الفصل الثاني

صوت الأُنْثَوية البازغ

الأُنْثَوية في الخفاء

في صباح يوم سبت من العام ١٩٨٥م، تصادَف أن حضرتُ محاضرة عن السيمياء١ ألقاها ستيفن هويلر S. Hoeller.٢ تَوقَّعْت أن أغادرها مع استراحة الغداء كي أنصرف إلى أمور أخرى في حياتي المُكتظَّة بالعمل. وبوصفي منتمية إلى زمرة العلماء، كنتُ متشوِّقة لأن أتعلم المزيد عن تاريخنا، لكن لم أستطع أن أتخيَّل كيف يمكن أن يكون هذا العلم مُلائمًا للحياة الحديثة. ويا لدهشتي الكبرى وأنا أجد السيمياء تبهرني! عُدتُ إلى المحاضرات في عصر ذلك اليوم، وطوال يوم الأحد بأسْرِه، بل وعُدتُ من جديد في مساء يوم الاثنين. وواصلتُ، على مدار الأعوام، القراءة وتعلُّم المزيد عن السيمياء. وهذا الذي تَصوَّرتُه علمًا زائفًا، ومحاوَلة بلهاء لتحويل الرصاص إلى ذهب، اكتشفتُ أنه نَسق رمزي عميق للتحوُّل، ونموذج لتوحيد المُتقابِلات من أجْل خلق شيء ما جديد تمامًا؛ كالشخصية الجديدة التي تبزغ بعد أزمة منتصف العمر.

ترسم نصوص السيمياء صورة لاتحاد الذُّكورِيَّة والأُنْثَوية كتمثيل لكل المُتقابلات الأخرى؛ المَلِك والمَلِكة، الشمس والقمر، الكبريت والملح، التفكير والشُّعور، الإحساس والحدس. يتقدَّم النَّسق الرَّمزي للسيمياء بنموذج مُفيد فيما كنتُ أراه كخطوة تالية لارتقاء الوعي، في الأفراد، وفي العِلم، وفي الثقافة الغربية. هذه الخطوة تتجاوز مُجرَّد إضافة المرأة أو الأُنْثَوية إلى العلم. يهيب النموذج السيميائي بتقويض البنيات الراهنة حتى يمكن أن تَتحِد المتقابلات لتُشكِّل شيئًا جديدًا بالكلية برغم نفورنا العظيم من التَّخلِّي عن منظوماتنا ومؤسَّساتنا الراهنة.

وبينما هَيمنَت كتابات أرسطو على العلوم الطبيعية لما يربو على ألْفَين من الأعوام، يُوجد تيار خَفِي هو تيار الاعتقاد في قيمة الأُنْثَوية، يَتكشَّف في كتابات الغُنُوصِيَّة والقَبْلانِيِّين والسيميائيين. وعلى الرغم من أن النساء لم يَحْظَين بمنزلة متساوية،٣ اشتمل المثال السيميائي المُحايد بين الجنسين على الأُنْثَوية. كانت تَصوُّرات السيمياء الأساسية جُماعًا؛ اقتران العقل والمادة، واندماج الذَّكر والأنثى. لقد أحرزوا القدرة من خلال «التَّزاوج بين العناصر» ومُبكِّرًا، في العام ١٢٨٤م ظهر كتاب في السيمياء هو «الفجر البازغ Aurora Consurgens»، يهيب باستبقاء الأُنْثَوية داخِل الفرد وداخِل الحضارة على السواء. وإذ يُعزى كتاب «الفجر البازغ» إلى القديس توما الأكويني (Saint Thomas Aquinas) فإنه مكتوب في حِقبة من التاريخ حيث بدأَت الإنسانية الغَربية تَستشعِر عِبء التَّمايُز، عبء آلام الانفصال عن الوعي الأمومي وعن عالَم الطبيعة.
منذ العام ٥٠٠ قبل الميلاد وحتى القرن الثامن عشر الميلادي، اعتاد السيميائيون في الغرب استخدام المواد الفيزيقية والكيميائية كرموز مُرتَبطة بالتحول الجُوَّاني في الكيان البشري. تتغير نفسانية السيميائي بتغيُّر العناصر في المُعوَجَّة.٤ لكن يَحلُّ الويل والثبور بأولئك الذين يقاربون العمليات السيميائية من دون الإطار العقلي الصحيح. كثيرون قَضَوا نحْبَهم في حوادث أو انفجارات أو قَضَوْه جنونًا؛ لأنهم لم يَتأهَّبوا كما ينبغي، فكانت لهم مرامٍ مادية وأنانية، أو افتَقدوا العزم السَّديد على التكرس والإيثار. وتلك أفكار غريبة عن العلم الحديث، حتى تبدو وكأنها خُزَعبلات.

اكتشف السيميائي أن ثَمَّة علاقة تَبادُلية طلَّاعة بين ظرفه النفساني الجُوَّاني وبين العالَم الخارجي. وصَف يونج هذا بأنه ظاهرة الإسقاط، حيث نُسقِط مكنونات لاوعينا على المواقف أو الأشياء الخارجية (وسوف نناقش مفهوم الإسقاط بتفصيل أكثر في الفصل الخامس) العالَم بهذه الطريقة شاشة عَرْض، يمكن أن نَرى العملية الجُوَّانية لكينوناتنا مَعروضة عليها. إنَّنا نشاهد تَحوُّلاتنا تَحدُث في هذا المُختبر السيميائي. واكتشَف يونج أن العمليات النفسية لمَرضاه تَتفِق مع المبادئ الأساسية والمراحل والبِنيات والرموز التي كَتَب عنها السيميائيون القدامى.

وتتماثل العملية السيميائية، مع عملية الثَّورة العلمية التي وصفها توماس كون.٥ في العلم العادي، كما في الحياة العادية، نَنهمك في حل المشكلات والإضافة إلى حصيلتنا المعرفية. وإذ يُنقِّح العلماء نَظريَّاتهم ومفاهيمهم، فإنَّهم يُشذِّبُون مُعداتهم ويُطوِّرون مفرداتهم التَّخصصية ومهاراتهم (تمامًا مثلما يحدث عند تشكيل أبنية الشخصية المعيَّنة كما هو مَعروض في الفصل الأول). وتبعًا لهذا، يغرق العلماء في الإطار النظري للعمل ويُقاوِمون التَّغير. يُؤدِّي التَّخصُّص المتزايد إلى تَقييد رؤية العلماء، ويتزايد تزمُّت العالَم أكثر وأكثر.

إلا أنَّ شذوذًا ما يظهر فجأة عند نقطة مُعيَّنة، مثلما يلفِت جانبٌ مكبوت من الشخصية الانتباه فجأة. وعن هذا الشذوذ تنشأ أزمة في مضمار البحث، وتُؤدِّي إلى تقويض النظريات القديمة. هذه المرحلة مُفعَمة بالصراعات والفَوضى حيث تَشرع كل المتقابلات في التفاعل معًا، وتبديل ماهياتها، تمامًا كشأن المرحلة الأولى من العملية السيميائية التي تُفضِي إلى انهيار الأشكال القديمة. إنه أوان الشَّواش، فُقْدان التَّوجُّه والإحباط. غير أن الإبداعية تَكمُن في جوف الظلام. يُفجَع العلماء في خسرانهم، ما دامت أبنيتهم القديمة قد انهارت. وبعد حقبة من الالتياع، تُشرِق من جوانب الظلام إمكانيات بلا حدود. كل الحقائق وكل وجهات النظر التي بدَت مُتقابِلة ومُتناقِضة تَلوح الآن كجانب من الحقيقة نفسها. تنهال وفْرة من النظريات الجديدة غير المهيَّأة جيدًا لتملأ الفراغ. يُؤدِّي هذا إلى المرحلة الثانية من السيمياء، بما تكشف عنه من الوفرة والجمال والبهجة والدهشة. في هذه المرحلة، يتواجد تَنوُّع هائل في الواحد، مثلما يَنحلُّ الطَّيف الأبيض إلى الألوان العديدة في قوس القزح.

في المرحلة الأخيرة من السيمياء، تَبزُغ المتقابلات وتندمج معًا لتخلق شيئًا جديدًا وفائقًا لأي من الأشكال الأصلية. في العلم، ينشأ عن هذه العملية نظرية جديدة جِدَّة جذرية، مثلما نشأت الديناميكا الحرارية عن تصادُم بين نظرِيَّتين فيزيائيتين موجودتين. وقد حدَث تغيُّر أكثر دراماتيكية في النموذج الإرشادي paradigm حينما فشلت المحاولات الواهية لتفسير إشعاع الأجسام السوداء، سقط معه عالَم الميكانيكا الكلاسيكية النيوتني. وأشرق عالم الكوانتم من جُنْح الظلام.

لا تحدث عملية التحوُّل السيميائي مرة واحدة، بل بطريقة متواصلة، لتشمل متقابلات أكثر وأكثر، وتَتَّجِه صَوْب كُلَّانية أعظم وأعظم. ومثلما تصف السيمياء التَّحوُّل في النظريات العلمية، تصف كذلك عملية الإبداع الفني، كما تَصف عملية التحول الشخصي. وبينا تساعدنا المُماثلة مع أزْمَة منتصف العمر على تَفهُّم الماضي ووضع مهمتنا الراهنة في قلب المنظور، تساعدنا السيمياء على تَفهُّم عملية التحوُّل ذاتها.

وبفضل دراسات يونج للسيمياء والطاوية والفيزياء الجديدة ونفوس مرضاه، أصبح واحدًا من أوائل العلماء المُحدثين من الرجال الذين يُقدِّرون الأُنْثَوية ويرفعونها إلى مَصاف معادِل للذكورية. لقد رأى في السيمياء نَسقًا رمزيًّا لعملية التفرد السيكولوجية. اشتمل مفهومه للكُلَّانيَّة، وهي هدف عملية التَّفرُّد، على تكامُل الذُّكورِيَّة والأُنْثَوية. تمثَّلَت له الأُنْثَوية على أنها مَنبَع التَّلقِّي والترابطية، ودعا إلى أن تتكامل بها صميم الثقافة الغربية التي قطَعتْ شوطًا طويلًا في الارتقاء بالعقلانية والمادِّية والذُّكورِيَّة.

