الفصل الرابع

الروبوتات التي تشبه البشر والروبوتات البشرية

على الرغم من أن الغالبية العظمى من الروبوتات في العالم اليوم — بما في ذلك تلك الموجودة في مختبرات الأبحاث — لا تشبه البشر، فإن الروبوتات المصمَّمة على شاكلتنا لها سحر خاص. ربما لا يكون هذا مفاجئًا إذا عرفنا أنَّ كلمة «روبوت» استُخدمَت لأول مرة لوصف إنسان آلي خيالي. وبعيدًا حتى عن الخيال، ثَمة أسباب وجيهة لكي تكون الروبوتات التي تعمل مع البشر شبيهة بهم: كي تتمكن من استخدام أدوات البشر والمشاركة في أماكن عملهم، ولكي تكون قادرة على التواصل معهم بشكل طبيعي (من خلال الكلام وتعبيرات الوجه والإيماءات، على سبيل المثال).

يُوصف الروبوت بأنه شبيه بالبشر إذا كان له شكل أو هيكل يحاكي الشكل البشري إلى حد ما. وبناءً على هذا، فإن رأس الروبوت المثبت فوق جذع وبه مستشعران للرؤية مكان العينين، يُعتبر شبيهًا للإنسان. وإذا كان لدى الروبوت ذراعان، فيجب أيضًا أن يكونا شبيهين بذراعَي البشر؛ أي أن يكونا مثبَّتَين على كتفَي الجذع، ومزوَّدين بيدين أو قابضين يشبهان اليدين.

ولكي يُطلَق على الروبوت أنه يشبه البشر، يحظى شكله بأهمية أكبر مما تحظى بها تفاصيل مكوناته. إذا كان له أرجل، على سبيل المثال، فيجب أن يكونا اثنين ومزوَّدين بما يشبه مفصل الورك ومفصل الركبة ومفصل الكاحل، حتى وإن كانت الساقان لا تتشابهان بقدر كبير من الناحية التشريحية مع نظيراتها البشرية. ولا شك أنَّ معظم الروبوتات التي تشبه البشر تتمتع بمظهر ميكانيكي، وإذا صُممت من مكونات بلاستيكية، فقد تبدو أشبه بشخصيات كرتونية أو تعطي انطباعات كرتونية لما يجب أن تبدو عليه الروبوتات.

بالرغم من ذلك، توجد مجموعة فرعية صغيرة من الروبوتات تشبه البشر في التركيب والمظهر بدقة أكبر، ويُشار إلى هذه الروبوتات باسم android (أندرويد). وهي تتمتع بجلد اصطناعي وشعر ومستحضرات تجميل وملابس؛ أي تُعتبر، في واقع الأمر، تماثيل عرض. لكن على غرار العديد من روبوتات الخيال العلمي، إذا أزلت جلدها الاصطناعي، فستجد تحته لوحات دوائر الروبوت ومحركاته. لكن هذه الروبوتات حقيقية، فكثيرون يعدونها أقرب ما يأمل علم الروبوتات في تحقيقه، وهو: الأشخاص الاصطناعيون. ولسوء الحظ (أو ربما لحسنه، حسب وجهة نظرك)، تُعتبر الروبوتات البشرية اليوم بعيدةً كل البعد عن هذا الحلم، وإن كان مظهرها باهرًا.

تكمن المشكلة باختصار في أننا قادرون على تصميم الأجسام وليس العقول. وسنجد أنَّ موضوع تخلف تقنية ذكاء الروبوتات عن ميكانيكا إلكترونيات الروبوتات يتكرر على مدار هذا الكتاب، لكن هذا التباين بين الاثنين يتجلى بأوضح صورة في الروبوتات البشرية. وتكمن المشكلة في أنه إذا كان الروبوت يبدو بشريًّا بشكل مقنع، فإننا (منطقيًّا) نتوقع منه أن يتصرف على أنه إنسان. ولهذا السبب، فإنَّ الروبوتات البشرية التي تتمتع بجسد إنسان كامل لا تزال مخيِّبة للآمال، وقت كتابة هذا الكتاب.

وعلى الرغم من أن الروبوتات الشبيهة بالبشر من الموضوعات المثيرة في مجالات البحث والتطوير، فإنها تنطوي على تحديات تقنية خاصة، وليس من المستغرَب أنَّ قِلة منها فقط هي التي تُستخدم الآن بالفعل. ربما كان أول استخدام جاد للروبوت الذي يشبه البشر بوصفه روبوتًا مساعدًا هو الروبوت روبونوت الذي صمَّمته ناسا وجنرال موتورز، ووُضع مؤخرًا في محطة الفضاء الدولية. يتكون هذا الروبوت من جذع يشبه الجزء العلوي من جسم الإنسان وفي نفس حجمه، ولديه ذراعان ويدان ماهرتان، ورأس شبيه إلى حد ما بخوذة سائق سيارات سباق.

تنتمي الغالبية العظمى من الروبوتات التي تشبه البشر إلى فئة الألعاب (مثل روبوسيبيان من واوي)، أو فئة الروبوتات التعليمية (مثل الروبوت ناو من ألديباران روبوتكس)، أو كعارض للتكنولوجيا (مثل أسيمو الخاص بشركة هوندا). ومن الأمور التي تحظى بأهمية خاصة الاستخدام المتزايد للروبوتات الشبيهة بالبشر في رياضات الروبوتات التي تتضمن تنافس الروبوتات في المسابقات الفردية (مثل: سباقات الماراثون أو رفع الأثقال)، أو في المسابقات الجماعية مثل كرة قدم الروبوتات. وتقدم لعبة كرة قدم الروبوتات تحديًا رائعًا، وتسلط الضوء على تطور الروبوتات، كما أن الروبوتات غير الاحترافية الصغيرة الحجم والشبيهة بالبشر غير مكلفة بشكل كبير؛ لذا يمكن لفرق المدارس أو الطلاب المشاركة بها في مثل هذه المسابقات. فمن الرائع مشاهدة فريقين من الروبوتات الشبيهة بالبشر يتنافسان في ملعب كرة قدم. غير أننا نجد بعضًا من الروبوتات الشبيهة بالبشر الأكثر إثارة للاهتمام في مختبرات الأبحاث، وسأصف عددًا منها في هذا الفصل.

من المهم ألا نبالغ في أهمية الروبوتات الشبيهة بالبشر. فلا شك أنه توجد العديد من التطبيقات المحتملة للروبوتات في أماكن عمل البشر أو معيشتهم قد يكون من الأفضل أن تُقدِّمها روبوتات لا تشبه البشر. فحجة استخدام الروبوت الشبيه بالبشر لأدوات البشر لا معنى لها إذا كان من الممكن القيام بالمهمة بشكل مستقل. فسيكون من السخف، على سبيل المثال، تصميم روبوت يشبه البشر لتشغيل مكنسة كهربائية مصمَّمة للبشر. وبالمثل أيضًا، إذا كنا نريد سيارة من دون سائق، فليس من المنطقي تصميم روبوت يشبه البشر ليجلس في مقعد السائق. يبدو إذَن أن حجة الروبوتات التي تشبه البشر تكون في أقوى حالاتها فيما يتعلق بالروبوتات التي ينبغي أن تعمل مع البشر أو تتعلم منهم أو تتفاعل معهم من كثَب.

