كم رأسًا للأفعى؟

عينا روبرت جميلتان، غير أنهما يَشِيان برجاء أيضًا. هل من الممكن أن تلتحق أناليزه ﺑ «لجنة جروسكورت لحماية الحقوق الديمقراطية وللدفاع عن الوطنيين في برلين الغربية» — يبلغ العنوان هذا الطول — عضوًا في الرئاسة إلى جانب اثنين من الأساتذة الجامعيين المرموقين؟ مجرد شكليات، يقول روبرت: ليس هناك عمل تقومين به هناك، ولكن من الأفضل أمام الرأي العام أن تنضمي إلينا رسميًّا باعتبارك أرملة جيورج.

لم تعرف أناليزه أبدًا على وجه الدِّقة مَن أَسَّس هذه اللجنة، هل هو روبرت نفسه أم حزبه، ومَن شَكَّلها ومَن يقودها؟ روبرت مُتوحِّد مع الحزب، والحزب مُتوحِّد معه. في بعض الأحيان تحاول أن تفك اللغز وتُحدِّد متى ينتهي الصديق، ومتى يبدأ الحزب. روبرت هو الرجل الوحيد الذي يجاملها ويساندها، الرجل الوحيد الذي تستطيع معه التحدث عن جيورج، الوحيد الذي عرض عليها وظيفة جديدة، كطبيبة موظفة لدى الإذاعة في مبناها الواقع ﺑ «مازورين-أليه».

في نهاية سبتمبر تستمع «لجنة جروسكورت» في جامعة هومبولت إلى ضحايا يوم الخامس عشر من أغسطس وشهوده. إنه لفظيع ما يَسرِده الشُّبان خلال الجلسة التي استمرت يومين. أما ما يثير مزيدًا من السخط لدى أناليزه فهي أقوال أحد رجال الشرطة الذين شاركوا في الأحداث. لقد صُدم بالوحشية التي كان على زملائه أن يتَّسِموا بها تنفيذً للأوامر، ما جعله يهرب وينضم فيما بعد إلى شرطة برلين الشرقية.

إنها بالطبع محاكمة، ولكن الهدف خير. روبرت يبرز دوره على نحو خاص. إنه في أفضل حالاته. تنظر إليه أناليزه بإعجاب: يرى روبرت دائمًا أنه يستطيع بذكائه أن يحكم نصف العالم. إنه يجد في كل مكان «أمثلة على عودة الفاشية»، ولا يدين الشرطة والدولة فحسب، أو إرنست رويتر، وكونراد أدناور، وكورت شوماخر، وبعض رؤساء تحرير الصحف في برلين الغربية، كلَّا، إنه يُوجِّه اتهاماته إلى النظام الرأسمالي بأكمله، كما يهاجم «عملاء التَّسلُّح الألمان والأمريكيين، وحكومات واشنطن وبون الواقعة في مخالبهم».

حكم بالإدانة كأنه مأخوذ بالحرف الواحد من تعليق لصحيفة «نويس دويتشلاند» الاشتراكية. أعلن هافَمان الحكم الذي نُشر في الشرق، وسُكت عنه ودُفن في أرشيف الغرب.

في التاسع من أكتوبر، أثناء جلسة محكمة العمل، تجلس السيدة جروسكورت وحيدة، بدون مُحامٍ، متأكِّدَة من أن الحق لديها. بصوت مُتَهكِّم يقول مُمثِّل الطرف المُدَّعَى عليه؛ أي الحكومة المحلية في ولاية برلين: المُدَّعِية تشير إلى حقوقها باعتبارها إحدى ضحايا الفاشية. أحب جدًّا عندما يشير شخص أمام المحكمة إلى حقوقه باعتباره ضحية الفاشية!

لا يقاطعه قاضٍ من قضاة المحكمة.

– أرجوكِ أن تُقارِني نشاطكِ من أجل السلام بتصرُّف طبيب يُقدِّم لمرضاه حُقَن تطعيم مُسمَّمة!

