الفصل الأول

البطل المحارب

(١) بطل الغرب الأمريكي والساموراي

في أوائل ستينيات القرن العشرين، عندما سيطر رعاة البقر حاملو المسدسات على شاشات السينما عبر أمريكا، سنحت للجمهور فرصة مشاهدة ثلاثة أفلام «غرب أمريكية» بينها صلةٌ مثيرة للاهتمام. لم يكن ما ربط بين الأفلام هو مخرجي أو أبطال أو قصص الأفلام؛ ففيلم «العظماء السبعة» (١٩٦٠) الذي أخرجه جون سترجيس، يدور حول مجموعةٍ متنافرة من المسلحين الذين يدافعون عن قريةٍ مكسيكية ضد مجموعة من قُطَّاع الطرق الشرسين (انظر قسم «لقطة مقربة: العظماء السبعة»). ويتركز فيلم «الغضب» («ذي أوتريج»، ١٩٦٤) للمخرج مارتن ريت، حول حادثة تتضمن سرقة واغتصاب وجثة. وفي فيلم «حفنة من الدولارات» («آ فيستفول أوف دولارز»، ١٩٦٤)، يصل رجل لا اسم له إلى مدينة على حدود المكسيك، ويرى فرصة لكسب بعض المال بتأليب عائلتَين متنازعتَين بعضهما ضد البعض. صُوِّر الفيلم في إسبانيا وأخرجه الإيطالي سيرجيو ليوني ومن بطولة كلينت إيستوود وطاقم تمثيلي من الممثلين الأوروبيين بأسماء أمريكية مُستعارة. ما تتشارك فيه هذه الأفلام هو المصدر؛ فقد كان فيلم سترجيس مقتبَسًا من فيلم «الساموراي السبعة» (١٩٥٤)، بينما كان فيلم ريت مقتبسًا من فيلم «راشومون» (١٩٥٠)، وكان فيلم ليوني مقتبسًا من فيلم «يوجيمبو» (١٩٦١)، وكانت الأفلام الثلاثة يابانية ومن إخراج أكيرا كوروساوا.

كانت أفلام كوروساوا تدور أحداثها في فترة الإقطاع الطويلة من تاريخ بلده، حيث كان فرسان الساموراي حاملو السيوف يجوبون الريف، مثلما كان يجوب المسلحون بالمسدسات ذات الخزانة الدوارة الغربَ الأمريكي. كان فرسان الساموراي الذين لا سَيِّد لهم والذين يُدعَون «الرونين» من بقايا مجتمع المحاربين الذين فقدوا مكانتهم الاجتماعية لكنهم لم يفقدوا مهاراتهم؛ ولذلك كانوا يعرضون أنفسهم كمرتزقة مقابل المال أو المغامرة. أَسرَ بطلُ الساموراي، بميثاق الشرف الشخصي وسيفه الخاطف، خيالَ الجمهور الياباني من الأيام الأولى للسينما بنفس القدر الذي حاز به بطل أفلام الغرب الأمريكي على الاهتمام الشعبي في الولايات المتحدة وخارجها، وحافظ على هذا. ومثل بقية المخرجين اليابانيين، أعرب كوروساوا صراحة عن اهتمامه بأفلام الغرب الأمريكي، بنفس القدر الذي اعترف به المخرجون الأمريكيون بفضل أفلام الساموراي عليهم. إن المقارنة بين هذين النوعين الفنيين طريقة مناسبة لاستكشاف آليات الأثر الثقافي المتبادَل. في هذا الفصل، سنستخدم مصطلح «البطل المحارب» للإشارة إلى محاربي الساموراي ومقاتلي الغرب الأمريكي المسلحين بالمسدسات وقلةٍ أخرى من أبطال الحركة في السينما. وعلى الرغم من أن هذا المصطلح العام ربما لا يحدد نوعًا سينمائيًّا راسخًا في حد ذاته، فإنه سيعمل كنقطة بداية مناسبة للمقارنة بين الثقافات وفهم كيفية عمل الأنواع السينمائية.

لنبدأ بنظرةٍ فاحصة عن قُربٍ لمشهدين قابلين للمقارنة من فيلمَي «العظماء السبعة» (شكل ١-٢) و«الساموراي السبعة» (شكل ١-٣).

figure
الشكلان ١-٢ و١-٣: طريقتان لتسوية النزاعات: النزالات في الغرب والشرق.

تمتلئ أفلام الغرب الأمريكي بالمواجهات العنيفة؛ لحظات التوتر عندما يقاتل رجلان أحدهما الآخر حتى الموت بأسلحةٍ مُشهَرة. إحدى تلك اللحظات تحدث في فيلم «العظماء السبعة» عندما يتفاخر شخصٌ ثرثار متبجِّح لا اسم له بأنه يمكنه إطلاق النار أسرع مما يمكن لبريت قذف سكينه. يرقد بريت (الذي يقوم بدوره جيمس كوبرن) بجانب أحد أعمدة سورٍ ما ويغطي عينيه بقبعته ولا يتدخل في شئون غيره. يحاول المتبجح استفزازه بركله لحذاء بريت ناعتًا إياه بالجبان؛ ينهض بريت ببطء ويمشي الهوينى تجاه إحدى زوايا السور ويتخذ وضع الاستعداد من دون أن يتفوَّه حتى بكلمة. يمشي الرجل الآخر بضع خطوات ويواجه بريت داعيًا إياه لإطلاق إشارة البدء. يطير السكين بسرعةٍ مذهلة مخترقًا عمودًا بجانب الرجل المسلَّح قبل أن يستطيع حتى إشهار مسدسه، لكن الأخير يرفض الاعتراف بالهزيمة ويطلب جولةً أخرى، وهذه المرة حقيقية. انتبه لكيفية إعداد المشهد. تضعنا عدة راعي البقر وعربات الماشية وسياج الحظيرة فورًا في عالم الغرب الأمريكي، نلاحظ كيف أن الحوار والإيماءات تُحدِّد هوية الشخصيات وكيف أن الكاميرا تبني الترقُّب والتشويق بالقطع ذهابًا وعودة بين الرجلين، ننتبه إلى اللقطات التي توضح رد فعل رعاة البقر الآخرين وبخاصة اللقطات المقربة لكريس (يول براينر) الذي نعرف أنه يبحث عن أحد المواهب ليضمَّه لفريقه من المرتزقة. بقراءة هذه العلامات، نتخذ قراراتٍ بخصوص من سيفوز بالنزال ومن سننحاز له ولماذا نهتم لأمره.

في فيلم «الساموراي السبعة»، يقاتل المبارزان كلٌّ منهما الآخر بالسيوف، عندما ندخل المشهد، نجد أنهما مستعدان لتسوية الأمور بعصيٍّ من الخيزران. لكن المُتحَدِّي يبالغ في الأمر منقضًّا على خصمه الهادئ صائحًا بصرخةٍ عظيمة. عندما يطلب المتبجِّح نزالًا حقيقيًّا، يرفض كيوزو، أستاذ المبارزة بالسيف (الذي يؤدي دوره سيجي مياجوشي) ببساطة ويرحل، رافضًا قتل الغريب الأحمق بسيفٍ حقيقي، لكن المتحدي، الذي يدافع عن كبريائه المجروح، يطلب قتالًا حتى الموت. ندرك الموقف الدرامي وهو قتال رجلين من أجل الكبرياء، لكن نظرةً سريعة لمسرح الأحداث تجعلنا نُدرك أننا في اليابان الإقطاعية ولسنا في التخوم الأمريكية. يُعتبر أسلوب بناء المنازل والأسلحة والملابس من بين المفاتيح العديدة التي تعرِّفنا بالمكان والشخصيات والنوع السينمائي. بالنسبة إلى الأسلوب السينمائي، فإن كوروساوا يستخدم بعض مبادئ التصوير والمونتاج التي يستخدمها مخرجو هوليوود، لكن الإيقاع أبطأ بكثير. يُولي كوروساوا انتباهًا أكبر للمتفرجين، وخاصة تاكاشي شيمورا، نظير يول براينر، الذي يتمتم قائلًا: «يا لها من خسارة!» تدلُّ سيوف وقبعات المحاربين والفلاحين بوضوح على مكانتهم الاجتماعية، على عكس الغرب الأمريكي حيث يرتدي كل راعٍ للبقر جرابًا جلديًّا للمسدس وقبعةً عريضة الطرف. في الحقيقة، فإن السياق الاجتماعي لمشاهد الحركة في أفلام كوروساوا يجري التأكيد عليه على مدار أحداث فيلم «الساموراي السبعة»؛ مما يعكس اختلافًا ثقافيًّا كبيرًا بين الفردية الأمريكية وقيم المجتمع الطبقي الخاصة باليابان. من هم الأبطال الحقيقيون؟ وما القيم التي يعيشون بها؟ وكيف تُشكِّل الظروف المحلية والأعراف العامة والاتجاهات المتغيرة في صناعة السينما أفعالهم؟ إن هذه الأسئلة التي تخص الشخصيات والفكرة العامة والتصوير السينمائي والثقافة هي الأمور الأساسية التي يركِّز عليها هذا الفصل.

(٢) رجال بمسدسات: بطل الغرب الأمريكي

من بين كل الأنواع السينمائية المنبثقة من هوليوود، لا يبدو أيٌّ منها أمريكيًّا صرفًا إلا أفلام الغرب الأمريكي. يمكن القول إن هذا النوع هو النوع السينمائي الأمريكي بامتياز، وذلك بكل هضابه الصخرية المنحدرة الجوانب، ومناظره الطبيعية المزينة بالصبَّار، ومشاجرات الحانات الصاخبة، ونزالات الظهيرة الخاصة به وبأبطاله من رعاة البقر ذوي القبعات العريضة البطيئي المشي السريعي إطلاق النار. يصف توماس شاتس هذا النوع بأنه «أكثر الأنواع السينمائية غنًى واستمرارية في سجل الأنواع السينمائية في هوليوود.»1 تاريخيًّا، فإنه كان الأشهر كذلك. يوضح جون بيلتون أنه في فترة تزيد على أربعين عامًا، من ١٩٢٦ وحتى ١٩٦٧، أنتجت هوليوود أفلام غرب أمريكي أكثر من أي نوعٍ سينمائيٍّ آخر.2 لكن إقبال الجمهور على هذه الأفلام يبدو أنه قد بدأ في التراجع؛ فأكثر من ٨٠٠ فيلم غرب أمريكي صُنِعت في الخمسينيات، لكن في الستينيات صُنِع حوالي مائتي فيلم فقط ثم صُنعت حفنةٌ بسيطة منها في السبعينيات والثمانينيات، وتبع ذلك اهتمامٌ متجدِّد في فتراتٍ حديثة. دعونا نسأل الآن: ما السمات المميِّزة لهذا النوع؟ وما العوامل التي أدت إلى شعبيتها الطاغية وصعودها ثم انهيارها ثم إحيائها الظاهري من جديد؟ وكيف بدأ هذا النوع وكيف تطوَّر وكيف تعكس أشكاله المتغيرة التغيرات في الثقافة الأمريكية؟

يُرجِع المؤرخون أفلام الغرب الأمريكي إلى مصادرَ أدبيةٍ مثل «حكايات صاحب الجوارب الجلدية» وهي سلسلة من قصص المغامرات كتبها جيمس فينيمور كوبر في أوائل القرن التاسع عشر، وهي قائمة بتصرف على مغامراتٍ حقيقية لساكن التخوم الأمريكية دانيل بون. إن بطل كوبر الرومانسي الذي يُدعى ناتي بامبو أَلْهَم تأليف المئات من روايات الدايم الورقية الغلاف في وقتٍ لاحق من نفس القرن، وهي نوع من الأدب الشعبي الذي غذى خيال الناس لفتراتٍ طويلة. ومع اختراع الأفلام، انتقلت ذرية بامبو وحكاياتهم العديدة من الورق إلى الشاشة. في فيلم «حانة كريبل كريك» («كريبل كريك بار روم»، ١٨٩٩)، كان بإمكان أوائل جمهور السينما قضاء دقيقة في حانة من حانات الغرب الأمريكي. وفي فيلم «سرقة القطار الكبرى» (١٩٠٣)، شاهد الجمهور سطوًا مسلحًا على قطار، وصُعِقوا في مقاعدهم عندما صوَّب خارجٌ عن القانون شرير المنظر ذو شارب ويرتدي قبعةً سوداء مسدسه مباشرة نحوهم. صُوِّر كلا الفيلمين في نيو جيرسي قبل أن تتوجَّه صناعة السينما نفسها غربًا نحو هوليوود.

كل من شاهد عددًا من أفلام الغرب الأمريكي سيتعرف على السمات التقليدية لنوعها السينمائي. إن مسرح الأحداث هو التخوم الغربية الفسيحة المفتوحة التي اجتذبت الأمريكيين بحثًا عن الحرية والمغامرة والفرصة الاقتصادية من عام ١٨٤٠ وحتى ١٩٠٠. أتى هؤلاء إلى التخوم الأمريكية بصفتهم مستوطنين ومربِّي مواشٍ وهاربين من القانون؛ حيث كان الرجال والنساء يهربون من القيود الاجتماعية والقانونية الخاصة بالشرق. يتضمن طاقم شخصيات أفلام الغرب الأمريكي تنويعات من شخصيات راعي البقر الفظِّ، والمأمور الوحيد، والهندي المخلص أو المخادع، والمرأة السيئة السمعة ذات القلب الطيب. تُعتبر ملابسهم وإكسسواراتهم — قبعاتٌ ذات أطراف عريضة وأحذيةٌ جلديةٌ طويلة العنق بمهاميز، وجراباتٌ جلدية للمسدسات تتدلَّى منخفضة فوق الورك وربما بندقية وشارة مدير الشرطة — أيقوناتٍ مميزة، ومن المألوف كذلك، المشاهد الشائعة لنقل الماشية، ولعب الورق في الحانات، والسطو المسلح على عربات الجياد التي تنقل المسافرين، وظِل راعي البقر الذي يسير بحصانه في مشهد غروب الشمس.

هذه اللبنات الأساسية — المفردات الأساسية لهذا النوع السينمائي — أُعيد تجميعها واستخدامها في لحظاتٍ مختلفة من تاريخ البلاد لتعكس أمورًا تاريخية بعينها. خلال الحرب الكورية، عندما توقَّفت القوات الأمريكية عند خط عرض «٣٨ شمالًا» الذي يفصل بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، أرسلت هوليوود فرقة من سلاح الفرسان لتعبر الحدود المكسيكية وتحقق الانتصار في فيلم «ريو جراندي» (١٩٥٠). وعندما أوجعت أخبار مذبحة ماي لاي الضمير الأمريكي أثناء النزاع في فيتنام، صنع آرثر بين قصةً درامية قائمة على مذبحةٍ مماثلة للنساء والأطفال الهنود الحمر عند نهر ويشيتا في أوكلاهوما في فيلم «رجل كبير ضئيل» («ليتل بيج مان»، ١٩٧٠). خلال التسعينيات، بعد فترةٍ طويلة من تقديم جاري كوبر وجون واين لآخر فيلم غرب أمريكي لهما، بَثَّ عددٌ من «أفلام الغرب الأمريكي المنقَّحة» الحياةَ من جديد في القصص القديمة؛ بمنحها تفسيراتٍ وتأويلاتٍ جديدة للأدوار النمطية؛ ففي فيلم «الرقص مع الذئاب» («دانسز ويذ وولفز»، ١٩٩٠) لكيفن كوستنر، يواجه الهنود الحمر رعاة البقر، لكن هذه المرة سُلِّط التركيز على الهنود الحمر الذين تحدَّثوا بلغتهم الأم وصحب هذا ترجمةٌ مرئية بالإنجليزية لمن يجهلون لُغتَي البوني والسو. وفيلم «غير مغفور» («أنفورجيفن»، ١٩٩٢) لكلينت إيستوود جمع بين عجوزٍ مسلح (إيستوود) ومعاونٍ أمريكي أسود (مورجان فريمان) استُعين بخدماتهما للانتقام لمنزل مليء بالسيدات. ومع كون هذا الفيلم أبعد ما يكون عن تمجيد أبطاله السريعين في إشهار المسدسات وإطلاق النار، فإنه قدَّم صورةً منفِّرة من العنف وكُره النساء وتدفُّق رأس المال المريب في الغرب القديم. وبعد بضع سنوات، في فيلم «السريع والميت» («ذا كويك آند ذا ديد»، ١٩٩٥) للمخرج سام ريمي، أوضحت شارون ستون كيف أن النساء يمكنهن الانتقام لأنفسهن. ارتدت ستون زِيَّ رعاة البقر من القبعة العريضة وحتى المهماز، وركلت الأبواب الدوَّارة لحانة المدينة، وواجهت أعداءها شاهرة المسدس ذا الخزانة الدوارة. وبتتبُّع تطور هذا النوع الأمريكي المميز من السينما وأبطاله، من الممكن إدراك وجود إسقاط جزئي للمُثُل الثقافية الأمريكية.

