الفصل السادس

عن رابعة العدوية

المؤرخون الرجال هم الذين كتبوا عن رابعة العدوية، وفسروا نزعتها الصوفية من وجهة نظرهم، وفرقوا بينها وبين غيرها من الصوفيين الرجال، فقد نسبوا «المعرفة» إلى معروف الكرخي،١ ونسبوا «الحب الإلهي» إلى رابعة العدوية، وأرجعوا هذا الحب الإلهي لكونها امرأة عاشقة، وليس لكونها امرأة تفكر.
وقد بدأت الصوفية كحركة زهد وابتعاد عن الصراعات الدموية السياسية التي سادت إبان الحكم الأموي، وخلال عهد الحجاج الطاغية وحتى بدايات القرن الثاني الهجري، ورغم أنها كانت أصلًا حركة هروبية من مواجهة الصراعات أو الوقوف مع أصحاب الحق ضد الطغاة إلا أنها ارتدت ثوبًا دينيًّا وانعزلت عن الحياة الاجتماعية، وحاول بعض أقطابها تصوير زهدهم على أنه انصراف عن الشهوات وأولها الجنس وليس انصرافًا عن السياسة. وقد قيل إن عامر بن عبد قيس كان يدعو الله: أن ينزع شهوة النساء من قلبه، وجاء عن الحسن البصري أنه كان يقول: «إذا أراد الله بعبد خيرًا لم يشغله بزوج ولا ولد.»٢ أما الفُضيل بن عياض فقد قيل إنه دخل حياة الزهد بعد أن قرر عدم الذهاب إلى عشيقته الجارية، وكان في طريقه إليها حين سمع رجلًا يتلو الآية القرآنية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ، فقال الفضيل: «يا رب، قد آن فرجع.»٣

إلا أن وقائع التاريخ تدلنا على أن الظلم السياسي والاجتماعي الذي كان سائدًا في ذلك الوقت هو الذي دفع بعض الرجال الفقراء والنساء الجاريات المستعبدات إلى التمرد على النظام القائم الجائر، ولم يكن في حوزتهم القوة لمحاربة الظلم فآثروا الاعتزال ولجَئوا إلى الله والصلاة والزهد.

وقد خرج ممثلو حركة الزهد الأوائل من أهل خراسان بسبب هذا الظلم الاجتماعي، وكتب الجراح بن عبد الله الحكمي إلى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز قائلًا عن أهل خراسان: «إن أهلها لا يصلحهم إلا السيف والعصا»، ورد عليه عمر بن عبد العزيز يقول: «بل كذبت، بل يصلحهم العدل والحق فابسطه بينهم.»٤

وقد اشتهرت رابعة العدوية في تاريخ الفلسفة الإسلامية والتصوف بمفهوم «الحب الإلهي».

ويكتب حسين مروة: «الحب الإلهي نُسب إلى عدد من زهاد البصرة في عصر رابعة العدوية … لكن رابعة اشتهرت به وارتبط باسمها أكثر مما ارتبط بهذه الأسماء، لعناية خاصة بها من الصوفية ومؤرخي التصوف، نظرًا لكونها امرأة كما يبدو. ولعله بسبب هذه النظرة أضفَوا عليها نوعًا من القداسة الأسطورية … وأضافوا إلى سيرتها صورًا من السلوك ومن الأقوال التي عرفها عصر التصوف الحقيقي، لا عصر الزهد الذي لا يزال سابقًا لمرحلة النضج والتحول.»٥

نلاحظ هنا أن حسين مروة يحاول أن يقول إن رابعة العدوية لم تكن لها إضافة فكرية أو روحية إلا لكونها امرأة، ثم يقول إن هناك كثيرًا من الغموض في سيرة حياتها، وإن «الباحث د. عبد الرحمن بدوي هو الوحيد الذي تنبه إلى هذه النقاط الغامضة من قصة رابعة العدوية وحدَّد مواقع الغموض فيها بدقة.»

