منكم.»٨٧ فالوحي مُستمر من أنبياء بني إسرائيل حتى غيَّر مَسيرته إلى العرب لدى محمد. والاتصال له الأولوية على الانقطاع. الاتصال واقع، والانفصال بالتأويل يُعاد إلى الاتِّصال، مثل إعادة تأويل صورة الشريعة، وكثرة التحريم، والاستفادة من نتائج العصيان المُستمر، وعدم تدرُّب الإرادة الجماعية على الطاعة. فروح اليهودية، الشريعة، وروح النصرانية، المحبة، اتَّحدتا في روح الإسلام، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.
ويستفيد الرسول من تجارب الأمم السابقة؛ كيف أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف طبَّقوا عليه الحد.٨٨ في حديث «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها.» ففي الإسلام الشريعة نافذة على الجميع، لا فرق بين شريف ووضيع، غني وفقير، حاكم ومحكوم. لا تعرف الشريعة التمييز بين الطبقات الاجتماعية. وبالتالي يتساوى المسلمون أمامها في الحقوق والواجبات. وتجربة اليهود مع الشريعة هي التي جعلت المسيح يُعيد تأويلها على أساس أولوية المحبة عليها دون تغييرها «ما جئتُ لأنسخ الناموس بل جئتُ لأغيره.» أتى فقط ضدَّ النفاق، وانفصال العمل عن النظر، وتحويل معبد الله إلى دكان بالاتجار في المعبد بعد أن قلب عليهم الموائد، وقذف ببضائعهم على الأرض.
وتزداد الأحكام السلبية على اليهود حتى تُصبح أكثر من الإيجابية؛ فقد لعن الرسول اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وتضيف رواية أخرى النصارى.٨٩ وهذا يعني أنهم يُقدسون الأنبياء أكثر مما يُقدسون الله. وقد حرَّم اليهود بعد ذلك هذه العادة واستمر فيها النصارى في كنائسهم تحت المنبر وفوقه. وتتوقَّف عظمة البناء وزخرفته وتمثاله الذي فوقه بالرخام في غطاء المقبرة على درجة التقديس. ويتبارى في هذه الأعمال الفنانون العظام. وتختلط التجربة الفنية بتجربة المُقدَّس. أما اليهود فلِحِرصهم على التوحيد حاولوا عدم الوقوع في مظاهر الشرك بعبادة غير الله، وعدم الوقوع في التجسيم والتشبيه، ومارسوا الفن المجرد والزخرفة الهندسية أسوةً بالمسلمين؛ لذلك لا يختلف المعبد اليهودي من الداخل عن المسجد الإسلامي كما هو الحال في معبد قرطبة وغيره من المعابد حتى إن المُشاهد ليحسبه «أرابيسك» إسلاميًّا.
وقد ظلَّ الرسول يتألَّم من الطعام المسموم الذي أكل بخيبر ممَّا قد يُفسر عداءه لها وذكراه الأليمة منها.٩٠ فقد حاول اليهود التخلُّص منه غيلةً واغتيالًا على عادتهم في التخلص من الخصوم دون المواجهة الصريحة. وظلَّ يتألم من هذا الوجع مدةً طويلةً دون أن يتخلص منه بالرغم من وجود الطب النبوي والمعجزات الدوائية وحديث فخذ الشاة له «لا تأكُلني إني مسمومة، إني مسمومة.» فقد اضطُرَّ الخيال الخلَّاق إلى إحداث رد فعل على الحادث الأليم وحماية الرسول ممن أرادوا اغتياله؛ فالحياة لها الكلمة الأخيرة على الموت، والباطل لا ينتصِر على الحق، والغدر لا ينتصر على المواجهة.
وفي الحديث لعن الرسول قريش عامة ثم خصَّصها بأفرادٍ لأن الناس كانوا يعتقدون بأنَّ الدعوة في مكة مُستجابة. وهو ما قد لا يتفق مع أخلاق الرسول ولا مع سماحة القرآن.٩١ وقد كبَّر الرسول على خراب خيبر لأنه إذا نزل بساحة قوم ساء صباحُهم.٩٢ ولعن الرسول اليهود لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد.٩٣ وقاتل الله اليهود لتجميل الشحوم وبيعها وهي محرمة للقضاء عل مصادر ثروتهم واقتصادهم.٩٤ عمل أهل الكتاب كأُجَراء اليهود حتى نصف النهار، والنصارى حتى العصر، والمسلمون من العصر حتى المغرب. واعترض أهل الكتاب بأنهم أكثر عملًا وأقل أجرًا. وفضل الرسول يُعطي الله من يشاء.٩٥ وهي قصة مُركبة من عدة وقائع؛ أولًا لعن الرسول مكة وهو غير واقعي لأنَّ مكة هم أهل الدعوة الذين يُراد لهم الدخول في الإسلام فكيف تُدان من البداية ولم تهتدِ بعد؟ واللعنة طابع أنبياء اليهود وليس نبي الإسلام. ثانيًا التكبير على خراب خيبر مثل الدعوة على الأعداء الذين نقضوا العهود وحاربوا الطرف الآخر وأتوه من الخلف. ثالثًا، لعن اليهود لاتخاذ قبورهم مساجد موضوع مُقحَم على الصراع بين الرسول واليهود ولا يستدعي القتال. رابعًا، لعن اليهود لبيع الشحوم ولحم الخنزير من أجل القضاء على قوَّتِهم الاقتصادية في المدينة. خامسًا، تصوير تطوُّر مراحل النبوة من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام بالصلاة حتى الظهر ثم حتى العصر ثم إكمال الصلاة يدلُّ على وحدة الديانات الثلاث وأنَّ آخرها أكملها. اليهودية أولها، والنصرانية أوسطها، والإسلام آخرها.٩٦ ولا حَجر على إرادة الله ولا على ما يهب الرسول باسم الله. كلٌّ في مرحلته التاريخية طبقًا للضرورة وليس طبقًا للرغبة والمشيئة الفردية والجماعية.
ويعلن الرسول عن خراب خيبر وينذر بسوء صباحها.٩٧ فهو يعلم قانون التاريخ وجزاء القدر، والتقوقع على الذات ومُعاداة الآخرين. وهو قادر على قراءة المستقبل ليس كالمُتنبي أو العرَّاف أو قارئ الفنجان، بل بمعرفته بقانون التاريخ ومصير المجتمعات. وهو ما حدث بالفعل بنهاية خيبر في عصر الرسول دون انتظار. وقد قبل اليهود أنصاف الحلول بعد هزيمتهم في خيبر، أن يعملوا في أرضهم بدل إجلائهم عنها وقَبِل الرسول.٩٨ وهذا يعني بلغة العصر أن يعيشوا مواطنين كغيرهم من المُسلمين دون أن يكوِّنوا أقليةً وسط أغلبية، أو دولة وسط دولٍ كما كانوا في فلسطين في هذا العصر وكما قد يعودون بانتهاء خيبر الجديدة، الجيتو الصهيوني، وما سُمِّي الدولة اليهودية. وهي فقط مشكلة وقتٍ ومراحل تاريخ. فالطائفية والعنصرية وحياة الجيتو واحتلال أرض الآخرين وطردهم منها ضد قانون التاريخ؛ وهو قانون العقل والواقع والفضيلة.
الأرض لله، وعلى اليهود الإسلام أو إجلاء الأرض بعد بيع ما لهم فيها.٩٩ وذلك إنْ أصرُّوا أن يعيشوا جماعةً منعزلة عن غيرهم. فالإسلام يُوحِّدهم مع باقي الناس، مُتساوين في الحقوق والواجبات طبقًا للقانون الطبيعي. فحياة الجيتو لا مُستقبل لها بين المسلمين. لا تُوجَد في مجتمعاتهم «حارة يهود» أو «حي يهودي» متميز عن غيره من الأحياء كما عاش اليهود طوال عمرهم حتى إنشاء الكيان الصهيوني، حفاظًا على هويتهم، وحرصًا على تجمُّعهم، ودفاعًا عن كيانهم وطائفتهم خوفًا من الذوبان في المجتمعات الأخرى. فتولَّد عند الآخرين الإحساس بالعداء لهم لأنهم غير مواطنين ويعيشون في نفس الوطن خاصة في وقتٍ تزدهر فيه القومية. وهو ما حدث أخيرًا في ألمانيا وأوروبا الشرقية والغربية وروسيا خاصة. وتلقَّفتْهم أمريكا لأنهم مجموعة من المهاجرين مثلهم قضَوا على السكان الأصليين وحلُّوا محلَّهم، وعاشوا في أحيائهم وتجمُّعاتهم اليهودية حتى عاود البعض منهم الهجرة ثانية إلى إسرائيل التي تقوم مع العرب الفلسطينيين بمثل ما قامت به الهجرة الأمريكية ضدَّ السكان الأصليين، الهنود الحمر في الأرض «المُكتشَفة» في العصر الحديث التي كانت «خالية» من السكان كما كانت فلسطين خالية من الفلسطينيين!
ومن الأقوال في الحديث ما يُشجع على مُقاتلة اليهود حتى إنَّ أحدهم يختبئ وراء الحجر فيتكلَّم الحجر ويطلُب قتله.١٠٠ وهو ما يتم تناقُله في خُطَب الوعَّاظ في المساجد لأنه يجد هوًى عند المُصلين جرَّاء ما يشاهدونه من مجازر ومذابح في فلسطين منذ ١٩٤٨م حتى غزة ٢٠٠٩م وهو ما زال قائمًا حتى الآن بكل ما تفعله إسرائيل من إجراءات العزل والاستيطان وهدم المنازل والطرد والقتل والاغتيال والاعتقال والتشريد والإبعاد في فلسطين. وهو ما قد تصدُق عليه نبوءة الرسول.

(ب) باقي الأقوام

ولماذا من الأقوال ما يدفع إلى قتال الترك؟ فمَن هُم الترك؟ هل هُم الأتراك وقد أصبحوا من كبار المُدافعين عن الإسلام وانتهت إليهم الخلافة على مدى خمسة قرون؟ يوصفون بأنهم ينتعِلون نعال الشَّعر، عراض الوجوه، صغار الأعيُن، محمرُّو الوجوه، ذُلف الأنوف. هل هم القوقاز وقد أصبحت أواسط آسيا من المناطق الإسلامية؟ هل هم الروس الشيوعيُّون كما كان يُقال أثناء الحرب الباردة في الأربعينيَّات في الجماعات الإسلامية بما في ذلك الإخوان المسلمين؟١٠١ هل هم الصينيون الصاعدون وقد دخل الإسلام في الصين وأصبحوا بالملايين، ونشأت حركات استقلالية عند المُسلمين في سينكيانج وبدأ التوتُّر بين المقاطعة والصين الأم؟ ألا يمكن أن يعيش الإسلام في قلوب الصينيين دون أن يكون لهم دولةٌ انفصالية عن الصين الأم؟ وهي نفس مُشكلة المسلمين في جنوب الفلبين، مندناو. ومن يعادي المسلمين الآن ليسوا بهذا الوصف بل هُم الأمريكيُّون أولًا، والأوروبيون ثانيًا، وإن لم يكونوا كلهم بل غالبيتهم أو أعظمهم. هو الرجل الأبيض بعنصريته ومركزيته وغروره الثقافي، من أستراليا ونيوزيلانده شرقًا حتى الولايات المتحدة غربًا، باستثناء الملوَّنين السود الأفارقة والسمر الأمريكيين اللاتين، مرورًا بأوروبا التي تعلَّمت ونهضت وارتقت وتقدَّمت بفضل الترجمات من العربية إلى اللاتينية في العصر الوسيط الأوروبي المتأخِّر حتى قُبيل عصر النهضة.
وطلب عمر أن يدعو الرسول الله أن يُوسِّع على أُمته كما وسَّع على الفرس والروم. فعمر بحدسِه أدرك أن العرب سيرِثون الإمبراطوريَّتَين في الشرق والغرب وسيبزغون كقوةٍ ثالثة.١٠٢ وسبب انهيارهما الانغماس في الحياة الدنيا، أي بتعبير المُحدثين المادية. ويخشى الرسول على الأمة أن يُصيبها ما أصاب الأمم السابقة إذا ما فتح الله عليهم بركات الأرض.١٠٣ يهلك كسرى ويهلك قيصر ويخلفهما المسلمون.١٠٤ وهو ما كان يدعو له الإخوان المسلمون في جيلِنا أثناء الحرب الباردة؛ أن يُهلك الله الشيوعية في الشرق والرأسمالية في الغرب وأن يخلفهما المسلمون. فالإسلام أمَّة وسط بين الطرفَين. وهذا لا يمنع من مدْح فارس بعد دخولها الإسلام، فقد كان منها العلماء والقوَّاد، «ولو كان الإيمان في الثريَّا لناله رجال من أهل فارس.»١٠٥
وأوصى الرسول بإخراج المشركين من جزيرة العرب حتى تكون بؤرة انطلاق لهم شرقًا وغربًا، ودولة قاعدة ينتشر منها الإسلام.١٠٦ وتشمل مكة والمدينة واليمامة واليمن. والعرج أول تهامة. فالقلب يمتدُّ من وسط الجناحين كما انطلق الإسلام أولًا إلى آسيا وأوروبا. ولم ينتشر جنوبًا وشمالًا؛ أفريقيا وأوروبا إلَّا مؤخَّرًا. وقد أوصى الرسول بثلاثٍ وهو في وجعه الأخير: الأولى إخراج المشركين من جزيرة العرب أي اقتصار شبه الجزيرة على دينٍ واحد. والثانية إجازة الوفد التي قرَّر إيجازها؛ أي استمرار أوامره بصرف النظر عن حياته أو مَماته. ونُسِيت الثالثة التي تترك مجالًا للمُتأوِّلين لاستنباطها. ووحدة الثقافة في شبه الجزيرة العربية مُقدِّمة لوحدة الأرض والسياسة حفاظًا على وحدة العرب. فاليمن وعُمان ودول الخليج، الإمارات والكويت كلها ثقافيًّا وسياسيًّا أجزاء من شبه الجزيرة. فالوطن العربي وحدات متكاملة في شبه الجزيرة وفي الشام الكبرى التي تضمُّ العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، والجنوب الأفريقي، مصر وليبيا والسودان والصومال المُتصلة جغرافيًّا، وكل الدول الإسلامية الأفريقية في غانا ومالي وتشاد المُتصلة ثقافيًّا.
ويبدو التوجُّه السياسي في استخلاف عليٍّ في غزوة تبوك بحديثٍ مشهور.١٠٧ فالفتح مُستمر في حياة النبي أو بعده. وصحابته قوَّادُه في حياته أو في مَماته. فالرسالة أولَى من الرسول، والنبوَّة أولى من النبي. والأخسَرين أعمالًا هم الحرورية في الرواية أي الخوارج، وقد كانوا بأرض حاروراء.١٠٨ فقد جُمع الحديث بعد نشأة الفرقة وربما هم اليهود والنصارى. فالآية صورة تُملأ بأي مضمونٍ يريده المُفسِّر. فالرسول يُنبِّه على قائده كما يُحذِّر من المنشقِّين عنه والخارجين عليه.

(٥) أول الزمان وآخره

والرسول أول الزمان وآخره، آدم ومحمد، مُنتقلًا من الخيال إلى الواقع، ومن النبوَّة إلى التاريخ، ومن الماضي إلى الحاضر، ومن تكرار الأنبياء وتواليهم إلى تفرُّد النبي وختم النبوة. تحوَّل التطور إلى اكتمال، والتاريخ إلى بِنية، والوسيلة إلى غاية، والبداية إلى نهاية.

(أ) أول الزمان

كل نبيٍّ يُنذر قومه كما أنذر نوح قومه.١٠٩ وينكرون الإنذار وتشهد أمَّة محمد له عليهم. كل نبي يشهد على قومِه ومحمد يشهد على الأقوام وشهدائهم جميعًا. فالآخِر يشهد على الأول، والنهاية تشهد على البداية.
ويأتي إبراهيم بعد نوحٍ في الوعي التاريخي وليس في التسلسُل الزماني. ليس الأنبياء فقط تاريخًا موضوعيًّا بل هو لجوء ذاتي. فقد لاحظ الرسول أن عائشة إذا كانت راضيةً قالت «وربِّ محمد.» وإذا كانت غاضبة قالت «وربِّ إبراهيم.» الرِّضا يبعث القريب، والغضب يستدعي البعيد.١١٠ وفي التشهد الصلاة على محمد مثل الصلاة على إبراهيم، والمباركة لمحمدٍ مثل المباركة على إبراهيم. فإبراهيم أول المسلمين مضمونًا، ومحمد أولهم تكرارًا وتأكيدًا. والصلاة على محمد وأزواجه وآله وأصحابه وذُريته إكرامًا له، مثل الصلاة على إبراهيم. وحرم الرسول في مكة ما بين جبليها كما حرَّم إبراهيم مكة.١١١ وإبراهيم أول الخلائق يُكسى يوم القيامة في حين يُحشر الباقي حفاةً عراة! هل هذا تكريم لإبراهيم؟ ولماذا يتمُّ على هذا النحو بتجريد الخلق من اللباس؟١١٢ وفي بعض المجتمعات والعادات، العُري للضيف أكثر تكريمًا له من اللباس.
وقد خُتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة.١١٣ فلا شيء يوقِف الحياة والنَّسل والذرية بسبب دفعة الحياة، دفعة النبوة، حركة الوحي في التاريخ. فإبراهيم يريد ذريةً وامرأتُه عاقر. فبأريحية وغيرية ومحبةٍ تامَّة بحثت له امرأته سارة عن زوجة بِكر مصرية ثانية حتى ولو كانت جارية، هاجر، كي تُحقِّق الغرض. وتمَّ لها ما أرادا. ونجحت الخطة الإنسانية تنفيذًا للمسار التاريخي. وأصبحت ذرية إبراهيم ذريةً صالحة، إسماعيل وإسحق ويعقوب، بالرغم مما يُرى من تنازُع ذرية إسماعيل، العرب، مع ذرية إسحق، اليهود، منذ النشأة حتى الآن، منذ الميلاد حتى فلسطين.
ويبدو الرسول من ذرية إسماعيل. فمن تشهد عشرًا كمن أعتقَ عشرةً من ولد إسماعيل.١١٤ فالتشهُّد يُعتق، والتوحيد حرية. والعتق ليس من الأسْر الاجتماعي بل من الأسْر الروحي. والعبودية ليست قيدًا في اليدين عن الفعل أو في القدمَين عن الحركة، بل هي قيد في القلب عن الإحساس وفي اللسان عن التعبير. فالتشهُّد فِعلان من فعل الشعور، نفي «لا إله»، وإثبات «إلا الله». والنفي سلب ورفض وتحرُّر للشعور من كل الآلهة المُزيَّفة كالمال والجاه والثروة والسلطة. والإثبات عن طريق الاستثناء، إيجاب ووضع للإله الحقيقي الذي يتساوى أمامه الجميع.١١٥
ويوسف رمز لسنوات القحط.١١٦ ويمكن الدعاء على قوم بها. وقد تحولت السنوات العجاف بعد ذلك إلى سنوات وفرة. ولو لبث الرسول في المسجد سِني يوسف وأتاه الداعي لأجابه.١١٧ فتجربة يوسف ليست خاصَّة بل عامة بكل تقيٍّ مظلوم. في الحديث الأول تعميم الخاص، وفي الحديث الثاني تخصيص العام بلُغة الأصوليين.
والنساء على العموم مثل صواحب يوسف ماكرات.١١٨ وهو تعميم ينقُصه تخصيص. قد يصدُق على الأغلب ولكن لا يصدُق على الكل. كما أنَّ امرأة العزيز وصاحباتها ليست تجربة عامة؛ فهناك سارة وهاجر صاحبات إبراهيم، وهناك خديجة وعائشة من أزواج محمد.
ولا صوم أكثر من صوم داود، شطر الدهر، صيام يوم وإفطار يوم.١١٩ فداود نموذج الصيام المُعتدل بين الإفراط والتفريط؛ وبالتالي فهو نموذج الإسلام في الاعتدال. فالاعتدال نموذج متواصل عبر الأنبياء حتى عند أكثرهم قوة وشدةً وملكًا. في حين أن سليمان نموذج التطرُّف. فقد أقسم سليمان ليطوفنَّ على تسعين امرأة في ليلة واحدة لتجلب كلٌّ منهن فارسًا يجاهد في سيبل الله دون أن يقول إن شاء الله. فلم تحمل إلا امرأة واحدة بشقِّ رجُل.١٢٠ وهو من صنع الخيال وضد الواقع، فلا يستطيع أحد، حتى ولو كان نبيًّا، أن يدور على تسعين امرأةً في ليلةٍ واحدة. ولا ينجح في التخصيب إلا بنصف رجل لأنه لم يرهن ذلك بالمشيئة الإلهية. واضح الأسلوب التعليمي في الحديث، أنه لا يحدُث شيء في هذا العالم، حتى ولو كان بفعل النبي، إلا بالإرادة الإلهية. والرسول نفسه الذي وصف نفسه بنفس الوصف لم يتجاوز التسعة نسوة. وهو أيضًا ربما بفعل المُبالغة والتقريظ حتى ولو ساند ذلك حديث آخر «أوتيت قوة أربعين رجلًا منكم.» نظرًا للصِّلة الوثيقة بين قوة النبوَّة وقوة الذكورة. فمن يستقبل جبريل بالروح ويفصم عنه يكون أقدر على استقبال امرأة بالبدَن.
وهناك أحاديث عدة تصِف خمس مميزاتٍ للرسول. أولًا، أوتي جوامع الكلِم وهي كل ما دوِّن في الكتب المقدسة من قبل وهو من أفصح العرَب؛ يتذوَّق الشعر، وأحاديثه صِيَغ أدبية، ويستعمل الشعر في معاركه الدعوية كما فعل مع حسان بن ثابت، وقد استقبل القرآن، وهو معجزة العرب البلاغية. ثانيًا، نُصر بالرعب بقوة الحق وضعف الباطل، بالحرب النفسية إرهابًا للخصوم وردعًا لهم كما هو الحال في الحروب الحديثة. فالحرب ليست بالقوة العسكرية وحدَها بل بالقوة المعنوية. فالقوة متنوعة؛ مادية ومعنوية، كَمية وكيفية، يدوية ونفسية. ثالثًا، أوتي خزائن الأرض بالقدرة على الفتح والنصر وتحرير الشعوب المغلوبة على أمرها تحت سيطرة الفرس والروم. رابعًا، أُعطي وحيًا وحُمِّل رسالة، ونقل أمانة. فهو لا يغزو لمجرد الغزو أو لاستغلال ثروات الشعوب والسيطرة عليها كما فعل الاستعمار الغربي الحديث والصهيونية مُتسلِّقة عليه وعلى نمَطِه. خامسًا، أكثر الناس تبعًا يوم القيامة. فالإسلام هو الدين الطبيعي الذي ينتهي إليه كل الخلق، وتتحوَّل إليه كل الديانات العقائدية والشعائرية والكهنوتية كما يحدُث الآن في سرعة التحوُّل إلى الإسلام من الديانات الأخرى حتى إنه أصبح الدين الثاني في أوروبا، والأول في أفريقيا. ولولا الصين والهند لكان الأول في آسيا. والرسول يُطعِمه ربُّه ويسقيه دلالة على القُرب.١٢١ ولا يحتاج إلى عون مادي؛ فالإسلام قادر ببنيته الداخلية وبقوة المسلمين على المحافظة على وجوده واستمراره. ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة، ومنبره على حَوضه.١٢٢ وهو وعد بالنجاة في الدنيا والآخرة، في الأرض وفي السماء، وهي صور فنية تخلب اللبَّ وتُثير الخيال وتبعث على الحركة. أتاه آتٍ من ربه يأمره بالصلاة في هذا الوادي المبارك، عمرةً وحجة.١٢٣ وهو اختيار لبؤرةٍ يجتمع إليها المسلمون سنويًّا رمزًا للوحدة، وتشاورًا حول أحوالهم في مؤتمر سنوي علني. ولا ضير أن يتحوَّل الصعود على عرفات إلى الصعود على القدس لتحريرها أو الحج إلى المسجد الأقصى أُولى القبلتين وثالث الحرمين، وأن تذهب الملايين إليه لتخليصه من الحفر والتهويد والحفاظ عليه من الانهيار.١٢٤

