الفصل الثامن

التعاون أن نعمل في انسجام

التعاون في الطبيعة

حينما عرض تشارلز داروين نظريته في التَّطوُّر لأول مرة في جمعية لينين،١ افتتح ورَقته بِتصوُّر للطبيعة كصراع وحْشِي بين القوى المتقابلة: «الطبيعة بأَسْرها في حالة حرب، الكائن الحي يُحارِب الآخَر، أو يُحارب الطبيعة الخارجية».٢ وفي المُلتقى نفسه، وصَف ألفرد والاس A. R. Wallace بشريكه في اكتشاف الانتخاب الطبيعي، النَّباتات والحيوانات بأنها مُنهمِكة في «الصراع من أَجْل البقاء، الذي لا مندوحة أبدًا عن أن يَفنى فيه الكائن الحي الأضعف والأقل اكتمالًا».٣ ويُقر داروين في كتابه (أصل الأنواع) ﺑ «الصراع الشامل من أجل الحياة … كل الكائنات العضوية تكشف عن منافسة ضارية».٤ (ومن الشائق، أن داروين اتُّهِم بسرقة أفكاره من والاس). هذه النظرة للطبيعة بوصْفِها مَفطورة على التنافس قد استمرَّت لتُهيمِن على منظور العلم الغربي.
على أية حال، تَبزُغ ثَمَّة نظرة دنيوية تعاونية يمكن أن تَستنهِضَنا لنرى ارتباطات جديدة، ويمكن أن تدفع العلماء إلى طرح تساؤلات مختلفة. إن روبرت أجروس، وجورج ستانكيو٥ في كتابهما «البيولوجيا الجديدة: اكتشاف حكمة الطبيعة» يستكشفان أمثلة من مجالات البيولوجيا، وعلم الحفريات، والفيزياء يمكنها أن ترسم صورة للطبيعة ذاتها من حيث هي «تحالُف تعاوني كأحرى من أن تكون ساحة قنص قاسية وغير مُبالية» تهب البقاء فقط لأصلح فرد. يشير أجروس وستانكيو إلى أن الطبيعة تَتجنَّب المنافسة عن طريق تقسيم أماكن المَعيشة إلى مَواطن إيكولوجية. تتكيف الأنواع مع أنماط مُعيَّنة من الغذاء أو أوقات للتَّقوُّت أو ظروف معيشية، بدلًا من التَّنافس على الغذاء عينه أو الحماية ذاتها. على سبيل المثال، ثَمَّة ثلاثة أنواع من طائر الحَبَّاك الأصفر في أواسط أفريقيا تعيش معًا بسلام جنبًا إلى جنب. لا تتنافس على الطعام، إذ يَتغذَّى أحدُها على الحبوب السوداء الجافة، ويفضل النوع الثاني الحبوب الخضراء اللَّيِّنة، والنوع الآخر يأكل الحشرات فقط.٦ حيوانات من قبيل القطط تُعيِّن ساحة اقتناصها بعلامات من الرائحة النفَّاذة احتياطًا من المواجَهات غير المرغوب فيها. وبالمِثل، يخطط الباحثون الأرض بالأوتاد: «أنا أعمل في هذا الجانب (المجال، المستوى، الكائن العضوي) وأنت تعمل في ذلك الجانب». بالنسبة للبعض، يُمثِّل تواصُل النَّتائج مع الباحِثين الآخَرِين استراتيجية لتخطيط الأرض بالأوتاد كأحرى من أن يكون مشارَكة في المعلومات من أَجْل أغراض المناقَشة. وإذ يفعلون هذا، يُقلِّلون من احتمال بذل الجهد المضاعَف.
تحديد النَّسل الاختياري استراتيجية أخرى من استراتيجيات الطبيعة للعيش معًا في سلام. يصفع هذا وجه النموذج الداروني، الذي يستمسك بأن النوع سوف يتكاثر بلا حدود ما لم يَستوقفه افتراس، أو جوع، أو مرض، أو تَغيُّر حادٌّ في المناخ. على أية حال، تُبيِّن الدراسات الميدانية أن حيوانات كثيرة تُحدِّد تكاثُرها بواسطة أساليب داخلية غير ضارة، مثل التبويض بشكل أبطأ، أو التوقُّف عن التبويض بالمَرَّة، كما يحدث في حالة الفئران في ظروف التكاثر الشديد. وتعمل حيوانات من قَبيل الإلكة والثور الأمريكي والموظ٧ والأُسود، وحيتان العنبر العظيمة ذات الأسنان، والفُقمات القيثارية على تأجيل سِن البلوغ الجِنسي حين يحدث الانفجار في أعدادها.٨ حيوانات أخرى كالخراتيت البيضاء تعتمد على العزوف عن الزواج حينما تَضم القُطْعان أعدادًا ضخمة من الأتباع البالغة التي لا تجد سُبل المعيشة.٩
