الفصل السادس عشر

من البيولوجيا الكمومية إلى الهندسة

From Quantum Biology To Engineering

«التعلُّم من الطبيعة يمكن أن يُعجِّل في تطوير تقنياتٍ جديدة.»

Y. Zhang (2016)

«إن تلاقي علم الفيزياء والهندسة في القرن العشرين، غيَّر العالم بالكامل، والآن تلاقي علم الحياة والهندسة، سيُحقِّق هذا في المستقبل.»

Susan Hochfeild (2019)
طوَّرَت الأحياء على مدى ملايين السنين جُزيئات وتراكيبَ جزيئيةً معقدة، تتمكن من استغلال الطاقة بكافة مستوياتها، وكذلك المواد وتحويلها عَبْر عملياتٍ فيزيائيةٍ كيميائيةٍ متنوعة جدًّا. إن دراسة علم الحياة يكشف التفاصيل والفعاليات البيولوجية على المستوى الجُزيئي والذري ويُبرِز القدرات غير العادية للمواد البيولوجية. ومكَّن علم الحياة من كشف الكثير من الظواهر الطبيعية، وفسَح المجال أمام استغلال هذه المعرفة في فهم العالم وتطوير المواد والآليات لإشباع حاجات الإنسان الغذائية، ومكافحة الأمراض وإدامة حياة الإنسان. هذا دفع الكثير من الباحثين إلى محاكاة التراكيب والعمليات البيولوجية عَبْر التقنية النانوية البيولوجية، من أجل زيادة المعرفة وتطوير موادَّ جديدة. استعرض Xiea et al., (2019) الأبحاث العلمية والتقنية في مجال علم الحياة التخليقي ومحاكاة التراكيب والعمليات البيولوجية في مجالات المعدنة البيولوجية، وإنتاج الطاقة، وإنشاء التراكيب البيولوجية والصناعية المختلطة، واستخدام البروتينات والأحماض النووية كسقالات لبناء أجهزةٍ نانويةٍ جديدة والكثير غيرها خلال العقدَين الأخيرَين. كما قدَّمَت Hochfeild (2019) عرضًا لعدد من منجزات الهندسة الأحيائية؛ كاستخدام الفايروسات في إنتاج بطاريات خزن الطاقة الكهربائية مع تصغير الحجم، وتنوُّع الشكل، وتخفيض الكُلف الطاقية والتلوُّث. كذلك استخدام بروتينات القنوات المائية في أغشية الخلايا في إنتاج مرشِّحات تنقية المياه العالية الكفاءة وغيرها. غير أننا سنعرض فيما يأتي جهود المحاكاة البيولوجية المستندة إلى ظواهر ميكانيك الكَم فقط، والتي هي في مجال علم الحياة الكمومي.
إن عمل الظواهر الكمومية في الكائنات الحية، والذي كشفَته البيولوجيا الكمومية، فتح آفاقًا جديدةً من خلال عمل ميكانيك الكَم في البيئات المكتظَّة بالجُزيئات ودرجات الحرارة العالية والتي كان يُعتقَد بعدم إمكانيتها. كما أظهَرَت البيولوجيا الكمومية دور الأحماض النووية والبروتينات والجُزيئات الحيوية وترتيبها الذي يمكِّن من استغلال موارد البيئة بما فيها مصادر الطاقة والمجالات الكهرومغناطيسية، وتحقيق عمل الظواهر الكمومية. هذا حفَّز على استلهام التراكيب الجُزيئية وآليات عمل المنظومات البيولوجية العالية الكفاءة، في بناء منظوماتٍ نانويةٍ ومواد بفاعلياتٍ كمومية، ضمن مجال التقنية النانوية. وحسب Cai (2011) فإن الأهمية العملية لدراسة البيولوجيا الكمومية، هو التعلُّم من الطبيعة وتصميم أجهزةٍ عاليةِ التأثير تُحاكي النظم البيولوجية، لغرض إنجاز أهدافٍ هامة؛ مثل تجميع الطاقة وتحسُّس المجالات المغناطيسية الضعيفة وتحسُّس الروائح وغيرها. من القدرات البيولوجية الملهمة والتي يمكن أن تجد تطبيقاتٍ تقنيةً لها تحسُّس الجُسيمات أو الجُزيئات المفردة؛ كقدرة الصبغات العينية أو نُظم التركيب الضوئي على تحسُّس الفوتونات المفردة، وكذلك تحسُّس المجال المغناطيسي الضعيف جدًّا، والنقل الكفوء للطاقة ونقل الإلكترونات بواسطة البروتينات والتنظيم الذاتي للبروتينات والفايروسات وغيرها.

(١) تحسُّس وتجميع الطاقة الضوئية

Sensing and collecting light energy
شَهدَت العقود الأخيرة أبحاثًا مكثَّفة، ركَّزَت على قدرات العمليات الحيوية في التركيب الضوئي من أجل توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بعد أن كانت مركَّزة على تقنيات فيزياء المواد الصُّلبة والبصريات (Pankratov et al., 2020; Sarovar et al., 2014).

(١-١) التراكيب الحاملة للصبغات لاقتناص الضوء

Light harvesting chromophores assemblies

كما تم شرحه في الفصل الثالث عشر، فإن جوهر التراكيب القانصة للضوء في التركيب الضوئي هو الصبغات الممتصة للضوء. إنها صبغات الكلوروفيل والكاروتين أو البورفورينات مع وجود البروتينات التي تعمل كسقالات. والمُلفِت هو قدرة هذه المنظومات على تعظيم قدرات امتصاص الضوء وكفاءة في نقل الطاقة إلى منطقة فصل الشحنة التي تنتهي بتحرير الأكستون، وكفاءة في فصل الإلكترون في مركز التفاعُل يصلان إلى ١٠٠٪، مع وجود الوقاية الضوئية لمنع أضرار الأكسدة. غير أن هذه المنظومات الضوئية الطبيعية معقَّدة التركيب وحسَّاسة؛ حيث إنها نتاجٌ تطوريٌّ لملايين السنين يصعب إنتاج مثلها صناعيًّا؛ لذلك لجأ العديد من الباحثين إلى اعتماد مبادئ التركيب الضوئي الطبيعية، واستخدام بعض النظم الضوئية الطبيعية مع تقنيات تستخدم موادَّ مصنَّعة للحصول على الإلكترونات من موادَّ كيميائيةٍ بتأثير الطاقة الضوئية.