(ب) آخر الزمان

وخير القرون قرن الرسول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. وتكمل الرواية القول المباشر عن عدد الأجيال بعدَه، ثم ينهار التاريخ بعدَها بقوم يسهرون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يُؤتمَنون. ويُنذِرون ولا يَفُون. ويظهر فيهم السحق مثل جيل اليوم.١٢٥ وتختلف الصياغات والمعنى واحد. وتتعدَّد الصور، سبق أحد اليدين الأُخرى والدلالة واحدة. وهو تصوُّر التاريخ المنهار الذي يُبرِّر اليوم الآخِر والقيامة. فالانهيار يتوقَّف إلى صعود، والقيامة إلى نهوض. ولن ينتهي الزمان حتى ينتهي الإيمان على الأرض. ويتم ذلك بالتناقُص تدريجيًّا. فالإيمان يزيد وينقص؛ يزيد في أول الزمان، وينقُص في نهاية الزمان.
والرسول قادر على معرفة ما سيحدُث في المُستقبل؛ فقد أخبره جبريل بأجوبة الأسئلة الثلاثة التي سألها يهودي، التي لا يعلم إجابتها إلا نبي: أشراط الساعة، وأول طعام يأكله أهل الجنة، ومتى ينزع الولد إلى أبيه أو أمِّه. الأولى نار تحشُرهم من المشرق إلى المغرب. والثانية كبد الحوت. والولد يُشبه أباه إذا سبق ماؤه، وأمَّه إذا سبق ماؤها. فآمَن. فلمَّا سأل قومَه عنه أشادوا به، ولما أسلم أمامهم أنكروه.١٢٦ فشرط النبوَّة عند اليهود قراءة المُستقبل؛ لذلك أتى الفعل العبري «تنبَّأ» يدل على المعنيَين في وقتٍ واحد، وكذلك في العربية. والرسول أمين في السماء يأتيه خبره صباحًا ومساء.١٢٧ وقد يكون التعليق على حدثٍ مناسبةً للتنبُّؤ بالمستقبل عن حدثٍ أو عن توجُّهٍ سياسي على مستوى الفتنة الداخلية قبل الخارجية.١٢٨ فإحساس الرسول بالأمة وبالتيَّارات المتصارِعة فيها يجعله قادرًا على أن يرى بوادر الفتنة، فلا تستطيع الأمة أن تنطلق خارجيًّا إلى الفُرس والروم إلا إذا توحَّدت داخليًّا.
وكثير من أقوال التنبُّؤ بالمستقبل للتشجيع مثل أول من يركب البحر أو أول من يغزو مدينة قيصر يُغفَر له.١٢٩ فهذا تحميس للمجاهدين وشحذ لعزائمهم، واستنفار لشجاعتهم لفتح بلاد الروم. وقد يكون الحديث تنبُّؤًا ببشارةٍ حسنة.١٣٠ توفيقًا أو نصرًا، تشجيعًا للأمة وهي في بداية فتوحاتها ونشر دينها خارج شِبه الجزيرة العربية. وذلك مثل التنبُّؤ بدور الحسَن في الصلح بين فئتين عظيمتَين.١٣١ وهناك نبوءات أخرى بمستقبل العرب تختلط بعلامات الساعة.١٣٢ وهي ست: الأولى، موت الرسول وقد تُوفِّي الرسول بالفعل. ويستطيع الإنسان العظيم أن يتنبأ بنهايته بإحساسٍ غامض أنه أدَّى الأمانة وبلَّغ الرسالة «ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.» أو بآية مباشرة من الوحي، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. وقد شعر كبار المُصلحين بقُرب النهاية قبل وفاتهم، وكتبوا وصاياهم أو تلفَّظوا بكلماتهم الأخيرة. والثانية، فتح بيت المقدس وقد فُتح في عهد عمر، أولى القبلتَين وثاني الحرمين. ولا يستطيع أحد الآن التنبُّؤ بتحريره وتطهيره من التهويد والإحاطة بالأحياء اليهودية والحفر تحت المسجد الأقصى للبحث عن أُسُس هيكل سليمان الأسطورية. والثالثة، موتان قد يكونان مَوتَي الشيخَين، وهما أكبر خسارة في الإسلام. فقد مات النجاشي في حياة الرسول، وقد كان نصيرًا للمسلمين لأنه كان يعرِف الحق. والرابعة، استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا. وهو ما حدث بالفعل في أيام عمر بن عبد العزيز حيث امتلأ بيت المال وفاض ولم يجد الخليفة أحدًا يُعطيه. والخامسة، فتنة تدخُل كلَّ بيتٍ وهي الفتنة الكبرى التي عصفت بالمسلمين والتي راح ضحيَّتَها علي بن أبي طالب ثم الحُسَين بن علي والتي انقسم فيها المسلمون فريقَين بين علي ومعاوية، كما يختلف العرب الآن بين الاعتدال والمُمانعة، بين حماسٍ وفتح، بين المقاومة والمفاوضة. والسادسة، هُدنة بين العرب وبني الأصفر فيغدرون ويأتون تحت ثمانين غاية تحت كلٍّ منها اثنا عشر ألفًا وهم بنو إسرائيل حاليًّا في فلسطين الذين استوطنوا منذ بداية القرن الماضي بحجَّة إقامة مزارع جماعية، اشتراكية إنسانية، عمَّالية أخوية على طريقة «السان سيمونيين» الذين أسَّسوا مثلها في مصر في القرن التاسع عشر. ثم استمرَّت المزارع الجماعية حتى أصبحت مُستوطنات مسلحة تطرُد المزارعين الفلسطينيين من قُراهم حتى أصبحت دولةً مُسلحة من رأسها إلى قدمَيها يؤيدها العالَم كله بالمال والسلاح وابتلعت فلسطين كلها واحتلَّت سوريا ولبنان. وما زالت تحلم بإسرائيل الكبرى، من الفرات إلى النيل.
يتنبَّأ الرسول بالفتن ويُحذِّر من المستقبل.١٣٣ ويخشى على أمته من فِتن آخر الزمان. فلا يخشى عليهم الفقر ولكن الغِنى كما وقع للذين من قبلهم فتنافَسوا عليه فأهلكهم.١٣٤ وفي صياغةٍ أخرى أكثر تفصيلية أنَّ ما بين أيدي الأمة لا شيء، والرسول شاهِد عليه، وموعدهم الحَوض. لا يخشى عليهم الشرك بل التنافُس على الدنيا. وحذَّر المحاربين من مغادرة أماكنهم إذا ما رأوا الأسلاب والغنائم كما حدث في غزوة أحد.
تنهار الأمة آخِر الزمان. وترى من بعد الرسول أمورًا تكرهها وهي كثيرة لا حصر لها.١٣٥ تتراوح بين المادية والمعنوية، بين البدنية والنفسية؛ إذ تهلك الأمة على أيدي أغلِمةٍ سفهاء، غِلمة من قريش. وهم الحكَّام السفهاء الذين يدافعون عن كراسيِّهم، وليس عن مصالح شعوبهم. ويُعبر عن هذه الحالة بأحاديث كثيرة مثل «ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب.» في صياغة أدبية مُحكمة ينبِّه العرب على الشر الذي اقترب: الاستعمار والصهيونية والتخلُّف والقهر والفقر والفتور. ويُفتَح من ردم يأجوج ومأجوج، ويكثُر الخبث. وهي الحضارات المجاورة الغالبة والتي تفيض من المركز إلى الأطراف، مثل الحضارة الغربية وتسبب ظاهرة التغريب. وتقع الفتن خلال البيوت كوَقع القطر. فالفتنة ليست عامة بل خاصة، ليست في الأمة بل في الأسرة، ليست في الدولة بل في الشعب. يشعُر بها الجميع. ينقُص العمل، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثُر الهرج؛ وهي البطالة التي عمَّت والفقر والقتل والفوضى العامَّة في كل مكانٍ وغياب النظام والقانون. وتأتي أيام ينزل فيها الجهل، ويُرفع العِلم، وهو ما يعني ارتفاع نسبة الأمية وانهيار مستوى التعليم العام والجامعي، وإنشاء الجامعات الخاصة. ومن شرار الناس من تُدركهم الساعة وهُم أحياء. فقد انتهى الخير، وضاعت الفضيلة، وامَّحى الإيمان. ولم تعُد هناك فرصة لفعل الخير أو معرفة الحق. ولا يأتي الزمان إلا وبعدَه أشرُّ منه، أي الوصول إلى نهاية القاع، وعدم وجود أي أملٍ في فعل الخير. هذه هي مظاهر الفتنة العامة التي لا يمكن ردُّها. «وستكون فتنةٌ القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي.»
ومن مظاهر الفتنة أيضًا خروج الأمانة من قلوب الرجال.١٣٦ يضيع المبدأ ذاته وليس فقط إمكانية تحقيقه. وهذا يعني فساد الضمائر وضياع الهِمَم وخلل النفوس. وفي هذا الوقت يفرُّ المُسلِم من الفتن هاربًا بنفسه، وناجيًا بروحِه كما فعل الصوفية الذين استحال عليهم تخليص العالَم فآثروا خلاص أنفسهم. وتتبع الأمة سنن من كان قبلها أي التقليد.١٣٧ وهم اليهود والنصارى أي إسرائيل والغرب. وتعجز عن الإبداع والمشاركة في صُنع الحضارة. تُصبح هامشًا لغيرها. وتفقد دورَها الريادي الذي أهَّلها له دينها. لذلك حذَّر الرسول من الفتنة والقتل؛ فمن الفتنة ما قتل. والقتل فتنة.١٣٨
وتحكم الرواية على آخِر الزمان؛ على من يأتي بعد الرسول فيبدِّلوا الدين.١٣٩ وهم حكام العرب والمسلمين اليوم الذين فقد معظمهم الأهلية في الحُكم ورعاية مصالح الأمة. وتلعن الرواية الغِلمة من قريش الذين على أيديهم هلاك أُمته والذين أدَّوا بأوطانهم إلى الاحتلال والتخلُّف. ينتسِبون إلى قريش أو إلى الجيش، إلى الهاشميين أو العسكريين. وغالبيتهم ملكيُّون. والهرْج بلسان الحبشة القتل. والرسول على عِلم بلغاتِ البيئات الثقافية المجاورة ومنها الحبشية.١٤٠ وما أكثر القتل في الحروب الأهلية بين المسلمين الآن، الصومال نموذجًا. وتصف الرواية الفتنة التي تمُوج مَوج البحر، بها باب يُكسَر أو يفتح. فإذا كُسِر لا يُغلَق أبدًا. وهو الباب الذي في معظم الحروب الأهلية ونزاعات الحدود، والنزاعات القبلية والعرقية والأحقاد التاريخية والصراعات المذهبية، السخط على أحياء قريش.١٤١ وهم الذين توارثوا الحُكم عبر السنين الماضية. الحُكم باسم الدين أو باسم الجيش وهو الدين الجديد.
ومن علامات المستقبل نزول المسيح حاكمًا بين البشر فيكسر الصليب، ويقتُل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.١٤٢ فالمسيح رمز النصر وليس رمز الصراع الإسلامي المسيحي. والصليب رمز المحبَّة والعناق والتآخي وليس رمز التناصُر والخصام. وهو الخير الذي يذهب بالشرِّ، ويفرض سلطانه حتى يفيض على الجميع.
ويتنبَّأ الرسول بالنصر للمسلمين ووراثة كسرى وقيصر.١٤٣ وفي صياغةٍ أخرى يتقطَّع القول للدلالة على تركيبه. ينتشر الإسلام من منطقة وُسطى فاردًا جناحيه شرقًا وغربًا كما حدث في بداية انتشار الإسلام، وكما حدث حاليًّا في انتشار الإسلام شرقًا في آسيا وغربًا في أوروبا وأمريكا بالإضافة إلى الجنوب في أفريقيا.
وبالرغم من الفتن آخر الزمان إلا أن النصر للأمة. فالخير ينتصِر على الشر، والحق على الباطل، وكما هو الحال لدى الجماعات الإسلامية المعاصرة.١٤٤ ويكون ذلك بفضل نخبة من الأمة ظاهرة على الحق بصرف النظر عن مُخالفيهم ومُوافقيهم.١٤٥ وبلغة العصر بفضل جيلٍ قرآني فريد تحت شعار «لا إله إلا الله».١٤٦
وتكثُر أحاديث المستقبل في علامات آخر الزمان بأقوالٍ مباشرة للرسول، وهي نهاية الزمان قبل الأوان أي غياب الصلاح وعموم الفساد؛ إذ يأتي على الناس زمان يكون فيهم الرسول فيُفتَح لهم، وزمان آخر لمن صاحَب الرسول فيُفتَح لهم. فلا ينتصر إلا الرسول والصحابة والتابعون.١٤٧ ويبشر الرسول أصحابه بالنصر. ويوحِّد نفسه بينه وبين أصحابه «أنت منِّي وأنا منك.» يُعطي الراية غدًا لرجل يفتح الله على يديه وتكمل الرواية أنه تفل في عينيه ليشفيهما. ويسأل الصاحب أنه يُقاتلهم حتى يكونوا مثل المسلمين، ويطلب منه الرسول الانتظار حتى النزول بساحتهم ودعوتهم إلى الإسلام وإخبارهم بحقِّ الله. فهداية رجلٍ واحد خير من حمر النعم.١٤٨ وتختلف الصياغة عدَّة مرات؛ لذلك فإن الأمة في جهادٍ حتى آخر الزمان. الخيل مربوطة في نواصيها إلى يوم القيامة خاصة في مصر «جندُها خير أجناد الأرض وشعبها مُرابط إلى يوم القيامة.» ويروى مثل هذا الحديث في فلسطين.١٤٩

(٦) المعجزات

ومع أن الرسول من البشر العاديين قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا إلا أنَّ الأحاديث تنسِب إليه معجزات قولية وفعلية تؤثِّر في الأحداث أكثر من الطبِّ النبوي الذي لا يُبارك ولا يلعن، حتى يبدو أن الأطفال أكثر واقعيةً من الكبار، ويسعَون للحصول عليها.