في مقال روبرت وورشو3 المبكر والمؤثر عن البطل في الغرب الأمريكي، يؤكد على النزاع الداخلي للمقاتل المسلح الذي يعيش طبقًا لميثاق شرفٍ صارم، لكنه يتكسَّب من قتل الآخرين. إجمالًا، فإن بطل أفلام الغرب الأمريكي رجل أفعال، قليل الكلام؛ شخصٌ فظٌّ يعيش على حدود المجتمع المتحضِّر؛ ففي فيلم «الفرجيني» («ذا فرجينيان»، ١٩٢٩)، يضحِّي جاري كوبر بصديقه من أجل متطلباتٍ أسمى لميثاق الشرف؛ إنه يفعل ما يجب عليه القيام به ويتعايش مع الإحساس بالذنب. في فيلم «ظهيرة مشتعلة» («هاي نون»، ١٩٥٢)، يتزوج كوبر بامرأةٍ مسالمة ويتخلَّى عن شارة مدير الشرطة، لكنه ينجرُّ إلى مواجهةٍ عنيفة مع عصابة هادلي. ويختار مواجهة العصابة بمفرده بعد فشله في تجنيد أيٍّ من سكان القرية كمساعدين له. في فيلم «الباحثون» (١٩٥٦)، يبدأ جون واين بحثًا طويلًا للعثور على هنود الكومانشي الذين اغتصبوا وقتلوا أفرادًا من عائلة شقيقه، وهو سعيٌ يقوم به بعزم لا يلين وربما يقول البعض إنه عنف مرضي. وفي فيلم «الرامي» («ذا شوتيست»، ١٩٧٦)، وهو آخر فيلم صنعه جون واين، يلعب واين دور مسلحٍ متقاعد يحتضر بسبب السرطان، وهو رمزٌ أسطوري يضطر إلى مواجهة أعداء قدامى وشبابٍ راغبين في الشهرة يريدون قتله. الفيلم متعلِّق بسيرة حياة جون واين بشكلٍ جزئي (حيث مات بالسرطان بعد ثلاث سنوات) مما أشار إلى نهاية هذا النوع من البطل المفرط الذكورة الذي كان يجسده واين.
لا شك أن شعبية أفلام الغرب الأمريكي الكبيرة خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين كانت تتعلَّق على نحوٍ كبير بجاذبية هذا البطل بالنسبة إلى الذكور الأمريكيين في ذلك الوقت. إن الرجال الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية ويعيشون الآن في الضواحي بصحبة عائلاتهم سيفهمون النزاع بين المجتمع المتحضِّر والعنف في الغرب الأمريكي. ينظر البعض إلى أفلام الغرب الأمريكي الكلاسيكية باعتبارها صدامًا بين الثقافات؛ حيث تمثِّل النساء سفيرات النظام الاجتماعي ويمثل الهنود الحمر البرِّية. على سبيل المثال، في فيلم «عربة الجياد» («ستيجكوتش»، ١٩٣٩)، تدير نساء من شرق البلاد «عصبة القانون والنظام» الأخلاقية، بينما يظهر الهنود الحمر كمتوحِّشين مجهولي الهوية، لا يأبه كثيرًا بطل الفيلم الشاب (جون واين في دوره الذي صعد به إلى مصاف النجوم) بالمبادئ السامية للعصبة. في فيلم «الباحثون»، تقترب شخصية واين من الهنود الحمر بشكلٍ أكبر؛ فهو معجب بمهاراتهم في تتبُّع الأثر، ويتبع تقاليدهم وينتمي بوضوح لعالمهم الذي يتسم بالمساحات الخارجية المفتوحة، بنحوٍ مضاد للبيئة الداخلية المتحضرة لبيت زوجة شقيقه. يحلل جيم كيتسيس هذا التناقض بمصطلحاتٍ عامة متعلقة بالموضوع؛ فبالنسبة إليه، فإن أفلام الغرب الأمريكي تجسِّد على نحوٍ درامي انقسامًا عميقًا ومستمرًّا في حياة الأمريكيين بين الفرد والمجتمع، بين الاستقامة والتنازل، بين البراجماتية والمثالية، بين الطبيعة والثقافة، بين الشرق والغرب.4 بالنسبة إلى كيتسيس، فإن نوع الغرب الأمريكي السينمائي هو أسطورةٌ قومية تحدد سماتٍ هامة في الهوية الأمريكية.

على الرغم من ذلك، ورغم طابعه الأمريكي المميز، فإن هذا النوع السينمائي جذب ويستمر في جذب جمهور خارج حدود الولايات المتحدة؛ ففي فيلم «مأمور فراكتشرد جو» («ذا شريف أوف فراكتشرد جو»، ١٩٥٨)، يصبح رجلٌ إنجليزيٌّ كريم الطباع مأمورًا لبلدة بعد إيقافه من دون قصد هجومًا للهنود الحمر خلال سفره في الغرب الأمريكي. إن هذا الفيلم الذي يمثل إنتاجًا عالميًّا مشتركًا ويضم نجومًا من دولتين (كينيث مور من بريطانيا وجين مانسفيلد من أمريكا) والذي صُوِّر في إسبانيا كان بداية فيض من أفلام الغرب الأمريكي الأوروبية. صنع الألمان الغربيون هذه الأفلام في يوغوسلافيا معتمدين على الشعبية الكبيرة لقصص مغامرات كارل ماي للأولاد عن زعيم الهنود الحمر وينيتو وصديقه الأبيض المقرَّب المعروف باسم شاترهاند. ربما يكون الممثلون في أفلام وينيتو (مثل فيلم «كنز سيلفر ليك» («ذا تريجر أوف سيلفر ليك»، ١٩٦٢) والأول ضمن سلسلة طويلة من الأفلام) ألمانًا أو نمساويين أو إنجليزًا أو فرنسيين أو مجريين أو أمريكيين يبحثون عن عملٍ خارج بلادهم. لم يمر وقتٌ طويل قبل أن تنضم شركات إنتاج إسبانية وإيطالية للرَّكب، صانعين أفلامهم في المواقع الخارجية لأستديوهات شينشيتا بالقرب من روما أو في المنطقة الصحراوية القاحلة بين مدينتَي برشلونة ومدريد.

أخرج المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني أشهر أفلام الغرب الأمريكي الأوروبية هذه والمعروفة باسم «أفلام الاسباجيتي». وعلى عكس الكثير من نظرائه الأوروبيين، لم يكن ليوني راضيًا باتباع التركيبة المعتادة لأفلام الغرب الأمريكي؛ ففي ثلاثيته المسماة «الرجل الذي لا اسم له» (التي تضم الأفلام «حفنة من الدولارات» («آ فيستفول أوف دولارز») و«من أجل المزيد من الدولارات» («فور آ فيو دولارز مور»، ١٩٦٥)، و«الطيب والشرس والقبيح» («ذا جود، ذا باد آند ذي أجلي»، ١٩٦٦)) وفيلم «حدث ذات مرة في الغرب» («وانس أبون آ تايم إن ذا ويست»، ١٩٦٨) قدَّم رؤيته المتفرِّدة لهذا النوع السينمائي. كان أبطال وشرِّيرو أفلامه يبدون متشابهين على نحوٍ غامض. يمثل الرجل الذي لا اسم له (الذي قام بدوره كلينت إيستوود في الثلاثية) — والذي كان قذرًا وغير حليق اللحية وينضح بالعرق ويرتدي عباءة البونتشو وقبعةً سوداء — لغزًا أخلاقيًّا؛ فقد كان رجلًا دوافعه غامضة؛ فهو قادر على ارتكاب عنفٍ شديد وأفعالٍ خيِّرة بين الحين والآخر، وكان شخصًا منعزلًا ربما ينقذ عائلةً فقيرة في خطر من أجل بضعة دولارات وليس بدافع تحقيق العدل، أو ربما يقتل كل الأشرار في بلدةٍ ما لمجرد أنهم يزعجونه. وربما بسبب أن أفلام ليوني كانت تُدبلَج، فقد كان يولي انتباهًا كبيرًا للسمات البصرية والموسيقى التصويرية أكثر من الحوار. ومن سمات أسلوبه المميزة حركات الكاميرا المثيرة والمفاجئة واللقطات المقربة للغاية بالتبادل مع اللقطات الواسعة المُطوَّلة جدًّا، وموسيقى إينيو موريكوني المثيرة للعواطف.

من آسيا وحتى أفريقيا، حاول صناع الأفلام غير الغربيين كذلك صنع أفلام غرب أمريكي، يُعتبر بعضها — مثل «سوكي ياكي ويسترن جانجو» (٢٠٠٧) للمخرج الياباني تاكاشي ميكه و«الطيب والشرس وغريب الأطوار» («ذا جود، ذا باد، ذا ويرد»، ٢٠٠٨) للمخرج الكوري كيم جي وون — اعترافًا بفضل أفلام الغرب الأمريكي الكلاسيكية. أفلامٌ أخرى، مثل «عودة المغامر» («ذا ريترن أوف آن أدفنتشرر»، ١٩٦٦) والذي صُوِّر في النيجر، ترتبط بالنوع السينمائي بصلات أكثر تعقيدًا. صنع فيلم «عودة المغامر» المخرج الحسن مصطفى، الذي يُعتبر أحد أوائل مخرجي السينما الأفارقة. يبدأ الفيلم في قرية أفريقية تقليدية حيث ينزل شخصٌ يُدعى جيمي من طائرة حاملًا حقيبة مليئة بسراويل الجينز الزرقاء وقبعات رعاة البقر والمسدسات ذات الخزانة الدوارة وتذكاراتٍ أخرى من الغرب القديم. يوزِّع جيمي هذه الأشياء على أصدقائه الذين ينتحلون أسماءً أمريكية ويبدءون على الفور التصرف كرعاة بقر تقليديين؛ فيحتسون الويسكي، ويلعبون ألعاب الورق، ويبدءون في شجارٍ داخل إحدى الحانات، ويمتطون الجياد وصولًا إلى الخليج المحلي مثيرين رعب السكان القرويين. صور الفيلم مليئة بالتنافر: طائرة تهبط وسط أسقفٍ من القش، ورعاة بقر يدفعون قطيعًا من الزراف، ومجلس من الحكماء يواجه عصابة كيلي. يستغل مصطفى الأساليب التقليدية لأفلام الكوميديا والغرب الأمريكي مغازلًا الجمهور الأفريقي الذي تربَّى على مشاهدة هذين النوعين. في نفس الوقت، فإنه يستخدم المحاكاة الساخرة ليهزأ من هوليوود بعرض نقدٍ ماكر للاستعمار الثقافي. في الهند، استخدم راميش سيبي أفلام الغرب الأمريكي استخدامًا آخر، حيث أصبح فيلمه «الشعلة» (شولاي، ١٩٧٥) فيلمًا كلاسيكيًّا بطريقته الخاصة. يبدأ الفيلم في منطقة في شرق الهند تشبه الأراضي الأمريكية الوعرة، ويعرض قصة مُجرمَيْن تافهَيْن يُستعانُ بخدماتهما لإنقاذ بلدةٍ ما من قطاع الطرق الناهبين. وعلى الرغم من تكرار هذا الفيلم ذي النكهة الهندية لإشاراتٍ واضحة لأعمال ليوني وسترجيس وبيكينبا، فإنه يُعتبر هنديًّا على نحوٍ خاص؛ حيث يعكس الأفكار القومية والجماليات الخاصة بالسينما الهندية. يتيح فيلم «الشعلة» فرصةً سانحة لفهم كيف يمكن لثقافةٍ ما استيعاب نوعٍ سينمائيٍّ قومي آخر وتكييفه لجمهورٍ محلي (انظر قسم «لقطة مقربة: الشعلة»). إنه كذلك مثالٌ دالٌّ يوضِّح كيف يصبح الأبطال المحليون المقاتلون جزءًا من عالمٍ أسطوريٍّ عالمي.

(٣) رجال بسيوف: تقليد الساموراي

عندما بدأ أكيرا كوروساوا صنع فيلم «الساموراي السبعة» و«يوجيمبو» في الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين، كان، مثل العديد من المخرجين اليابانيين الآخرين، مطَّلِعًا بشكلٍ جيد على الأفلام الأمريكية. في طفولته، كان يضحك عند مشاهدة كوميديا تشارلي تشابلن البهلوانية، وتثيره مغامرات رعاة البقر الشُّجاعة لويليام إس هارت. عبَّر كوروساوا بصراحة عن الفضل الذي يدين به لأفلام الغرب الأمريكي لجون فورد، لكن مهما كان ما يدين به لهوليوود، فإنه كذلك كان يعتمد على تقليدٍ قوميٍّ قويٍّ متمثل في أفلام الساموراي. ومثل أفلام الغرب الأمريكي في الولايات المتحدة، فإن أفلام الساموراي كانت شهيرة بشكلٍ خاص لمدة خمسين عامًا، منذ العشرينيات وحتى الستينيات من القرن العشرين. كان الجمهور الياباني يذهب بكثافة لمشاهدة هذه لأفلام؛ ليرى رجالًا شاهرين سيوفهم يواجهون أعداءهم، وأحيانًا يواجه بعضهم بعضًا، في عروضٍ مبهرة للشجاعة والمهارة من عصرٍ بائد.

يمكن للمقارنات بين أفلام الغرب الأمريكي والساموراي فيما يخص مسرح الأحداث التاريخي أن تكون جذَّابة لكنها مضلِّلة؛ ففي الوقت الذي كانت فيه التخوم الأمريكية تمتد غربًا إلى قلب البراري الفسيحة ومناطق أكثر وعورة في سلسلة جبال روكي وصحارٍ في الجنوب الغربي منذ حوالي عام ١٨٠٠ وحتى ١٨٩٠، فإن الحضارة في اليابان امتدت من الغرب إلى الشرق داخل أرض سهل الكانتو الوحشي وهو منطقةٌ زراعية غنية كان يسكنها شعب الآينو وهم سكان اليابان الأصليون. كان فرسان الساموراي عنصرًا أساسيًّا في قتال وتشريد قبائل الآينو، كما طرد المستوطنون الأوائل والفرسان ورعاة البقر الأمريكيون قبائل الشيروكي والنافاهو من أراضيهم. في الحقيقة، فإن فرسان الساموراي سُمُّوا «مستوطنين بسيوف»،5 لكنهم كانوا ينتمون لنظامٍ إقطاعي سيطر على اليابان قبل أن يهبط الأوروبيون على شواطئ أمريكا الشمالية بفترةٍ طويلة. كان هؤلاء الفرسان على درجةٍ عالية من التدريب، ومخلصين بشدة لأسيادهم، وكانوا يتبعون نظامًا أخلاقيًّا صارمًا يسمى «البوشيدو» (طريق المحارب). كان فارس الساموراي التقليدي يحمل سيفَين، الأطول يسمى «دايتو» ويبلغ طوله قدمَين، والأقصر يسمى «شاكو»، لكنه كذلك كان يمكنه حمل القوس والسهم أو أن يقاتل من دون سلاح، سواء على ظهر حصان أو على قدمَيه. ولكونهم أفرادًا من طبقة المحاربين، فقد كانوا يتمتَّعون بمكانةٍ اجتماعيةٍ خاصة، لكن خلال حقبة الإيدو السلمية نسبيًّا، عندما كانت اليابان بالكامل تخضع لحكم عائلة توكوجاوا، أصبح العديد منهم ملاك أراضٍ ويعملون بالدواوين. لكن ظل منهم من خسروا أسيادهم وامتيازاتهم وانضموا لمراتب فرسان «الرونين» العاطلين الباحثين عن العمل أو المغامرة. كان الجمهور الياباني يحمل إعجابًا من نوعٍ خاصٍّ بفرسان الرونين هؤلاء.

ومثلما كان الحال مع أبطال التخوم الأمريكية الذين تُسرَد قصصهم، فإن حكايات فرسان الساموراي ذائعي الصيت جرى تداولها على نطاقٍ واسع عن طريق الحكايات الشفهية والأدب الشعبي المطبوع قبل ظهور السينما. كانت أساطير فرسان الساموراي مثل مياموتو موساشي صاحب أسرع سيف في اليابان تروق الأطفال اليابانيين مثلما أثارت حكايات وايت إيرب ودانيل بون إعجاب الصغار والشباب في الولايات المتحدة، كذلك فإن مغامراتهم كان يُحتَفَى بها في مسرح الكابوكي الكلاسيكي الذي كان يقيم عروضًا لقتالات شعائرية بالسيف، فيها اهتمام كبير بالتفاصيل تسمى «تاشيماواري»، ولاحقًا، أقيمت عروضٌ أقل اهتمامًا بالمظهر، وكانت تسمى «شينكوكوجيكي» (المسرح القومي الجديد) وراقت جمهورًا يبحث عن الإثارة أكثر من بحثه عن الجمال البصري. أما النوع الأكثر دموية وواقعية من القتال فقد سمِّي باسم «شانبارا» وهي كلمة تحاكي صوتيًّا صوت صدام أنصال السيوف: شان-شان، بارا-بارا.

الفصل بين الطقس الشعائري والواقعية فصلٌ هام لأي فهم لأي نوعٍ فنيٍّ ياباني، وهذا يتضمن السينما. يوضح دونالد ريتشي، أحد أكثر المفسرين الغربيين للجماليات الفنية اليابانية تأثيرًا، أن اليابان لا تمتلك ما نسميه بالواقعية.6 ما يمكن اعتباره واقعيًّا في اليابان يبدو غير واقعي على نحوٍ كبير بالنسبة إلى معظم الغربيين. تُعتبر الدراما في اليابان، مثل الحدائق وترتيبات الزهور، أكثر نبضًا بالحياة عندما تُشَذَّب عناصرها بحرص وتقدَّم للجمهور. هذا التأكيد على كيفية تقديم الواقع بدلًا من تمثيله ينطبق على الأفلام كذلك. وطبقًا لريتشي، فإن اليابانيين نظروا إلى السينما باعتبارها نوعًا جديد من فن المسرح وليس نوعًا من التصوير كما كان الحال في فرنسا والولايات المتحدة. بالنسبة إلى أوائل مخرجي السينما في اليابان، كان إطار المشهد السينمائي مقابلًا لخشبة المسرح وهو مكان يُشكَّل فيه الفعل ولا يُصوَّر فيه فقط.
تُصنَّف الأفلام اليابانية إلى قسمَين عامَّين: الأول هو «جيداي جيكي» أو الدراما التاريخية المصوَّرة بشكلٍ أساسي أثناء حقبة الإيدو (١٦٠٣–١٨٦٧)، والثاني هو «جينداي جيكي» الذي يتناول الحياة المعاصرة. في أواسط خمسينيات القرن العشرين، كانت أفلام الجيداي جيكي تمثِّل حوالي نسبة ٤٠ بالمائة من إجمالي الأفلام المنتَجة في اليابان. وبحلول عام ١٩٦٩، انخفضت النسبة إلى ٨ بالمائة.7 فما المسئول عن الجاذبية الاستثنائية لهذه الأفلام التاريخية وأكثر تنويعاتها شهرة (أفلام الساموراي) في لحظة ما من تاريخ اليابان عندما كانت أفلام الغرب الأمريكي تصل إلى القمة في الولايات المتحدة؟ للعثور على إجابة عن هذا السؤال، ربما نحتاج للنظر في تطور أفلام الساموراي والأنواع الفرعية العديدة التي انبثقت من تحت عباءتها.
قبل الحرب العالمية الثانية، كانت أشهر أفلام الساموراي تميل إلى أن تكون غيرَ واقعيةٍ وساخرةً عن عمد. قدَّم فيلم «شاب مُتَقلِّب» («كابريشس يانج مان»، ١٩٣٦) للمخرج مانساكو إيتامي قتالًا بين مبارزين بالسيف؛ أحدهما محارب فذٌّ يعيش وفقًا لنظام البوشيدو الأخلاقي، ويحارب من أجل تحقيق المجد ويحافظ على ولاء لا يرقى إليه الشك لسيدٍ فاسد، أما الآخر فهو شخصٌ مثير للضحك يبدو في البداية جبانًا وغير كفؤ، لكن يتضح أنه يفوق الآخر في المهارة. يقوم بالدورين نفس الممثل مما يشدِّد على الغموض الأخلاقي للفيلم. ويصور فيلم «الإنسانية وبالونات الورق» («هيومانتي آند بيبر بالونز»، ١٩٣٧) للمخرج ساداو ياماناكا الحياة في قاع العاصمة طوكيو في القرن الثامن عشر، حيث يحاول أحد فرسان الرونين المفلسين أن يصبح فارس ساموراي جيدًا مرةً أخرى لكنه يفشل. يتورَّط البطل، العاطل عن العمل والفقير فقرًا مدقعًا، في عملية اختطاف طائشة تنتهي بشكلٍ مأساوي. إن مثل هذه الأفلام، البعيدة كل البعد عن تمجيد القتال، تميل إلى انتقاد الحماسة للروح العسكرية التي كانت تكتسح اليابان في ثلاثينيات القرن العشرين. يبدو الأمر إذن مثيرًا للسخرية، كما يوضح المؤرخ ميشيتارو تادا، أن أفلامًا مثل أفلام إيتامي وياماناكا مُنِع عرضها خلال احتلال الحلفاء لليابان من عام ١٩٤٥ وحتى ١٩٥٢. ومن بين الأشياء التي منعها القائد الأعلى لقوات الحلفاء، الذي كان يحكم اليابان بعد الحرب، كانت الأفلام «التي تؤيد أو توافق على الولاء للإقطاعيين، وتؤيد الانتحار بشكلٍ مباشر أو غير مباشر» وهو ما يجرِّم أفلام الساموراي عمليًّا.8
على الرغم من ذلك، وبحلول منتصف الخمسينيات، عادت أفلام الساموراي بقوة، وقاد هذا نجاح فيلم «الساموراي السبعة» لكوروساوا (انظر قسم «لقطة مقربة: الساموراي السبعة»). يحدِّد ديفيد ديسر أربعة أنواع سينمائية فرعية ازدهرت في حقبة ما بعد الحرب.9 يسمي ديسر أول هذه الأنواع «دراما الساموراي ذات الحنين للماضي» ومنها فيلم «تشوشينجورا» (١٩٦٢) للمخرج هيروشي إيناجاكي، ويسرد الفيلم، القائم على مسرحية كابوكي قديمة قائمة بدورها على واقعةٍ حقيقية؛ قصةً ملحمية عن تعارض الالتزامات والانتقام (انظر شكل ١-٤) عندما يتعرض سيدهم للخداع ويُحكَم عليه ظلمًا بالإعدام؛ فيأمر القائد العسكري تابعي هذا السيد السبعة والأربعين بأن يصادروا ممتلكاته لصالح الحكومة ويتفرقوا. يجب عليهم تقرير هل كانوا سيُنفِّذون أوامر القائد أو يمتثلون لإحساسهم الفردي بالعدالة. هذا التعارض بين الواجب «جيري» والميل الشخصي «نينجو» فكرةٌ متكرِّرة في السينما والثقافة اليابانية. لكن ما يجعل فيلم إيناجاكي مثيرًا للحنين للماضي هو أسلوبه الرثائي، أي الطريقة التي يتناول بها ماضيًا زائلًا. يربط ديسر هذا الإدراك بولعٍ ياباني بما يسمى «مونو نو أواري» أو «استعذاب الحزن أو إحساس لا يمكن تفسيره تقريبًا بفناء الحياة وهو إحساسٌ مؤلم بنحوٍ ممتع.»10 هذا الإدراك القوي بأنه لا شيء يدوم للأبد يمكن تتبُّعه خلال الفن الياباني، من رواية ليدي موراساكي الكلاسيكية «حكاية جنجي»، وحتى رسم المناظر الطبيعية وشعر الهايكو. في فيلم «تشوشينجورا»، لا نتوقع أن ينجو الأبطال في القصة، لكن ربما نكتسب إحساسًا عميقًا حلوًا ومرًّا بالرضا عندما ندرك عرضية وزوال الحياة.
figure
شكل ١-٤: فرقة من المحاربين المخلصين يهاجمون مقرَّ من آذوا سيدهم في فيلم «تشوشينجورا» (هيروشي إيناجاكي، ١٩٦٢). بالنسبة إلى بعض المشاهدين، فإن مظهرهم المتَّشح بالسواد وهم يتقدمون في الثلج يشبه الكتابة اليابانية على ورق الأرز.