يستعرض Sarovar et al., (2014) الأبحاث في مجال التقنيات الصناعية لبناء هوائيات اقتناص الضوء تُحاكي النُّظم البيولوجية تُستخدم في تطبيقات الفولتية الضوئية والتحسُّس الضوئي، وكذلك تقنيات تحسُّس المجالات المغناطيسية.

(١-٢) التكامُل المباشر لهوائيات تجميع الضوء الطبيعية مع بيئات المواد الصلبة

Direct integration of natural antennas into solid-state environments

هنا يتم ربط الهوائيات الجامعة للضوء الطبيعية مباشرةً مع آلة جمع الشحنات التي تستخلص الإلكترونات الناتجة عن فصل الشحنة. هذه الإلكترونات ستمثِّل إشارة تحسُّس للمتحسِّسات الضوئية أو تيارًا كهربائيًّا في الخلية الفولتوضوئية. في هذه التقنية ثمَّة إمكانيةٌ لحفظ كل الخواص الكمومية للهوائيات الجامعة للضوء الطبيعية، على ألا تتضرَّر من عملية الربط ببيئة فيزياء المواد الصلبة الغريبة عليها.

fig173
شكل ١٦-١: مقطعٌ عَرضي لجهاز مكاملة مراكز التفاعُل الطبيعية. مُحوَّر عن: Sarovar et al., (2014).
حسب نموذج Das et al., (2004) تم مكاملة معقدي جمع الضوء؛ مركز التفاعل من البكتيريا الأرجوانية Rhodobacter sphaeroides والنظام الضوئي I من نبات السبانخ في آلة إلكترونيات فيزياء المواد الصلبة، كما موضَّح في الشكل ١٦-١. تم ترتيب هذه المعقدات الضوئية، حيث وُضعَت وتجمَّعَت تلقائيًّا على سطحٍ مطليٍّ بالذهب، وثُبِّتَت بواسطة راتنج. وتم تغطية طبقة المعقدات الضوئية بمادةٍ عضويةٍ شبه موصلة غير متبلورة، وأخيرًا وضع ملامسٍ معدني، لجمع الشحنات المتولِّدة. تَم تقدير الكفاءة الكُمومية الداخلية لهذه المنظومة بحوالي ١٢٪.

(١-٣) التجمُّعات الجُزيئية Molecular aggregates

التجمُّعات الجُزيئية هي تراكيبُ لجُزيئاتٍ كثيفة الرصف، تنشأ عن تآثُراتٍ جُزيئيةٍ بينية لا تساهمية، مثل: تنضيد π-π، الأواصر الهيدروجينية وتنسيقات الأيونات المعدنية. مثل هذه التآثُرات تؤدي إلى مكوِّناتٍ جُزيئيةٍ غاية في التنظيم وكأنها بلوراتٌ جُزيئية، وكذلك تجمُّعات جزيئية أقل تنظيمًا أو مبعثرة.
في الطبيعة، يُعتبَر الكلوروسوم (Chlorosome) وهو هوائي تجميع الضوء في بكتيريا الكبريت الخضراء، مؤلَّفًا من تجمُّع لجزيئات صبغات الكلوروفيلات البكتيرية c وd وe وf ذي غلافٍ دهنيٍّ أحادي الطبقة، ومن دون سقالةٍ بروتينية. هذا التجمُّع كفوء في امتصاص الضوء بنسبة ١٠٠٪، ويتألف من تجمُّعاتٍ أسطوانية بقطر ١٠ن م، بأطوالٍ يمكن أن تصل إلى بضع مئات النانومترات، وتحتوي على مئات آلاف جُزيئات الكلوروفيل البكتيري (شكل ١٦-٢).
fig174
شكل ١٦-٢: رسمٌ تخطيطيٌّ لتركيب منظومة تجميع الضوء في بكتيريا الكبريت الخضراء. اليسار، نموذج الكلوروسوم (الأخضر) يجلس فوق معقد FMO (الأصفر) والذي يربط الكلوروسوم بالغشاء السايتوبلازمي، الحاوي على مراكز التفاعل (الأزرق). الوسط، توضيح للتركيب الأسطواني للكلوروسوم. اليمين، يظهر التجمُّع الجُزيئي الكثيف لجُزيئات الكلوروفيل البكتيري في الكلوروسوم. مُحوَّر عن: Sarovar et al., (2014).
fig175
شكل ١٦-٣: التركيب النانوي المحاكي للكلوروسوم. عن: Orf et al., (2017).

وبسبب الحجم الكبير والتعقيد المختزل للكلوروسوم، فقد استُخدِم في تقنيَّات استلهام الأنساق البيولوجية الجامعة للضوء.

في محاكاة للكلوروسوم البكتيري، قام Orf et al., (2017) بتكوين منظومةٍ نانويةٍ هجينة من صبغات الكلوروفيل البكتيري c وd وe وf المستخلَصة من بكتيريا الكبريت الخضراء، محاطةٍ بغشاء بوليمر ثنائي الوحدة، مزدوجِ الألفة للماء مع تجمُّعات من كلوروفيل a البكتيري حيث تشكلت تلقائيًّا بفعل الانتقال من حالتها العضوية إلى الطَّور المائي، كما في الشكل ١٦-٣.