(١) تطبيقات الروبوتات الشبيهة بالبشر: الروبوتات المساعدة في أماكن العمل

أحد الأسباب الأكثر إقناعًا لضرورة أن تكون الروبوتات شبيهة بالبشر هي تلك التطبيقات التي تتفاعل فيها الروبوتات مع البشر، وتعمل في أماكن عملهم، وتستخدم أدوات أو أجهزة مصمَّمة لهم. تخيل، على سبيل المثال، أن يكون لديك زميل عمل روبوت. وأنت تعمل على إصلاح بعض الآلات المعقدة، وتتطلب تلك الإصلاحات اهتمامك الكامل. لكنك بحاجة إلى أداة؛ لذا تمدُّ يدك، ودون أن تدير رأسك تقول «هل يمكنني الحصول على مفتاح ربط مقاس ١٥ ملِّيمترًا من فضلك؟» فلكَي يكون زميلك الروبوت مفيدًا، يجب أن يكون قادرًا على فهم طلبك المنطوق وإيماءتك؛ أي يحتاج الروبوت أن يعرف على وجه التحديد أنك تطلب منه ضمنيًّا أن يضع مفتاح الربط مقاس ١٥ ملِّيمترًا في يدك — برفق — ثم يترك مفتاح الربط فور أن تمسكه. وفي البيئات الصاخبة، يزداد الاعتماد على الإيماءات والألفاظ غير اللغوية مثل «أها!»

ليس من الضروري بالطبع أن يكون الروبوت الذي يمكنه فهم لغتك اللفظية والإيمائية شبيهًا بالبشر، لكن الهيئة البشرية ستساعده على أن يكون قادرًا على تحديد مكان مفتاح الربط في صندوق الأدوات أو على رف الأدوات المصمَّم للبشر والإمساك به فعليًّا. غير أنه توجد أسباب أقوى من ذلك. إذا كانت البنية الجسدية للروبوت شبيهة بأجسامنا؛ ومن ثَم فهو مُجبَر على التحرك بنفس الطريقة التي نتحرك بها، ويرى العالم أو يسمعه من منظور مشابه لمنظورنا، فسيكون من الأرجح أن يستطيع تعلم طرقنا في التعامل وطبيعة أماكن العمل الخاصة بنا.

يزودنا الروبوت بيرت (انظر الشكل ٤-١) بدراسة حالة لروبوت مصمم للبحث في مجال التفاعل التعاوني بين الإنسان والروبوت الذي يمكن أن يؤدي في نهاية الأمر إلى تطوير الروبوت المساعد في مكان العمل، والذي نعرض تصورنا له هنا. وقد طُورت قدرة بيرت على التفاعل مع البشر على يد علماء الروبوتات كريس ميليش، وتوني بايب، وأليكس لينز، وسيرجي سكاتشيك، وكان ذلك جزءًا من مشروع «كريس» الذي يُجريه مختبر بريستول للروبوتات.

وصمَّمت شركة الروبوتات إيلوموشن، بيرت الثاني، وهو روبوت ثابت، لكن افتقاره إلى التنقل المستقل يعكس وظيفته بصفته منصة للبحث في مجال تفاعل الإنسان والروبوت عن قرب. وبصفة مبدئية، لا يوجد سبب يمنع بيرت، أو سليلًا له، من المشي على أرجل أو التدحرج على عجلات. يبلغ ارتفاع بيرت من الخصر إلى أعلى الرأس حوالَي ١٫١ متر. وله جذع غير متحرك؛ أي إن ظهره صلب وثابت. ويبلغ طول ذراعَي بيرت حوالَي ٧٥ سنتيمترًا من الكتف إلى أطراف الأصابع، وبهما مفاصل للكتف والكوع والرسغ توفر لبيرت محاكاة مقنعة لنطاق حركات يدَي الإنسان وذراعيه وإن كانت غير دقيقة من الناحية التشريحية، والأهم من ذلك أنها توفر له القدرة على القيام بإيماءات الذراع التعبيرية.

fig11
شكل ٤-١: جذع بيرت الثاني مزوَّد برأس رقمي من مختبر بريستول للروبوتات، وهو يمثل الجزء العلوي من جسم روبوت بشري مخصَّص للبحث في مجال التعاون بين الإنسان والروبوت

للأيدي أهمية خاصة في تواصل البشر بالإيماءات؛ فكر في المعنى الخاص لقبضة مضمومة بإحكام، أو المعنى المختلف تمامًا ليد مضمومة مع مد إصبع السبابة، أو راحة يد مفتوحة لإلقاء التحية، أو يد ثابتة وذراعها ممتد بصرامة للإشارة إلى «التوقف». ولا شك أن يدَي بيرت القادرتين على فعل كل هذه الإيماءات، وأكثر من ذلك، إنجاز استثنائي. فهاتان اليدان الاصطناعيتان مثال رائع على فن تصميم الروبوتات التي تشبه البشر لتميزها بحجم يدَي شخص بالغ كبير. إن يدَي بيرت قادرتان على القيام بمعظم حركات اليد الطبيعية؛ لأنهما تعملان بالكهرباء، ويتضمَّنان جميع المحركات حتى لا تكون هناك حاجة إلى أي محركات مساعدة أو عضلات اصطناعية في الساعد، أو مفصل رسغ معقد مزود بأوتار.

ولما كانت ذراعا بيرت ويداه شبيهة بنظيرتها البشرية إلى حد كبير، فمن الطبيعي أن تكون مصمَّمة للاستخدام كأجهزة تعويضية للبشر وللروبوتات أيضًا. ويوضح هذا إمكانية تحقيق فوائد متبادلة بين تكنولوجيا الروبوتات البشرية والأطراف الاصطناعية، وينطبق هذا بشكل خاص على الذراعين واليدين. توجد العديد من القواسم المشتركة بين متطلبات قدرة المحركات والمفاصل الفردية على محاكاة حركات الإنسان الطبيعية وقدراته، وانخفاض وزنها، وانخفاض متطلباتها للطاقة، وموثوقيتها، واتسامها بالتحكم المدمج المنخفض المستوى.

لنُلقِ الآن نظرة على الرأس الرقمي لبيرت. إنه هيكل بلاستيكي ثلاثي الأبعاد يتميز بسمات جسدية تقريبية للغاية. توجد بالرأس الرقمي شاشة إل سي دي مسطحة مُدمَجة فيه، ويظهر الفم والعينان والحاجبان في شكل رسومات بالكمبيوتر على الشاشة المسطحة. وبهذا أمكن تحقيق وجه بيرت «الكارتوني» الذي لا يزال يسمح بحدوث مجموعة كبيرة من تعابير الوجه الثابتة والمتحركة بالرغم من عدم احتوائه على أجزاء متحركة ميكانيكية على الإطلاق. بالرغم من هذا، لا يمكن لرأس بيرت إظهار تعبيرات الوجه العالية الدقة ذات الفروق الطفيفة، التي تتميز بها رءوس الروبوتات البشرية التي سأصفها لاحقًا في هذا الفصل. غير أنني أعتقد أن النهج المستخدَم في الروبوت بيرت يوفر تعابير وجه كافية لمجموعة واسعة جدًّا من التطبيقات المحتملة للروبوتات الفعلية التي تشبه البشر وتتطلب وجوهًا اصطناعية.

