لا تكن جبانًا مثل شتاوفنبرج

في حديقة الحيوان رحتُ أتأمَّل في القتل.

نهاية أبريل، الربيع يطالب بأفعال جديدة، والخضرة تندفع إلى البراعم. كنت أجلس في المكتبة العامة عازمًا على أن أغدو قاتلًا في منتهى العقلانية. لقد جمعتُ معلومات عن جروسكورت وهافَمان، ولكني لا أعرف إلا القليل عن هربرت ريشتر، وباول رينتش، لم أكن قد تحدَّثتُ مع الأرملتين بعد. لا بُدَّ أن أهتم أكثر بالمعماري وأخصَّائي الضوء ريشتر الذي صمم قبل عقود نظام الإضاءة في حديقة الحيوان، قبل أن يكلفه جورينج بتصميم وإخراج الحفلات التي تُقام بمناسبة عيد ميلاد المسيح، وبتقدير الأضرار التي أحدثتها القنابل خلال الحرب، وربما يكون قد اطلع عبْر مساعد جورينج على أسرار مثلما حدث مع جروسكورت والأخوين هيس وكيبلر وقادة المقاطَعات.

كان من الظلم ألا أُقدِّم له ولرينتش التكريم الكافي، ولكن هل سأُحمِّل نفسي أكثر من هذا؟ كان حكم براءة «ر» قد صدر، لم يَعُد هناك شيء يمكن تحليله، أليست هذه مهمة رجال القانون؟ عليَّ ألا أتعمق أكثر من ذلك في دراسة المجموعة، أليست هذه مهمة المُؤرِّخين؟ حان وقت إصدار كتاب والقيام بفعل، أليستْ هذه مهمتي؟

النظرات كانت تهرب إلى الخارج، لم تكن حديقة الحيوان بعيدة. تركت الكتب، لَملمْتُ ملاحظاتي، وسرت إلى المحطة عابرًا الميدان الصغير واشتريتُ تذكرة دخول. بين الحين والآخر كان رجال الاتحاد الأوروبي يلتقون مع معاونيهم سرًّا في حديقة الحيوان، أما أنا فكنتُ أبحث عن الأماكن التي تحدَّثُوا فيها، حيث قام كل منهم بفحص نِيَّة الآخَر وأهدافه. فكرة غبية، هذا واضح؛ لأن حديقة الحيوان دُمِّرت خلال الحرب، لم يَعُد شيء موجودًا على حاله، ولا حظيرة جِمال واحدة، أو جُحر حيوان، أو عُش طيور، أو عَمود نور صممه هربرت ريشتر. وحتى الأشجار القديمة لم يَعُد لها وجود، الطُّرق تم تبليطها من جديد، الأسوار الخشبية، أحواض الشُّرب، الدِّكَك، اللافتات، كل شيء كان مختلفًا عن حديقة تلك الفترة.

تَمهَّلت في سيري عبْر طرق الحديقة، مارًّا بالحمير الوحشية والثيران الأفريقية، ثم الزَّرافات البرِّيَّة وصولًا إلى النعام والدِّبَبة التي تتغذَّى على النمل، إلا أن خيالي خذلني ولم أستطع أن أتصور هافَمان، أو جروسكورت، أو ريشتر على إحدى تلك الدِّكك، أو بين زحام الزُّوار وهم يُطعِمون الدببة القطبية. وعندما قابلني رجل بنظارة سميكة الإطار يشبه باول رينتش، تخيلتُ طبيب الأسنان يتسلم من الشرطي المتقاعد جوازًا مزوَّرًا أمام بيت الزرافات.

استغرق الأمر فترة ما إلى أن صرفت النظر عن خداع النفس الذي أمارسه، وتَوهُّمي أنني سأقوم في هذا المكان أيضًا بجمع المعلومات لكتابي. رحتُ أستمتع بهذا التناقض الجميل: في الخارج، خلف سور حديقة الحيوان، هتافات الثورة، هراوات الشرطة، الشعارات، الأحجار، التجاوزات وأعمال الشغب اليومية التي كانت الصحف تُضخِّمها وتحتفل بها بأفعل التفضيل. وهنا، في قلب المدينة، بين الأشجار وأقفاص الطيور، البيئة الوديعة التي يعيش فيها ألف حيوان، لا شيء سوى الرعي، والالتهام، والاجترار، والمشي، والإغفاء، والحملقة، والنوم، سلامٌ مُسْكر خلف قضبان الأقفاص.

في بيت القرود كل شيء كالمتوقَّع، قرود الشمبانزي تغيظ وتُعابِث وتُخيف بعضها بعضًا، الجمهور يضحك. أحسستُ بالراحة عندما رأيتُ مرة أخرى مجموعة من الوجوه السعيدة. ذكرني شمبانزي عجوز بالقاضي العجوز المتضائل «ر». هل أستطيع قتل قرد؟ توهَّمتُ أن قتل «ر» أسهل.