النوع السينمائي الفرعي الثاني الذي يتحدَّث عنه ديسر هو الدراما المناهضة للإقطاعيين والممثلة في فيلم «هاراكيري» (١٩٦٢) للمخرج ماساكي كوباياشي، الذي يخسر فيه بطل ساموراي مكانته ليس بسبب أي خطأ ارتكبه، وينتقم لمقتل زوج ابنته العزيز. ينتقد فيلم كوباياشي، مثل الأفلام الأخرى من نفس النوع السينمائي، النظام الإقطاعي الذي وضع الأفراد في خلاف مع غريزة الخير داخلهم. يجد ديسر رسالةً سياسيةً محتَملة داخل هذا النوع السينمائي المناهض للإقطاعية؛ فبالتشكيك في الحالة الأخلاقية لنظام باطل للتحالفات العسكرية، فإن مثل هذه الأفلام يمكن النظر إليها كاحتجاجٍ على معاهدة الدفاع المشترك لعام ١٩٦٠ التي جعلت اليابان حليفًا للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.

يسمِّي ديسر النوع الثالث «محاربي الزِّن» وهو نوعٌ فرعي يتيح لمحاربي الساموراي تجاوز التعهدات الاجتماعية لزمانهم بالقفز إلى العالم الروحي. في فيلم «ساموراي» لهيروشي إيناجاكي («ثلاثية الساموراي: موساشي مياموتو»، ١٩٥٤–١٩٥٦)، يتعلم البطل فنَّ المبارزة بالسيف على يد راهب من رهبان الزن البوذيين، يمارس البطل فنون القتال لسنوات؛ مما يجعله فارس ساموراي شديد البراعة مستعدًّا لمواجهة عدوه الأزلي. في فلسفة الزن المتناقضة، فإن أبرع مبارزي السيف لا يستخدمون أبدًا أي سيوف. ما يساعده على تحقيق الانتصار في المعركة هو عدم الاكتراث بكونه سيموت أم لا. ومن خلال مثل هذه الأعمال المتناقضة مع المنطق والمبارزة بالسيف، فإن الأفلام القائمة على فلسفة الزن مثل «ساموراي» أتاحت الطريق لنوع آخر من أفلام المبارزة بالسيوف يسميه ديسر «أفلام السيف»، موضحًا أن رافضي هذا النوع يستخدمون مصطلح «شانبارا»، بينما يربط معجبوه بين هذه الأفلام وأفلام «الجيداي جيكي» التاريخية. بالنظر إليها كمجموعة، تتميز أفلام السيوف بالسفك الشديد للدماء وعدد الضحايا المرتفع، وكلما زاد عدد الأطراف المقطوعة، كان هذا أفضل. في أفلام مثل «حكاية زاتويشي» («ذا تيل أوف زاتويشي»، ١٩٦٢) وسلسلة أفلام «الذئب المتوحد والشبل» («لون وولف آند كاب»، ١٩٧٢–١٩٧٤) للمخرج كينجي ميسومي، ربما يكون الأبطال، البعيدين كل البعد عن كونهم فرسان ساموراي أو حتى رونين، فلاحين بسطاء أو حتى رجالًا عميان يتصادف أنهم يحسنون استخدام السيف. بوجهٍ عام، فإن الدوافع الرئيسية للبطل هي المال وعرض براعته في القتال على نحوٍ مبهر، رغم أنه ربما يمتلك قلبًا طيبًا وحسًّا بالعدالة، رغم ذلك، في النهاية فإن جهوده لا معنى لها ولا طائل من ورائها. هناك نزعةٌ قاسية من العدمية تسري في هذه الأفلام التي تُعتبر من أشهر أنواع التسلية السينمائية.

إن التغيُّر الحاد لأفلام الساموراي من احتفاء بماضٍ بائد لتقديم مذابح لا تتعلق بالتاريخ يشبه بصورةٍ كبيرة تطوُّر أفلام الغرب الأمريكي منذ زمن جون فورد وحتى زمن كوينتن تارانتينو؛ وهو جزء من اتجاهٍ عالمي يميل إلى المزيد من العنف الصريح. لكن لا يجب علينا إغفال الفروق بين الماضيَين المحتفَى بهما أو مصادر هذه الدوافع العنيفة. كان المجتمع الياباني خلال حقبة الإيدو طبقيًّا بنحوٍ صارم؛ نظام طبقاتٍ اجتماعية وولاءاتٍ محدَّدة لأي ياباني منذ مولده؛ فإذا ولدتَ في طبقة محاربي الساموراي، فستتمتع بحقوق طبقتك الاجتماعية، لكنك ستكون ملزَمًا كذلك بالقيام بمهامَّ محددة. إن هويتك وفرديتك تعتمدان على مكانك في السُّلَّم الاجتماعي. لم تكن هذه القواعد، التي تنظم حياتك، قواعد شخصية، بل هي جزء من نظام البوشيدو الأخلاقي؛ لذا فإن النزاع الأساسي بالنسبة إلى أي فارس ساموراي يكون عادة الاختيار ما بين الالتزامات الاجتماعية «جيري» المتعارضة أو بينها وبين فرديته وإنسانيته «نينجو»، لكن هذا دائمًا ما يكون ضمن سياقٍ اجتماعي.

على نحوٍ معاكس لهذا، فإن البطل في أفلام الغرب الأمريكي يعيش على التخوم بين الحضارة والصحراء ويجذبه باستمرار نداء البرِّية داخله وما وراء المكان الذي يعيش فيه. وفي الوقت الذي عادةً ما يكون فيه الساموراي مقيدًا بدورٍ اجتماعيٍّ محدَّد، فإن راعي البقر يكون على الأرجح وحيدًا ولا يتبع إلا ضميره وقانونه الشخصي فقط. وبينما يتبع الساموراي تقليدًا لسلوكٍ محدَّد بصرامة منذ قرونٍ عدة، فإن راعي البقر ملتزم بميثاق شرف غير منصوص عليه بوضوح. وكما يخبر لي جيه كوب كلينت إيستوود في فيلم «خدعة كوجان» («كوجانز بلاف»، ١٩٦٨) للمخرج دون سيجل: «يجب على الرجل فعل ما يجب عليه فعله.» لكن سلوك الشخصيتَين متشابه بنحوٍ كبير. فكلاهما يتناول الشراب بإفراط ويغازل النساء بشكلٍ عارض في الحانات أو في النُّزل المحلي، ويتدرب بصورة مستمرة لصقل مهاراته في القتال، ويزيد في هذا المبارز بالسيف على صاحب المسدس. ونحن نادرًا ما نراهم من دون أسلحتهم، وهم يتخذون أوضاعًا بارزة في النزالات. إن صور جون واين وهو يضع راحتَي يديه على جرابَي مسدسيه أو توشيرو ميفوني وهو يستلُّ سيفه الطويل المميت من غمده كانت نماذج لا تُقاوَم للملايين من الشباب الذكور.

في الوقت الذي كانت فيه أفلام الساموراي نوعًا سينمائيًّا يسيطر عليه الذكور بشكلٍ تقليدي، فإن النساء غالبًا ما كنَّ يظهرن في أدوار غانيات أو فتياتٍ بريئات على وشك التحول إلى محظيات، ومثل فارس الساموراي ذاته، فإنهن يخضعن للنظام ويصبحن ضمن ممتلكات أسيادهن، إن سلاحهن الأساسي هو الجنس، لكن ربما يكُنَّ مقاتلات كذلك. كان مسرح الكابوكي له بطلاته من محاربات الساموراي واللاتي يسمين «أونابادو»، كما أن بعض مقاتلات السينما مثل بطلة فيلم «الجميلة ذات الشعر المبتلِّ» («وايت هيرد بيوتي»، ١٩٦١) للمخرج توكوزو تاناكا، كنَّ يواجهن أفضل المحاربين الذكور. ومع بداية الألفية الجديدة، كانت المحاربات يهزمن منافسيهن من الذكور والإناث على حدٍّ سواء بالسيوف أو المسدسات أو من دون سلاح بكل كفاءة. شاهد كيف تواجه أوما ثورمان لوسي لو (شكل ١-٥) وفيفيكا إيه فوكس وديفيد كارادين في سلسلة أفلام «اقتل بيل» لكوينتن تارانتينو (٢٠٠٣-٢٠٠٤) التي جمعت بين أسلحة أفلام الغرب الأمريكي الهوليوودية وتقاليد الساموراي في مذبحةٍ متعددة الثقافات عابرة لحدود المحيط الهادي.

figure
شكل ١-٥: الغرب يقابل الشرق. أوما ثورمان تواجه لوسي لو في فيلم «اقتل بيل: الجزء الثاني» (كوينتن تارانتينو، ٢٠٠٤).

يناسب مصطلح «محارب» فارس الساموراي أكثر من راعي البقر الغربي؛ كان فرسان الساموراي محاربين محترفين وُلِدوا في طبقةٍ اجتماعيةٍ عسكرية ودُرِّبوا ليعيشوا أو يموتوا بقتال السيف، أما بطل الغرب الأمريكي فإنه يختار دوره فهو يصبح مأمورًا أو مرتزقًا؛ لأنه يجيد التصويب بالمسدس أو يمتلك من الشجاعة ما يزيد على الآخرين. لكن راعي البقر وفارس الساموراي كانا يسكنان عالمًا الكلمة الأولى والأخيرة فيه للعنف. إذا لم تكن التخوم الأمريكية منطقة حربٍ رسمية، فإنها كانت لا تزال تحتاج لمهارات وحذر الجندي من أجل البقاء. وهذا ربما يفسر سبب تمتُّع أفلام الساموراي، مثل أفلام الغرب الأمريكي، بالشعبية التي تمتعت بها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بوقتٍ قصير؛ فبالنسبة إلى الذكور الأمريكيين والأوروبيين، فإن الغرب القديم كان يمثِّل الأرض المحرَّمة غير الخاضعة لأي قانون التي كان يدور فيها قتال عنيف. أصبحت أفلام الغرب الأمريكي مسرحًا للتنفيس عن الدوافع العنيفة التي يُطلَق لها العنان بشكلٍ يتجاوز حدود المجتمع المتحضر التقليدي. وبالنسبة إلى الجمهور الياباني، فإن حقبة الإيدو ربما كانت تخدم غرضًا مماثلًا لكن من منظورٍ أكثر قتامة. كانت الشمس تبدو كما لو كانت تشرق على المستقبل الأمريكي وتغرب على ماضي اليابان العظيم. في نهاية الفيلم، وبينما يسير راعي البقر بحصانه في غروب الشمس ليعيش يومًا آخر، فإن فارس الساموراي يدرك أن حياته انتهت بنهاية اليوم.

(٤) سيوفٌ مسحورة وقبضاتٌ طائرة: الكونغ فو والووشيا

في تلك الأثناء، وفي مكانٍ ما من الصين، كان هناك نوعٌ آخر من البطل المحارب يستعد لدخول حلبة القتال. إن هذا البطل الخارق، المسلح بسيوفٍ مسحورة وترياقاتٍ مُميتة، القادر على أداء حركاتٍ أكروباتيةٍ مضادة للجاذبية، ظهر على الشاشة العالمية في بداية الألفية الجديدة في فيلم «النمر الرابض والتنين الخفي» (٢٠٠٠) للمخرج آنج لي. بالنسبة إلى معظم الجمهور الغربي، فإن رؤية شابةٍ جميلة (جانج زيي) تتبادل الضربات بالسيف مع خصمها (تشاو يون فات) على ارتفاع من الأرض داخل ظُلَّة في غابة لأشجار الخيزران؛ بدا منظرًا جديدًا من نوعه وغريبًا على نحوٍ جذَّاب. ومن خلال القفز من فرع لآخر وتفادي الضربات والتمايل مع حركات الرياح، بدا كما لو كان هذان الشخصان قد اندمجا في خليط من الرقصات المُغوِية والقتال المميت.

لكن بالنسبة إلى الجمهور الصيني، فإن شخصيات الفيلم والعناصر المستخدمة فيه لم تكن أمرًا جديدًا عليهم؛ فهذه الأمور تنتمي لتقليدٍ قصصيٍّ قديم يعود تاريخه إلى ما قبل ظهور رعاة البقر الأمريكيين أو فرسان الساموراي اليابانيين، وهو شكلٌ من السرد القصصي معروف باسم «الووشيا»، وهو نوعٌ من القتال يتَّسم بالفروسية والشهامة. يشير مقطع «وو»، الذي يعني الشجاعة والبسالة، إلى كلمة «ووشو» التي تعني فنون القتال. أما كلمة «شيا» فتُرجمت لمصطلحاتٍ عدة مثل بطل أو محارب بالسيف أو مغامر أو مأجور أو محارب أو فارس متجوِّل. غالبًا ما يكون بطل هذا النوع من القصص محاربًا بالسيف مأجورًا مستقلًّا يتبع نظامًا أخلاقيًّا صارمًا، بنحوٍ لا يختلف عن فرسان الرونين اليابانيين أو الفرسان الأوروبيين الهائمين المغامرين أو رعاة البقر المأجورين في الغرب الأمريكي. وعلى مدار التاريخ، كان هؤلاء المحاربون يسيطرون على حقبة الممالك المتحاربة في الصين قبل أن يقمعهم جميعًا الإمبراطور الأول لسلالة تشين الحاكمة، حوالي عام ٢٢٠ قبل الميلاد، ويستبدل بالنظام الإقطاعي القديم حكمًا ملكيًّا شرعيًّا. انجذبت طبقة المحاربين إلى الطبقات السفلى من المجتمع؛ مما شوَّه سمعتهم، لكنهم ظهروا مرةً أخرى في فتراتٍ زمنيةٍ مختلفة كرهبان الشاولن وجماعاتٍ سرية والعديد من المجموعات المحرومة من الحقوق، التي كانت تتضمن أحيانًا النساء والأقليات. وخلال فترة حكم أسرة مينج (١٣٦٨–١٦٤٤)، كانت هناك قصص تُحكَى عن عالمٍ سفليٍّ سرِّيٍّ — يسمى بالماندارين «جيانجهو» وتعني حرفيًّا «أنهار وبحيرات» — مكوَّنٍ من مُتشرِّدين ورجال دين وأعضاء طوائف ومتسوِّلين وخارجين عن القانون وطلابِ علمٍ فقراء ولاجئين آخرين هاربين من نظام المجتمع السائد. في هذا العالم الأسطوري، كانت هناك قيمةٌ كبيرة لمهارات الفنون القتالية والشرف والإخلاص وواجب الانتقام المقدَّس. كانت هناك كذلك أشكالٌ قوية من الخيال والرومانسية في أدب الووشيا. وغالبًا ما يكون العشَّاق الشباب بارعين في فنون القتال وذوي مهاراتٍ خارقة ويحاربون جنبًا إلى جنب.

