ولا طَلقة حتى الآن

نهاية تقريري يمكن سَردُها سريعًا: لا بُدَّ أن ذلك كان في شهر أغسطس عندما قرأتُ — لا أعرف أين — أن «ر» دخل إحدى مستشفيات القلب في منطقة الألجوي. في المَقالة ألمَح الكاتب إلى شكوكه حول ما إذا كانت قضية الاستئناف المرفوعة ضد مريض بالقلب سوف تستمر أو تصل إلى نهايتها.

الجهود التي بذلتُها طوال أَشهُر كي أغتال قاتل والد صديقي على نحو مؤثِّر ولافِت للأنظار، هل راحت كلها سُدًى؟ كنتُ ساخطًا: كلَّا، لن أسمح ﻟ «ر» بالهرب مني، لن أسمح للجبان بالابتعاد عن مرمى نيراني. شعرتُ بشيء يكبح اندفاعي لتنفيذ مشروعي المزدوج، فرجوتُ قابض الأرواح أن يمنحني الأسبقية، فهذا أفضل للمجتمَع وأنفع من النهاية العادية المبتذَلة.

أفكار حمقاء لا طائل من ورائها، أخلَت مكانها سريعًا للشعور الهادئ بالارتياح لعدم اضطراري لتنفيذ الاغتيال. لم يكن سبب تَردُّدي الخوف من التصويب أو من اغتيال مُتقاعِد نازي، كلَّا، بل إطلاق الرصاص على مريض بالقلب؛ هذه وضاعة، ليس هذا رمزًا لشجاعة عظيمة، ولا فعلًا سياسيًّا مُحرِرًا.

في تلك اللحظة اعترفتُ لنفسي بالشكوك الكبيرة التي كانت تسيطر علي. بالتحضيرات التي قمتُ بها بعناية، كنتُ قد أهَّلتُ نفسي تمامًا لتَقبُّل دَوري قاتلًا وشريرًا نبيلًا، أو توهَّمتُ ذلك. والآن رحتُ أتنفَّس الصُّعَداء، وإن سيطرتْ عليَّ أحيانًا مشاعر متناقضة. إن «ر» صاحب القلب الضعيف قد يُعفِيني من تمثيل دوري على مسرح الأخلاق.

بعد ذلك حل شهر سبتمبر الفظيع، كابوس متصل بدأ ببطاقة بريدية صارخة الألوان ورسالة مُتحمِّسة بعثَتْهما كاترين من المكسيك. راحت تتلو قصائد الغزل في الجاكرانداس، الأشجار ذات الأزهار الزرقاء، وفي ماسِحي الأحذية الغافِين، وفي الذين يقفون عند التقاطعات ويُطفئون النيران بأفواههم، ووجوه الشباب الطاعنة في السن، وصفارات رجال الشرطة التي تشبه نغمات الغابات العتيقة، وزحمة المرور ودراجات الريكشا. كانت تَتوقَّع مِكسيكِيِّين يَحملون المسدسات، حتى الآن ولا طلقة رصاص. لم تقم بتصوير بركان البوبوكاتيبتل حتى تلك اللحظة، وبالنسبة لدوري كرة القدم الألماني فإنها تقترح القاعدة التي يلتزم بها الآزتك:١ الفائزون في مباريات الكرة يُقَدمون قرابين للآلهة.

مرَّت أيام قليلة على قراءتي للرسالة، وبعد أن أصابتني حماستها المَرِحة بالعدوى، كان ذلك في الخامس من سبتمبر، اتَّصلَت أستريد من المكسيك الواحدة بعد منتصف الليل تقريبًا. كاترين في المستشفى، إصابة بالغة، كانوا في طريقهم إلى إحدى أسواق الهنود الحمر في تيبوتزلان، وإذ بثلاثة شبان، أطفال تقريبًا، يسرقون منها الكاميرا. جَرَت وراءهم، وفي الناصية التالية كانوا قد سحبوا المطواة وطعنوها في البطن. بعد ثلاث ساعات اتَّصلَت أستريد مرة أخرى. ماتت كاترين.

مشاعري تجاه الحبيبة، دموعي، كل ذلك ليس له مكان في اعترافي، ولا طقوس الوداع التي نَظَّمتْها عائلتها في ماركتريدفيتس. ليس من حقي أن أكتب إلا عن العواقب. خلال رعشات الحزن، ووسط طوفان الاتهامات التي وجَّهْتُها لنفسي؛ لأني تركتها تسافر وحْدَها إلى المكسيك، لم أَعُد أريد أن أسمع حرفًا له علاقة بالقتل والموت والاحتضار، لا أريد أن أكتب حرفًا عن ذلك. انتابني شعور مُبهَم بأني مشارِك في الذنب؛ لأني أطلقتُ أفكار القتل من عقالها منذ عيد القديس نيقولاوس.

بعد فترة من عودتي من جنازة كاترين من جبال أشجار الشربين، سمعتُ كالمعتاد الأخبار المسائية، كان ذلك في الثامن عشر من سبتمبر. بصوت دافئ مُغرٍ من طبقة الباص قرأ مذيع محطة القطاع الأمريكي النبأ التالي: علمنا اليوم أن القاضي السابق في محكمة الشعب العليا، ريزه، قد لقي مَصرَعه في الخامس عشر من سبتمبر في إحدى مستشفيات الألجوي إثر نوبة قلبية. وبهذا — أضاف المذيع بنبرة احتفالية وكأنه يَنحَنِي في جلال أمام حكم الموت — يصبح حكم محكمة ولاية برلين نافذًا.

غيَّرتُ المحطة، ولم أتحدَّث بكلمة واحدة عن كل الموضوع طوال ثلاثين عامًا تقريبًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