تحتاج الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى الوجوه لسببَين. السبب الأول أننا، نحن البشر، نركز اهتمامنا بشكل غريزي على رأس الروبوت وعينيه (حتى عندما تكون العينان لا تعمل)، وقد نجد الوجه الخالي تمامًا من الملامح أو عدم وجود رأس على الإطلاق أمرًا مقلقًا. والسبب الثاني أنَّ وجود الرأس والوجه قد يكون طريقة بسيطة لكنها قوية بشكل مدهش وطبيعية لتقديم الملاحظات للإنسان الذي يتفاعل مع الروبوت. إذا خاطبت روبوتًا بالكلمات ووجَّه عينيه نحوك، على سبيل المثال (حتى لو كانت عينين كارتونيتين بسيطتين مثل عينَي بيرت)، حينها تحصل على تأكيد فوري أن الروبوت قد سمعك ويشرع في خدمتك.

يوفر الاهتمام المتبادل من خلال نظرات العين مثالًا جيدًا آخر: إذا كنت تعمل أنت والروبوت على مهمة مشتركة، فسوف تنظر تلقائيًّا (ودون وعي) إلى أي جسم في مساحة العمل المشتركة. وإذا كان الروبوت يتتبع نظراتك، فيمكنه عندئذٍ تركيز مستشعراته على الجسم ذاته، حينها تكوِّن أنت والروبوت اهتمامًا مشتركًا؛ ويمكنك التأكد من ذلك عند رؤية توجُّه عينَي الروبوت إلى الجسم ذاته.

(٢) نحو تطوير روبوتات رفيقة: الروبوتات التي يمكننا التواصل معها

نتمتع، نحن البشر، بنزعة عميقة الجذور لإضفاء الصفات البشرية للأشياء غير البشرية. فنحن نجد سهولة كبيرة في إضفاء الخصائص البشرية على الحيوانات ووصف أي شيء يتحرك بكلمات متأصلة في المشاعر البشرية، بل إننا لا نستطيع التوقف عن فعل ذلك. وحتى إذا كان الروبوت لا يشبه البشر على الإطلاق — مثل إي-باك الذي ورد ذكره في الفصل الأول — فسيُوصف، على سبيل المثال، بأنه «ضعيف» إذا كان يتحرك بشكل غريب مقارنةً بزملائه في الفريق، أو بأنه «عدواني» إذا كان الروبوت يقترب باستمرار من الآخرين بحركات سريعة مفاجئة. وبصفتي عالم روبوتات، فقد تعلمت أن أُولِيَ انتباهي عندما يستخدم الحضور لغةً كهذه؛ لأنها تشير دائمًا إلى وجود خطب ما في تلك الروبوتات: عطل ميكانيكي في المحرك أو علبة التروس، على سبيل المثال، يجعل الروبوت يعرج.

إن هذا الميل إلى إضفاء الصفات البشرية يعني أن علماء الروبوتات لا يحتاجون في الواقع إلى العمل جاهدين لتصميم روبوتات تتصرف «كما لو» كان لديها مشاعر. فليس من الضروري أن تكون الروبوتات بشرية بدقة عالية لتحقيق هذه الغاية. وقد وُجد أن وجوه الروبوتات البسيطة التي تشبه البشر وتتميز بخصائص شبيهة بالرسومات المتحركة مناسبة تمامًا للسماح بإجراء حوار عاطفي بين الإنسان والروبوت. هذا الحوار أحادي الجانب تمامًا بالطبع: فالشريك البشري هو من يقوم بكل العمل العاطفي. على سبيل المثال، الروبوت «كيسمِت»، الذي طوَّرته سينثيا بريزيل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لديه عينان كبيرتان مزوَّدتان بمحركات، إضافةً إلى حاجبَين وفم (متحركين) وذوي تصميم بسيط (انظر الشكل ٤-٢).

كيسمِت رأس روبوتي شبيه البشر، وهو يحظى باهتمام خاص؛ لأنه يُبيِّن مدى فعالية التفاعل الاجتماعي بين الروبوت والإنسان وتأثيره، وذلك على الرغم من أنه آلي الشكل، ويمكن رؤية جميع مكوناته المعدنية ومحركاته بوضوح.

عينا كيسمِت عبارة عن كاميرات قادرة على الحركة، ويتحرك كذلك كلٌّ من الرقبة والفكَّين والأذنين والحاجبين والجَفنين. كاميرات كيسمِت مثيرة للاهتمام لأنه مجهَّز بأربع كاميرات: كاميرتان واسعتا المجال يستخدمهما الروبوت ليُقرِّر ما يجب الانتباه إليه في مجال رؤيته، وكاميرتان ضيِّقتا المجال ﻟ «الرؤية النقيرية»، مثبَّتتان في مقلتَي عينَي الروبوت لتركيز هذا الانتباه. ويحتوي الروبوت أيضًا على ميكروفون، يتحكم في نظام التعرف على الكلام، ونظام تركيب الكلام الذي يتحكم في مكبر الصوت، ليتمكن كيسمِت من التعرف على الكلام والرد عليه. وعلى الرغم من بساطة تصميم كيسمِت، فهو يحتوي على جميع مكونات إشراك البشر في التواصل الطبيعي والتعبيري وجهًا لوجه.

fig12
شكل ٤-٢: كيسمِت، رأس روبوت معبر مخصص لإجراء الأبحاث في مجال التفاعل الاجتماعي بين الإنسان والروبوت

إن كيسمت مزوَّد ببرنامج ذكاء اصطناعي متطور يستجيب لإشارات الوجه والتعبيرات اللفظية الخاصة بالبشر، ويمد الروبوت بمجموعة من «المشاعر» الاصطناعية، منها الغضب والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والاندهاش، وهي مصمَّمة على غرار التفاعلات الاجتماعية بين الرضيع والشخص القائم برعايته. ونتيجةً لذلك، يستجيب كيسمِت للتفاعلات الاجتماعية مع الإنسان بطريقة تجعله محبوبًا دائمًا من البشر الذين يتفاعل مهم، وأي شخص يشاهده.

إذا نجحنا في إضفاء المشاعر على الروبوتات الشبيهة بالبشر البسيطة نسبيًّا، فتخيل مدى قوة الانطباع الذي سيخلفه الروبوت إذا صُمم بعناية لمحاكاة تعابير الوجه البشري بدرجة عالية من الواقعية. يصمم ديفيد هانسون رءوس روبوتات بشرية تسمح لعلماء الروبوتات بتجربة المشاعر الاصطناعية، أو لكي نكون أكثر دقة، تسمح لهم بمحاكاة مظهر الوجه الخارجي للحالات العاطفية.

ومن تصميم شركة هانسون روبوتكس وصناعتها، نتج الروبوت جولز، وهو نموذج لرأس روبوت بشري صُمم لمحاكاة تعابير الوجه البشري بأعلى دقة ممكنة باستخدام التقنيات الحالية (انظر الشكل ٤-٣). يتميز الروبوت جولز بابتكارَين أساسيين. الابتكار الأول هو «الجلد المطاط»، وهو بوليمر إسفنجي مرن حاصل على براءة اختراع يوفر محاكاة مُقنِعة للطريقة التي يتحرك بها الجلد البشري والعضلات الموجودة تحته. والابتكار الثاني هو تصميم اثنين وثلاثين محركًا مؤازرًا، والربط بينها باستخدام أسلاك تدفع الجلد المطاطي الفاتح اللون من الخلف، وتسحبه أيضًا.

