الفصل السابع

السيد إيلمور

شعر سبارجو باندهاش بريتون، نظرًا لقوة ملاحظته وقدرته على المراقبة الدقيقة؛ أما سبارجو نفسه فقد حافَظ على رِباطة جأشه. وألقى على الصورة التي كان يشير إليها ويبستر نظرةً سريعة.

وقال: «حقًّا؟ أهذا هو؟»

رد ويبستر: «هذا هو الرجل يا سيدي. أُقسم بحياتي إنه هو. لا أجد صعوبةً في تمييزه يا سيد سبارجو.»

سأل سبارجو بحزم: «هل أنت متأكد تمامًا؟ الكثير من رجال مجلس العموم يُطلقون لِحاهم، والكثير من تلك اللِّحى رمادية.»

لكن ويبستر أومأ برأسه مؤكدًا.

وكرَّر: «إنه هو يا سيدي. أنا متأكد من ذلك كتأكُّدي من أن اسمي ويليام ويبستر. هذا هو الرجل الذي رأيته يتحدث مع الرجل الذي نشرتم صورتَه في صحيفتكم. لا يمكنني قولُ أكثرَ من ذلك سيدي.»

قال سبارجو: «جيد جدًّا. أشكرك بشدة. سألتقي بالسيد إيلمور. اترك لي عُنوانك في لندن يا سيد ويبستر. إلى متى ستظل في المدينة؟»

أجاب المزارع: «عنواني هو فندق بيتشكروفت في بلومزبري يا سيدي، وسأظلُّ هناك أسبوعًا آخَر. أتمنى أن أكون قد أفدتُ يا سيد سبارجو. كما أقول لزوجتي …»

قاطَع سبارجو زائرَه بأدبٍ وانحنى له وهو يُودِّعه. والتفت إلى بريتون الذي لم يزَل يُحدِّق في ألبوم الصور.

وقال له سبارجو: «أرأيت؟ ماذا قلتُ لك؟ ألم أقل لك إني سأحصل على بعض الأخبار؟ وها قد جاءت.»

أومأ بريتون بالموافَقة. وبدا عليه التفكير.

وقال موافقًا: «نعم، أنت محقٌّ يا سبارجو!»

قال سبارجو: «إذن؟»

قال بريتون: «السيد إيلمور هو حَمِي المستقبلي كما تعرف.»

رد سبارجو: «أعرف ذلك جيدًا. ألم تُعرِّفني بابنتَيه أمس فقط؟»

سأل بريتون: «لكن كيف عرَفتَ أنهما ابنتاه؟»

ضحك سبارجو وهو يجلس إلى مكتبه.

وأجاب: «الغريزة … الحَدْس. ومع ذلك لا تقلق، على الأقل الآن. لقد توصَّلت إلى جديد؛ ماربري — لو كان هذا الاسمُ الذي نعرف به الرجل الميت اسمَه الحقيقي — كان برفقة السيد إيلمور تلك الليلة. جيد!»

سأل بريتون: «وماذا ستفعل بهذه المعلومة؟»

رد سبارجو: «ماذا سأفعل؟! سأقابل السيد إيلمور بالتأكيد.»

كان يُقلِّب صفحات دليل أرقام الهاتف والعناوين بإحدى يدَيه، وكانت اليد الأخرى قد قبضت على سماعة الهاتف الموجود على مكتبه.

قال بريتون: «اسمع. أعلم أين يكون السيد إيلمور في الثانية عشرة دومًا: نادي إيه آند بي، أتلانتيك آند باسيفيك، في حي سانت جيمس. يُمكنني أن أرافقك إذا أردت.»

ألقى سبارجو نظرةً سريعة على الساعة، ثم وضع سماعة الهاتف.

وقال: «حسنًا. الساعة الآن الحادية عشرة. عليَّ إنجاز مهمةٍ ما. سألتقي بك خارج نادي إيه آند بي في الثانية عشرة تمامًا.»

قال بريتون: «سأكون هناك في الموعد المحدد.» ثم توجَّه إلى الباب ووضع يده عليه، ثم التفت وسأل: «ماذا تتوقَّع من … مما سمعناه لتوِّنا؟»

هز سبارجو كتفَيه.

ورد: «انتظر حتى نسمع ماذا سيقول السيد إيلمور. أُخمِّن أن ماربري هذا كان أحدَ معارفه القدامى.»