خرجت الأفلام الصينية التي استقى منها آنج لي جانبًا من إلهامه من هذه القصص مثلما خرجت أفلام الغرب الأمريكي من صفحات الأدب الشعبي. إن العناصر البصرية لهذا النوع السينمائي — مشاهد الحركة المثيرة ومواقع الأحداث الغريبة والأبطال الاستثنائيون والأدوات المبتكَرة — وجاذبيته لدى قطاعٍ عريض من الجمهور جعلتاه ملائمًا جدًّا للأفلام كوسيطٍ إعلامي جماهيري. ومثل أفلام الغرب الأمريكي في هوليوود، فإن أفلام الووشيا تعود إلى الأيام الأولى للسينما الصامتة؛ فقد أَنتج فيلم «إحراق معبد اللوتس الأحمر» («بِرننج أوف ذا ريد لوتس تيمبل»، ١٩٢٨)، وهو مأخوذ عن كتاب لشيان كايرن؛ جيلًا من المحاربين العنيفين الذين تبادلوا الضربات المميتة وطاروا عبر الشاشة. أدَّى العنف المتزايد والمعاني الضمنية السياسية لهذه الأفلام إلى أن تمنع الحكومة إنتاجَها في الثلاثينيات. في الخمسينيات، رجعت الأفلام للظهور بشكلٍ أكثرَ تقليديةً مرتبطٍ أسلوبيًّا بالأوبرا الصينية والموضوعات الأخلاقية التقليدية. لكن هذا النوع السينمائي ازدهر في الستينيات؛ فقد اكتسب هذا «النوع الجديد» من أفلام الووشيا في تلك الفترة شعبيةً جارفة؛ نظرًا لاحتوائه على رقصاتٍ مصمَّمة بعناية وتحريكٍ عبقري للممثلين بأسلاك وشخصيات وقصص متزايدة في التعقيد.

بعد الثورة الشيوعية، عندما توقَّفت جمهورية الصين الشعبية عن إنتاج أفلام فنون القتال، انتقل المركز الإبداعي لهذا النوع السينمائي إلى جزيرة تايوان وهونج كونج التي كانت مستعمَرةً بريطانية على الساحل الجنوبي للبرِّ الرئيسي للصين، والتي هربت إليها معظم صناعة السينما في شنغهاي خلال الثلاثينيات من القرن العشرين. كان أكبر منتج للأفلام في هونج كونج هو أستديو شو براذرز الذي كان يديره السير ران شو وشقيقه رانمي شو. لقد حوَّل هذا الأستديو، بإدارته بكفاءة وتعاقده مع عددٍ كبير من النجوم، هونج كونج إلى «هوليوود الشرق». وفي منتصف الستينيات، كان العديد من هذه الأفلام يُنتَج بلغة الماندارين الصينية من أجل جمهور في المنفى، وتُقدِّم قصصًا تتسم بالحنين للوطن تجري أحداثها في الوطن القديم مثل فيلم «تعالَ وشاركني الشراب» («كم درينك ويذ مي»، ١٩٦٦) لكينج هو. في تلك الأثناء، كان هناك جيلٌ جديد من المخرجين ينضج في هونج كونج، جذوره أقل رسوخًا في البرِّ الرئيسي للصين. عندما بدأ هذا الجيل صنع الأفلام في منتصف السبعينيات، تبنَّوا استخدام اللغة الكانتونية المحلية وبثوا روحًا جديدة في نوعٍ سينمائي يُسمى أفلام «الكونغ فو». كانت هذه الأفلام تتضمن قتالًا من دون أسلحة، وكانت تُفضِّل تقديم أبطال ذكور مثل بروس لي الذي أذاع شهرةَ هذا النوع بأفلامٍ مثل «طريق التنين» («واي أوف ذا دراجون»، ١٩٧٢)، و«دخول التنين» («إنتر ذا دراجون»، ١٩٧٣). ومثل أسلافها من أفلام الووشيا، فإن هذه الأفلام كانت في الغالب قتالاتٍ شعائريةً تفيض بالذكورة بين الرجال. هذا النوع الفرعي، بالإضافة إلى الروابط بين الرجال والجماعات الأخوية السرية المتضمنة فيه، كان له أقوى الأثر على الجمهور الأمريكي، كما ترك كذلك بصمة على أفلامٍ أمريكية، من «الدم الأول» («فرست بلاد»، ١٩٨٢) و«السلاح المميت» («ليثال ويبون»، ١٩٨٧)، وحتى «المصفوفة» («ذا ماتريكس»، ١٩٩٩) و«اقتل بيل» بجزأيه الأول والثاني.

إن هذا المزج التدريجي بين هذين التقليدين، كما حدث بين أفلام الغرب الأمريكي والساموراي، جزءٌ من قصةٍ أكبر للعولمة. وتميل أفلام الحركة اليوم، سواء بترجمةٍ مرئية أو لا، إلى المزج بين القتال بالأيدي من أفلام الكونغ فو، وتحريك الممثلين بأسلاك من أفلام الووشيا، وفنِّ استعمال السيف من أفلام الساموراي، وشجارات الحانات من أفلام الغرب الأمريكي في مشهد قتالٍ واحد.

(٥) تطوُّر بطل أفلام الووشيا

عندما عرض المخرج الصيني جانج شيشوان فيلم «إحراق معبد اللوتس الأحمر» (١٩٢٨)، لم يكن يدرك أن فيلمه الصامت سيُحدِث زلزالًا سينمائيًّا هائلًا. قدَّم الفيلمُ، الذي صدر في ١٨ جزءًا على مدار ثلاث سنوات، مشاهدَ حركةٍ مثيرةً جعلت الجمهور المحلي يعود إلى مشاهدته مرارًا. وضعت عروض فنون القتال النابضة بالحركة والمحارِبات الخنثى والمؤثرات الخاصة المعقَّدة المتضمنة فيه؛ معاييرَ لصناعة هذه الأفلام، وألهمت عددًا كبيرًا من المحاكين. وخلال السنوات الأربع بين عامَي ١٩٢٨ و١٩٣٢، أَنتج نحو خمسين أستديو ما يقرب من ٢٤١ فيلمًا من أفلام الووشيا، وهو ما يبلغ ٦٠ بالمائة من إنتاج شنغهاي الإجمالي للأفلام.11 كان العديد من هذه الأفلام مأخوذًا باقتباس من قصص كلاسيكية، مثل فيلم «كهف روح العنكبوت» («ذا كيف أوف ذا سبايدر سبيريت»، ١٩٢٧)، وهو مقتَبس من روايةٍ شهيرة من القرن السادس عشر بعنوان «رحلة إلى الغرب». وأفلام أخرى اقتبست قصصها من مجلات أو قصصٍ مصوَّرة أو صحفٍ معاصرة كانت تُرضِي هوسَ الجمهور بالقصص المسلسلة عن السحر الأسود والقَتَلة الطائرين.
وعلى عكس أوائل أفلام الغرب الأمريكي والساموراي، فإن النساء في هذه الأفلام كُنَّ في الغالب محارباتٍ شرسات وشجاعات، كما تشير عناوين تلك الأفلام: «الفارسة الطوَّافة» («ذا فيميل نايت إيرانت»، ١٩٢٥)، و«خمس فتيات انتقاميات» («فايف فينجفول جيرلز»، ١٩٢٨)، و«المرأة العظيمة» («ذا جريت وومان»، ١٩٢٩)، و«القرصانة» («ذا فيميل بايرت»، ١٩٢٩)، و«قاطعة الطريق» («جيرل بانديت»، ١٩٣٠)، و«الحارسة الشخصية» («وومان بودي جارد»، ١٩٣١).12 إن ممثلات مثل وو ليتشو (١٩١٠–١٩٧٨) وهو دي (١٩٠٨–١٩٨٩) ووو سوشين (١٩٠٥–؟) وفان شوبينج (١٩٠٨–١٩٧٤) كنَّ نجمات على قدم المساواة مع نظائرهن الذكور. هلَّل الجمهور عندما قفزت بطلة سلسلة أفلام «سيَّافة النهر الأصفر» («سوردز وومان أوف يلو ريفر»، ١٩٢٩–١٩٣٢) عابرة فجواتٍ وصدوعًا في الأرض وحوائط الأفنية، وصرخوا بصوتٍ هادر عندما هزمت يانجو (فتاة السحاب)، الفتاة اليتيمة في فيلم «البطلة الحمراء» («ريد هيروين»، ١٩٢٩)، التي تعلمت فنون القتال من معلمها فيلسوف الطاوية الذي يُدعى وايت مانكي أو القرد الأبيض وهزمت مجموعةً من النساء الشريرات شبه العاريات، ثم اختفت في السماء في سحابةٍ من الدخان.

إذا كانت موضة أفلام الووشيا قد أثارت اهتمام عامة الجمهور، فإنها لم تلقَ استقبالًا حسنًا من الحكومة القومية الجديدة والمثقفين من اليسار أو اليمين الذين أرادوا عصرنة البلاد. ونظرًا لخشية المسئولين من أن تلك الحكايات الخرافية والصور من ماضي الصين الإقطاعي قد تعوق مسيرة التقدم، أو ربما قلقهم من قيم الإنتاج المنخفضة وفوضى التنافس في سوق الأفلام، فلم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن يمنعوا إنتاج هذه الأفلام في الصين.

عندما ظهرت هذه الأفلام مرةً أخرى في هونج كونج في ستينيات القرن العشرين، اتخذت اتجاهاتٍ جديدة؛ قدَّم المخرج تشانج تشيه — الذي أخرج أكثر من مائة فيلم لأستديو شو على مدار مسيرته الطويلة — البطلَ ذا الإعاقة. في فيلم «وان آرمد سوردزمان» («السياف ذو الذراع الواحدة»، ١٩٦٧)، يتعرَّض فانج جانج، أفضل تلميذ في مدرسةٍ لفنون القتال، لازدراء زملائه في المدرسة ذوي الأصول الشريفة بسبب أصوله الوضيعة. عندما تتحداه ابنة المعلم الغيورة في قتال من دون أسلحة، يهزمها بسهولة؛ مما جعلها تقطع ذراعه بالسيف في لحظة تهورٍ غاضب. ورغم إعاقته، فإنه يُتقن فنَّ المبارزة بالسيف بذراعٍ واحدة بمساعدة كتيِّبٍ سري وفتاةٍ يتيمةٍ جميلة. ومثل زوجة جاري كوبر المسالمة في فيلم «ظهيرة مشتعلة»، فإن اليتيمة تتوسل إلى فانج لأن يتخلَّى عن حياة العنف من أجل حياةٍ مسالمة في الزراعة، ويوافق، لكن إحساسًا ملحًّا بالواجب تجاه سيده وزملائه يستمر في اجتذابه مرةً أخرى إلى حياته السابقة. وفي ختام الفيلم الدموي، يُقطِّع فانج بسيفه حشدًا من الأعداء منتصرًا عليهم قبل العودة إلى زوجته والمشي معها يدًا بيد خلال منظرٍ طبيعي يبدو كالبراري الأمريكية. جمع تشانج بعضًا من أفكاره من أفلام الساموراي وخاصة سلسلة أفلام زاتويشي السيَّاف الأعمى. يأتي أبطاله عادةً من الطبقات السفلى في المجتمع، ويكتسبون مهاراتهم من خلال تدريبٍ دءوب، صانعين روابطَ قويةً مع شبابٍ آخرين. ومثل روبن هود وأتباعه المرحين، فإن هذه الجماعات المتينة الروابط من الرفاق المقاتلين تحمي الضعفاء والأبرياء من الخطر، لكنهم يُحدِثون دمارًا وإراقة دماء أكثر من نظرائهم الإنجليز. وبمرور الوقت، يتعلمون المزج بين فنِّ المبارزة بالسيف وبين القبضات الطائرة وحركة السيقان السريعة المميِّزتين لأفلام الكونغ فو. أصبح تشانج، والمعروف كذلك باسم جانج، يُعرَف باسم «الأب الروحي لسينما فنون القتال في هونج كونج» تاركًا وراءه تراثًا لمخرجين مثل جانج ييمو وكوينتن تارانتينو الذي أهدى إليه الجزءَ الثاني من فيلم «اقتل بيل».

رائدٌ آخر من رواد أفلام الووشيا هو المخرج كينج هو (معروف أيضًا باسم هو جينكويان)، الذي أكسب هذا النوع من الأفلام مستوًى جديدًا من البراعة التقنية الفنية ولمسةً من الفلسفة البوذية. استعان هو كذلك بخبرته في أفلام الساموراي دامجًا بين أساليب التصوير الخاصة بها والأساليب التقليدية لمونتاج أفلام الغرب الأمريكي، مضيفًا عناصر من الأوبرا الصينية ليُخرِج أسلوبًا جديدًا من سينما المبارزة بالسيف. في فيلم «تعالَ وشاركني الشراب»، تقوم الممثلة تشينج بي بي بدور «جولدن سوالو» التي تذهب لإنقاذ شقيقها من عصابةٍ من قُطَّاع الطرق الذين يحتفظون به رهينةً في حانة محلِّية، فتقتل اللصوصَ بسرعة (شكل ١-٦) وتصادق متسولًا ثملًا يتضح أنه أستاذٌ في فنون القتال ورئيسُ جمعيةٍ سرية. وبنحوٍ معاكس للقتال بين الرجال الذي لا ضوابط أو قواعد له في أفلام تشانج تشيه، فإن كينج هو كان يُعِدُّ مشاهدَ القتال كعروض الباليه بنحوٍ يحاكي الحركات الشعائرية في الأوبرا الصينية. وليس من المفاجئ إذن أن تشينج بي بي كانت راقصةً محترفة. عندما صنع آنج لي فيلم «النمر الرابض والتنين الخفي»، استعان بتشينج في دور المعلمة الشريرة لبطلة الووشيا الشابة، جانج زيي، التي تتخلَّص من أعدائها بقفزاتٍ تشبه حركات الباليه (شكل ١-٧) مثلما فعلت سلفها في الستينيات.

figure
الشكلان ١-٦ و١-٧: بطلة الووشيا المحاربة في الماضي والآن.

ترك كينج هو، الذي نشأ في الأساس في الشمال ببكين ثم استقر في هونج كونج، أستديو شو عام ١٩٦٦، وانتقل إلى تايوان حيث صنع أفلامًا كلاسيكية لها جمهورها الخاص مثل «حانة بوابة التنين» («دراجون جيت إن»، ١٩٦٦)، و«لمسة من زِن» («آ تاتش أوف زِن»، ١٩٧١). تحتل بطلات كينج هو منزلةً كبيرة في هذه الأفلام؛ فمن الناحية الأخلاقية والجسدية، فإنهن يسمُونَ فوق الغوغاء والرعاع، صارمات لكن جميلات، مليئات بالطاقة لكن منضبطات، لا يفقدن أنوثتهن أبدًا. إن أحد أكثر مواقع الأحداث التي يفضِّلها «هو» الحانةُ التي تصبح مكانًا أسطوريًّا تتوقف فيه قوانين الفيزياء عن العمل ويتجاوز الأبطال فيه قيودَ الهندسة المعمارية. في فيلم «مصير لي خان» («ذا فيت أوف لي خان»، ١٩٧٣)، النادلات في حانة سبرينج كلهن مقاتلات بارعات؛ يتحدَّيْن قواعد الجاذبية، ويقفزن بين الطاولات، وينزلقن على العوارض الخشبية، ويدفعن أجسام أعدائهن في الهواء كالدُّمى التي لا وزنَ لها. على الرغم من ذلك، فإن حركاتهن ليست عنفًا بلا مبرر؛ فدافعهن وطني وهو تخليص الوطن من الحكام الأجانب، وهم الغزاة المغول. وتُعتبَر حقيقةُ أن هؤلاء النسوة يأتين من طبقات مهمَّشة في المجتمع أمرًا معتادًا بالنسبة إلى أبطال الووشيا؛ فالأولى نشَّالة، والثانية فنانة شوارع، والثالثة محتالة، والرابعة متخصصة في سرقة المسافرين. يكوِّن هؤلاء النسوة معًا جمعيةً سرية للمقاتلات الاستثنائيات بشكلٍ يشبه كثيرًا المتمردين على حكم سلالة تانج في فيلم «منزل الخناجر الطائرة» («هاوس أوف فلاينج داجرز»، ٢٠٠٤) لجانج ييمو. يمكن النظر إلى هؤلاء النسوة، مثل أساتذة القتال المخمورين والسياف ذي الذراع الواحدة، كشخصياتٍ رمزية في قصةٍ وطنية، تمثل أجسامهن المعذَّبة والضعيفة ظاهريًّا جسدَ الشعب الصيني المحاصَر، والذي ينتظر اللحظة المناسبة ليظهر للعيان قويًّا ومرنًا ومنتصرًا.

(٦) «بطل» جانج ييمو والجماليات الصينية

ذهب جانج ييمو إلى أبعد ما ذهب إليه غيره محسنًا هذا النوع من الأفلام ومعيدًا تعريف الأفكار التي يتضمنها عن البطل؛ ففي فيلم «بطل»، ابتكر ييمو نوعًا جديدًا من مشاهد الحركة غنائيَّ الإيقاع ومخضَّبًا على نحوٍ أكبر بالمشاعر. إن مشاهد الحركة التقليدية في أفلام الووشيا هي شجارات أولًا وقبل كل شيء: اشتباكات طاحنة بين أبطال الفنون القتالية لإثبات براعتهم الفائقة. أما مشاهد جانج فهي تشبه بصورة كبيرة رقصات الألوان، وهي لحظاتٌ راقصةٌ مصمَّمة بعناية تقاطع تدفُّق القصة مثل الكلمات الغنائية في عرضٍ موسيقيٍّ. مع ذلك، فإنها تجعل السرد القصصي يستمر باستخدام الحركة بدلًا من الكلمات لتمضي القصة قدُمًا. يوصِّل الممثلون نطاقًا كبيرًا من المشاعر عن طريق طعنات وقفزات وانزلاقاتٍ تشبه حركات الباليه، حركاتهم تصدر من القلب وليس من أطرافهم. أحيانًا، تُستَخدَم الموسيقى للتأكيد على المغزى العاطفي للمشهد، وغالبًا ما يكون هذا في تطابقٍ مذهل مع الفعل، كما هو الحال عندما تعمل مجموعةٌ من الأصوات النسائية الحزينة كخلفية لمشهد تتنازل فيه بقوة موون وفلاينج سنو في بستان لأشجار السنديان. أحيانًا تنعكس وتتعاظم التركيبات العاطفية للمشهد من خلال المنظر الطبيعي أو السطح الهادئ لبحيرة أو الإيقاع المنتظم للمطر المتساقط من إفريز فسطاطٍ ما. هناك شيءٌ شخصي على نحوٍ فريد يميِّز أسلوب جانج، وشيءٌ صيني بوضوح؛ إدراكٌ فنيٌّ متجذِّر في القيود الجمالية للموسيقى والشعر والرسم الصيني القديم.