في الزراعة الحديثة، تُعتبَر الأعشاب الضارة منافِسة لمحصول النبات؛ وبالتالي يتم استئصالها بواسطة مبيدات الحشائش. ومؤخَّرًا دَرَس العلماء في جامعة كاليفورنيا بسانتا كرز المُمارسات التقليدية للمزارعين المكسيكيين الذين يُعاوِدون تشذيب العُشبة الضارة التي عادة ما تَنبُت بين صفوف الذرة، هذا بدلًا من اقتلاعها. وَجَد الباحثون أن جُذور العُشبة، المعروفة باسم الحسيكة المشعرة Bidens pilosa، تُفرِز مُركَّبات مُميتة للفطريات والخَيطِيَّات التي تُدمِّر الذرة. فقط يقوم المُزارعون بتشذيب العُشبة بعد مرور خمسة عشر يومًا على بزوغ الذُّرة، ثم كل ثلاثين يومًا بعد هذا. وبدلًا من أن تَدخُل العُشبة في منافَسة مع الذُّرة، تقوم بالسيطرة على الآفات من دون أن تَسلب الذرة مواد مُغذِّية مُهمَّة في التربة.١٠
وكما يُلاحظ عالِم فيزيولوجيا النبات فريتز ونت F. Went «لا يُوجد صراع ضارٌّ بين النباتات، ولا اقتتال مُتبادَل كما في الحرب، بل ثَمَّة تَنام مُنسجِم على أساس من التزامل المتبادَل. إن مبدأ التعاون أقوى من مبدأ التنافس.»١١ وفضلًا عن هذا، لا تُهدِّد الأعشاب الضارة بمزاحَمة المحاصيل، وفقًا لما يَقوله ونت، إلا حين تُزْرَع المحاصيل في غير مواسمها أو في مناخ خاطئ وحتى في البيئات الخَشِنة كالصحراء، أو مَواطن المعيشة التي يكثر فيها النبات كالأحراش، وَجَد ونت تعايشًا سلميًّا ولم يجد نوعًا يزاحم نوعًا آخر: «في الصحراء، حيث من المعتاد أن تكون الحاجة إلى المياه، والتَّعطُّش إليها حِملًا تَنُوء به كل النباتات، لا نجد منافَسة عنيفة على البقاء، حيث يُزاحم القويُّ الضعيف. بل على العكس، المَنافع المُتاحة — المكان والضوء والماء والغذاء — مُوزَّعة على الكل مثلما يَتقاسمها الكل. وإذا لم تكن كافية لكي يَنمو الكل طويلًا وعَفيًّا، يبقى الكل أقْصَر في القامة. تختلف هذه الصورة الواقعية اختلافًا كبيرًا عن الفكرة المحتفَى بها طويلًا، والقائلة إن سبيل الطبيعة هو المنافَسة الضَّروس بين الأفراد.»١٢
لا يلقى البحث في الجوانب التعاونية إلا قليلًا من الاهتمام، أو من التمويل، وذلك بسبب الافتراض القائل إن المنافسة هي سبيل الطبيعة. يُلاحظ البيولوجي وليم هاملتون W. Hamilton أن: «التعاون في حد ذاته يلاقي قليلًا من الاهتمام نسبيًّا من قِبَل البَيولوجِيِّين».١٣ ويَلحَظ عالِم الحيوان روبرت ماي R. May أن موضوع الاقتران النفعي المتبادَل بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية ظل يَلقى التجاهل النِّسبي في البحوث الميدانية والمَعملية، وفي النظريات وفي الكتب الدراسية.١٤ الواقع أن الكائنات الحية تساعد بعضها البعض بِشتَّى السُّبل. قد يستخدم كائن حي كائنًا آخر كموقع مَحمِيٍّ يقبع فيه، من قبيل أنواع مُعيَّنة من سرطان البحر تعيش في المستقيم من حيوانات قنفذ البحر. نِمال شتى تعيش في اقتران نفعي متبادَل مع أشجار أو شجيرات مُعيَّنة. مثلًا، تعيش النَّملة المعروفة باسم النملة الكاذبة Pseudomyrmex في الأشواك الجوفاء من شجرة السنط في أمريكا الوسطي وتَقْتات على الرحيق في الأوراق. ولكي تُحافِظ النملة على بيتها السَّنطي كبيت صِحِّي وتُؤمِّن مَدد الغذاء المتواصل، تقوم بطرد الحشرات الآكلة للنبات وتُعاود تَشذيب الكروم الذي يُهدِّد بمزاحمة السنط.١٥ حشرات أُخرى تُعاوِن النباتات على تحقيق التخصيب المُهجَّن بتبادُل الرحيق المغذي. أنواع حية عديدة تقوم بِنقْل كائنات حية أخرى أو نَقْل بذورها. وتعيش أنواع أخرى على التنظيف. الزَّقْزاق المصري يأكل العوالق الطفيلية داخل فم التمساح ويَتبدَّى في أمان وينعم بالغذاء الجيِّد. يضع الذُّباب الأزرق بيضه في الجروح المتقيِّحة. وحين تُفرخ اليرقات، تَتغذَّى على القيح، وتَستهلك الأنسجة المَيِّتة، وتُطهِّر الجرح بإفرازاتها. مثل هذه العلاقات تلقي الضوء على قيمة التجمع والاعتماد المُتبادَل كمُقابِل للفردية الفظة.

