الفصل الثالث والعشرون

كان من الممكن أن تنتهي القصة هنا.

لكنَّ العمة ليلي كان لديها شيء تريد قوله عمَّا حدث تاليًا.

صاحت قائلة عندما وصلَت إلى المنزل من مكتب البريد، وسمعَت بما وجده الولدان في العلية: «لماذا لم تبلغ الشرطة يا جون؟ أو العريف على الأقل. من الممكن أن يكون ذاك الرجل المجنون ما يزال موجودًا هنا، وأنا عن نفسي لن أنام إلى أن يُقبَض عليه.»

كان أبي جالسًا في الكرسي عند الموقد لا يفعل شيئًا، بينما كنت أنا وجدتي نُجهز الطاولة.

رد قائلًا: «ليلي، لقد ترك الكاميرا لنا لنعثر عليها. إنها كاميرتنا. أمَّا هو، فقد رحل منذ وقت طويل.»

«والقبعة؟»

لم تكُن لديه إجابة عن هذا السؤال.

«وهل صعدتم إلى العلية لتفتشوها كما ينبغي؟»

هز والدي رأسه بالنفي.

«جون! ربما ما يزال موجودًا في تلك العلية، مختبئًا، أو ربما لم يرحل سوى اليوم للتو بعدما صعد الولدان إلى هناك.»

كانت جدتي حتى تلك اللحظة تتجنب التدخل في المسألة، لكنها تدخلت أخيرًا وقالت: «صحيحٌ أننا دائمًا ما كنا نحب توبي كثيرًا يا جون، لكني أظن أنَّ ليلي مُحقة.»

فقالت العمة ليلي: «شكرًا لك يا أمي. أنا متيقنة من أنَّ سارة لديها نفس الرأي.»

لكنَّ أمي، التي كانت مشغولة عند الموقد، لم تعلِّق.

انتظرَت العمة ليلي مُترقِّبةً رد والدي، لكنه بقي في كرسيه، ممعنًا في التفكير.

فقالت أخيرًا: «حسنًا، ما دُمتَ لن تفعل ذلك، فسأتصرف أنا.»

هممتُ بالاعتراض، لكن والدي رفع يده. وقال: «لا تتدخلي يا أنابل، وليكُن ما يكُون.»

سمعناها من الغرفة الأخرى تُخبر السيدة جريبل بأن توصل مكالمتها، ثم سمعناها تُحادث شخصًا ما في ثكنات الشرطة في بيتسبرج، طالبةً منهم أن يُسرعوا. ويحضروا الكلاب البوليسية.

لم يخطر ببالي من قبل أن تبحث الكلاب البوليسية عن توبي. بل كل ما خَطَر ببالي أنها ستبحث عن بيتي فقط.

تبادلتُ نظرةً مع أبي. رأيتُ فيها أنه أدرك ما أدركته: أنَّ المكان مليء بآثار حديثة ستتعقبها الكلاب. وليست هذه الآثار حول البئر في مُنخفَض «كوب هولو» فقط. وهي ليست في حظيرتنا فقط. فالآثار في شاحنتنا أيضًا. وفي هذا المطبخ، حتى هذا الكرسي الموجود هناك بالضبط.

عندما عادت العمة ليلي بعد إنهاء مكالمتها، قالت: «الضابط كولمان سيأتي إلى هنا الليلة. وسيأتي مزيد من الرجال في الصباح، إذا ارتأى ذلك.» وكانت تبدو مفعمة بالرضا.

قالت لها أمي باقتضاب: «إذَن، فلتُطعميهم أنتِ يا ليلي. وتُنظفي بعدما يأكلون.»

فقالت العمة ليلي وهي تقعد في كرسيها: «وهذا ما سأفعله بكلِّ سرور إذا لم يكُن لديَّ عمل خاص بي يجب إنجازه. يا سارة، كنت أظن أنكِ ستكونين الأكثر قلقًا على سلامة أطفالك. أكثر قلقًا من أيٍّ منا.»

أخرجت أمي قطعة لحم مشوية من الفرن، ووضعتها بقوة أشد من اللازم فوق الموقد.

وقالت: «أنا قلِقة جدًّا. لا تتخيَّلي لحظةً أنني لستُ كذلك.»