إحدى السمات البارزة للفيلم هي استخدام الألوان؛ فكل قسم من القصة يصطبغ بلونٍ مختلف، أول قسم يغمر الشاشة باللون الأحمر الزاهي وهو لون الحب والموت؛ فحوائط مدرسة تعليم الخط وملابس الطلاب غارقة في اللون القرمزي الداكن، وعندما تتحدى موون فلاينج سنو في بستان في الخريف، تتحول أوراق الشجر المتساقطة إلى اللون الأحمر القاني. يعدُّ مسرح الأحداث الذي ينتهي فيه القسم الثاني من الفيلم — عندما يواجه البطل الذي لا اسم له بروكِن سورد على البحيرة — الأجواءَ لقسمٍ آخر حيث ينعكس نطاق من درجات اللون الأزرق في السماء والمياه وأردية المحاربين. في القسم الثالث من الفيلم، عندما تذهب فلاينج سنو بحصانها لإنقاذ حبيبها في الصحراء، تعرض الكاميرا الرمال البيضاء لكازاخستان، والتي تتكرر درجات ألوانها في أزياء الأبطال وديكور مكتبة الخيزران. لاحقًا، يغمر لونٌ أخضرُ فاتحٌ مشاهدَ الاسترجاع التي يهاجم فيها بروكن سورد وفلاينج سنو القصر في أرديةٍ فضفاضة بلون الليمون الذي ينعكس على مياه نهر لي الساكنة بلون حجر اليشم الكريم الذي يُصوِّر بشكلٍ سابقٍ قتالًا بين البطل الذي لا اسم له والملك وسط شلالٍ من الستائر التي ترفرف بلون الزمرد.

إلى جانب كون فيلم «بطل» يمثِّل نطاقًا للمُدرَكات والمنظورات، فإنه يُعتبر كذلك لوحةً فنية مرسومة بشكلٍ رائع. دائمًا ما كان جانج مخرجًا يستخدم الألوان ببراعة، وهي حقيقةٌ تتضح على نحوٍ كبير في الألوان الحمراء المتوهِّجة في فيلم «ارفع الفانوس الأحمر» («ريز ذا ريد لانترن»، ١٩٩١) وفيلم «السورجم الأحمر» («ريد سورجم»، ١٩٨٧)، أو قطع الملابس الصفراء الفاقعة المعلَّقة في مصنع الصباغة في فيلم «جو دو» (١٩٩٠). إن مثل هذه الألوان القوية أمرٌ دخيل على فن الرسم الصيني التقليدي والذي يفضل استخدام ظلالٍ متدرِّجة بأقلام الحبر. تميز هذه الألوان الزاهية بنحوٍ أكبر الفنَّ الشعبيَّ الصيني؛ مثل «لوحات الفلاحين» ذات الألوان الزاهية التي تصدر من مقاطعة شانشي في شمال البلاد، والتي صنع فيها جانج أول أفلامه. يُقال إن هذا الأسلوب تطور في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين عندما بدأ الفلاحون الذين يعملون في بناء صهريجٍ جديد للمياه في توثيق تقدُّم العمل بالصور. وفي ظل عدم وجود أي موادَّ جاهزة للرسم، صنعوا ألوانهم الخاصة من السُّخام والجير والتربة الحمراء المحلية. لاحقًا، وخلال الثورة الثقافية، افتُتن الفنانون المحترفون الذين أُرسِلوا إلى الأراضي البعيدة عن المدن بهذه الأعمال ونشروها خارج البلاد. ربما تدين مجموعة ألوان جانج السينمائية بشيءٍ إلى هذه الألوان المحلية الزاهية المقتَبسة من البيئة المحيطة، لكن جانج يصنع أفلامًا لا لوحات، وإذا كان المكوِّن الرئيسي للسينما هو الحركة، فإن أفلامه تُعتبر سينما خالصةً؛ ففي فيلم «بطل»، الشاشة بالكامل مليئة بأشياء تتحرك: قطرات مطر لا حصر لها تسقط من السماء، ومجموعات من السهام تحلِّق في الهواء، وإعصار من أوراق الشجر الحمراء والصفراء يلفُّ في الهواء حول الشخصيات التي تتابع القتال حتى الموت. في بعض الأحيان، يبدو الممثلون وأفعالهم كما لو كانوا قد تداخلوا في لوحةٍ تجريدية، كلوحةٍ متحركة لجاكسون بولوك.

اعتبر بعض النقاد فيلم «بطل» تجريديًّا وحركيًّا ومصطنعًا أكثر من اللازم، كما اتهم الجمهور الآسيوي جانج بأنه يسعى لتقديم ملحمة حركة بميزانيةٍ ضخمة للجمهور الغربي، آخرون، أغلبهم من غير الآسيويين، اتهموه بتحريف التاريخ والاهتمام الكبير بالمؤثرات البصرية على حساب تطوير الشخصيات وتشويش القصة بتركيبٍ معقد. برَّر جانج اختياراته بمصطلحاتٍ عابرة للثقافات حيث قال: «حاولت التعبير عن أفكار يمكن للجمهور الغربي فهمها.» واستطرد قائلًا: «هناك عناصر صينية تمامًا، لكني بذلت مجهودًا للحفاظ على التوازن بين الاثنين.»13 وأكد جانج أن فيلمه «بطل» ليس فيلمًا موجَّهًا لجمهور النخبة بقدر ما هو فيلم حركة تجاري.

على الجانب الصيني، فإن فيلم «بطل» يربط بين فن المبارزة بالسيف وأشكال أخرى من الثقافة التقليدية مثل الشطرنج والموسيقى وفن الخط. عندما يواجه سكاي البطل في فسطاطٍ للعب الشطرنج، فإن موقع الحدث نفسه يشي بالكثير. تُعتبر لعبة الألواح الصينية القديمة «جو» — تسمى وَي جي في لغة الماندارين وغالبًا ما تُقارن بالشطرنج — لعبةً عقلية متعلقة بالاستراتيجيات العسكرية، ويحاول كل لاعب القضاء على جيش اللاعب الآخر، الذي تمثِّله صخورٌ ناعمةٌ بيضاءُ أو سوداء، بالإحاطة بصخور الخصم. ورغم بساطة مظهرها، فإنها في الواقع لعبةٌ معقدة وتحليلية بشكلٍ كبير. إن اللاعب المهاري يخطط جيدًا لكل حركة في اللعب ويتصورها في ذهنه، يؤكد هذا التشابه بين اللعبة وفنون القتال المشهد المقدَّم بالأبيض والأسود الذي يتصارع فيه سكاي مع البطل بالرمح والسيف. التتابع الكامل لمشاهد الطعن والتفادي والمراوغة يحدثان في عقليهما؛ ويدل على هذا التصويرُ بالأبيض والأسود بينما يقف الرجلان في الواقع كلٌّ منهما في مواجهة الآخر لا يحركان ساكنًا. عندما يبدأ القتال، يبدأ عازفٌ أعمى في عزف أغنيةٍ قديمة. يقول البطل: «فنون القتال والموسيقى يتشاركان نفس المبادئ.» ثم يضيف: «فكلاهما يصارع أوتارًا معقَّدة ونغماتٍ نادرة.» وبينما يتداخل صدام الأسلحة مع عزف العجوز الحادِّ النغمات، تتساقط قطرات المطر على الأنصال ولوحة الشطرنج كالنغمات الموسيقية الفردية، ثم ينقطع وتر ويُستأنَف القتال بالألوان. يخترق سيف البطل المطر المتساقط كالشرائط ليحول قطراته واحدةً تلو الأخرى إلى رذاذ، بينما نسمع سلاحه يشقُّ الهواء نحو سكاي طاعنًا إياه أسفل الرمح ليسقط الأخير أرضًا. يعيد البطل سيفه إلى غمده قبل أن يسقط سلاح سكاي على الأرض الصخرية مستسلمًا للسكون وصوت المطر المتساقط.

يستكشف جانج مجموعةً أخرى من التشابهات بين الفنون الصينية التقليدية وفنون القتال في تتابع لمشاهد مدرسة تعليم الخط، يذهب البطل إلى المدرسة ليحصل — حسب قوله — على لفافة ورق لوالده المحتضر، يطلب من بروكن سورد كتابة كلمة سيف (جيان)، في إشارة خفية إلى الشائعة التي تقول إن مهارات سورد في المبارزة بالسيف (جيانفا) ترجع أصولها إلى مهارته في الكتابة (شوفا). يبدأ سورد في الكتابة على الرمال، بحمله عصًا فوق صندوق من الرمال مثل قلم فوق ورقة، لكنه يُقرِّر أن المهمة تتطلب حبرًا أحمر. لاحقًا، وبينما تتجاوزه سهام جيش الملك تشين الذي يهاجم المدرسة، يمسك بروكن سورد بسهمٍ طائر منها ليستخدمه كقلم. خلال الكتابة، يتحرك جسده بالكامل كما لو كان ممسكًا بسيف (شكل ١-٨). لم تكن حركاته حركاتٍ ظاهريةً بقدر ما هي تنبثق من داخله. كما ندرك، فإن القتال والخط يتطلبان حركاتٍ متناسقة من الرسغ والقلب.

figure
شكل ١-٨: يستكشف جانج ييمو الروابط بين الفنَّين الصينيَّين التقليديَّين المتمثلَين في فن الخط والمبارزة بالسيف في فيلم «بطل» (جانج ييمو، ٢٠٠٢).

تتطلب الرحلة للوصول إلى هذا النوع من الإدراك ما هو أكثر من المهارة والرشاقة، كما يوضح الملك تشين: «في المرحلة الأولى، يصبح السيف والرجل شيئًا واحدًا؛ هنا يصبح حتى النصل المصنوع من العشب سلاحًا مُميتًا. في المرحلة التالية، يسكن السيف القلب لا اليد. فحتى من دون سلاح، يمكن للمحارب قتل عدوه من على بُعد مائة خطوة، لكن الهدف الأسمى هو عندما يختفي السيف تمامًا … ويبقى السلام فقط.» هذا الوصف لتطور البطل يستدعي للأذهان مبادئ فلسفة الطاوية القديمة التي تسبق حقبة أسرة تشين الحاكمة. كان لاوتزه، المؤسس المفترض للطاوية، يبحث عن بديلٍ للحرب الإقطاعية في زمنه في توازن وتناغم الطبيعة. يتطلب الوصول إلى السلام الكوني الإرادة لتقبُّل العدم، ونكرانًا كاملًا للذات، وهو طريق سلكه عدد لا يُحصى من الصينيين خلال تاريخهم.

وسواء أكان ذكرًا أم أنثى، مشهورًا أم مجهولًا، فإن بطل الووشيا يتشارك بُعدًا أسطوريًّا مع محاربين جوَّالة آخرين. ومثل فارس العصور الوسطى الطوَّاف، وحامل السلاح في الغرب الأمريكي، وفارس الساموراي الذي من دون سيد، فهو يظهر في أوقات الفوضى. إن هؤلاء الأشخاص عادةً ما يكونون من المستضعفين الآتين من حطام وبقايا عالمٍ فوضوي؛ إنهم شخصيات مُخرِّبة تواجه أشخاصًا ذوي سلطة غير جديرين بها ويساعدون الفقراء والمظلومين ويتبعون قوانين للعدالة والأمانة. من الناحية التاريخية، يستدعي هؤلاء للأذهان عصور عدم سيادة القانون مثل الغرب الأمريكي واليابان تحت حكم عائلة توجوكاوا أو حقبة الممالك المتحاربة في الصين، ويعودون للظهور على الشاشة في الأوقات التي نواجه فيها أزمات عندما يبحث الناس عن رموز للتمكين الشخصي. من الناحية النفسية، وكما يمكن لأتباع كارل يونج القول، فإن قدراتهم السحرية وقواهم الخارقة تأتي من عالم اللاوعي الجمعي وهو مخزن للصور الأولية التي تمثِّل الحاجات العاطفية والروحية المترسخة داخل البشر. بمشاهدة هذه الأفلام معًا في الظلام، فإننا نتشارك نوعًا من الحلم العالمي. الحركات التي تقدَّم على الشاشة والتي تحبس الأنفاس ويدقُّ لها القلب بعنف هي إسقاط لأعمق مخاوفنا ورغباتنا، وهي تُدخلنا في تجربةٍ عميقة مما يمكِّننا من تفكيك التشابكات النفسية لحياتنا الداخلية بشكلٍ غير مباشر ويتركنا مسرورين شاعرين بالتطهر والرضا.

(٧) هوس الكونغ فو

إن البطل المحارب ذا الألف وجه، القاسي الذي يتعذر كبحه، والمتغير دائمًا بتغير الأزمان، تعرَّض لتغيُّر آخر في هونج كونج في سبعينيات القرن العشرين. إن مصطلح كونغ فو (وهو نطقٌ محليٌّ لكلمة جونج فو في لغة الماندارين) — رغم أن أصله الدقيق مبهم — يعني شيئًا من قبيل «بارع المهارة». من يمارس الكونغ فو يقاتل بيديه وقدميه العاريتين بمهارة. وعلى نحوٍ مضاد لأبطال المبارزة بالسيف في الووشيا الذين يعتمدون على الأنصال المصقولة والحركات الخارقة للطبيعة، فإن أبطال الكونغ فو يعتمدون على أجسادهم فقط محقِّقين أعلى درجات الإتقان من خلال التدريب والممارسة القاسيَين. وبينما ينتمي بطل الووشيا للعالم الخيالي للصين القديمة المتَّسم بأخلاق الفرسان، فإن الكونغ فو أكثر مباشرة وعملية، وهي مهارة قابلة للاكتساب بواسطة كل من يعيش ببيئةٍ حضرية حديثة مثل هونج كونج أو سنغافورة أو لوس أنجلوس.

كيف يمكن لنوعٍ سينمائي عابر للحدود القومية مثل الكونغ فو أن يظهر في مكانٍ معين في حقبةٍ زمنية بعينها؟ تذكر أن هونج كونج مدينة وليست دولة؛ مجتمعٌ متعدِّد الثقافات ذو روابط قوية بالصين، لكنه مجتمعٌ حضري على نحوٍ متزايد في المظهر والسلوكيات. ولكونها مستعمرةً بريطانيةً سابقة ومدينةً ساحلية ومستوطنة للمهاجرين؛ فقد استوعبت مؤثرات من منطقة جنوب شرق آسيا العظمى والغرب. في هذا الجو من التفتُّح والتنافس المفتوح، وبالوصول السهل إلى الموارد الدولية، والحرية النسبية من القيود الحكومية المفروضة في شنغهاي أو بكين أو تايوان، فإن صنَّاع الأفلام في هونج كونج كانوا قادرين على اتباع نزعاتهم الإبداعية منتجين أنواعًا سينمائية فرعية جديدة وأساليبَ سينمائية حديثة. وبحلول الستينيات، أسس أستديو شو ومنافسه أستديو كاثاي بنيةً أساسية متكاملة رأسيًّا لإنتاج وتوزيع وعرض الأفلام ليس فقط في دور العرض المحلِّية بل عبر مجتمع الشتات الصيني والمجتمعات غير الناطقة بالصينية خارج البلاد. كانت الأنواع السينمائية الشهيرة لسنوات السينما الأولى — الدراما التاريخية والأفلام الغنائية والميلودراما الرومانسية وأفلام الووشيا — قد وصلت إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه، وظهرت الحاجة لشيءٍ جديد؛ شيءٍ يجذب جيلًا جديدًا من جمهور الأفلام من سكان المدينة الأفضل تعليمًا والأكثر ثراء، والأقل ارتباطًا بالقيم التقليدية لآبائهم القرويين، والمستعدِّين للانجذاب إلى نوعٍ جديد من الأبطال؛ كان الوقت سانحًا لظهور بروس لي وجاكي شان.

(٧-١) دخول التنين الصغير: بروس لي

حقَّق بروس لي في عمره القصير (١٩٤٠–١٩٧٣) مكانةً كبيرة كرمزٍ عالمي للكونغ فو. كان بروس لي أمريكيًّا صينيًّا، وكان ممثلًا ومخرجًا وكاتب سيناريو ومؤسسًا لفلسفة القتال المسماة «جيت كون دو» للقبضات الاعتراضية، ولم يقم شخصٌ آخر بما قام به للإعلاء من شأن فنون القتال حول العالم كما فعل هو. وُلِد بروس لي في الحي الصيني في سان فرانسيسكو (اسمه بالكانتونية لي جون فان، واتخذ لاحقًا اسمًا مستعارًا وهو لي شياو لونج والذي يعني التنين الصغير) وانتقل إلى هونج كونج بصحبة والده، الذي كان ممثلًا سينمائيًّا ومغني أوبرا باللغة الكانتونية، قبل شهور من غزو اليابان للمدينة. كان الحي المزدحم الذي نشأ به يعج باللاجئين، وكانتاس تاني العصابات المتناحرة تحكم الشوارع. كان لي الصغير مجبرًا على الدفاع عن نفسه؛ فتعلَّم أسلوب «الوو» في فن التاي تشي للدفاع عن النفس من والده، وفي آخر الأمر التحق بمدرسة وينج تشون لتعليم فن القتال من مسافةٍ قصيرة، لكنه في النهاية طوَّر نوعًا مختلطًا خاصًّا به من الدفاع عن النفس.