إن الحياة، على المستوى الأكثر أولية، هي مشروع تعاوني: لكي تنتج النباتات السكريات، تمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، والطاقة من الشمس، والماء من التربة. إنها تُخرِج الأكسجين كمُنتَج جانبي للتمثيل الضوئي. ثم تستنشق الحيوانات الأكسجين وتأكل سكريات النبات، وتَزفر ثاني أكسيد الكربون، وتُخرج الماء (البول) في هذه العملية. لا النباتات ولا الحيوانات تستطيع أن تُوجَد بغير الأخرى، أو بغير وفرة من البكتيريا التي تُحلِّل المادة العضوية إلى مركَّبات مفيدة.

التعايش التَّكافلي، علم التعاون

أفضل مِثال لدراسة التعاون الفعلي في الطبيعة هو التعايش التكافلي symbiosis، إنه أحد فروع البيولوجيا ويدرس الكائنات الحية غير المُتماثلة التي تعيش معًا معيشة تعاونية، من قبيل الاقتران المُركَّب من فطريات وطحالب خضراء نُسميها الحزازات، أو البكتيريا التي تعيش في أمْعاء البقر وتساعد على هضم السليلوز. إن التعايش التكافلي، بمغزًى ما، هو مدار البحث الأُنْثَوي الفريد. ومن حيث هو عِلْم العلاقة، يعطينا نموذجًا للاعتماد المتبادَل على المستوى البيولوجي.

وفي مُقابِل التمويل السَّخِي لبحث اقتران المرض بالطفيليات، يحل التقتير بتمويل دراسة الاقترانات الصِّحِّيَّة بين الكائنات الحية. من المثير للسخرية، إنَّ المُعايِش المتكافِل هو أنجح طفيل لأنه لا يَقتُل مُضيفه ليفقد بالتالي بَيتَه. وحين نُهمِل دراسة التعايش التكافلي لا نأخذ في اعتبارنا الفوائد المُحتملَة التي يمكن أن يجلبها الطفيل عَرضًا إلى مضيفه. إن التركيز على النموذج التنافسي يمكن أن يُعْمِينا عن رؤية الجانب التَّعاوني من الطبيعة.