ويحكي قصة رابعة العدوية نقلًا عن بدوي:٦ «أنها ولدت من أسرة فقيرة جدًّا في البصرة، وأنها أُسرت وبيعت بستة دراهم لرجل أثقل عليها العمل، وأنها كانت تسير ذات يوم فشاهدت رجلًا ينظر إليها نظرة شر فهربت وفي الطريق ارتمت على التراب وهي تناجي الله فسمعت صوتًا يقول: لا تحزني ففي يوم الحساب يتطلع المقربون في السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين عليه.
فلما سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيدها وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلي طوال الليل.»٧
ويكتب مروة: «لكن الصورة التي تتحصل لدينا من كل ما أمكننا الاطلاع عليه من أخبار رابعة تُنبئنا أن وراء زهدها المتطرف وانكفائها إلى ذاتها على النحو الأسطوري الذي يتفنن بتصويره مؤرخو الصوفية، وفريد العطار بالأخص، ووراء «العشق الإلهي» الذي ينسبونه إليها تكمن قصة شخصية مأساوية عنيفة وهي (كما نستنتج) قصة مأساة زوجة لعب فيها الفقر الوحشي والحب المسحوق دورَين متداخلَين انتهيا برابعة إلى «الكهف» الداخلي العميق من ذاتها، وخلقا لها «العشيق الإلهي» تجد به عوضًا وهميًّا عن الحرمان المادي الذي افترس شبابها. إننا نحس حين نقرأ بعض الأقوال المنسوبة إليها كيف تفور في ذاتها حمم المأساة حتى حين تكون في أقصى حالات وجدها الروحي واتصالها بالعشيق الأعلى، بل ينبغي القول إن هذه الحالات ذاتها ليست سوى تعبير عن أقصى درجة تبلغ إليها فورة المأساة في أعماقها.»٨
وقد قيل عن رابعة العدوية إنها كانت إذا صلَّت العشاء قامت على سطح لها وشدت عليها درعها وخمارها ثم قالت: «يا إلهي أنارت النجوم ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.»٩
ويكتب مروة عن هذه المناجاة مع الله قائلًا: «إن كل كلمة في هذه النجوى المرتعشة تشعرنا أنها تحتوي إنسانًا يحترق ألمًا وظلمًا إلى الحب البشري الطبيعي، أما هذا الذي يسميه الصوفية بالحب الإلهي في مسلك رابعة وفي مناجاتها فلم يكن سوى الحساسية العاطفية التي تبلغ لثقل وطأة الحرمان المادي، أو لصدمة الفشل الحادة، مبلغًا عاليًا من رهافة الخيال … إنها اللحظات التي تتنبه فيها لدى الإنسان المستفرد بين مخالب الوحشة والحرمان كل أشواق الحياة، وفي يقيني أن هذه اللحظات بعينها هي التي كانت أساس المعاناة الآدمية لدى رابعة العدوية.»١٠

لم يكتب حسين مروة أو أي مؤرخ آخر هذه العبارات عن أي رجل صوفي. لقد حاول أن يرجع نزعة رابعة العدوية الصوفية إلى الحرمان الجنسي وافتقادها الرجل. لم يكتب عن أي رجل صوفي أنه لجأ إلى الصوفية تعويضًا عن الحرمان الجنسي أو افتقاد المرأة.

كان في حالة الرجال يبحث عن الأسباب السياسية والاجتماعية والدينية والفلسفية، ولم يكن الحرمان الجنسي أو الحرمان من المرأة هو السبب وراء زهد الرجل أو صوفيته، بل إنه كان يزهد في المرأة ضمن الأشياء الأخرى التي يزهدها.

أما رابعة العدوية فلم تُصوَّر على أنها زاهدة في الرجل، بل صُوِّرت على أنها عاشقة للرجل وأن هذا العشق يتحول من الرجل إلى الله.