أغلق بريتون الباب وانصرف، ولما أصبح سبارجو وحده بدأ يُحدِّث نفسه قائلًا:

«يا إلهي! دينسوورث أو بينسوورث، أحدهما، أو شيء من هذا القبيل. شيء ممتاز أن يكون صديقنا المزارِع قويَّ الملاحظة لهذه الدرجة. ولماذا قد يُعرَف السيد ستيفن إيلمور باسم دينسوورث أو بينسوورث أو شيء من هذ القبيل؟ مَن يكون السيد ستيفن إيلمور؟ ما الذي لا أعلمه عنه؟»

توجَّهَت أصابع سبارجو على نحوٍ غريزي إلى واحد من المراجِع الموضوعة على مكتبه، وقلَّب الصفحات في سلاسةٍ ناتجة عن طول الدُّربة إلى صفحةٍ جالت فيها عيناه بالسلاسة نفسِها. وقرأ بصوت عالٍ:

إيلمور، ستيفن، عضو بالبرلمان عن بروكمينستر منذ ١٩١٠. أماكن السكن: ٢٣ ساحة سانت أوسيث، كينسينجتون، بوينا فيستا، جريت مارلو. عضو في نادي أتلانتيك آند باسيفيك ونادي سيتي فينتشررز. مهتم بالتجارة في أمريكا الجنوبية.

وضع سبارجو المرجع وتمتم: «إممم! هذا ليس مفيدًا جدًّا. ومع ذلك، انتهينا من خطوة. وحان وقت أخذ الخطوة التالية.»

راجَع سبارجو ألبوم الصور، وأخذ منه صورةَ السيد إيلمور ببراعة، ووضعها في مظروف، ثم أودعَ المظروفَ في جيبه، وخرج من المكتب، ثم أوقَفَ سيارة أجرة، وطلب من السائق توصيله إلى فندق أنجلو أورينت. كانت هذه هي المهمة التي أخبر بريتون بها، وأراد سبارجو أن يُنجزها وحده.

كانت السيدة وولترز في مكتبها ذي النافذة المنخفضة عندما دخل سبارجو البهو؛ تعرَّفَت عليه على الفور، وأشارت إليه للدخول إلى مكتبها.

قالت السيدة وولترز: «أتذكَّرك؛ أتيتَ مع المحقق … السيد راثبري.»

سأل سبارجو: «هل رأيتِه منذ ذلك الحين؟»

ردَّت السيدة وولترز: «كلا، وكنت أتساءل ما إذا كان سيأتي مرةً أخرى؛ لأن …» بترت جملتها عند هذا الحد ونظرَت إلى سبارجو في تساؤل، ثم سألته: «أنت صديقه، أليس كذلك؟ أظنك تعرف كلَّ ما يعرف عن الأمر، صحيح؟»

رد سبارجو في ثقةٍ وهدوء: «هو وأنا نعمل على هذه القضية معًا. يُمكِنك إخباري بأي شيء تريدين إخبارَه به.»

فتَّشت العجوز في جيبها وأخرجتْ حافظةَ نقودٍ قديمة، ومن أحد جيوب الحافظة أخرجتْ غرضًا صغيرًا ملفوفًا بمنديلٍ ورقي.

وقالت وهي تفتح المنديل: «وجدنا هذه في الغرفة ٢٠ هذا الصباح، كانت تحت منضدة الزينة. الفتاة التي عثرَت عليها أحضرتها لي. ظننتُها قطعةَ زجاج، لكن وولترز يقول إنه لن يُفاجَأ لو تبيَّن أنها ماسة، وبعدما وجدناها أخبرني النادل الذي حمل الويسكي إلى الغرفة ٢٠ بعدما جاء السيد ماربري مع الرجل الآخَر، أنه عندما دخل الغرفةَ كان الرجلان ينظران إلى ورقةٍ مليئة بأشياء مثل هذه. هلَّا ألقيتَ نظرة.»

لمس سبارجو الحجرَ اللامع بإصبعه.

وقال: «هذه ماسة، بكل تأكيد، ضعيها في مكانٍ آمِن يا سيدة وولترز، سأقابل راثبري بعد قليل وأخبره بها. والآن، بخصوص الرجل الآخَر، قلتِ لنا إنك رأيتِه، هل يُمكِنك التعرف عليه؟ أعني على صورته؟ هل هو هذا الرجل؟»

أدرك سبارجو من التعبير الذي ارتسم على وجه السيدة وولترز أنها كانت متأكدةً من أنه هو بلا شك، شأنها شأن ويبستر.

