الفصل السابع عشر

«بيج بيل» يُجري بعض التحريات

كان المفتِّش في حالة تفكير عميق للغاية بينما هو في طريق عودته إلى منزله في دين ستريت. فقد فتح اكتشاف تلك البُقعة ذات الدلالة على طرفَي إصبعي ماسكاني زاوية غير متوقَّعة تمامًا في جريمة سوهو سكوير. إن وجود صلة لماسكاني بتلك القضية على نحو أو آخر قد ثبَت عبر حقيقة أنه كان داخل السيارة التي حاوَلَت دهسه، أو دهس ريجان، ذلك الصباح. لكن وجود الخطط المسروقة في حوزة رجل العصابات هذا بالفِعل كان آخر شيء على الإطلاق يمكن أن يتخيله مكارثي. ولكن لا يُمكن إنكار تلك البقعة؛ التي تدلُّ على قصتها، والتي لا يُمكن تصوُّر وجودها على طرفَي إصبعي الرجل عبر أيِّ وسيلة أخرى.

وبعد تدبُّر الأمر في ذهنه بدا أن هناك طريقة واحدة فقط يُمكن أن يحدث بها ذلك. لقد ارتكبت عصابة ماسكاني، وعلى الأرجح اشترك معهم فلوريلو شخصيًّا، جريمة قتل أنسيلمي وسرقوا عربة القهوة. وعندما، بعد تلك الصرخة مباشرة، ألقيت جثة رونر المذبوحة فيها، سُلمت الخطط على عجل إلى ماسكاني، تحسُّبًا لحدوث أي خطأ أثناء هروب القاتل. ولا بدَّ أنه حصل على أوامر صريحة مُعيَّنة بشأنها، بالطبع. ويبدو أن الاحتمال هو أنه أعادها في تلك الليلة فقط، على الأرجح، إلى الشخص الغامض الذي لمَحه مكارثي، أثناء المراقبة، وهو يغادر حانة فازولي، لكنه فقد أثره في تلك السيارة. وقد كان على استعداد للتضحية براتب شهر من أجل أن يلمح حتى وجه هذا الشخص.

من ناحية أخرى هناك احتمال آخر يجب أخذُه في الاعتبار: إن الخطط كانت لا تزال في حوزة ماسكاني عندما قتل بعد مُغادرته نادي رومانيا، ولكن، بالنظر إلى الأمر من كل الجوانب، لم يعتقد المفتِّش ذلك. ولكن الآن بعد أن أكَّدت تلك البُقعة ذات الدلالة أن الخطط كانت بحوزة زعيم العصابة المقتول، فإنَّ ذلك الأمر المُثير للاهتمام، المُتمثِّل في طرق النافذة التي بجوار المنضدة التي تَتناول البارونة لينا إيبرهارت إفطارها عليها بانتظام، سيُنظَر إليه من منظورٍ مُختلِف تمامًا. هل كانت فكرته الأولى عن هذا الحدث الاستثنائي نوعًا ما صحيحة، وكانت الطَّرقة إشارة أو رسالة محددة للبارونة؟ عند النظر إلى ذلك في ضوء تقرير ويذرز عن تحرُّكاتها اللاحقة، ولا سيما اختفائها المذهل في مكانٍ ما بالقُرب من حانة فازولي، بدا الأمر كذلك بالتأكيد.

جلبت هذه الفِكرة إلى ذهنِه فكرة أخرى: ما الذي حدَث لويذرز الذي طلب منه أن يلتقيه في مكانٍ ما، أثناء مُهمة المراقبة التي كان يقوم بها بالقرب من تشيركولو فينيتسيا، عند حوالي الساعة الحادية عشرة؟ لم يجدِ المفتش أي أثر له أثناء تجواله في شوارع سوهو، ورغم هذا، اعترف بكل صراحة، أن على سيارة الأجرة التوقُّف بالقرب منه تمامًا حتى يُصبح على علمٍ بوجودِها. ومع ذلك، لا بد أن ويذرز قد اعتاد على التعتيم الآن، وكان من المؤكَّد أنه سيَعثُر على مكارثي لو أنه كان في المكان حسب الاتفاق. وقد أثار عدم وجوده اهتمام المفتِّش إلى حدٍّ كبير؛ لأنه، بوجه عام، كان السائق الضَّخم رجلًا يُعتمَد عليه تمامًا.