وصل الولدان وسط ترقُّب عشاءٍ وشيك، وحديثٍ عن مجيء الشرطة قريبًا.

سألَ جيمس: «هل سيقتلون توبي؟» كان يبدو خائفًا، وكنتُ سعيدة بذلك.

قالت العمة ليلي وهي تلوح بيدها بنفاد صبر: «آه، صه يا ولد. لم يقُل أحد أي شيء عن القتل.»

قالت أمي: «هذا صحيح. لكن عندما يلاحق رجال مسلَّحون ببنادق رجلًا مسلَّحًا ببنادق. ماذا سيحدث في رأيك؟»

صاحت العمة ليلي متعجبة كما لو كانت تُحدِّث مجموعة من الحمقى: «سيقبضون عليه! سحقًا، لسنا في ألمانيا. لن يُطلق أحد النار على أي شخصٍ إلَّا إذا اضطر إلى ذلك.»

دخل جدي من شرفة المدخل الأمامية التي غالبًا ما كان يجلس فيها مساءً، لمشاهدة الغروب. قال وهو يأخذ مكانه عند رأس الطاولة: «ما سبب هذا الكلام عن الألمان وإطلاق النار على الناس؟»

قالت العمة ليلي: «لا شيء يا أبي. محض هراء. الضابط كولمان عائد إلى هنا ليتيقَّن من أنَّ توبي ليس مختبئًا في مكانٍ ما هنا. هذا كل شيء.»

«لأنَّ الولدَين وجدا قبعته في الحظيرة؟»

أومأت العمة ليلي بالإيجاب.

فقال: «أرى ذلك تافهًا قليلًا. لكني لستُ مَن فقدَ عينًا. ولستُ مَن كان قابعًا أسفل تلك البئر.»

تمتمتُ قائلة: «هذا ليس عدلًا»، لكني كنت أعرف أنه ليس لديَّ أي شيء آخَر لأقوله عن أيٍّ من ذلك.

قالت العمة ليلي بقليلٍ من تلك النبرة المنغمة الغريبة في صوتها: «سمعتُ أنَّ جوردان بقي ليساعد في إصلاح الحظيرة. لكنه لن يبقى حتى العشاء، أليس كذلك؟»

أذهلني أننا كنا قد نسينا هذا الجزء من الأحداث. أنَّ شخصيةً باسم جوردان كانت موجودة أصلًا، ولو لوقتٍ قصير.

قال والدي: «اضطر إلى أن يعود أدراجه. لكنه أخبرنا بأن ننقل إليكِ تحيته للوداع.»

ابتسمت العمة ليلي مثل فتاة صغيرة.

قالت: «كان يبدو رجلًا لطيفًا جدًّا.»

فقلت بصوتٍ أعلى قليلًا مما ينبغي: «أجل كان كذلك.»

نظر الجميع إليَّ.

فقلت: «ماذا؟ كان رجلًا لطيفًا.» وشغلتُ نفسي بإغلاق زرٍّ مفكوك في طرف كُمِّي.

سألَت العمة ليلي: «أين القبعة إذَن؟»

خيَّم صمت تام.

قال والدي وهو يبتلع ريقه من التوتر: «أي قبعة؟»

نقلت عمتي نظرها من والدي إلى شقيقيَّ.

فهز هنري كتفَيه. وقال: «سلَّمناها لأبي.»

قال والدي: «أجل، تلك القبعة. تركتها في الحظيرة. ليست بأنظف قبعة في العالم!»

فقالت العمة ليلي: «أجل، أظن ذلك.»

قالت أمي: «حسنًا، هذا يكفي. حان وقت العشاء. ولا أريد سماع كلمة أخرى عن توبي أو قبعته، أو عساكر الشرطة أو الكلاب البوليسية، أو أي شيء آخَر. أتسمعون؟»

أطعناها.

انكببنا كلنا حول الطاولة.

وقالت العمة ليلي دعاء ما قبل الطعام.

كان الطعام جيدًا وقد أكلتُه، لكني لم أشعر بأنه سدَّ أيًّا من جوعي إطلاقًا.