بيَّن هذا التركيب أن الأنواع المختلفة من الصبغات، تشتركُ في النقل الفائق السرعة للطاقة، متخطيةً النوع الأُحادي لحامل الصبغة في الكلوروسوم الطبيعي. كما بيَّنَت أهمية البوليمر المشترك القصير الوحدات في بناء أنساقِ جمعِ الضوء القابلة للتحكُّم.

(١-٤) صبغات السيانين ومشتقَّاتها المزدوجة الأُلفة للماء

Cyanine dyes and amphiphilic derivatives
fig176
شكل ١٦-٤: أنبوبٌ نانويٌّ اصطناعيٌّ مجمِّع للضوء متركِّب ذاتيًّا من جُزيئات صبغة السيانين، مزدوجة الحب والكراهية للماء (a) الموحود 3,3’-bis (2-sulphopropyl)-5,5’,6,6’-tetrachloro-1,1’-dioctylbenzimidacarbocyanine (C8S3) monomer. (b) مخطَّط للأنبوب النانوي المتركِّب ذاتيًّا والمجمِّع للضوء (ولزيادة الوضوح تم استخدام جُزيئةٍ واحدةٍ لكل وحدة خلية)؛ تركيبٌ مزدوج الجدار ذو مجاميع سلفونات مُحبة للماء (حمراء) على الخارج، سلاسل الألكايل (رمادي فاتح) الكارهة للماء داخل الطبقتَين، وحامل صبغة السيانين (رمادي غامق). قُطر الأنبوب النانوي حوالي ١٣ن م والمسافة بين الأسطوانتَين المتراكزتَين حوالي ٤ن م. (c) طيف الامتصاص. الأسود: موحودات الصبغة مذابة في الميثانول (لا تجمع). الأحمر: التجمُّعات الأنبوبية النانوية للصبغة محضَّرة في ماء/ميثانول؛ حزمتا J الاثنتَان الرئيستَان يمكن أن تُعزيا إلى الأسطوانة الداخلية والأسطوانة الخارجية على التوالي. مُحوَّر عن: Sarovar et al., (2014).
استُخدمَت مشتقَّات صبغة السيانين المزدوجة الأُلفة للماء (أجزاء مُحبة وأجزاء كارهة للماء) لتكوين تجمُّعاتٍ جُزيئية تُشكِّل تراكيبَ أسطوانيةً مُحاكيةً لكلورسوم بكتيريا الكبريت الخضراء. أحد تلك التراكيب والمعروف اختصارًا C8S3 عند إذابته في مذيبٍ مُستقطِب، يتجمَّع تلقائيًّا، بسبب تراكُب القوى الكارهة للماء وتنضيد π–π للجُزيئات بشكل أنبوبٍ نانويٍّ مزدوج الجدار، يتألَّف من تجمُّعاتٍ جُزيئيةٍ تعمل كجهازٍ اصطناعيٍّ جامع للضوء، كما في الشكل ١٦-٤. هذا مكَّن أن يكون نموذجًا ممتازًا لبحث نقل الإكسيتون في الأنابيب النانوية شبه المنفردة، وكذلك جمع الضوء وغيرها من تطبيقات الفيزياء الصلبة. إن مباعدة الأنبوبَين بمسافة حوالي ٤ن م، جعلهما يعملان كنظامَين إكسيتونيَّين باستجاباتٍ طيفيةٍ متمايزة.

(١-٥) كلور الزنك ومشتقَّاته Zinc chlorin and its derivatives

كلور الزنك (ZnChl) مشابهٌ جدًّا للكلوروفيل البكتيري c في الشكل؛ حيث يكون الزنك بدل المغنسيوم الموجود في الكلوروفيل البكتيري c. ويمكن تحضير كلور الزنك من خلال اشتقاقٍ تدريجيٍّ لكلوروفيل a (Rӧger et al., 2008). إن جُزيئات مشتقات كلور الزنك تتجمع تلقائيًّا؛ لتُشكِّل قضبانًا نانويةً مشابهةً للكلوروسوم البكتيري. التجارب المطيافية بيَّنَت أن الإكسيتونات تنتقل عَبْر ١٠ إلى ١٥ جُزيئة على الأقل في زمن ١ إلى ١٠ بيكوثانية؛ ما يشير إلى خواصِّها الكمومية.
ومن أجل زيادة قدرات هذه التراكيب تم تجميعها مع الكلوروفيل البكتيري المرتبط تساهميًّا مع جُزيئة كاربون ٦٠. هذا التركيب التلقائي التشكُّل والمعزز، صار يعمل كوحدةٍ جامعةٍ للضوء حيث يعمل تجمُّع جُزيئات كلور الزنك كهوائيٍّ مجمِّعٍ للضوء، والكاربون ٦٠ كمركز تفاعُلٍ اصطناعيٍّ يمكِّن من فصل الشحنة، بينما يعمل الكلوروفيل البكتيري كقانصِ طاقةٍ للهوائي الجامع للضوء ZnChl وفي الوقت نفسه كمانحِ إلكترونٍ لمركز التفاعُل كاربون ٦٠. هذه التشكيلة المركَّبة تحقِّق نقل طاقة، وفصل شحنةٍ سريعة جدًّا بكفاءةٍ كموميةٍ كُلية تصل إلى ٩٠٪.