يسمح القضاة بمثل هذه الجمل أيضًا. وعلى الفور تسمع في أذنها نبرة القاضي فرايزلر، وتسأل نفسها: هل هذه علامة على الهستيرية التي أَصابَتْها، أن تسمع صوت فرايزلر في محكمة العمل؟

مما يثر الشكوك أن تدعي طبيبة مثلها أنها تتبع أهدافًا إنسانية؛ فبعد حصار برلين الغربية وقطع إمدادات الأدوية والمواد الغذائية، يكون «الاتجاه الذي تدعمه» قد لفظ أنفاسه، يقول الرجل الغادر الحاصل على دكتوراه في القانون: إنه يحملها مسئولية الحصار الكريه الذي ضربه السوفييت! إن حق التعبير عن الرأي لا يشمل «العملاء الشيوعيين». هل يقول: عملاء؟ نعم، يقول عملاء، ثم يستطرد منتصرًا:

والدليل هو الدعوة إلى تأسيس ما يُسمى بلجنة جروسكورت لدعم ضحايا الهجوم الوحشي المزعوم على المُشارِكين في المهرجان العالمي من قِبَل شرطة برلين. ثانيًا: لقد شاركتْ في رئاسة اللجنة التي هاجمَتْ بحدَّة بالِغَة الحكومة المحلية في ولاية برلين والحكومة الألمانية الاتحادية في بون وقوة الحماية الأمريكية. ليس لها أن تتوقع أن تعمل لدى جهة تقوم هي بمحاربتها بالحديد والنار.

يستمعون إلى أقوالها مرةً أخرى. عندما نطقت بكلمة السلام، الكلمة التي بدأ كل شيء بها، ابتسم الرجال ابتسامة صفراء. الحكم جاهز ومكتوب على ورقة على طاولة القضاة. يُتلى الحكم: الدعوى مرفوضة، وعلى أناليزه جروسكورت أن تتحمل المصاريف، باسم الشعب!

لقد سلكَتْ سلوكًا — هكذا يحكم قضاة محكمة العمل — يتعارَض تعارضًا واضحًا ويتناقض مع مَصالح رب عَملِها، مجلس وزراء حكومة ولاية برلين. لقد حجبت أهدافها المُعادية للدستور، وقامت بالالتفاف على النظام الأساسي الليبرالي للبلاد، ولم تلتزم بواجب الوفاء لرب العمل، وبذلك لم يعد الطرف الآخر المتعاقِد معها قادرًا على الثقة بولائها، خارجيًّا وداخليًّا.

عند مغادرتها قاعة المَحكمة تُفكِّر في الاستئناف، ثم تتلقى لكمة من مُمثِّل حكومة برلين الذي يتحدث بصوت فرايزلر: إني أبصق على امرأة مثلك. تفو!

مَن يعتقد الآن أن حكومة برلين سترضى بهذا النَّصر الواضح، فهو لا يعرف بعدُ تفاصيل ما حدث في سنوات الخمسينيات والوحشية التي كانت تسود في المصالح الرسمية.

ها هو ساعي البريد يحضر مرة أخرى رسالة مُسجَّلة، هذه المرة من وزير الشئون الاجتماعية في برلين، بتاريخ ٤ / ٨ — لقد تم احتجازها ثمانية أسابيع ولم تُرسل إلا بعد صدور الحكم:

«لقد أمرتُ بسحب الاعتراف بك، باعتباركِ من أهل أحد الملاحَقِين السياسيين المتوفين، استنادًا على لوائح قانون الاعتراف بالملاحَقين، مادة ٧، بند ١ب.

وفقًا للمادة المذكورة من الممكن سحب الاعتراف بالملاحَقة السياسية في كل وقت إذا ارتكب المُعتَرف به أعمالًا لا تبدو متوافِقة مع الاعتراف به مُلاحقًا.

حسب الإخطار الذي أرسله مكتب حي شارلوتنبورج في برلين فقد ساهمَتْ مساهَمة كبيرة في أفعال شيوعية غير مشروعة مُوجَّهة ضد نظام البلاد الديمقراطي.

لهذا السبب قررنا إصدار القرار الوارد أعلاه.»

كيف كان ميشائيل كولهاز١ سيتصرف لو حصل بعد يومين من صدور حكم محكمة العمل — الذي يستند إلى مادة قانونية من العهد النازي — وتحتم عليه أن يرد على مثل تلك الرسالة؟ من السهل تَخيُّل ذلك، إنه الظلم، ثم يصرخ طالبًا العدالة، ظلم جديد، سلسلة من الثأر والسرقة والحروب، الحكاية معروفة، فَلنَبْقَ في القرن العشرين المجهول.