صوتي أنا البازغ

عندما كنتُ أَشِب عن الطوق، في الخمسينيات وبواكير الستينيات، كان النجاح بالنسبة للمرأة يَتحدَّد بالزواج الملائم؛ أما بالنسبة للرَّجل فيتحَدَّد بالمهنة المُربِحة. ولكي يحافظ الرجال من أمثال أبي على مَنزلتهم الاجتماعية، كانوا يُقاوِمون رغبة زوجاتهم في العمل خارج المنزل. وما زال يَسطع في ذاكرتي ذلك الشعور بالخزي الذي اعْتَرى أبي حين عَمِلَت أمي في وظيفة سكرتيرة. كانت الزوجة المُرفَّهة رمزًا لنجاح الزوج. ولقَّنُوني أن التعليم ضرورة للأولاد؛ وتَرَف للبنات. أخبرَتْني أمي أنه إذا لم يستطع أبواي تَسديد نفقات ذهابي أنا وأخي إلى الجامعة، فإن أخي هو الذي سيذهب، ما دام مُناطًا به أن يكسب عيشه. وطَوال الدراسة الجامعية كنتُ أجتهد وأجتهد، وأحتفِظ بمركز بين الثاني والحادي عشر، وهذا لكي أحصل على منحة دراسية. ولكني اكتشفتُ أن أبي لا يؤمن بتعليم الفتيات: ما كان ليسهم أبدًا في تعليمي الجامعي، ورفَض أن يكشف عن راتبه، وبالتالي لم أستطع أن أتقدَّم للمنحة الدراسية. ساعدَتْ أمي في دفْع أقساط المصروفات الدراسية، فقد تراءى لها أنَّني ينبغي أن أُصبح معلمة، فهي مِهْنة يمكن أن تَتَّفق مع تكويني لأسرة. وعلى الرغم من المرارة التي شعرتُ بها آنذاك، أُدرِك الآن أن أبي فقط يعكس معتقَدات جيله. وهو اليوم فخور بإنجازاتي وبالحياة التي صنَعْتُها لنفسي.

إبَّان العشرينيات من عمري، لم أَعتَبِر نفْسي أبدًا من دُعاة النِّسْوية. وفي أواسط السبعينيات كان أول رئيس لي في العمل يُكشِّر عن أنيابه إذا عرَّضْت أي شيء من «نفايات مكاتب النساء»، كما كان يُسمِّيها. بدَت نصيرات الحركة النِّسْوية، كما رأيتُهنَّ، على شيء من الحِدَّة، يرتدين ما يُشابه ملابس الرجال من حُلل رمادية وأربطة عنق مُنشَّاة، ويَستخدِمْن لغة الذكور العدوانية. بدَا لي أنهن يُرِدْن أن يُصبِحْن رجالًا وعلى الرغم من إحساسي بنواة التَّمرد الجُوَّاني حين يتطرق الأمر إلى التمييز بين الجنسين، فإني كنتُ لَيِّنة الجانب خَفيضَة النَّبرة وهادئة البال. بالتأكيد دافعتُ عن الحقوق والفُرص المتساوية بين الجنسين. وأيضًا أدركتُ أنني استفَدْت من الحركة النسائية، وذلك من واقعة بسيطة مفادها أنني التحقتُ بكلية الدراسات العليا: لقد أُتِيحَت لي الفُرَص، وكانت الأبواب مفتوحة أمامي. وافقت بمجامع نفسي على بعض دعاويهن الأساسية: الأجر المتساوي، الفُرَص المتساوية، وتأثير اللغة على تفكيرنا. لكن كان ثَمَّة أيضًا تِسع سنوات من المِرَان العلمي، خدَّرْت وعيي وأخْمدْت مقاومتي حتى جعلتني لا أرى المنظور الذكوري للعلم.

ومع هذا، كان لديَّ فكرة غائمة بأنني يجب أن أشق طريقي في العلم من دون التنازل عن الجانب الأُنْثَوي من ذاتي. لم أعْرِف أحدًا يمكن أن أحادثه في هذا الأمر، بل ولم أعرف حتى كيف يمكنني تِبيان هذا الحس الغامض الذي تَملَّكني. لم أكن قد عَثرتُ بعد على صوتي الخاص بي. وبدأت أستوعب الحركة النِّسْوية على مستوى أعمق، من خلال تحليلات يونج، والإنصات إلى أحلامي، والتأمُّل، وقراءة كُتُب كارل وإيما يونج، وإم. إيستر هاردنج M. E. Harding، وإيرين كليرمونت دي كاستيلليو I. C. De Castillejo، وآن بلفورد أولانوف A. B. Ulanov، وهيلين لك H. Luke، وفلورنس إل فيدِمان F. L. Wiedemann واستبَدَّ بي الشَّوق لتبادُل الأفكار مع أُخريات يُفكِّرن بالمِثل في أشياء من قَبيل: ماذا يعني أن تكوني امرأة، تَحملين لواء الأُنْثَوية، على مستوًى أعمق من مُجرَّد الصَّدْر الحنون أو الزوجة أو الأم؟ هل يجب على النساء أن يُفكِّرن كالرجال ويُصبِحن مثل الرجال لكي يَنجحْن في العلم؟ هل تملك الرؤية الأُنْثَوية شيئًا فريدًا يمكنها الإسهام به في مسار العلم؟ حين كنتُ أبوح لإحدى زميلاتي بما أفكر فيه، تَتَّسع عيناها من الدهشة، وتقول: هذا أمر يتجاوز مَجال تفكيري، وسرعان ما تُغيِّر الموضوع. وإذا تَحدَّثتُ لأحد زملائي الرجال عن أفكاري الجنونية، أشعر أنه يراها تافهة ومُضيِّعة للوقت. جعلني هذا أتحرَّج كثيرًا من التَّحدُّث عن أفكاري.

كنتُ في فترة مُراهقتي وفي العشرينيات من عمري، أتألَّق في مناقشة المفاهيم المُجرَّدة العلمية أو الفلسفية. تُصيبُني أحاديث الفتيات بالمَلل. وفي أواخر الثلاثينيات بِتُّ مَعنِيَّة أخيرًا بما ينبغي أن تقولَه المرأة. تَطلَّعتُ في الماضي إلى سُلطات الذُّكور؛ لأنهم يتحدثون بثقة أكبر. وحين أصبحتُ على معرفة أوسع وأكثر تحقيقًا لذاتي، اكتشفتُ أن صوت السُّلطة لا يعكس جدارة في كل الأحوال. ولاحظتُ أن النساء يملكن خبرة مكافئة، على الرغم من أنهن لا يعرضن سُلطة كتلك. والآن حين أحتاج إلى طبيب، أو مُحاسِب ضرائب، أو سِمسار أسِهُم مالية أو محامٍ، أبحث عن نِساء مؤهَّلَات في هذا؛ لأني أُفضِّل سمة التفاعل فيما بيننا.

وفي النهاية اكتشفتُ أدبيات الجَنْوَسة والعلم: مقالات وكُتب بأقلام؛ إيفلين فوكس كيللر E. F. Keller، وروث بليير R. Bleier، وكارولين ميرشنت C. Merchant، وروث هبَّارد R. Hubbard، وساندرا هاردنج S. Harding. وأُخريات كثيرات. ولمَّا كنَّا نفتقر إلى التَّجمُّع المتساند، كنتُ أقيم المناظَرات مَعهُن في ذهني فأخلُق تَجمُّعً متخيَّلًا. فيما بعد أُتيحَت لي الفرصة للقاء كثيرات من أولئك الدَّارسات النِّسْوِيات، وذلك في اللقاء السَّنَوي لجمعية تاريخ العلم في سياتل. ومنذ ذلك الحين بتُّ على ارتباط بجماعة الاطلاع والمُناقَشة في جامعة واشنطن حول المرأة والعلم والتكنولوجيا. وفضلًا غن هذا، تنامَت أيضًا صداقاتي تدريجيًّا مع أخريات مَعْنيَّات بعِلم نَفْس يونج. في هذه التجمعات يمكن قبول وجهات نظر شتى. نستمع لكل منظور فردي، وننظر إليه بعين الاحترام. لقد بات من الممكن استكشاف حقائقنا الفردية وأن نَمُر بالخبرة سويًّا. ليس ثَمَّة رأي واحد هو الصواب. من خلال تلك الكتب والتفاعلات شَرَعت في الإنصات إلى صوت الأُنْثَوية في العلم.

سُبلٌ للمعرفة

في كتاب كارول جيليان «بصوت مختلف»،٦ وكتاب ماري فيلد بلينكي، وبليث ماكفيكر كلينثي، ونانسي رول جولدبرجر، وجيل ماتوك تارول «سبل المعرفة لدى لنساء»،٧ وجَدتُ دراسات تُعْنى بالعمليات الارتقائية لدى النساء. أخيرًا عثرتُ على شيء من التأييد لتصوري للعلم على أنه نَسَق من المعارف، يجب أن يعكس أيضًا سُبل النساء للمعرفة لكي يَغدو مكتملًا.

تَحدَّتْ جيليان، وبلينكي، وكلينشي، وجولدبرجر، وتارول ذلك التَّصوُّر القائم على اتخاذ النموذج الذُّكُوري معيارًا. وبدلًا من افتراضٍ مَبدئي مفاده أن عملية الارتقاء النَّفْسي للأنثى لا بُدَّ أن تكون هي ذاتها عملية الارتقاء النَّفْسي للذَّكَر، استمعَت الباحثات لأصوات النساء. وحتى ذلك الوقت، كانت الدراسات قد أُجرِيَت بواسطة الذكور و«على» الذُّكور. وفي خِضَمِّ مُناظَرة ذات اعتبار، ألْقَى بحثُهن الأساسَ الذي منح النساء ترخيصًا بأن يَجِدْن سبيلهن الخاص لتقدير قيمة المقارَبات الأُنْثَوية، مقارَبات الاعتماد المُتبادَل، والحميمية، والرعاية، والتفكير السياقي، من حيث هي على قدَم المساواة من الصحة.

لقد ترسَّخَت فينا عادة إجراء الأبحاث على «نموذج ذَكَر»، وظل هذا مسلَّمًا به إلى وقت حديث. ليس فقط في دراسات علم النَّفْس، بل أيضًا في البحوث البيولوجية الأساسية. حتى إنني أَجرَيْت بحثًا قبل التَّخرُّج في تأثيرات الإشعاع على الصراصير (افْتقَرَت الكلية للأموال اللازمة لتسهيل إجراء البحث على كائن حَيٍّ أكثر تطوُّرًا)، واتبعتُ الإجراءات القياسية بِقصْر الدراسة على الصراصير المُذكَّرَة فقط. افترَضُوا أن الذَّكَر يُعطينا نموذجًا أبسط من نموذج الأنثى. ونتيجة لذلك نَتجنَّب ما يتداخل في فحص مثيل الصرصور ليعوق إحراز الأهداف والهرمونات الفَعَّالة وومضات اللَّمَعان. وهكذا في سياق الجهد المبذول لتقليل عدَد المُتغيِّرات في التجربة، غابَت الأنثى عن الأنظار حتى كمَادَّة بَحْث. والحق الصراح أن كل التجارب حول كيفية تَعلُّم الفئران أُجْرِيت على فئران مُذكَّرة. مَوَّلَت الحكومة الفيدرالية دراسات حول تأثيرات الكولسترول على مرض القلب، أُجْرِيت على عَيِّنة بَحْث هي أربعة آلاف من الذُّكور، وأُجْرِيت دراسة التَّدخِين على خمسة عشر ألفًا من الرجال؛ وكان ثَمَّة اثنان وعشرون ألفًا من الأطباء في دراسة على الأسبرين، جميعهم رجال.