(١-٦) تجميع حوامل الصبغة على قالب الفايروس

Assemble of chromophores on viral templetes
من نواقص التجميع التلقائي للجُزيئات كمجمِّعاتٍ ضوئيةٍ دون روابط بأواصرَ تساهميةٍ هو عدم ضبط المسافات الفاصلة، ومظهر التركيب الذي يؤثِّر سلبًا في كفاءتها في نقل الإلكترونات وفصل الشحنات. وللتغلُّب هذه المُشكِلة تم اللجوء إلى التجمُّع الذاتي للبروتينات التي تتخذ عدة أشكال؛ كالتراكيب الخيطية أو الصفائحية أو اللولبية. ومن النماذج البيولوجية الأبسط والمعروفة التركيب جيدًا، هو عُلبة (Capsid) الفايروس الذي يتجمَّع تلقائيًّا، ويمكن أن يعمل كسقالة لترتيب الجُزيئات أو التراكيب المراد تشكيلُها. لقد استُخدمَت الفايروسات كقوالبَ في بناء البطاريات، وكُرياتٍ لنقل الأدوية الموجَّهة وفي تقنيات الطاقة الشمسية. ومن الفايروسات الشائعة والسهلة التحضير هو فايروس موزائيك التبغ (Tobacco Mosaic Virus-TMV). عُلبة هذا الفايروس تتألَّف من وحدات بروتينٍ شديدة الرصف، تتجمَّع تلقائيًّا بهيئةٍ أنبوبيةٍ أو تراكيبَ قُرصية تحيط بالحامض النووي RNA للفايروس. كل قُرصٍ يتكوَّن من ١٧ وحدة بروتين، وهذه الأقراص تتنضَّد أو تكون بهيئة لولبٍ يحتوي على ١٦ وثلث وحدةٍ لكل دورة، ونصف القُطر الداخلي للحلقة المركزية حوالي ٢٠ أنكستروم. وبذلك فهو يشبه كلورسوم بكتيريا الكبريت الخضراء.
يتم استخدامُ بروتين الفايروس كسقالة لتجميعِ حواملِ الصبغات. ويمكن ربط حوامل الصبغة بأواصرَ تساهُمية، من خلال إدخال الحامض الأميني سيستئين (Cysteine) غير الموجود طبيعيًّا ضمن بروتينات الفايروس، كما يمكن التحكُّم بمواقع ربط حوامل الصبغة من خلال الحامض الأميني سيستئين في طافرات مختلفة من الفايروس، كما في الشكل ١٦-٥. غير أن هذه التشكيلات أفضت إلى عمليات نقل للشحنات بطريقةٍ تقليدية أو غيرِ كمومية. مع ذلك يمكن الوصول إلى رصفٍ أفضلَ لحوامل الصبغاتِ من أجل الحصول على تراكيبَ تتمكَّن من النقل الكمومي للشحنات (Sarovar et al., 2014).
استخدَم Miller et al., (2010) بروتينَ غلافِ فايروس موزائيك التبغ (TMV) للتجميع الذاتي لحوامل الصبغة العضوية لتكوين منظومة جمع الضوء. وجد الباحثون أن كفاءة نقل الطاقة في المنظومات التي تحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من الجُزيئات المانحة مقارنةً بالجُزيئات المستقبِلة للإلكترون، تعتمد كثيرًا على حالة تركيب بروتين الفايروس. وتبيَّن أن التراكيب القُضبانية لبروتين الفايروس أكفأ كثيرًا في نقل الطاقة من التراكيب القُرصية. هذا يعود حسب الباحثين إلى أن كفاءة التراكيب القضبانية، تعتمد خطيًّا على نسبة الحوامل الصبغية المثبِّطة؛ ما يشير إلى وجود غنًى في مسارات نقل الطاقة؛ ما يمكِّن من تخطي المواقع المعطِّلة، وهو ما لا يحصُل في التراكيب القُرصية.
fig177
شكل ١٦-٥: مواقع إحداث الطفرات على وحدة بروتين الفايروس TMV وربط حامل الصبغة وتكوين مجمع الصبغات في قالب بروتين الفايروس. محوَّر عن: Sarovar et al., (2014).
درس Sarovar & Whaley (2013) تراكيب الحوامل الصبغية الأسطوانية باستخدام تقنيات الجُزيئات الكبيرة. هذه التراكيب تمَّت بمساعدة بروتين عُلبة فايروس موزائيك التبغ (TMV) كقالب للتجميع لمعرفة محدِّدات تجميع الضوء في مثل هذه التراكيب، بوجود وغياب الترتيب (الفوضى). اكتشف الباحثون وجود مبادلة بين تعظيم كفاءة نقل الطاقة وعرض حزَم امتصاص الضوء في هذه التراكيب. كما وجدوا أن استراتيجيات التصميم الملائمة تعتمد على كمية الفوضى الطاقية والتركيبية في المنظومة. الهدف النهائي للعمل هو إقامة برنامجٍ معقولٍ بفعلٍ كموميٍّ لتكوين تراكيبَ عضويةٍ نانوية تُحاكي منظومات التركيب الضوئي الطبيعية.
استخدَم Mao et al., (2004; 2003) بروتين عُلبة الفايروس البكتيري M13 كقالبٍ لغرض الترتيب الموجه لبلورات ZnS وCdS بهدف تكوين أسلاكٍ نانويةٍ مغناطيسية وشبهِ موصلة. هذا الفايروس يحيط جينومه المؤلَّف من جُزيئة DNA بعلبة (كابسيد) لولبيةٍ طوليةٍ طولُها حوالي ٨٨٠ن م وعرضها حوالي ٦٫٥ن م، مكوَّن من حوالي ٢٧٠٠ وحدة بروتين pVIII. هذا البروتين كما بروتينات العلبة في بقية الفايروسات قابلٌ للتجميع التلقائي.
تم استخدام الفايروس البكتيري M13 كقالبٍ لتنصيبِ جُزيئات الصبغة بشكلٍ هوائيٍّ جامع للضوء من خلال الأواصر الكيميائية. يبدو أن الفوتونات الممتصة بواسطة الصبغات المركَّبة على الفايروس تنتقل خلال مدًى طويلٍ من تآثُرات ثنائيات القطب، وتخمدُ في المواضع الناشئة عن اقتران الإلكترون للصبغات. هذا يشير إلى أن نقل الطاقة بواسطة الصبغات المثبتة، قابل للتحكُّم من خلال حشر أو حذف الأحماض الأمينية وراثيًّا على بروتين كابسيد الفايروس pVIII وبالتالي تحوير طاقة المواضع والمسافة بين الصبغات (Nam et al., 2010).
قام Park et al., (2014) بتكوين منظومةٍ جامعةٍ للضوء قابلةٍ للتحكُّم باستخدام الفايروس البكتيري M13 القابل للتحوير الوراثي كقالبٍ ذاتي التجميع. تم برمجةُ جينات الفايروس للتحكُّم بموضَعة مواقع الارتباط لحوامل الصبغات من أجل مضاعفةِ إمكانيةِ إيجاد شبكاتٍ دقيقة لها لضبط نقل الطاقة. وبذلك تمكَّن الباحثون من تجريب ترتيباتِ شبكةِ حوامل الصبغة على امتداد طيفٍ بين النقل المتماسِك للإكسيتون ونقل Förster غير المتماسِك. وتم إيجاد ترتيباتٍ وسطيةٍ تبيِّن نقل الإكسيتون المحسَّن مقارنةً بالنقل غير المتماسِك. وهكذا تم توضيحُ أن ما بعد نقل Förster تزداد كفاءة النقل. وكما تُشير الأبحاث النظرية أن في مثل هذا النظام يتآثَر التماسُك الكمومي وآليات اللاتماسُك لتسريع نقل الإكسيتون. هذا يماثل ما يحصُل في عملية التركيب الضوئي الحقيقي حيث تُسهِم الاهتزازات البيئية المصدَر أو عمليات التبديد، في ترشيد نقل الطاقة؛ وعليه تم زيادةُ طول انتشار الإكسيتون ٦٨٪ في هذا النظام الوسطي بين النظام الكمومي والنظام التقليدي.