سألَت العمة ليلي: «ما آخِر أخبار بيتي؟»

فقالت أمي: «ما تزال لا تستطيع التحدث كثيرًا. صحيح أنَّ الغرغرينا لم تكُن متفاقمة جدًّا إلى الحد الذي يُحتِّم بتر إصبع قدمها، لكن حالتها سيئة. العدوى التي أصابت كتفها لا تخف حدة، بل يخشون أنها تسوء في الواقع، وهي أيضًا مُصابة بحُمَّى شديدة جدًّا؛ ولذا يحتجزونها في المستشفى.» كانت أمي قد عكفَت من قبل على رعايتنا كلنا كالممرضة في أثناء العديد من الحوادث والأمراض؛ ولذا قلَّما كانت تنزعج من مثل هذه الأشياء، أمَّا أنا، فاضطررت إلى أن أترك شوكتي وأتوقف عن الأكل.

قلت: «ليتنا وصلنا إليها في وقتٍ أبكَر.»

كانت أمي تعرف شعوري تجاه بيتي. فقالت لي: «أنتِ فتاة صالحة يا أنابل.»

فقال جيمس: «وماذا عني؟»

قال والدي: «وأنتَ أيضًا «فتاة صالحة».»

ردَّ جيمس قائلًا: «آخ يا أبي!» ولوى قسمات وجهه من الضيق.

كان يُفترض أن أضحك، كما ضحك هنري. لكني لم أستطِع.

•••

بعدما انتهينا من العشاء وتنظيف الأطباق، خرجت وجلست على الدرجات الخلفية في بِركة من ضوء شرفة المدخل. لم يكُن يوجد بعوض يطاردني في ذلك الوقت من العام، ولا خفافيش تصطاده. لم يكُن يوجد شيء يدفعني إلى العودة إلى الداخل، سوى فكرة عودة الضابط كولمان.

لم أكُن أريد رؤيته. لم أكُن أريد التحدث إليه عن توبي أو بيتي أو أي شيء آخَر.

كنت أكره فكرة أنَّ أبي وأمي قد يضطران إلى الجلوس عند طاولة المطبخ أمام شُرطي، والكذب عليه.

ولم أكُن أرغب بالطبع في مشاهدته وهو يفتش الحظيرة.

لكنَّ التفكير في ذلك ذكَّرني بكل الأشياء التي كنت قد أخذتُها إلى هناك.

والأشياء التي ربما كانت ما تزال موجودة في علية التبن.

أحصيتها على أصابعي.

كان والدي قد استعاد البرطمانات والملاءات وأغطية النوم، ومقص أمي، والمنشفة، والصابونة وما إلى ذلك. وقد دفن ملابس توبي القديمة في برميل حرق النفايات، تحت كمية هائلة من رماد متراكم طوال شهر كامل.

وكان توبي قد ترك الكاميرا معنا.

وأعاد معطف جدي وقفازه.

وأخذ بنادقه.

لكني كنت أعرف أنني غافلة عن شيء ما. ملعقة شاردة يا تُرى؟ أم برطمان مربى؟

وعندئذٍ تذكرتُ.

كانت رواية «جزيرة الكنز» ما تزال في الحظيرة.

إذا وجدوها، يمكنني القول إنني أنا مَن كنت أقرؤها في العلية. ولكن كان من الأفضل ألَّا يجدوها أصلًا.

•••

كنت أعرف طريقي إلى هناك جيدًا دون مشكاة أو مصباح يدوي، وكنتُ بارعة في الركض وسط الظلام؛ لذا انطلقتُ إلى هناك فورًا دون تردُّد.

نَبَحَت عليَّ الكلاب المستلقية في كوخ الحطب، لكنها لم تُكلِّف نفسها عناء القيام من أسِرَّتها. وكانت الدجاجات كلها نائمة تمامًا في أعشاشها، بينما كنت أركض مسرعةً بجوارها. سقطت بعض أوراق الأشجار خلال الهواء المظلم، لكن ذلك لم يفزعني. ولم يُبطئني غياب ضوء القمر.

قلت وأنا أتسلل إلى داخل الحظيرة من خلال بوابة حجيرات الخيول: «مرحبًا يا بيل. مرحبًا يا دينا.»

قلَّدتُ صوت الأبقار بهدوءٍ بينما كنتُ مارَّةً بجوارها، لأطمئنها بأنني أنا الوافدة، ثم صعدتُ الدرج مسرعةً ووصلتُ إلى الجرن.