يَدرُس بحث جيليان ارتقاء المرأة الخُلُقي، ويعيد تأطير الخصائص التي نعتبرها ضعفًا في النساء، ويبين أنها مَكامِن قوة إنسانية. وأعانت جيليان على إعادة تعريف السُّلوك الخلقي عن طريق إيضاح المعادَلة المُركَّبة من المجتمع المُصغَّر والبيئة والمواقف التي تَكتسي بالقرار الأخلاقي للمرأة، وقارنَت هذا بالمقارَبة الذُّكورِيَّة التَّراتُبيَّة المحكومة بقواعد. بَيَّن عملُها أن أخلاقيات الرعاية والمسئولية قد تكون بالنسبة للمرأة طبيعية أكثر من أخلاقيات تُعوِّل على القوانين المُجرَّدة والمبادئ العمومية.

اكتشفَتْ جيليان أن النساء مَجبولات على فَحْوى الاتصال. وفي مقابل تأكيد الرجل على الانفصالية والاستقلال الذاتي، تَميل المرأة إلى تحديد ذاتها في سياق العلاقات. وبينما يميل الرجال إلى الإقصاء؛ لأنهم يرفعون من قيمة الانفصال والاستقلال الذاتي، تَميل النساء إلى الاحتواء؛ لأنهن يَرفَعْن من قيمة الاتصال والألفة. وبينما يعمل الرجال على حل الصراع عن طريق استحضار تَراتُب منطقي من المبادئ المُجرَّدة، تعمل النساء على حل الصراع من خلال مُحاوَلة تَفهُّمه في سياق منظور كل شخص واحتياجاته وأهدافه. إنها المسئولية المُتَّجِهة نحو الفضيلة، حيث تحاول النساء جَلْب أفضل ما يمكن لكل فرد من أصحاب الشأن. وإذ يَفعَلْن هذا، يُنصِتْن بِروِيَّة، وغالبًا يُعلِّقْن الحكم الخاص بهن لكي يَتفهَّمْن الآخَرِين في حُدودهم. تَعهداتهنَّ وأفعالهنَّ محكومة بإيناسهنَّ بالعالَم ومن فيه. الاستجابة الخلقية، بالنسبة لهن، هي الاستجابة الحانية الراعية.٨ وفي مُقابِل لغة العلم السيكولوجي التي تُلغي الشخصية، حيث نجد الناس «موضوعات» والعلاقات «أحكام البيئة»، تَكتب جيليان: «ربما جَلبت دراسة النساء إلى علم النفس لغة من لغات الحب التي تضم المعارف والمشاعر على السواء، لغة تَنقل سبيلًا مُبايِنًا هو سبيل يرى النَّفْس في علاقة مع الآخرين.»٩
أما بلينكي ورفيقاتها فقد دَرسْنَ مراحل ارتقاء المرأة العقلي – سُبل النساء للمعرفة ولاكتساب المعارف. وحتى ذلك الحين، افترض الجميع أن النساء يَتعلَّمْن بالطريقة نفسها التي يتعلم بها الرجال، كما هو مطروح في كتاب وليم بيري «أشكال الارتقاء العقلي والخلقي في سنوات الدراسة الجامعية».١٠ يَتتبَّع بيري كيفية اكتساب الطلبة في هارفارد (ومعظمهم ذكور) للمعارف وتُفهُّمهم لأنفسهم كعارِفِين. وبعد أن قام بتكوين هذا التخطيط للارتقاء العقلي، عمل على متابَعة ارتقاء الإناث، ووجد أنهن يُطابِقْن النماذج التي لاحظها في الذُّكور.
أطلق بيري على المرحلة الأولى اسم «الثنائية الأساسية» حيث يقوم معلمون سلبيون بتدريس الحقائق للطالب، فيرى العالم في قُطَبِي الصواب / الخطأ، الخير / الشر، نحن / هم، الأبيض / الأسود. المعارف مُعطاة ومُطلَقة وثابتة. وشيئًا فشيئًا، يهتز إيمان الطالب بالسُّلطة المُطلقة والحقيقة من جرَّاء مواجَهة اختلاف الرأي وتعدُّد المنظورات. في هذه المرحلة من «التَّعدُّدية» يكون رأي الطالب حسنًا كأي رأي آخر، وبما أن المُعلِّم يَتحدَّى ذلك الرأي، ويُصرُّ على البَيِّنة، فإن الطالب يدخل في مرحلة «نسبوية فرعية».١١ ها هنا يضطلع الطلبة بالمقارَبة التحليلية لِتقييم المعارف. وفي المرحلة النهائية، مرحلة «النسبوية الكاملة»، يدرك الطلبة نسبية الحقيقة، حيث يعتمد معنى الحدث على سياق الموقف، وعلى إطار العارف لتفهُّم الحدث. ومع النِّسبَوية، يتفهَّم الطلاب أن المعارف تكوينية وسياقية وقابِلة للتغيُّر.

ولئن كان بيري قد أوضح أن النساء يَتشاركن مع الرجال، فإن بلينكي ورفيقاتها أحْسَسنَ أن دراساته لم تُصمَّم لكي تكشف عن مسالك بديلة قد تكون أكثر حضورًا لدى النساء. أولئك الباحثات أجْرَين مُقابَلات شخصية مُكثَّفة، ومن خلالها أصغين للنساء من مُحيطات التعليم الرسمي وغير الرسمي وما يَقُلنَه بِلُغتِهن الخاصة بهن.

باستعادة الأحداث الماضية والتأمُّل فيها، وَصفَت نساء كثيرات عالَمًا من الصمت أحسَسنَ فيه بالصَّمم والبَكم (بكلا المعنيين للكلمة). ومن هذا المنظور الذي كان مسكوتًا عنه، أطاعت النساء السُّلطة القائمة حولهن؛ الأب، الزوج، رئيس العمل، دون أن يَبُحْن بشيء وذلك من أجْل البقاء في الحياة. وعْيُهنَّ بقدراتهن العقلية خافِتٌ، ويَنظُرْن إلى الحياة في حدود الاستقطابيَّات. تَتسِق هذه المرحلة من الارتقاء مع القالب النمطي للأنثى السلبية غير الكفء الارتكاسية غير المستقلة.

بالخروج من الصَّمْت إلى المرحلة الأولى من «المعارف المُتلقَّاة»، تستمع النساء إلى أصوات الصديقات وإلى السُّلْطات، ويَعمَلْن على تصنيف المعلومات «بما هي عليه» بغير أن يَفْهمْنَ الأفكار حقيقة، وطالما يَعتقدْن أن كل شيء لا بُدَّ لأن يكون «إما/أو»، يَنتابُهن القلق مِن أنَّهنَّ إذا ارْتقَيْنَ بقدراتهنَّ الخاصة وتَفوَّقْن، فهنَّ بهذا يُخطئْن تلقائيًّا في حق الذين يُحبِبنَهُم. المُتلقِّيات للمعرفة يَفترضْن أنهن يجب أن يَتكرَّسْن لرعاية الآخَرِين، وتمكينِهم، بينما يبقين على «إنكار الذات». إنهن مُندمِجات في التَّكيُّف مع أفكار الآخَرِين وفي الجماعة. المُتلقِّيات للمعرفة يَتطلَّعْن إلى العلم من أَجْل الحقيقة المُطلَقة.

في مرحلة «المعرفة الذاتية» تتصوَّر النساء الحقيقة من حيث هي شخصية وخصوصية، تُعرَف بطريقة ذاتية أو بالحدس. وكخطوة أُولَى نحو مزيد من الاعتماد على الذات والاستقلالية، يُنصِتْنَ إلى غرائزهن ومَشاعرهن، إلى «دواخلهن»، إلى «صوت في أعماقهن لا يزال خافِتًا». وعلى الرغم من أن الاقتناع بوجود إجابات صحيحة ما زال يَتملَّكهن، ما عُدْن يَبحثْن عن مصدر الحقيقة في السُّلطات الخارجية. إن الإنصات والمُراقبة المُتَّجِهَين إلى الداخل هما نمطَا التعليم السائِدان. وبسبب هذا، لا يُؤخَذ مصدر المعارف الموثوق به إلا من الخبرة المتجدِّدة.

في المرحلة التالية، مرحلة «المعارف الإجرائية»، تجيش صدور النساء بقوة العقل وهي تختلج قي تحليل واعٍ مُترَوٍّ ونَسقِيٍّ بحثًا عن الحقيقة. يَستعمِلنَ العقل والإجراءات (مثل المنهج العلمي) لِيُقِمنَ الدليل على أحكامهن الذاتية وآرائهن. أولئك النسوة على وعي بأن ردود الفعل الجُوَّانيَّة أو الحدوس قد لا تكون صحيحة دائمًا، وأن بعض الحقائق أكثر صدقًا من الأخرى. يُدْركنَ إمكانية المُشارَكة في المعارف من خلال استخدام إجراءات محل ثقة. تَصف بلينكي، وكلينشى، وجولدبرجر، وتارول شَكلَين من معارف الإجراءات في هذه المرحلة: المعرفة المنفصلة، والمعرفة المتصلة. العارفات بالمعرفة المنفصلة يَتَّجهْن صَوبَ القواعد اللاشخصية والمقاييس والتِّقنيات. على أية حال، أقرَّتْ أولئك النسوة بِمَغزى الاغتراب حيث لا يَشعُرنَ بعدُ بأي انغماس في تَعقُّب المعرفة. تنشقُّ الهُوَّة بين التفكير والإحساس ويَشعرْنَ بالتحايل وإخماد خبراتهن الجُوَّانية ودواخل نفوسهنَّ. وكما في حالة العارفين في المعرفة المتلقاة، نَجد العارفات في المعرفة المنفصلة يكون إحساسُهنَّ بالذات مطمورًا في التعريفات والأدوار الخارجية من قَبيل القوالب النمطية لأدوار الجنسين.