(٢) تحسُّس البروتينات الخضراء التألُّق

Sensing of Green Fluorescent Proteins

(٢-١) المطيافية الكمومية للبروتينات الخضراء التألُّق

Quantum Spectroscopy of Green Fluorescent Proteins
تم ملاحظة ظاهرة التألُّق، وهي عمليةُ إصدار ضوءٍ من قِبلِ بعض الأحياء كالحشرات وعددٍ من الأحياء المائية منذ القرن الأول الميلادي. إصدار هذا التألُّق الأحيائي يُستخدَم من قِبل الأحياء لأغراضٍ دفاعيةٍ وهجومية، وكوسيلة اتصالات. تم اكتشافُ البروتين الأخضر التألُّق وتنقيتُه من قِبل Shimomura سنة ١٩٦٢م، في قنديل البحر. عُزل البروتين Aequorin الذي يُصدِر تألقًا أزرق اللون، وبروتينٌ آخر هو البروتين الأخضر التألُّق Greenfluorescent protein (GFP). هذان البروتينان يعملان سويةً في الأعضاء الضوئية لقنديل البحر؛ حيث يقومان بتحويل الإشارات الوميضية المحفزة بأيونات الكالسيوم (Ca++) إلى وميضٍ أخضر. البروتين Aequorin الذي ينقلُ الطاقة إلى البروتين الثاني، وهو البروتين الأخضر التألُّق، الذي يُصدِر الضوء الأخضر. يحتوي البروتين الأخضر التألُّق على حامل صبغة (Chromophore) مؤلَّف من عددٍ من ببتيدات الأحماض الأمينية؛ الكلايسين والتيروسين والسيرين، كما في الشكل ١٥-٦.
fig178
شكل ١٦-٦: تركيب البروتين الأخضر الوميض لقنديل البحر Aequorea victoria. عن: Piston, D. W., R. E. Campbell, R. N. Day and M. W. Davidson. Ziess, Education in microscopy and digital imaging.
جميع البروتينات المتألِّقة تكون بحجومٍ حوالي ٢٥ك د، وهي أكبر من حجوم حوامل اللون العضوية التي تكون بحدود ١ك د. إن تألُّق هذه البروتينات يعتمد على التركيب الكامل لها، والذي يتألف من ١١ صفيحة مطويةً بشكلٍ برميليٍّ تُحيط بلولب مركزي. حامل اللون في هذه البروتينات يتألَّف من عددٍ قليلٍ من الأحماض الأمينية، والتي تقع قرب مركز الصفيحة البرميلية. هذه الأحماض الأمينية تكون مشحونة أو مستقطبة وتحتجز العديد من جُزيئات الماء، وتتفاعل لتكوِّن حلقة أميدازول مع ارتباطاتٍ ممتدة (شكل ١٦-٧) (Kremers et al., 2011).
fig179
شكل ١٦-٧: معمارية البروتين الأخضر التألُّق GFP من قنديل البحر Aequorea victoria. عن: (2011 Kremers et al.).
وبعد كَلونَة الجين المشفر للبروتين الأخضر التألَّق سنة ١٩٩٢م، استُخدم البروتين لتتبُّع التعبير الجيني في البكتيريا والنيماتودا Caenorhabditis elegans. إن استخدام البكتيريا كمنتجٍ للبروتينات المتألِّقة من خلال نقل الجين المسئول عن تشفير البروتين المتألِّق إليها، سَهَّل على نحوٍ كبيرٍ جدًّا، الحصول على الكميات المطلوبة من هذه البروتينات، بعد أن كان الباحثون الأوائل يبذلون جهودًا مُضنِيةً بجمع مئات الآلاف من قناديل البحر، للحصول على ملغراماتٍ قليلة (شكل ١٦-٨).
فيما بعدُ تَمَّ هندسة GFP من قنديل البحر عَبْر التطفير لتكوين عددٍ كبيرٍ من البروتينات بالألوان الأزرق والسمائي والأصفر، وكذلك من أنواعٍ أخرى تَمَّ الحصول على بروتيناتٍ بتألُّق ألوان البرتقالي والأحمر والأحمر القاني (Kremers et al., 2011; Hung, 2012) (شكل ١٦-٩).
fig180
شكل ١٦-٨: مستعمراتٌ بكتيريةٌ ملوَّنة بالبروتين الأخضر التألُّق GFP والبروتينات المشابهة ناميةٌ على الوسط الزرعي في طبقٍ بتري. عن: Roger Tsien (Tsien Lab Web site).
fig181
شكل ١٦-٩: عددٌ من البروتينات المتألِّقة بألوانٍ مختلفة. عن: Roger Tsien (Tsien Lab Web site).
لقد توسَّع استخدامُ البروتينِ الأخضرِ التألُّق في البيولوجي الجُزيئي والطب وبيولوجيا الخلية كموسمٍ أحيائيٍّ لمتابعة البروتينات والتعبير الجيني (Zimmer, 2002).