يُبيِّن عمل لين مارجولِس كيف أن الأُنْثَوية يمكن أن تُبدِّل منظورنا وتُؤدِّي إلى إثارة أسئلة عن الطبيعة جديدة بشكل جذري. وبدلًا من افتراض أن التنافس هو قانون الطبيعة، تستكشف مارجولس دور التعاون في التطور. وكتبت تقول، «علاقات التعايش التكافلي وفيرة، على الرغم من أنها غالبًا ما تُعالَج في الأدبيات البيولوجية بوصفها غريبة؛ الكثير منها يؤثر على المنظومة الإيكولوجية بأسرها.»١٦ تُقدِّم مارجولس دليلًا مُقنعًا على أن التنوع البيولوجي ينشأ عن تعاون الكائنات المجهرية بقدر ما ينشأ عن التنافس الداروني. ومنذ عشرين عامًا مضت صادرت على أن الخلايا النووية (كالخلايا في أجسادنا) تتطور عن أكثر من نوع من البكتيريا؛ ذلك أن الخلايا النووية مُجتمَعات بكتيرية تَتطوَّر معًا. بعبارة أخرى، واحدة من البكتيريا تأكل الأخرى، لكن لا تهضمها، والآن تريد كلتاهما أن تَبقَى الأخرى. في البداية اعتبروا نظريتها في أصول الخلية «مُستهجَنة» وفاضحة، ولا يمكن مناقشتها في مُلتقَيات علمية محترمة.
كتبت مارجولِس ما يزيد عن مائة وثلاثين مقالة وسبعة كُتب. وفي العام ١٩٨٣م انتُخِبَت عضوًا في الأكاديمية القومية للعلوم بسبب عَمِلها، وبالنسبة للأمريكي، يُعَد هذا تكريمًا لا يعلوه إلا الفوز بجائزة نوبل. والآن يوافق جميع البيولوجيين تقريبًا على أن السبحيات mitochondria (عُضَيَّات في الخلية تنتج الطاقة) كانت يومًا ما بكتيريا تتنفس مُنتِجة للأكسجين، وأن جُبَيْلات اليَخْضُور chloroplasts (عُضَيَّات في خلايا النبات تقوم بالتمثيل الضوئي) كانت في الأصل بكتيريا زرقاء cyanobacteria. تؤكد مارجولس على أن مثل هذه التَّغيُّرات لا يمكن أن تكون قد أتت عن تراكُم لتصادف الطفرات. وهي تتمسك فعلًا بأن «المصدر الأساسي للجدة التطورية هو تَدبُّر المُتعايِش المُتكافِل، ثم يقوم الانتخاب الطبيعي بتنقيح الأمر بِرُمَّته. وليس الأمر البتة مُجرَّد تَراكُم الطَّفرات».١٧
مُعظم نَظريات التطور تؤكد على الطفرة بوصفها المصدر الرئيسي للبيانات الوراثية. إلا أن التعايش التكافلي، في حجج مارجولس، يَتفتَّق عن جِدَّة بيولوجية وراثية أبعد كثيرًا ممَّا يفعله تَراكُم تَصادُف الطفرات، على الرغم من سيادة الاعتقاد بأن هذا الأخير أساس التغير التطوري. إن آليات الطفرة من قَبيل تَغيُّرات أزواج القواعد والاقتضابات والتضاعفات والمُناقَلات، مأخوذة من مَنظور اختزالي. أما الآليات البديلة؛ مثل تزايد عدد فئات الكروموسومات، فمأخوذة من مَنظور تأليفي أكثر، ولكن جَرى تجاهُلها إلى حد كبير. ومع هذا، يمكن أن نلتقط الآن شيئًا من الاهتمام بها. ثَمَّة امرأتان أُخرَيان؛ هما لندا جوف L. Goff من جامعة كاليفورنيا بسانتا كرز، وآنيت كولمان A. Coleman من جامعة برون، تدرسان اكتساب أَنْوِية أَجْنبِيَّة كآلية من آليات التطوُّر. وأيضًا يقدم نَيل تود N. Todd في جامعة بوسطن، وثُلَّة من باحثين آخَرين دليلًا على آليات تركيبية شتى.١٨
وعلى الرغم من قبول نظريات مارجولس، فإنها تُبدي ملاحظة، «معظم زملائي يوافقون على أن ذِكْر التعايش التكافُلي في طَلب الترشيح لمنحة يرجح كفَّة رفْض التمويل.»١٩ ويبقى التعايش التكافلي مُبهَمًا، فهو في حُكم مجال فرعي من مجالات البيولوجيا لا يتمتع بالتمويل. فإما أن يتم تجاهُله، وأما أن يُقتَصر على وضع تعريف له في الكتب الدراسية الكبرى للتطوُّر. ولكن تَشكَّلت في العام ١٩٨٣م الجمعية الدولية لعلماء بيولوجيا دواخل الخلايا Endocytobiologists لتُوفِّر مُنتدًى للباحثين الذين يدرسون المُتعايِش المُتكافِل داخل الخلايا. وتأسَّست الآن مُجلَّتان في ١٩٨٤ و١٩٨٥م؛ هما: مجلة Endocytobiosis and Cell Research (التي تُصدرها الجمعية الدولية لعلماء بيولوجيا دواخل الخلايا)، ومجلة Symbiosis، تَعملان على توحيد علماء البيولوجيا في المجالات المُتفاوتة. وعلى مدار الأعوام، استولى عَمَل مارجولِس على خيال العديد من العامة وبالمِثل من العلماء. وحتى أولئك الذين لم يُوافقوها اعترفوا بأنها حَفَّزت تفكيرهم بأن منحَتْهم منظورًا مُستجدًّا.