لاحظَتْ بلينكي وزميلاتُها أن كثيرات من النساء يَجدْن الوصول إلى المعرفة المتصلة أسهلَ من الوصول إلى المعرفة المُنفصِلة. وعلى خلاف الوضع في المعرفة المنفصلة، تُعنَى العارفات في المعرفة المتصلة بالموضوعات التي يَبغينَ تَفهُّمها. تقصد بلينكي وزميلاتها ﺑ «التفهم» شيئًا ما قريبًا من الكلمة الفرنسية connaître (= عرفان) أو الكلمة الإغريقية gnosis (= غُنُوص)١٢ اللتين تَدلَّان على تعرُّف شخصي على الموضوع، وتَشملان الحميمية والتساوي بين النَّفْس والموضوع. من الناحية الأخرى، تدلُّ المعرفة (savoir) على الانفصال عن الموضوع والسيطرة عليه. وبدلًا من التأكيد على الروابط بين الأفكار فحسب، تَفحَص العارفات المُتَّصلات أيضًا العلاقة بَين العارفات وبين الأفكار التي يُنتِجْنَها. إن المعرفة المتصلة، بجذورها الضاربة في أواصر العلاقة، تَشمل الشُّعور والتفكير على السواء، إنها ضرْب من عقلانية التَّلقِّي. وتَتطلَّب المعرفة بالذات كيما يستخدم المرء ذاته كأداة من أدوات الفهم.

أما المرحلة النهائية، مرحلة المَعارف البِنائية، فتجمَع شَمْل التفكير والشعور، المَعرفة الموضوعية والمعرفة الذاتية. في هذه المَرحلة، تَجِد النساءُ صوتَهن الأصيل الخاص بهن. مع أولئك النِّسوة تتكامَل المَعارف الشخصية التي يَشعُرن حدسًا بأهميتها ومَغزاها مع المَعارف التي يَتعلَّمْنَها من الآخَرِين. يَنبذْن التفكير بطريقة «إما/ أو»، ويُبدِين تسامحًا رفيعًا مع التناقض الداخلي والغموض. يُدركنَ أن كل المَعارف بنائية، وأن العارف جزء من صميم ما يعرفه. وبدلًا من إنكار أو كَبْت جوانب من ذواتهن في سياق جهد لتبسيط حيواتهن، يُرِدن الإحاطة بكل أقاسيم ذواتهن. يَتفادَين التَّصنيف والتَّجزِئة في العمل، وفي المنزل، وفي المهنة، وفي الحياة الشخصية. يَتعامَلْن مع الحياة الجُوَّانية والبَرَّانية على السواء بكل تعقيداتهما. وبهذا يَنظرْن إلى النظريات العلمية على أنها تَخمينات جيدة، نماذج مُبسَّطة للعالم المُعقَّد، بدلًا من اعتبارها حقائق مُطلَقة. صاحبات المعرفة البنائية يَتلقَّين العلم بوصفه نصًّا أخلاقيًّا، بناءً إبداعيًّا من الوقائع والنظريات يهتم بالقلب والعقل كليهما.

أشكال الارتقاء العقلي والخلقي عند الرجال (بيري) سبل النساء للمعرفة (بلينكي وأخريات)
الثنائية الأساسية: المعارف مُعطاة، مُطلَقة، ثابتة المعارف المُتلقَّاة: تصنيف المعارف «بما هي عليه»
التَّعدُّدية آراء ليس لها أدلة. المعارف الذاتية: الحقيقة شخصية، تسترشد بالعواطف والمشاعر الباطنية
النسبوية الثانوية: المعارف التي نُقيِّمها عن طريق التحليل المعارف الإجرائية: التحليل، النسق الذي يستخدم العقل والإجراءات، العارفات المُنفصلات، العارفات المتصلات
النسبوية الكاملة: المعارف بنائية وسياقية وقابلة للتغيير المعارف البنائية: تجمع معًا المَعارف الشخصية والمَعارف التي تعلمناها، التفكير والشعور
صفوة القول: إن بلينكي، وكلينشي، وجولدبرج، وتارول وجَدْن أن خبرة المرأة مُتميِّزة بأشياء من قَبيل؛ التفكير السياقي، والمعارف المتصلة، والأخلاقيات التي تَترسَّم حول مفاهيم المسئولية، والعناية، ورؤية الحياة كشبَكة من التواصل المتبادَل. ويُقِمن الحُجَّة على أن المُربِّين يمكنهم مُساندة المرأة على الارتقاء بصوتها الأصيل الخاص بها عن طريق إعلاء الاتصال على الانفصال، التَّفهُّم والتَّقبُّل على التَّثمين والتَّقييم، التَّزامُل على المناظرة، وإذا أَوْلَوا الاحترام والتقدير للمعارف المُنبثِقة عن الخبرة المُتجدِّدة ومَنحُوها وقتًا؛ وإذا شَجَّعوا الطالبات على تطوير نماذج العمل الخاصة بهن القائمة على المَشاكل التي يَتعقَّبْنَها، بدلًا من أن يَفرضوا عليهن توقُّعاتهم ومَطالبهم العشوائية.١٣

إن النساء اللائي عرفْتُهنَّ في رحاب العلم، قد أَصبحْنَ عَبْر تدريبهن وخبراتهن الحياتية عارفاتٍ إجرائياتٍ أو بنائياتٍ. يُماثِلنَ النِّسبَويين عند بيري من وجوه عديدة. يصل الرجال والنساء على السواء إلى مرحلة نهائية يُدرِكون فيها أن المعارف بنائية وسياقية وقابِلة للتغير. بَيْد أنَّ سُبل النساء للمعرفة، في مُقابِل سُبل الرجال، تَضرب بجذورها في الاتصال. وعلى الرغم من أن مُخطَّط بيري يُقِر بأهمية إطار العارف، لم يصبح الاتصال والترابطية أبدًا المَدار الرئيسي السائد كما هو الحال في سُبل المعرفة عند النساء أقامَت هذه الدراسات الارتقائية دليلًا على تَعريف يونج للذكورية القائم على التحليل والمنطق، وتعريفه للأُنْثَوية القائم على الترابطية. ونرى ارتقاء العقل في دراسة بلينكي يبدأ من مرحلة المعارف الإجرائية. ولو كانت دراسات بيري امتدَّت لتفحص الرجال بعد منتصف العمر، ربما كان قد اكتشف أن البعض منهم يصبحون عارفين مُتَّصلين.

لعل العلم حين ألقى بالأنثوية جانبًا، فعل هذا لأن غالبية النساء آنذاك (بسبب يعود جزئيًّا إلى نَقص الفُرص التعليمية) يَندرِجن تحت مَقولة النساء الصامِتات، أو العارفات المُتلقِّيات، أو العارفات الذاتيات. وراح مؤسِّسُو العلم استنادًا إلى خبرتهم بالنساء وبشتَّى دوافع القوة يُعمِّمون هذا على كل النساء ويُروِّجون ما يُثبِت أن الإناث، بشكل أو بآخر، أدنى من الذكور. وعلى مدار القرون غدَت بعض النساء عارفات إجرائيات من خلال خبراتهن الخاصة خارج المؤسَّسات. وعلى الرغم من عدم الاعتراف بصحة خبراتهن لأن ملاحَظاتهن كانت تجرى في المنزل لا في المُختَبر، فإنهن مع هذا حصَّلْن المعارف بطريقة نظامية. وفقط خلال القرن الأخير تَكشَّفَت المعارف الإجرائية أمام عدد كبير من النساء، وذلك بفضل إتاحة التحاق المرأة بالمؤسَّسات التعليمية. مع التعليم الرسمي، يَتلقَّى الرجال والنساء كلاهما الإجراءات نفسها واللغة ذاتها ويمكنهم التواصل مع المعارف والمشاركة فيها.

العلم على وجه التقريب معارف، و«الأفضلية العلمية» لتجربة معيَّنة تعكس ولاءً لإجراءات مُتَّفق عليها. وطالما نَتفهَّم أن البحث التجريبي يَستوفِي مقاييس العلم الجيد، نجد أن المنهج العلمي يجعل الإسهام في المعارف متاحًا. حقًّا المراحل المُبكِّرة من سُبل النساء للمعرفة لا تُلائم العلم، إلا أننا الآن نستطيع أن نَتبيَّن أن العارفات الذاتيات يَلحَق بِهنَّ النُّضج لِيُصبحْن عارفات مُتَّصلات وبِنائيات. من المهم أن نضع تمييزًا فاصلًا بين المعارف الذاتية، حيث الحقيقة الشخصية مُطلَقة، وبين المعارف المُتصِلة التي هي تقدير الحقائق الشخصية وتكامُلها مع كل أرحب. مع هذا النوع من التمييز نستطيع أن نُخلِّص الأُنْثَوية البازغة من ذلك القالب النَّمطي للمرأة العاطفية اللاعقلانية، حيث إن التفكير والشعور لا يستبعد الواحد منهما الآخَر. في الفصل الخامس سوف نَستكشفُ معًا هذا النمط الناضج من الذاتية، وكيف أنه ملائم للعلم.

الأصوات النِّسْوية

لستُ أنوي إجراء مسح شامل للأدبيات، إلا أنني أوَدُّ بَلوَرة مَغزى مجال الأصوات النِّسْوية التي تُناقِش دَور المرأة في العلم واستِكناه العَبَق فيها.١٤ ثَمَّة العديد المُتنوِّع من وجهات النظر، والمقاصد، وخطوط التفكير، والتحليلات العميقة تحمل بطاقة النِّسْوية. على الرغم من أن الجميع يُحبِّذون إسهام المرأة في العلم، لا أشعر أنهن جميعًا يَتحدَّثن بصوت الأُنْثَوية، وكما لاحظَت عالِمة بيولوجيا الخلية ديانا هورن: «إن التدريب عاتٍ بطريقة جذَّابة. لا بُدَّ أن تعمَلي وفق البنية الأبوية الذُّكورِيَّة لكي تَشقِّي طريقك.»١٥ وعلى هذا نظمتُ مسحي للأدبيات عن طريق النظر في دوافع الكاتبات النِّسويات ومَقاصدهن:
  • (١)

    تبيان أن النساء قادرات على مُمارَسة العلم.

  • (٢)

    إزاحة العقبات التي تعوق النساء عن الإسهام في العلم.

  • (٣)

    تصحيح المعلومات الخاطئة عن بيولوجيا المرأة.

  • (٤)

    نقد قيم العلم وأهدافه.