بعد أن صرف عن ذهنه فكرة هفوة ويذرز لأنها ليسَت ذات أهمية وهو لم يكن بحاجة إليه، عاد مرة أخرى للتفكير في ماسكاني وموته على نحوٍ مُفاجئ ومُخيف. لا شك أنه يستحق ذلك حقًّا، وخاصة إن كان له أيُّ يدٍ في عملية القتل الوحشية التي تعرض لها جو أنسيلمي المسكين، ناهيك عن مذبحة سوهو سكوير؛ ولكن ليس هذا هو المقصد. إن جريمة القتل هي جريمة قتْل في نظر القانون؛ وليس مهمًّا ما إذا كان المقتول يستحق المصير الذي آلَ إليه أم لا.

وفي هذا الصدد كان هناك شيء آخر حيَّر مكارثي إلى حدٍّ كبير، أثر القدم الضئيلة التي لم يكن لديه شك على الإطلاق أن من تركها وراءه إما القاتل أو شخص مُرتبط به، والذي كان موجودًا عندما ارتُكبت الجريمة. كان من المستحيل أن يكون ذلك هو أثر حذاء رجل، وعلى الرغم من حجمه، فمن الصعب للغاية أن يتركه حذاء حديث لامرأة بسبب شكلِه البَشِع للغاية. تحول عقله تلقائيًّا إلى المرأتين الوحيدتَين اللتَين عرف أنهما على صِلة بماسكاني في غضون الأربع والعشرين ساعة الماضية: البارونة لينا إيبرهارت (والتي خلف اسمها يجب أن تكون هناك علامة استفهام كبيرة جدًّا)، وتيسا دومينيكو. إن قدم الأولى، كما يتذكر جيدًا؛ خلال ساعة الغداء تلك حيث أُتيحت له أكثر من فرصة لملاحظة، ليس فقط الشكل المثالي لقدميها وكاحليها، ولكن أيضًا الحذاء الباهظ الثمن الذي كانت تَرتديه. لقد كان واثقًا للغاية أنه لم يترك ذلك الأثر المحدد.

أحد الأسباب وراء ذلك أن البارونة، على الرغم من جسدها المثالي، كان طولها فوق المتوسط إلى حدٍّ ما، وكانت ذات بِنية قوية على نحوٍ مُتناسب؛ وعلى الرغم من أن قدميها لم يكن بهما أي شيء يثير الريبة، فإنهما بالتأكيد كانتا ذواتي قالب طويل وضيق، ومُختلِف تمامًا عن الأثر القصير والسميك بعض الشيء الذي وجده في الزقاق. وكان هناك جانب آخر من الأمر لا يمكن تجاهله: إذا كانت المرأة النمساوية على صلة بعصابة التجسس هذه التي تقتل بسهولة، فمن المؤكد أنه لن يُعهَد لها بتنفيذ عملية قتل فلو ماسكاني.

كما أنه لم يكن يستطيع بالضبط تذكُّر شكل قدمَي تيسا دومينيكو ذات الجسد المثالي، لكنَّها، أيضًا، على الرغم من تكوينها الأُنثوي المثالي، كانت ذات قامة طويلة، وبِنية قوية. وهو على يقين أن قدمَيها لم تكونا من النوع الضئيل الذي ينتج عنه ذلك الأثر القصير. ولكن هناك شيئًا واحدًا يتعلَّق بها جعله بالتأكيد يُفكِّر، ويُفكِّر مليًّا: وهو حقيقة أنها، بعد أن كانت خارج مسكنها في الوقت الذي اتَّصل فيه ديلمورتي بها بناءً على طلب ماسكاني، هي نفسها، عند الساعة الواحِدة، أجرت مُكالَمة من هناك وحدَّدت ما كان بلا شكٍّ موعدًا لمُقابلة ماسكاني في ساعة لاحقة، ربما الساعة الثانية؛ لأنه لم يُغادِر تشيركولو حتى الساعة الثانية إلا الربع. ونظرًا لأن ماسكاني يَعرف جميع الطرق المختصَرة للشوارع الخلفية في سوهو، فكان بإمكانه الوصول إلى داوتي ستريت على نحو مُريح بحلول الساعة الثانية، حتى مع إعاقته بسبب التعتيم.