ويكتب مروة قائلًا عن رابعة العدوية: «إن واقع هذه الشخصية هو واقع أرضي نبت عبر الظروف المأساوية الخاصة في ظروف مأساوية اجتماعية عامة، ثم جاء الصوفيون المتأخرون فأطَّروا هذا الواقع بإطار غيبي أسطوري ليجعلوا منه أصلًا صوفيًّا يؤسسون عليه مفهوم الحب الإلهي، في مرحلة تاريخية لم تكن قد نضجت فيها الأسباب الكاملة لانعطاف المفاهيم الزهدية البسيطة إلى مفاهيم التصوف النظري والأيديولوجي.»١١
هنا أيضًا نلاحظ أن مروة يرى أن المؤرخين هم الذين أضفَوا على رابعة العدوية القدرة الصوفية وليست هي. ثم يكتب مروة: «من العسير على الباحث العلمي أن يقتنع أن تلك المواقف والأفكار ذات الطابع النظري التي ينسبونها إلى رابعة العدوية صادرة عنها بالفعل. فقد قالوا عنها مثلًا إنها حجت، فقالت هذا (مشيرة إلى الكعبة) الصنم المعبود في الأرض، وأنه ما ولجه الله ولا خلا منه.» إن الفكرة التي يتضمنها هذا القول فكرة متطورة من الأفكار «الهرطقية» الصوفية التي ظهرت في تاريخ التصوف الإسلامي بعد أكثر من قرن منذ زمن رابعة، والفكرة هذه تقوم، نظريًّا عند الصوفية، فيما بين القرنين الثالث والرابع الهجريين على ثنائية «الشريعة» و«الحقيقة» على أن الشريعة هي لغة «الظاهر» موجهة إلى العامة من الناس، في حين أن «الحقيقة» هي الباطن الذي لا يُكشف إلا لذوي «المقامات» العليا في «المعرفة» أي أئمة الصوفية. ومؤدى ذلك عمليًّا سقوط التكليف بالشريعة عن الصوفي «العارف»، فالكعبة إذن بصفتها المادية «صنم» (حسب التعبير المنسوب إلى رابعة) والحج إليها جسديًّا هو صنمية لا تليق بالعارف. وإنما هو يحج إلى الحقيقة المجردة. و«حجه» يصبح بذلك قلبًا خالصًا من كل شائبة حسية، فأين هذا التحول، مفهوم الحج ومفهوم الحقيقة من عصر رابعة العدوية»،١٢ ثم يقول إن معظم ما يُنسب إلى رابعة من أقوال يفتقر إلى التحقيق العلمي، لأنه خليط من عناصر أسطورية وعناصر تنسب إلى آخرين غيرها.»١٣
ويقول: «نقصد بهذه العناصر أقوالًا منسوبة إلى رابعة وهي في الوقت نفسه منسوبة إلى غيرها. من ذلك مثلًا ما رُوي عنها أنها كانت تقول: «ما عبدته (الله) خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنته. فأكون كالأجير السوء، عبدته حبًّا له وشوقًا إليه».»١٤ ويقول: «وهذا القول ورد كثيرًا بالمضمون نفسه وأحيانًا بالعبارة نفسها منسوبًا إلى علي بن أبي طالب، كما ورد منسوبًا إلى حفيده علي بن الحسين زين العابدين ونُسب إلى رابعة أيضًا أنها قالت: «كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها عندي»، وهذا نُسب أيضًا بنصه تقريبًا إلى الزاهد الكوفي عون بن عبد الله، كما نُسب مضمونه إلى علي بن أبي طالب أيضًا (نهج البلاغة، ج٣، ص١٧٩).» «ثم يأتي الشك أخيرًا من أننا نجهل المستوى الفكري الذي كانت عليه رابعة حتى بالنسبة لعصرها، فهذه أيضًا إحدى النقاط الغامضة في سيرة حياتها.» ثم يقول مع كل ذلك «تبقى بأيدينا منها مع ذلك حقيقة تاريخية تُسجل أنه برز عبر هذه الشخصية بالدرجة الأولى في النصف الأخير من القرن الثاني الهجري أحد أهم مفاهيم التصوف وهو مفهوم «الحب الإلهي»، ونحن لا نُجادل في هذا وإنما نُجادل في تحميل هذا المفهوم في عصر رابعة وفي شخصيتها وجيلها أكثر مما تسمح به طبيعة ذلك العصر وذلك الجيل أن تحمل.»١٥

يتردد حسين مروة الآن في الاعتراف بقدرة رابعة العدوية على التفكير الصوفي والوصول إلى مفهوم «الحب الإلهي» وهو لم يتردد منذ قليل في التأكيد على حرمانها من الرجل وتعطشها للحب الطبيعي ومحاولتها التعويض عن هذا الحب بحب الله.

وهو يحرمها أيضًا من حقها في الريادة الفكرية في عصرها. صحيح أن العصر له حدوده ولا يمكن لمفكر مهما كان أن يسبق عصره كثيرًا، إلا أن هناك من الفلاسفة والمفكرين من سبقوا عصرهم ودخلوا التاريخ الفلسفي والفكري على يد المؤرخين الرجال كعباقرة. ألم يسبق أرسطو عصره؟ وألم يسبق ابن خلدون عصره؟

لماذا إذن التردد في الاعتراف بأن امرأة ما يمكن أن تسبق عصرها فكريًّا وتكون لها عبقرية أو فلسفة رائدة؟