بَحثَت الموجةُ الأولى من الأدبيات النِّسْوية عن تبرير وجود المرأة في رحاب العلم، وعن الإثبات الموثق أن المرأة يمكن أن تكون بكفاءة الرَّجُل. وثَمَّة كتاب مارجريت روسيتر «النساء العالمات في أمريكا: النضال والاستراتيجيات حتى عام» ١٩٤٠م١٦ وكتاب «نساء العلم: تصويب السجلات» وهو من تحرير جي كاس-سيمون، وباتريشيا فارِنْز،١٧ يوضِّح هذان الكتابان أن مُخ المرأة في حقيقة الأمر واسع بما يكفي لممارسة العلم، وأن التعليم لا ينال من خصوبة المرأة (كما زعم علماء القرن التاسع عشر). على أن كاس-سيمون، وفارنز خَلصَتَا إلى أنه:
«لكي نَذكُر النساء في العلم، يجب أن يسود الاعتقاد بأن عَملَهن صحيح، ليس فحسب بل أيضًا لا بُدَّ أن يكون تأثيرُهن على التفكير العلمي مُعتادًا بحيث يستحيل استبعادهن. إذا كانت النساء العالِمات على خطأ، أو يَخفُقْن في إصابة الهدف الدقيق، أو إذا أعلَنَّ أفكارًا باطلة تمامًا، لا تَروح أفكارهن سريعًا في طَيِّ النِّسيان فحسب، بل يحدث في الأعم الأغلب أن ينبذهن مُعاصروهُنَّ أو يُعاملوهنَّ بسخرية.»١٨
تكشف تلك النصوص للنساء العالِمات عن أنه لا شيء في طبيعة المرأة الجسدية أو النفسية أو العقلية يمنعها من إسداء الصُّنع في العلم. وتَبيَّن أن نساء كثيرات، وليس فقط الاستثنائِيَّات كمَارِي كُورِي، أسْهَمنَ في كل مستويات العلم، من المساعِدات الفَنِّيَّات إلى الباحِثات المُستقِلَّات. ويمكننا الآن أن نرى عددًا مُدهشًا من النساء العالِمات على مدار تاريخ العلم، لم نكن نَراهنَّ فيما سبق، بدءًا من الفيلسوفة الطبيعية في القرن الخامس قبل الميلاد آريت القورنائية Arate of Cyrene، حتى عالِمة الرياضيات في القرن الرابع هيباتيا السَّكندرية Hypatia of Alexandria، وصولًا إلى هيلدِجارد من بِنجن Hildegard of Bingen في القرن الثاني عشر، وعالِمة الكيمياء الفيزيائية في القرن العشرين روزالين فرانكلين Rosalind Franklin التي جرَى التهوين من شأن إسهامِها المحوري في بنية الشَّفْرة الوراثية (الدنا.D.N.A). والآن لدى الفتيات اللاتي يَمتَهِنَّ العلم مُثُل عُليَا عديدة كي يهتدين بهن.
حين أطالع قصص النساء العالمات، أشعر بإجلال مَهيب لأولئك اللاتي كافَحْن ضد تلك المُعارَضة الرهيبة لمجرَّد السماح لهن بممارَسة العلم. يَغمرني الإعجاب بذكائهن، وعزمهن، وثباتهن في مواجهة العُزلة والألم والإحباط. يَستبِدُّ بي الغضب من الظلم في استبعادهن. وفي أكثر من مَرَّة اغرورَقَت عيناي بالدِّموع من قصص آمالهن الموءودة، وخُططِهن التي أصابها الخذلان، وصعوبة توفيق أوضاعهن. بعض أشكال العبث جعَلتْنِي أضحك، مثلًا حين كَتب صحفي تحقيقًا عن محاضرة ليز ميتنر Cosmetic وجعل عنوانها «مشكلات فيزياء التجميل L. Meitner Physics»، إذِ افترَض ضِمنًا أن العنوان الفعلي وهو «مشكلات الفيزياء الكونية Cosmic Physics» لا يبدو لائقًا بامرأة.١٩
أولئك النِّسوة جاشَت صدورهن بأسئلة الطبيعة حتى كرَّسْن حياتهن فعلًا من أجْل العلم، غالبًا ما عَمِلنَ بغير أجر، وكثيرًا ما كُنَّ مُنتبَذات بعيدًا عن المُختبَر حتى لا يُشوِّش حضورهن على الرجال. على سبيل المثال، عَملت العالِمة الفيزيائية ماريا جوبيرت ماير M. G. Mayer «مساعِدة متطوِّعة» في مُختبَر زوجها على مدى تسعة وعشرين عامًا، ولم تُعطِها جامعة جون هوبكنز، ولا جامعة شيكاغو أجرًا. وعلى مدار السنوات التِّسع التي قضتها في جامعة جون هوبكنز، كَتبَت أبحاثًا وهي في مكتبها الواقع أسفل الطابق الأول، ولا تزال المجلات الكيميائية تَستشهِد بهذه الأبحاث، وعلى الرغم من هذا لم تَتكسَّب إلا بضع مئات من الدولارات في العام، وليس من عَملِها العلمي، وإنما من مساعدتها واحدًا من أعضاء قِسم الفيزياء في مُراسلاته الألمانية.
درَّستْ ماريا ماير فصولًا دراسية في جامعة شيكاغو، وُضِع اسمها في دليل الجامعة كأستاذ مشارِك في قسم الفيزياء، وعضو في معهد الدراسات النووية. مرة أخرى، حِيلَ بينها وبين تَقاضي راتب بسبب علاقتها الزوجية، وتأويل الجامعة لمحاباة الأقارب في التوظيف. ولكن لا ينبغي أن يبدو الأمر وكأنها فقط كانت تُبدِّد الوقتَ هباء حول المُختبَر وتَتحرَّق شوقًا في مكتبها بينما يمارِس زوجها العِلم الحقيقي في المُختبَر، فقد نَشرتْ أبحاثًا خلال الثلاثة عشر عامًا التي قضَتْها في جامعة شيكاغو، ظلَّت هذه الأبحاث كلاسيكيات في مجالها، وأَجْرَت البحث الذي تأدَّى بها إلى الفوز بجائزة نوبل العام ١٩٦٣م (مستقِلَّة عن زوجها). وما لبث أن جاء العام ١٩٥٩م حتى أَخبَرت الجامعة أنها قَبلَت منصبًا آخَر، حينئذٍ فقط عرَضوا أن يَدفعوا لها فِعلًا راتبَ أستاذ كاملًا كي يُثنُوها عن مُغادَرة الجامعة.٢٠ ويبدو أنَّنا يمكن أن نَصرِف النظر عن القواعد التي تَمنعُ شبهة محاباة الأقارب في التوظيف.
يسيطر القالب النمطي حين يَتزامَل النساء والرجال. أولئك النسوة كنَّ مُنتبَذات بوصفِهنَّ مُتطفِّلات عاجزات عن الإبداع الخلَّاق، ويَلحَقْن بركاب أزواجهن وزملائهن. وفي وقت حديث نِسبيًّا، العام ١٩٧١م، أعلن فيزيائي مشهور، في جلسة حَوْل النساء في اللقاء السَّنوي للجمعية الفيزيائية الأمريكية: «لو أنني تَزوَّجتُ بيير كوري، لكنتُ قد أصبحتُ ماري كوري.»٢١ أمثال هؤلاء الرجال مُطمور في تفكيرهم «أن النساء بطبيعة الحال أضْعَف وأدنى؛ هذا واضح؛ الأمر يَسير على هذا النحو»، ولعلهم على غير وعي بأصول هذه المعتقَدات. لا يُريبُني كثيرًا أنهم يَنشدُون بِخبث وغلٍّ الانتقاص من قيمة النساء، و«إبقائهن في وضعهن»، بل الأخطر من هذا أن يَظلُّوا مُستَكينِين بلا وعي إلى نظرتهم الفجة للعالَم. وهكذا يَتحقَّق الضَّرَر باسم النوايا الطيبة، من قَبيل حِماية المرأة من مَشاق التعليم «من أجْل صالِحها».
أنصار الحتمية البيولوجية يُفسِّرون قِلَّة عدد النساء في العلم بفكر يقول إن العَجْز عن ممارَسة العلم مَفطور بيولوجيًّا في المرأة. ويقيمون الحجة على أن ارتقاء المرأة العقلي لا يَحدُث إلا بثَمن باهظ على حساب ارتقائها الإنجابي. وفي وقت حديث نسبيًّا، العام ١٩٨٢م، قال آي. آي. راي I. I. Rabi الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء: «إن المرأة غير مُهيَّأة للعلم» لأن «الجهاز العصبي لديها معطوب.» قال «قد تشق المرأة طريقها في العلم، قد تُنجِز قدرًا طيِّبًا، لكنها لن تنجز أبدًا علمًا عظيمًا.»٢٢ وبالتالي، تَرمِي بعض الباحثات إلى تقليص الفوارق بين الرجال والنساء ويُقِمْن الحجَّة على المساواة الاجتماعية القائمة على التماثل البيولوجي. وتُقر أخريات بالفوارق بين النَّوعين، ويُعلِين من قيمتها، ويَستمسِكن بأنها مِن صنع التاريخ والبيئة، وليست بالضرورة حتمًا مَقضيًّا.
بعض جوانب الأدبيات تَحمِل مُتعة خالصة في قراءتها. مثلًا، تأخُذ بِلُبِّنا الدَّهشةُ بشأن ما كان يعنيه أَينشتَيِن حين كَتَب في العام ١٩٠١م إلى العالِمة الفيزيائية مِيلفَا ماريكا Mileva Maric زوجته الأولى، قائلًا: «أيَّة سعادة وأيُّ فخْر سوف أشعر بهما حين نَخرج نحن الاثنان معًا بنتيجة ظافرة من عَملِنا [لاحِظ ضمير الجماعة] في نسبية الحركة [النسبية]!» وزعم كاتِب سيرة حياة ميلفا ماريكا، وهو الفيزيائي أبرام جوف A. Joffe، أنه رأى أصول أوراق بَحْث النِّسبية التي نشرَها أَينشتَيِن العام ١٩٠٥م، وأنها كانت مَمهُورة بتوقيع «أَينشتَيِن – ماريكا». فهل يَتَّفق مع هذا أن كان أحد بنود حُكم الطلاق بينهما أن وَعد أَينشتَيِن ماريكا بجانِب من أمواله عن جائزة نوبل المُقبِلة، والتي تَسلَّمها بعد ذلك بثلاث سنوات؟ كانت ماريكا خِرِّيجة معهد البوليتكنيك السويسري، أرقى المعاهد العلمية في وسط أوروبا، وبالقطع حازت ماريكا تدريبًا يُؤهِّلها لأن تكون شريكة أبحاث أَينشتَيِن ونَظيرَته. أليس مِن المُحتمَل أن تكون نظرية النسبية قد انبثقت عن تأكيد ماريكا الأُنْثَوي على التَّرابطية والارتياب في المُطلَقيَّات؟٢٣
أجل انشغلت كوكبة من النِّسويات بالسؤال عن سبَب قِلَّة عدد النساء في العلم، أمَّا أنا فأندَهِش من كثرة عدَدِهن، بالنظر إلى القيود التي كانت مفروضة على التعليم، قواعد المجتمع وضُغوطه، السَّقف الزُّجاجي الذي يَعوُق التَّقدُّم في المسار المهني، الأجْر الضعيف (حتى وقت حديث يصل إلى العام ١٩٤٨م، كانت النساء العالِمات في الفَلك، والفيزياء يَتقاضَيْن فقط رُبع ما يتقاضاه نظراؤهن الرجال)٢٤ افتقادهن لتقدير الجمعيات العِلمية المِهنِيَّة،٢٥ الاستقبال البارِد من جانِب زملائهنَّ الرجال أو رفضهم التام لهن كأنهن «أمساخ شائهة»،٢٦ استبعادهن من التواصل الرسمي كما يحدث في «شبَكات الخريجين المتفوقين»، والتضحيات الشخصية المطلوبة. وكما قالت إحدى صديقاتي: «إذا أردت تكوين ثروة، هناك هاوية مِن طرُق عديدة أيْسَر من ممارسة العلم!»