يَشرَع علماء آخَرون في النظر في التطبيقات العملية للتعايش التكافلي. مثلًا، دَعَّمَت اعتمادات مالية دراسات للبكتيريا المثبتة للنيتروجين التي تعيش في العُقد الجذرية للبقوليات؛ مثل: البرسيم، والبازلاء، والفول، والفِصَّة. ويأمل بعض علماء بيولوجيا الخلية في إضافة جينات مُثبِّتة للنيتروجين إلى زريعة نباتات أخرى. ومع القدرة على تثبيت النيتروجين، سوف تَقِل الحاجة إلى الأسمدة.

وفضلًا عن التطبيقات العملية للتعايش التكافلي، يُمكِنه أن يكون سبيلًا للإنصات إلى الحِوار الذي يُشغِّل أو يُعطِّل الجينات في عملية التنامي. وكما تقول عالِمة البيولوجيا الجزيئية بيكا ديكشتاين Becca Dickstein:
إنها بِشكْل أو بآخَر تبدو رقصة التنامي. كل من هذين الفَتَيين يُقدِّم مُوسيقاه، وهُما يَعزِفان معًا بعض المُدوَّنات تَحدَّدتْ بفعل الرَّفيق البكتيري، ويومِض أمامي مِفتاح الحل بشأن ماهية تلك المُدوَّنات، وذلك بفضل الرفيق الذي هو النبات. أريد أن أواصل الطريق وأكتشف ما هي تلك المُدوَّنات، وأكتشف ما هي الخطوة التالية! حينئذٍ سوف نكتشف ما إذا كان ثَمَّة تصعيد أو أي شيء آخر. ثَمَّة ما هو سائر إلى الخَلْف وإلى الأمام، من البكتيريا إلى النبات، ومن النبات إلى البكتيريا. أريد أن أعرف ما هو وكيف يسير! وفي أيَّة نقطة توجد أشياء كبيرة تُدوِّي، وفي أية نقطة يُوجد صَرير خافِتٌ، وماذا يعني ذلك الدَّويُّ الكبير والصَّرير الخَافِت في اتساق تنامي ذلك العضو [العُقدة جذرية] مما لا يمكن أن يحدث من دون تلك الإسهامات من أحد الجانبين وبالتالي من الجانب الآخَر.٢٠