قالت: «أوه، نعم! هذا هو الرجل الذي جاء مع السيد ماربري، يُمكِنني تمييزُه من بين ألف شخص. أي شخص يُمكِنه تمييزه، ربما يمكنك أن تطلب من حارس البهو والنادل الذي ذكرتُه لتوِّي أن يُلقِي كلٌّ منهما نظرةً على الصورة.»

رد سبارجو: «سأقابل كلًّا منهما وحده، وأسأله ما إذا كان قد شاهَد رجلًا يُشبه الذي في هذه الصورة من قبلُ.»

تعرَّف الرجلان على صاحب الصورة على الفور ودون أيِّ مساعدة، ثم أجرى سبارجو محادَثةً أخرى مقتضبة مع صاحبة الفندق، وبعدها انطلق إلى نادي أتلانتيك آند باسيفيك، فوجد رونالد بريتون ينتظره على الدَّرَج. ولم يذكر سبارجو شيئًا عن مهمته الأخيرة، ودخلا معًا الناديَ وسألا عن السيد إيلمور.

نظر سبارجو إلى الرجل الذي دخل غرفة الزوَّار بعد لحظاتٍ في اهتمامٍ فاق المعتاد. كان يعرف السيد إيلمور بالفعل من صورته، لكنه لم يتذكَّر رؤيتَه في الواقع من قبلُ؛ كان نائب بروكمينستر واحدًا من عددٍ آخِذٍ في التناقُص من المشرِّعين المعتادين على العمل مُتوارين في هدوءٍ في اللجان، والائتمار بأمر الحزب، ولا يفرضون أنفسَهم على بؤرة الأحداث ولا يغتنمون كل سانحةٍ لنشر آرائهم. والآن بعد أن قابَله سبارجو بشحمه ولحمه تبيَّن أنه كما توقَّع؛ رجل بارد الأعصاب متحفِّظ، يبدو كمَن نشأ في مدرسةٍ ديدنُها القمعُ والصرامة، وتعلَّم ألَّا يُهدِر كلماته هباءً. لم يَبدُ عليه اهتمامٌ كبير بسبارجو عندما عرَّفه بريتون به، وكان وجهه خاليًا من أي تعبير عندما فرَغ سبارجو من شرحه لسبب الزيارة، الذي تحرَّى فيه الإيجاز.

قال بلا اكتراث: «نعم، صحيح تمامًا أني التقيتُ بماربري، وأمضيت معه القليل من الوقت في الأمسية التي تحدَّث عنها مخبرك. التقيتُ به في بهو مجلس العموم كما قال لك. وفُوجِئت برؤيته. لم أكُن قد التقيتُ به منذ … عددٍ لا أعلمه من السنوات.»

توقَّف ونظر إلى سبارجو وبدا كأنه يتساءل عما ينبغي أن يقولَه أو لا يقوله للصحفي. التزم سبارجو الصمتَ وانتظر. وبعد قليل واصَل إيلمور:

«قرأتُ الخبر الذي كتبتَه في «ووتشمان» هذا الصباح، وكنت أتساءل الآن عندما فاجأتَني بزيارتك، عما إذا كان عليَّ التواصُل معك أو مع الشرطة. الأمر أن …» وتوقَّف فجأةً ثم واصَل: «… أظنك تريد المعلومات من أجل صحيفتك، صحيح؟»

رد سبارجو: «لن أطبع شيئًا لا تريدني أن أطبعه. إذا أردتَ أن تُمدَّني بأي معلومات.»

قال السيد إيلمور: «حسنًا، لا أُمانع! الأمر أني لا أعلم شيئًا تقريبًا. ماربري رجلٌ كانت تربطني به … علاقةُ عمل، من نوعٍ ما، منذ سنوات كثيرة. لا بد أنَّ عشرين عامًا انقضَت منذ آخِر مرة رأيته فيها، وربما أكثر من عشرين عامًا. وعندما جاء إليَّ في البهو تلك الليلة، بذلتُ مجهودًا لتذكُّره. وعندما التقى بي حينها طلب مني المشورة، ولما لم يكن هناك الكثيرُ لفعله في مجلس العموم تلك الليلة، ولأنه كان في يومٍ ما بمثابةِ صديقٍ لي تقريبًا، سِرت معه إلى فندقه نتجاذب أطرافَ الحديث. وأخبرني أنه جاء من أستراليا صباحَ ذلك اليوم. والشيء الأساسي الذي أراد استشارتي فيه كان الألماس. الألماس الأسترالي.»