نساء كثيرات عَبْر القرون آثَرْن امتهان العلم، فصارَعْن أشكال الظُّلم في صمت، معظمهن ارتدين ملابس كالحة، وخُضْن حياتهن كراهبات مُتدثِّرات بمعاطف المُختبَر البيضاء، تَجنَّبْن الظهور كي لا يَصرفَهن شيء عن العمل العلمي الجادِّ. نساء كثيرات يُنكِرن الثمن الباهظ الذي دَفعْنه مقابل النجاح في العلم، خوفًا من أن ينصرف الجميع عن صحبتهن. أخريات يَعترفْنَ بتضحياتهن بالحياة الاجتماعية وبالعلاقات الشخصية. يُبرِّح بهن التفكير في إنجاب أطفال، يَشعُرْن بالذَّنْب لترك أطفالهن في دور الحضانة، تُمزِّقُهن المَطالب المِهنيَّة بقضاء أسابيع بعيدًا عن الأسرة لحضور مُلتقَيات أو لخدمة جوانب من الدراسة، وفي بعض الأحيان يَفجعُهن خيار الوظيفة أو الزواج حين يكون أفضل موقع لكل من الطَّرفَين يقع في مكان مختلِف من العالَم، حتى الأطفال يبذلون تضحية عاطفية على مَذبَح العلم، يَدفعون ثمَن غياب أو انفصال الأبَوين، ولا يزال العبء والملام يقع في العادة على عاتق المرأة، بدلًا من أن يَحمِل الأبوان معًا عبء هذا. المرأة المُحبة للعلم تواجه سلسلة من الخيارات الفردية العسيرة.

ومع هذا تشعر نساء كثيرات أنهن مدفوعات لممارسة العلم لكي يحققن إحساسهن بالذات. أو يجدن، كما يجد رجال كثر، السعادة القصوى في روعة الكشف، حين يرين جزءًا من الطبيعة لم يره أحد سواهن من قبل. أخريات يردن العمل الشيق والذي يمثل تَحدِّيًا عقليًّا. أخريات يُمارِسْن العلم من أجْل البهجة مثلما يُمارِسْن لعبة الصور المقطَّعة أو لُغز الكلمات المتقاطعة من أَجْل الاسترخاء والإثارة الذهنية. كثيرات مدفوعات بشَغَف المعرفة ومُتعة أن يعرفن، مثلما يجد اللاعب الرياضي متعة في اندفاع الجسد خلال السباق.

والآن دخل عدد من النساء في رحاب العلم (في البيولوجيا على وجه الخصوص مَثَّلَت النساء في العام ١٩٨٥م ٢١٪ من علمائها)،٢٧ فاستغلَّت بعض النِّسْويات مواقعهن ومعارفهن لنَقْد أُسس العلم من الداخل. عَملْنَ على تقييم العلم في الحدود العلمية، هكذا فعلَتْ عالمات بيولوجيا أمثال: روث هبَّارد R. Hubbard، وماريان لوو M. Lowe، وآن فاوستو سترلنج A. Fausto-Sterling، وليندا بيرك L. Birke، وتُبَيِّن عالِمة فيزيولوجيا الأعصاب روث بليير R. Bleier كيف أن العوامل الثقافية تُشكِّل البيولوجيا. وفي مقابل عقيدة البيولوجيا الجزيئية الجازمة ﺑ «الجُزيء السيد» حيث يملي الدنا بيولوجيا الشخص، نجد أولئك الكاتبات يُناقِشنَ كيف تَتغيَّر أجسامنا وتتطبَّع عن طريق ما نَتعرَّض له من ممارسات، وأنظمة غذاء، وأشغال، ومُستوى الدَّخل، والتلوث البيئي، والإجهاد، والمرض. استمسكت هبَّارد بأن «كل كائن حي يُغيَّر في بيئته باستمرار ويتغير بها، وفي حالة البشر، يُمثِّل المجتمع الذي نعيش فيه مكونًا أساسيًّا من مكونات بيئتنا.»٢٨
هذا النقد يفحص البحوث التي أُجرِيت على الإناث وكيف غيَّمَت عليها الرغبة في عقلنة الوضع الاجتماعي، الاستمساك به كما هو، الرَّغبة في تبرير الوضع الاجتماعي الأدنى للمرأة عن طريق تعيين دونية بيولوجية مُفترضة فيها. مثلًا، تمسَّك الأطباء في القرن التاسع عشر بأن مبايض المرأة تَتيبَّس مع ارتقاء عقل المرأة ودماغها. وتُفضِي المقارَبة السياقية النِّسْوية للمقايسات العلمية إلى نتائج سياسية واجتماعية مختلفة بشأن الوظائف التي يمكن أن تقوم بها المرأة. مثلًا، تُناقِش ماريان لوو كيف أن الصورة المعتادة للمرأة بوصفها ضعيفة البنية قد حالت بين النساء وبين شَغل الأعمال التي تُدرُّ دخلًا كبيرًا كأعمال البناء والتشييد والتصنيع الثقيل. تُبيِّن الدراسات المُحدَثة أن افتقار المرأة للقوة الجسدية العليا يأتي إلى حد كبير من عدم استخدامها، وليس من البيولوجيا على سبيل الحصر.٢٩ عملت إليانور ماكوي E. Maccoby، وكارول ناجي جاكلين C. N. Jacklin على تقييم ما أُنجِز من عمل ضخم في علم نفس الفروق بين الجنسين. وانْتهَتَا إلى أن معظم المعتقُدات حول فروق الجنس تُفنِّدها الدراسات العلمية أو أنها لا تزال قيد البحث. لم يتم التأسيس العلمي الجيد إلا للفروق في مجالات القُدرة اللفظية، والقدرة على التصور المكاني، والقدرة الرياضية، والسلوك العدواني.٣٠ وتُحلِّل آن فاوستو-سترلنج في عمل حديث لها البينة التي تشير إلى أن النساء «أقل في القدرة الرياضية، وفي الإبداع العلمي من الرجال» وخلصت إلى أن هذه خُرافات أكثر من أن تكون حقائق عن الجَنْوَسة. ولأن فاوستو-سترلنج ترى العلم بناء اجتماعيًّا، تتوقع أن المساواة الكاملة للنساء سوف تُغيِّر مُمارسة العلم تغييرًا عظيمًا.٣١

يركز جانب كبير من الأدبيات على مُحصِّلات وتَضمُّنات تكنولوجيا الإنجاب؛ مثل: تحديد النسل، وعلاج العُقم، والتلقيح الصناعي، وأطفال الأنابيب، والكشف عن الأجِنَّة قبل الولادة. تبحث النِّسْوِيات السياسات القائمة وراء استبدال الأطباء بالقابِلات، وأساليب العلوم الطبية في اعتبار بيولوجيا النساء أعراضًا مَرَضية (الطمث والإخصاب والحمل وسِن اليأس، كلها الآن مُوجِبات للتدخل الطبي والضبط الطبي). وفضلًا عن هذه المسائل، يستكشف كِتاب روث هبَّارد «سياسات بيولوجيا المرأة» الأُسس الأيديولوجية للإعلام العلمي والطبي المُضلِّل حول كيفية عمل جينات المرأة وهرموناتها وعَضلاتها. تُشير إلى حالات استُخدِمَت فيها الحدود المفترضة التي تضعها البيولوجيا على قُدرة المرأة تبريرًا لمدى شاسِع من مُمارَسات التمييز بين الجنسين تُؤدِّي إلى تحويل المرأة عن الأعمال التي تُدرُّ ربحًا وَفيرًا.

