الخرافة الثالثة والعشرون

مسرحية «ماكبث» منحوسة على خشبة المسرح
في عام ١٨٩٨، راجع ماكس بيربوم إنتاجًا لمسرحية «ماكبث» بمسرح «لايسيوم» لصالح صحيفة «ساترداي ريفيو». كان قد تولى مؤخرًا دور الناقد المسرحي بدلًا من جورج برنارد شو، وكانت هذه هي مقالته الثانية وحسب للصحيفة. في مقالته الأولى المعنونة على نحو غير موفق «لِمَ لَمْ يكن ينبغي أن أصبح ناقدًا للدراما»، فَسَّرَ الكاتب ذلك قائلًا: «إنني لست مفتونًا بالمسرح؛ فالفن الدرامي يهمني ويؤثر فيَّ أقل من أيٍّ من الفنون الأخرى … وأنا بريء من أي نظريات حول الموضوع.» وتبدأ مقالته الثانية بمناشدة جدلية لمديري المسارح بأن يُحْجموا عن عرض مسرحيات شكسبير القوية مثل «هاملت»؛ لأنه «عندما تصبح المسرحية كلاسيكية في الدراما فإنها تفقد صبغتها المسرحية … وتموت.»1 وبعدها يلتفت إلى واحدة من تلك الأعمال الكلاسيكية التي يصعب تمثيلها على المسرح: «ماكبث». وهو يستشهد بمؤلفَيْن من مؤلفي النقد في القرن السابع عشر (مكذبًا بذلك زعمه السابق بأنه بريء من أية نظرية أو تاريخ مسرحيٍّ): جون أوبري (١٦٢٦–١٦٩٧) الذي جُمِعَت أبحاثه في مجلد نُشِرَ بعد وفاته بعنوان «حَيَوات موجزة»، وكاتب اليوميات المنتمي لعصر الإصلاح، صامويل بيبس (١٦٣٣–١٧٠٣). يخبرنا بأننا مدينون لأوبري بالمعلومة التي مفادها أن «هول بيريدج، الشاب الذي كان من المفترض أن يمثل دور زوجة ماكبث، «أصابه فجأة مرض ذات الجَنَب؛ ولذلك قام السيد شكسبير نفسه بتمثيل دوره».» ويُفْضي أسف بيروم لأن أوبري لم يقدم «رواية ما عن تمثيل الشاعر للشخصية» إلى نقاش عن أساليب التمثيل، مدعومًا بمقالة ثانية عن الدليل التاريخي: اقتباس مطول من يوميات بيبس يصف فيه الأخير السيدة نيب (خليلته) وهي تلعب دور زوجة ماكبث عام ١٦٦٧.
إن طُرفة أوبري عن مرض هول بيريدج هي أصل الخرافة التي تفيد بأن مسرحية «ماكبث» لم يحالفها الحظ على خشبة المسرح. لاسم الممثل الصبي مذاق شكسبيري جميل؛ حيث يشترك بالجزء الأول من الاسم مع الابن المتمرد للملك هنري الرابع. لكن الممثل مُتَخَيَّل بالكامل، وكذلك الواقعة نفسها؛ فما من ممثل وقع صريع المرض، ولم يضطر شكسبير قط أن يلعب دوره. ولم يكتب أوبري تعليقًا مثل هذا المُقتبَس. ولا بيبس الذي لم يعلق سوى تعليقات موجزة على مسرحية «ماكبث»، رغم أنه