(أ) المعجزات القولية والفعلية

وعلى غير العادة يصف الرسول في أقواله بعض معجزاته. فقد نزل المسلمون في صلح الحديبية على بئرٍ فأتوا على ما فيه من ماء فأتى الرسول بدلوٍ وبصق فيه وأنزله البئر وطالبَهم بالصبر ساعةً فامتلأ بالماء، وارتوى المسلمون ورِكابهم حتى ارتحلوا. وفي روايةٍ باستثناء قول مباشر «دعُوها ساعة.»١٥٠ وفي رواية أخرى كان المسلمون حوالي ألفٍ وأربعمائة وصفهم الرسول بأنهم خير أهل الأرض. وكان يمكن أن يُريهم الشجرة التي سمَّاهم بها القرآن، (أصحاب الشجرة) إلا أنه لم يُبصرها من كثرة العدد. وكان يمكن أن يريهم إيَّاها بإفساحهم المكان أو بالقلوب. وهي معجزة نمطية في تاريخ النبوَّات، تكاثُر الخبز والسمك من معجزات السيد المسيح، رغيفان وسمكتان أطعمت مئاتٍ من المستمِعِين إلى تعاليمه، وفاض أكثر منها. وهي إما من صُنع الراوي للمُبالغة في تعظيم الرسول أو حالة نفسية عند الحاضرين نتيجة صحبته.
ومرة أخرى أحضر ابنته وزوْجها وقعد بينهما وأراد أن يُعلمِّهما خيرًا مما يسألان ليُردِّداه عند النوم، تكبيرًا أربعًا وثلاثين، وتسبيحًا ثلاثًا وثلاثين، وحمدًا ثلاثًا وثلاثين، وهو خير لهما من خادم.١٥١ ولماذا هذا العدُّ التنازلي بواحدة؟ وإذا كان هو أمرًا نفسيًّا، لا يشعُران بالإرهاق من أعباء المنزل فمن الذي سيقوم بها؟ من الذي سيقوم بأعباء المنزل، التنظيف والطهي والترتيب؟ يُخشى أن ينتهي ذلك إلى الشعوذة. وأن يُمارَس في المواقف الخطِرة مثل مواجهة العدو في القتال.
وفي بعض الأحاديث يستعمل النبي المُعوِّذات. إذا كان النبي ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمُعوِّذات، أي أن المعوذات لم تحمِه. فلما تفلَ كانت عائشة تنفُث عليه بهنَّ وتمسح بيدِه لبركتها. كان ينفُث على يديه ويمسح بهما وجهه.١٥٢ وهو ما يحدُث أحيانًا في الأفلام والتمثيليَّات التليفزيونية كنوعٍ من الدجل والسحر والشعوذة. لو قال غاضب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهَب غضبه.١٥٣ وشعر براحةٍ نفسية وهدأت نفسه. فاستدعاء الأعلى يُذهِب الأدنى. وكان الرسول يُعوِّذ بعض أهله، ويمسح بيدِه اليُمنى ويَرقي. وهو ما يُشبه الممارسات الشعبية التي يحاربها المصلحون والتي يقضي عليها العِلم الحديث. ولُدِغ سيد من أسياد العرب فرقاه الرسول؛ إذ كان يمسح الوجع بيده اليُمنى. واللَّدغ سُم في الجسد ولا تُعالجه الرُّقى بل الدواء الذي يقضي على مفعول السم.
ويأمر حديث آخر بالاسترقاء من النظرة الأولى. فالعين حق، ولا تُعالَج بالوشم.١٥٤ وكيف تكون العين حقًّا وفي نفس الوقت ينهى عن الوشم؟١٥٥ والطب النفسي جزءٌ من الطب العِلمي. فالحلم أحد موضوعات التحليل النفسي. ويصعُب التمييز بين الرؤيا من الله والحلم من الشيطان. فكلاهما حلم. وكيف يتمُّ التعوُّذ من الحلم السيئ حتى لا يضره؟١٥٦ والطيرة والشؤم من الأمور النفسية. والمرأة والدار والدابة من الأمور الاجتماعية.١٥٧ والفأل الكلمة الصالحة يسمعها أحد. وهو تحوُّل من الخيال إلى الواقع، ومن الوهْم إلى الفعل.١٥٨ وهذا كله من الكهانة.١٥٩
والرسول قادر على أن يدعو على فارسٍ لحِقَ به بالهلاك فيقع من على فرسه فهلك.١٦٠ وهو ما يعادل في وسائل القتال القديمة إطلاق النبال والسهام. وما يُقابل في وسائل القتال الحديثة إطلاق الرصاص والصواريخ. فالدعاء لا يقتُل عن بُعد وإلَّا لدعا الفلسطينيون والعرب والمسلمون على إسرائيل بالهلاك من أجل تحرير فلسطين. ولدعَتْ حركات التحرُّر الوطني لدى المسلمين لأنهم هم الذين لديهم الإيمان الصحيح على الاستعمار في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فتحرَّرت الأوطان دون مليون شهيد في الجزائر، وآلاف الشهداء وآخِرهم شهداء غزة. وحماس هي التي تقاتل ولا شكَّ في إيمانها.
وقد تكون المعجزة في الرواية وليست في القول المباشر. حينئذٍ تكون أقل تصديقًا لأنها من تأليف الراوي وليست من قول الرسول، من خيال الراوي وليست من فعل الرسول.١٦١ إذ تصف الرواية ما يمكن تسميتُه بمعجزات الرسول. فقد أكل عشرةٌ مما صنعته أم سليم حتى شبعوا، ثم دخل عشرة آخرون فأكلوا حتى شبعوا، ثم دخلت عشرة ثالثة فأكلوا حتى شبعوا، ثم دخلت عشرة رابعة فأصبحوا أربعين، ثم أكل النبي ولم ينقص من الطعام شيء.١٦٢ وهي أيضًا أشبه بمعجزة تكاثُر الطعام عند المسيح؛ إذ أكل خمسمائة من رغيفٍ وسمكتَين، وفاضت عشرات من الأسماك والأرغفة.
ولمَّا حملت أسماء بنت أبي بكر بعبد الله بن الزبير أتت به الرسول وولدت بالمدينة فوضعه الرسول في حجره ثم دعا بتمرةٍ فمضغها ثم تَفَل في فِيهِ، فكان أول شيء دخل جوفه ريق الرسول، ثم حنَّكه بالتمرة ودعا له فبرَّك عليه. وكان أول مولود في الإسلام، وفرحوا به فرحًا شديدًا لأنه قد قيل لهم إنَّ اليهود قد سحروا المسلمين فلن يُولَد لهم أحد.١٦٣ والطفل لا يأكل شيئًا في هذه السن، وقابل للعدوى من فم الكبار. والسياق سِحر المُسلمين في مقابل سِحر اليهود، ومستوى ثقافي بمستوًى ثقافي مُشابه. وأتى الرسول بإناءٍ فأدخل فيه يدَه وفرَّج أصابعه وقال حيَّ على الوضوء فالبركة من الله. فتفجَّر الماء بين أصابعه فتوضأ الناس وشربوا، وكان الناس ألفًا وأربعمائة أو خمس عشرة مائة.١٦٤ وهي صياغة أخرى لمعجزة البئر الجاف الذي امتلأ ماءً بفضل بصاق الرسول.
وفي حديثٍ آخر اشتكى له أحدُهم أن بابنِ أخته وجع، فمسح رأسه ودعا له بالبركة، ثم توضَّأ فشرِب من وضوئه، ونظر خلف ظهره فرأى خاتم النبوَّة بين كتفَيه.١٦٥ وهو خيال محض. فالنبوَّة ليس لها خاتم يُرى، وأين يوضَع؟ وفي أي إصبع؟ وأين بين الكتفَين؟ ولماذا يراه غير نبي، وكيف يشرب إنسان من وضوء آخَر واستنشاقه وتمخُّطه حتى ولو كان نبيًّا؟ وفي حديثٍ آخر بال الرسول على الطعام ورش بماءٍ ودعا عليه حتى يأكل الطفل المريض الطعام.١٦٦ فكيف يصحُّ المريض بالبول حتى ولو كان بول نبي؟ البول بول، والدواء دواء، والنفس تَعاف الطعام المرشوش بالبول.
وأمر الرسول بشُرب ألبان الإبل وأبوالها. الألبان نعم أما الأبوال؟ وما الحاجة أو الضرورة الشرعية التي تبيح المحظورات؟ والحبيبة السوداء، حبة البركة في الرواية وفي القول المباشر شفاء للمرض بعد سحق خمسٍ أو سبعٍ وقطرِها في الأنف مع الزيت في الجانبين.١٦٧ وهي أشبه بالوصفات البلدي في الطبِّ الشعبي الذي يظلُّ البعض يمارسه حتى اليوم. يصنعها الدجَّالون والمشعوذون بدعوى أنها من الطبِّ النبوي مذكورة في «البخاري» الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهو الكتاب الثاني بعد القرآن وقبل «إحياء علوم الدين». والتلبين للمريض وللمحزون قول مباشر ورواية.١٦٨ يعرفه الطب الشعبي. وهو أشبه بما يُعرف ﺑ «اللبخة» أو «اللزقة». يُعالج الأمراض البدنية والنفسية.
والتبرُّك بالنبي مُغالاة في مدحِه من أصحابه، فقد كان بلال يأخذ من وضوء النبي والناس يتسابقون ليفعلوا بالمِثل. فمن أصاب شيئًا مسح به أو أخذ من بلل يدِ صاحبه.١٦٩ وهو أقرب إلى الشرك طبقًا لقواعد الإيمان في «البخاري» ذاته. فالله هو الشافي وليس ما تبقَّى من وضوء النبي. وهو نفس الأمر أن يتوضَّأ الرجل من وضوء زوجته تحببًا إليها. وفي هذه الحالة يُسمَّى «الوَضوء» بفتح الواو وليس بضمِّها. وقد يتحوَّل الرسول بهذه الطريقة إلى وثنٍ أو ولي يتمسَّح الناس به ويتبرَّكون حيًّا أو ميتًا، سائرًا على الأرض أو مُلقًى في ضريح.
وقد تُجرى المعجزات على المَوتى بما في ذلك المنافقون. فقد أخرج النبي عبد الله بن أُبي من قبره ووضعه على ركبتَيه ونفث عليه من ريقِه وألبسه قميصه!١٧٠ وهنا تفوق معجزة الرسول معجزة المسيح الذي أمر المتوفَّى بالنهوض فنهض دون استمرار الرواية أكثر من ذلك. وربما يُعبر المشهد عن مدى سماحة الرسول ومغفرته للمُنافقين. وقد أراد لهم أن يستغفر سبعين مرةً أكثر ممَّا فصَّل القرآن إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ. وإصرار الرسول على أن يستغفر أكثر ردًّا على احتجاج الصحابة. ألبسه قميصه في الكفَن. هذا هو الحد الأدنى في الحدث التاريخي، نواة الرواية قبل أن ينسج الخيال حولها المُبالَغات الإبداعية والصور الفنية.
وتشعر الحيوانات بمعجزات الرسول. فبعد أن ركَز بلال عنزةً ليُقيم الصلاة، صلَّى الرسول ركعتَين إلى العنزة والدواب يمرُّون بين يديه من وراء العنزة.١٧١ وهو إخراج مسرحي جميل؛ فبلال يرى أن مرور العنزة بين يدي الرسول أثناء الصلاة لا يجوز مُستعملًا بعض العنف بركزها. وصلى الرسول والحيوانات تسير أمامها بقيادة العنزة. ففي تاريخ الأديان تألَف الحيوانات الرسول قبل أن يألفه الإنسان. وتُصدِّقه قبل أن يؤمن به الإنسان تعبيرًا عن طيبة الحيوان وجحود الإنسان. والرسول يُقدِّر الطبيعة لأن الإيمان بالله طبيعي، والتوحيد طبيعي لا تستبعده المظاهر الاجتماعية والأوضاع الطبقية للناس.
ونفرَتِ الدابة في المنزل من قارئ سورة الكهف. نفرت الدابة فنزلت سحابة عليها، واعتبرها النبي سكينةً نزلت للقرآن.١٧٢ فالقرآن يستدعي السحابة في مجتمع صحراوي جافٍّ في حاجة إلى المطر. ولا يليق بالدابة أن تظلَّ بجوار قارئ القرآن. فالرواية تصوير فني لقيمة القرآن في سياقه الجغرافي البدوي الصحراوي الذي يقوم على الحيوان والماء.
وقد ينسج القول المباشر على رواية مثل القول المباشر عن السِّحر بناء على رواية عائشة أن الرسول قد سُحِر.١٧٣ ويتقطع القول المباشر لأنَّ الوضع لا يتحمَّل أن يكون متصلًا. فهو رأي عائشة. وواقعة السحر مُدرَكة وليست خارج الإدراك. والمدرِك أقرب الناس إليه. وموضوع الإدراك يهمُّها شخصيًّا. فالعجز الجنسي يقلق أحبَّ زوجاته إليه. وهو سِحر على الطريقة الشعبية التي تُسمَّى «العمل» ثم فك العمل، مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر في بئر. لم تستخرج عائشة العمل لأن الله شفاه ولكن ردم البئر اتِّقاء لشره. وكيف يردم بئر والماء حياة الصحراء؟
وفي رواية استفتى الرسول الله في أمرٍ فأفتاه فيه. إذ أتاه رجلان، جلس أحدهما عند رجله والآخر عند رأسه. فسأل الأول عن حال رجلٍ فقيل مطبوب أي مسحور. وسأله مَن طبَّه قيل لبيد بن الأعصم في جف طلعة ذكر في مشط ومشاطة تحت رعوفة في بئر. وأتى النبي البئر فرآها كأنَّ رءوس نخلها رءوس شياطين، وماؤها نقاعة حناء، فأمر به فأخرجت ورفض إخبار الناس حتى لا يُثير شرًّا عليهم. وتُعلق عائشة أن لبيد كان حليفًا لليهود. وهو قول مباشر لعائشة يتضمَّن حوارًا داخليًّا بين الرسول ونفسه.١٧٤ وهذا يعني أن السحر كان مؤامرةً يهودية للتخلُّص من النبي.
والعمل جزء من السحر مذكور في القرآن وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ولكنه أيضًا مذكور أنه من عمَل الشيطان للشر وليس للخير. فلا يُفلح السِّحر مع الحكمة والعِلم مثل سِحر فرعون الذي أبطله سِحر موسى، سحرٌ بسحر. وقد مرض أحدهم لأنه قد تمَّ سَحرُه وأقر الرسول السِّحر، «مشط ومشاطة وجُف طلع نخلة» من بئر يُشبه ماؤها نقاع الحناء ورءوس نخلها رءوس الشياطين.١٧٥
وفي رواية أخرى سحر الرسول لأنه كان يرى أنه يأتي النساء فلا يستطيع وهو أشدُّ أنواع السِّحر عليه. والضعف الجنسي له أسبابه العضوية وليس السِّحر والربط كما هو الحال في العادات الشعبية.١٧٦ وقد شُفيَ الرسول بالعجوة والسِّحر المضاد. وكيف يكون الدواء بالعجوة والسحر؟١٧٧ وكيف يمارس الرسول أو عائشة السِّحر؟ صحيح أن السِّحر مذكور في القرآن؛ سحرة موسى، ولكنه سِحر باطل قائم على خداع الحواس، تحوُّل العصا إلى حياتٍ تسعى. وموسى يقوم بالسحر المُضاد الأقوى لأن المعجزة ما زالت دليلًا على النبوَّة. أما في ختم الرسالات فلم تعد المعجزات دليلًا على النبوة. وبها استبدل البرهان العقلي أو المشاهدة الحسية أو الإعجاز الأدبي، إعجاز القرآن. والسحر مجاز «إن من البيان لسحرًا.»١٧٨

(ب) القرآن كعلاج

ولا يكفي أن يكون القرآن معجزًا على نحوٍ أدبي على ما عُرف في النقد الأدبي باسم «إعجاز القرآن» بل هو أيضًا معجز بقراءته في مجتمع شفاهي، وربما بكتابته في مجتمع كتابي كما هو الحال في التعاويذ والأحجبة وتعليق الآيات من ذهبٍ وفضة لتزيين الجِيد والنحور. فالقرآن يُنزل السكينة على من يقرؤه أو يسمعه. والسؤال هو: هل يُنزل القرآن السكينة، كفعلٍ معجز أم بالاطمئنان من القراءة؟١٧٩
وكيف تعادل آية أو سورة ثُلث القرآن أو نصفه أو كله؟ كيف يساوي الجزء الكل؟ القرآن كله وحيٌ من عند الله. تتساوى فيه السُّوَر والآيات، طويلها وقصيرها، مكيُّها ومدنيُّها، بل ناسخها ومنسوخها. فالكل قرآن لا تفضيل فيه كبضاعة في مجتمعٍ تجاري.١٨٠ قد يفاضل الرسول بين آيات القرآن دون ذِكر أي منها. فالآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلةٍ كفتاه.١٨١ وأحيانًا يكون التفضيل لسورة بأكملها إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا.١٨٢ وهذا يُعبر عن إحساس بالرسالة أو تذوُّق أدبي. فالآيتان في آخر سورة البقرة يُعبران عن موقفٍ إسلامي، الأولى عن وحدة الأديان، والثانية عن عدم جواز تكليف ما لا يُطاق طبقًا لقواعد الأصوليين.١٨٣ وهما الآيتان اللتان يكثر الأئمة من ذكرهما في صلوات الجهر. أما الآية الثانية فهي آية الفتح والتي تبلُغ اكتمال الرسالة وأداء الأمانة واكتمال النصر ليفرح المؤمنون.
والسُّوَر من القرآن، والآيات من السُّوَر، والكل وحي على نفس القدْر. فلا تُوجَد سورة أفضل من سورة ولا آية أفضل من آية.١٨٤ ولماذا أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم؟١٨٥ هل لأنها تتكرَّر في كل ركعة؟ وقد تحوَّل الأمر من الفضل إلى الرُّقَى. فقد كان يَرقي بفاتحة الكتاب. وقرأ بأمِّ القرآن لشفاء لدغة. فتحوَّل التفضيل إلى شعوذة ما زال يُعاني منها المسلمون حتى الآن. وكان إذا أوى إلى فراشه نفَثَ في كفَّيه ويقول قل هو الله أحد والمعوذتين ويمسح بهما وجهه. وكان يأمر عائشة أن تفعل ذلك إذا اشتكت.١٨٦ وقد استمرَّت هذه الممارسات لدى الطبقات الشعبية حتى الآن. وتاجَر بها المشعوذون والدجَّالون. وهي التي بقيتْ ونُسِيَ باقي القرآن، وطبعت في طبعاتٍ مُستقلة مُزخرفة، تعاويذ وأحجبة وتعليقات حول الرقاب وفي العربات.
وفي وجعه الأخير طلب أن يكتب كتابًا لن يضلُّوا بعده أبدًا فرفض عمر اكتفاء بالكتاب والسنة خشيةً من تعدُّد المصادر وزيادة ثالثٍ يطغى على الأول والثاني.١٨٧ فالاحتماء بالنصِّ واللجوء إليه ضارٌّ بالمسلمين. النص نفسه قطعة ورق ومداد وحبر وخط مرسوم. وثنٌ لا ينفع ولا يضر، أي شرك بالله. ولا حرج في أن يُعمل الإنسان عقله ودوافعه حتى مع الرسول. فالعقل والواقع أساسان للوحي.
وهي عوامل نفسية، من يقرأ القرآن كالأترجة طعمها وريحها طيب، ومن لا يقرؤه كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها. والفاجر الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مُر. والفاجر الذي لا يقرأ القرآن حنظلة طعمها مرٌّ ولا ريح لها.١٨٨ وهي كلها تشبيهات في بيئةٍ زراعية صحراوية لتقريب القرآن من النفس، والمؤمن كالخامة من الزرع تُفيئها الريح مرةً وتَعدِلها أخرى. والمنافق كالأرزة انجعافها مرة واحدة. وقد يكون العكس هو الصحيح، المنافق يتذبذب والمؤمن ثابت. ولا يفهم ذلك إلا الفلاح. فتشبيه القرآن بالزرع لأن كليهما خصب ونماء، وبذور وزرع، ونمو واخضرار، وأوراق وثمار. والمُسلم المصاب بأذًى تحاتُّ خطاياه مثل ورق الشجر.١٨٩ وقد يستعمل القرآن كدعاءٍ علاجًا للأوبئة والأمراض. وهو استعمال له في وضعه الخاطئ. فلماذا الدعاء لمن يؤذيه هوام رأسه وليس الدواء؟١٩٠ والشرك بالدواء أنفع من الشرك بالدعاء. الله هو الشافي مجازًا، والدواء هو الشافي حقيقة.١٩١ ولا غِنى بالعلَّة الأولى عن العِلَل الثانية كما حدد الأصوليون. وهو أساس القياس الشرعي. وإذا كان الأصل استنباطًا من النص فإن الفرع استقراء من الواقع.١٩٢
وكيف تستطيع آية الكرسي حفظ الإنسان من اقتراب الشيطان منه؟١٩٣ وهل مجموع الخطأين يكون صوابًا؟ فحظ الآية واقتراب الشيطان من فعل الوهْم أو التوهُّم أو الخيال أو التخيُّل. وقد تكون السورة وقتَ النزول مطابقة للحالة النفسية للرسول مثل إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا.١٩٤ هنا يشعُر بوقعها الحسَن في النفس وأثرها الطيب. فيشعُر الإنسان براحة نفسية أنَّ الوحيَ تصديق لتجربته النفسية، وأن الله معه، نصرَه وأيَّدَه ورعاه. وتلك معجزة القرآن.

(٧) الطب النبوي والأمثال العامية

والطب النبوي الذي ما زال ساريًا حتى الآن بأطبائه وأعشابه وكتبه وجمهوره وسُمعته الشعبية أحد مظاهر المعجزة، فهو طبٌّ بسيط يقوم على الأعشاب المتداولة وساري المفعول، يُحقِّق إنجازاتٍ كبيرة في الشفاء. والأمثال العامية هي التي تجمع بين الوصفات «البلدية» وبين التشبيهات الأدبية في العلاج لحُسن الفهم. فيُفهَم المثل الأدبي حرفيًّا ويطبق كوصفةٍ علاجية.

(أ) الطب النبوي

والطب الحديث الآن ليس موضوعًا للدعاء أو لوسائل العلاج القديمة كما هو الحال فيما يُعرف بالطبِّ النبوي. وقد كان الطب القديم عند الأطباء والفلاسفة طبًّا حديثًا في عصرهم، تطويرًا للطب اليوناني. فالشفاء ليس بالضرورة في العسل والحجامة وكيِّ النار أو استبعاده.١٩٥ إن علاج إيذاء هوام الرأس الحلْق أو وضع الدواء المُطهر لقتلها. فكيف يكون العلاج صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو النُّسك بعض الوقت؟١٩٦
والفرار من المجزوم كالفرار من الأسد؛ هروب من مواجهة المرض أو عزل صحي مثل مواجهة الطاعون.١٩٧ فلا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون تشبيهًا والعزل الصحي قديمًا «الكارانتينة» كان أحد وسائل العلاج لمنع نقل العدوى. وكيف يكون ماء الكمأة شفاء للعين؟١٩٨ كيف يكون ماء المريض دواءً للمريض إلا بدافع العجب وشدِّ الانتباه والخروج عن المألوف؟ وتبريد الحُمَّى بالماء علاج طبي. ووصف الحرارة من نار جهنم تشبيه.١٩٩ تجمعها الحرارة. والموت بالطاعون شهادة مثل المَبطون والمطعون أي الذي قُتل غِيلة.٢٠٠ ولا يتحمل مسئولية الموت بالإهمال. الموت بالوباء شهادة لأنه موت جماعي.
وكيف عجوة من سبع تمراتٍ تشفي من السُّمِّ والسحر من اليوم إلى الليل؟٢٠١ هذه كانت أسرع الوسائل المُتاحة في المجتمع الصحراوي. السُّم نعم معروف كظاهرة. أما السِّحر فغير معروف كظاهرة إلا كظاهرةٍ نفسية في عِلم النفس المرَضي عندما تظهر على المريض علامات شاذَّة في الفعل أو القول. وكيف تكون حبة سوداء مثل حبَّة البركة، شفاءً من كل داءٍ إلا الموت، المفتاح السحري لكل شيء؟٢٠٢ ويُقال نفس الشيء على العُود الهندي الشافي لسبعة أمراض. وعادة ما يتبع الفكر الديني نمَط المفتاح السحري الذي به حلُّ مغاليق كل شيءٍ، وكما هو وارد حتى الآن في شعار «الإسلام هو الحل» مع أنه لا حلَّ هناك لظاهرة مُعقدة أو أنَّ هناك عدة حلول.
وتشير بعض الأحاديث إلى وسائل الطب الحديث مثل لا داء إلا له دواء.٢٠٣ والداء لا ينزل من السماء بل يصعد من الأرض عن طريق الأوبئة والجراثيم وأسباب الأمراض. ويتمُّ التعبير عن ذلك بصورةٍ فنية. جناحا الذباب، في أحدهما داء وفي الآخر دواء.٢٠٤ وهو قول مباشر. وفي عِلم الطب يكون البحث عن العلل القريبة وليس عن العلل البعيدة. وبالتالي الدعاء للعلة البعيدة لا يُغني من التعرُّف على العلل القريبة.٢٠٥ وهو مِثل الطبِّ الميتافيزيقي في الهند والعلاج المعرفي في الغرب الحديث. وتُعارِض بعض الأحاديث التجربة في الطب التجريبي. فعندما أُصيب أخٌ بإسهالٍ وسقاه الرسول العسل فزاد الإسهال فكيف يصدُق الله ويكذِب البطن؟ ربما لم يكن القدْر كافيًا. فلمَّا تكرَّر شُرب العسل توقف الإسهال. فالتجربة أساس العلم. ومبدأ التصديق من مبادئ فلسفة العلم.٢٠٦
ولا يدخل الجن في علم الطب حتى ولو كان لاستبعاد الكهان. فقولهم كلمة يخطفونها من الجن فيقرؤها في أُذن وَليِّه ويخلقون معها مائة كذبة، تفسير بعيد حتى ولو كانت الظاهرة مُركبة.٢٠٧ ولا يوجد ما يدل على صِدقه أو التحقُّق من صدقه. لا يُتعامَل مع هذا الطب النبوي إلا بحديث «أنتم أعلم بشئون دنياكم.» أي الطب العلمي التجريبي الذي يمكن التحقُّق من صدقه والذي يمكن لأي أحدٍ الوصول إليه. ليس طبًّا خاصًّا بدينٍ أو طائفة ولكنه طبٌّ مَشاع بين الناس.