ومشكلة رابعة العدوية تتمثل في أنها لم تترك شيئًا مكتوبًا بقلمها. كتب عنها المؤرخون ولكنها لم تكتب هي. لماذا لم تكتب رابعة العدوية؟

من قصة حياتها ندرك أنها كانت جارية فقيرة ولم يكن في إمكانها أن تؤلف كتبًا، فهي قد أُسرت وبيعت بستة دراهم لرجل عاملها بقسوة واستغلها. ونفهم أنه لم يستغلها في العمل فحسب ولكن في الجنس أيضًا، فقد كان من حق الرجل شرعًا أن يعاشر جاريته جنسيًّا دون أن يكون لها أو لأطفالها منه أي حقوق. ونفهم أيضًا أن الرجال كانوا يطاردونها حين تخرج إلى الشارع. وكانت تهرب منهم جريًا حتى تسقط على الأرض، وفي ارتمائها على الأرض تسمع صوت الله يقول: لا تحزني ففي يوم الحساب يحسدونك الناس على ما ستكونين عليه. وتعود إلى بيت سيدها وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلي طَوال الليل.

إنها قصة لا تدل على أن رابعة العدوية عانت الحرمان الجنسي أو الحرمان من الرجل أو من العشق الطبيعي، بل إنها عانت من الذل والفقر والهوان والاستغلال الجنسي بواسطة الرجال. وهي بذلك حين تطلعت إلى الله كانت تَنشُد الخلاص من الرجل والهروب من العشق، وليس السعي إلى عشق آخر، أو استبدال العشيق الرجل بالعشيق الإلهي. إن تفسير حسين مروة مناجاة رابعة لله على أنها ارتعاشة امرأة تحترق ظلمًا إلى العشق الطبيعي ليس صحيحًا، إن حياتها كأسيرة وجارية معذبة تكشف عن أنها كرهت عَلاقتها بالرجال حتى الثمالة، وأنها نفرت من العشق الطبيعي نفورًا شديدًا لكنها لم تستطع الهروب من بيت سيدها، فلم تجد وسيلةً للراحة من عذاب العشق والرجل إلا أن تفصل بين جسدها وروحها وتترك جسدها بلا إحساس ولا روح تحت طاعة سيدها، وتعطي روحها لله عن طريق الصلاة.

وقد استطاعت رابعة عن طريق الألم أن تكتشف زيف سيدها، الذي كان رجلًا متدينًا يؤمن بالشريعة والحج إلى الكعبة كغيره من المسلمين الأسياد في عصره. استطاعت أن ترى التناقض بين كونه مسلمًا يؤدي الفرائض ويحج إلى الكعبة، وبين كونه سيدها الذي يظلمها ويستغلها. أدركت الانفصال بين الحقيقة وبين الشريعة. أدركت أن الدين الحقيقي وحب الله الحقيقي يتناقض مع الظلم، ويتناقض مع أداء الطقوس والعبادات الظاهرة. وقد استطاع معروف الكرخي ذلك أيضًا.

معروف الكرخي كان مثل رابعة العدوية، ولم يترك كتابات تدل على فلسفته وكان يعيش عصر رابعة العدوية، وكان متصوفًا مثلها، لكن المؤرخين لم يتعرضوا لحياته الخاصة كما فعلوا مع رابعة العدوية. لم نعرف شيئًا عن حرمانه العاطفي أو الجنسي أو أي مأساة خاصة في حياته، وقد نسبوا إليه مذهب المعرفة، وأنه من أوائل من تكلموا في المعرفة، ولم يتشككوا في قدرته على التفكير الصوفي والفلسفي، بل قال بعضهم عنه إنه فاز ﺑ «العلم اللدني» أي الوصول إلى الحقيقة الإلهية بطريق الحدس الذاتي بعد تصفية النفس بالرياضة الروحية.١٦
ولم يخلف معروف الكرخي نصوصًا تؤكد هذا الكلام. وتنحصر النصوص التي يستشهد بها المؤرخون في نصين: أحدهما ما ذكره صاحب «قوت القلوب» من أن معروف الكرخي كان مرجعًا للفصل بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فيما يقع بينهما من خلاف في بعض مسائل العلم، مع أنه لم يكن يُحسن من العلم ما يحسنان (علمهما بالشرائع والعقائد).١٧
والنص الثاني ما ذكره صاحب «حلية الأولياء» من دعاء كان يدعو به الكرخي يقول فيه: نفوس قدمت لتأدية الواجب ورقيت لنفيس المخزون وكفيت ثقل المحنة.١٨
رغم ذلك لا يُعامل الكرخي من المؤرخين كما عُوملت رابعة العدوية، ولا يحاول حسين مروة أن يحكي سيرة حياته الخاصة كما حكى سيرة حياة رابعة. صحيح أنه يرى أن النصين السابقين لا يعطيان دلالة كافية على أن الكرخي فاز بالعلم اللدني. ويقول مروة: «معروف الكرخي» يُعد من شخصيات الدور الأول للتصوف تاريخيًّا، إلا أنه من حيث المذهب نجد أن معروف يجب أن يُنسب إلى الدور الثاني (أبو ريان ص٢٨٢). نناقش هذا القول منهجيًّا على أساس عدم صحة الفصل بين جانبَي الشخصية الإنسانية الواحدة: الجانب التاريخي والجانب المذهبي.١٩