شاهدها ثلاث مرات خلال عاميْ ١٦٦٧ و١٦٦٨ (إحداها في نسخة درايدن وديفينانت)، حيث علَّق على الموسيقى والرقص، وانتقد الممثل البديل الذي حل محل بيترتون. ويحوي اقتباس بيربوم المطول الذي يُقارن فيه بيبس مَشْي زوجة ماكبث أثناء نومها ومشي زوجته أثناء نومها، ويثني على أداء السيدة نيب للدور، شخصيات حقيقية (السيدة بيبس والسيدة نيب)، لكن لا وجود له في اليوميات. وتستمر سلسلة العبارات الساخرة التي تبدأ بإنكار المعرفة الدرامية واقتراح إلغاء عرض مسرحيات شكسبير المفضلة على المسرح في هذا الاقتباس القائم على دليل مُختلق. لم يُقِرَّ بيروم قَطُّ بخدعته، وظلت مستترة حتى عشر سنوات ماضية، حينما فكر ستانلي ويلز في أن يتحقق من أوبري وبيبس.2

وهكذا، سَنَّ بيروم سُنَّة مفادها أن المشاركة في أي إنتاج لمسرحية «ماكبث» أو الارتباط بها شؤم. يعتبر الممثلون أنه من الشؤم الإشارة إلى المسرحية باسمها، مفضلين استخدام اصطلاح وصفي مخفَّف لها، وهو «المسرحية الاسكتلندية». وإذا نطق أحدهم اسم المسرحية في المسرح، فالممثلون يلجئون إلى طقوس تطهيرية (ويُعد البيت الذي نطق به هوراشيو في مسرحية «هاملت» إذ قال: «أيتها الملائكة اكفلي لنا الحماية!» (الفصل الأول، المشهد الرابع، البيت ٢٠) — واحدًا من بين العديد من الأبيات التي يُعتقد أنها تدفع الشؤم). ويسخر كثير من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، بداية من «بلاكادر» حتى «آل سيمبسون»، من هذه الخرافة المسرحية؛ ففي حلقة «المناجاة الملكية» من مسلسل «آل سيمبسون»، ما إن ينطق إيان ماكيلين باسم المسرحية إلا ويضربه البرق. ويبسط مسلسل «آل سيمبسون» مزحة «ماكبث» بحيث تمتد إلى خرافة مسرحية أخرى (ألا وهي أنه من سوء الطالع أن يقول المرء «حظًّا سعيدًا»، وعليه يتعين على المرء أن يستقطب حسن الطالع باستحضار نقيضه: «فلتنكسر رجلك!» (ويراد بها حظًّا سعيدًا)). وتتمنى مارج سيمبسون سهوًا لماكيلين «حظًّا سعيدًا»، وبعدها يطرحه أرضًا حجرٌ ساقِط. تتفوق رواية جيه إل كاريل البوليسية «لعنة شكسبير» (٢٠١٠) على اختلاق بيروم بالزعم أن شكسبير حل محل بيريدج بينما كان يجول في اسكتلندا؛ حيث شهد مصادفةً طقسًا لسحر أسود، فدمجه في مسرحيته: يَعِد غلافها الخارجي بوعد شنيع ﻟ «قاتل حديث مثير للاشمئزاز، تسوقه لعنة عمرها قرون.»