وتُستخدَم البروتينات المتألِّقة كموسماتٍ وراثية، وبذلك يمكن إدماجها باستخدام تقنيات التعديلات الوراثية والاستغناء عن الصبغات الخارجية وعمليات التثبيت وغيرها. ويُمكِن دمجُ البروتينات المتألِّقة مع البروتينات الهدف قيد الدراسة وبنسبة ١:١، وبذلك تمكِّن من التصوير الكمي. وهناك استخدامات المجهر الوميضي، قياس الانتشار الجُزيئي وتتبُّعه، وتطبيقات مجهر الجُزيئة المفردة، وعمل متحسِّساتٍ حيويةٍ لكشف الأيونات والجُزيئات الإشارية داخل الخلايا وقياس جهد غشاء الخلية، تنشيط المستقبِلات وغيرها من الوظائف الفسلجية. كذلك تُستخدَم البروتينات المتألِّقة في دراسة تآثُرات البروتين- البروتين.

إن تطوُّر التقنيات الطيفية على أساس الحالات الكمومية للضوء، مكَّن من ملاحظة والتحكُّم بتآثُرات الضوء والمادة في المواد البيولوجية على المستوى الكمومي. وهكذا فإن تحقيق الضوء المتشابك في البروتينات المومضة، يمكن أن يكون تقنيةً واعدةً لتعدُّد المهمَّات التي يمكن أن تنجزها. وهكذا قام الباحثون Shi et al., (2017) بتكوين حالة فوتونَين مُستقطِبَين متشابكَين من خلال المزج التلقائي الرباعي الموجة في البروتين الأخضر التألُّق المنشط aGFP. وتشير إعادة بناء ماتركس الكثافة أن حالة التشابُك تكون معرَّضةً لفك التماسُك الناشئة عن امتصاص الفوتونَين. غير أن الحالة المحضَّرة تكون أقلَّ حساسيةً لفك التماسُك البيئي بسبب الحماية التي يُوفِّرها تركيب صفيحة بيتا البرميلية، التي تحمي حامل الصبغة في البروتين. إن هذه التقنية الكمومية تمثِّل آليةً واعدةً لتطوير تقنيةٍ مطيافيةٍ كمومية ووسيلةِ قياسٍ كموميةٍ في المواد البيولوجية.
تم تطوير تقنية نقل طاقة رنين التألُّق الأحيائي Bioluminescence resonance energy transfer (BRET) بتحوير تقنية نقل طاقة رنين التألُّق Fluorescence resonance energy transfer والتي تستخدم مصدرَ ضوءٍ خارجي لتحفيز نقل التألُّق.
تُوفِّر تقنية BRET حساسيةً عالية وسهولةَ استخدامٍ لتحسُّس الجُزيئات الحيوية. هذه التقنية تعتمد على المسافة الفاصلة وتتضمَّن نقل طاقةٍ غيرِ إشعاعية؛ حيث تستخدم التألق الأحيائي للبروتين لإثارة المستقبِل بواسطة طاقة الرنين. حسَّاس BRET يتمكَّن من التحسُّس السريع للجُزيئة الهدف كميًّا دون استخدام مجالٍ كهرومغناطيسيٍّ خارجي، مثل الأشعة فوق البنفسجية، والتي يمكن أن تؤذي النسيج. ثمَّة العديد من البروتينات المتألِّقة أحيائيًّا، والتي يمكن استخدامها، إضافةً إلى استخدام النقاط الكمومية (Quantum dots). وحيث إن استخدام النقاط الكمومية يعتمد على الحجم، جعل استخدام BRET ممكنةً لمراقبة التغيُّرات في الجُزيئات المرصودة تتمُّ في الزمن الحقيقي (Real time) والتصوير داخل الجسمِ الحي (In Vivo).
هذه التقنية تُمكِّن من رصد تآثُرات بروتين-بروتين، وكذلك كشف الجُزيئات الحيوية واستخداماتٍ واسعةٍ في التصوير والتقنية النانوية الطبية (Hwang et al., 2019).
استعرض Kim et al., (2021) وقدَّموا تحديثًا للأبحاث المنشورة في البيولوجيا الكمومية، بما فيها البروتينات المتألِّقة، واعتبروها مجالًا جديدًا في البيولوجيا الكمومية.

إن عمل الظواهر الكمومية كالتشابُك في هذا الحقل، يؤكِّد حقيقة اعتماد الفعاليات الحيوية المختلفة على الظواهر الكمومية، ويؤكِّد دَور التركيب الخاص للجُزيئات الحيوية في الحفاظ على التماسُك الكمومي في درجات الحرارة الفسلجية، ومقاومة تأثير ضوضاء البيئة.