(ب) التشبيهات الأدبية

ويصعُب التمييز بين الطب النبوي والتشبيهات الأدبية، بين الوصفات البلدية والصور الفنية، بين الحقائق العلمية والإبداعات الذاتية. فكلاهما من صُنع الذات وخلْقها؛ أي من وضع الراوي أو المُحدِّث. وتتراوح بين التشبيه البسيط؛ شيء بشيءٍ أو المَثَل؛ قضية بقضية، أو الحكاية الطويلة التي يظهر فيها الخيال على أوسع نطاق. فتصوير لمدى أهمية العلاقة بين الابن والأم أكثر من الأب «أمك» ثم «أمك» ثم «أمك»، ثم «أبوك». تُضاف حكاية طويلة عن ثلاثة نفرٍ نزل عليهم المطر وأوَوا إلى مغارة فانسدَّت بصخرة فدعا الله أن تفرج بحق أنه طلب أولًا لأبويه قبل ولدَيه وانتظرهما حتى يستيقظا وأولاده يتضوَّرون جوعًا فانفرجت الصخرة فرجة. وآخر راوَدَ ابنة عمِّه التي يُحبها عن نفسها فطلبت مائة دينار فجمعها، ولمَّا قعد بين رجليها طلبت منه اتقاء الله ولا يفتح الخاتم إلا بحقِّه فقام عنها فانفرجت الصخرة أكثر. وثالث رفض عبده أن يأخذ أجرَه من الأرز فزرع وكبر وأنتج واستثمر في البقر فعاد العبد ليطلُب حقَّه فأُعطي كل شيء. فانفرجت الصخرة تمامًا. وهو من الأحاديث الطوال.٢٠٨ والأحاديث المباشرة على عدم عقوق الوالدين كثيرة دون تصوير. والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت.٢٠٩ ومثل تشبيه الناس كالإبل المائة ليس فيها راحلة.٢١٠ قد بُعث الرسول بجوامع الكلِم.٢١١ لا فرق بين سِحر الكلام والتأثير في الواقع.
والمُسلِم مثل شجرة تؤتي أكلها بإذن ربها.٢١٢ فهذه صورة فنية وليست حقيقةً علمية. الشجرة تخضع لقوانين الزراعة والنبات للعِلل القريبة وليست البعيدة. والمسلمون في أهل الشرك كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر.٢١٣ وفي صورةٍ أخرى كالرَّقْمة في ذراع الحمار. وهذا تصوير لمدى التمايُز بين المسلمين والمشركين، واللغة العربية معروفة بأنواع التشبيه. ومن قواعد الأصوليين، المُحكم والمُتشابه، والحقيقة والمجاز. وإذا كانت القاعدة تنطبق على القرآن فكيف لا تنطبق على الحديث؟ والمؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه. والفاجر يراها كذبابٍ مرَّ على أنفه.٢١٤ المثل الأول يُخيف، والثاني تشمئزُّ منه النفس. والتصوير الفني أكثر أثرًا في النفس وإقناعًا من الأوامر أو النواهي. فالنفس بطبيعتها لا تقبل ما هو مفروض عليها من الخارج. ومَثل الرسول والناس كمَثل رجلٍ استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله وقعت فيه الفراش والدوابُّ وهي ترفضه. فالرسول يحجبها من النار وهي تقتحِمها.٢١٥ فالإنسان يودي بنفسه إلى التهلكة، والرسول يَحميه. الرسول درع واقٍ من الهلاك الذي يوقع الإنسان فيه نفسه بنفسه. وما من أحد إلا ويُكلمه ربه دون ترجمان ولا حجاب. فالله قريب من الإنسان، والإنسان قريب من الله، أقرب إليه من حبل الوريد. وهو ما ردَّده الصوفية. ومن اقتطع مال مسلم بيمينٍ كاذبة لقِيَ الله وهو عليه غضبان.٢١٦ فالأمانة جوهر الإيمان. والتوحيد يؤدي إلى العدل. وحقوق الناس من حقوق الله. وثلاثة لا يُكلِّمهم الله ولا ينظر إليهم؛ من حلف على سلعةٍ كذبًا، ومن حلف على يمينٍ كذبًا، ومن منع فضل ماء.٢١٧ والصدق جزءٌ من الإيمان؛ فالكذب على سلعة أو في يمينٍ أو التبذير في ثروات الطبيعة كالماء في المجتمع الصحراوي نقيض الإيمان، ومَثل المؤمن كمَثل زرعٍ يفيء ورقُه من حيث أتته الريح فإذا سكنت اعتدلت. فالمؤمن يكفأ بالبلاء، والكافر مثل الأرزة صماء معتدلة يقصمها الله إذا شاء، وهي تشبيهات زراعية في بيئة صحراوية، ومثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة؛ طعمها طيِّب وريحها طيب، والذي لا يقرؤه كالتمرة؛ طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة؛ ريحها طيب وطعمها مُر. ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة؛ طعمها مرٌّ ولا ريح لها. فدرجات الإيمان بالنسبة لقراءة القرآن مثل درجات الثمرة في علاقتها برائحتها وطعمها.٢١٨ وقد يُستعمل تشبيه الركوب والعدو؛ فيما بين مُتكبر وكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المُسرع. وقد يختلف الناس في تذوق الصورة الفنية طبقًا لبساطتها وتركيبها.٢١٩
ومن تصدَّق بمقدار تمرةٍ من كسبٍ طيب يتقبلها الله بيمينه ثم يُربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل.٢٢٠ فهذا مثل التأثير في السلوك وتوجيه الفعل وليس واقعة فعلية. وللدلالة على قِصر العمر، ما بين الرسالة والقيامة مثل ما بين الأصبعين؛ السبابة والوسطى.٢٢١ فهذا مثل إشاري للإيحاء بمعنًى وليس واقعةً حقيقية؛ فالزمان لا يقاس بالمكان.
وقد يتحوَّل المثل إلى حكاية تطول وتقصُر طبقًا لمقدرة الخيال على الإبداع؛ فأهل التوراة عملوا حتى منتصف النهار، وأهل الإنجيل حتى صلاة العصر، وأهل القرآن حتى غروب الشمس.٢٢٢ وهذا يعني تطوُّر الوحي في المراحل الثلاث الرئيسية، اليهودية والنصرانية والإسلام، وأن الإسلام هو خاتم الرسالات. وكان رجل من السابقين يُسيء الظنَّ بعمله فطلب من أهله أن يذروه في البحر بعد مَوته، ثم جمَعَه الله وسأله عن السبب فأجاب مخافته، فغفر الله له. وهي طريقة الهنود. وهي أقرب إلى الحكاية منها إلى الواقعة، وإلى الخيال منها إلى الواقع. فالخيال أكثر رحابةً وقدرة على التأثير من سكون الواقع، وفي صياغةٍ أخرى لم يعمل رجل خيرًا قط، فأمر بحرق جثته وذرِّها في البر والبحر، فأمر الله البحر والبر بجمْع الذرَّات وسأله لماذا ذلك، فأجاب: من خشيته، فغفر الله له. وهناك صياغة ثالثة أخرى لنفس المعنى بلا تصوير إلا تكرار الذنب.٢٢٣ ومَثل الرسول والله كمَثل رجل أنذر قومه بجيشٍ رآه بعينيه فأطاعته طائفة فنجت وكذبت طائفة فاجتاحهم الجيش.٢٢٤ فالرواية مُصدقة في الواقع، والخبر صادق طبقًا لقِسمة الأصوليين الخبرَ إلى صادقٍ وكاذب ومُمكن.٢٢٥ والله أفرَحُ بتوبة عبده من رجلٍ نام وترك راحلته وعليها طعامه وشرابه وهو في مهلكةٍ فاستيقظ ولم يجِدها واشتدَّ عليه العطش والحر ورجع إلى مكانه ونام ثُمَّ استيقظ فوجَدَ راحلته عنده قد أتته.٢٢٦ وهو تصوير لفرَح الله بعودة الإنسان إليه بصورةٍ صحراوية، عودة الراحلة للبدوي. وفي صورةٍ أُخرى: الله أفرح بتوبة عبده من رجلٍ سقط عن بعيره وأصبح ضالًّا في الصحراء. وهي صورة بدوية أخرى من البيئة الصحراوية، وبطلها البعير، ومؤلِّفها الراوي أو المُحدِّث ليضع سياقًا للقول المباشر.

(٨) الدعاء والتعويض

ولمَّا كان الإنسان الواقعي غير مُشبَع الحاجات، وغير مُستجاب الرغبات، وإمكانياته الفعلية لا تؤهله لتحقيق ما ينقُصه، فإنه يلجأ إلى الدعاء كوسيلةٍ للتعبير عما يتمنَّى تفريجًا للنفس وتحقيقًا لِما يُريد حتى ولو على مستوى الكلام. فأصبح الدعاء الديني جزءًا رئيسيًّا في الخطاب الديني. وهو أكبر كتابٍ في البخاري.٢٢٧ هو حيلة العاجز. الكلام تعويض عن الفعل، وحركة اللسان تعويض عن حركة البدَن. بل تكوَّنت حلقاتٌ لهذا السبب عند الصوفية للأدعية، وتمَّ التأليف فيها كنوعٍ أدبي. ونُسب الكثير منها إلى الرسول. وتفنَّن الدعاة في الصوت واختيار الكلام للتأثير على الناس والردود عليهم في جلساتٍ صاخبة. وكلَّما ارتفع الصوت، وزادت الحرارة في الدعاء سهلت الاستجابة، كاليد الطويلة تنال البعيد. وكلَّما اشتدَّت الأزمات ونقصت الحاجات وعجز التحقيق الفعلي للأمنيات والرغبات اشتدَّ الدعاء. وأصبح تعويضًا عن العجز الفعلي؛ فالقادر لا يدعو. والفاعل لا يَسأل. وهو ما سمَّاه «إقبال» لمن يرفع يديه إلى السماء داعيًا «فلسفة السؤال».

(أ) الدعاء

والدعاء له أشكال أدبية، وزمان، وتحقيق مَطلب، وتلبية حاجة، ومَدعو له، ولغة، ووسيلة. فالأشكال الأدبية للدعاء كثيرة منها التسبيح؛ التسبيح في دبر كل صلاةٍ عشرًا، والحمد عشرًا، والتكبير عشرًا.٢٢٨ الحمد على ما أصاب الإنسان، والتسبيح والتكبير عليه، وهو ما يدلُّ على إرادة قويَّة وصمودٍ وصبرٍ عظيمَين. ومن سبح مائة مرة كل يومٍ حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. ومنه التهليل، فمن تشهد مائة مرة في اليوم كانت له عدل عشْرِ رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحِيَت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان. ولا يُوجَد أفضل منه إلا رجل عامل.٢٢٩ والتشهد هو الإعلان الأول عن الانتماء، قول وعمل، نفي وإثبات. وتتكرَّر كلَّ يوم، ومنه التشهُّد في الصلاة «التحيات لله والصلوات والطيبات …»٢٣٠ وقد يكون التكبير والتسبيح والحمد ثلاثًا وثلاثين لكلٍّ منها أفضل من خادم في الفراش وفي المضجع، ويكون الدعاء لدفع الأذى والمضرَّة والشر عن الإنسان. وهو دعاء طبيعي. وبعد نفض الإزار، حتى لا يكون به حشرة، يُقال إنه وضع جنبه باسمِه وبه يرفعه، ورحمة النفس إن أمسكها، وحِفظها إن تركَها كما يحفظ الصالحين. ينزل الله إلى السماء الدنيا ثلث الليل الأخير لاستجابة دعاء من يدعوه، ويُعطي من يسأله، ويغفر لمن يستغفره وهو مجاز من أجل حثِّ الناس على الدعوة والسؤال والاستغفار وتسهيل النوم ووضع الجنب ورفعه باسم الله، وإمساك النفس ليغفر الله لها وإرسالها كي يحفظها.٢٣١ بل ويمتدُّ الدعاء إلى الاستفادة به حين الدخول إلى خلاء من الخُبث والخبائث. يستدعي اسمه بمناسبة استجلاب كلِّ خير، ودفع كل شر. هو سلاح دفاعي في يد الإنسان. والدعاء لا ينفي العزم، ولا يتضمَّن الاستعجال ثم الشكوى بأنه لم تتمَّ الاستجابة.٢٣٢ فالدعاء اختبار وامتحان وليس طلبَ منفعةٍ عاجلة بغرَضٍ من المنفعة؛ إذ يشمل الدعاء التعوُّذ من فِتَن الدنيا.٢٣٣ فالدعاء لتطهير القلب وتخليص النفس والتجرُّد من المنافع المباشرة، وإلَّا تحوَّل إلى الدعاء الشعبي الساذج.
ويكون الدعاء باسم الله، الحمد لله الذي أحيا وأمات وإليه النشور.٢٣٤ الموت والحياة، ولا يتحيَّنُ الإنسان الموتَ باسم الله لضُرٍّ ألَمَّ به بل يدعو الله بأن يُحييه ما دامت الحياة خيرًا له أو أن يتوفَّاه ما دامت الوفاة خيرًا له.٢٣٥ ومع الدعاء يأتي التعوُّذ من فتنة المَحيا والممات.٢٣٦ باسم الله يحيا الإنسان ويموت، في الصباح والمساء مجازًا، وفي بداية العُمر ونهايته حقيقة.٢٣٧ كان النبي يدعو من الليل، ويحمد رب السموات والأرض، ونور السموات والأرض. قوله حق ووعده حق ولقاؤه حق، والجنة والنار والساعة حق، له يُسلِم، وبه يؤمن، وعليه يتوكَّل، وإليه يُنيب، وبه يُخاصم، وإليه يحتكِم. يستغفر ممَّا تقدَّم وتأخَّر وأسرَّ وأعلن، هو الله لا إله غيره.٢٣٨ الدعاء هو توحيد الحياة والقصد والاتجاه والإرادة والرغبات والأهداف والأفكار والآراء والاتجاهات نحو وجهةٍ واحدة.٢٣٩ الدعاء هو وحدة الشعور.
وقد يكون الدعاء أن يجعل الله نورًا في القلب وفي البصَر وفي السمع ومن اليمين ومن اليسار وفوق وتحت وأمام وخلف. والله يسمع ويُبصر. وهو دعاء للمعرفة والنظر، وللبصر والبصيرة، للرأي والرؤية كما تريد الفلاسفة. وأنه لا إله إلا هو.٢٤٠ وهو تحويل المعرفة إلى موضوع للمعرفة، والدعوة لسميع بصير وليس لأصمَّ ولا غائب.٢٤١
وأفضل دعاء طبقًا لأفضل الأزمنة، خلال النهار وخلال الليل وفي الصباح يجعل صاحبه من أهل الجنة. وفي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مُسلم وهو يصلي وسأل الله خيرًا إلا أعطاه.٢٤٢ فالأوقات تتمايز فيما بينها في لحظات، لحظات السحر أو الشروق أو الغروب أو منتصف الليل، كل طبقًا لهواه. دعاء الليل الحمد لله نور السموات والأرض ومن فيهنَّ وقَيِّم السموات والأرض، فهو الحق، وعدُه وقوله ولقاؤه حقٌّ، والجنة والنار والساعة حق، والنبيُّون ومحمد حق. الاستسلام له والتوكل عليه والإيمان به والإنابة له والخصام إليه، وطلب المغفرة لما قدَّم وأخَّر وأسرَّ وأعلن.٢٤٣ وهو الدعاء الخالص للتجرُّد وشحذ الهِمَم والتخلُّص من احتياجات الدنيا. وفي الثلث الأخير من الليل ينزل الله كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا ويُعلن أنه يستجيب لمن يدعوه، ويُعطي من يسأله، ويغفر لمن يستغفره. يقترِب الله من الإنسان، يستمع إلى دعائه، ويُنصت إلى ضربات قلبِهِ، وهو لا يتحرَّك في المكان. وفي كل صلاة: الشهادة ونفي الشرك، وإثبات الملك والحمد والقُدرة والعطاء.٢٤٤ وهي المطهرات للقلب من كل شائبة، والمُنبهات للوعي من كل شرك.
وأفضل دعاء ما كان بعدَ الوضوء والبدَن طاهر، وإسلام النفس لله وتفويض الأمر إليه، والرغبة منه والرهبة منه، واللجوء إليه، والإيمان بكتابه ونبيِّه، والموت على الفطرة.٢٤٥ وهو الإسلام الطبيعي التلقائي الذي وصفَه الفلاسفة، إسلام حي يقظان الذي لا يحتاج إلى تعليم، عقيدة أو شريعة. وإذا كان الدعاء حين النوم بعد الوضوء والصلاة والاضطجاع على الشقِّ الأيمن، مات الإنسان على الفطرة إذا كان الدعاء آخِر ما قال.٢٤٦ والدعاء في الصلاة بأنَّ الإنسان ظلم نفسه ويطلب المغفرة والرحمة. فمهما أدَّى الإنسان فإنه ما زال مُقصرًا في أدائه على الوجه الأكمل. ولم يكن عدلًا تمامًا. ويكون الدعاء بالتعلُّم «اللهم علِّمه الكتاب.»٢٤٧ فلا شيءَ أفضل من العِلم. وأفضل عِلم هو عِلم الكتاب، عِلم الوحي الذي على أساسه يقوم كل عِلم. الدعاء تقوية للطلَب وثقة بتحقُّقه. والاستخارة دعاء واستنجاد بعِلم الله وقُدرته وفضلِه.٢٤٨
والدعاء له لُغة الجسد، الاضطجاع على الشقِّ الأيمن ووضع اليد اليُمنى تحت الصدغ الأيمن.٢٤٩ وهي صورة تمثيلية فريدة مع عدَّة صُوَر أُخرى مثل رفع الكفَّين والوجه والعينين إلى السماء أو الابتهال بالعينَين والوجه إلى أسفل. والاضطجاع والإيواء إلى الفراش والتكبير والتسبيح والحمد ثلاثًا وثلاثين أفضل من خادم. وذلك لا يُغني عن التنظيف والطهي والعناية بالأطفال. الدعاء له أسلوب في القيام والقعود والتعامُل مع اللباس واختيار الكلمات، وبنفْض الإزار حتى لا يعلق به شيء؛ حشرة أو زاحفة. والدعاء باسم الله الذي به وضَع جنبَه ورفعَه، ورحمة النفس إن أمسكها والحفاظ عيلها إن أرسلها.
والدعوة لنجاة المُستضعَفين من المؤمنين وتشديد الوطء على أعدائهم. والمؤمن لا يكون ضعيفًا في الحق. والعدو لا يكون قويًّا في الباطل على الأمد الطويل.٢٥٠ ويُستجاب لدعاء المسلمين في اليهود٢٥١ ولا يُستجاب لدعاء اليهود في المسلمين.٢٥٢ الدعاء بالبركة على قوم، وباللعنة على قومٍ آخرين.٢٥٣ ويدعو لآل محمدٍ أن يُرزقوا قوتًا.٢٥٤ والدعاء على الأعداء.٢٥٥ والدعاء على المُشركين ولعنِهم.٢٥٦ والدعوة على الأحزاب بالهزيمة، وشدِّ الوطأة على مُضَر. وكل من عصى الرسول، واليهود. والدعاء للبركة في المكيال والصاع.٢٥٧ والأوْلى الدعاء للضبط في الكَيل للبائع أو الشاري وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ.
ووظيفة الدعاء تحقيق الحاجات والمطالب، وهي نوعان؛ مادية ومعنوية. المادية كثرة الرزق والولد والبركة فيهما.٢٥٨ والدعوة للزوج وطلب الوليمة، والزواج من بِكر تُلاعِب الزوج ويُلاعبها، وتُضاحكه ويُضاحكها.٢٥٩ والمعنوية العِلم والتوفيق والرِّضا. ومنها الدعوة إلى قبول هجرة أصحاب الرسول وعدَم ردِّهم على الأعقاب.٢٦٠ ومنها الدعاء لجلب الخير وتجنُّب الشر.٢٦١ والحاجات المعنوية مثل الهداية والرشاد.٢٦٢
والدعاء لتخفيف الكروب باستدعاء الله العظيم الحليم، ربِّ العرش العظيم، ربِّ السموات والأرض، وربِّ العرش الكريم.٢٦٣ وهي القوة التي لا تُعادلها قوة، يُقال عند الكرب دعاء.٢٦٤ والدعاء لتخفيف الهمِّ والحزَن والعجز والكسل والبُخل والجُبن وضلع الدين وغلبة الرجال. وأرذل العمر والمَأثم والمَغرم. والعوذ من فِتن الدنيا، وفتنة الدجَّال وعذاب القبر وفتنته.٢٦٥ ودعاء الزوج بإبعاد الشيطان عن أهله وولدِه.٢٦٦
والدعاء لحماية مكة والمدينة ومُباركة المُدن والدعاء للسفر.٢٦٧ وكلها حاجات عجز المجتمع عن تحقيقها ولم يجد تعويضًا عن ذلك إلا الدعاء. فالدعاء حِيلة العاجز، والقادر لا يدعو.
والدعاء للاستغفار من الذنوب. وأفضل استغفارٍ الاعتراف بأن الله هو الخالق، وأنَّ الإنسان هو العبد، وأنه على العهد والوعد ما استطاع، والعوذ به من شرِّ ما صنع، والاعتراف بنعمته عليه وذنبه وطلب المغفرة. وكان الرسول يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة.٢٦٨ والاستغفار لظلم النفس، والله غفور رحيم. طلب المغفرة لِما قدَّم وأخَّر، ومغفرة الجهل والإسراف في الهزل.٢٦٩ فالخلاص الفردي مُقدَّم على الخلاص الجماعي. والإحساس بالذنب والتقصير يُلاحق الإنسان دائمًا. لذلك يحتاج إلى الاستغفار، أي الاعتراف أمام النفس حتى يعود إلى أصل الطهارة والبراءة والفطرة.
والاستغفار له صِيَغ عديدة، منها الاعتراف بأنَّ الله هو الخالق وأن الإنسان عبده، وأنه على العهد والوعد ما استطاع والعياذ به من شرِّ ما صنَع، والاعتراف بنعمته وبذنبه لأنه وحدَه غافر الذنوب. فإذا مات الإنسان خلال النهار وهو يقظ، أو الليل وهو نائم قبل أن يُفيق، فهو في الجنة. والرسول نفسه كان يستغفر ويتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة، وهو ما يعني أن الإحساس بالذنب شديد.٢٧٠ ويظلم الإنسان نفسه ولا يَغفر له إلا الله.٢٧١ يغفر الله كلَّ ما عمل الإنسان وقد ستر عليه في الدنيا من قبل.٢٧٢ فمغفرة الله مُستمرة من الدنيا إلى الآخرة. والتوبة تغسل الخطايا بماء الثلج، وتنقية القلْب من الخطايا كالثَّوب الأبيض، والإبعاد عن الخطايا بُعد المشرق والمغرب.٢٧٣ فالتوبة شرط المغفرة، البداية بالفعل الإنساني. التوبة فعل إرادي حُر، والمغفرة نتيجة.