ليس التعاون في شَكل التعايُش التكافلي مُجرَّد حدوث نادر لشيء شاذٍّ في الطبيعة، بل هو قوة أساسية للبقاء والتَّكيُّف. يُبيِّن بحث التعايش التكافلي أن التَّنافُس ليس هو القانون السائد في الطبيعة، على الرغم من أنه يلعب دورًا. والواقع، أن مَجال التعايش التكافلي ذاته — وفقًا لديكشتاين — تَعاوُني بشكل خاصٍّ ربما لأن البحث ذاته يدور حول كائنات عضوية تعمل معًا.

إن اتخاذ مقارَبة التعايش التكافلي يمكن أن تُغيِّر حتى الطريقة التي يُعالَج بها المرض. مَن كان يتصوَّر أن إبراء خلايا السرطان يمكن أن يبرئ المريض؟ أَجَل، حين مُواجَهة مرض نادر علاجه عسير هو لوكيميا طلائع الخلايا النخاعية promyelocytic الحادَّة، حيث كان العلماء مُجبَرين على البحث عن مُقارَبة جديدة لأن عقاقير العلاج الكيميائي يَتفاقَم مَعها النَّزْف المُفرِط الذي يُسبِّبه السرطان. وفي مُقابِل «الحرب على السرطان»، قَتْل كل خلايا السرطان بالإشعاع والعلاج الكيميائي، يُحاول الباحثون استخدام علاج بالعقار لمُساعدة الخلايا الخبيثة على أن تنمو نُموًّا طبيعيًّا حتى النُّضج. والآن جماعات عديدة تعلن رسميًّا شفاء حالات مُعيَّنة من السرطان باستخدام الأحماض الرِّتينوية retinoic، وهي مُركَّبات مأخوذة من الفيتامين «أ». وفي محاولة علاجية دارت في الصين شفى الحمض الرِّتينوي أربعة وعشرين مريضًا بلوكيميا طلائع الخلايا النخاعية الحادَّة جميعهم؛ وفي دراسة فرنسية شُفِيَ أربعة عشر من ضمن اثنين وعشرين مريضًا مصابًا بهذا المرض. أما الباحثون في مركز شلون-كيترينج التِّذكاري للسرطان في نيويورك فيعلنون رسميًّا أن الحمض الرِّتينوي تَسبَّب في هَدْأة تامَّة للمرض في تِسعَة مرضى من ضمن أحدَ عشر مريضًا مصابًا بلوكيميا طلائع الخلايا النخاعية الحادَّة. إن هذا المرض، وهو لوكيميا تُصيب ألفًا وخمسمائة شخص سنويًّا في الولايات المتحدة الأمريكية، يتميز بنمو غير محكوم لطُوَيْئِفة من خلايا الدم البيضاء غير الناضجة حاملة شذوذًا مُعيَّنًا في الكروموسومات. وطالما بقيت هذه الخلايا غير ناضجة، فإنها لا تموت. بَيْد أنَّ الأحماض الرِّتينوية تساعد هذه الخلايا البيضاء اللوكيمية غير الناضجة على أن تتم نُموها. وبالتالي تموت الخلايا مَيِّتة طبيعية بعد مدة حياة عادية، ويحل محلها خلايا فَتِيَّة قادرة على النمو السَّوي. وأيضًا أعلن الباحثون رسميًّا استخدامًا ناجحًا لهذا الأسلوب في علاج سرطان الخلية الحَرشَفي المُتقدِّم في البشرة. دفع هذا البحث رازيل كُرزروك R. Kurzrock المتخصِّصة في علم الأورام بمركز إم دي أندرسون للسرطان في هيوستن إلى أن تقول: هذا يَجعلُك تُفكِّر في أنَّنا سوف نستطيع حل مشكلة السرطان.٢١ هذه المداواة أتَت من منظور مساعَدة خلية السَّرطان بدلًا من أن نحاربها.