(٣) التحسُّس المغناطيسي Magnetosensing

(٣-١) آلية زوج الجذر في التحسُّس المغناطيسي

Radical pair mechanism for megnatosensing

تم عرضُ موضوعِ التحسُّس المغناطيسي وتحديد الاتجاهات من قِبل الأحياء في الفصل الحادي عشر.

ثمَّة ثلاثُ آلياتٍ لتحسُّس المجال المغناطيسي؛ الفيريمغناطيسية والتحفيز الإلكترومغناطيسي والتفاعل الكيميائي المكوِّن لأزواج الجذور. كلها تعتمد على أحد الأسس التالية: تضخيم التأثير المغناطيسي، أو استخدام مادةٍ عالية الحساسية للمغناطيسية، أو عزل المنظومة عن الحمام الحراري (Thermal bath).
إحدى هذه الآليات، وهي والتفاعل الكيميائي المكوِّن لأزواج الجذور، تمثِّل بوصلةً كيميائيةً كُمومية. وحَظيَت باهتمامٍ كبير. يعتمد عمل هذه المنظومة على امتصاص فوتون من الضوء الأزرق من قِبل جُزيئة الصبغة الحسَّاسة للضوء FAD الموجودة في جُزيئة البروتين كربتوكروم؛ حيث يعاني تفاعُلات أكسدة-اختزال. تُستخدَم طاقة الفوتون لإطلاق إلكترون من إحدى ذرات جُزيئة FAD مُخلِّفةً فراغًا إلكترونيًّا ليتكون شبه الكينون FADH° مُكوِّنًا الجذر الأول. هذا الفراغ يمكن أن يُملأ بإلكترونٍ آخر يُمنح من زوجٍ من الإلكترونات المتشابكة كموميًّا في جُزيئة الحامض الأميني تربتوفان (Tryptophan) ضمن جُزيئة الكربتوكروم؛ حيث يعاني مزيدًا من الاختزال الضوئي مُكوِّنًا FADH- والذي ستُعاد أكسدتُه بمعزلٍ عن الضوء. وخلال هذه العملية يتكون الجذر الثاني، بينما الإلكترونان يبقيان متشابكَين كُموميًّا، ويُكوِّنان حالاتِ تراكُب منفردة (Singlet)/ثلاثية  (Triplet) والتي هي المنظومة الكيميائية الفائقة الحساسية للمجال المغناطيسي، والتي يتمكَّن الكائن الحي بواسطتها من تحديد موقع القطب المغناطيسي الأقرب.
كان Kodis et al., (2004) قد حضَّروا مركزَ تفاعُل تركيبٍ ضوئيٍّ اصطناعي محاكي ثلاثي الجُزيئات، يتألَّف من ارتباط الكاروتين (C) مع البورفيرين (P) والفوليرين (F): C-P-F. يعمل البورفيرين كرابط وناقل شحنة، بينما يعمل الكاروتين كمانحِ إلكترونٍ ثانوي والفوليرين (Fullerene) كمستقبِل إلكترون. إن إثارة البورفيرين تُتبَع بنقل الإلكترون المحفَّز ضوئيًّا إلى الفوليرين ( = ٣٢ بيكوثانية)، ليعطي . نقل الإلكترون من الكاروتين إلى الأيون الموجب البورفيرين ( = ١٢٥ بيكوثانية) يعطي حالةً نهائية بكفاءة إجمالية ٠٫٩٥.
fig182
شكل ١٦-١٠: تركيب الثلاثي المكون C–P–F لتوضيح مبدأ عمل البوصلة الكيميائية. التحوُّل المتبادَل بين حالتَي المنفردة (S) والثلاثية (T) لزوج الجذر [ ] يتم بواسطة التأثُّر المغناطيسي الفائق الدقة، ويُكيَّف بتأثُّرات زيمان بالمجال المغناطيسي الخارجي. عن: Maeda et al. (2008).
استخدم Maeda et al., (2008) المنظومة الاصطناعية الثلاثية المُكوِّنات المؤلَّفة من جُزيئات كاروتين – بورفيرين – فوليرين للباحثين Kodis et al., (2004) كما في الشكل ١٦-١٠ كبوصلةٍ كيميائيةٍ كُمومية. وعند تعريض المنظومة للضوء الأخضر، تتمكَّن من فصل الإلكترونات على امتداد الجُزيئة، وتستجيب للمجال المغناطيسي الضعيف جدًّا (٥٠ ميكروتيسلا) كالمغناطيس الأرضي، وهي تعتمد أيضًا على الحالة المنفردة والثلاثية لزوج الجذر [ ] ولكن في درجة حرارة ١١٣ كالفن (−١٦٠مº).
حسب Cai (2011) فإن تدريج المجال المغناطيسي يُحسِّن كثيرًا من أداء البوصلة الكيميائية المعتمدة على التشابُك الكُمومي بين أزواج الجذور. وقد حسَّن الباحث من أداء البوصلة الكمومية خاصةً تحسُّس الاتجاه باستخدام التدرُّج المغناطيسي، ويُمكِن حسَب الباحث تحسُّس المجال المغناطيسي في منظومة البوصلة الهجينة المكوَّنة من جُسيماتٍ معدنية، مغناطيسية، نانوية، وأزواج جذور لجُزيئاتٍ عضوية. والجهاز يستلهم النموذج البيولوجي لمتحسِّس المجال المغناطيسي الضعيف، وفي درجة حرارة الغرفة.
وأكَّد Kerpal et al., (2019) وباستخدام النموذج الثلاثي الجُزيئة على صحة عمل آلية زوج الجذور في تحسُّس الطيور للمغناطيس الأرضي، وقدَّموا اقتراحاتٍ لتطوير تصميم وعمل نُظم البوصلة الكيميائية.