(ب) التعويض

وإذا كان الدعاء تعبيرًا عن العجز لزم التعويض كطريقٍ ثانٍ لتجاوز العجز. ويأتي هذا التعويض في صورة الإيمان بالإله الواحد القهار الذي يسند الجميع، ولا يخذل أحدًا. وهو ما يظهر في كتاب «التوحيد». ولا تحتاج الرواية فيه إلى تمعُّن في الخيال لأنَّ الأقوال المباشرة تقوم بذلك دون حرَجٍ من الراوي أو المُحدِّث.٢٧٤ وتنتقل من العجز إلى القُدرة، ومن الضعف إلى القوة. وباختصار، من الإنسان إلى الله.
يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ويقول إنه الملك فأين ملوك الأرض؟٢٧٥ فالله هو ملك الملوك، الملك الديَّان. وتلك قمة التعويض، القوة كلها مُركزة في قِمةٍ واحدة. كل شيء بيده. والأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يكفَؤها الجبار بيده كما يكفأ المسافر خبزته. نُزلًا لأهل الجنة. فالأرض بيمينه هذه المرة وليست السماء، يَطويها كما يطوي الإنسان الخُبز دليلًا على جبروته لتقديمها لأهل الجنة. فخادم القوم سيدهم. إدامهم ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفًا وتظهر المُغالاة المستمرَّة في الوصف تعويضًا عن الإحساس بالعجز والشعور بالدونية. وتتفصَّل الصور. فيدُ الله ملأى، ينفق منها منذ خلق السموات والأرض. عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يرفع ويخفض.٢٧٦ وهي صورة الملك، والميزان القبان، والقاضي العدل، والمُنصف بين الأطراف دون مَيلٍ لأحدهما أو جُور. والشمس مُستقرُّها تحت العرش.٢٧٧ وهي ثابتة مِثله. فالعرش على قمَّة الطبيعة، والله على قمَّة العرش. إنه ملك الكون، كل شيء بقبضته. وتذهب الشمس للسجود فيؤذَن لها أن تعود من حيث جاءت فتغرُب. فهو المُسيطر على حركة ظواهر الطبيعة ومسارها.٢٧٨ وقد استدار الزمان على هيئة الأرض يوم خلق الله السموات والأرض.٢٧٩ فالزمان مرتبط بالمكان. مُستدير مثله. والله له أعوانه ومساعدوه من الملائكة. إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا.٢٨٠ ويقولون: الله هو العلي الكبير. ولا يسب الدهر لأن الله هو الدهر.٢٨١ ويتنزَّل الله كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا حتى ثلث الليل الأخير للاستماع إلى دعاء الناس ليغفر لهم.٢٨٢ فالضعف والقوة مُتلازمان.
خلق الله آدم على صورته، طوله ستُّون ذراعًا، وطلبَ منه السلام على الملائكة لسماع تحيته وتحية ذُريته، فسلَّم عليهم وردُّوا السلام وزيادة «ورحمة الله». فكل من يدخل الجنة على صورة آدم. وما زال الخلق ينقُص حتى الآن وهو أقرب إلى المنظر المسرحي؛ فكيف يكون طول الإنسان ستِّين ذراعًا. وإذا كان الله خلق آدم على صورته فهل الله ستون ذراعًا؟ وطلب سماع تحية الملائكة له صياغة لآيةٍ من القرآن تطلب من الملائكة السجود لآدم. ولتبرير هذا الطول الخيالي يقصر الخلق يومًا بعد يومٍ حتى وصل إلى حجمه الآن. وهذا يعني أن في المُستقبل سيقصر آدم طبقًا للقانون وهو مثل قانون التطوُّر الذي يتطوَّر الإنسان فيه من الحيوان ويصغر جسمًا ويكبر عقلًا. وفي حديثٍ آخر ردَّ الملائكة على آدم وزادوا عليه «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». فالزيادة مرةً تُعزى لآدم ومرةً تُعزى للملائكة.٢٨٣
والله هو الزمان كل الزمان. فلا يُسبُّ الدهر لأن الله هو الدهر.٢٨٤ وهو قول الله على لسان الرسول. والله هو الجمال المُطلق، كل الجمال وما دونه نقص. وإذا كان المسيح الدجَّال «أعور» فالله ليس بأعور.٢٨٥
وأجاب على سؤالٍ عن العزْل بعد أن اشتهى المُسلمون النساء في غزوة بني المُصطلق بالنفي، لأنه ما من نسمة كائن إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة. لا يستطيع الإنسان أن يتدخَّل في خلقِها أو عدم خلقِها.٢٨٦ وهو ما يتناقض مع روايةٍ أخرى حول جواز العزْل وما يعتمد عليه بعض الفقهاء المُحدثون على جواز تحديد النسل بالطرُق الطبيعية. فمهما عزل الإنسان أو لم يعزل فما هو كائن كائن بإرادة القوة وليس باختيار الضعف.
وبعد أن جمعوا العجوة والدقيق والسويقة في ثوبها وحملوه على بعيرها أخبرها الرسول أنَّ الله هو الذي أسقاها وأطعمها. ويعني مجازًا لأنَّ الرواية لا تعتمد على شاهد قرآني.٢٨٧ يُشير إلى العلَّة الأولى التي إليها يرجِع كل شيء وليس إلى العِلل الثانية التي تندرج تحت العلة الأولى. وقد يسأل الرسول عن فعل إرادي فتأتي الإجابة بالإحالة إلى إرادة الله المُطلقة فيُجيب الرسول بالقرآن.٢٨٨ وكيف تُوجَب الجنة والنار على أحدٍ لأن المسلمين شهداء الله في الأرض لمجرَّد ثناء المسلمين عليه؟٢٨٩ وكيف يستحق أحد الجنة أو النار بشهادة أربعةٍ من المسلمين عليه، خلطًا بين إثبات الزنا واستحقاق الثواب أو العقاب؟ والشهادة ليست بالقول بل بالفعل، ليست نظرية بل عملية. والجنة استحقاق وليست شهادة، نتيجة جدٍّ ذاتي ومثابرة وعرَق، وليست بشهادة الآخرين.
والرسول أيضًا ينتظر الأوامر العُليا قبل الحُكم. فلا شيء يأتي من عنده.٢٩٠ وهو خاتم الأنبياء ومُتمِّم الرسالات، ومَن غفر الله له من ذنبه ما تقدَّم وما تأخَّر. لا يُقرِّر شيئًا من عنده بل كلٌّ يأتيه من الله؛ ممَّا يُعطي الجبرية حجَّة لصالحهم وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، ولا يُنجَّى أحد بعمله ولا الرسول دون رحمة من الله.٢٩١
ويُستعمل الله للإخافة والردع والحماية.٢٩٢ فالقوي أقدَرُ من الضعيف. وهو الذي يُقرر كل شيء، خيرًا أم شرًا. طاعته تجلب الخير والمنفعة والنهاية الحسنة. وعصيانه يجلب الشرَّ والأذى والنهاية السيئة. طاعته تُدخِل الجنة، وعصيانه يُدخِل النار. ويظلُّ الإنسان في صراعٍ بين الدافِعين. وأحيانًا تتحوَّل حياته إلى جحيم، إلى كبتٍ وتعويض، ودعاء واستغفار، يطلب الرحمة والمغفرة، ويستجدي العون والخلاص.
وحُكمه هو حُكم الله أو حُكم الملك؛ كي يُعطي حُكمه قوة وشرعية ويمتثل إليه الناس. فالله في الذهن هو السيد والملك.٢٩٣ والخطورة أن تتحوَّل هذه الصورة إلى السلطان. فيُصبح الله هو السلطان، والسلطان هو الله. فطاعة السلطان طاعة لله، وطاعة الله طاعة السلطان، وعصيان السلطان عصيان لله، وعصيان الله عصيان للسلطان. وهو ما يستعمله السلطان لفرْض نظام القهر والتسلُّط على رقاب العباد متجاوزًا «لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و«الدين النصيحة» و«أعظم شهادةٍ قولة حقٍّ في وجه إمامٍ جائر.»
وهنا ينفصل العدل عن التوحيد، ويظلُّ التوحيد بمفرده بلا عدل. مع أنه إذا عمل الإنسان عملًا صالحًا وأدَّى صدقة فلن يتركه الله بلا جزاء.٢٩٤ والمسئولية الفردية تُعفي الآخرين. ولا تجعل الله مسئولًا عن أفعال العباد.٢٩٥ صحيح أن الله قادر على كلِّ شيء، ولكن الإنسان حُر، له إرادة مُستقلة.
وقانون الاستحقاق لصالح الإنسان وليس قانونًا رياضيًّا خالصًا. فقد كتب الله الحسنات والسيئات. ومن همَّ بحسنة ولم يعملها كُتبت حسنة، وإن عملها كتبت عشرًا إلى سبعمائة ضعف أو أكثر. ومن همَّ بسيئة ولم يعملها كتُبت حسنة فإن عملها كتبت سيئة واحدة، وذلك للترغيب والترهيب.٢٩٦ وهو قانون يضمُّ الحقوق والواجبات للطرفين. واجب الإنسان العمل الصالح. لذلك قال المعتزلة بالواجبات العقلية؛ واجب التكليف وشكر المُنعم وحقُّه الجزاء ودخول الجنة. وحقُّ الله العبادة فهو الجدير بها «وواجبه» الوعد والوعيد بالرغم ممَّا في اللفظ من سُوء تعبير؛ فالله لا يجب عليه شيء والواجبات العقلية تُلزم الإنسان ويُلزم الله بها نفسه مثل كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ. حق الله على العباد عبادته وعدم الشرك به، وحق العباد على الله عدَم عذابهم. وهو قانون الاستحقاق، أي المساواة في الحقوق والواجبات.٢٩٧ وهذا هو السبب في الخلل بين الاثنين في حياتنا المُعاصرة. المواطن عليه واجبات وليس عليه حقوق. والسلطان له حقوق وليس عليه واجبات. وهو نفس الخلل أيضًا بين الحضارة العربية والحضارة الغربية. العربية عليها واجبات وليس لها حقوق، والغربية لها حقوق وليس عليها واجبات. وهو أحد أسباب سوء الفهم دائمًا والصراع أحيانًا بين العرب والغرب.
لذلك كان السؤال: وكيف يتَّفق العدل الإلهي مع القضاء والقدر وأن يكتب الله على ابن آدم حظَّه من الزنا، والزنا حقيقةً ومجازًا، زنا بالفرج، وزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا النفس التمنِّي والاشتهاء، فلا يبقى له شيء من اختياره الحر، والوجود هو الحرية على ما عبَّر بعض الفلاسفة المُعاصرين في الغرب؟٢٩٨ وكيف يتَّفِق مع البشارة، فقد غفر الله لأهل بدْر أعمالهم وطالبهم بِعمل ما شاءوا فقد وجبتْ لهم الجنة؟٢٩٩ وما زال في الحياة مُتَّسَع للخير والشر. وكيف تُعلَن النتيجة قبل الاختبار؟ ألا يرتكن المُبشَّر له فيفعل ما يشاء ما دام قد ضمِن النجاح؟٣٠٠ وهناك باب بأكمله في البخاري بعنوان «القدَر» ممَّا يدلُّ على مركزيته وعن «التوحيد» دون باب عن العدل والاستحقاق.٣٠١
وفي الأقوال المباشرة يُنادي الرسول على بني تميم ليُبشرهم فعبسوا وعلى أهل اليمن فقبِلوا. الأوَّلون يريدون عطاء، والآخرون راضُون بالميتافيزيقا، ممَّا يدلُّ على اختلاف الناس حول المسائل النظرية الخالصة التي لا ينتج عنها أي أثرٍ عملي.٣٠٢ وهذا يدلُّ على رفض الطبيعة البشرية للبشارة، ومن يتقبَّل البشارة مُسبقًا لا يقبل اللعنة أو الإدانة مُسبقًا. وأين قانون الجزاء من جنس الأعمال الأقرب إلى البديهة والواقع؟
وتستمر العقائد الأشعرية في الظهور على لسان الرسول في أقواله المباشرة مِثل أولوية الرحمة على العدل، ومنها البشارة والشفاعة ضدَّ المعتزلة الذين يُعطون الأولوية للعدل على الرحمة طبقًا لقانون الاستحقاق.٣٠٣ وهو أقرب إلى الجهمية في كتابة كلِّ شيءٍ في كتاب، وتحديد مكانه فوق العرش. وهو ما لا يجوز لأنَّ العرش لا يعلو عليه شيء. ولو كان تحت العرش لكان أفضل وأقرب إلى التنزيه. وتظهر عقيدة الإرجاء في كلام الرسول على لسان جبريل مُخبرًا إيَّاه بأنَّ من مات من أُمته لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة أو لم يدخل النار، وإن زنى وإن سرق. فالإيمان تمتمةٌ بالشفتَين، وذِكر باللسان وليس عملًا بالأركان.٣٠٤ وهذا يدلُّ على أن جمع الأحاديث وروايتها لم يخلُ من توجيهاتٍ عقائدية في عصرها. وقد كانت في أصلها تبريرات سياسية لحوادث وقعتْ واختيارات تمَّت. فالعقائد إفرازات سياسية أولًا ثم تتحوَّل السياسة بعد ذلك إلى إفرازات عقائدية.
والقول المباشر يجمع بين المسائل العلمية والمسائل النظرية، بين العقل والخيال، بين السيئة ونوع الجزاء. فالظلم يؤدي إلى الخسف بالظالم إلى سبع أرضين. وتختلف الصياغة في شكلَين مما يدل على أنه نقل بالمعنى وليس نقلًا بالحرف. والصياغة الثانية أكثر تفصيلًا من الأولى. في الشرح «بغير حق.» وفي التصوير «خسف به يوم القيامة.»٣٠٥
ونظرًا لازدواج الأشعرية مع التصوُّف تخرج أقوال مباشرة أشعرية صوفية في آنٍ واحد تجمعها لغة الحب. فإذا أحبَّ الله نادى جبريل وأعلن عن ذلك حتى يُحبه الناس وجبريل، أهل السماء وأهل الأرض. فالحُب على الذيوع وليس سرًّا.٣٠٦ من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.٣٠٧ وجوهر الإيمان أن يكون حُب الله أفضل من كل شيءٍ وأن يكون حُب البشر في الله.٣٠٨ وحلاوة الإيمان في حب الله، وأن يُوضع في النار أحبُّ إليه من أن يَرجِع إلى الكفر، ويكون الله ورسوله أحبَّ إليه من كل شيء.٣٠٩ والمبادرة بأيدي الإنسان في القُرب من الله، فالله عند ظنِّ عبده به، معه إذا ذكره. إذا ذكره في نفسه ذكره الله في نفسه، وإذا ذكرَه في ملأ ذكرَه الله في ملأ خيرٍ منه. وإذا تقرَّب إليه بشبرٍ تقرَّب الله إليه ذراعًا. وإذا تقرَّب إليه ذراعًا تقرَّب الله إليه باعًا. وإذا أتاه يمشي أتاه الله هرولة.٣١٠ والله قريب من الإنسان كلَّما ذكره.٣١١ يرى المؤمنون الله عيانًا كما يرَون القمر ليلة البدر بالقلب، رؤية داخلية تأكيدًا لوحدة الذات والموضوع؛ فالذات موضوع، والموضوع ذات.٣١٢
هكذا ينشأ التأليه، من الضَّعف إلى القوة، ومن العجز إلى الإرادة، فالإيمان بالله تأليه، عملية ذاتية وليست إثباتًا لموضوعٍ خارجي «الله»، الله عملية تأليه ذاتية وليس موضوعًا ساكنًا خارجيًّا يُشار إليه منفصلًا عن الذات. المعرفة وجود، والوجود معرفة.٣١٣

(٩) التوحيد والعدل

وتبلغ ذروة الحديث كما رواه البخاري في التوحيد والعدل. له كتاب عن التوحيد وليس له كتاب في العدل؛ فهو أشعري من أهل التوحيد وليس مُعتزليًّا من أهل التوحيد والعدل. وقد طغت الأشعرية على عِلم العقائد منذ القرن الخامس الهجري حتى العصر الحديث عندما حاول رائد الإصلاح الديني محمد عبده، الخروج من الأشعرية التاريخية عن طريق الماتريدية في «رسالة التوحيد» للاقتراب من العدل. وقال بالحُسن والقبح العقليين، وفي نفس الوقت أثبت حاجة العقل إلى وحي، وهذا الوحي هو النبي. وظلَّ أشعريًّا في التوحيد وإن حاول أن يكون مُعتزليًّا في العدل.

وقد جرت العادة على جعل التوحيد أساس العدل حتى عند المعتزلة، في الأصول الخمسة الشهيرة؛ التوحيد هو الأول، والعدل هو الثاني. وفي الواقع العدل هو أساس التوحيد؛ فبناءً على ما يفعله الإنسان في الواقع يتحدَّد مثله الأعلى؛ إذا فعل وأنجز وحقق ونجح في الواقع فإنَّ التوحيد لديه يكون مجموعةً من القِيَم والمُثل العليا، وإذا لم ينجز ولم يفعل ولم يُحقِّق ولم ينجح تتحجَّر هذه القِيَم وتتشخَّص في نظرية الذات والصفات والأفعال والأسماء، وتتحوَّل إلى كائن حي مُشخَّص يفعل وينجز ويُحقِّق بدلًا عنه، وطالما أنه بعيد المنال لم يتحقَّق فإنه يُناجيه ويدعوه ويخاطبه ويعبده أي يؤلِّهه. وكلما زاد العجز زاد التأليه.

لا يُقال إنَّ هذا هو علم أصول الدين، وليس علم الحديث لأن عِلم الحديث بُني على عِلم أصول الدين في مضمونه العقلي ومضمونه الواقعي. والبخاري أشعري حتى النخاع ولو أنه عاش قبله بحوالي نصف قرنٍ إلا أنه عبَّر عن البيئة العقائدية التي كانت موجودة في نفس العصر. وهو موضوع جدير بالدراسة: أثر علم العقائد في تدوين عِلم الحديث. وعلم العقائد علم سياسي بالأصالة، أيديولوجيا المجتمع الديني. وعِلم الحديث تشريع لهذا العِلم عن طريق التدوين والنسبة إلى الرسول، ثم إخفاء نقْد المتن عن طريق نقد السند. وهذا الكتاب «من نقد السند إلى نقد المتن» هو محاولة لإزاحة الستار عن هذا التأسيس لعِلم الحديث من باطن علم أصول الدين.

(أ) التوحيد

والتوحيد يحمي المُوحد من أي خوفٍ من المستقبل، ويبعث على الاطمئنان فيه بل والسعي إليه. وهو ما سمَّاه الكلاميُّون حماية المُوحد من عذاب النار.٣١٤ وإذا اقترن التوحيد العملي بالتوحيد النظري يكون ذلك ضمانًا للمُستقبل. فمن يَخُط ببدَنه لمستقبل الآخرين يضمن مُستقبله، مثل شهداء بدر الذين وجبت لهم الجنة.٣١٥ التوحيد النظري طريق مسدود. فالسؤال له نهاية، حتى الله خالق كل شيء قيل: فمن خلق الله؟٣١٦ والتوحيد العملي لا حدود له؛ فلا حول ولا قوة إلا الله كنز من كنوز الجنة.٣١٧ والعياذ بالله يحمي من الشرور. هذا ما يشعر به الإنسان إذا كان التوحيد قد تحوَّل إلى قوةٍ بديلة عن قوة الذات. يرتكن إليها حين ضعفِه. ويجد فيها النصر والعون والتأييد.
والشرك بالله أكبر الكبائر. ومعه عقوق الوالدين لتقوية الخبر.٣١٨ فالشرك بالله أي عدَم احترام الآخَر، مثل عقوق الوالدين، وهو أيضًا عدم احترام الآخر. والمبايعة على عدَم الشرك بالله هي مُبايعة على عدم السرقة والزنا والقتل وشهادة الزور والافتراء والبهتان. يعاقبه الله في الدنيا أو يستره عنه ويُعذبه في الآخرة.٣١٩ وعدم الشرك ليس مجرد الاعتراف بقضية عددية؛ أن الله واحد، بل هو التزام بقِيَم الأخلاق البديهية التي لا شكَّ فيها لأنَّ أصلها واحد وليس اثنين كما هو الحال في الشرك. فالتوحيد والشرك قضيَّتان أخلاقيَّتان. الأولى أساس القِيَم اليقينية، والثانية أساس الشك والظن والنسبية في القيم.
والذبح باسم الله، والدعاء باسم الله، وفِعل أي شيءٍ باسم الله مدعاة للاطمئنان. فالذبح عملٌ قاسٍ، دمٌ يسيل، وإزهاق روح. والدعاء باسم الله لتحقيق أكبر قدرٍ مُمكن من الإنجازات باستلهام أكبر قوة.٣٢٠
ولا يحلف الإنسان باللات والعُزَّى بل بالله وبقول «لا إله إلا الله.» فالله أقوى من كل الآلهة، والإله الواحد أقوى من إلهَين أو ثلاثة أو أكثر. ولا يجوز الحلف بالآباء بل بالله أو الصمت.٣٢١ فالله هو أغلى ما ينتسِب إليه الإنسان. وهو أعزُّ من الآباء والأبناء والبنات والزوجات، والتسمية بالله تُعطي قوة وتسلُب عن الآخر المقاومة. وقد تصدَّرت خطاب الرسول إلى هرقل عظيم الروم.٣٢٢ فكل فعلٍ يبدأ باسم الله ليأخُذ صيغةً شرعية ويعلن عن تأسيسه على نيةٍ خالصة مجردة دون أهواء أو ميول شخصية. وهناك كتاب بأكمله بعنوان «الأيمان والنذور».٣٢٣ وصيغته «والذي نفسي بيده»، «ورب الكعبة» أي الصدق المُطلق، والتجرُّد الخالص.
والولوج باليمين في الأهل آثِم عند الله من إعطاء الكفارة التي فرضها الله عليه. فالوفاء للأهل أسبق من الوفاء لله. والحلف بالله ليس بالآباء.٣٢٤ والحلف بالله مُقلِّب القلوب دليل على التغيُّر.٣٢٥ والحلف بالثابت أولى بالحلف من المُتغيِّر.
وكيف يتصوَّر البعض الولد لله وهو يُعاقبهم ويرزقهم؟٣٢٦ فالله هو المُتعالي الذي ليس كمثله شيء. هو الكائن الموجود بذاته وليس الموجود بغيره؛ لذلك وصف المتكلمون ذاته بأنه موجود، قديم، باق، ليس في محل، يُخالف الحوادث وواحد.٣٢٧ وهو وجود على الطرف الآخر من الوجود الإنساني الموجود الهش، الحادث، والكثير. فالله والإنسان وجود مُتضايف ولكن على النقيض.
والله عالم على الإطلاق قبل حدوث المعلوم. لديه عِلم الغيب، ومفاتيح الغيب خمسة: ما تغيض به الأرحام، وما يحدث في الغد، ومتى يأتي المطر، وبأي أرض تموت النفس، ومتى تقوم الساعة.٣٢٨ ولعلَّ الله اطَّلع إلى أهل بدر وغفر لهم.٣٢٩ وهو وراء علم العباد. ومن يُرِد الله به خيرًا يُفقهه في الدين٣٣٠ والله يستر على المؤمن في الصباح ما عمل البارحة.٣٣١

وهو افتراض يُبرِّر به الإنسان علمه المحدود المتغير النسبي. يساعده على مزيدٍ من البحث والمعرفة وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. ويحثُّه على التقدُّم المستمر للعِلم. وما يُقال في العلم يُقال في باقي الصفات السبعة كما حدَّدها المُتكلمون: القدرة، الحياة، السمع، البصر، الكلام، الإرادة. القدرة لأن الإنسان عاجز، والحياة لأنه ميت، والسمع والبصر والكلام والإرادة لأنه قد يكون أصمَّ، أعمى، أبكم، هوائيًّا.