عند تشغيل هذه المحركات بالتسلسل والتوقيت الصحيحين، فإنها توفر محاكاة واقعية لحوالَي خمسين مجموعة عضلية في وجه الإنسان؛ مما يسمح لجولز بأداء مجموعة كبيرة من تعابير الوجه، من العبوس إلى الابتسام، ومن الحيرة إلى الاستياء. ويهدف جولز إلى إتاحة إمكانية إجراء محادثة وجهًا لوجه بين الروبوت والإنسان، وقد صُممت شفتا جولز وفمه بحيث تتحرك بالتزامن مع الكلام المُركَّب عن طريق الكمبيوتر، وهي توفر بالفعل محاكاةً جيدة لطريقة تحرُّك شفتَي الإنسان خلال الحديث.

fig13
شكل ٤-٣: جولز، رأس روبوت بشري معبر عالي الدقة

لدى جولز أيضًا محركات تمكِّنه من أداء مهارات الرأس الحركية الكبيرة، سواء لخفض الرأس أو إمالته، أو حتى توفير حركات عشوائية صغيرة (لأن رأس الروبوت الساكن تمامًا سيبدو غير طبيعي). والأهم من ذلك هو عينا جولز، اللتان لا تبدوان بشريتَين فحسب، بل تتحركان أيضًا بطريقة نابضة بالحياة؛ علاوةً على ذلك تحتوي العينان على كاميرات، فيمكن لجولز، باستخدام البرنامج المناسب للتعرف على الوجوه وتتبعها والمتصل بمحركات العينين، أن ينظر إلى الوجه البشري ويتتبعه. ولإكمال الانطباع البشري، تتحرك جفون الروبوت ليرمش جولز بشكل دوري لا إرادي.

ومن الجوانب المثيرة للاهتمام، وربما الفريدة في رءوس الروبوتات البشرية من هانسون، إمكانية تصميم وجه الروبوت على غرار شخص حقيقي، وأحد الأمثلة الشهيرة بالفعل هو نموذج روبوت شركة هانسون المصمَّم على شكل مؤلِّف الخيال العلمي فيليب كيه ديك. ومن خلال برامج المحادثة المخصَّصة القائمة على تقنية روبوتات الدردشة (التي سأناقشها في الفصل السادس)، يمكن للمرء (بشكل غريب) إجراء محادثة مع روبوت لا يبدو كشخص حقيقي فحسب، بل يبدو أنه يمتلك ذكريات أو سمات شخصية لهذا الشخص. بالرغم من ذلك، لم يُصمَّم جولز على غرار شخص حقيقي، ولكنه صُمم بسمات مشتركة بين الجنسين محدَّدة إحصائيًّا.

من الجلي أن تصميم روبوتات تتصرف «كما لو» كان لديها مشاعر، يطرح أسئلة أخلاقية؛ لأنه سواء أكان الروبوت يشبه البشر لكن بشكل كرتوني مثل كيسمِت أو يتميز بشكل بشري عالي الدقة مثل جولز، فإنَّ الحالات العاطفية تنبع بالكامل من عينَي الناظر البشري. ولا يمكن القول حقًّا إن أيًّا من هذه الروبوتات، ولا أي روبوت لم يُصمَّم بعد، لديه مشاعر. إنها في أفضل الأحوال روبوتات ممثلة، مصمَّمة لخداع الآخرين، وربما صدمتهم إذا هبطت إلى «الوادي الغريب» (انظر المربع ٢).

ماذا لو لم تكن الروبوتات مصمَّمة للمراهقين أو البالغين الذين يدركون تمامًا اصطناعية الروبوت وعواطفه، لكن للأطفال أو المستخدمين الساذجين أو الضعفاء الذين سيجدون صعوبة في فهم أنه روبوت يتظاهر بالسعادة أو الحزن أو السرور برؤيتهم؟ أعتقد أن هذا مصدر قلق حقيقي وأمر يتطلب مبادئ توجيهية أخلاقية، وهذا ما سأناقشه لاحقًا في هذا الفصل.

fig14
شكل ٤-٤: الوادي الغريب

المربع ٢: الوادي الغريب

يواجه مصمِّمو الروبوتات الشبيهة بالبشر مشكلةً رائعة فريدة من نوعها، تُعرف باسم «الوادي الغريب». كان مَن اقترح هذا المصطلح هو عالم الروبوتات ماساهيرو موري في عام ١٩٧٠، وهو يعرض فيه تصورًا لما يمكن أن تكون عليه استجابة البشر عندما تصبح الروبوتات أكثر شبهًا بالإنسان. يتضمن الرسم البياني الذي قدَّمه موري، والموضَّح هنا في الشكل ٤-٤، محورًا أفقيًّا يمتد من يشبه البشر بنسبة صفر بالمائة على اليسار إلى من يشبه البشر بنسبة ١٠٠ بالمائة على اليمين.

حاجَج موري بأنَّ رد فِعلنا تجاه الروبوتات سيصبح أكثر إيجابيةً كلما زادت درجة الشبه بين الروبوت والإنسان، إلى أن يصبح الروبوت الذي يشبه البشر قريبًا جدًّا في المظهر والسلوك من البشر الحقيقيين، وحينها سيكون رد فعلنا سلبيًّا للغاية، تجاه الروبوتات القريبة الشبه بالإنسان. هذا هو رد الفعل الذي أطلق عليه موري اسم الوادي الغريب. واقترح موري أيضًا أن رد الفعل العكسي هذا سيكون أكثر حدةً في حالة الروبوتات المتحركة مقارنةً بالروبوتات الثابتة. إنها فكرة تشير إلى حساسيتنا غير العادية للمظهر أو السلوك، بعضنا تجاه بعض، إذا كان يختلف عن المعتاد، وإن كان هذا الاختلاف طفيفًا للغاية لا يسهل ملاحظته.

هل نظرية الوادي الغريب حقيقية، وإذا كان الأمر كذلك، فهل تمثل مشكلة خطيرة في تطوير الروبوتات التي تشبه البشر واستخدامها؟ يبدو أن تجربتي الخاصة بردِّ فعل زوار المختبر على أحد رءوس روبوتات ديفيد هانسون البشرية — خاصةً الخوف لدى الأطفال الصغار — تؤكد فرضية الوادي الغريب بالطبع (على الرغم من حقيقة أن صدمة الأطفال ربما ترجع بدرجة ما إلى رءوس الروبوتات العديمة الأجساد الموضوعة على سطح الطاولة). وقد أجرى عالم الروبوتات هيروشي إيشيجورو دراسات تضمَّنت تسجيل رد فعل البشر تجاه صور مصمَّمة على الكمبيوتر لرءوس «تتحول» من الشكل الشبيه بالبشر إلى إنسان، ويبدو أن هذه الدراسات تؤكد فرضية موري.

وهنا يظهر السؤال الآتي: ما عواقب الوادي الغريب؟ في ظاهر الأمر، قد تشير تلك النظرية إلى أنه لا جدوى من بناء روبوتات بشرية واقعية إلى أن يحين وقتٌ ما في المستقبل نتمكن فيه من جعلها واقعية للغاية في كلٍّ من السلوك والشكل كي نصعد من الوادي الغريب. بالرغم من ذلك، فقد يظل للروبوتات التي تبقى في الوادي الغريب دور في بعض التطبيقات، منها مثلًا الروبوتات الشبيهة بالبشر التي يُطلب منها سوى أن تكون تماثيل عرض متحركة — مثل موظفي الاستقبال الآليين في شركات التقنيات الفائقة — أو استخدام الروبوتات في الأدوار التي قد تستفيد من الغرابة، مثل الفنون أو المسرح. فهل تستبعد نظرية الوادي الغريب الروبوتات البشرية من القيام بالأدوار التي يُطلب منها التفاعل مع الأطفال أو كبار السن أو الأشخاص الضعفاء؟ ربما. وقد يكون من الأفضل أن يخدم هذه المجموعات روبوتات الكرتون أو الروبوتات الشبيهة بالبشر وليس الروبوتات البشرية. لكن ذلك مما يصعب التكهن به. فنحن لا نعرف حتى الآن ما يكفي عن سيكولوجية التفاعل بين الإنسان والروبوت.