وعندئذٍ توقفت.

فتحت فمي لأسمع بوضوح أكبر.

كان يوجد صوت شيء ما.

صرير الحظيرة كدأبِ الحظائر القديمة.

لا، صوت شيء آخَر.

جرذ كان ينبش في مهاد التبن على مقربة منِّي.

ناديتُ هامسة: «مرحبًا؟»

سقطت ساقُ تبنٍ من الأعلى مُنجرفة مع الهواء.

فنظرتُ ورأيتُ هيئة شخصٍ غير واضحة الملامح في العلية.

«توبي؟ هل هذا أنت؟»

رجوتُ أن يكون هو. ورجوت ألَّا يكون هو. ولكن عندما نطق اسمي، انتابني شعور بالارتياح طغى على أيِّ شعور آخَر.

«رباه، ما الذي تفعله هنا مجددًا يا توبي؟» صعدتُ السلم بسرعة إلى العلية، وأشرت له بالابتعاد عن الحافة. «كدتَ تقتلني من الفزع. هل عدتَ إلى الأبد؟ هل ستبقى رغم كل شيء؟»

كان يرتدي معطفه وقبعته، وبدا مجددًا، خصوصًا في الظلام، كأنه شخصية من قصة خيالية.

قال: «ليس إلى الأبد. بل دقيقة واحدة فقط.»

قلت: «دقيقة واحدة فقط؟» شعرتُ بمزيجٍ من الحيرة وخيبة الأمل، وكانت هذه هي حالتي طَوال الوقت تقريبًا آنذاك. فما دام قد عاد، لماذا ينوي الرحيل مجددًا؟ سألته: «هل نسيت شيئًا؟»

أومأ بالإيجاب. وقال: «نعم نسيت.»

«ماذا؟ مطواتك؟» تذكرته وهو يسلمها إلى أبي ليحفظها له قبل نزوله إلى تلك البئر.

قال: «لا. مطواتي بحوزتي.»

«هل تريد الكاميرا؟ إنها كاميرتك يا توبي. يُمكنني أن أحضرها إليك بسرعة، قبل أن يصل الضابط إلى هنا.»

فانتصب عندئذٍ. وسألني: «هل أبلغتِ الشرطة؟»

فقلت وأنا أسمع نبرة من الألم في صوتي: «بالطبع لا. هل تظن أنني يُمكن أن أفعل ذلك؟»

هز رأسه بالنفي.

قلت: «عمتي ليلي هي التي أبلغتهم، عندما أخبرها شقيقاي الثرثاران بما وجداه.»

جلس توبي على حزمة من التبن وخلع قبعته.

وقال: «هُم قادمون إذَن.» لم يكُن هذا سؤالًا.

قلت: «لن يأتي سوى الضابط الذي كان هنا من قبل. ولكن يا توبي، عليك أن تُصبح جوردان مرَّة أخرى أو ترحل من هنا. فهو قادم ليفتش الحظيرة وبعدها سيقرِّر ما إذا كان سيُكثف جهود البحث غدًا، بمزيدٍ من الرجال. وسيحضر أيضًا كلابًا بوليسية.»

فرك توبي يده المصابة. وقال: «وكلاب بوليسية.» لوى رقبته مطقطقًا إياها.

تنهَّدتُ. وقلت: «أعتقد أنها ستعرفك، بغض النظر عن اسمك.»

قال: «أجل. إنها تستطيع التعقب في الماء. ولو حتى في فيضان. بل وتستطيع أن تتعقَّب المرء وإن كان محمولًا.»

«لم أكُن أعرف ذلك. وأتمنى ألَّا تتمكن الكلاب من ذلك، مع أنني لا أظن أنني أستطيع حملك في كلتا الحالتين. لكنها لن تصل إلى هنا قبل الصباح إذا جاءت أصلًا؛ لذا فما يزال لديك وقتٌ للرحيل من هنا. ابحث عن شخص ليُقِلَّك بسيارته إلى أن تبتعد عن هنا. يمكنني إحضار معطف جدي مرَّة أخرى. وقفازه. سوف يوصلك شخصٌ ما، وأنا متيقنة من ذلك.»