ولكن، رغم أنه لا يوجد أي أساس تاريخي للاعتقاد بأن مسرحية «ماكبث» منحوسة، فالمعتقدات الخاطئة تميل إلى أن تستحيل نبوءات ذاتية التحقق. إن الخرافة وحدها تكفي كي تكون شؤمًا على المسرحية، والحكايات زاخرة بالكوارث المرتبطة بماكبث، بداية من الإصابات التي لحقت بالممثلين، إلى انهيار الديكور، حتى الموت على خشبة المسرح (نتيجة أسلحة حقيقية لا أدوات مساعدة) وأعمال الشغب التي اندلعت بين الجمهور.3
ثمة إنتاج كارثي للمسرحية حقق نجاحًا تجاريًّا كبيرًا: نسخة «ماكبث» التي لعب بطولتها بيتر أوتول بمسرح «أولد فيك» عام ١٩٨٠ وأخرجها بريان فوربس. كل شيء عن هذا الإنتاج المسرحي أثار حفيظة النقاد (الساخرة)؛ فقد كتب أحد النقاد أنه «بعد استئصال الجوانب التراجيدية التي طالما أثقلت المسرحية، أعاد الطاقم جمهور الليلة الأولى إلى بيوتهم وهم يهتزون من الضحك السعيد.» وكتب روبرت كوشمن: «الأرجح أن أوتول يحب المسرحية، لكن أداءه لها يوحي بأنه ينتقم منها انتقامًا شخصيًّا.» عندما ظهر أوتول بعد واقعة القتل التي تمت خارج خشبة المسرح، كان مغطًّى باللون الأحمر حتى إن أحد النقاد قال إنه بدا أشبه بسانتا كلوز. كانت كمية الدم مهولة جدًّا على خشبة المسرح، حتى إن هذا الإنتاج للمسرحية سُمِّيَ «ماكديث». وأدى تصميم الإضاءة إلى مشكلات عملية: «كان بالطبع من سوء طالع (أوتول) أن اصطدم وهو يعدو بالحائط في ثالث خروج استعراضي له (فقسم كبير من المسرحية يُؤَدَّى في الظلام)»، هكذا كتب ناقد صحيفة «ديلي ميل» بتعاطف مصطنع. وانتقدت صحيفة «لندن إيفنينج نيوز» زوجة ماكبث الرياضية القوام التي لعبت دورها الممثلة فرانسيس توميلتي حيث «ألقت التحية على زوجها بأن قفزت باتجاهه فاحتضنته ولفت رجليْها حول خصره في وضعية هي أشبه بوضعيات الكتيبات الجنسية.» وكانت الساحرات، اللائي يمثلن «العجائز السوداوات رثات الثياب اللائي يظهرن سرًّا في منتصف الليل» في مسرحية شكسبير (الفصل الرابع، المشهد الأول، البيت ٦٤)، أنيقات الملبس حيث ارتدين ملابس من الشيفون الأبيض، فحدا ذلك بأحد النقاد لأن يفترض أنهن تسوقن في منطقة «وست إند». وكتب جون بيترز أن المسرحية لم تكن بالسوء الذي صرح به نقاد آخرون، بل كانت أسوأ بكثير؛ فقد اندلع خلاف ما بين المخرج الفني لمسرح «أولد فيك»، تيموثي وست، على الملأ مع مخرج المسرحية، حيث تبرأ وست من إنتاج المسرحية، فاعتلى فوربس خشبة المسرح ليدافع عنها. ووصلت الحشود بأعداد مهولة ونفدت التذاكر طول فترة عرض المسرحية.4