يلح السؤال علي: هل أقدر على اغتياله؟ جلست على دكة وأخذتُ أتفرج على قفزات القرود. يبقَى القتل محرَّمًا، ولكن الاستثناءات لا بُدَّ منها. جولفيتسر قال بعد «معركة الحجارة» في «تيجلر-فيج»: الفاشيون وحدَهم هم الذين لا ينظرون إلى العنف باعتباره مشكلة، أما الاشتراكي فعليه أن يبرر دائمًا وظيفة العنف. إن أي شكل من أشكال العنف ضد البشر هو لا إنساني؛ إذن لا بُدَّ من أن أبرر فعلتي. موافقًا على كلام جولفيتسر رحتُ أقول لنفسي: أنت لا تريد سوى الانتقام، تنفيذ حكم، ليس هدفك هو دفع الاشتراكية إلى الأمام، بل دفن الفاشية. ولا ننسى أن يهوديت — مثلًا — قتلت أليفانا.١

ولِكبْت خوفي مما أنوي فعله، شغلتُ نفسي بالتخطيط لعملية القتل. إذا حان الوقت، فستذهب — قبل الانتهاء من كتاب جروسكورت بقليل — إلى النجم الأزرق في «شتوتجارتر بلاتس» وفي جيبك ٥٠٠ مارك، وتشتري مسدسًا وذخيرة، قبل ذلك ستستعلم عن مثل هذه الصفقات. ثم الانطلاق بالسيارة، التدرب قليلًا في مراعي لونبورج، ثم مواصَلة السفر إلى شليزفيج، التَّربُّص بالقاتل، والأفضل أن أطلق عليه الرصاص من السيارة. طلقة على الأقل ستصيبه في مقتل.

تعلمتُ تدريجيًّا أن أهدئ من تأنيب الضمير الذي كان ينتابني ليس فقط في بيت القرود. لا ينبغي عليكَ أن تطلق النار على الرأس أو القلب، كنتُ أقول لنفسي. ليست كارثة لو أصبته فقط، ليس من الحتمي أن تقتله، إن محاولة اغتيال ناجحة تستحق أيضًا الجهد المبذول. هذا يعني خوفًا أقل من الندم اللاحق والاتهامات المستقبلية التي يوجهها الإنسان لنفسه باعتباره قاتلًا، وعقوبة أخف من هيئة المحكمة. كن مستعدًّا لكِلا الأمْرَين، كن مستعدًّا لكل شيء، ولا تخطط كثيرًا.

المشكلة الوحيدة هي نقل المسدس عبْر حدود ألمانيا الشرقية.٢ أكثر حراس الحدود صرامة في العالم بسؤالهم الأبدي: أسلحة، ذخيرة، أجهزة لاسلكية؟ كان من حقهم تفتيش السيارة والأمتعة وقتما يحلو لهم. ليست هذه هي القاعدة، إلا أن ذلك يحدث كثيرًا. فكَّرْت في أن أخفي المسدس في شنطة بها كتب، رغم أن الكتب تحديدًا كانت تثير الشبهات، أكثر من مرة أوقفوني لكي يُقلِّبوا ويفتشوا في حقيبة الكتب. ربما يكون كيس مليء بالملابس الوسخة أفضل، المسدس بين الجوارب. أو في معطف أرتديه. لكنهم سيعثرون عليه عندئذٍ. لا بُدَّ من بعض الترقُّب والارتجاف، قلتُ لنفسي في جسارة، ثم حَيَّيت الفيلة وسِرت في طريقي إلى بوابة الخروج.
شيء واحد لم أكن أريده أبدًا: أن أكون جبانًا مثل شتاوفنبرج.٣ لقد أدرك متأخرًا جدًّا أن الاغتيال ضروري، غير أنه فعل ذلك قبل دقائق من الهزيمة الكُلِّية، ولإنقاذ ما لم يعد إنقاذه ممكنًا، متأخرًا جدًّا — كان شجاعًا، بالتأكيد، ثم خطط كل شيء تخطيطًا كاملًا، وانتهز الفرصة المناسبة، ووضع الحقيبة المحشوة بالمتفجرات بجانب زعيم كل عصابات القتلة — وفي النهاية، بدلًا من أن يُضحِّي بنفسه لإنقاذ ملايين، وبدلًا من أن يضمن تنفيذ ما خَطط له، تراجَع وأنقَذ ذاته، لعدة ساعات. لا، لستُ مغرورًا إلى هذه الدرجة حتى أقارن نفسي بشتاوفنبرج، أو أن أقارن القاضي «ر» بزعيمه الأعلى، إني أرى فقط أن شتاوفنبرج خان شجاعته العظيمة بجُبْنه الأعظم. على الإنسان أن يضحي للقيام بمثل هذا الفعل، ليس من حقه أن يحمي نفسه، وإلا فَقدَ الفعل قيمته.

في تلك الأسابيع سجَّلتُ الفكرة التالية في عقلي: الاغتيال الكامل هو أن يظل الفاعل مصمِّمًا على فعلته حتى النهاية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