ومثل العديد من أنواع فنون القتال، فإن وينج تشون تطورت في جنوب الصين خلال فترة حركة المقاومة المناهِضة لحكم أسرة تشينج الدخيلة؛ تُشدِّد فلسفتها على بناء وتوازن الجسد. تشبه وقفة الوينج تشون ساق الخيزران؛ مرنة لكنها راسخة، بقدمَين ضاربتَين في الأرض والوقوف في وضعٍ رأسي، يتعافى ممارس الوينج تشون بسرعة من الهجمات أو الضربات باستخدام لكماتٍ مباشرة وركلاتٍ قصيرة. يتضمن أسلوب الوو الكثير من القفز والحركات البهلوانية والمصارعة بالأيدي، كما يشدد على فلسفة «دفع الأيدي» وهو ما يمكِّن المحارب من إعادة توجيه قوة خصمه بدلًا من مقاومتها، ويتعلم ممارس الوو كيفية إدراك نوايا خصمه واستخدام طاقته وقوَّته ضده. يقارن ديفيد بوردويل، وهو راصدٌ فَطن لمشاهد الحركة في أفلام فنون القتال، بين هذا المنهج المعتدل لأساليب للتاي تشي في جنوب الصين والأسلوب العنيف المفضَّل في شمال الصين. يعتمد الأسلوب المعتدل على قوة النصف العلوي من الجسد؛ ربما بسبب أن أيدي وأذرع العديد من سكان جنوب الصين زادت قوتها على مرور القرون بسبب حمل الأوزان الثقيلة أو دفع القوارب، أما الأسلوب العنيف، حيث تصطدم القوة بالقوة مباشرة في تفجيرات للطاقة، فيعتمد بصورة أكبر على استخدام الساقين على نحوٍ مبهر، بصورة تشبه الحركات الأكروباتية الجميلة لعروض أوبرا بكين؛ ربما بسبب أن سكان شمال الصين اعتادوا المشي مسافاتٍ طويلة والتحكم في الخيول بسيقانهم.14 دمج بروس لي عناصر من كل هذه الأساليب، وكذلك من الملاكمة الغربية وفن المبارزة الأوروبية، في فلسفة الجيت كون دو الخاصة به. لم ينظر لي إلى هذه الفلسفة كنظام أو مدرسة، لكن كمزيجٍ عمليٍّ من الأنظمة والأفكار، ومجموعة من الأدوات التي يجب التدريب عليها واستخدامها في المواقف المختلفة.
في أول أفلامه الكبرى، «الزعيم» («ذا بيج بوس»، ١٩٧١)، يقوم لي بدور تشينج تشاو أون، وهو مهاجر من جنوب الصين يعمل مع أبناء عمومته في مصنع للثلج في تايلاند، وعندما يعلم أن رئيسه مسئول عن الاختفاء الغامض لأبناء عمومته، يسعى للانتقام منه. أُصدِر الفيلم بنسخٍ عدة لأسواق مختلفة، وصنع من لي نجمًا في آسيا. يقدم لي نفس الشخصية في فيلمه التالي «قبضة الغضب» («فيست أوف فيوري»، ١٩٧٢) والذي تدور أحداثه في مجمعٍ سكني عالمي في شنغهاي حيث يتعرض السكان الأصليون للتحرش بواسطة مجموعة من اليابانيين العنصريين، ومرة أخرى، يقوم لي بدور الحامي لأهله ضد المعاملة السيئة من الأجانب. لم يحقق أيٌّ من الفيلمين شهرة في البداية لدى الجمهور الأمريكي، وهي حقيقة تعكسها مجموعة العناوين العديدة المثيرة للحيرة التي سُمِّيا بها في الولايات المتحدة.15 انطلقت مسيرة لي العالمية في واقع الأمر بفيلميه التاليَين حيث كتب وأخرج أوَّلهما بنفسه، تدور أحداث الفيلم الأول، «طريق التنين» («واي أوف ذا دراجون»، ١٩٧٢) في روما حيث يقوم لي بدور تانج لونج الذي يأتي من هونج كونج لمساعدة أصدقاء عائلته في إدارة مطعم يتعرض للتهديد بواسطة منظمة إجرامية في المدينة. تحدث أكبر مواجهات الفيلم، وهو نزال رجل لرجل بين تانج ومحارب الكاراتيه الشهير كولت (الذي يقوم بدوره تشاك نوريس) في مدرج الكولوسيوم القديم، وهي معركة حتى الموت. ورغم مشاهد القتال العنيفة، فإن «طريق التنين» أكثر مرحًا من الفيلمين الأوَّلين. تصبح سذاجة وجهل تانج بالحياة في أوروبا مثارًا للكثير من السخرية رغم أن الضحكة الأخيرة دائمًا ما تكون له (انظر قسم «لقطة مقربة: طريق التنين»).

كان فيلم «دخول التنين» («إنتر ذا دراجون»، ١٩٧٣) آخر أعمال بروس لي المكتملة وهو إنتاج مشترك بين هونج كونج وهوليوود وأول فيلم صيني في فنون القتال ينتجه أستديو أمريكي شهير وهو ورانر براذرز بالتعاون مع شركتي إنتاج من هونج كونج (جولدن هارفست وشركة أسسها لي باسم كونكورد برودكشن). يُعتبر هذا الفيلم الذي أخرجه روبرت كلوس فيلم حركة؛ حيث يركز على العنصر المرئي والشعور الجسدي بشكلٍ أكبر من ترابط القصة أو نفسية الشخصيات. كما أنه فرصةٌ أخرى لرؤية جسد بروس لي أثناء أدائه لفنون القتال وقد خلع ملابسه حتى الخصر واستعدَّ للنزال. هذه المرة هو عضوٌ في معبد الشاولن وقد جُنِّد للتحقيق في أمر أحد خريجي المعبد وهو شخصٌ غامض يُدعى هان ويُشتَبَه في أنه يستخدم مسابقةً ما تقام على جزيرته الخاصة كواجهةٍ لتجارة الأفيون. يتعاون لي مع أمريكيَّين، أحدهما مقامرٌ أبيض يختبئ من المافيا، والآخر ناشطٌ أسود هارب من القانون؛ لاختراق تلك المسابقة.

لم يصنع لي أيَّ فيلم بعد ذلك ومات في ظروفٍ غامضة قبل صدور الفيلم بستة أيام؛ مدحه البعض كبطلٍ قومي وعدوٍّ شرس للتدخل الأجنبي. بالنسبة إلى الآسيويين والعديد من الأقليات التي تعيش في المدن، على وجه الخصوص الشباب الأمريكي الأسود واللاتيني، كان لي يرمز للذكورة غير البيضاء؛ كقوةٍ إيجابية للكرامة والبطش في وجه التحيُّز العنصري. بالنسبة إلى آخرين، كان يبدو كارهًا للأجانب ونرجسيًّا، ويمتلئ بالحقد على الغرباء، وعاشقًا لجسده بنحوٍ زائد عن الحد. ربما يمكن تلخيص أهم الدروس المستقاة من شخصيته على شاشة السينما وحياته الشخصية في الحكمة الساخرة لأستاذ الشاولن الخاص به: «العدو ما هو إلا وهم؛ العدو الحقيقي هو النفس.»

(٧-٢) جاكي شان: أستاذ كوميديا الكونغ فو

إذا كانت السبعينيات عقد بروس لي، فإن الثمانينيات كانت عقد جاكي شان. وُلِد جاكي شان في هونج كونج عام ١٩٥٤ (كان اسمه الحقيقي هو شان كونج سانج، ويعني «المولود في هونج كونج») وحوَّل حياته الشخصية إلى شخصية ناجحة على الشاشة وهو ما رفعه إلى قمة مصاف نجوم جنوب آسيا؛ حيث سيطر على شباك التذاكر لأكثر من عشرين عامًا. وخلال مسيرته المثيرة للإعجاب التي تجاوزت المائة فيلم، شغل عدة أدوار وهي: الممثل، ومصمم مشاهد الحركة، والفنان الكوميدي، ورائد الأعمال، والمخرج، وأستاذ الفنون القتالية، والمنتج، وكاتب السيناريو، ومؤدي المشاهد الخطرة، والمغني. وعلى نحوٍ معاكس لشخصية بروس لي السينمائية الواثقة الصارمة من البداية، فإن شخصية شان تبدأ كمبتدئٍ أحمقَ مغرور، ويكتسب مهاراته القتالية بالأسلوب الصعب من خلال التدريب الشاق والعزيمة والتعرض لهزائمَ كثيرةٍ خلال ذلك. وإذا كان بروس لي رمزًا للتفاخر الثقافي ونموذجًا قويًّا للهوية العرقية، فإن شان يقدِّم صورة البطل الساخر من ذاته؛ شخصًا مثيرًا للضحك يضعف من موهبته الواضحة بتصرفاتٍ خرقاء لكنها مرحة. في الأساس هو شخصٌ مستقيم ولطيف المعشر لكنه كسول ومزعج ومتوسط المهارة في فنون القتال، حتى يغير شيءٌ ما أو شخصٌ ما هذا السلوك. ثم تخضع شخصيته لإعدادٍ طويل وسلسلةٍ متصاعدة من عمليات القتال التي تؤدي لا محالة في النهاية للوصول إلى شرير الفيلم. يخرج في النهاية منتصرًا لكن جسده عادة مليء بالرضوض والضمادات.

عندما كان شان في السادسة من عمره، انتقلت عائلته إلى أستراليا، لكنه عاد إلى هونج كونج بعد عام ليلتحق بمدرسة خاصة تابعة لأوبرا بكين، حيث تعلَّم مهارات الموسيقى والرقص والحركات الأكروباتية والبهلوانية والكونغ فو. ولعشر سنوات، تحمَّل الصبي شان التدريس العنيف والضرب المتكرِّر اللذين يظهران في أفلامه بشكلٍ واضح. هناك أيضًا بدأ التمثيل على المسرح وفي السينما بدءًا بأدوار صغيرة في أفلام للمخرج لي هان شيانج: في فيلم «الحب الأبدي» («ذا لاف إيترنيه»، ١٩٦٣)، والمخرج كينج هو في فيلم «تعالَ وشاركني الشراب» وبروس لي في فيلمَي «قبضة الغضب» و«دخول التنين».

قام شان بدور البطولة الرئيسية عام ١٩٧٨ في فيلميه «أفعى في ظل النسر» («سنيك إن ذي إيجلز شادو») و«المعلِّم السكران» («درانكن ماستر») اللذين أرسيا معايير أفلام الكونغ فو الكوميدية. في هذين الفيلمَين، يصادق شان متسولَين أشعثَين يتضح أنهما معلِّما كونغ فو متنكِّرَين ويعلِّمانه أسلوبًا في القتال يمكِّنه من هزيمة أعدائه. أخرج كلا الفيلمين يون وو بينج الذي صمَّم لاحقًا مشاهد الحركة لفيلمي «ذا ماتريكس» (١٩٩٩) و«النمر الرابض والتنين الخفي» (٢٠٠٠) وفيلم «اقتل بيل». وبعد بطولة بعض الأفلام لأستديو لو وي وجولدن هارفست في هونج كونج، ظهر شان في بعض الأفلام الهوليوودية مثل «شجار باتل كريك» («باتل كريك برول»، ١٩٨٠) و«سباق كانونبول» («ذا كانونبول ران»، ١٩٨١) قبل أن يعود إلى هونج كونج لصنع أفلام «المشروع «أ»» («بروجيكت إيه»، ١٩٨٣) و«عجلات على وجبات» («ويلز أون ميلز»، ١٩٨٤) و«قصة شرطي» («بوليس ستوري»، ١٩٨٥). في كل هذه الأفلام، أدى شان الحركات الخطرة بنفسه مثلما كان يفعل ممثلو الكوميديا الأمريكيون في حقبة السينما الصامتة. في مشهد في فيلم «المشروع «أ»» يذكِّرنا بهارولد لويد في فيلم «الأمان آخِرًا!» («سيفتي لاست!» ١٩٢٣)، يقع شان من ارتفاع ٦٠ قدمًا من أحد عقارب ساعة في أحد الأبراج ليسقط خلال ظلَّتين رقيقتين على الأرض الصلبة برأسه أولًا (شكل ١-٩). في فيلم «عجلات على وجبات»، يركب لوح التزلُّج بسرعة حول ميدان في برشلونة (مما يستدعي للذهن مشهد تشارلي تشابلن وهو يرتدي أحذية التزحلق في فيلم «أوقات حديثة» («مودرن تايمز»، ١٩٣٦) مقدمًا الطعام للسياح ومعاقبًا مجموعة من راكبي الدراجات العنيفين. أما فيلم «قصة شرطي»، فينتهي في مركز تسوق تجاري حيث يقفز شان من إفريز ليتزلَّج ساقطًا إلى أسفل حول عمود مغطًّى بالمصابيح؛ مما يؤدي إلى انفجارها ثم يكسر سقفًا زجاجيًّا أثناء سقوطه. إن باستر كيتون لم يكن ليقدر على صنع مشهد خروج بشكلٍ أفضل من ذلك.

figure
شكل ١-٩: جاكي شان، وهو يقوم بإحدى حركاته البهلوانية الخطيرة، يتعلق بوجه ساعة في فيلم «المشروع «أ»» (جاكي شان، ١٩٨٣) الذي كان من إخراجه أيضًا.

راقت أفلام شان السوق العالمية على نحوٍ متزايد بوقوع أحداثها خارج الصين وطاقم الممثلين المتعدد الجنسيات وتلميحاتها الماكرة للسينما العالمية. رحَّب الجمهور في كل مكان حول العالم بشخصية شان التي تصوِّر رجل الشارع البسيط، واستمتع بحس الفكاهة والتهذيب الخاصَّين به وقدَّر حقيقة أنه يؤدي حركاته البهلوانية بأقل قدر من الحيل أو المؤثرات الخاصة. فعندما تشاهد جاكي شان، تشعر بطاقته. إن حركة جسده المستمرة تدفع الفيلم للأمام، حاملة إياك كمشاهد معه من أول اللكمات السريعة خلال كل الحركات البهلوانية والتعثر والسقوط والشجار وحتى نهاية الرقصة.

(٨) نضوج صناعة السينما في هونج كونج

بينما كان شان ولي يمضيان بجمهورهما خلال مراحل تطور أفلام الكونغ فو، فإن صناعة السينما في هونج كونج مضت قُدُمًا في عملية التطور الخاصة بها. في عام ١٩٧٠، أسس مديران تنفيذيان من أستديو شو الأستديو السينمائي الخاص بهما تحت اسم «جولدن هارفست». اتبع رايموند تشو وليونارد هو منهجًا أكثر مرونة لإنتاج وتوزيع الأفلام من النموذج المركزي القديم. وبعرض مرتبات أكبر وحرية إبداع أكبر للمواهب التي يمتلكونها، جذبا نجومًا مثل بروس لي وجاكي شان. كما نفذا إنتاجاتٍ مشتركةً رائدة مع هوليوود. بنهاية عقد السبعينيات، كانا يديران أكبر أستديو سينمائي في هونج كونج.

في نفس الوقت، بدأ منتجون صغار مستقلُّون في الظهور وأغرقوا السوق بأفلام الفنون القتالية وأنواعٍ سينمائية شائعة أخرى باللغة الكانتونية. في عام ١٩٨٠، أسس ثلاثة ممثلين كوميديين وهم رايموند وونج، وكارل ماكا، ودين شيك أستديو «سينما سيتي». كان أول فيلم أنتجوه بعنوان «البارعون يكسبون» («إيسز جو بليسز»، ١٩٨٢) وكان محاكاةً ساخرة لأفلام الجاسوسية الخاصة بجيمس بوند. أخرج الفيلم إيريك تسانج وكان من بطولة سام هوي في دور لصٍّ سابقٍ لطيف المعشر يُدعى كينج كونج يتعاون مع مفتش أمريكي أخرق (قام بدوره ماكا) لمكافحة الجريمة في هونج كونج. في مشهدٍ هزلي يذكرنا بالإخوة ماركس، يجد البطلان غريبا الأطوار نفسيهما على المسرح أثناء عرض لبحيرة البجع ويثيران ضحك الجمهور بشدة. مع كل جزء تالٍ من الفيلم، تزداد حركاتهما الخطرة جموحًا وتُستخدَم التقنية فيها على نحوٍ أكبر. في الجزء الثالث الذي ظهر في عام ١٩٨٤، يقفزان بالدراجات النارية من فوق أحد الأسقف، ويطيران بطائرةٍ شراعيةٍ مزودة بمحرك داخل مترو هونج كونج، ويتدلَّى ماكا من ذيل الطائرة. استمتع الجمهور المحلي في هونج كونج بالمعالم المألوفة لمدينتهم وهي تظهر على الشاشة؛ مما شجع المزيد من المخرجين أن يتبعوا هذا التقليد. جعل المخرج تسوي هارك، الذي كانت تدور أحداث أفلامه الأولى في أماكنَ طبيعيةٍ تقليدية، هونج كونج مسرح أحداث فيلمه الساخر ما بعد الحداثي «كل الدلائل الخطأ» («أول ذا رونج كلوز»، ١٩٨١)، مضيفًا لمسته البصرية اللامعة ومهارته في التحكُّم في الإيقاع إلى المشاهد الكوميدية. واصل سامو هونج هذا التقليد بتقديم أفلام كونغ فو كوميدية مثل «فائزون ومذنبون» («وينرز آند سينرز»، ١٩٨٣) و«تلألئي يا نجوم الحظ» («توينكل توينكل لاكي ستارز»، ١٩٨٥) وكلاهما من بطولة جاكي شان. إن هذه الأفلام، ذات قيم الإنتاج الأكبر والمؤثرات الخاصة الحديثة والكوميديا الخشنة السهلة الفهم والتي لا تتوقف؛ راقت السوق العالمية أكثر فأكثر.

كان لشهرة هونج كونج باعتبارها «هوليوود الشرق» فائدةٌ كبرى. وبما أن هوليوود في أمريكا هي القوة المسيطرة على عالم السينما التجارية اليوم، فإنها المقياس الذي يُقاس عليه حجم صناعات السينما الأخرى حول العالم؛ ولذا فإننا كثيرًا ما نسمع إشارات متكررة لبوليوود (المتمركزة في مدينة مومباي الهندية والتي كانت معروفة باسم بومباي) أو نوليوود (في نيجيريا). وكما يشير ديفيد بوردويل، فإن معظم البلاد صغيرة لدرجة لا يُسمح لها بدعم صناعة سينما مزدهرة قائمة على الجمهور المحلي فقط. ولتوفير تكاليف الإنتاج، يجب على تلك الدول تصدير منتجاتها السينمائية لدولٍ أخرى أو الحصول على اعتمادات حكومية كبرى كما يحدث في أوروبا. وبما أن خُمس الأفلام الأوروبية فقط يُعرَض خارج الدول التي صُنعت فيها، فإن بوردويل لا يعتبر أن هناك دولة أوروبية تمتلك صناعة سينما عالمية حقيقية.16 وباستثناء هوليوود والهند، بسوقيهما المحليَّين الضخمين ذَوَي الاكتفاء الذاتي، فإن هذا هو الحال مع أي مركزٍ آخر لصناعة السينما، ومنها هونج كونج. لكن كما رأينا، فإن هذه المنطقة الصغيرة في الطرف الجنوبي من الصين تمتعت بتاريخٍ سينمائيٍّ قوي لأكثر من ٦٠ عامًا. وخلال عقد الثمانينيات وأوائل عقد التسعينيات من القرن العشرين، عندما كانت هوليوود تتحكم في الكثير من الأسواق السينمائية حول العالم، فإن أقل من ٣٠ بالمائة من دور العرض في هونج كونج كانت تعرض أفلامًا أمريكية. ولم تقم فقط أستديوهات مثل شو وجولدن هارفست وسينما سيتي بتلبية احتياجات السوق المحلية لأفلام الحركة، لكنها كذلك حركت وأشبعت شهيةً متزايدة لأفلام فنون القتال في أماكن مثل تايلاند وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايوان وكذلك في الأحياء الصينية في أمريكا الشمالية والجمهور المحب لهذه الأفلام في الغرب.
لكن في منتصف التسعينيات، وقبل تسليم هونج كونج إلى الصين عام ١٩٩٧، شهد هذا الازدهار تراجعًا كبيرًا.17 بدأت أفلام الميزانيات الكبرى في هوليوود في السيطرة على الأسواق المحلية، وكان لفرط الإنتاج والاعتماد على القصص المكررة والمعايير الفنية المنخفضة أثر سلبي على طلب الجمهور، كما ساهمت الأزمة المالية في آسيا وقرصنة الأفلام في تفاقم الأزمة. وبنهاية العقد، انخفضت تكاليف إنتاج وإيرادات صناعة السينما في هونج كونج بمقدار النصف، ومع ذلك، فإن مخرجي المدينة ظلوا يستكشفون اتجاهاتٍ سينمائيةً أخرى. أعاد تسوي هارك إحياء أسطورة بطل الصين في الكونغ فو، وونج في هونج، بسلسلة أفلام «حدث ذات مرة في الصين» («وانس آبون آ تايم إن تشاينا»، ١٩٩١–١٩٩٧)، حيث قام جيت لي بدور البطولة في أربعة من الستة أفلام. جرَّب المخرج جون وو صناعة أفلام الشرطة مضيفًا المسدسات إلى ترسانة الأسلحة التقليدية للقبضات والأقدام والسكاكين والننشاكو في أفلام مثل «غد أفضل» («آ بيتر تومورو»، ١٩٨٦) و«القاتل» («ذا كيلر»، ١٩٨٩) قبل الانتقال إلى هوليوود. وعندما عاد إلى آسيا، أخرج فيلم «المنحدر الأحمر» («ريد كليف»، ٢٠٠٨) وهو عبارة عن ملحمة تتسم بالسخاء في الإنتاج وتصل مدتها إلى أربع ساعات وتدور أحداثها في فترة حكم أسرة هان للصين. بنحوٍ أقل جدية، دمج ستيفن تشاو المؤثرات الرقمية الجديدة والمحاكاة الساخرة غير الواقعية في فيلمَي «كرة قدم الشاولن» («شاولن سوكر»، ٢٠٠١) و«احتيال الكونغ فو» («كونغ فو هاسل»، ٢٠٠٤) اللذين يُعتبران اثنين من أنجح الأفلام التي أُنتجت في هونج كونج على الإطلاق تجاريًّا. كما حقق فيلم «المنحدر الأحمر» كذلك نجاحًا آخر كاسرًا الرقم الذي حققه فيلم «تايتانيك» (١٩٩٧) في شباك التذاكر الصيني. وعقب صدور الأفلام الملحمية لجانج ييمو مثل «بطل» و«منزل الخناجر الطائرة» و«لعنة الوردة الذهبية» («كِرس أوف ذا جولدن فلاور»، ٢٠٠٦)، فإن فيلم وو مثَّل روحًا جديدة للتعاون بين المستوطنة البريطانية السابقة وجمهورية الصين الشعبية، وهو ما أتاح دمجًا لمجموعةٍ رائعة من المواهب والموارد المالية والأساليب السينمائية.