بدلًا من توفير ظروف العمل الآمنة والصحية لكل العاملين، راح المستوظِفون يُنكِرون على النساء الوظائف ذات الأجر المرتفع؛ لأنَّهن يمكن أن يَحبَلْن. مثلًا، حِين قرَّرتْ أمريكان سياناميد American Cyanamid استِبعاد النساء في سن الإنجاب من الوظائف التي يمكن أن تكون في الصدارة، واجَهت خَمس نساء خيار ترْك وظائف أجرها ٢٢٥ دولارًا في الأسبوع زائد أجر العمل الإضافي وقبول وظائف السعاة بمرتب ١٧٥ دولارًا في الأسبوع دون أية زيادات. أولئك النسوة اخترن وظائف مُجدِبة بدلًا من فقدانهن العمل. ومع هذا، لم تستأثر المرأة بالوظائف التقليدية للنساء (وهي وظائف منخفضة الأجر) التي يمكن أن تَحتَل فيها الصدارة؛ مثل أعمال الرسم على الآنية الخزفية. حين كَشفَت الأبحاث عن الآثار السامة للكادميوم، وكلوريد الفايْنِل على الأجِنَّة، كان رد فعل الشركات هو استبعاد النساء من الوظائف التي تتضمن استخدام هاتين المادتين. ولم تعمل الشركات على تخفيض مستويات التعرض لتلك الكيماويات إلا بعد أن تم اكتشاف آثارها الضارة على خصوبة الرجال.٣٢
تتفق هذه الحالات مع ملاحظة جيوفيري سي أن المقاييس التي طوَّرَها باحِثو الطب الصناعي من قبيل مقاييس «الفيزياء الصحية» (علوم وتطبيقات الحماية من الإشعاع) جرَى تصميمها لحماية الصناعة من الناس (أي، الحيلولة دون عرقلة الناس لسير الإنتاج نتيجة لمرضهم أو للدعاوى القضائية التي يرفعونها)، هذا بدلًا من أن تكون لحماية العاملين. مثلًا، تحدَّدَت مستويات التلوث الإشعاعي المسموح بها الآن وفقًا للمواصفات القياسية للإنسان ووزْنِه وحالة أعضائه. وعادة ما تنحصر المعايير البيولوجية للضرر في الحدود القصوى لأمراض السرطان المميتة. ويدعو جيوفيري سي إلى إحلال مفهوم «الجرعة القياسية» المصحوبة باختبار مُتعدِّد الجوانب لسائر مُتغيِّرات أشكال الإشعاع والاستجابات البيولوجية. ولسوف يتضمن هذا دراسة النظائر المختلفة ذات مستويات الطاقة المختلفة، وما تسلكه من مسالك بيولوجية. وفضلًا عن هذا، نجد أن مفهوم «الاستجابة القياسية» يمكن أن تَحل مَحلَّه مُتابَعات للمخاطر الفَردية قائمة على العمر والجَنْوَسة والحجم والنمط الأَيْضي، ويمكن التعرُّف على الأعراض المصاحبة والأمراض غير القاتلة التي تُؤثِّر على كفاءة الجسم.٣٣
يستأنف البيولوجيون الاجتماعيون حُجج الحتمية البيولوجية القمعية عن طريق أحكام مُبتذَلة، من قبيل «جنس الأنثى مَدعاة للاستغلال، والأساس التطوري الأَوَّلي لهذا الاستغلال واقعة مفادها أن البويضة أكبر من الحيوان المنوي.»٣٤ مما دعا بعض علماء البيولوجيا؛ أمثال: روث بليير إلى نقد مدرسة ويلسون في البيولوجيا الاجتماعية٣٥ بوصْفِها علمًا رديئًا، وبَيَّنَت كيف أن هذه المدرسة تخرج بتقديرات استقرائية جُزافية للسلوك الاجتماعي الحيواني لتطرَحها على العلاقات الاجتماعية الإنسانية والسلوك الإنساني. تُناقش بليير في كتابها «العلم والجَنْوَسة» الزَّلَّات المنطقية والمنهجية التي يقع فيها أولئك البيولوجيون الاجتماعيون، وتُقدِّم المُعْطَيات التي تُناقض فروضهم واستنتاجاتهم.
يريد علم البيولوجيا الاجتماعية أن يَحل مَحَل علم النَّفس، وعلم الاجتماع عن طريق عَزْو مُجْمل المدى المُعقَّد للسلوك الإنساني إلى الشفرة الوراثية. إنهم يَنصَرِفون عن إسهام الثقافة بوصفها قِشرة رقيقة، والجينات (المورثات) التي تُشكِّل سُلوكَنا بقوة ومضاء أكثر حقيقيةً من الثقافة. المفهومان المفتاحان لديهم؛ هما: (١) السلوك مُبرمَج على تعظيم قدرة جينات الجسم على أن تتكاثر؛ و(٢) الجنسان لهما استراتيجيات مختلفة لتعظيم لياقتهما خلال نَسْل أكبر عدَد ممكن من الذرية. ويجري تفكيرهم على أنه ما دام الذَّكَر ينتج ملايين الحيوانات المنوية في اليوم، يَتعاظَم نَسْل الرجال من جيناتهم عن طريق تلقيح أكبر عدد ممكن من النساء. ومن الناحية الأخرى، للمرأة استثمار أكبر في كل فرد من أفراد الذرية طالما أن الأنثى تُنتِج بويضة واحدة فقط في الوقت المَعني، وتبذل الجهد في حمْل الجنين. ومن هذا يَستخلِص ويلسون أن: «ذلك يدفع الذكور إلى العدوانية والاندفاع والتَّقلُّب وعدم التمييز. في هذه النظرية يكون الخجل والاحتشام مُربحًا أكثر للإناث، حتى يتراجعن إلى أن يستطعن تحديد الذكور ذوي الجينات (المورثات) الأفضل … والكائنات البشرية مُخلِصة في اتباع هذا المبدأ البيولوجي.»٣٦
في السبعينيات اقتحمت المرأة البريماتولوجي، وهو مَجال له أهميته في تعريف ومناقشة مُختلف أوجه الطبيعة البشرية، التي تشمل طبيعة الأنثى. وكشفت البحوث عن أن الأنثى في بعض الثدييات، كاللبؤة والشمبانزي، لها سُلوك إيجابي في العلاقة الجنسية وليست مَحْضَ جانِب سلبي مُتلقٍّ دائمًا.٣٧ ألقى تَصوُّر الذَّكر الإيجابي والأنثى السلبية بظلاله على رُؤى العلماء وصولًا إلى المستوى الخَلوي للبويضات والحيوانات المنوية. وحتى العام ١٩٨٠م كانت النصوص البيولوجية التي تصف التخصيب تُركِّز على سلبية البويضة القابعة في انتظار حيوان منوي يوقظها، على طريقة قُبلة الأمير التي أيقظَت الجمال النائم. ومُؤخَّرًا اكتشف جيرالد، وهايدي شاطن G. & H. Schatten، باستخدام مجهر إلكتروني للمسح، أن الحيوان المنوي لا يحفر طريقه إلى البويضة الهاجعة. وبدلًا من هذا التَّصوُّر، نجد أن السطح الخلوي للبويضة تنتشر عليه نتوءات صغيرة تشبه الأصابع (زغبيات microvilli) تُعانِق الحيوان المنوي وتَجذِبه إلى الداخل. لقد جَرى تجاهُل كَومة الزُّغْبِيَّات التي تحاول الوصول إلى الحيوان المنوي، برغم أنها لُوحِظت منذ العام ١٨٩٥م. أَبان الثنائي شاطن في بحوثهما أن البويضة والحيوان المنوي شريكان يتبادلان الفعل الإيجابي.٣٨ لقد نظروا إلى جهاز الأنثى التناسلي في الثدييات بوصفه هو الآخَر سلبِيًّا. والآن تكشف الدراسات عن أن الحيوان المنوي قبل أن يستطيع تخصيب البويضة لا بُدَّ له من إفرازات تصدر عن الجهاز التناسلي للأنثى تُمكِّنُه من هذا، مع وصول الحيوان المنوي إلى البويضة، يطلق إنزيمات تهضم ما يحيط بالبويضة من الخارج، على أن هذه الإنزيمات لا يمكنها القيام بوظيفتها إلا بعد أن يتم تفعيلها بإفراز آخَر يصدر عن الجهاز التناسلي للأنثى.٣٩

مثل هذا النَّقْد النِّسْوي لبيولوجيا الخلية يبدأ بطرح أسئلة مختلفة، أسئلة لا تَدور بِخَلَد أولئك الذين يعملون داخل إطار العمل التقليدي، ويبقى مُنفتحًا لتأويلٍ للمُعْطَيات مختلفٍ عن تلك التأويلات المُلزِمة بفعل ما يرتبط بالجَنْوَسة. بهذه الطريقة، تقيم النِّسْوِيات الحجة على أن نَقْدَهن يحمل في طيَّاته تحريرًا متاحًا للعلم.

ونظرًا للانحياز ضد النساء العالمات الذي رسخ طويلًا، وجب على النسويات أولًا إرساء دعائم مصداقيتهن قبل أن يكون ممكنًا الاستماع إلى نَقدِهن للعلم بوصفه صحيحًا ولا يسقط توًّا من الاعتبار. وبداية لا بُدَّ من وجود فِئة من المُتقابلات المتكافئة، قبل أن يكون ممكنًا حدوث شد وجَذْب بينهما يُؤذِن بتحوُّل جوهري.