وقد تعني سبحان الله «العجب» على كل ما لم يتعوَّد الإنسان عليه.٣٣٢ فالله هو النموذج الفريد، وهو الأمل الذي يتطلَّع إليه الإنسان. هو التطلُّع نحو الكمال، بعيد المنال. لا تصف العبارة شيئًا في ذاته بل تُعبِّر عن موقفٍ ذاتي. هي أقرب إلى الأدب منها إلى العِلم، ومن التعبير منها إلى الوصف.
ويعني كتاب الله الشريعة أي القانون أي العدل.٣٣٣ الله بلَّغ وحيًا إلى الرسول الذي بلَّغه إلى الناس. وخوفًا عليه من الضياع، وهو نفس الخوف على الحديث من التبديل والوضع فيما بعد، تمَّ تدوينه. وحفظه كتابه، وسُمِّي مجازًا كتاب الله مع أن كُتَّاب الوحي هم الذين دوَّنوه. والله ليس له كتاب. والخطورة أن يتمَّ التوحيد بين الله والكتاب فيتحوَّل الكتاب إلى وثن، طباعةً وتجليدًا وزخرفةً واستعمالًا هدايا، وتبرُّكًا، لمسًا وتقبيلًا.
وهو نفس ما حدث بالنسبة لتعبير «إن شاء الله»، وربط الفعل الإنساني بالمشيئة الإلهية «إنا فاعلون غدًا إن شاء الله.» تعني إمكانية ظهور عوامل جديدة في المستقبل غير مُتوقَّعة أثناء تحقيق الفعل ودور اتخاذ القرار.٣٣٤ لذلك تحمِل أمثال هذه العبارات معانيَ مجازية وإلا تمَّ إحالة كل شيءٍ في الإنسان والتاريخ والطبيعة إلى الله. فإن قيل الله هو الذي حمل وليس الرسول فمعناه أن التوفيق من الله، وأن على الإنسان أن يسعى وليس عليه الوصول بالضرورة إلى نتائج مسعاه.٣٣٥ وإنْ قيل أيضًا: إرادة المؤمنين إرادة الله وإرادة الله إرادة المؤمنين، أي أنَّ إرادة المؤمنين تحقيق لمقاصد الوحي وأنَّ مقاصد الوحي تحقيق للمصالح العامة.٣٣٦ وإن قيل أيضًا تظلُّ طائفة من الأمَّة ظاهرةً حتى يأتيها أمر الله، فإن ذلك يعني أن كل شيءٍ في التاريخ باقٍ ببقاء فعله، وأن التاريخ هو مجموع تراكُم الأفعال.٣٣٧ وبهذا المعنى، الله خالق كل شيء، وكاتب كل شيء وخالق كل نفس.٣٣٨ وهذا لا يعني إنكار العِلل الثانية إلا على سبيل الاتكال وتبرير العجز عن الفعل. صحيح أنَّ الله لا يُستكره على شيء، ولكنه أيضًا لا يَستكرِه أحدًا على شيء.٣٣٩
وفي الثقافة الشعبية: عبد الله رجل صالح.٣٤٠ وتسمية البشر عباد الله دليل على الطاعة والخضوع. فالأسماء مواقف وعبد الله خير إنسانٍ بلا غطاء ولا سند. وفي الثقافة الشعبية المجهول أو غير المعروف الاسم يُنادى بعبد الله، والأم العاقر حرصًا على كرامتها تسمَّى «أم عبد الله». والعبد لله خير من أن يكون عبدًا لأي مخلوقٍ كان، يكون سيدًا له.
وأكبر ذنب ادِّعاء الندية لله وهو الخالق.٣٤١ فكل المخلوقات عبيد الله. وللعبد هنا معنًى مجازي أي مخلوق لله وليس رقًّا له. فكل إنسان حُر لا سيِّد له. ومع ذلك أكبر الكبائر الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور وشهادته.٣٤٢ فالآخَر هو الآخَر سواء كان الله أو الإنسان أو الذات أو الحقيقة. فالتوحيد يؤدي إلى احترام الإنسان، واحترام الذات سواء كانت الذات الإنسانية أو تعويضها في الذات الإلهية. ومن يحترم الذات الإلهية من التدنيس يحترم الذات الإنسانية وحقوقها من الضياع. وإراقة دم الأبرياء تُعادل الإلحاد في الحرم واتِّباع الجاهلية بعد الإسلام.٣٤٣الذات الإنسانية والذات الإلهية كلتاهما تشاركان في الحياة كوصفٍ وقصد. التوحيد يعصم الإنسان؛ فهو حق الإنسان الأول، وواجبه الحفاظ على الذات قيمةً واحدة سواء كانت الذات الإنسانية أم سموَّها في الذات الإلهية؛ ومن ثم لا يجوز قتل المُخالفين في الرأي ما داموا مُوحِّدين بالله. ولا يمكن لأحدٍ الحكم على إيمان الآخر. فلم يَشُقَّ عن قلبه، وليس تصوره لله مقياسًا لتصورات الآخرين.٣٤٤ بل لا يجوز تسميتهم خوارج؛ فهو لفظ أتى بعد نهاية النبوَّة يدلُّ على توجيه رواية الحديث صحيحًا أم ضعيفًا أم موضوعًا توجيهًا سياسيًّا من السلطة ضد المُعارضة. وإذا كان القرآن قد أُنزِل على سبعة أحرف فلماذا حصرَه في حرفٍ واحد، هي الفرقة الناجية، فرقة السلطان؟ والدعاء للحفظ من الكُفر والطغيان كما دعت سارة امرأة إبراهيم أن يحفظها من الملك الطاغية بعد أن طلبها. فلمَّا دعت وتوضَّأت وصلَّت غطَّ في نومه.٣٤٥
لذلك يتحمَّل الإنسان ما يلاقيه من تعبٍ ونصَب في سبيل الله.٣٤٦ فالله هو الغاية القصوى التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها. هو العلة الغائية أكثر منه العِلة الفاعلة. والجهاد في سبيل الله، والغزو في سبيل الله، والاستشهاد في سبيل الله، أي من أجل غاية نبيلة وليس من أجل مصلحةٍ شخصية أو بطولة فردية. والعذاب في سبيل الله لدرجة الشقِّ بالمنشار والتمشيط بالحديد حتى اللحم والعظم كما حدث للأنبياء، نماذج الشهداء.٣٤٧ وهم قدوة جميع المؤمنين ونموذج لتحقق الإيمان في التاريخ. ويُعرض على الرسول غزاة الأمة يركبون البحر ملوكًا على الأسرَّة.٣٤٨ وذلك تشجيعًا للفتح واستثارةً للهمم وتحقيقًا لرؤيةٍ مستقبلية بالنصر ووراثة القياصرة والأباطرة على كراسيهم. والقتل في سبيل الله تمنٍّ وشهادة، فيتمناها الإنسان أكثر من مرة.٣٤٩ فالحياة عقيدة أو جهاد كما قال أحد المُصلحين المُعاصرين. من جاهد في سبيل الله دخل الجنة.٣٥٠ بداية صادقة ومسار صادق ونهاية صادقة وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ من قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا يكون في سبيل الله.٣٥١ وهذا يعني الانتصار للحق والعدل، كلمة الله.
والإيمان أن يسير الإنسان من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه.٣٥٢ فالتوحيد يُعطي الإنسان الثقة بالنفس دون أن يتخلى عن الحذر، ويُلقي بنفسه إلى التهلكة. والرسول أعلم الناس بالله وأشدُّهم خشية منه.٣٥٣ الخوف على الخارج، والخشية في الداخل. الخوف على المُحيط الخارجي، والخشية في الشعور الداخلي. ومن السبعة الذين يظلهم الله رجل ذكَر الله ففاضت عيناه خشية.٣٥٤ الخشية هي الوازع الداخلي والضمير الحي بلا رقيب خارجي أو خوف من عقاب. هي راحة الضمير في سكونه والرضا عن النفس. فإن قلَّ تحوَّل إلى خوفٍ من عقاب خارجي، نار جهنم. والموت استراحة الإنسان من تعَب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله.٣٥٥ الرحمة هي السماحة والعفو والإنسانية والعفو والقبول والمحبة والتعاطف. قد يُعبَّر عنها بالصورة الفنية. فبعد أن خلق الله الخلق كتب في كتابه أنه كتب على نفسه الرحمة ووضع يدَه على عرشه أنَّ رحمته تغلب غضبه.٣٥٦
ويُرى الله، ولا شكَّ في رؤيته مثل رؤية الشمس دون سحاب، والقمر ليلة البدر. ويطلب الله إلى كلِّ من كان يعبد أحدًا سواه فليتبعه، كالشمس أو القمر أو الطاغوت. ويأتي المنافقين في صورةٍ أُخرى ويكشف لهم عن نفسه فيتبعونه إلى جسر جهنم به شوك السعدان. ثم يخرج منهم من بقي فيه آثار لسجودٍ ويُصبُّ عليهم ماء الحياة فيبعثون من جديد. ويستمرُّ الحوار مع الله في حديثٍ طويل.٣٥٧ فمُنتهى النعيم رؤية الذات الإلهية من الذات الإنسانية، رؤية داخلية وليست رؤية موضوعية خارجية. ويتنوَّع الخيال وتتبدَّل الصور الفنية طبقًا للقُدرة على التشبيه البلاغي. ورؤية الله تصوير فني للقُرب والوصول والوصال. والطريق الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب في أوقات السحر، أي الانتقال من الليل إلى النهار حيث تنتقِل النفس من القديم إلى الجديد وتكون في حالة حركةٍ لا سكون.٣٥٨
وتتكرَّر صِيَغ التوحيد في كل صلاةٍ لتوحيد قوى الإنسان ودفعها نحو غايةٍ واحدة.٣٥٩ تتوحَّد قواه الداخلية، الشعور والفكر، وقواه الخارجية، القول والعمل، ضدَّ كل مظاهر الازدواجية في السلوك، مثل النفاق والخوف والجبن واللامبالاة. ثم تتوحَّد قوى المجتمع وطبقاته الاجتماعية بلا تفاوُتٍ بين الطبقات، أغنياء وفقراء، شرفاء ووُضَعاء. ثم تتوحَّد القوى الإنسانية بين الدول. فلا مركز ولا أطراف، ولا بِيض ولا ملونَّين، سُود وسُمر وصُفر، ولا مُتقدِّمين ومُتخلفين، ولا شمال ولا جنوب، ولا غرب ولا شرق. فالتوحيد ليس مجرد عقيدة بل هو قيمة تتحقَّق على كل المستويات الفردية والاجتماعية والدولية.

(ب) العدل

والعدل كما هو لدى المعتزلة في أصولهم الخمسة هو الأصل الثاني بعد التوحيد، الأصل الأول. وفي الحقيقة هو الأصل الأول الذي على أساسه يتمُّ تصوُّر التوحيد. فما يحدُث في الواقع ينعكس في تصوُّر المثال. وقدرة الإنسان على الأرض هي التي تُحدِّد تصوُّره للسماء؛ فالعمل يسبق النظر، والفعل يسبق التصوُّر. وبناء على نجاح الإنسان وإحباطاته يتم تصوُّر مُثُله وتصوُّراته. وكما هو الحال في التحليل النفسي، كل مضمون الأحلام، عالم التمنيات، هو انعكاس لِما يحدُث في عالم اليقظة من إشباعات أو إخفاقات. فالدين هو حلم الإنسانية الطويل بعالَمٍ من الحق والعدل والمساواة، والفضيلة والخير والسلام.