(٩) الكونغ فو والووشيا وجماليات أفلام الحركة

على الرغم من أن أفلام الأنواع السينمائية الشهيرة عادةً ما تتعرض للانتقاد بسبب افتقادها لأصالة وتعقيد وعمق السينما الفنية الموجَّهة للجمهور الجاد، فإن هناك أسبابًا جيدة لدراسة الخصائص الجمالية لتلك الأفلام؛ البصرية والسمعية والشعورية منها. هناك نوع من العبقرية في الأنواع السينمائية؛ إبداع في الأسلوب السينمائي يعكس الطريقة التي تطورت بها على مدار الوقت استجابة لأذواق الجمهور ومتطلبات السوق. وسواء كان يمكن تحديد أسماء وتواريخ معينة لحدوث تقدُّم مُعيَّن أم لا في المؤثرات الصوتية أو التصوير أو المونتاج، فإن مجموعةً مثيرة للإعجاب من الإنجازات التقنية والنزعات الأسلوبية انبثقت من محاولات الكثير من صنَّاع الأفلام لتصوير حركات فنون القتال.

ما الذي يجعل أفلام الحركة المصنوعة في هونج كونج مميزة بهذه الطريقة؟ إحدى سماتها الجليَّة هي السرعة الخالصة لأحداثها؛ فالعروض الحركية والتحركات المفاجئة والجمل الحوارية القصيرة والقطع السريع بالكاميرا واللقطات الخاطفة والموسيقى التصويرية المفعمة بالحيوية؛ كل هذا يجعل القصة تتحرك للأمام بإيقاعٍ حابس للأنفاس. تعزو إستر ياو بين هذه السرعة للإيقاع المحموم للإنتاج في سوقٍ تنافسي، والذي تراوح من سبعة أيام في الستينيات إلى ما بين ثلاثة وخمسة أشهر في الثمانينيات والتسعينيات؛18 هذه السرعة كذلك تعكس إيقاع هونج كونج نفسها وإيقاع حياة المتفرجين الذين يستهلكون هذه الأفلام كالوجبات السريعة. سمة أخرى يلاحظها المشاهدون غالبًا هي النزوع إلى الإفراط؛ حيث تعرض الأفلام المصنوعة في هونج كونج الكثير من الدم والعنف والأطراف المقطوعة والألم في الدقيقة الواحدة بنحوٍ يفوق الفيلم التقليدي في هوليوود، وتتميز تلك الأفلام كذلك بأنها أكثر ضوضاء، وغالبًا ما تمتاز بالبهرجة الحسية والبصرية، لدرجة أن النسخ التي كانت تُصدَّر للجمهور الغربي كانت عادةً ما تُقَلَّل حدتها قليلًا. هذه الجرأة يمكن النظر إليها باعتبارها سوقية أو حيوية؛ نقص في حذق الصناعة يسميه ديفيد بوردويل «تضخيمًا تعبيريًّا».19 وهذا الاستخدام المتعمد للعنف المفرط والمؤثرات الصوتية يعظِّم من التجربة العاطفية.
يؤمن بوردويل بأن مشاهد الحركة في أفلام هوليوود تُعتبر ساذجة وغير فعالة مقارنة بنظيراتها في هونج كونج؛ فبينما تتجه أفلام مثل «السلاح القاتل» («ليثال ويبون»، ١٩٨٧) أو «الهارب» («ذا فيوجيتيف»، ١٩٩٣) لعرض «مجازر كبرى وصخب دائم»، تعرض أفلام هونج كونج «مشاهد لحركاتٍ متفرِّقة ودقيقة مُعايَرة بدقة.»20 هذه الدقة تتحقق على نحوٍ جزئي من خلال المونتاج البنائي وهو الأسلوب السوفييتي لبناء مشهد بشكلٍ استقرائي من وجهات نظر جزئية للفعل، على عكس المونتاج التحليلي وهو الأسلوب القديم في عرض لقطةٍ تأسيسية عامة قبل إظهار التفاصيل. يُناوِب العاملون في المونتاج في هونج كونج بين التوقفات الطويلة والنشاط الحركي وهو أسلوب قد يدين بشكل ما للحركات الانفعالية السريعة والأوضاع الساكنة المميِّزة لأوبرا بكين. هذه الطريقة في المونتاج تجعل الهجمات السريعة والتوقفات المفاجئة في قتالات الكونغ فو حركاتٍ تامةً محددة بعناية، بينما يميل القطع في المونتاج في هوليوود إلى صنع إحساسٍ عام بالاضطراب والفوضى. يشير بوردويل كذلك إلى فروقات في أسلوب التصوير كذلك؛ فبينما تميل هوليوود إلى التركيز على الوجه، فإن هونج كونج تعرض حركات الجسم بالكامل أثناء القفز والسقوط وأثناء تفجُّره بالطاقة؛ كنتيجة لهذا، فإن مشاهد الحركة في أفلام هوليوود تبدو كتجاربَ بصريةٍ، بينما تبدو المشاهد نفسها في أفلام هونج كونج تجاربَ حسِّيةً؛ مما يجعلنا نشعر «بابتهاجٍ حركيٍّ جَذل».21

بطرقٍ عديدة، فإن فن الكونغ فو هو انتصار للخيال في كلٍّ من أساليب القتال وجماليات السينما. يمتلك الجسد البشري ذراعين وساقين؛ كم من الطرق يمكن بها استخدام هذه الأطراف الأربعة لمهاجمة جيش أو الدفاع ضد هجوم بالأسلحة الحديثة؟ وكم عدد أنواع حركات الأيدي والأرجل التي يمكن ابتكارها لدفع فيلم أو نوع سينمائي للأمام من دون خسارة جمهوره؟

شاهد ما يقوم به جاكي شان في الهندسة الحركية في فيلم «المعلِّم السكران» عندما يتدرب على أسلوب «السِّكِّير ذي القوة الداخلية». تنتقل الكاميرا من كتيِّبٍ مفتوح لتُظهر وجه جاكي شان، ثم ترجع للخلف بينما يأخذ شهيقًا ويمتلئ جسده الصلب كالصخر بالعزيمة، يهتز ويترنَّح ويميل إلى الأمام كما لو كان سيسقط ثم يستعيد توازنه ويقفز في سلسلة من الوقفات المتفرقة. بأصابعَ معقوفةٍ ومرفقَين مطويَّين وساقٍ مرفوعة لتكوِّن زاوية مع جسده، يثب جاكي شان من وضعيةٍ إلى أخرى؛ الآن هو في الهواء، الآن هو يدور على ظهره محركًا كلتا ساقيه في الهواء كالسوط لتدفعاه في شكل قوس رشيق. لاحقًا، نرى هذه الحركات أثناء الفعل حيث يهاجمه مُتنمِّر بعصًا هائلة فيصدُّ جاكي شان هجومه كما لو كان أمرًا تافهًا، متظاهرًا بأنه يرتشف الخمر من كأس أو وعاء طيلة الوقت. بعد مرور ساعة ونصف من زمن الفيلم، يصبح جاكي شان في النهاية أستاذًا سكران. أسلوب التصوير والمونتاج في الفيلم بشكلٍ عام مباشرَين وغير مقحمين (انظر الأشكال ١-١٠ و١-١١ و١-١٢). معظم الحركات صُوِّرت من مستوى النظر من جانبٍ واحد كما لو كان مقطع فيديو تدريبي. هناك لقطاتٌ عارضة من فوق جاكي شان وتحته وحتى من وجهة نظر الخصم كما لو كان الجمهور يتعرَّض للهجوم، لكن التركيز الأساسي هو على الجسد أثناء حركته. هنا يقل الاهتمام بتأطير المشهد أو الألوان أو الضوء أو العناصر الأخرى للأسلوب السينمائي.

انظر بدقة إلى مشهد المعركة الذي يمثِّل ذروة فيلم «حدث ذات مرة في الصين». تدور الأحداث داخل سفينةٍ أمريكيةٍ راسية في ميناء فوشان الجنوبي في أوائل القرن التاسع عشر، يبرز لاعبٌ قوي في الفنون القتالية يسمى ييم «أيرون فيست» (الذي يقوم بدوره يي كوان يان) ليثبت أنه بإمكانه هزيمة البطل وونج في هونج (الذي يقوم بدوره جيت لي) باستخدام أسلوبٍ جديد في الكونغ فو. تحالَف ييم مع عصابة شاهو الشريرة وانتهازيٍّ أمريكي يسمى جاكسون. يقع النزال الكبير في مخزن البضائع في سفينة جاكسون حيث يواجه ييم وونج فردًا لفرد. مهارات ييم هائلة؛ يهاجم وونج بطاقة وقوة وبراعة لا حدود لها، كلا الرجلين يستعين بمجموعاتٍ كبرى من الحركات القتالية، لكنهما كذلك يستخدمان أدوات من محيطهما. يمدُّ ييم جسده ليحصل على سلَّمٍ بقدمه ويركله في الهواء ركلةً موجهة بدقة ناحية وونج، تتحول عارضة خشبية مكسورة أو حزمة من القش في يده إلى سلاح. يبتكر ويبدع كلا الرجلين على نحوٍ فوريٍّ كما كان يفعل جين كيلي عندما يستخدم مظلةً أو عمود نور من أجل رقصته في فيلم «الغناء تحت المطر» («سينجنج إن ذا رين»)، ١٩٥٢). التصوير السينمائي مبدع بنفس الطريقة؛ تُظهِر العديد من المشاهد المتحاربين من زوايا مائلة بنحو يبرز القوى الديناميكية أثناء عملها (يُسمي المخرج الأمريكي سبايك لي هذه الزوايا «الزوايا الصينية» واستخدمها بحرِّية في فيلم «افعل الصواب» («دو ذا رايت ثينج»، ١٩٨٩)). تلتقط العدسة ذات الزاوية الواسعة للكاميرا اللحظة الخطيرة التي يواجه فيها وونج ييم على جسر من السلالم المتقاطعة، ثم تقطع الكاميرا لتعرض لقطةً علوية لتظهر كيف أن السلالم مرتبة كلعبة التقاط العصيِّ. في لحظةٍ ما، تتوقف الحركة بشكلٍ مفاجئ حيث يستعيد الرجلان توازنهما ويتواجهان مرةً أخرى. بينما تندفع الكاميرا لتظهر جسد كلٍّ منهما من زاويةٍ سفلية، نشعر بالتوتر والترقُّب؛ نمرُّ بتوقفٍ منذر بسوء قبل بدء الجولة التالية. يملأ الدخان الهواء وتهتز ألسنة من النيران في الخلفية. عندما يُستَأنف القتال، يحدث على هيئة دفقةٍ سريعة من الصور تصل إلى حوالي ٥٢ لقطة في الدقيقة التالية، خلال هذه المدة، تظل الكاميرا في حركةٍ مستمرة لا تتوقف. نشاهد من أعلى حيث يجذب ييم سلَّمًا بكلتا يديه، ثم تنتقل الكاميرا للقطةٍ مقربة له حيث يغرس أحد طرفَي السلَّم الخشبي في الأرض وينظر من خلال درجات السلَّم في لقطة سفلية ثم يركله تجاه خصمه (شكل ١-١٣)، ثم يتحرك برفق بينما السلم يقع بميل نحو وونج، الذي ما زال يقف منتظرًا في هدوء في الناحية الأخرى وهناك خيط رفيع من دخان أزرق يظهر خلفه. تظهر لقطةٌ واسعة من الجانب للرجلين وهما يتأهبان للمواجهة مرة أخرى (شكل ١-١٤)، وأخرى تُظهرهما من أعلى (شكل ١-١٥). عندما يندفع ييم في اتجاه وونج من درجة سلَّم إلى الأخرى، نحن نرى ما يحدث من أسفل (شكل ١-١٦)، وعندما يقفز وونج بساقَين مفتوحتَين ويهبط ليكسر السلَّم إلى نصفين، فنحن نصعد ونهبط معه (شكل ١-١٧). على الرغم من أن جسدَي المتحاربَين يقعان في منتصف المشهد، فنحن ندرك كذلك ما يحيط بهما: درجات ألوان الخشب وأكوام الأجولة وتصميم المشهد بالكامل. ندرك كذلك ما فعله المونتير. تُظهر اللقطات المقرَّبة أطراف السلَّم المغروسة في التراب أو ضرب عارضة خشبية أو تمزُّق جوال من الحبوب. يأخذنا القطع المونتاجي التبادلي ذهابًا وإيابًا بين الشجار الأساسي وبين مواقع قريبة لأحداثٍ أخرى عبارة عن امرأة توشك أن تتعرض للاغتصاب وبحَّارة أمريكيون على وشك إطلاق النار على وفدٍ صيني. كل هذه الخيوط في القصة تلتقي في نزالٍ أخير بين الأبطال الصينيين والأشرار الأجانب، ويفوز وونج ومجموعته المخلصة من طلاب الكونغ فو، بطبيعة الحال، لكنهم يتعلمون درسًا قاسيًا عن التقنية الغربية؛ أنه لا يمكنك مواجهة الأسلحة بالقبضات.

figure
الأشكال من ١-١٠ إلى ١-١٧: جماليات أفلام الكونغ فو في هونج كونج. إن تصوير ومونتاج يون وو بينج في فيلم «المعلِّم السكران» (وو بينج يون، ١٩٧٨) غير مقحمين نسبيًّا حيث يقوم جاكي شان بكل الحركات (الأشكال من ١-١٠ إلى ١-١٢). قارن بين هذا الأسلوب السينمائي وبين استخدام تسوي هارك الديناميكي للكاميرا والمونتاج وتحريك الممثلين بالأسلاك (الأشكال من ١-١٣ وحتى ١-١٧) في فيلم «حدث ذات مرة في الصين» (تسوي هارك، ١٩٩١).

يُكسِب فيلم «حدث ذات مرة في الصين» الهوس بأفلام الكونغ فو مأوًى محليًّا وسببًا لصنع تلك الأفلام. تاريخيًّا، يُلمِح الفيلم إلى تمرد الملاكمين عام ١٩٠٠ عندما جمعت جماعة تسمي نفسها «جماعة القبضات الصالحة والمتآلفة» عددًا كبيرًا من الأتباع ليواجهوا تنين الإمبريالية الغربية بأيديهم العارية. ورغم أن بعضهم كان مسلَّحًا تسليحًا خفيفًا، فإنهم كانوا مؤمنين بأن قوة الصين الحقيقية تكمن في شعبها وهي حكمة تتكرر كثيرًا في الفيلم. بالمصطلحات المعاصرة، فإن القصة تعرض قوة أمة تطوَّرت بحلول تسعينيات القرن العشرين حيث وصلت هونج كونج إلى آفاقٍ جديدة من النجاح وأصبحت مستعدَّة للخروج من تحت عباءة الحكم البريطاني. لم يكن اختيار وونج في هونج باعتباره شخصية محورية من قبيل الصدفة؛ فهو يُعتبر بطلًا في الثقافة المحلية ومحور حلقةٍ طويلة من أفلام كونغ فو باللغة الكانتونية استمرت طويلًا منذ الأربعينيات وحتى السبعينيات من القرن العشرين وشملت أكثر من ٩٠ فيلمًا. ربما كان دوره تعبيرًا عن الفخر الكانتوني في وجه عودة هونج كونج للانحياز المانداريني للصين. لكن لماذا كان الأشرار أمريكيين؟ هل هذا تلميح إلى قوى النفوذ بهوليوود التي ترسل أسطولها الدولي من الأفلام للسيطرة على العالم؟ ربما لا يكون صنَّاع الأفلام المستقلون في هونج كونج قادرين على منافسة قوة التقنية والتسويق في أمريكا، لكن بامتلاكهم سعة الحيلة والمرونة وأساليب الكونغ فو المطوَّرة محليًّا، فإنهم يقاومون بشكلٍ قوي ومسلٍّ للغاية.