كما أن تيسا دومينيكو، التي وُلِدت وترعرعت في سوهو، ومثل معظم سكَّانها الشباب، ركضت في شوارعها ليلًا ونهارًا لسنوات، تَعرفها كما يعرفها حبيبها. فهي تَعرف بالضبط الطرق المختصرة التي سيَسلُكها كي يصل إلى أقرب نقطة إلى داوتي ستريت. وسيُصبح لديها أيضًا فكرة جيدة إلى حدٍّ ما حول الوقت الذي سيُغادِر فيه نادي رومانيا؛ ومن المحتمل جدًّا أنه قد أخبرها بذلك في حديثهما عبر الهاتف.

خطرت على ذهنه كلمات ويذرز التي مفادها أن تيسا ما زالت تُرافِق ماسكاني بسبب الخوف أكثر منه الحب الذي قد تُكنُّه له؛ وهو تعليق ساخِر اتَّفقَت معه. هل كان لها، بسبب أي دافع خفي ناجم عن هذا الموقف؛ أي علاقة بإزاحة هذا الحبيب الغيور الذي تُرافقه خوفًا منه؟ هل كانت تلك المكالَمة الهاتفية هي الوسيط الذي سهَّل التخلُّص من فلو ماسكاني؟

ولكن ها هو، مرة أخرى، يجد نفسه في مواجهة نظرية لم يستطع أن يُعطيَ مصداقية لها. إذا كانت آثار الأقدام هذه ستؤخَذ على أنها ذات قيمة على الإطلاق من أجل توضيح الجريمة، فيجب أن تكون تيسا دومينيكو إما قد ارتكبت جريمة القتل بنفسها أو كانت موجودة على أي حال عند ارتكابها؛ لم يكن أيٌّ من هذين الاحتمالين، عند النظر فقط للطريقة التي ارتكبت بها جريمة القتل، في رأيه، سيظلُّ صامدًا للحظة واحدة. وفي الحالة الأخيرة، لماذا لم يَترك القاتل أي آثار أقدام؟

لكن تظل الحقيقة أن المكالَمة التي حددت الموعد مع ماسكاني جاءت من تيسا دومينيكو وأنه في غضون بضع دقائق من مغادرته لمقابلتها قُتل بلا رحمة. مرة أخرى، إذا كان لعصابة التجسس هذه التي كان على صلة بها بلا شك أي علاقة بوفاته، إذن فهناك محاجة محتملة بأنها، هي أيضًا، لا بد أن تكون مرتبطة بهم بطريقةٍ ما. وهو يعتقد أنه لم يكن من الممكن بالنسبة لهم أن يعرفوا، إلا عبر المعلومات الواردة منها، أن ماسكاني سيُغادر النادي في الوقت الذي غادر فيه، ليقابلها. ومع ذلك، وبصرف النظر عن الطريقة التي استُخدمت، يجب متابعة أمر هذه المكالمة وإخضاع تيسا الجميلة لاستجواب لا يترك أي شيءٍ بشأن تحركاتها في تلك الليلة موضع شك.

كان المفتش مكارثي معتادًا أن يتصرَّف على الفور بمجرد اتخاذه قرارًا، لكنه أدرك أن الذهاب إلى ذلك المنزل الكائن في داوتي ستريت في تلك الساعة من الصباح، وبدون أمر قضائي، أو أيِّ سلطة أخرى، وإيقاظ الفتاة من نومها كي يستجوبها أمر غير مُجدٍ على الإطلاق، وعلى الأرجح سيضرُّ غاياته. لذا قرر أن يعود إلى بيته وينام لمدة ساعة أو ساعتَين.

ومن ثم استيقظ عند الساعة السادسة مرةً أخرى وارتدى ملابسه؛ وبعد أقل من ساعة خرج إلى الشارع وهذه المرة في هيئة المفتش مكارثي المهذَّب الأنيق الذي يعرفه العالم، ويُحبه ويحترمه.

