تمهيد

في السنة التي أتممتُ فيها الثانية عشرة من عمري، تعلَّمتُ الكذب.

ولست أقصد الأكاذيب المُختلَقة التي يكذبها الأطفال. وإنما هي أكاذيب حقيقية دفعَتني إليها مخاوف حقيقية؛ أشياء قُلتها وفعلتُها أخرجتني من الحياة التي اعتدتُها ورمَتني بعُنفٍ في حياة جديدة.

كان ذلك في خريف عام ١٩٤٣، حين بدأت حياتي تنقلب رأسًا على عقب، ولم يكُن سبب ذلك قاصرًا على الحرب التي جرَّت العالَم كله إلى قتال يعجُّ بالويلات والصرخات، بل امتد أيضًا إلى الفتاة السوداء القلب التي جاءت إلى تلالنا وغيَّرَت كلَّ شيء.

اشتدَّ اضطرابي في بعض الأحيان حتى شعرتُ بأنني كساقِ مروحة ورقية محاطة بالأزيز والخشخشة، لكنَّ تلك الفترة المُربِكة جعلَتني أُدرك أنه لا يصحُّ لي أن أختبئ في الحظيرة مع كتاب وتفاحة، وأترك الأحداث تمضي بسرعةٍ دون أن أشارك فيها. لا يصح أن أُتمَّ الثانية عشرة من عمري دون أن أفعل شيئًا مفيدًا أستحق به ما أنا عليه من حالٍ هنا، وكنت أعني بذلك مكانتي، سُلطتي الصغيرة، احتمالية تحقيق قيمةٍ ذاتية.

لكن المسألة كانت أعظم من ذلك.

في السنة التي أتممتُ فيها الثانية عشرة، تعلَّمتُ أنَّ أقوالي وأفعالي لها أهميتها.

الحق أنها كانت مهمة للغاية في بعض الأحيان، حتى إنني كنت أرغب في إزاحة هذا العبء عن كاهلي.

ومع ذلك، فقد حملتُه على أي حال، وبأفضل ما يسعني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