(٢-١) الروبوتات الأليفة: الروبوتات الحيوانية الشكل

تُعرَف الروبوتات التي صُمم شكلها وهيكلها على الحيوانات بأنها حيوانية الشكل، وتنطبق العديد من أسباب بناء الروبوتات التي تشبه البشر أو استخدامها على الروبوتات الحيوانية الشكل. فالروبوتات الأليفة، على سبيل المثال، مصمَّمة لتكون ألعابًا للبشر أو رفقاء لهم. ربما يكون المثال الأكثر شهرةً هو روبوت الكلب أيبو من سوني، وثَمة روبوت أليف آخر أقل تطورًا — لكن يمكن عناقه أيضًا — هو الروبوت بارو من شركة يابانية أخرى، وهي شركة إنتيليجنت سيستمز (انظر الشكل ٤-٥).
fig15
شكل ٤-٥: بارو، روبوت جرو الفقمة

بارو روبوت حيواني الشكل متقدم مصمَّم على غرار جرو الفقمة العديمة الأذن. وقد صُمم الروبوت خصوصًا لتوفير الراحة وكمساعد علاجي في المستشفيات أو دور رعاية المسنين، ويحتوي على خمسة أنواع من أجهزة الاستشعار، للمس والضوء والصوت ودرجة الحرارة والتوجيه. ويستطيع الروبوت تحريك الرأس، والجفنين، والساقين الأماميتين، والذيل. ويحتوي الروبوت على برنامج ذكاء اصطناعي يمكن بارو من الاستجابة للمس أو التمسيد عن طريق تحريك جسمه وإطلاق «صيحات» مشابهة لما تطلقه جراء الفقمة، وتتميز استجابات الروبوت بدرجة من العشوائية تُضفي عليها حيوية مقنعة ومريحة.

والجدير بالذكر أن بارو قادر على التعلم: فعند تمسيده، من المرجَّح أن يكرر السلوك الذي صدر عنه قبل التمسيد. وإذا ضُرب، فمن غير المرجَّح أن يكرر السلوك السابق على الضرب، مما يزود الروبوت بسلوكيات تكييف بسيطة تتماشى مع نظريات عالم النفس سكينر. ويمكن للروبوت أيضًا أن يتعرف على اسمه عند نطقه، وهو مبرمَج ليتجه نحو الصوت، ولديه مجموعة من الاستجابات العاطفية الاصطناعية، مثل الاندهاش والسعادة والغضب. كان بارو موضوع عدد من التجارب الموثقة، ويبدو بالفعل أنه أثبت فعاليته كحيوان أليف بديل. وأنا أعتقد من وجهة نظري أنَّ بارو يمثل إنجازًا مهمًّا في التطور المبكر للروبوتات الرفيقة.

(٢-٢) روبوتات الجنس

السوق الواضحة للروبوتات التي تشبه البشر، والتي من المحتمل أن نراها في المستقبل القريب، هي الألعاب الجنسية. وتُعرف تجارة الجنس بأنها من أوائل المجالات التي تتبنى التقنيات الجديدة؛ وما على المرء إلا التفكير في شرائط الفيديو والإنترنت. ليس من المفاجئ إذَن معرفة أن رواد الأعمال في تجارة الجنس يقومون بالفعل بتزويد الدُّمى الجنسية بأجهزة استشعار ومشغلات وبرامج ذكاء اصطناعي بسيطة. صحيح أنَّ الروبوت جيجولو جو، الذي أدَّى دورَه الممثلُ جود لو في فيلم «الذكاء الاصطناعي» (إيه آي أرتيفيشال إنتيليجنس) لا يزال خيالًا بعيد المنال، لكن يبدو من المحتمل — على نحو محبط — أن يكون أول سوق كبيرة للروبوتات التي تشبه البشر هي الألعاب الجنسية أو رفقاء لممارسة الجنس.

بالرغم من أن هذا قد يبدو غير ضار للبالغين، فثَمة نوعان من الأخطار كما أعتقد؛ أحدهما قصير المدى والآخر طويل المدى. الخطر القريب المدى هو السلامة؛ فممارسة الجنس مع روبوت قد لا تكون أمرًا آمنًا بكل صراحة. فما دام الروبوت يمتلك محركات وأجزاءً متحركة، يصبح ضمان سلامة التفاعل بين الإنسان والروبوت مشكلة صعبة، وإذا كان هذا التفاعل حميميًّا، فقد تكون عواقب حدوث عطل ميكانيكي أو عطل في أنظمة التحكم أمرًا خطيرًا.

وعلى المدى الطويل، تكون الأخطار من نوع مختلف. إذا لم يكن الروبوت الجنسي أكثر ذكاءً من الغسالة، فلن يشكل خطرًا معنويًّا حقيقيًّا، لكن تخيل ما قد يحدث إذا كان روبوت الجنس أو روبوت الرفيق يتمتع بمستوًى مرتفع جدًّا من ذكاء الآلة. الحق أنَّ إمكانية حدوث علاقات حميمة بين الإنسان والروبوت تثير مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والنفسية والأخلاقية الصعبة. وقد كتب البعض عن احتمالية وقوع البشر في حب الروبوتات الشبيهة بالبشر والحفاظ على علاقات طويلة الأمد، يمكن أن تصل إلى الزواج.

رغم أن موضوع حب الروبوتات والزواج منها ليس محل بحث في هذا الكتاب، فإنه يفتح المجال لطرح السؤال الأكثر إثارةً للاهتمام بشأن مدى أصالة الاستجابات العاطفية للروبوت. فقد يُحاجِج كثيرون بأن الروبوت الذي لا يتصرف إلا «كما لو» كان لديه مشاعر لا يمكن أن يكون رفيقًا حقيقيًّا على المستوى العاطفي. غير أنني أختلف مع هذا الرأي، وأعتقد أنه إذا كان بإمكانك الوثوق في روبوت، فإنَّ حجة «كما لو» تختفي إذا كان الروبوت متطورًا بدرجة كافية.

(٣) كرونوس: دراسة حالة لروبوتات المستقبل التي تشبه البشر

ربما يكون كرونوس واحدًا من أغرب الروبوتات التي تشبه البشر المصمَّمة حتى الآن (انظر الشكل ٤-٦). فبمظهره الذي يشبه الهيكل العظمي وعينه الواحدة، يمكن القول إنَّ تصميمه أليَقُ بفيلم رعب، لكن مظهر الروبوت إنما يعبر عن الأفكار الجذرية التي تقف وراءه، وهي أفكار قد يكون لها عواقب بعيدة المدى على الطريقة التي نصمم بها الروبوتات التي تشبه البشر، وعلى الذكاء الاصطناعي الخاص بها.