لماذا لم تعالج شخصية رابعة العدوية بجانبها التاريخي والمذهبي كما حدث مع الكرخي؟ إن أحدًا لم يتكلم عن الحرمان العاطفي أو الجنسي لمعروف الكرخي.

ويروي القشيري أن معروف الكرخي شرب وهو صائم فقيل له ألم تكن صائمًا؟ فقال: بلى، ولكني رجوت دعاءه.٢٠
ويكتب حسين مروة: «فهي تعني إحدى بواكير الاجتهادات الخاصة بالصوفية حول «الشريعة» وحول الظاهر والباطن، فقد أباحت لهم هذه الاجتهادات عدم الالتزام بتكاليف الشريعة باعتبارها ظاهرًا في حين هم يأخذون بالباطن.»٢١

لو أن رابعة العدوية هي التي شربت وهي صائمة لقالوا إنه الظمأ للماء ولتشككوا في قولها، أو نسبوه إلى غيرها كما حدث حين قالت عن الكعبة إنها الصنم المعبود في الأرض، ما ولجه الله ولا خلا منه.

لقد استخدم المؤرخون مقاييس مزدوجة في الحكم على رابعة العدوية وغيرها من رجال الصوفية، نسبوا إليها «الحب» ولم ينسبوا إليها «المعرفة»، بل إنهم حتى في موضوع «الحب الإلهي» حاولوا إرجاعه إلى الرغبة في الرجل والعاطفة والجنس أكثر منه الرغبة في المعرفة والتفكير.

لقد ظلت المرأة في نظرهم جسدًا يحس وليس عقلًا يفكر.

هوامش

(١) حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، ج٢، الفارابي، بيروت، الطبعة الرابعة، ١٩٨١م، ص١٨٥.
(٢) صفوة الصفوة، ج٣، ص١٣١، الشعراني: الطبقات الكبرى، ج١، ص٢٥، وحسين مروة، ص١٦١.
(٣) حسين مروة ص١٧٢، والقشيري: الرسالة القشيرية ص٩.
(٤) المنادي: الكواكب الدرية، ج١، ص١٤٣، وحسين مروة ١٧٨. (كانت خلافة الأموي عمر بن عبد العزيز من ٩٩–١٠١ﻫ/٩١٧–٩١٩م).
(٥) حسين مروة، ص١٨٠.
(٦) حسين مروة ص١٨١ (الهامش).
(٧) بدوي، شهيدة العشق الإلهي، القاهرة، ١٩٦٢، ط٢، ص٨، ١٢.
(٨) حسين مروة، ص١٨٢.
(٩) بدوي، شهيدة العشق الإلهي، ص١١٧.
(١٠) حسين مروة، ص١٨٢.
(١١) حسين مروة، ص١٨٣.
(١٢) حسين مروة، ص١٨٣.
(١٣) حسين مروة، ص١٨٣.
(١٤) الكواكب الدرية، المناوي، ج١، ص١٠٩ (حسين مروة، الهامش، ص١٨٣).
(١٥) حسين مروة، ص١٨٤.
(١٦) حسين مروة، ص١٨٦، أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، ص٢٨٢.
(١٧) حسين مروة، ص١٨٦.
(١٨) الأصفهاني في حلية الأولياء، ج١٠، ص٢٦٣، وحسين مروة، ص١٨٦.
(١٩) حسين مروة، ص١٨٧.
(٢٠) الرسالة القشيرية ص١٠-١١، وحسين مروة، ص١٨٩.
(٢١) حسين مروة، ص١٨٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