يُرجع الممثلون سمعة مسرحية «ماكبث» المرتبطة بالشؤم إلى حبكتها؛ فعندما تلقي الساحرات تعويذاتهن على خشبة المسرح يتجاوزن الخيال بطريقة ما، ويُصبح للعناتهن أثر حقيقي. إن هذه اللعنات كما يُطلق عليها فيلسوف اللغة جيه إل أوستن «إنجازية» أو «أفعال خطابية»: أي كلمات تُفَعِّل محتواها بنفسها. وخلاصة القول: لا تعبث بالسحر. في تسعينيات القرن السادس عشر، شاع الاعتقاد بأن التعويذات السحرية في مسرحية أخرى حوت سحرًا، ألا وهي «د. فاوست»، كانت له تبعات حقيقية؛ فها هو فاوست يستحضر الشيطان. وحينما كانت الفرقة المسرحية في جولتها في إكستر عام ١٥٩٣، لاحظ الممثلون فجأة أن هناك شيطانًا إضافيًّا على خشبة المسرح؛ فما كان من طاقم العمل والجمهور إلا أن فروا في رعب «(كما سمعت) خرج الممثلون من المدينة في صباح اليوم التالي على غير عادتهم إذ كانوا يمضون الليل في القراءة والصلاة.» ثمة قصة مثيلة ترتبط بأداء مسرحية «د. فاوست» في لندن عام ١٥٨٨ أو ١٥٨٩ تقريبًا.5 ورغم هذه الحكايات، لم تكتسب مسرحية «د. فاوست» سمعة سيئة بأنها تجلب سوء الطالع في المسرح، وكذلك أوبرا فيردي «ماكبث» (١٨٤٢–١٨٥٠). وبعيدًا عن بيروم، لِمَ قد تجذب مسرحية شكسبير مثل هذه الخرافة؟

«ماكبث» واحدة من أقصر المسرحيات في مجموعة أعمال شكسبير؛ أقل من ٢٥٠٠ بيت. (وعادة ما تُؤَدَّى على خشبة المسرح دون فواصل). وحبكتها التي تتحرك بسرعة، وافتقارها لحبكة فرعية يخلعان عليها تكثيفًا مُرَكَّزًا. وهي حافلة بالمشاهد المؤثرة: الساحرات صانعات التعويذات (حابكات التعويذات)، وشبح بانكو القتيل «الغارق في دمائه» (الفصل الرابع، المشهد الأول، البيت ١٣٩) الذي يظهر لماكبث في واحدة من الولائم، وزوجة ماكبث السائرة أثناء نومها، والمهووسة بغسل يديها، والمشهد العجيب الذي تتحرك فيه غابة بيرنام باتجاه قلعة دونسينين، ورؤى الساحرات على خشبة المسرح لذرية الملك ستيوارت عبر بانكو على هيئة صف لا نهاية له: «استعراض لثمانية ملوك، آخرهم يمسك بمرآة في يده، وبانكو» (إرشاد مسرحي، الفصل الرابع، المشهد الأول، البيت ١٢٧). تعكس المادة السياسية للمسرحية رغبة فرقة شكسبير في الثناء على الملك الجديد (الذي ادعى نسبه إلى بانكو؛ طالع الخرافة الثامنة والعشرين)، وكان لدى جيمس أيضًا اهتمام مُوَثَّق بالسحر (فقد نشر كتابًا حول «دراسة الشيطانيات» عام ١٥٩٧). وربما أن المسرحية عُرِضَت في بلاط الملك عام ١٦٠٦، وإن صح ذلك، فلا بد أن قِصَرها طاب لكراهية الملك جيمس الأول المزعومة للمسرحيات المطولة. ولكن من المستحيل الجزم بما إذا كان قصرها يعكس الاختصار تلبيةً لفترة انتباه الملك جيمس القصيرة، أم أنها كُتِبَت في صورة مسرحية قصيرة عمدًا. وإن كان السبب هو الأول، فمن الصعب أن نتخيل ما اجْتُزِئَ منها، ولو أن ثمة مشهدًا في البلاط الإنجليزي ﻟ «الملك الصالح» الذي يُعالج الأسقام ﺑ «بركته الشافية» (الفصل الرابع، المشهد الثالث، البيتان ١٤٨ و١٥٧) يُقْتَرَح أحيانًا.