يتكون جسم كرونوس من مجموعة من العناصر الهيكلية اليدوية الصنع والمنحوتة يدويًّا حرفيًّا من بلاستيك مُلين حراريًّا تحت درجة حرارة منخفضة. ورغم أن العناصر البنيوية ﻟ «الهيكل العظمي» لا تهدف إلى أن تكون دقيقة من الناحية التشريحية، فقد نُسخ العديد منها من كتاب «تشريح جراي»، وتبدو شديدة الشبه بالعظام الحقيقية، ولا غرو في هذا إذا كان الهدف العام هو إنتاج روبوت يشبه البشر حقًّا. يختلف كرونوس عن التصميم التقليدي للروبوتات في أنَّ وضع سكون المفاصل بين «العظام» الفردية لا يُضبط بصرامة من خلال موضع محرك كهربائي، بل من خلال سلسلة من النوابض والأوتار المتوازنة بعناية، والعديد منها مصنوع من حبال القفز المطاطية. معنى هذا أن جسد كرونوس يتسم بقدر عالٍ من المطاوعة والمرونة: فعند دفع أحد ذراعيه، لن يرضخ الذراع لدفعك فحسب، بل سينثني الجسم كله استجابةً لذلك.

fig16
شكل ٤-٦: كرونوس، روبوت يشبه البشر ويحاكي حركاتهم الجسدية

لا شك أنَّ كرونوس يحتوي على محركات، لكن هذه المحركات، الموضوعة بما يتطابق مع عضلات جسم الإنسان، تعمل عن طريق سحب الحبال المرنة المتصلة بالهيكل العظمي، فتؤدي حركة محرك واحد إلى تحرك الروبوت بأكمله بطريقة معقدة. وفي نهاية الحركة، عادةً ما «يهتز» الروبوت قبل الاستقرار في وضعه الجديد. ويتناقض هذا بشكل ملحوظ مع مناهج تصميم الروبوتات الصارمة التقليدية (التي تشترك فيها الأذرع الروبوتية الصناعية والروبوتات التي تشبه البشر مثل بيرت)، حيث تُبذل جهود كبيرة لضمان أن حركة محرك المفصل الواحد لا تؤثر إلا على موضع هذا المفصل المحدد؛ وتتمثل ميزة المنهج «الثابت» التقليدي في سهولة التحكم في الروبوتات (نسبيًّا). فبسبب مستوى المطاوعة المرتفع الذي يتسم به كرونوس، يُعَد التحكم فيه صعبًا للغاية، لكن تلك هي الفكرة الأساسية في الواقع.

لقد ابتُكر كرونوس ضمن مشروع لاستكشاف السؤال (الصعب) المتعلق بوعي الآلات. واستنتج عالم الروبوتات أوين هولاند وزملاؤه أن الجسم المعقَّد الذي يصعب التحكم فيه يتطلب نهجًا جديدًا لكيفية تحكم الروبوت في جسده. فالروبوتات الثابتة التقليدية مثل بيرت، لها حركات جسدية محددة بشكل أو بآخر من خلال مجموعات من المعادلات التي تُبرمَج في صورة خوارزميات تحكم. غير أنَّ تطبيق هذا النهج مستحيل في حالة روبوت مثل كرونوس، فعلى النقيض من ذلك، يتضمن الروبوت بداخله محاكاةً ذاتية بالكمبيوتر. ويستخدم كرونوس نموذجه الداخلي بالطريقة الآتية: عند مواجهة مهمة، يبدأ كرونوس بإعداد نموذج افتراضي لنفسه وبيئته ليطابق الوضع المادي كما هو عليه في بداية المهمة (على سبيل المثال، جسم على طاولة يجب إسقاطه)، ثم يجرب على ذاته الافتراضية برامج حركية مختلفة حتى يجد برنامجًا يحقق المهمة (أي إسقاط الجسد بنجاح). يبدو الأمر كما لو أن الروبوت لديه خيال ويستطيع التدرب على تحركاته وتفاعلاته قبل تجربتها على أرض الواقع.

من الناحية المثالية، يجب أن يكون كرونوس قادرًا على تعلم تصميم جسده وحركاته — لبناء النموذج الداخلي الخاص به فعليًّا — ثم تكييف هذا النموذج الداخلي وتحديثه باستمرار على مدار عمل الروبوت ومع تآكل مفاصله وأوتاره، على سبيل المثال. ولتحقيق ذلك، سيحتاج كرونوس إلى التصرف على النحو الآتي: خلال مرحلة التطور، سيحاول الروبوت القيام بحركات مختلفة، لتدريب عضلاته ومفاصله فعليًّا. وستُقاس التأثيرات الفعلية لتلك الحركات على جسم كرونوس وتُرسَل مرةً أخرى إلى نظام محاكاة الروبوت — أي نموذجه الداخلي — ليتحسن النموذج بمرور الوقت. وبهذا، سيتعلم كرونوس كيفية التحكم في جسده في عملية يمكن تشبيهها بتطور الحركات الجسدية لدى الرُّضع. وتُدرَس الآن هذه الفكرة في إكيرو-بوت، خليفة كرونوس الأكثر تعقيدًا.

في الفصل الثاني، قدَّمتُ فكرة روبوتات المحاكاة الحيوية، وجميع الروبوتات التي تشبه البشر هي بالطبع نموذج للمحاكاة الحيوية؛ بمعنى أنها تحاكي الشكل العام للبشر وهيئتهم. غير أنَّ كرونوس يتجاوز هذا الأمر حيث إنه يشبه البشر ويحاكي هيئتهم من الداخل وكذلك من الخارج. وهذا يعني، كما يرى هولاند وزملاؤه، أن طريقة التحكم في كرونوس يجب أن تكون محاكاةً أفضل للطريقة التي نتحكم بها نحن البشر في أنفسنا وتفاعلاتنا الجسدية مع العالم. وهم يأملون أنه بسبب تصميم كرونوس، سيَتَّسم هو وخلفاؤه ببعض الخصائص الإدراكية التي تشبه تلك الخاصة بالبشر.

تكمن أهمية كرونوس الخاصة في أنه يمهد الطريق إلى جيل مستقبلي من الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تتميز بالخفة والمرونة والمطاوعة. وستكون هذه الصفات ضرورية للروبوتات التي تتفاعل من كثَبٍ مع البشر؛ لأنها تقلل من احتمالية أن يتسبب الروبوت في ضرر جسدي للإنسان. ذلك أنه إذا اصطدم ذراع الروبوت الطيِّع من غير قصد بجزء من جسمك، فإن مطاوعته الطبيعية ستمتص معظم طاقة الاصطدام — «الصادرة» من ذراع الروبوت وجسمك — ولن تتأذى.

لا بد بالطبع من تصميم مستشعرات الروبوت وذكائه الاصطناعي لتقليل احتمالية حدوث اصطدام عرضي، بالرغم من ذلك لا يزال ضمان التشغيل الآمن للتحكم الذكي في البيئات غير المتوقعة أمرًا مستحيلًا؛ وبهذا تكون المطاوعة الطبيعية للروبوت هي الملاذ الأخير في حالة تعطل ميزات الأمان الأخرى. وستحتاج الروبوتات المستقبلية التي تشبه البشر إلى أن تكون خفيفة ومطاوعة؛ لأنها لن تكون آمنة إلا بهذه الطريقة.

(٤) سلامة التفاعل بين الإنسان والروبوت ومصداقيته

تشترك جميع التطبيقات المحتملة للروبوتات التي تشبه البشر، والتي قسمتها بشكل عام إلى الروبوتات المساعدة في أماكن العمل أو الروبوتات الرفيقة (بما في ذلك روبوتات المحادثات والروبوتات العلاجية، والروبوتات الحيوانية الشكل)، في شيء واحد، وهو: التفاعل الوثيق بين الإنسان والروبوت. وتتَّسم طبيعة هذا التفاعل بالتقارب الوثيق والتواصل عبر الوسائل البشرية الطبيعية، مثل الكلام والإيماءات ولغة الجسد.