سوف تصحبنا الفصول المُقبِلة في رحلة لاكتشاف علم يشمل الأُنْثَوية. سوف نستكشف قِيم وأهداف العلم. سوف نستمع إلى أصوات علماء رجال ونساء، إذ هم يكشفون أمامنا كيف أن الأُنْثَوية يمكنها أن تجعل العلم أكثر إبداعية، أكثر إنتاجية، أكثر مواءمة، وأكثر إنسانية. سوف نستمع إلى انفعالاتهم بعملهم، وبهجتهم بالحوار الحميم مع الطبيعة، والتَّحدِّي الماثل في تَفهُّم شبكة من الاتصالات على كل مُستوًى. أقاصيص يرويها فيزيائيون، وبيولوجيون، وعلماء متخصصون في علوم البحار، والكيمياء الحيوية، والعلوم الجوية، ومهندسون، تُبيِّن كيف أن المبدأ الأُنْثَوي الذي ينبض في الرجال والنساء كليهما يمكن أن يساعدنا في عودة الروح إلى العلم. وأيضًا سوف نَتفحَّص انبثاقة الأُنْثَوية في نظرية الشَّواش chaos theory والفيزياء الجديدة، والبيولوجيا الجديدة – بَشائر العلم الكُلَّاني. سوف نستكشف في الفصول من الثالث إلى الحادي عشر، إمكانية تطبيق الترابطية، والرعاية، والشعور، والحدس، والانفعال، والتَّلقِّي، والوعي بالذات على العلم، وسوف نرى في هذا المسار كيف أن الأُنْثَوية يمكن أن تساعدنا على اكتشاف طُرق جديدة لفَهْم حيواتنا وفَهْم عالَمنا.
١  السيمياء (أو الخيمياء) alchemy هي السَّلَف التاريخي القديم لعلم الكيمياء، إنا العلم المعنِي بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهَب، وعلى وجه التحديد اكتشاف حجر الفلاسفة الذي يستطيع مثل هذا التحويل، وبالمثل اكتشاف إكسير الحياة الذي يَشفِي من كل الأمراض. وإن ظَل حجر الفلاسفة أو تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهَب هو الهدف الأَوْلى والأسمى. وفي سياق الجهد المشبوب لتحقيق هذا الحلم تَخلَّف رصيد هائل من المعارف بشأن طبائع المواد وتَحوُّلاتها وعمليات التحويل المُختبرية، فضلًا عن أنها استندَت إلى خلفية أسطورية وميتافيزيقية هائلة، واعتمدَت مصطلحات ولغة شديدة التعقيد. يعود مصطلَح السيمياء الذي أصبح فيما بعد الكيمياء إلى الفراعنة، إلى أرض مصر، وكما قال بلوتارك، سواد تربتها الخصيبة يُشبه سواد إنسان العين، فأسماها المصريون كمي chemi؛ أي التربة السوداء. ولما عرَف الإغريق ذلك العلم أسْمَوه باسم البلد الذي أتى منه، أي كيميا أو سيميا. وكان أول استعمال لهذا المصطلح في مرسوم للإمبراطور دقلديانوس عام ٢٩٦م. يأمر فيه بِحرْق الكتب الكِيمِيَّة أو المصرية، كُتُب العلم الذي يُحِيل المعادن ذهبًا فيَفتِن ويفتح الباب للطمع، العلم الذي توهَّج في الإسكندرية في العصر البطلمي. سيطرت السيمياء على الألباب أكثر مما نتصوَّر. وحتى إسحاق نيوتن أمير الفيزياء الكلاسيكية والعلم الحديث بغير منازع ثبت أخيرًا أنه أمضَى وقتًا طويلًا في دراسة كُتب السيمياء، وأجرى تجارب يحاول فيها تحويل المعادن إلى ذهب. (المترجمة)
٢  في مقابَلة أُجرِيت مع إنجريث ديرب-أولسن، في ١١ يناير١٩٩٠م. وهي أستاذة في قسم علم الحيوان في جامعة واشنطن بسياتل بولاية واشنطن. حصلت على درجة الدكتوراه العام ١٩٤٤م، والآن تدرس الفيزيولوجيا العامة وظواهر غشاء الخلية، وعلى وجه الخصوص تعقيدات مُخاط البَزَّاقة العريانة.
C. G. Jung’s Collected Works: Alchemical Studies (vol. 13), Psychology and Alchemy (vol. 12), and Mysterious Conjunctions (vol. 14) (Princeton University Press), Audio cassettes of Hoeller’s lectures are available recordings, Box 2811, Los Angeles, CA 90078.
٣  ثَمَّة امرأة تُعدَّ من الرواد الأوائل المعروفين في السيمياء، وهي كليوباترة السَّكندرية (ليست الملكة كليوباترة). ووُجِدَت نساء سيميائيات في حقبة العصور الوسطى إلا أنَّنا لا نعرف عنهن إلا القليل. رفَض الرجال دخول النساء هذا المجال خشيةَ أن تفقد السيمياء بهذا احترامها ويَتعرَّض القائمون على تَحويل المعادن الخَسيسة إلى ذهَب للاتهام بمُمارَسة السِّحر.
٤  المُعوَجَّة retort من أدوات المَعمَل الكيميائي، أو قَبلًا السيميائي وهي عبارة عن قِنِّينة مُتَّسِعة، تعلو فُوَّهَتها فجأة على شكْل أنبوب طويل ممتد، قد يكون به هو الآخَر اعوجاجات وانحناءات جمَّة.
٥  Thomas S. Kuhn, The Structure Of Scientific Revolutions (Chicago: University of Chicago Press, Enlarged Second Edition, 1970). نُوقِش تَبدُّل النموذج الإرشادي للديناميكا الحرارية في صفحة ٦٧ من هذا الكتاب.
The Paradigm Shift in.
٦  Carol Gilligan, In a Different Voice: Psychological Theory and Women’s Development (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1982).
٧  Mary Field Belenky, Blythe McVicker Clinchy, Nancy Rule Goldberger, and Jill Mattuck Tarule, Women’s Ways of Knowing: The Development of Self, Voice and Mind (New York: Basic Book, 1986).
٨  ربما عَبَّر هذا عن مُعدَّلات إحصائية أعلى إلى حد ما، ولكن يصعب التسليم بعمومية هذه الصورة الوردية الملائكية على جنس النساء بأسره. (المترجمة)
٩  Carol Gilligan, “The Conquistador and the Dark Continent: Reflections on the Psychology of love,” Daedalus 113 (1984), p. 91.
١٠  William G. Perry, Forms of Intellectual and Ethical Development in the College Years (New York: Holt, Rinehart & Winston, 1970).
١١  نسبوية relativism ولا نقول «نسبية» لأن هذه الصيغة ارتبطت ﺑ relativity. فضلًا عن أنها أصبحَت نِسبة إلى منسوب مُنتهٍ بياء، فتَصِحُّ إضافة الواو. (المترجمة)
١٢  يشير الغُنُوص في أصله إلى معرفة الأسرار الدينية والإلهية المحتجبة عن العامة ولا يصل إليها إلا صفوة المؤمنين وغلاة المتدينين. (المترجمة)
١٣  Belenky, Women’s Ways of Knowing, p. 229.
١٤  وعلى سبيل الرجوع إلى أدبيات الجَنْوَسة والعلم انظر:
Londa Shiebinger’s, “The History and Philosophy of Women in Science A Review Essay,” Signs: Journal of Women in Culture and Society 12, no. 2 (1987), pp. 305–332.
تُحدِّد لوندا شيبنجر أربع مُقارَبات تصورية اضطَلَعَت بها مختلف مدارس النِّسْوية. المقارَبة الأولى تبحث عن إعادة اكتشاف إنجازات النساء العالِمات المجهولات. وتتقصَّى المُقارَبة الثانيةُ المجالات المحدودة المتاحة للمرأة في مِضمار إنتاج العلم، وتاريخ إسهام النساء في المعاهد العلمية، والوضع الراهن للمرأة في هذه المهنة. أما المقارَبة الثالثة، فتُحلِّل كيفية تحديد العلوم البيولوجية والطبية لطبيعة المرأة، لتخبرنا بما هو عادي وطبيعي. وتَتفحَّص المُقارَبة الرابعة مواطن الاعوجاج في قواعد ومناهج العلم التي تُؤدِّي إلى استبعاد المرأة.
١٥  في مُقابَلة شخصية مع ديانا هورن في ١١ نوفمبر، حينما كانت تعمل عالِمة في بيولوجيا الخلية بقسم أبحاث السرطان في بريستول ماير سكويب، حيث كانت تدرس عوامل النمو.
١٦  Margaret Rossiter, Women Scientists in America: Struggles and Strategies to 1940 (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1984).
١٧  G. Kass-Simon and Patricia Farnes, Women of Science: Righting the Record (Bloomingtton, Ind.: Indiana University Press, 1990).
١٨  G. Kass-Simmon, Women of Science, p. xiii.
١٩  William Booth, “Oh, I Thought You Were a Man,” Science 243 (27 January 1989), p. 475.
شاركَت العالِمة الفيزيائية ليز ميتنر الكيميائي أوطوهان وفريتس شتراسمان في الفوز بجائزة إنريكو فيرمي العام ١٩٦٦م؛ وذلك لأبحاثها التي أدَّت إلى اكتشاف الانشطار النَّوَوي لليورانيوم.
٢٠  L. M. Jones, “Intellectual Contributions of Women to Physics,” in Kass-simon, Women of Science, pp. 200–203.
٢١  Vera Kistiakowsky, “Women in Physics: Unnecessary, Injurious and Out of Place?” Physics Today 33, no. 2 (February 1980), p. 32.
٢٢  Martin Goldman and Marian Gordon Goldman, “Will She Make It?” Workign Woman (9 January 1984), p. 104.
٢٣  Dennis Overbye, “Einstein in Love,” Time (30 April 1990), p. 108.
٢٤  Carole Bodger, “Salary Survey: Who Does What and for How Much?” Working Woman (January 1985), p. 72.
٢٥  أرفع جمعية عِلمية في أمريكا قامَت بانتخاب أول سَيِّدتَين كأعضاء فيها العام ١٩٣١م. أما أقدم جمعية علمية مُستمِرة حتى الآن؛ أي الجمعية المَلكية في لندن، فظلَّت تَستبِعد النساء من عضويتها حتى العام ١٩٤٥م. وعلى الرغم من أن التمييز بين الجنسين أصبح أمرًا غير قانوني في الولايات المتحدة منذ العام ١٩٦٤م، فما زالت النساء يَعِشْن أجواء باردة في إطار النظام والقانون.
٢٦  في مقال يُعارض تَعيين امرأة أستاذة للرياضيات بجامعة ستوكهولم في نهايات القرن التاسع عشر، يحاول الكاتب إثبات أن المرأة كأستاذة للرياضيات هي مَسخ شائِه، وأن هذا قضية محسومة تمامًا مثل القضية ٢ × ٢ = ٤، وكيف أنه غير ضروري، وضارٌّ جدًّا ولا يلائمها بالمرة.
H. J. Mozans, Women in Science (Notre Dame. Ind.: University of Notre Dame Press, 1991). pp. 162-16.
٢٧  National Science Foundation’s study of employed doctrol scientists in Proffessional Women and Minorities: A Manpower Data Resource Service, compiled by Betty M. Vetter and Eleanor L. Babco (Commission of Professionals in Science and Technology, December 1987), p. 95.
وفي مقارنة أُجرِيت كانت ٣٫٦٪ من علماء الفيزياء والفلك، و٨٫٧٪ من الكيميائيين، ٢٫٢٪ من المهندسين فقط من النساء.
٢٨  Ruth Hubbard, The Politics of Women’s Biology (New Brunswick. N. J.:Rutgers University Press, 1990), p. 137.
٢٩  Marian Lowe, “Dialectics of Biology and Culture,” in Lowe and Hubbard, eds … Women’s Nature: Rationalizations of Inequality (Elmsford, N.Y.: Pergamon Press, 1983). pp. 39–62. Lowe references work by Jack H. Wilmore, “Inferiority of Female Athletes, Myth or Reality,“ Journal of Sports Medicine 3 (1975), pp. 1–6.
٣٠  Eleaner Maccoby and Carol Nagey Jacklin, The Psychology of Sex Difference (Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1974).
٣١  Anne Fausto-Sterling, Myths of Gender (New York: Basic Books, 1985), pp. 53–59.
٣٢  Jeanne M. Stellmann and Mary Sue Henifin, “No Fertile Women Need Apply: Employment Discrimination and Reproductive Hazards in the Workplace,” in Ruth Hubbard, Mary Sue Henifin, and Barbara Fried, eds., Biological Woman: The Convenient Myth (Rochester. Vt.: Schenkman Books. 1982), pp. 117–146.
٣٣  Geoffrey Sea, “Radiation and Respone: Dose, Disease and the Development of Health Physics,” presented at the History of Science Society Conference, October 25–28, 1990.
٣٤  R. Dawkins, The Selfish Gene (New York: Oxford University Press, 1976), p. 176.
٣٥  لأن ويلسون خبير في سلوك الحشرات، فقد أراد تأسيس علم البيولوجيا الاجتماعية بوصفه «دراسة نَسقية للأساس البيولوجي لكل سلوك اجتماعي». ويعتقد أتباع مدرسة ويلسون في البيولوجيا الاجتماعية الإنسانية أن العلاقات الاجتماعية والتنظيمات الاجتماعية، نشأت عن التَّكيُّفات الارتقائية الجِينية.
٣٦  E. O. Wilson, On Human Nature (Cambridge, Mass.: Harvard University Press. 1987), p. 125.
٣٧  البريماتولوجي primatology هو العلم الذي يدرس الرئيسيات؛ أي أعلى رُتَب الحيوانات الثَّديِيَّة.
المهم الآن أن المؤلِّفة في هذه الفقرة والتي تليها، تنساق في كشوفات البريماتولوجي وتعرض لتفاصيل ودخائل السلوك الجنسي لبعض الثدييات التي تثبت الفكرة المطروحة، وهي أن السلبية ليست مفطورة في بيولوجيا الأنثى، وأنها أحيانًا تكون أكثر إيجابية من الذَّكَر في المُمارَسة الجنسية. تفاصيل هذا الحديث غير مألوفة وغير مُستساغة للقارئ العربي، بدَا لي من الأليق حذْفُها، وهي التي لا تتجاوز نصف صفحة، اكتفاء بذكر الفكرة الرئيسية المطروحة.
باستثناء هذه النصف صفحة، لم أحْذِف ولم أنقُص ولم أَزِد كلمة واحدة من الكتاب، وبذلتُ قصارى الجهد في طرحه أمام القارئ العربي بِنصِّه وفَصِّه. (المترجمة)
٣٨  G. Schatten and H. Schatten, “The Energetic Egg,” The sciences 23, no. 5 (1983), pp. 28–34.
٣٩  The Biology and Gender Study Group, “The Importance of Feminist Critique for Contemporary Cell Biology,” in Nancy Tuana, ed., Feminism and Science (Bloomington, Ind.: Indianan University Press, 1989), p. 177.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