رفع توبي يدَيه. وقال: «توقفي يا أنابل.»

فتوقفت.

أنزل يدَيه إلى حِجره.

وأدركتُ أنه لم يُجِب عن سؤالي إطلاقًا.

قلت له: «إذا لم تكُن عائدًا من أجل مطواتك، فما الذي عدتَ من أجله؟»

تمنيتُ آنذاك أن أستطيع رؤية وجهه بوضوح أكبر وسط الظلام.

قال: «عندما رحلتُ من هنا، قصدتُ الاتجاه مباشرة نحو الغرب. وقد انطلقت في ذلك الاتجاه بالفعل، ميلًا أو اثنين. لكنَّ الأمر كله كان أسرع ممَّا ينبغي.»

أمالَ رأسه إلى الوراء وابتلعَ ريقه بصعوبة. ثم أضافَ: «ظللتُ أفكِّر فيما تركته ورائي. ولذا استدرتُ ومشيتُ عائدًا إلى الكوخ. لآخذ معي بعض الصور. كان ذلك صعبًا، سواءٌ انتقاء الصور التي سآخذها أو نزعها عن الحائط.» سكت فجأةً ومرَّر ظَهر يده على جبينه.

وقال: «عدت إلى هنا لأقول لكِ وداعًا يا أنابل. كان رحيلي بالطريقة التي رحلتُ بها وقحًا.»

أعجبني رجوعه كل هذه المسافة ليودعني وداعًا لائقًا. ولكن لم يعجبني أنه كان يرى تصرفه وقحًا.

قلت وأنا أنظر إلى قدميَّ: «لستَ مضطرًّا إلى الشعور بأنك مَدين بشيء.»

رفع يده مجددًا. وقال: «لا. ليس هذا ما أشعر به.» تنهَّد. وقف على قدمَيه. واعتمر قبعته مرَّة أخرى. وأزاح بنادقه إلى أعلى كتفه. وقال: «أنابل، كنت أتمنى أن تكون عندي بنت مثلكِ.»

مدَّ لي يده وصافحتها، كما لو كنا نعقد ميثاقًا.

وبعدئذٍ نزل السلم، ومشى عبر الجرن، وخرج من البابَين الكبيرَين المفتوحَين.

•••

خطر ببالي شيئان وأنا واقفة في تلك العلية، أحاول تذكُّر الغرض الذي كنت قد أتيتُ من أجله.

أحدهما أنَّ توبي لم يقُل وداعًا بعد كل ذلك، وأنا أيضًا لم أقُل وداعًا.

والثاني أنه كان يحمل بندقيتَين فقط.

لم أرَه من قبل إطلاقًا دون البنادق الثلاث.

تذكرت عندئذٍ ما اكتشفه والدي؛ أنَّ بندقية واحدة فقط من تلك البنادق الثلاث ما زالت تعمل، وأنَّ الأخريين قد صارتا عاطبتَين منذ أمدٍ بعيد.

لم يذكر توبي قَط السبب الذي كان يدفعه إلى حمل كل تلك البنادق الثقيلة، طَوال سنواتٍ وسنوات.

لكني كنت أعرف. كان توبي يحمل تلك البنادق بسبب ثقلها.

لكنني لم أعرف لماذا قرَّر فجأةً أن يخفِّف الحِمل.

•••

كانت رواية «جزيرة الكنز» في انتظاري خلف حزم التبن.

قضيتُ لحظةً هناك، وظللت أبكي طويلًا حتى استطعت أن أتنفَّس مجددًا، ثم فتحتُ مصراعَي النافذة بقدرٍ أوسع، وانحنيتُ بجسدي خارجًا لأطلَّ على المرعى.

لم أستطِع أن أبلغ ببصري مسافة بعيدة، لكنَّ توبي كان أشدَّ قتامةً من عشب المرعى، وخِلتُ أنني رأيته وهو يدخل الأحراج. أو ربما لم أرَه.

لقد رحل على أي حال، ولم أكُن أتوقَّع رؤيته مجددًا.

أغلقتُ المصراعَين، وتأبطتُ الكتاب، وغادرت العلية، ثم خرجت من الحظيرة، مُتجهة نحو البيت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