قد يحتاج الإنسان والروبوت إلى الاتصال الجسدي وقد لا يحتاجان إلى ذلك، لكن حتى عندما لا يكون الاتصال المباشر مطلوبًا، فينبغي أن يوجد كلٌّ منهما في النطاق الذي يشغله الآخر. ويترتب على ذلك أن سلامة الروبوت واعتماديته وموثوقيته تمثل قضايا رئيسية لمصمم الروبوت. غير أننا نحن البشر غير قابلين للتنبؤ، فكيف يمكننا أن نُصمِّم ونصنع روبوتات بشرية آمنة في جميع الظروف؟

على غرار أي آلة تُكلَّف أو يوكل إليها بوظيفة معيَّنة، لا بد أن تُصمَّم الروبوتات لتكون آمنة ويمكن الاعتماد عليها. هذا هو مستوى الاعتمادية ذاته الذي نتوقعه من سيارة أو غسالة؛ أي أن تكون مصمَّمة جيدًا ومصنوعة لتلبية معايير التصنيع وسلامة المنتج أو تجاوزها.

غير أنَّ جعل الروبوتات آمنة يختلف عن جعلها جديرة بالثقة. يثق الإنسان في إنسان آخر إذا كان، بشكل عام، يُعتمد عليه ويفعل ما يقوله. لذا، إذا كنت سأُوفِّر روبوتًا يساعد في رعاية جدتك وأدَّعي أنه آمن تمامًا — وأنه مصمَّم لتغطية كل المخاطر أو الأخطار — فهل تثق به؟ سيكون الجواب بلا على الأرجح.

لا بد من كسب الثقة في الروبوتات، مثلما هو الحال تمامًا مع البشر. ففي بادئ الأمر، سترغب في رؤية الروبوت وهو يعمل (وستُفضِّل ألا يكون هذا مع جدتك). وربما ترغب في التفاعل معه بنفسك؛ ومن خلال القيام بذلك، تبني نموذجًا عقليًّا لتصرفات الروبوت وردود فعله؛ وبمرور الوقت، إذا كانت هذه الأفعال وردود الأفعال متسقة مع الظروف ومتوقَّعة بالنسبة لها، فإنك ستنشئ مستوًى من الثقة بالروبوت. ما يهمُّ هنا هو أن الموثوقية لا يمكن تصميمها في الروبوت فحسب، بل يجب اكتسابها بالاستخدام والتجربة.

تخيل روبوتًا مصمَّمًا لجلب المشروبات لشخص مُسِن. وتخيل أن الشخص يطلب كوبًا من الماء. يحتاج الروبوت حينها إلى إحضار المشروب، الأمر الذي قد يتطلب من الروبوت البحث عن كوب وملْأَه بالماء. تتطلب هذه المهام الاستشعار والبراعة والتحكم في الحركات الجسدية، لكنها مشكلات يمكن حلها بالتقنيات الحالية.

تظهر أزمة الثقة عندما يجلب الروبوت كوب الماء للإنسان. فكيف سيعطي الروبوت الكوب للإنسان؟ إذا كان للروبوت ذراع تُمكِّنه من الإمساك بالكوب مثلما يفعل الإنسان، فكيف يعرف الروبوت متى يتركه؟ من الواضح أن الروبوت يحتاج إلى أجهزة استشعار لكي يرى عندما يمسك الإنسان بالكوب ويشعر بذلك.

إن العملية الفيزيائية التي يقوم بها الروبوت الذي يسلم شيئًا ما لشخص ما محفوفة بالصعوبات. تخيل، على سبيل المثال، أن الروبوت يمد ذراعه بالكوب لكن الإنسان لا يستطيع الوصول إليه. كيف يُقرِّر الروبوت الاتجاه والمدى الآمنَين لتقريب ذراعه نحو الشخص؟ ماذا لو أمسك الإنسان بالكوب ثم انزلق الكوب؛ هل يتركه الروبوت يسقط أم يجب — كما يفعل الإنسان — أن يمسك به مرةً أخرى؟

في أي مرحلة سيُقرِّر الروبوت أن العملية قد فشلت: عندما لا يتمكن من إعطاء كوب الماء للشخص، أو عندما لا يأخذ الشخص الكوب؛ ربما كان الشخص نائمًا، أو نسي أنه كان يريد كوبًا من الماء، أو اختلط عليه الأمر. كيف يشعر الروبوت أنه يجب أن يستسلم وربما يطلب المساعدة؟ هذه كلها مشكلات صعبة فيما يتعلق بإدراك الروبوت. وحتى نتمكن من الوصول إلى حل، لا يبدو أننا سنثق في أي روبوت بما يكفي للقيام بفعل يبدو بسيطًا مثل مناولة كوب من الماء. فكيف يمكننا أن نبدأ التفكير في تصميم روبوت يمكن الوثوق به في هذا النوع من المهام؟

من وجهة نظر تقنية، يحتاج الروبوت إلى نظامَين من أنظمة التحكم: أحدهما نظام الإدراك الذي ينفذ المهمة فعليًّا. والآخر هو نظام السلامة، وهو نظام موازٍ يتحقق باستمرار من الأعطال أو الأخطار غير المتوقَّعة. وتتمثل المهمة الأساسية لنظام حماية السلامة في إيقاف الروبوت بطريقة آمنة (مع ملاحظة أن هناك بعض المواقف التي سيكون توقف الروبوت فيها أمرًا غير آمن). ولهذا يجب علينا أولًا أن نحل مشكلات الإدراك والسلامة. وبعد ذلك، يجب أن يُثبِت الروبوت أنه يمكن الاعتماد عليه في الاستخدام. وحينها فقط ربما يكسب ثقتنا.

(٥) أخلاقيات الروبوتات

في قصته القصيرة المشهورة التي نُشرت عام ١٩٤٢ بعنوان «المراوغة»، قدَّم إسحاق أزيموف قوانينه الثلاثة الخاصة بالروبوتات؛ ومن ثَم طرح فكرة أن الروبوتات يمكنها أن تتصرف بشكل أخلاقي أو ينبغي عليها ذلك. (على هامش هذا الأمر، كان أزيموف أيضًا أول من ابتكر مصطلح «روبوتكس»؛ أي علم الروبوتات في اللغة الإنجليزية.) لا شك أنَّ قوانين الروبوتات التي وضعها أزيموف كانت أمرًا خياليًّا. فهو لم يتوقع جديًّا قَط أن يفكر علماء الروبوتات في المستقبل في تصميم روبوتات حقيقية؛ فقد كان يدرك جيدًا مدى صعوبة ذلك الأمر.

بالرغم من ذلك، أصبحت فكرته بأن الروبوتات يجب أن تكون «آمنة فيما يتعلق بالقوانين الثلاثة» جزءًا من نقاشات علم الروبوتات. فمن الصعب مناقشة أخلاقيات الروبوتات دون الاعتراف بمساهمة أزيموف، وهو يستحق ذلك بالطبع. دعونا نُذكِّر أنفسنا بقوانينه الثلاثة الخاصة بالروبوتات؛ أولًا: لا يجوز لروبوت إيذاءُ بشري أو السماح بحدوث ما قد يؤذيه، من خلال عدم اتخاذ أي إجراء؛ ثانيًا: يجب على الروبوت إطاعة أوامر البشر، إلا إذا تعارضت مع القانون الأول؛ وثالثًا: يجب على الروبوت المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول أو الثاني. أضاف أزيموف لاحقًا قانونًا رابعًا، وهو: لا ينبغي لأي روبوت أن يؤذي البشرية، أو أن يسمح للبشرية بإيذاء نفسها من خلال عدم اتخاذ أي إجراء، وقد أصبح هذا القانون يُعرف باسم القانون صفر؛ لأنه يسبق القوانين الثلاثة الأولى منطقيًّا.