وكيف ردت أناليزه جروسكورت؟

حكم ورسالة خلال ثمانٍ وأربعين ساعة — هذا يكفي ليفقد المرء صوابه ويطلق النار عشوائيًّا على مَن حوله، يكفي للإصابة بجلطة في القلب، أو للانتقال إلى شرق المدينة، أو لكي تحقق الطبيبة شهرةً مهنيةً كامرأة هستيرية لا ترى في كل مكان إلا النازيين. لكنها من القوة بحيث تُقاوِم السقوط في هذا الدَّرَك الأسفل. لكن صورة الأفعى المتعدِّدة الرءوس تظهر لها من جديد، الكلب ذو الرءوس التي لا تعد ولا تُحصى، تسيطر الصورة عليها في أيامها ولياليها. ستلدغها الأفعى وتدمرها وتُسمِّمُها بأنفاسها إذا لم تدافع عن نفسها.

أخيرًا تقرر اللجوء إلى مُحامٍ، وتقدم على الفور شَكوى. تُورِد الحجج والأدلة، تشرح وتفصل؛ لأنها ما زالت تأمل أن تُهدِّئ أفعى المصالح الحكومية المتعددة الرءوس بالحجج والأدلة والشرح. تتحدث عن القيم الأساسية للدستور. تُحصي عدَد المشهورين من كل الأحزاب والمسيحيين مِن كافة التَّوجُّهات الذين استجابُوا لنداء السلام. تشير إلى وزير الداخلية المستقيل هاينمان. تُطالِب بالتفهم؛ لأنها لا تستطيع أن تستوعب أن الأفعى لا تخشى شيئًا مثل التفاهم. تشرح مرة أخرى أن الصحافة هي التي جعلت من استفتاء شعبي «مزعوم» استفتاء «شيوعيًّا» وبذلك لصقَتْ عليها وصف «الشيوعية» بدون أي وجه حق. تطالب بأدلة على «الأنشطة الشيوعية» التي يزعمون أنها قامتْ بها. تَوَد أن تعرف كيف تُهدِّد النظام الديمقراطي للبلاد.

إنها لم تَتفاخَر في يوم ما بما فعلَتْه خلال الحرب، ولكنها تُحاوِل الآن أن تُهدِّئ من غضب الأفعى بالإشارة إلى كفاحِها النشط ضد الحكم النازي. لكن الأفعى — وهو ما لم تدركه الطبيبة بعدُ — ترتاب ارتيابًا كبيرًا فيمن يُقاوِم أفعى أخرى أكبر حجمًا؛ لأن السيدة خرجَت سالِمة من النضال، وأثبتت قُوَّتها؛ أي خطورتها. إنها تطالِب بأن يُلقُوا نظرة على ملفات القضية التي رُفِعَت ضد مجموعة المقاوَمة «الاتحاد الأوروبي»؛ لأنها تُبرْهِن أكثر من كل الكلمات على أنشطة زوجها. وهو دفع حياته ثمنًا لذلك. هل يجب معاقبتها؛ لأنها تتصرف وفق مبادئ زوجها المقتول؟

أرسل المحامي الشكوى إلى أفعى الشئون الاجتماعية. كان أمل أناليزه أن تستمتع بعدة أيام من الهدوء، ولكن ها هو رأس آخَر للأفعى يَتحرَّك. تخبرها إحدى ممرِّضات مستشفى موآبيت — حيث عملَ زوجها — أن اللوحة التذكارية المُعلَّقة في كافيتريا المستشفى تكريمًا لجيورج قد نُزِعَت، من غير الواضح إذا ما كان ذلك قد حدث بأمر من رئيس الأطباء أم من وزير الصحة في برلين. انعقد لسانها؛ إنهم لا يكتفون بملاحقة الأحياء، بل يلاحقون الأموات المناهِضين للفاشية أيضًا! لعنة الاستفتاء الشعبي تصيب حتى جيورج. تفكير قَبَلي! إنهم يمحون ذكرى شخص مثالي، الطبيب أول الذي أنقذ — هنا في موآبيت — حياة العشرات، بل ربما المئات، من براثن النازيين وحربهم. تَوَد أن تصرخ: فاشيون! ولكن، عليها أن تتحكم في أعصابها، وتتحكم في أعصابها، تقول لنفسها: لا تقولي شيئًا. عليها ألا تبدأ صراعًا ثالثًا، وألَّا تقدم شكوى ثالثة؛ سيكون هذا أكثر مِمَّا تحتمل، بل إن الوضع الآن أكثر مِمَّا تحتمل.