والأخلاق هي هذا العالَم المتوسط بين الحلم والواقع، بين الدين والمجتمع، بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن. فالمَثل الأعلى هو تجريد أخلاقي لله. والله هو دفع المَثل الأعلى درجةً نحو التشخيص والتسكين والتجسيم، ونقله من الذات إلى الموضوع، ومن الزمان إلى الخلود. الله هو المَثل الأعلى، النية الخالصة في مقابل نوايا الدنيا؛ ثروة أو سلطة أو جنس.٣٦٠ الله هو مجموع القيم الأخلاقية.٣٦١ هو مجموع المبادئ التي تُحدِّد سلوك الإنسان مع نفسه ومع الجماعة وإلا ظلَّ الإنسان خاضعًا لمُجرَّد الأعراف والعادات النسبية المُتغيِّرة. وأصبح بتعبير الفلاسفة كائنًا «لا أخلاقيًّا»، مجرد كائن اجتماعي تاريخي.
والله لا يقبل الصلاة بلا وضوء. وإذا كان الوضوء شرط صحَّة الصلاة فالله هنا رمزٌ للصحة والكمال.٣٦٢ الله هنا رمز للفعل الأخلاقي الكامل الشروط. يُحال إليه لأنَّ المجتمع دينيٌّ ما زال يتكوَّن. لم يُصبح عقلانيًّا «علمانيًّا» بعدُ يدرك الأخلاق في ذاتها، والقيم في ذاتها. فالأخلاق الدينية تسبق الأخلاق الذاتية. الأولى تنبع من لبِّ العقيدة وهو الله لأن المجتمع صاحب رسالة جديدة. كل شيء يرتبط بها. يفسر كل شيء بالعلة البعيدة وليس بالعلل القريبة. يُرى كلُّ شيءٍ من منظور الأيديولوجيا الجديدة؛ الدين، وليس في ذاته مما يتطلَّب وقتًا طويلًا لتأسيس المجتمع المدني.
ومن القيم الأخلاقية التي أخذت ثوبًا دينيًّا التواضُع. فأسماء البشر عبيد لله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبدالله.٣٦٣ عبد الواحد، عبد الحي، عبد القادر، عبد السميع عبد السلام، عبد المؤمن، عبد القاهر، عبد الغفار، عبد القوي. وكلها خاضعة للذات والصفات والأفعال الإلهية التي تعلو كلَّ شيء، وكل شيء آخر خاضع لها. وأخسُّ الأسماء من تسمَّى بملك الملوك لأنه اسم من أسماء الله. وهي مجموع القِيم الأخلاقية الإرشادية المُطلقة للسلوك الإنساني. فسلوك الإنسان له سند من أسماء الله ليستمدَّ منها مثاليته وتعاليه.٣٦٤
ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، تقوية للصبر.٣٦٥ فالصبر فضيلة إنسانية. كثيرًا ما أبرزها الصوفية حتى أصبح أحد المقامات.٣٦٦ فالله هنا يُمثل قوة إضافية على التشجيع على الاستمرار في مُمارسة الفضيلة وعدَم التخلِّي عنها طالَما أنها ما زالت لم تُصبح قيمة ذاتية. فالأخلاق الدينية الإلهية مُقدِّمة للأخلاق الإنسانية الذاتية.
والكذب في الله صِدق، فالضرورات تُبيح المحظورات، فقد كذب إبراهيم على الملك وقال إنَّ سارة أخته وليست امرأته لإنقاذها من رغبات الملك.٣٦٧ فالإنسان هو الأولى. فبالرغم من أنَّ القيمة مُطلقة مثل الصدق إلا أنها تتراجَع لقيمةٍ أخرى أعلى منها مثل الكرامة، طبقًا لسُلَّم القِيَم، وتنازل الأدنى للأعلى أو الأعلى للأدنى في حالة الخطر، إنقاذًا لمقاصد الشريعة. وهو ما سُمِّي في ثقافاتٍ أُخرى الغايات تُبرِّر الوسائل. وهو ما يُقِرُّه الواقع والطبيعة والتلقائية. فالمَثل الأعلى ليس صوريًّا جامدًا بل يرعى حياة الناس. هو مثل أعلى مُستمد من الواقع ومُستقرأ منه.
وفي نفس المعنى تكون الدعوة إلى اليُسر والتيسير عن طريق اللجوء إلى «الله» كوسيلة للإقناع مثل «من شاقَّ شقَّ الله عليه.»٣٦٨ وفي صياغةٍ أُخرى قد يُضاف يوم القيامة لمزيدٍ من الإقناع. فالله ليس كما هو في ذهن المحافظين المُتشدِّدين يُضحِّي بالبشر وبالحياة في سبيل إرادته ومشيئته، بل الغاية هي المحافظة على حياة الناس. الله غني عن العالمين. والإنسان في حاجة إليه كمَثلٍ أعلى. والدين ليس مشقَّة. الدين يُسر وليس عسرًا. والله رحمة للعالمين وليس شقاءً لهم. يُحب الرفق في الأمور وليس التشديد فيها.٣٦٩
والله هو السلام؛ لذلك يُقال في آخر الصلاة في التشهُّد «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.» فيُصيب كل عبد صالح في السماء والأرض التشهُّد.٣٧٠ وللحديث صياغات وضعية أُخرى دون إدخال الله. هو السلام مع النفس وعيش حياة الرضا، والسلام مع الآخر وعيش حياة الوفاق، والسلام مع العالَم وعيش حياة الانسجام على عكس التصوُّر الشعبي أنَّ الدين حياة الصراع مع النفس بالزجْر ومع الآخرين بالمنع ومع العالَم بالتحريم. الجهاد فقط في حالة العدوان والدفاع الشرعي الطبيعي عن النفس. لا يبدأ الإسلام بالعدوان على أحدٍ بل يدعو بالحِكمة والمَوعظة الحسنة ويُجادل بالتي هي أحسن فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
وبالإضافة إلى القِيَم الفردية، هناك أيضًا القِيَم الاجتماعية. فالإسلام دين اجتماعي. الترغيب لزيادة الرزق والولد لصِلة الرحم.٣٧١ «تكاثَروا تناسَلوا فإني مُباهٍ بكم الأُمَم يوم القيامة.» والإسلام هو المسلمون. والمُسلمون أمة. تكويناتهم الأولى جماعية؛ المهاجرون والأنصار. ونشأ في بيئة جماعية، القبائل والعشائر. ودخل غزوات دفاعًا عن النفس. وأقام حروبًا لتحرير مُستعمرات الفُرس والروم على أطراف شبه الجزيرة العربية. وإذا كان لكلِّ أمةٍ شهيد فإن الرسول شهيد على الأُمَم فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا. والمال والبنون زينة الحياة الدنيا. وأول تجمعٍ الوالدان. بعد عبادة الله وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
والحرام من الله وليس فقط من الطبيعة. فقد حرَّم الله الدماء والأموال الأعراض، تأكيدًا على يقين الحُرمة وليس فقط ظنيَّتها.٣٧٢ فحُرمة الطبيعة قد يختلف فيها الناس طبقًا لاختلاف الطبائع؛ لذلك لزمت وحدة الشرائع من وحدة الألوهية. يقين الطبيعة يقين أول، ويقين الله يقينٌ ثانٍ لتأكيد اليقين الأول وإعطائها مزيدًا من اليقين. ولتصحيح الطبيعة إذا ما تحوَّلت إلى ظنٍّ نظرًا لتعدُّدها واختلافها. في الأصل هي حلال لأنَّ الطبيعة خيِّرة. والاستثناء سُوء فهم أو تأويل الإنسان لها أو عدم إدراك أبعادها.٣٧٣
وتُستعمَل العقائد كأسُسٍ للأخلاق مثل «لا يؤمن من لا يأمن الجار بوائقه.» و«من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يؤذي جاره.» و«يكرم ضيفه ويقُل خيرًا أو ليصمت.» وكل معروف صدقة، وكل إمساك عن الشر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة. والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا.٣٧٤ هنا يُصبح الآخر هو الله، الله هو الآخر. والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. فالأولوية للآخر الإنساني. والآخر الإلهي ما هو إلا تعويض عن الآخر الإنساني في حالة غيابه. الأُفقي أولًا، فإذا غاب نشأ الرأسي كما حدَثَ في التصوُّف.٣٧٥ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت.٣٧٦ وفي صياغات أخرى يُضاف: وليكرم ضيفَه وليصِلْ رحمه. فالله هو الآخر الرأسي، والآخر هو الله الأفقي.
والله لا يُكلِّم يوم القيامة ولا يُزكي ويَعِدُ بالعذاب الأليم لمن يمنع أحدًا من فضل ماءٍ بالطريق، ومن يُبايع الإمام للدنيا، ومن باع وحلف بالثمن كذبًا.٣٧٧ فالماء حياة البدوي في الصحراء. ومُبايعة الإمام على الدنيا وليس على الحق خيانة للأمانة، ونبذ للشهادة، وطمَع في مغانم الدنيا. ومن كذب في التجارة فقد غشَّ أخاه. فالظاهر أن الدين أساس الأخلاق. وفي الواقع الأخلاق أساس الدين في حالة عدَم تحقُّقها. الدين أساس الأخلاق في الثقافة الشعبية والأخلاق أساس الدين في الثقافة العامة.
والترحُّم بالله على إنسانٍ للعزاء. فالفقد يُلجئ إلى الوجد كما هو الحال عند الصوفية. الدين تعويض عن الدنيا، والخلود بديل نفسي عن الزمان. وفي العزاء الشعبي إما أن يكون باقي الزمان في حياة قريب المُتوفَّى «الباقية في حياتك.» أو في الرحمة الإلهية «الله يرحمه.»٣٧٨
جعل الله الإخوان تحت أيدي المُسلمين يُطعمونهم ويُلبسونهم ولا يُكلفونهم من العمل ما لا يُطيقون أو يُعينونهم عليه.٣٧٩ وهو معنى حديث «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.» وللحديث صِيَغ أخرى مثل «وكونوا عباد الله إخوانًا.» فالوجود الإسلامي وجود جماعي. الفرد للجماعة، والجماعة للفرد ويَدُ الله مع الجماعة.
والمسلم أخو المسلم لا يظلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.٣٨٠ ويموت عبد الله وهو آخِذ بالعروة الوُثقى. وفي المنام الروضة روضة الإسلام. والعموم عدو الإسلام، والعروة الوثقى التمسُّك بالإسلام.٣٨١ وسباب المُسلم فسوق، وقتاله كفر.٣٨٢ وهي قيمة احترام الآخر. فالمُسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده. الإسلام حُرمة بين المسلمين احترامًا للأخوة في الدين أي الترابُط الاجتماعي. لا يُهان ولا يُعتدى عليه. ومن ثَمَّ كل ما يقع بين المسلمين من شجار، وكل ما يقع بين المواطنين من عُنفٍ وتكفير أو بين المحكوم والحاكم من عنفٍ مُتبادل خارج عن الأخوة الإسلامية.
وقد يكون الترغيب في صلة الرحم عن طريق حديث الله مع خلقِه بعد الخلق. فقد سألت الأرحام عن مَقام العائذ به من القطيعة فأخبرَها الله أنه يصِل مَن وصلها، ويقطع من قطعها.٣٨٣ وللحديث صِيَغ أخرى بنفس الصورة، حديث الرحمن للأرحام. وقد تأتي صورة أخرى بأنَّ الله وليُّ من يصِل الأرحام. والصورة بليغة ومؤثرة «صِلة الرحِم» منذ الميلاد، وربط المواليد. وقد يكون الترغيب بحديث الله عن الساعي على الأرملة والمسكين كالمُجاهد في سبيل الله.٣٨٤ فالجهاد من أجل إعطاء الحياة للآخرين مثل الجهاد لنَيل الشهادة للذات. وقد يكون فعل الله بالتصوير والحكاية برَجُلٍ اشتدَّ عليه العطش فنزل بئرًا وشرِب ثم نزل مرةً أخرى لريِّ كلب عطش بخفِّه فغفر الله له.٣٨٥ فللإنسان في كل كبدٍ رطبة أجر. الحياة حياة، لا فرق بين نبات أو حيوان أو إنسان. فالحفاظ على الزرع الأخضر مثل الحفاظ على حياة الحيوان أو الإنسان. وإن أشرَّ الناس عند الله يوم القيامة من ترَكَه الناس اتِّقاء شره.٣٨٦
ولمَّا كان الإسلام جماعة، والمسلمون أمَّة، فإن أبغض الناس إلى الله الألد الخصيم.٣٨٧ الخصومة لا تكون إلا في الله، أي خصومة على المبادئ والقِيَم الخلقية وليست الخصومة الشخصية بناء على الأهواء والانفعالات البشرية. الإسلام صُلح بين الأخوين وبين الطائفتَين. المُصالحة توحيد، والخصومة تفريق. وقد طلب الرسول من عائشة الرفق في التعامُل مع الناس حتى مع الأعداء، لأنَّ الله يُحب الرفق.٣٨٨ والجدال بالتي هي أحسن تُحيل الخصيم إلى ولي، والعدو إلى صديق ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
والمدح تملُّق ومُداهنة. ومن يمدح فكأنما يقطع عُنق الممدوح. وإن كان لا بدَّ فيكون ظنًّا وحسبانًا. ولا يُزكِّي على الله أحدًا.٣٨٩ والذم اغتياب ونقص في المواجهة. وكلاهما ليس من خُلق المسلم. ومن يرائي يُرائي الله به.٣٩٠ وأحيانًا تأتي أحاديث مُضادَّة مثل حُب الله للمدح إذا كان اعترافًا بحسنات الغير وتشجيعًا عليها.٣٩١ ومع ذلك فالأخذ بالأحوط أفضل قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ فالمُداهنة كذِب. والمُكذِّب لا يُطاع فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ.
وتضم الأخلاق مجموعةً من الآداب العامة البديهية. الله مرآة لها. في الصلاة يكون الإنسان أمام وجه الله فلا يتنخَّم.٣٩٢ وكذلك إذا كان أمام وجه الآخرين احترامًا لكرامة الوجه الذي يرمُز إلى وجود الآخر. والله يُحب العطاس، ويكرَه التثاؤب. إذا عطس أحد يحمد الله، وعلى كل مُسلم أن يُشمِّته.٣٩٣ قد يكون العطاس دليلًا على النشاط الزائد أو إثباتًا للوجود، في حين أن التثاؤب مَلل من وجود الآخر، ورغبة في النوم. فالأخلاق ليست فقط معايير لأفعال الجوارح بل هي أيضًا لحركات الجسد الإرادية واللاإرادية. فالجسد لغة، تعبير وإشارة. وكما هو الحال عند بعض الفلاسفة المُعاصرين في الغرب. استعملها الرسول بيدَيه ورأسه.
وأخيرًا، قد تكون الغاية «من نقد السند إلى نقد المتن» بعد اكتشاف عِلم أصول الدين في بطن عِلم الحديث هو العودة بالتوحيد إلى فاعلية في الفرد والجماعة وإلى حركةٍ في التاريخ وتحريره من تدوين الحديث ونِسبته إلى الرسول، والعودة بأصول الدين إلى مبادئ الأخلاق، ومن النظر إلى العمل، من الاعتقاد إلى السلوك. فصيغة التوحيد الأولى «أشهد أن لا إله إلا الله» تتضمَّن ثلاثة أفعال للشعور: الأول فعل «أشهد» أي أرى وأسمع وأتكلَّم وأعبر عن كل ما يَحدُث حولي دون خوفٍ أو وجَل أو نفاق أو كذِب على نقيض الحِكمة الصينية الشهيرة «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلَّم». وفعل نفي «لا إله» تحرير الشعور من كل الآلهة المُزيفة لكل عصر، الجاه، الثروة، السلطة، الشهرة، المرأة. وفعل إثبات عن طريق الاستثناء «إلا الله» أي الله الواحد الحق العدل الذي يتساوى أمامه الجميع.٣٩٤ فالتأليه هنا تحرير لا يحتاج إلى قتالٍ فِعلي بل إلى جهدٍ شعوري. وهو ما سُمِّي «جهاد النفس» دون الإقلال من «الجهاد الأكبر». جهاد النفس في الداخل والجهاد الأكبر في الخارج. الأول ضدَّ القهر الداخلي، والثاني ضد التسلُّط الخارجي.٣٩٥
وإذا كان «نقد السند» عند القدماء قد ربط عِلم الحديث بعلم التاريخ فإن «نقد المتن» عند المُحدثين يربط الحديث بالعلوم الإنسانية؛ النفس والأخلاق والاجتماع والفلسفة، من أجل معرفة مدى تطابُقه مع العقل ومع الواقع، وهما الركيزتان الرئيسيتان للوحي، وبالتالي تظهر وحدة الوحي والعقل والطبيعة التي وراء نشأة العلوم الإسلامية كلها، النقلية التي بدأت بالنقل، والعقلية التي بدأت بالعقل، والنقلية العقلية التي جمعت بين الاثنين.٣٩٦
١  البخاري ج٥، ٨٥.
٢  ج٥، ٨٦.
٣  ج٥، ١٨٣. «يسِّروا ولا تُعسِّروا، بشِّروا ولا تُنفروا.» ج٥، ٢٠٤-٢٠٥.
٤  ج٥، ٨٧–٨٨، ٢٢٥.
٥  ج٥، ٨٨. العرس على صفية ج٥، ١٧٢.
٦  ج٥، ١٢٣.
٧  سأل «أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟» ج٦، ١٦.
٨  ج٧، ٩٨، ١٠٠.
٩  «قد بلغني أنكم قلتم في أسامة، وأنه أحبُّ الناس إليَّ.» ج٦، ١٩.
١٠  ج٧، ٤٤.
١١  قال وهو على المنبر «إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوا في أن يُنكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذَنُ ثم لا آذَن ثم لا آذَن إلا أن يُريد ابنُ أبي طالب أن يُطلِّق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما هي بضع مني يُريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.» ج٧، ٤٧.
١٢  ج٤، ١٥٦.
١٣  ج٤، ٦٠.
١٤  وهو جعفر بن أبي طالب، ج٥، ٢٤، ١٨٠.
١٥  هو الزبير بن العوام، ج٥، ٢٧، ١٤٢.
١٦  هو زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد، ج٥، ٢٩، ١٨٠، ج٦، ١٩.
١٧  هو عبد الله بن عمر، ج٥، ٣١.
١٨  هذا ما سماه كيركجارد المعاصرة La Contemporanéité وتفرقته بين Disciple du premier main والتابعي Disciple du second main في كتابه الشهير «الفتات الفلسفي» أو «الشذرات الفلسفية»  Les miettes philosophiques بعد «الشرح» Post-scriptum.
١٩  وهو علي، ج٥، ٢٤، ج٦، ٣.
٢٠  وهما الحسَن والحُسين، ج٥، ٣٠، ٣٢-٣٣.
٢١  ج٥، ١٧١.
٢٢  ج٥، ١٨٠.
٢٣  من العقيدة إلى الثورة ج٤، النبوة والمعاد ص١٠٤–١٨٢، وأيضًا لسنج: تربية الجنس البشري، دار الثقافة الجديدة، القاهرة ١٩٧٧م.
٢٤  هو عبد الله بن عباس، ج٥، ٣٤.
٢٥  ظاهريات التأويل، ص٢٥٠–٢٦٩.
٢٦  هو سالِم مولى حذيفة مع ثلاثةٍ آخرين: عبد الله بن مسعود، أُبي بن كعب، معاذ بن جبل، ج٥، ٤٣–٥٣، ٥٤.
٢٧  هو عبد الله بن مسعود، ج٥، ٣٤-٣٥.
٢٨  هو أبو عبيدة بن الجراح، ج٥، ٣٢.
٢٩  هو خالد بن الوليد، ج٥، ٣٤.
٣٠  ج٤، ٢٠٣.
٣١  ج٩، ٤٥-٤٦، ٥١-٥٢.
٣٢  ج٩، ٤٩-٥٠.
٣٣  ج٩، ١٧١.
٣٤  ج٩، ١١٠.
٣٥  لعلي «أنت منِّي وأنا منك.» لجعفر «أشبهتَ خَلقي وخُلقي.» ولزيد «أنت أخونا ومولانا.» ج٣، ٢٤٢.
٣٦  هي عائشة، ج٥، ٣٦.
٣٧  هن: مريم، آسية، وعائشة. وفضلها على النساء مثل فضل الثريد على الطعام، ج٥، ٣٦-٣٧.
٣٨  ج٤، ١٦٧.
٣٩  ج٥، ٣٨، ٢٠٢.
٤٠  ج٥، ٣٩، ٢٠٣.
٤١  ج٥، ٤٠.
٤٢  ج٥، ٤٠.
٤٣  ج٥، ٤٠.
٤٤  ج٥، ٤٢.
٤٥  ج٥، ٤٣-٤٤.
٤٦  دعاء الرسول: فأصلح الأنصار والمهاجرة، ج٥، ٤٢.
لا عيش إلا عيش الآخرة
فانصر الأنصار والمهاجرة
٤٧  مثل بني النجار، بني عبد الأشهل، بني الحارث، بني ساعدة، ج٥، ٤١، ٤٥.
٤٨  ج٥، ٤٢-٤٣.
٤٩  هو سعد بن معاذ، ج٥، ٤٤، ١٤٣.
٥٠  هو عبد الله بن سلام، ج٥، ٤٧.
٥١  ج٥، ٤١-٤٢.
٥٢  ج٥، ٨٧.
٥٣  ج٥، ٨٤، ٨٨.
٥٤  ج٥، ٢١٨–٢٢٠.
٥٥  ج٦، ١٠.
٥٦  من النص إلى الواقع ج٢ بنية النص ص٣١٦–٣٤٩.
٥٧  هو حديث «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة.» ج٦، ١٠.
٥٨  «الشؤم في المرأة والدار والفرس.» ج٧، ١٠.
٥٩  «ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.» ج٧، ١١.
٦٠  «إنما المرأة كالضلع، إن أقمتَها كسرتها وإن استمتعتَ بها استمتعت بها وفيها عوج.» ج٧، ٣٣-٣٤.
٦١  «قمتُ على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون. غير أن أصحاب النار قد أُمِر بهم إلى النار. وقمتُ على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء.» ج٧، ٣٩. «بكُفرهن … يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثُم رأت منك شيئًا قالت ما رأيتُ منك خيرًا قط.» ج٧، ٤٠.
٦٢  ج٧، ٤٨.
٦٣  ج٤، ١٦١.
٦٤  «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت.» «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سُقت الهدي ولحللتُ مع الناس حين حلُّوا.» ج٩، ١٠٣، ١٣٨.
٦٥  من النص إلى الواقع ج٢ بنية النص ص٢١٥–٢٤٦.
٦٦  السابق ص١١٨–١٣٨.
٦٧  «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايمُ الله إن كان لخليقًا للإمرة، وأنه كان من أحبِّ الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحبِّ الناس إليَّ بعده.» ج٩، ٩١.
٦٨  «من كره من أمره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية.» ج٩، ٥٨.
٦٩  «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.» ج٩، ٧٧.
٧٠  ج٨، ٧٧–١١٢.
٧١  «أدُّوا إليهم حقَّهم وسلوا الله حقكم.» ج٩، ٥٩. «من حمَل علينا السلاح فليس منَّا.» ج٩، ٦٢. «لا يُشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرةٍ من نار.» ج٩، ٦٢. «سباب المُسلم فسوق، وقتاله كفر.» ج٩، ٦٣. «لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض.» «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.» أو «فاعتزل تلك الفرق كلها.» ج٩، ٦٥.