(٤) تقنيات تحسُّس الروائح Odor sensing technologies

يستعرض الفصلُ العاشرُ نظرياتِ تفسير حاسة الشم في الإنسان والحيوانات. ثمَّة النظرية التقليدية المعروفة بنظرية القفل والمفتاح، ونظرية الاهتزاز، ونظرية بطاقة المرور التي تعتمد على شكل جُزيئة العطر، ونظرية الاهتزاز غير المرن لجُزيئةٍ مستقبِلة تمكِّن من تسرُّب الإلكترون بقدرتها على الاهتزاز بنفس التردُّد، والذي يُفضي إلى نقل الإشارة من المستقبِل الشمي إلى الدماغ وتمييزها.

وانطلاقًا من كون المواد العطرية هي مواد كيميائية طيَّارة، يمكن أن تتفاعَل مع موادَّ كيميائيةٍ أخرى، اكتشفَت عددًا من المتحسِّسات الكيميائية للروائح. ومع صعود التقنية النانوية، صار بالإمكان تطوير آلاتٍ دقيقةٍ تُساعِد في كشف الروائح لبعض الأغراض العلمية أو الصناعية أو الأمنية وصولًا إلى الأنف الإلكتروني.

أوَّل من سَكَّ مصطلح الأنف الإلكتروني J. W. Gardner وP. N. Bartlett سنة ١٩٨٨م، وعرَّفا الأنف الإلكتروني على أنه جهازٌ يتضمَّن مجموعة من المتحسِّسات الكيميائية الإلكترونية ذات خصوصيةٍ جُزيئيةٍ ومنظومة، تُعرِّف على أنماطٍ مناسبةٍ قادرة على التعرُّف على الروائح البسيطة أو المعقَّدة. وحيث إن هذه الأجهزة لا تتحسَّس الروائح فقط، فقد اقترح Ramgir (2013) تعريف الأنف الإلكتروني على أنه: منظومةُ تحسُّسٍ كيميائيةٌ ذكية، تُحاكي المنظومة الشمِّية في اللبائن. ومع أن كفاءة الأنف الإلكتروني أقل كثيرًا من منظومة الشم في اللبائن، إلا أنها يمكن أن تُستخدَم لأغراضٍ تتفوَّق بها على المنظومة الطبيعية.
يتألَّف الأنف الإلكتروني من مجموعة من المتحسِّسات الكيميائية، دوائر إلكترونية وبرامج تحليلِ معلومات. كما يمكن أن يحتوي أيضًا على أخذ العينات، الترشيح، ومنظومة تكييف (لتكرارية جمع المزيج)، كما في الشكل ١٦-١١.
fig183
شكل ١٦-١١: رسمٌ تخطيطيٌّ لمقارنة الأنف الإلكتروني مع منظومة الشم في اللبائن. مُحوَّر عن: Ramgir (2013).
fig184
شكل ١٦-١٢: (a) شبكةٌ ثلاثيةُ الأبعاد من الأسلاك النانوية. (b) من اليسار إلى اليمين- ترتيب جزيئي، تركيب تخطيطي ومخطَّط بياني للحزمة (متضمنًا توضيحًا للتسرُّب المحفَّز بالفونونات) لسلك دايود التسرب الاهتزازي RTD النانوي. (c) من اليسار إلى اليمين سلك نانوي مع RTD متناظرة مربوطة على التوالي وتقابل مخطَّطًا بيانيًّا للحزمة. (d) من اليسار إلى اليمين سلك نانوي مع RTD غير متناظر ويقابل مخطَّطًا بيانيًّا للحزمة. محوَّرة عن: Patil et al., (2018).
وتماشيًا مع نظرية الاهتزاز في تحسُّس الروائح بيولوجيًّا، صمَّم Patil et al., (2018) أنفًا إلكترونيًّا وهو دايود تسرُّب اهتزازي Resonant tunneling diode (RTD) ثُنائي الحاجز، أُحادي البُعد، مستندين على مبدأ مطيافية التسرُّب الإلكتروني غير المرن Inelastic electron tunneling spectroscopy (IETS) المحفَّز بالفونونات. وفي الوقت الذي يتطلَّب نظام IETS القياسي العمل في درجات الحرارة الواطئة لتفادي التوسيع الحراري للقمم المطيافية، فإن الاحتواء الكمومي في بئر RTD يُوفِّر ترشيح الطاقة الإلكترونية، وبذلك يسمح بعمل المنظومة في درجة حرارة الغرفة. كما وجد الباحثون أن قمم IETS المقابلة للجُزيئات الغريبة المدمصة التي تنحرف بنغمةٍ أحاديةٍ على طول نسق الفولتية مع طاقاتها الاهتزازية، تمكِّن من التحسُّس الانتخابي (شكل ١٦-١٢).
لاحظ الباحثون أن حاجزًا واحدًا من حواجز RTD التي هي على جانب المرسل، يكون فعَّالًا لتحسُّس الجُزيئات الغريبة. إن تصميم RTD المعروض في هذا البحث، يمكن أن يتحسَّس جُزيئات ذات طاقةِ اهتزازٍ بحدود ٠٫٠٩ إلى ٠٫١٥ إلكترون فولت. علمًا أن جُزيئات المواد المتفجِّرة مثل: Nitramine (RDX) وTNT وأستر النترات (PETN) لها طاقات اهتزازٍ تقع ضمن هذا المدى. ولغرضِ كشفِ روائحِ أنواعٍ أخرى من الجُزيئات يمكن تحوير ارتفاع وعرض اﻟ RTD لتغيير مدى طاقة التحسُّس، واستخدام أعدادٍ مضاعفة من RTD مرتبطةٍ لقياس كل طيف الاهتزاز.

إن وسيلة التحسُّس هذه تُقرِّب الباحثين أكثر من محاكاةِ آليةِ الشم في الحيوانات، والتمكُّن من تحقيق الأنف الإلكتروني الفعَّال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