المشكلة الأساسية في قوانين الروبوتات لأزيموف، أو ما يشبهها، هي أنها تتطلب من الروبوت إصدار الأحكام. بمعنًى آخر، أنها تفترض أن الروبوت قادر على تطبيق مستوًى معيَّن من المسئولية الأخلاقية. ولمعرفة سبب ذلك، تأمَّلْ معي القانون الأول: لا يجوز لروبوتٍ إيذاء … أو السماح بحدوث ما قد يؤذيه، من خلال عدم اتخاذ أي إجراء. يشير مصطلح «من خلال عدم اتخاذ أي إجراء» إلى أن الروبوت قادر على تحديد ما إذا كان الإنسان في خطر أم لا، وقادر على تحديد ما إذا كان الإجراء ضروريًّا لمنع الضرر المحتمل أم لا، وقادر أيضًا على تحديد الإجراء المطلوب. ويضاعف القانونان الثاني والثالث المشكلة من خلال مطالبة الروبوت بإصدار حكم بشأن ما إذا كانت طاعة الإنسان، أو حماية نفسه، تتعارض مع القانون الأول (والثاني). ولا يوجد روبوت نستطيع تصميمه حاليًّا أو في القريب العاجل يمتلك ما يكفي من «الذكاء» ليكون قادرًا حتى على التعرف على هذه الأنواع من الخيارات، ناهيك عن اتخاذها.

حتى لو كان روبوت المستقبل البعيد ذكيًّا بما يكفي لإصدار أحكام أخلاقية؛ فلكَي يُسمح له بالقيام بذلك، لا بد للمجتمع أن يمنحه الحق في أن يُنظَر إليه على أنه فرد مسئول أخلاقيًّا؛ بعبارة أخرى، منح الروبوت هُوية شخصية (أو شيئًا يشبهها إلى حد كبير). ومع الحقوق تأتي المسئوليات، التي ستشكل مرةً أخرى مشكلة صعبة على المجتمع؛ مما يطرح السؤال الآتي: ما العقوبات التي ستكون مناسبة مثلًا للروبوت الذي يخرق قوانين الروبوتات؟ ولكي تكون الروبوتات «آمنة فيما يتعلق بالقوانين الثلاثة»، لن يتطلب الأمر تقدمًا كبيرًا في الذكاء الاصطناعي للروبوتات فحسب، بل سيتطلب أيضًا تغييرًا كبيرًا في الوضع القانوني للروبوتات، للتحول من منتجات إلى أفراد مسئولين أخلاقيًّا ذوي حقوق ومسئوليات.

يتفق معظم علماء الروبوتات على أن الروبوتات في المستقبل القريب لا يمكن أن تكون مسئولة أخلاقيًّا ومعنويًّا. (على الرغم من أن بعضهم يزعم، جدلًا، أنه يمكن في المستقبل تصميم روبوتات لديها وعي اصطناعي يمكنها من تشفير سلوكيات قواعد الاشتباك العسكرية.) بالرغم من ذلك، يتفق علماء الروبوتات على أن أخلاقيات الروبوتات هي قضية مهمة للمجتمع، وقد بُذلت العديد من الجهود الجادَّة في هذا الاتجاه، من بينها إعداد «خارطة طريق لأخلاقيات الروبوتات» في أوروبا، و«ميثاق لأخلاقيات الروبوتات» في كوريا الجنوبية، ومشروع «المبادئ التوجيهية لضمان أمان أداء الجيل القادم من الروبوتات» في اليابان.

لماذا إذَن تُعَد أخلاقيات الروبوتات مسألةً مهمة، إذا كانت الروبوتات لا يمكن أن تكون أخلاقية؟ هناك سببان. الأول هو أن الروبوتات بدأت تُستخدم في بيئات عمل البشر ومعيشتهم، وكما وصفت في هذا الفصل، سيُطلب من هذه الروبوتات التفاعل من كثَبٍ مع الأشخاص العاديين، بما في ذلك الأطفال، والأشخاص الضعفاء، وكبار السن: وهي تطبيقات تتطلب ضمانات قوية فيما يتعلق بالتصميم والتشغيل والخصوصية.

والسبب الثاني هو أنه ثَمة خطر من وجود فجوة بين ما يعتقد مستخدِمو الروبوتات أن هذه الروبوتات قادرة على فعله وما تقدر عليه بالفعل، والسبب وراء ذلك تحديدًا، كما رأينا، أن الروبوتات «الذكية» الحالية ليست ذكية جدًّا. وبالنظر إلى ميل البشر إلى إضفاء الصفات البشرية للآلات وإنشاء ارتباطات عاطفية معها، فمن الواضح أن ثَمة خطرًا يتمثل في إمكانية استغلال نقاط الضعف هذه إما عن غير قصد أو عن قصد.

وعلى الرغم من أن الروبوتات لا يمكن أن تتحلى بالأخلاق، فينبغي على علماء الروبوتات أن يتحلوا بها. ولذلك أدعو إلى أن يخضع الباحثون في علم الروبوتات والمصمِّمون والمصنِّعون والمورِّدون والقائمون على الصيانة لمدوَّنة قواعد الممارسة، مع المبدأ التأسيسي القائل بأن الروبوتات لديها إمكانية تحقيق فائدة كبيرة جدًّا للمجتمع. فكيف يمكن أن تبدو مدونة قواعد الممارسة هذه؟

تقترح إحدى مجموعات مشاريع المبادئ الأخلاقية للروبوتات، التي صاغها فريق عمل بريطاني، ما يأتي:
  • (١)

    الروبوتات أدواتٌ متعددة الاستخدامات. ولا ينبغي تصميم الروبوتات بصفة حصرية أو أساسية لقتل البشر أو إيذائهم، إلا في مصلحة الأمن القومي.

  • (٢)

    البشر هم المسئولون، وليس الروبوتات. ويجب تصميم الروبوتات وتشغيلها بالقدر المستطاع عمليًّا للامتثال للقوانين النافذة والحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك الخصوصية.

  • (٣)

    الروبوتات منتجات. ويجب تصميمها باستخدام عمليات تضمن سلامتها وأمنها.

  • (٤)

    الروبوتات أدوات من صُنع الإنسان. ولا ينبغي تصميمها بطريقة خادعة لاستغلال المستخدمين الضعفاء، بل يجب أن تتسم طبيعة الآلة الخاصة بهم بالشفافية.

  • (٥)

    يجب الرجوع إلى الشخص الذي يتولى المسئولية القانونية عن الروبوت.

الأهم من ذلك أن مشروع المبادئ الخمسة هذا يقلل من شأن السمات المميزة للروبوتات، ويركز بدلًا من ذلك على أن الروبوتات هي أدوات ومنتجات ومصنوعات يدوية يجب تصميمها وتشغيلها ضمن الأُطر القانونية وأُطر المعايير. المبدأ الرابع فقط هو الذي يتناول صراحةً صفة تنفرد بها (بعض) الروبوتات، وهي إنشاء روابط عاطفية أو اعتمادية بين الإنسان والروبوت، من خلال اقتراح عدم استغلال المصممين أو المصنعين لهذه العلاقات الاعتمادية، وضرورة أن يكون من الممكن دائمًا سحب الستارة جانبًا وكشف الروبوت تحتها، مثلما فعل توتو في فيلم «ساحر أوز» (ذا ويزارد أوف أوز).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