٧٢  «من رأى من أميره شيئًا فكرِهَه فليصبر فإنه ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة جاهلية.» ج٩، ٧٨.
٧٣  «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ وكرِهَ ما لم يؤمَر بمعصية. فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.» ج٩، ٧٨. «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا. إنما الطاعة في المعروف.» ج٩، ٧٩. «لا طاعة في معصية. إنما الطاعة في المعروف.» ج٩، ١٠٩.
٧٤  ج٩، ٩٥.
٧٥  «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلَّطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويُعلِّمها.» ج٩، ٧٨. «من لم يسأل الإمارة أعانه الله.» ج٩، ٧٩.
٧٦  «إنا لا نُولِّي هذا مَن سأله ولا مَن حرص عليه.» ج٩، ٨٠.
٧٧  «اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة.» ج٩، ٧٨.
٧٨  «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقيَ منهم اثنان.» ج٩، ٧٨. «إن هذا الأمر في قريش لا يُعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين.» ج٩، ٧٨. «يكون اثنا عشر أميرًا كلهم من قريش.» ج٩، ١٠١.
٧٩  ج٩، ٧١.
٨٠  «ما من عبدٍ استرعاه الله رعيةً فلم يُحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة.» ج٩، ٨٠. «ما من والٍ يَلِي رعيةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌّ لهم إلا حرَّم الله عليه الجنة.» ج٩، ٨٠.
٨١  «إن من ضِئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام. ويدعون أهل الأوثان. لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.» ج٩، ١٥٥، ١٩٨.
٨٢  «من بدَّل دينه فاقتلوه.» ج٩، ١٣٨.
٨٣  ج٥، ١٩٦-١٩٧.
٨٤  ج٣، ٥٨.
٨٥  ج٣، ١٢٤-١٢٥.
٨٦  ج٣، ١٥٨-١٥٩. الاعتراف به رسول الله ج٣، ٢٥١.
٨٧  ج٥، ٨٩-٩٠.
٨٨  ج٥، ١٩٢–١٩٣.
٨٩  ج٦، ١٣-١٤.
٩٠  ج٦، ١١.
٩١  ج١، ٦٩، ١٣٨.
٩٢  ج١، ١٠٤، ١٥٩، ج٢، ١٩، ج٤، ٥٨، ٦٩.
٩٣  ج١، ١١٦، ١١٩، ج٢، ١١١، ١٢٨.
٩٤  ج٣، ١٠٧-١٠٨، ١١٠.
٩٥  ج٣، ١١٧-١١٨.
٩٦  «عمل اليهود حتى الظهر، والنصارى حتى العصر، والمسلمون هم الذين أكملوا حتى الغروب.» ج٩، ١٩١. وهذا ما قرَّره لِسِنج في كتابه: تربية الجنس البشري، دار الثقافة الجديدة، القاهرة ١٩٧٧م.
٩٧  «خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين.» ج٥، ١٦٧-١٦٨.
٩٨  ج٣، ١٤٠-١٤١.
٩٩  «يا معشر يهود أسلِموا تسلَموا … اعلموا أنَّ الأرض لله ورسوله وإني أُريد أن أُجليكم. فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبِعه.» ج٩، ٢٦، ١٣١.
١٠٠  «تقاتلون اليهود حتى يَختبئ أحدُهم وراء الحجر فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله.» وفي صيغة أخرى «لا تقوم الساعة حتى تُقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مُسلم هذا يهودي ورائي فاقتله.» ج٤، ٥١.
١٠١  «إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا ينتعِلون نعال الشعر. وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة.» «لا تقوم الساعة حتى تُقاتلوا الترك صغار الأعين حُمر الوجوه، ذُلف الأنوف …» ج٤، ٥١-٥٢.
١٠٢  «أَوَفي شكٍّ أنت يا ابن الخطاب. أولئك قوم عُجِّلت لهم طيِّباتهم في الحياة الدنيا.» ج٣، ١٧٦.
١٠٣  «إنما أخشى عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من بركات الأرض.» ج٤، ٣٢، ٣٩-٤٠، ٤٤.
١٠٤  «هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده. وقيصر ليهلكنَّ ثم لا يكون قيصر بعده. ولتقسمنَّ كنوزهما في سبيل الله.» ج٤، ٧٧، ١٠٤.
١٠٥  ج٦، ١٨٩.
١٠٦  «أخرِجوا المُشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أجيزُهم.» ج٤، ٨٥، ١٢١، ج٦، ١١.
١٠٧  «ألا ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنه ليس نبي بعدي.» ج٦، ٣.
١٠٨  ج٦، ١١٧.
١٠٩  ج٨، ٥٠، ج٩ ١٣٢.
١١٠  ج٨، ٢٦.
١١١  ج٨، ٩٥–٩٧، ج٩، ١٢٩.
١١٢  ج٨، ١٣٦.
١١٣  ج٨، ٨١.
١١٤  ج٨، ١٠٦.
١١٥  الدين والثورة في مصر ج٧، اليمين واليسار في الفكر الديني، ١٤٧–١٦٢.
١١٦  «اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف.» ج٨، ٥٥، ١٠٤، ج٩، ٢٥.
١١٧  ج٨، ٤٢.
١١٨  ج٨، ١٢١.
١١٩  ج٨، ٧٧.
١٢٠  ج٨، ١٦٢-١٦٣، ج٩، ١٦٩.
١٢١  ج٩، ٤٧، ١١٣.
١٢٢  ج٩، ١١٩.
١٢٣  ج٩، ١٢٩–١٣٠.
١٢٤  خواطر حاج، أخبار الأدب، يناير ٢٠٠٦م.
١٢٥  ج٥، ٣٠٢.
١٢٦  ج٥، ٨٨-٨٩.
١٢٧  ج٥، ٢٠٧.
١٢٨  مثل نفض الغبار عن عمار بن ياسر وقول الرسول «ويح عمَّار تقتلُه الفئة الباغية …» ج١، ١٢٢، تعليق على من لم يرضَ بقِسمته في العطاء، ج٢، ١٣، حديث عن الرؤية في العشر الأواخر، ج٢، ٦٩.
١٢٩  ج٤، ٥١.
١٣٠  «لأعطين الرايةَ رجلًا يفتح الله على يديه.» ج٤، ٥٧، ٦٥، ٧٣.
١٣١  ج٣، ٢٤٣–٣٤٤.
١٣٢  ج٤، ١٢٤.
١٣٣  «هل ترون ما أرى، مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر.» ج٣، ١٧٤.
١٣٤  ج٥، ١٠٨، ١٢٠–١٢٢، ١٣٢.
١٣٥  ج٩، ٥٩–٦١، ٦٤، ٧٦-٧٧. انظر أيضًا مُقدمة في عِلم الاستغراب ص١٨–٤٤.
١٣٦  ج٩، ٦٦.
١٣٧  ج٩، ١٢٦-١٢٧.
١٣٨  «فلا ترجِعوا بعدي ضُلَّالًا يضرب بعضكم رقاب بعض.» ج٩، ١٦٣.
١٣٩  ج٩، ٥٩–٦١.
١٤٠  ج٩، ٦٨.
١٤١  «إنكم يا معشر العرب كنتم على المال الذي علِمتم من الذلة والقلة والضلالة، وأنَّ الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد حتى بلغَ بكم ما ترَون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام والله إن يُقاتل إلَّا على الدنيا.» ج٩، ٧٢.
١٤٢  ج٣، ١٧٨.
١٤٣  «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي نفس محمد بيده لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله.» ج٤، ٢٤٦-٢٤٧.
١٤٤  «لا يزال من أُمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله.» ج٩، ١٦٧.
١٤٥  «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ما يضرُّهم من كذبهم ولا من خالفَهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.» ج٩، ١٦٧.
١٤٦  هي لغة ومصطلحات سيد قطب في «معالم في الطريق».
١٤٧  ج٥، ٢.
١٤٨  ج٥، ٢٢-٢٣.
١٤٩  ج٤، ٢٥٢-٢٥٣.
١٥٠  ج٥، ١٥٦-١٥٧.
١٥١  وهما فاطمة وعلي، ج٥، ٢٤.
١٥٢  ج٧، ١٧٠–١٧٤.
١٥٣  ج٨، ٣٥.
١٥٤  ج٧، ١٧١.
١٥٥  ج٧، ٢١٤.
١٥٦  «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفُث حين يستيقظ ثلاثَ مرات، ويتعوَّذ من شرِّها فإنها لا تضرُّه.» ج٧، ١٧٢.
١٥٧  «لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث: المرأة والدار والدابة.» ج٧، ١٧٤، ١٧٩.
١٥٨  «لا طيرةَ وخيرُها الفأل، الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم.» ج٧، ١٧٤-١٧٥، ١٨٠.
١٥٩  «إنما هذا من إخوان الكهَّان.» ج٧، ١٧٥-١٧٦.
١٦٠  ج٥، ٧٩.
١٦١  دعاء الرسول ومباركة النخل فوزَّع على الناس وفاض الكثير، ج٣، ٢١٠.
١٦٢  ج٧، ١٠٥.
١٦٣  ج٧، ١٠٨-١٠٩.
١٦٤  ج٧، ١٤٨.
١٦٥  ج٧، ١٥٦.
١٦٦  ج٧، ١٦١.
١٦٧  ج٧، ١٦٠، ١٦٨.
١٦٨  ج٧، ١٦١.
١٦٩  ج٧، ١٩٩.
١٧٠  ج٧، ١٨٥.
١٧١  ج٧، ١٨٢.
١٧٢  ج٤، ٢٤٥.
١٧٣  «أتى الرسول رجُلان، وقعد الأول عند رأسه والثاني عند رجِله يسألان عن الرسول المريض الذي عاداه لبيد بن الأعصم. وسبَبُ المرض مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر في بئر. نخلها كأنه رءوس الشياطين. لم تستخرج عائشة «العمل» لأن الله شفاه ولكن أردم البئر اتقاء لشره.» ج٤، ١٤٨.
١٧٤  ج٨، ٢٢-٢٣.
١٧٥  «اجتنبوا المُوبقات؛ الشرك بالله والسحر.» ج٧، ١٧٦-١٧٨.
١٧٦  ج٧، ١٧٧.
١٧٧  ج٧، ١٧٩.
١٧٨  ج٧، ١٧٩.
١٧٩  ج٦، ٢٣٢.
١٨٠  «الواحد الصمد ثُلث القرآن.» ج٦، ٢٣٣.
١٨١  ج٥، ١٠٧.
١٨٢  ج٥، ١٦١.
١٨٣  الأولى آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. والثانية بعدَها لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
١٨٤  «لأُعلِّمنَّك سورة هي أعظم السُّوَر في القرآن.» ج٧، ٢٠، ٧٧، ألا أُعلمك أعظم سورة في القرآن؟ ج٦، ٢٣١.
١٨٥  ج٦، ١٠٢.
١٨٦  ج٧، ١٧٠–١٧٤.
١٨٧  «ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تضلُّوا بعدَه أبدًا.» ج٦، ١١-١٢.
١٨٨  ج٦، ٢٣٥، ج٧، ٩٩-١٠٠.
١٨٩  ج٧، ١٤٩–١٥٣.
١٩٠  ج٧، ١٥٥.
١٩١  «اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقمًا.» ج٧، ١٥٧.
١٩٢  من النص إلى الواقع ج٢، بنية النص ص٣٧٥–٤١١.
١٩٣  «إذا أويتَ إلى فراشِك فاقرأ آية الكرسي. لن يزال معك من الله حافظ. ولا يقربك شيطان حتى تُصبحَ.» ج٦، ٢٣٢.
١٩٤  «لقد أُنزِلت عليَّ الليلة سورة لهِيَ أحبُّ إليَّ ممَّا طلعت عليه الشمس إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا» ج٦، ٢٣٢.
١٩٥  «الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيَّة نار، وأنهى أمتي عن الكي.» ج٧، ١٥٩، ١٦٢-١٦٣.
١٩٦  ج٧، ١٦٣.
١٩٧  ج٧، ١٦٤، «إذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخلوها. وإذا وقع بأرضٍ فلا تخرجوا منها.» السابق ص١٦٨-١٦٩ «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون.» ص٦٩ «لا يُوردَنَّ مُمرض على مُصح.» ج٧، ١٧٩–١٨٠.
١٩٨  «الكمأة من المنِّ، وماؤها شفاء للعين.» ج٧، ١٦٤.
١٩٩  «الحُمَّى من فيح جنهم فأطفئوها بالماء.» ج٧، ١٦٧.
٢٠٠  السابق ص١٦٩.
٢٠١  ج٧، ١٧٩–١٨١.
٢٠٢  «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داءٍ إلا من السام، الموت.» ج٧، ١٦٠-١٦١، ١٦٤–١٦٦.
٢٠٣  «ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء.» ج٧، ١٥٨.
٢٠٤  «إذا وقع الذباب في إناء أحدِكم فليغمِسه كله ثم ليطرحه؛ فإنَّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء.» ج٧، ١٨١، ج٤، ١٥٨.
٢٠٥  «اللهم رب الناس، مُذهب الباس، اشفِ أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقمًا، بإذن ربنا.» ج٧، ١٧٢-١٧٣.
٢٠٦  «صدق الله وكذب بطن أخيك. اسقِه عسلًا.» ج٧، ١٥٩–١٦٦.
٢٠٧  ج٧، ١٧٦.
٢٠٨  ج٨، ٣–٤.
٢٠٩  ج٨، ١٠٧.
٢١٠  ج٨، ١٣٠.
٢١١  ج٩، ١١٣.
٢١٢  ج٨، ٤٢.
٢١٣  ج٨، ١٣٧-١٣٨.
٢١٤  ج٨، ٨٣-٨٤.
٢١٥  ج٨، ١٢٧.
٢١٦  ج٩، ١٦٢-١٦٣.
٢١٧  ج٩، ١٦٨-١٦٩.
٢١٨  ج٩، ١٩٨.
٢١٩  ج٩، ١٤٢.
٢٢٠  ج٩، ١٥٤-١٥٥.
٢٢١  «بُعثت أنا والقيامة كهاتَين.» ج٨، ١٣١-١٣٢.
٢٢٢  ج٩، ١٦٩.
٢٢٣  ج٩، ١٧٧–١٧٩.
٢٢٤  ج٨، ١٢٦.
٢٢٥  من النص إلى الواقع ج٢، بنية النص ص١٤٢–١٤٧.
٢٢٦  ج٨، ١٢٦.
٢٢٧  ج٨، ٨٢–١٠٩.
٢٢٨  ج٨، ٨٩.
٢٢٩  ج٨، ١٠٦-١٠٧.
٢٣٠  ج٩، ١٤٢.
٢٣١  ج٢، ٦٦.
٢٣٢  ج٩، ٩٢.
٢٣٣  ج٩، ٩٧.
٢٣٤  ج٨، ٨٥، ٨٨-٨٩.
٢٣٥  ج٨، ٩٤.
٢٣٦  ج٨، ٩٨.
٢٣٧  ج٨، ١٤٥-١٤٦.
٢٣٨  ج٩، ١٤٣-١٤٤.
٢٣٩  «اللهم أسلمْتُ نفسي إليك، ووجَّهتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، ولا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيِّك الذي أرسلت.» فإنك إن متَّ في ليلتكَ متَّ على الفِطرة، وإن أصبحتَ أصبتَ أجرًا، ج٩، ١٧٤.
٢٤٠  ج٨، ٨٤–٨٦، ٨٩ «إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا.»
٢٤١  ج٩، ١٠١-١٠٢.
٢٤٢  ج٨، ١٠٦.
٢٤٣  ج٨، ٨٣، ٨٦–٨٨.
٢٤٤  ج٨، ٩٠.
٢٤٥  ج٨، ٨٤–٨٦، ٨٩.
٢٤٦  «اللهم ثبِّته واجعله هاديًا ومهديًّا.» ج٨، ٢٩، «اللهم أيِّدْه بالروح القدس.» ج٨، ٤٥.
٢٤٧  ج٩، ١١٣.
٢٤٨  ج٩، ١٤٥.
٢٤٩  ج٨، ٨٤، ٨٧.
٢٥٠  ج٩، ٢٥.
٢٥١  ج٨، ١٠٤.
٢٥٢  ج٨، ١٠٦.
٢٥٣  «اللهم ارزُق آل محمد قوتًا.» ج٨، ١٣١.
٢٥٤  ج٨، ١٢٢.
٢٥٥  «اللهم اشدُد وطأتك على مُضَر، اللهم اجعلها عليهم كسني يوسف.» ج٨، ٥٥.
٢٥٦  ج٨، ١٠٤.
٢٥٧  «اللهم بارك لهم في مِكيالهم وبارك لهم في صاعهم.» ج٩، ١٢٩.
٢٥٨  «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته.» ج٨، ٩١، ٩٣، ١٠١.
٢٥٩  ج٨، ١٠٢.
٢٦٠  ج٨، ٩٩.
٢٦١  «اللهم إن كنتَ تعلَم أنَّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (في عاجل أمري وآجله) فاقدُره لي. وإن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (في عاجل أمري وآجله) فاصرِفه عنِّي واصرفني عنه. واقدُر لي الخير حيث كان.» ج٨، ١٠١.
٢٦٢  «اللهم ثبِّته واجعله هاديًا ومَهديًّا.» ج٨، ٩١.
٢٦٣  ج٨، ٩٣.
٢٦٤  «لا إله إلا الله العليم الحليم. لا إله إلا الله رب العرش العظيم. لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم.» ج٨، ١٥٤-١٥٥.
٢٦٥  ج٨، ٩٧–١٠٠، ١٠٣.
٢٦٦  ج٨، ١٠٣.
٢٦٧  «اللهم مُنزِّل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب وزلزلهم.» ج٩، ١٧٤.
٢٦٨  ج٨، ٨٣، ٨٨-٨٩.
٢٦٩  ج٨، ١٠٥.
٢٧٠  ج٨، ٨٣.
٢٧١  ج٩، ١٤٤.
٢٧٢  ج٩، ١٨١.
٢٧٣  ج٨، ٩٨.
٢٧٤  ج٩، ١٣٩–١٩٩.
٢٧٥  ج٨، ١٣٥، ج٩، ١٤٢، ١٥٠، ١٧٢.
٢٧٦  ج٩، ١٥٠، ١٥٢.
٢٧٧  ج٩، ١٥٥.
٢٧٨  ج٩، ١٥٣.
٢٧٩  ج٩، ١٦٣.
٢٨٠  ج٩، ١٧٢-١٧٣.
٢٨١  «يؤذيني ابن آدم، ويسبُّ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أُقلِّب الليل والنهار.» ج٩، ١٧٥.
٢٨٢  ج٩، ١٧٥.
٢٨٣  ج٨، ٦٢، ٦٨.
٢٨٤  «قال الله: يَسبُّ بنو آدم الدهر، وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار.» ج٨، ٥١. «لا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر.»
٢٨٥  ج٨، ٥٠، ج٩، ٧٥-٧٦.
٢٨٦  ج٥، ١٤٨.
٢٨٧  ج١، ٩٤-٩٥، تشبيه رؤية الله برؤية القمر، ج١، ٤٥، ١٥٠.
٢٨٨  سأل الرسول فاطمة وصديقتها «ألا تُصليان؟» فاحتجَّت فاطمة بالإرادة الإلهية فأجاب الرسول وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا، ج٢، ٦٢.
٢٨٩  ج٢، ١٢١-١٢٢.
٢٩٠  «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري.» ج٥، ٦٠.
٢٩١  «لن يُنجَّى أحد منكم بعمله … ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمته.» ج٨، ١٢٢-١٢٣. «لن يُدخِل أحدكم عملُه الجنة.» ج٨، ١٢٢.
٢٩٢  استلَّ أعرابيٌّ سيفَ الرسول وهو نائم وقال له: من يمنعك مني؟ فقال «الله» ولم يفعل شيئًا ولم يُعاقبه الرسول. ج٥، ١٤٧.
٢٩٣  قوله لسعد بن معاذ: «قومُوا إلى سيدكم أو خيركم … تُقتَل مُقاتِلتُهم وتُسبى ذراريهم. قضيتَ بحُكم الله (وربما قال) قضيتَ بحُكم الملك.» ج٥، ١٤٣.
٢٩٤  ج٨، ٤٨.
٢٩٥  «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد.» «اللهم حوالَينا ولا علينا.» ج٨، ٩٢.
٢٩٦  ج٨، ١٢٨.
٢٩٧  ج٨، ٧٤، ١٣٠-١٣١.
٢٩٨  ج٨، ٦٧.
٢٩٩  ج٨، ٧٢.
٣٠٠  ج٨، ١٥٢–١٥٨.
٣٠١  «إن الله خلق أحدكم يُجمَع في بطن أمِّه أربعين يومًا وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك يؤذن بأربع كلماتٍ فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنَّ أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخُل النار. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها.» ج٩، ١٦٥-١٦٦.
٣٠٢  ج٤، ١٢٨.
٣٠٣  «لمَّا قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش، أنَّ رحمتي غلبت غضبي.» ج٤، ١٢٩. من العقيدة إلى الثورة ج٣، العدل.
٣٠٤  ج٤، ١٣٨.
٣٠٥  «من ظلم قيدَ شبرٍ طُوِّقَه من سبع أرضين.» «من أخذ شيئًا من الأرض بغير حقِّه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين.» ج٤، ١٣٠-١٣١.
٣٠٦  ج٤، ١٣٥.
٣٠٧  ج٨، ١٣٢.
٣٠٨  ج٩، ١٢٥.
٣٠٩  ج٩، ١٤٨، ١٩٢.
٣١٠  ج٨، ١٧.
٣١١  «قال الله أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحرَّكتْ بي شفتاه.» ج٩، ١٨٧، «لا ينبغي لعبدٍ أن يقول إنه خير من يونس بن متى ونسبَه لأبيه.» ج٩، ١٩٢.
٣١٢  ج٩، ١٥٦.
٣١٣  الاغتراب الديني عند فيورباخ، دراسات فلسفية ص٤٠٠–٤٤٥.
٣١٤  ج٩، ٢٣-٢٤.
٣١٥  ج٩، ١١٩.
٣١٦  ج٩، ١٤٤.
٣١٧  «أعوذ بوجهك الكريم.» ج٩، ١٤٨.
٣١٨  ج٨، ٧٦.
٣١٩  ج٩، ٩٩.
٣٢٠  ج٩، ١٤٦-١٤٧.
٣٢١  ج٨، ٧٢.
٣٢٢  ج٨، ١٥٨–١٨٤.
٣٢٣  ج٨، ١٦٠.
٣٢٤  «لا تحلفوا بآبائكم. ومن كان حالفًا فليحلف بالله.» ج٩، ١٤٧.
٣٢٥  ج٩، ١٤٥.
٣٢٦  ج٨، ٣١.
٣٢٧  من العقيدة إلى الثورة، ج٢، التوحيد ص٢٧–٣٢٨.
٣٢٨  ج٩، ١٤٢.
٣٢٩  ج٨، ٣٢.
٣٣٠  ج٩، ١٢٥.
٣٣١  ج٨، ٢٤.
٣٣٢  «سبحان الله، ماذا أُنزل من الخزائن وماذا أُنزل من الفتن.» ج٨، ٩٠، «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.» ج٩، ١٩٩. وهي آخر عبارة في البخاري.
٣٣٣  «لأَقضينَّ بينكما بكتاب الله.» ج٩، ٩٤، ١١٠، ١١٤.
٣٣٤  ج٨، ٢٨، ١٦٣.
٣٣٥  ج٨، ١٥٩.
٣٣٦  «يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.» ج٩، ١٠٠.
٣٣٧  ج٨، ١٢٥.
٣٣٨  ج٨، ١٤٨-١٤٩.
٣٣٩  «إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء ولا يقولنَّ أحدكم إن شئتَ فأعطني فإنَّ الله لا مُستكرِه له.» ج٨، ١٦٨.
٣٤٠  ج٩، ٤٧، ٥٢.
٣٤١  ج٨، ٧٤.
٣٤٢  ج٩، ٢.
٣٤٣  ج٩، ٤، ٦-٧، ١٧، ١٩.
٣٤٤  ج٩، ٢١–٢٣.
٣٤٥  ج٩، ٢٨.
٣٤٦  ج٨، ٤٣.
٣٤٧  ج٨، ٧٨.
٣٤٨  ج٩، ٢٦.
٣٤٩  ج٩، ٤٤.
٣٥٠  ج٩، ١٠٢.
٣٥١  ج٩، ١٦٦.
٣٥٢  ج٩، ٢٦.
٣٥٣  ج٨، ٣١، ج٩، ١١٨، ١٢٠.
٣٥٤  ج٨، ١٢٦.
٣٥٥  ج٨، ١٣٣.
٣٥٦  ج٩، ١٤٧، ١٥٣، ١٦٥، ١٩٦.
٣٥٧  ج٨، ١٤٧-١٤٨.
٣٥٨  ج٦، ١٧٣.
٣٥٩  «لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير. اللهم لا مانع لِما أعطيت، ولا مُعطيَ لِما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.» ج٩، ١١٨.
٣٦٠  ج٩، ٢٩.
٣٦١  «ما من أحدٍ أغيَرُ من الله. من أجل ذلك حرَّم الفواحش.» ج٩، ١٤٧، ١٥١.
٣٦٢  ج٩، ٢٩.
٣٦٣  ج٨، ٥٢-٥٣.
٣٦٤  ج٨، ٥٦.
٣٦٥  ج٨، ١٢٤ «اتقي الله واصبري.» ج٩، ٨١.
٣٦٦  من الفناء إلى البقاء، ج٢ الوعي الموضوعي.
٣٦٧  ج٩، ٢٨.
٣٦٨  «من سمَّع سمَّع به الله يوم القيامة.» «من يُشاقِق يَشق الله عليه يوم القيامة.» ج٩، ٨٠.
٣٦٩  ج٨، ١٤.
٣٧٠  ج٨، ٦٤-٦٥، ٧٣، ٨٩.
٣٧١  ج٨، ٦.
٣٧٢  ج٨، ١٨.
٣٧٣  من النص إلى الواقع ج٢، بنية النص ص٥٧٤-٥٧٥.
٣٧٤  ج٨، ١٢–١٤.
٣٧٥  من الفناء إلى البقاء، ج٢، الوعي الموضوعي.
٣٧٦  ج٨، ٣٩-٤٠.
٣٧٧  ج٩، ٩٩.
٣٧٨  ج٨، ٤٣.
٣٧٩  ج٨، ١٩، ٢٣، ٢٥.
٣٨٠  ج٩، ٢٨.
٣٨١  ج٩، ٤٦-٤٧.
٣٨٢  ج٨، ١٨-١٩.
٣٨٣  ج٨، ٦-٧، ج٩، ١٧٧.
٣٨٤  ج٨، ١٠-١١.
٣٨٥  ج٩، ١٧٧.
٣٨٦  ج٨، ١٦.
٣٨٧  ج٩، ٩١.
٣٨٨  ج٨، ٧١.
٣٨٩  ج٨، ٢٢، ٤٧.
٣٩٠  «مَن سمَّع سمَّع الله به، ومن يُرائي يرائي الله به.» ج٨، ١٣٠.
٣٩١  «وما أحدٌ أحبُّ إليه المدح من الله.» ج٩، ١٤٧، ١٥١.
٣٩٢  ج٨، ٣٣-٣٤.
٣٩٣  ج٨، ٦١-٦٢.
٣٩٤  «ماذا تعني لا إله إلا الله»، الدين والثورة في مصر، ج٧ اليمين واليسار في الفكر الديني، ص١٤٧–١٦٢.
٣٩٥  «أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فمن قال لا إله إلا الله عصَم منِّي ماله ونفسه إلا بحقِّه وحسابه على الله.» ج٥، ١١٥، ١٣٨.
٣٩٦  الوحي والعقل والطبيعة، قراءة في كتاب القانون في الطب لابن سينا، حصار الزمن ج٣، ٥٣٩–٥٨٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