قال سبارجو: «لم أعلم من قبلُ أن الألماس يمكن العثور عليه في أستراليا.»

ابتسم السيد إيلمور ببعض التهكُّم.

وقال: «ربما، لكن الألماس يُعثَر عليه في أستراليا من وقتٍ لآخَر، منذ عرَفها الأوروبيون، ويرى الخبراء أن كمياتٍ كبيرةً منه سيُعثَر عليها يومًا ما. على أي حال، كان ماربري قد حصل على بعض الألماس الأسترالي، وأراني إيَّاه في فندقه، أراني عددًا من الماسات. وفحصناها في غرفته.»

سأل سبارجو: «وماذا فعل بها بعد ذلك؟»

قال إيلمور: «وضعها في جيب الصديري، في كيس صغير للغاية من الجلد كان قد أخرجها منه. كانت نحو ستَّ عشرةَ ماسةً أو عشرين على الأكثر، وكانت صغيرة كلها. نصحتُه باستشارة خبير، وذكرت له اسم ستريتر. والآن يمكنني أن أخبرك كيف وصله عنوانُ السيد بريتون.»

أصاخ الشابان السمع. وعلى نحوٍ لا إرادي أحكمَ سبارجو قبضتَه على القلم الرصاص الذي كان يكتب به الملاحظات.

واصَل السيد إيلمور: «وصَلَه مني أنا. والخطُّ الذي كُتِب به على القصاصة خطي وأنا أكتب متعجِّلًا. أراد الحصول على مشورة قانونية. ونظرًا إلى قلة علمي بالمحامين، أخبرته أنه إذا زار السيد بريتون فسيتمكَّن من توصيله بمحامي إجراءات فذٍّ على أعلى مستوًى. كتبت له عنوان السيد بريتون على قصاصةِ ورقٍ قطعها من خطابٍ كان في جيبه. بالمناسبة، لاحظتُ أنه عندما عُثِر على جثته، لم يكن معه أي أوراق أو أموال، بالرغم من أني متأكد أني عندما تركتُه كان معه الكثير من الذهب، فضلًا عن تلك الماسات، ومِلْء جيبه من الخطابات.»

سأل سبارجو: «أين تركته يا سيدي؟ أظنكما غادَرتما الفندقَ معًا، أليس كذلك؟»

رد إيلمور: «بلى. لقد تمشينا لبعض الوقت عندما غادَرنا الفندق، ونظرًا إلى أننا كنا قد التقينا لتوِّنا، كان هناك الكثير لنتحدَّث بشأنه، وكانت ليلةً جميلة. عبرنا جسر ووترلوو وبعدها بوقتٍ قصير تركني. هذا كل ما أعرف. تصوُّري أنه …» وهنا توقَّف لحظة، وانتظر سبارجو صامتًا.

ثم واصَل إيلمور: «تصوُّري — الذي أعترف أنه ليس له أساسٌ قوي — أن ماربري استُدرِج إلى المكان الذي عُثِر عليه فيه، وأنه تعرَّض للسطو وقُتِل على يد شخصٍ كان يعرف أن معه أشياءَ قيِّمة. تعرُّضُه للسرقة على الأقل هو الحقيقةُ الأكيدة على أيِّ حال.»

قال بريتون في حرج: «خطرَتْ لي فكرة، ربما لا تكون راجحةً، لكنها خطرَتْ لي على أي حال، وهي أن أحد المسافرين مع ماربري ربما تعقَّبَه طوال اليوم، وزقاق ميدل تمبل يكون موحشًا بالليل كما تعرف.»

لم يعلق أحدٌ على هذا الاقتراح، وبينما كان سبارجو ينظر إلى السيد إيلمور هبَّ البرلماني واقفًا ونظر نحو الباب.

وقال: «حسنًا، هذا كل ما يمكنني إخبارك به يا سيد سبارجو. ليس كثيرًا كما لاحظت. وبالطبع سيُفتح تحقيقٌ بشأن ماربري، وسأُضطَر إلى أن أحكي كلَّ ذلك مجددًا. ولا أمانع في أن تنشر ما أخبرتُك به.»

ترك سبارجو بريتون مع حَمِيه المستقبليِّ وتوجَّه إلى مقر الشرطة في سكوتلاند يارد. كان قد تعاهَد هو وراثبري على أن يخبر كلٌّ منهما الآخَرَ بما يتوصَّل إليه من مُستجدات، وكان في جَعبته الآن ما يخبره به.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