في تلك الأثناء كانت لجنة جروسكورت قد انتهَتْ من كتابة مُسوَّدة كتيب به نتائج التحقيق في أحداث يوم الخامس عشر من أغسطس. يطلب روبرت منها أن تكتب مقدمة. تتردد. باشتراكها في اللجنة أخطأت بالتأكيد، وقدَّمَت ذريعة لمحكمة العمل. من ناحية أخرى فإن إلغاء الاعتراف بها مُلاحَقة سياسية قد صدر يوم الرابع من أغسطس. لم تكن لديها أية فرصة على كل حال. قبل الخامس عشر من أغسطس بوقت طويل كانوا قد قرروا أن يلعنوها. لم تَعُد لديها فرصة في الغرب، الديون تتراكم، هنا يقولون: «شيوعية»، وهناك: «مناضِلة شجاعة في سبيل السلام.» التسميتان خاطئتان، ضد أية أكذوبة تريد أن تكافح؟ ضدهما معًا، تبقى في الغرب، وتقبل عرضًا بوظيفة لنصف الوقت كطبيبة لدى إذاعة برلين في «مازورين-أليه». تتحكم ألمانيا الشرقية في هذه الإذاعة، لكنها تقع في قلب المنطقة البريطانية، ولا تبعد سوى خمس دقائق عن الشقة والعيادة. نصف العامِلِين هم من الغرب أيضًا. يا لسعادتها! بإمكانها أن تُعالِج العامِلين في الإذاعة قبل الظهر، وبعد الظهر مرضاها في حي «فست إند».

على المرء أن يتم ما بدأه، وأن يُتمَّه كما ينبغي، هذا هو شعارها. وهكذا تكتب مقدمة، أيضًا من أجل خاطِر روبرت. النص، في رأيها، يفيض بالبروباجندا، يفيض بالكراهية ضد الغرب، تحت ركام الكلمات المشحونة بالاتهامات لا يكاد من الممكن اكتشاف قصاصات الحقائق. لا تود قراءة المصطلحات الحزبية، ولا أن تسمع النبرة الستالينية الفجة. تريد اللجنة التي تحمل اسم جيورج أن تفرض عليها لغة بائسة كانت ستجعل جيورج يمتعض امتعاضًا، ولكن ما أهمية اللغة إذا كان على المرء أن يكافِح في سبيل السلام وضد النازيين؟ هكذا تقول لنفسها بشجاعة، وتكتب بكلمات أخرى، كلمات من اختيارها هي:
«لا يستحق الذكر ذلك الإنسان الذي لا يهتم بأخيه الإنسان.» هذه الكلمات التي قالها الكاتب القومي الأوزبيكي الكبير أليشر نافوي الذي عاش في القرن الخامس عشر، تنطبق على الأمس واليوم والغد أيضًا (إذا كانت هذه هي الانحناءة الإجبارية أمام الاتحاد السوفييتي، فهي انحناءة بسيطة وصادقة).
إن القلق الذي نشعر به حيال شبابنا وحياته في سلام كانت هي الدافع إلى النداء الذي قمت به للتحقيق في أحداث الخامس عشر من أغسطس ١٩٥١م التي وقَعَت على حدود القطاعات في برلين الغربية (ليس بمقدور بوق دعاية أن يفكر بمثل هذه الموضوعية، ناهيك عن أن يكتب هكذا). إن نتائج التحقيقات أمامنا الآن (نقطة، وجملة جديدة، لم يكن باستطاعة شيوعية في الخمسينيات أن تكتب بمثل هذا الإيجاز).
إننا نتعلم مما حدث شيئين. أولًا: إن نتائج الخامس عشر من أغسطس ليست مصادفة ولا هي حادث منفرد (وهو ما سيوافقها عليه المؤرِّخون اليوم أيضًا)، بل كانت حلقة في سلسلة من الاستفزازات الفاشية (نبرة دعائية، ولكنها لم تجد من واقع خِبْرَتها مصطلحات أخرى تستخدمها)، التي شهدَتْها برلين خلال الأشهر الأخيرة.
أما ما نستنتجه من ذلك فهو: علينا أن نكافح بحزم ضد كل شكل من أشكال الفاشية، على الفور، وأن نقضي عليه في مَنبَته. فالفاشية تعني الحرب (إنها هنا تتحدث عن خبرة — كما أن السيدة جروسكورت ما زالت تتذكَّر ما قاله وزير الداخلية لير في حكومة أدناور في خطابه أمام البرلمان: إنه يود لو يفتح الباب مرة ثانية لهتلر).
يجب أن تكون هذه الوثيقة إسهامًا في كشف النقاب عن المُحرِّضِين على الحروب، فهم أعداء البشرية (جملة دعائية، لكنها تسمو فوق الجمل المشابهة التي كانت تُصاغ في العصر الستاليني؛ لأنها تخلو خلوًّا مريحًا للنفس من الصفات وأفعل التفضيل والتكرار وعلامات التعجب).