اشتهرت المسرحية طوال الحقبة الجيكوبية، ونقحها عام ١٦١٦ (لأجل إعادة تجسيدها على المسرح كما يُفترَض) توماس ميدلتون الذي أضاف مشاهد الإلهة هيكيت ومَيَّزَ بعض الكلمات تمهيدًا لحذفها. وعالج ميدلتون أيضًا مسرحية «العين بالعين» التي كتبها شكسبير عام ١٦٠٤ (أَرْجَعَ مُحَرِّرُو أكسفورد المعالجة إلى عام ١٦٢١). وشأنها شأن مسرحية «ماكبث»، تعكس مسرحية «العين بالعين» اهتمامات الملك جيمس؛ فهي مسرحية تتناول السلطة والحكم الملكي. نشر الملك جيمس كتابًا عن المَلَكية بعنوان «هدية ملكية» عام ١٥٩٩، ونُقِّح الكتاب وأُعِيدَت طباعته عام ١٦٠٣ عندما اعتلى عرش إنجلترا. ويتصادف الكثير من مشاعر دوق فينتشنزو وصوره في مسرحية «العين بالعين» مع نظيرتها في كتاب الملك جيمس الأول؛ صورة الحاكم كشخص على المسرح يلتقي برعاياه، ويتجسس عليهم متنكرًا، وعشق الملك جيمس ودوق فينتشنزو للتحولات المسرحية، جنون ارتيابهما من التشهير على سبيل المثال.6
في الإنتاج المسرحي، وخاصةً مع إضافات ميدلتون، تطمس الجوانب الخارقة للطبيعة في مسرحية «ماكبث» الجانب السياسي، جاعلة من السهل على المرء أن يرى هذا وكأنه دراما عن الشر، لا عن الحكم. وينطبق ذلك أيضًا على موضعها العام في مجموعة الأعمال الكاملة الأولى. رغم أنها تستند إلى المصدر التاريخي عينه شأنها شأن المسرحيات التاريخية الإنجليزية (كتاب رفاييل هولينشيد «تاريخ إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا» (١٥٨٧) المتعدد المجلدات)، تظهر مسرحية «ماكبث» في طبعة مجموعة الأعمال الكاملة الصادرة عام ١٦٢٣ التي أعدها الممثلون زميلا شكسبير ومدير فرقته، هنري كوندل وجون هيمينج، في قسم الأعمال التراجيدية. من الواضح أنه، من وجهة نظر الإنجليز، لا يستحق سوى التواريخ الإنجليزية أن تُصَنَّف ضمن «التاريخ». لكن نطاق مسرحية «ماكبث» أيضًا أكبر؛ فأراضي معارك المسرحية ليست إنجلترا واسكتلندا (وحسب)، بل تمتد إلى الفردوس والجحيم، أي منطقة نهاية العالم. ويمكننا أن نستشف ذلك فيما تدين به المسرحية لسابقاتها التي ظهرت في القرون الوسطى. في المشهد الذي يفتح فيه الحارس بوابة القلعة لزوار الفجر، يُقارن المؤلف ما بين قلعة «ماكبث» وثغر الجحيم (كانت الجحيم تمثل على هيئة قلعة على مسرح القرون الوسطى). والكلمة التي يصف فيها لينوكس شذوذ عاصفة الليلة الماضية — «الأرض / كانت محمومة واهتزت جنباتها» — استحثت ردة فعل ماكبث المقتضبة «لقد كانت ليلة عصيبة.» ويتابع لينوكس حديثه قائلًا: «ذاكرتي الغضة ليس بإمكانها استدعاء حدث كهذا.» (الفصل الثاني، المشهد الثالث، الأبيات ٥٨–٦٣). ولكن كما بَيَّنَ جلين ويكهام منذ فترة طويلة «الذاكرة الأقدم قد تستطيع»: توازي كلمة لينوكس توصيفات الظواهر التي تسبق الكارثة في مسرحيات كسر أبواب الجحيم القروسطية.7
ولكن، إذا كانت المسرحية قروسطية في تأثيرها الأدبي وبيئتها التاريخية (فقد حَكَمَ ماكبث التاريخي خلال الفترة بين عاميْ ١٠٠٥ و١٠٥٧ تقريبًا)، فهي تتنبأ في الأعمال الكاملة لشكسبير بالأعمال الرومانسية المتأخرة التي تدنو منها تاريخيًّا. (كُتِبَت «ماكبث» عام ١٦٠٦، و«بريكليس» عام ١٦٠٧). تُعْرَض مسرحية «ماكبث» «عبر وسائل مسرحية تنتمي إلى تقاليد المسرحيات القصيرة والرومانسية والحكاية الشعبية، وهي تقاليد مسرحيات شكسبير الأخيرة. عرض واحتفال، مواكب وولائم، ألغاز ونبوءات، رؤى مثالية لعالم ذهبي تحت حكم ملك كامل …»8 لم ترتبط أي من المسرحيات المتأخرة بعلاقات النحس التي ارتبطت بها مسرحية «ماكبث». وقد يرجع ذلك إلى أن خوارق تلك المسرحيات إيجابية: تَجَلِّي الإلهة ديانا لبريكليس في رؤية، وهبوط الإله جوبيتر على ظهر نسر في مسرحية «سيمبلين» لطمأنة بوستوموس، والاستحضارات المسرحية للساحر بروسبيرو في مسرحية «العاصفة»، والأرواح التي رافقت الملكة كاثرين إلى الفردوس في مسرحية «هنري الثامن». وإن شئنا استحضارات خارقة للطبيعة خبيثة تُقَارَن بذلك، يتعين علينا النظر إلى مسرحية «هنري السادس – الجزء الثاني»، ولكن هذه المسرحية، بدلًا من أن تعتبر منحوسة، لاقت نجاحًا مدويًّا على مدار تاريخ عرضها، على خشبة المسرح وعلى شاشات التلفاز في زماننا (ولو أن حقيقة أنها لا تُعْرَض كثيرًا بقدر عرض مسرحية «ماكبث» يجعل المقارنة بينهما غير مُجدية).