الطبيعة التَّنافسية للعلم في الولايات المُتَّحدة

يدفع التنافس الجانب الأكبر من العلم في الولايات المُتَّحدة من القمة إلى القاعدة. تدعم حكومة الولايات المتحدة البحث الذي يُوطِّد تنافسًا اقتصاديًّا أعلى للأمة وأمنها القومي. تمول الصناعة العلوم الأساسية من أجل المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية. وتُؤكِّد الجمعية الشَّرَفية للبحث العلمي سيجما ١١٢٢  Sigma Xi على الاحتياج الشامل لأن تبقى تنافسية أمريكا مطلبًا مهمًّا، وعلى دور العلم والتكنولوجيا في الإبقاء على التنافسية حية نابضة.٢٣ وفي واقع الأمر، ظَلَّت القوانين المقاوِمة لتجميع الرَّسَاميل٢٤ حتى العام ١٩٨٤م تَمنع الشركات من التعاون خوفًا من التواطؤ. لقد كان التَّزامل في البحث غير قانوني.

وحتى دراسة الطبيعة مدفوعة هي الأخرى بمقارَبة عدوانية، كما تنعكس في لغة العلماء. أراد فرنسيس بيكون «أن نقهرها [الطبيعة] ونُخضعها، أن نزلزلها حتى أعمق أعماقها، أن نعصف بقلاعها وحصونها ونحتلها». ويتحدث العلماء المُحْدثون عن «الحرب على السرطان». وفي مُقابِل لغة الصراع هذه، تُشِّبه عالِمة البيولوجيا التطورية إيمي باكن مقارَبتها للعلم بأن «تدع الزهرة تَتفتَّح لترى ما بداخلها».

ونظام الإثابة في العلم يُعزِّز التنافس. حين تصدر العلاوات أو التَّرقِيَّات أو المكافأة بالمِنَح، عادة ما يتم تجاهُل الأنشطة التعاونية وأنشطة الرعاية من قَبيل عمل اللجان وتقديم مادة البحث للزملاء والخدمة الاجتماعية والتعليم وإعطاء المشورة. إن أشكال التكريم والمكافآت نادرًا ما تعترف بالفريق أو المجموعة. لا تُعيِّن جائزة نوبل، وهي أكثر المكافآت أُبَّهة ووجاهة في العلم، أكثر من ثلاثة أفراد في كل بَند من بنود الجائزة. ويكتب دانيال كوشلاند D. Koshland رئيس تحرير مجلة ساينس: «يؤدي التنافس إلى نجاح غير متوقَّع وإلى بذْل جهد كبير، وهذا جوهري بالنسبة للتقدم السريع في العلم الذي نُزكِّيه نحن جميعًا.»٢٥
البقاء في العلم يتطلب النَّشر. ولكي تدفع الجمعية الملكية في لندن العلماء في القرن السابع عشر إلى البوح بمُعْطَياتهم، استَنَّت قاعدة هي أن الأولوية من نصيب مَن ينشر أولًا، بدلًا من أن تكون من نصيب مَن يكتشف أولًا. ومنذ ذلك الحين يتدافع الباحثون من أَجْل الأولوية في النَّشر. أما الفاشلون تمامًا أو الباحثون الذين يقتصرون على التَّحقق من مكتَشفات عالِم آخر فلا ينالون مَجدًا كبيرًا — على الرغم من أن التَّحقُّق المستقِل مَعتَقد له أهميته في العلم. وبالإضافة إلى هذا، تتنافس المجلات العلمية على نَشر البحث الذي يُزلزل الأُسس. وبينما تنافست مَجلَّتا «نيتشر» و«ساينس» تنافسًا وديًّا عَبْر سنوات، انزعج رئيسَا تحريرهما من محاولات مجلة سل Cell اللحاق بأبحاثهما. وذات مرة، نشرت سل في أربعة عشر يومًا (مقارَنة بالمُدة المعتادة لهما وهي أربعة أشهر ونصف) وذاك لكي تطغى على بحث أجراه فريق مُنافس، وكان على وشك أن ينشر في مجلة «نيتشر». أو أن مُديرِي الجامعة في تَلهُّفهم للحصول على المزيد من تمويل المِنَح، يضغطون على الباحثِين للكشف عن حصائلهم في مؤتمر صحفي وهي لا تزال فَجَّة. حدث هذا في جامعة أوتاه حينما أعلن بي ستانلي بونز B. S. Pons ومارتن فلايشمان M. Fleischmann أنهما توصَّلا إلى «الاندماج البارد».
ويُعلِّق عالم بيولوجيا الأعصاب في جامعة ستانفورد ريتشارد ألدريتش R. Aldrich على المنافِسة الشرسة حول تتابُع قواعد الجينات ذي المغزى في مجال البيولوجيا الجزيئية: «سابقًا، كان العلم تفسيريًّا أكثر. لم يكن يهم كثيرًا أن تكون الأول بل أن تكون الأفضل. ولكن لا يوجد شيء من قَبيل تتابُع القواعد الأفضل.»٢٦ ولكن حتى هذه الأبحاث حول تتابُع القواعد، مع الاندفاع للنشر، غالبًا ما تُعاني من النقص وعن طريق الفاكس يَتغاضى التحكيم المهتاج عن الأخطاء الصغرى في تتابُع القواعد. أما طلبة الدراسات العليا وباحثو ما بعد الدكتوراه والباحثون في المُختبَرات الصغيرة فلهم العذر؛ إذ يُصابون بهذيان جنوني من أن يفوز بالسَّبق عليهم مُختبَرات بحثية كبرى تستطيع تشغيل فريق من الخبراء في معمعان مشروع «مُتَّقد». ومما يثير الانزعاج هذا العدد من الحالات المُوثَّقة لعلماء بارزين، وفي عملهم كمُحكِّمين، نَصحوا مُحرِّري المجلات بعدم نَشْر مقال خاضع للتحكيم، أو نصحوا وكالة المِنَح الدراسية بعدم تمويل مشروع بحث، ثم بادروا سريعًا بتنفيذ هذا المشروع عينه في المُختبَرات الخاصة بهم ونشروه حاملًا أسماءهم.٢٧