كان يسير عبر نيو أكسفورد ستريت عندما توقفت بجانبه فجأة سيارة أجرة تسير بسرعة غير قانونية تمامًا مع صوت صرير الفرامل. في مقعد السائق، جلس السيد ويليام ويذرز، وقد ارتسم الأسف على نحو شديد على وجهه الضخم، ومن الواضح أنه جاء يشقُّ طريقه من مقر إقامته في منطقة كليركنويل.

وصاح، قبل أن يتمكن مكارثي من النطق بكلمة: «أيها الرئيس، أنا أعرف تمامًا ما ستقوله وأنا لا أملك إجابة عنه. لقد أدَّيتُ المهمَّة التي طلبتَها مني الليلة الماضية؛ على أي حال»، تابع ملطفًا، «أنا لم أقم بها عن قصد مني، فقط بسبب فقدان أعصابي. وعندما عدتُ مرة أخرى، لم أجدك في أي مكان.»

أجاب مكارثي بهدوء: «لا عليك، يا ويذرز.» وتابع: «بحسب ما اتَّضح، لم أكن في حاجة إليك. ماذا حدث على أي حال؟»

«حسنًا، إن الأمر على هذا النحو يا سيدي، وأنا لا أختلق أي أعذار لنفسي. لقد كنتُ متجهًا إلى سوهو سكوير عبر جريك ستريت، عندما جاء شخصٌ يقود سيارة كبيرة بسرعة عبر أكسفورد ستريت دون أن يُضيء أي أضواء، وأخذ الزاوية بسرعة شديدة، وإذ به يصدم سيارتي بشدة. لقد ارتطم بواقيات الطين الخاصة بي بشدة، على الرغم من أنه لم يخلعها. ويمكنك رؤيتها بنفسك، أيها الرئيس، كي تتأكَّد من صدق كلامي، ومما فعله ذلك الوغد!»

بدأ مكارثي يستمع بحماس وألقى نظرة سريعة على واقيات الطين؛ فوجد أن حالتها على جانب واحد تُؤيد بالفعل قصة ويذرز.

وسأل بسرعة، وهو يتذكَّر في ذهنه تلك السيارة الأخرى التي انطلقت في أكسفورد ستريت دون أضواء: «متى حدث ذلك؟»

أجاب «بيج بيل» على الفور: «حوالي الساعة الحادية عشرة وخمس وعشرين دقيقة، يا سيدي.» وتابع: «أنا متأكِّد من ذلك؛ لأنني كنتُ أعلم أنني متأخِّر عن موعدك، بعد أن أخذت فترة استراحة قصيرة.»

«هل حصلت على رقم السيارة؟»

«كلا يا سيدي. فقد كانت اللوحة الخلفية كلها مُغطَّاة بالطين أو ما يُشبهه.» وأضاف متأملًا: «لكن ليس من الممكن أن يكون الطين على الرغم من ذلك؛ لأن الأمطار لم تسقط إلا بعد ذلك بفترة قصيرة.»

قال مكارثي: «إذا كانت تلك هي السيارة التي أفكر بها يا ويذرز؛ فقد حدث ذلك عن قصد.» وتابع: «من المحتمل أن تكون هي نفس السيارة السابقة. وسيُصبح من السهل الإفلات من ذلك وسط حالة التعتيم. حسنًا، ماذا حدث؟»

«حسنًا، هذا هو الوقت الذي فقدتُ فيه أعصابي، يا سيدي، وانشغلت عن مهمَّتك. فقد صرخت في الرجل، لكنه لم يُعرني أي اهتمام كما لو كنتُ كومة من القمامة. ومن ثم تبعته إلى سوهو سكوير، وخرجت مرة أخرى عن طريق ساتن ستريت وتشارينج كروس رود. بحلول ذلك الوقت كان قد أضاء المصباح الخلفي، لذلك تمكَّنت من تتبُّعه.»