في عصر كان كل تَحرُّك سياسي يُنظر إليه في الشرق والغرب نظرة أيديولوجية، كان من شبه المستحيل أن تكون رأيًا خاصًّا أو أن تجد لغتك: إنها تحاول. تنسحب من اللجنة. لقد أعارتهم اسم اللجنة، واستمعت إلى المُفاوَضات لمدة يومين، وكتبَت المقدمة، هذا يكفي. ليست السياسة مجالها. عليها أن تهتم بالحصول على حقوقها هي، أن تهتم بالدعاوى المرفوعة، بأبنائها، ومرضاها وزيارتها لهم في المنازل، أن تهتم بلقمة عيشها.

تواصل لجنة جروسكورت عملها، في مكتب في «فريدريش-شتراسه» في برلين الشرقية، هافَمان وأعضاء الحزب الآخرون يحتفظون بمنتداهم. تقدم اللجنة المساعدة القانونية لأهالي برلين الغربية، ما يزيد على ٢٠٠٠ إنسان تم اعتقالهم في القطاع الغربي، خلال عام ١٩٥١م وحده، وذلك بتهمة «استخدام البروباجندا من أجل الاستفتاء الشعبي»، وما يزيد على الألف تواجههم دعاوى قضائية. في عام ١٩٥٢م يتم نشر كتيبات من أمثال: «انتهاك الحقوق الديمقراطية الأساسية في برلين الغربية، حالة الدكتورة أناليزه جروسكورت، برلين الغربية والإرهاب في مدينة المواجهة»، ثم يحصل هافَمان على مهمات إضافية في الجامعة، وبسرعة تختفي اللجنة أيضًا من الصحافة، ويختفي مكتبها من «فريدريش-شتراسه». الاتحاد الاشتراكي كان راضيًا، وفقًا لما يمكن للمرء أن يقرأه اليوم في الملفات القديمة: «لقد نفذ الرفيق روبرت هافَمان كل ما كلفه به الحزب من أعمال على نحو يبعث على الثقة.»

وفي النهاية لم يدفع أحد الفاتورة سواها، المرأة الغربية، التي شاركت في تلك الأنشطة بضعة أسابيع، عن حسن نية حينًا، وغصبًا عنها أحيانًا، عن إدراك حينًا، وبدافع من الاضطرار أحيانًا. لقد صدَّقَت أنها باسم زوجها تُنقذ المقاوَمة من غياهب النسيان، ولم تفكر في أن المصالح الحكومية في برلين الغربية لا ترى في اسم جروسكورت سوى الدكتورة أناليزه، وليس الدكتور جيورج جروسكورت. لقد أساءت التقدير، ولم تفهم أن الموظَّفِين الذين ثبت انتهاكهم للقانون لا يميلون إلى الندم واللين وإدراك ما فعلوه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