(١٠) قائمة أفلام

بسطتُ بنود الجدول التالي من أجل سلاسة العرض. هناك أفلامٌ قليلة يمكن أن تصنف تحت نوعٍ سينمائيٍّ واحد بعينه؛ على سبيل المثال، فإن فيلم «حدث ذات مرة في الصين» يجمع بين عناصر المبارزة بالسيف لأفلام الووشيا والقتال بالقبضات العارية لأفلام الكونغ فو، بالإضافة إلى لمسة من القتال بالمسدسات لأفلام الغرب الأمريكي. يضيف فيلم «اقتل بيل» بجزأَيه الأول والثاني سمات من تقليد الساموراي للمزيج السابق. يجب على طلاب السينما تعلُّم دراسة هذه التصنيفات كنوع من استكشاف الطبيعة التعاونية المتجاوزة للحدود الوطنية والمتعددة الأنواع السينمائية لصناعة السينما اليوم. وعلى الرغم من أن العديد من الأفلام تُسجَّل على أنها إنتاج بلدٍ واحد، فإنها في الواقع تُعتبر إنتاجًا مشتركًا متعدد الجنسيات (على سبيل المثال: فإن أفلام الاسباجيتي للمخرج سيرجيو ليوني كانت تُصنع في العادة بتمويل وممثلين من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا). تختلف عناوين الأفلام كذلك؛ فربما يمتلك فيلم من بطولة بروس لي أربعة أو خمسة عناوين إنجليزية، وحتى الأسماء الصينية لأفلام هونج كونج ربما تختلف اعتمادًا على كونها سُميَت بلغة الماندارين أو الكانتونية. في معظم الحالات، استُخدِم الاسم بلغة الماندارين، مقطعًا بمقطع، فيما عدا أسماء الأعلام. ربما تكون الأسماء الآسيوية محيرة بالنسبة إلى القارئ الغربي بسبب أنه جرت العادة في دول مثل الصين وكوريا واليابان على تقديم اسم العائلة على الاسم الأول. على سبيل المثال، فإن اسم عائلة جانج ييمو هو جانج واسمه الأول هو ييمو. من أجل الاتساق والوضوح، اتبعت ما هو مُتبَّع في قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (IMDb) باستخدام الترتيب الغربي في الأسماء (الاسم الأول أولًا ثم اسم العائلة) وذلك في كل الأسماء المذكورة في قوائم الأفلام، سواء كانت آسيوية أو غربية. على سبيل المثال، فإن جانج ييمو مشارٌ إليه باسم ييمو جانج رغم أنه في مواضع أخرى في الفصل أشير إليه باسم جانج ييمو. بالنسبة إلى التواريخ، رجعت لقاعدة البيانات السابقة والتي عادةً ما توفِّر تاريخ الإصدار الأصلي.
قائمة أفلام.
النوع السينمائي الأساسي بلد الإنتاج العنوان بالعربية العنوان بالإنجليزية المخرج سنة الإصدار
كونغ فو هونج كونج الزعيم الكبير (أو قبضات الغضب) The Big Boss (aka Fists of Fury) وي لو ١٩٧١
كونغ فو هونج كونج قبضة الغضب (أو الاتصال الصيني) Fist of Fury (aka The Chinese Connection) وي لو ١٩٧٢
كونغ فو هونج كونج طريقة التنين (أو عودة التنين) Way of the Dragon (aka Return of the Dragon) بروس لي ١٩٧٢
كونغ فو هونج كونج والولايات المتحدة دخول التنين (أو المدمرون الثلاثة) Enter the Dragon (aka The Deadly Three) روبرت كلوس ١٩٧٣
كونغ فو هونج كونج المعلِّم السكران Drunken Master وو بينج يون ١٩٧٨
كونغ فو هونج كونج والولايات المتحدة شجار باتل كريك (أو الشجار الكبير) Battle-Creek Brawl (aka The Big Brawl) روبرت كلوس ١٩٨٠
كونغ فو هونج كونج كل الدلائل الخطأ All the Wrong Clues تسوي هارك ١٩٨١
كونغ فو هونج كونج البارعون يكسبون (أو المهمة المجنونة) Aces Go Places (aka Mad Mission) إيريك تسانج ١٩٨٢
كونغ فو هونج كونج المشروع «أ» Project A جاكي شان ١٩٨٣
كونغ فو هونج كونج فائزون وآثمون Winners and Sinners سامو كام-بو هونج ١٩٨٣
كونغ فو هونج كونج عجلات على وجبات Wheels on Meals سامو كام-بو هونج ١٩٨٤
كونغ فو هونج كونج قصة شرطي Police Story جاكي شان ١٩٨٥
كونغ فو هونج كونج تلألئي يا نجوم الحظ Twinkle, Twinkle Lucky Stars سامو كام-بو هونج ١٩٨٥
كونغ فو هونج كونج حدث ذات مرة في الصين Once Upon a Time in China تسوي هارك ١٩٩١
كونغ فو تايلاند أونج باك: مقاتل المواي تاي Ong-Bak: Muay Thai Warrior براكشيا بينكاو ٢٠٠٣
ساموراي اليابان شاب مُتقلِّب Capricious Young Man مانساكو إيتامي ١٩٣٦
ساموراي اليابان الإنسانية وبالونات الورق Humanity and Paper Balloons ساداو ياماناكا ١٩٣٧
ساموراي اليابان راشومون Rashomon أكيرا كوروساوا ١٩٥٠
سامواري اليابان الساموراي السبعة Seven Samurai أكيرا كوروساوا ١٩٥٤
ساموراي اليابان الساموراي ١: موساشي مياموتو Samurai I: Musashi Miyamoto هيروشي إيناجاكي ١٩٥٤
ساموراي اليابان يوجيمبو Bodyguard أكيرا كوروساوا ١٩٦١
ساموراي اليابان فرسان الرونين السبعة والأربعون المخلصون The Loyal Forty-Seven Ronin هيروشي إيناجاكي ١٩٦٢
ساموراي اليابان هاراكيري Harakiri ماساكي كوباياشي ١٩٦٢
ساموراي اليابان حكاية زاتويشي The Tale of Zatoichi كينجي ميسومي ١٩٦٢
ساموراي الولايات المتحدة الساموراي الأخير The Last Samurai إدوارد زويك ٢٠٠٣
ساموراي الولايات المتحدة اقتل بيل: الجزء الأول Kill Bill: Vol. 1 كوينتن تارانتينو ٢٠٠٣
غرب أمريكي الولايات المتحدة سرقة القطار الكبرى The Great Train Robbery إدوين بورتر ١٩٠٣
غرب أمريكي الولايات المتحدة الفيرجيني The Virginian فيكتور فليمنج ١٩٢٩
غرب أمريكي الولايات المتحدة عربة الجياد Stagecoach جون فورد ١٩٣٩
غرب أمريكي الولايات المتحدة ريو جراندي Rio Grande جون فورد ١٩٥٠
غرب أمريكي الولايات المتحدة ظهيرة مشتعلة High Noon فريد زينيمان ١٩٥٢
غرب أمريكي الولايات المتحدة شين Shane جورج ستيفنز ١٩٥٣
غرب أمريكي الولايات المتحدة الباحثون The Searchers جون فورد ١٩٥٦
غرب أمريكي المملكة المتحدة مأمور فراكتشرد جو The Sheriff of Fractured Jaw راءول والش ١٩٥٨
غرب أمريكي الولايات المتحدة العظماء السبعة (إعادة صنع أمريكية للساموراي السبعة) The Magnificent Seven جون سترجيس ١٩٦٠
غرب أمريكي ألمانيا كنز سيلفر ليك The Treasure of Silver Lake هارالد ريني ١٩٦٢
غرب أمريكي إيطاليا حفنة من الدولارات (إعادة صنع إيطالية لفيلم يوجيمبو) A Fistful of Dollars سيرجيو ليوني ١٩٦٤
غرب أمريكي الولايات المتحدة غضب (إعادة صنع أمريكية لفيلم راشومون) The Outrage مارتن ريت ١٩٦٤
غرب أمريكي إيطاليا الطيب والشرس والقبيح The Good, the Bad and the Ugly سيرجيو ليوني ١٩٦٦
غرب أمريكي النيجر عودة مغامر The Return of an Adventurer الحسن مصطفى ١٩٦٦
غرب أمريكي إيطاليا حدث ذات مرة في الغرب Once Upon a Time in the West سيرجيو ليوني ١٩٦٨
غرب أمريكي الولايات المتحدة خدعة كوجان Coogan’s Bluff دون سيجل ١٩٦٨
غرب أمريكي الولايات المتحدة رجل كبير ضئيل Little Big Man آرثر بين ١٩٧٠
غرب أمريكي الولايات المتحدة باك والواعظ Buck and the Preacher سيدني بواتييه ١٩٧٢
غرب أمريكي الهند الشعلة (أو الجذوات) Sholay (aka Embers) راميش سيبي ١٩٧٥
غرب أمريكي الولايات المتحدة الرامي The Shootist دون سيجل ١٩٧٦
غرب أمريكي الولايات المتحدة الرقص مع الذئاب Dances with Wolves كيفن كوستنر ١٩٩٠
غرب أمريكي الولايات المتحدة غير مغفور Unforgiven كلينت إيستوود ١٩٩٢
غرب أمريكي الولايات المتحدة السريع والميت The Quick and the Dead سام ريمي ١٩٩٥
غرب أمريكي اليابان سوكي ياكي ويسترن جانجو Sukiyaki Western Django تاكاشي ميكه ٢٠٠٧
غرب أمريكي الولايات المتحدة قطار الثالثة وعشر دقائق إلى يوما 3:10 to Yuma جيمس مانجولد ٢٠٠٧
غرب أمريكي كوريا الجنوبية الطيب والشرس وغريب الأطوار (إعادة صنع كورية للطيب والشرس والقبيح) The Good, the Bad, the Weird جي وون كيم ٢٠٠٨
غرب أمريكي الولايات المتحدة جانجو الحر Django Unchained كوينتن تارانتينو ٢٠١٢
ووشيا الصين إحراق معبد اللوتس الأحمر Burning of the Red Lotus Temple شيشوان جانج ١٩٢٨
ووشيا هونج كونج تعالَ وشاركني الشراب Come Drink With Me كينج هو ١٩٦٦
ووشيا هونج كونج حانة بوابة التنين (أو حانة التنين) Dragon Gate Inn (aka The Dragon Inn) كينج هو ١٩٦٧
ووشيا هونج كونج السياف ذو الذراع الواحدة The One-Armed Swordsman تشيه تشانج ١٩٦٧
ووشيا هونج كونج لمسة من زِن A Touch of Zen كينج هو ١٩٧١
ووشيا هونج كونج مصير لي خان The Fate of Lee Khan كينج هو ١٩٧٣
ووشيا تايوان النمر الرابض والتنين الخفي Crouching Tiger, Hidden Dragon آنج لي ٢٠٠٠
ووشيا الصين بطل Hero ييمو جانج ٢٠٠٢
ووشيا الصين منزل الخناجر الطائرة House of Flying Daggers ييمو جانج ٢٠٠٤
ووشيا الصين لعنة الوردة الذهبية Curse of the Golden Flower ييمو جانج ٢٠٠٦
ووشيا الصين المنحدر الأحمر Red Cliff جون وو ٢٠٠٨
ساموراي اليابان هارا كيري: موت فارس ساموراي Hara Kiri: Death of a Samurai تاكاشي ميكه ٢٠١١
ساموراي، كونغ فو، ووشيا الصين هوية السيف The Sword Identity هاوفينج سو ٢٠١١
كونغ فو تايوان والصين المعلِّم الكبير The Grandmaster وونج كار واي ٢٠١٣

قراءات إضافية

أفلام الغرب الأمريكي في هوليوود وخارجها

  • Altman, Rick. “A Semantic/Syntactic Approach to Film Genre.” In Leo Braudy and Marshall Cohen, eds., Film Theory and Criticism, 5th edition, 630–653. Oxford University Press, 1999.
  • Anderson, J.L. “Japanese Swordfighters and American Gunfighters.” Cinema Journal 12(2) (Spring 1973): 1–21.
  • Belton, John. “The Making of the West.” In American Cinema/American Culture, 2nd edition, 248–276. McGraw-Hill, 2005.
  • Berg, Chuck. “Fade-Out in the West: The Western’s Last Stand?” In Wheeler Winston Dixon, ed., Film Genre 2000: New Critical Essays, 211–226. State University of New York Press, 2000.
  • Chopra, Anupama. Sholay: The Making of a Classic. Penguin, 2000.
  • Hughes, Howard. Once Upon a Time in the Italian West: The Filmgoers’ Guide to Spaghetti Westerns. I.B. Tauris, 2004.
  • Kaminsky, Stuart. “The Samurai Film and the Western.” Journal of Popular Film 1(4) (1972): 312–324.
  • Kitses, Jim. Horizons West: Directing the Western from John Ford to Clint Eastwood. Indiana University Press, 1998.
  • McGee, Patrick. From Shane to Kill Bill: Rethinking the Western. Blackwell, 2007.
  • Schatz, Thomas. “The Western.” In Hollywood Genres: Formulas, Filmmaking, and the Studio System, 45–80. Random House, 1981.
  • Slotkin, Richard. “Gunfighters and Green Berets; The Magnificent Seven and the Myth of Counter-Insurgency.” Radical History Review 44 (Spring 1989): 64–90.
  • Warshow, Robert. “Movie Chronicle: the Westerner” (1954). In Leo Braudy and Marshall Cohen, eds., Film Theory and Criticism, 5th edition, 654–667. Oxford University Press, 1999.
  • Weisser, Thomas. Spaghetti Westerns: The Good, The Bad, and the Violent. McFarland, 1992.

السينما اليابانية وتقليد الساموراي

  • Anderson, J.L. “Japanese Swordfighters and American Gunfighters.” Cinema Journal 12(2) (Spring 1973): 1–21.
  • Desser, David and Arthur Nolletti, Jr. Reframing Japanese Cinema. Indiana University Press, 1992.
  • Desser, David. “Toward a Structural Analysis of the Postwar Samurai Film.” Quarterly Review of Film Studies 8(1) (Winter 1983): 25–41.
  • Kaminsky, Stuart. “The Samurai Film and the Western.” Journal of Popular Film 1(4) (1972): 312–324.
  • Richie, Donald. A Hundred Years of Japanese Film. Kodansha International, 2001.
  • Richie, Donald. The Films of Akira Kurosawa. University of California Press, 1970.
  • Silver, Alain. The Samurai Film. Overlook Press, 2005.
  • Standish, Isolde. Myth and Masculinity in the Japanese Cinema: Toward a Political Reading of the “Tragic Hero.” Curzon, 2000.
  • Tada, Michitaro. “The Destiny of Samurai Films.” East-West Film Journal 1(1) (December 1986): 48–58.

السينما الصينية والووشيا والكونغ فو

  • Berry, Michael. Speaking in Images: Interviews with Contemporary Chinese Filmmakers. Columbia University Press, 2005.
  • Bordwell, David. Planet Hong Kong: Popular Cinema and the Art of Entertainment. Harvard University Press, 2000.
  • Browne, Nick, Paul Pickowicz, Vivian Sobchack, and Esther Yau, eds. New Chinese Cinemas: Forms, Identities, Politics. Cambridge University Press, 1994.
  • Desser, David. “The Martial Arts Film in the 1990s.” In Wheeler Winston Dixon, ed., Film Genre 2000: New Critical Essays, 77–109. State University of New York Press, 2000.
  • Ehrlich, Linda and David Desser, eds. Cinematic Landscapes: Observations on the Visual Arts in China and Japan. University of Texas Press, 1994.
  • Fu, Poshek and David Desser, eds. The Cinema of Hong Kong: History, Arts, Identity. Cambridge University Press, 2000.
  • Marchetti, Gina and Tan See Kam, eds. Hong Kong Film, Hollywood and the New Global Cinema: No Film Is an Island. Routledge, 2007.
  • Lu, Sheldon Hsiao-peng and Emilie Yeh, eds. Chinese-Language Film: Historiography, Poetics, Politics. University of Hawai’i Press, 2005.
  • Lu, Sheldon Hsiao-peng, ed. Transnational Chinese Cinemas: Identity, Nationhood, Gender. University of Hawai’i Press, 1997.
  • Lu, Sheldon H. and Anne Ciecko, eds. China, Transnational Visuality, Global Postmodernity. Stanford University Press, 2001.
  • Stokes, Lisa Odham and Michael Hoover. City on Fire: Hong Kong Cinema. Verso, 1999.
  • Teo, Stephen. Hong Kong Cinema: The Extra Dimensions. British Film Institute, 1997.
  • Yau, Esther, ed. At Full Speed: Hong Kong Cinema in a Borderless World. University of Minnesota Press, 2001.
  • Zhang, Yingjin. Screening China: Critical Interventions, Cinematic Reconfigurations, and the Transnational Imaginary in Contemporary Chinese Cinema. University of Michigan Center for Chinese Studies, 2002.

هوامش

(1) Thomas Schatz, Hollywood Genres: Formulas, Filmmaking, and the Studio System (Random House, 1981), 45.
(2) John Belton, American Cinema/American Culture, 2nd edition (McGraw-Hill, 2005), 248.
(3) Robert Warshow, “Movie Chronicle: The Westerner” (1954), in Leo Braudy and Marshall Cohen, eds., Film Theory and Criticism, 5th edition (Oxford, 1999), 654–667.
(4) Jim Kitses, Horizons West: Directing the Western from John Ford to Clint Eastwood (Indiana University Press, 1998).
(5) Michitaro Tada, “The Destiny of Samurai Films,” East-West Film Journal 1(1) (December 1986): 48.
(6) Donald Richie, A Hundred Years of Japanese Film (Kodansha International, 2001), 22–27.
(7) J.L. Anderson, “Japanese Swordfighters and American Gunfighters,” Cinema Journal 12(2) (Spring 1973): 1–21.
(8) David Desser, “Toward a Structural Analysis of the Postwar Samurai Film,” Quarterly Review of Film Studies 8(1) (Winter 1983): 145.
(9) Desser, 25–41.
(10) Desser, 27.
(11) Zhang Zhen, “Bodies in the Air: The Magic of Science and the Fate of the Early ‘Martial Arts’ Film in China,” in Sheldon Hsiao-peng Lu and Emilie Yeh, eds., Chinese-Language Film: Historiography, Poetics, Politics (University of Hawai’i Press, 2005), 54.
(12) Zhang Zhen, 65.
(13) Quoted in Craig Smith, “‘Hero’ Soars, and Its Director Thanks ‘Crouching Tiger,’” The New York Times, September 2, 2004.
(14) David Bordwell, Planet Hong Kong: Popular Cinema and the Art of Entertainment (Harvard University Press, 2000), 201.
(15) Since The Big Boss was also given the American name Fists of Fury, the 1972 film (Fist of Fury in Hong Kong) went by other names in the United States, including The Iron Hand and The Chinese Connection. Way of the Dragon (literally “The Fierce Dragon Crosses the River” in Chinese) is also known as Return of the Dragon in the United States. Enter the Dragon, originally titled Blood and Steel in the United States, is also known in English as The Deadly Three.
(16) Bordwell, 82.
(17) Stephen Teo, Hong Kong Cinema: The Extra Dimensions (British Film Institute, 1997).
(18) Esther Yau, ed., At Full Speed: Hong Kong Cinema in a Borderless World (University of Minnesota Press, 2001), 3.
(19) See David Bordwell, “Aesthetics in Action: Kungfu, Gunplay, and Cinematic Expressivity,” in Esther Yau, ed., At Full Speed: Hong Kong Cinema in a Borderless World (University of Minnesota Press, 2001), 73–93.
(20) Bordwell, Planet Hong Kong, 228.
(21) Bordwell, “Aesthetics in Action,” 91.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