سأل مكارثي: «هل استمرَّ متَّجهًا نحو الشرق؟»

«كلا يا سيدي، كان هذا مجرَّد تضليل. فقد سار حتى بلومزبري ستريت، ثم التفَّ هناك إلى بيدفورد سكوير، وقطع طريقه عائدًا إلى شارع توتنهام كورت رود، ثم إلى أكسفورد ستريت، متجهًا غربًا.»

«بعبارة أخرى لقد استدار عائدًا إلى نفس المكان، أليس كذلك؟»

«بالفعل، يا سيدي. لقد ذهب مباشرة على طول بارك لين ثم انحرف نحو أبر بروك ستريت.»

صاح مكارثي متعجبًا: «أبر بروك ستريت!» وتابع: «هذا يُؤدي إلى جروفينر سكوير، يا ويذرز.»

«وهذا هو المكان الذي ذهب إليه بالضبط يا سيدي، بل والأكثر من ذلك لقد توقف عند المنزل الذي تسكن فيه تلك السيدة التي راقبتها اليوم.»

انطلقت صافرة لا إرادية من شفتَي مكارثي. ها هو، بالفعل، شيء ملموس أخيرًا.

وسأل بسرعة: «ماذا فعلتَ عندئذٍ يا ويذرز؟»

زمجر قائلًا: «لا شيء يا سيدي. بمجرد أن رأيت المكان الذي ذهب إليه، توقفتُ على الفور وخاطرت وأطفأت أنواري. لا يعني ذلك أن هناك الكثير منها كي يُطفأ في ليالي التعتيم هذه.» وأضاف: «ونزلت من السيارة سريعًا وفتحت غطاء المُحرِّك بحيث في حالة وصول شرطي يُصبح لديَّ ذريعة للتوقُّف بأنه قد تعطَّل. لقد اعتقدت أنه سيُصبح أكثر فائدة بالنسبة لك، أن أراقب هذا الرجل قدْر استطاعتي، بدلًا من الذهاب إلى الباب والتشاجُر معه بسبب واقيات الطين الخاصة بي.»

صفَّق مكارثي بشدة وهو يقول: «عمل جيد يا ويذرز، عمل رائع.» وأضاف: «وماذا فعلت بعد ذلك؟»

«لقد ظلَّ في المنزل لمدة نصف ساعة تقريبًا، يا سيدي، وعندما خرج، خرجَت معه إلى الباب تلك المرأة التي تتبعتُها من مطعم فيري، وأخذا يتحدثان معًا بسرعةٍ شديدة ودون توقف.»

سأل المفتش بلهفة: «هل سمعتَ شيئًا مما كانا يقولانه، يا ويذرز؟»

هز ويذرز رأسه نافيًا. وقال: «كلَّا يا سيدي. لقد كانا يتحدَّثان بلغة أجنبية؛ الألمانية، على ما أعتقد. الشيء الوحيد الذي سمعته عندما كان عند البوابة وصاح: «عليكِ أن تتأكدي من استعداد هاينريش للعبور بالأشياء في مساء الغد»، وقالت هي: «بالتأكيد»، وكلمة تشبه «أورف فيدرشاينس».»

صحَّح له مكارثي: «أوف فيدرزين (إلى اللقاء).» وتابع: «وماذا حدث بعد ذلك …»

«بعد ذلك، ركب السيارة مرة أخرى وعاد إلى بارك لين، ودخَل إلى الفناء الأمامي لذلك المبنى الجديد المكون من عدة شقق الذي افتُتح للتو. وأسرع إلى هناك، وبعد دقيقة أو دقيقتين خرج رجل، وهو خادم من نوعٍ ما، وقاد سيارته إلى داخل المرآب. وظللتُ أنا بلُطف وهدوء من وراء سور هايد بارك أراقبه. كان من الممكن أن أخاطر وأطرح عليه سؤالًا أو اثنين، لكنني اعتقدت أن الأمر قد يصل إلى سيادته، وربما يضرُّ ذلك أكثر مما ينفع. لذا عدتُ إلى سوهو على أمل أن أجدك. وعندما لم أجدْك، انصرفتُ إلى منزلي واتصلت بك على الهاتف، لكن لم أحصل على أي إجابة. أنا آسف إذا كنتُ قد أفسدتُ أي شيء، أيها الرئيس، بسبب عدم الوجود في الوقت المحدد، لكنني فعلتُ ما اعتقدتُ أنه أفضل شيء.»