وقع اختيار مايكل بويد المدير الفني لفرقة شكسبير الملكية على مسرحية «ماكبث» لافتتاح المسرح التذكاري المُرمَّم حديثًا عام ٢٠١١. وأحل بويد محل الساحرات الثلاثة ثلاثة أطفال — وهم أبناء ماكدوف — وأمست المسرحية تراجيديا انتقامية استباقية، تلاعب فيها الأطفال الذين لم يُقْتَلوا بَعْدُ بماكبث، فساقوه إلى هلاكه. إذا كان نحس مسرحية «ماكبث» يرتبط بالسحر الذي تحويه، فإن هذا الإنتاج المسرحي الخالي من السحر (والناجح جدًّا) يبدو أنه كسر هذا الارتباط، على الأقل حتى تَعَرَّضَ جوناثان سلينجر (الممثل الذي لعب دور ماكبث) لحادث سير أدى إلى كسر ذراعه في موضعيْن مختلفيْن. وعزا منتِج نسخة أسبق من المسرحية حوادثها إلى حقيقة أنه حُذِفَت مشاهد هيكيت التي كتبها ميلدلتون. من الواضح أن السحر يعمل في الاتجاهيْن — عند تمثيله على خشبة المسرح وعند حذفه — ربما بما يتناسب مع مسرحية مبنية حول معانٍ مزدوجة، ونبوءات محيرة، وتصريحات مضللة ذات حديْن.

هوامش

(1) Max Beerbohm, Around Theatres (London: Rupert Hart-Davis, 1953), pp. 1-2, 8-9.
(2) Stanley Wells, “Shakespeare in Max Beerbohm’s Theatre Criticism,” Shakespeare Survey, 29 (2001), pp. 133–45.
(3) For a selection of cursed productions, including several with fatalities, see Marjorie Garber, Shakespeare’s Ghost Writers (London: Methuen, 1979), pp. 88-9. See also Richard Huggett, The Curse of Macbeth with Other Theatrical Superstitions and Ghosts (London: Picton Publishing, 1981).
(4) Stephen Pile, Cannibals in the Cafeteria (New York: Harper & Row, 1988), p. 17.
(5) John Jump (ed.), Dr Faustus, Casebook series (London: Routledge, 1965), p. 43.
(6) Harriet Hawkins, Measure for Measure, New Critical Introductions (Brighton: Harvester Press, 1987), pp. 33–5.
(7) Glynne Wickham, “Hell-Castle and its Door Keeper,” Shakespeare Survey, 19 (1966), pp. 68–76 (p. 73).
(8) Alexander Leggatt, “Macbeth and the Last Plays,” in J. C. Gray (ed.), Mirror up to Shakespeare: Essays in Honour of G. R. Hibbard (Toronto: University of Toronto Press, 1984), pp. 189–207 (p. 206).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