أكد له مكارثي قائلًا: «عزيزي ويذرز، إن دزينة من أفضل رجال سكوتلاند يارد لم يكن بإمكانهم فعل المزيد. سأَحرص على أن تنال مكافأة كبيرة من أجل ما فعلته الليلة الماضية.»

هنا، بالفعل، كان يفكر، ما إذا كان قد حدث هذا الأمر غير المتوقع تمامًا بسبب الفطنة التي يتمتع بها «بيج بيل» ويذرز مثل كل أهل منطقة إيست إند بلندن، بالإضافة إلى القليل من الحظ الشديد. لقد اعترف بالجزء الأخير من الأمر بحرية، لكن كل الحظ في العالم لم يكن لينفع كثيرًا لو لم يكن ويذرز قد استخدم فطنته إلى أقصى درجة. هنا، إذن، توجد صلة مباشرة، وربط مُطلَق بين حانة فازولي والبارونة الأرستقراطية لينا إيبرهارت.

عندما فقَد ويذرز أثرها في تلك المنطقة السيئة اليوم لا بد أنها كانت في طريقها إلى تشيركولو فينيتسيا. نفس الجُحر السيئ السُّمعة الذي تركه ماسكاني بعد الساعة الحادية عشرة بقليل للذهاب إلى نادي رومانيا، ومنه استُدعي لميتة رهيبة عبر مكالَمة هاتفية من تيسا دومينيكو. لقد التقطت الآذان المُنتبهة لباولو فانادي المشاكس ما يكفي لإخباره أن فلو ماسكاني كان لدَيه موعد مع شخصٍ ما في حانة فازولي عند الساعة الحادية عشرة، وفي وقتٍ لا يتجاوز تلك الساعة غادر الشخص الذي كان يتبعه ذلك المكان؛ ليشقَّ طريقه مباشرة إلى قصر البارونة لينا إيبرهارت في جروفينر سكوير. ومعه ماذا، إن لم يكن الخطط التي لا بد أنه قد استعادها إما من ماسكاني، الذي تعامل معها في وقتٍ ما أو آخر بالتأكيد، وإما من شخص آخر في ذلك المكان؟

ومن ثم سأل: «أنتَ لم تُتَح لك الفرصة أبدًا لرؤية وجه الرجل، على ما أظن، يا ويذرز؟» وتابع: «سواء في جروفينر سكوير أو خارج تلك الشُّقق.»

هز ويذرز رأسه بالنفي. وقال: «كلا أيها الرئيس، لم تُتح لي الفرصة أبدًا في أيٍّ من المكانَين. لم يكن هناك أي ضوء في جوار المنزل في جروفينر سكوير، وكذلك خارج تلك الشقق كان الظلام حالكًا. وعلاوةً على ذلك، كان الرجل يَرفع ياقة معطفه حتى أذنيه، ويخفض قبعته بحيث لا يمكنك رؤية وجهه من أي زاوية.»

«إنه لأمر مُؤسف، يا ويذرز، لكن العلاقة واضحة بما يكفي لتجعلني متأكدًا من هوية الرجل، وهذا يعني أنه نفس الشخص الذي أعتقد أنه على صلة بجريمة القتل في سوهو سكوير.» وأضاف: «وأيضًا بمقتل فلوريلو ماسكاني في وقتٍ مبكر من صباح اليوم.»

ردَّد ويذرز: «ماسكاني!» وأضاف: «يا للعجب! إنهم لم يقتلوا ذلك الجرذ، أليس كذلك؟»

قال مكارثي: «لقد قُتل، وهذا مؤكد.» ثم أضاف: «والآن أنت ستُوصلني إلى داوتي ستريت، كي أتحدث قليلًا مع السيدة التي اتصلَتْ به لمقابلتها قبل أقل من ساعة من العثور عليه مطعونًا حتى الموت في زقاقٍ ما. بدأت الأمور تتضح يا ويليام؛ بدأت الأمور تتضح بالتأكيد.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