بعض مديري الأبحاث قد يشجعون التنافس، حتى في داخل الهيئة. وعلى سبيل المثال، اشتغلت إحدى الباحثات في شركة للتكنولوجيا الحيوية حيث عمل المدير العلمي على إثارة إحدى المجموعات ضد مجموعة أخرى. أخبر كُلًّا منهما، «فلان يعمل في هذا، ولكن لا أعتقد أنه سيستطيع أن ينجزه»، ثم لا يُكافئ إلا الباحث الأول على الوصول إلى نتائج إيجابية. وبالتالي، كان العلماء يَحجُبون المُعْطَيات والمواد العلمية عن بعضهم البعض خوفًا من أن يفوز أحد بالسَّبق، حتى من داخِل مجموعتهم! شعروا بأنهم مَمنوعون من الحديث عن رؤاهم ومُكتَشفاتهم الجديدة. وبدلًا من حشد مواردهم واصطناع دفعة مزيدة من العتاد العلمي للتَّزامل فيه، كانوا يواظبون على المُناقرة حول مَن له الحق في استخدام العتاد العلمي المحدود. وجَدَت الباحثة أن أصعب جانب في عملها يكون «حين يطمع الناس بشدة في العمل الذي يقومون به وليس في التزامل. تَقبُّل هذا أصعب من تَقبُّل الموقف حين تَتحطَّم المُعدَّات». وفي كل مرة بدأت فيها تجربة، كانت تجد أن شخصًا ما استعار كواشفها أو مُعدَّاتها. وحينئذٍ تُضيِّع الوقتَ والجهد في اقتفاء أثرها واستعادتها. وبحكم الطبيعة وجَدَت أن التَّزامل مع الآخَرين هو أكثر الجوانب المُثِيبة في عَمَلِها أَحبَّت «تقاسُم الأفكار والتحفيز الذي يهبه شخص لآخَر؛ لأن الكل أكبر من مجموع أجزائه». من المؤسِف حقًّا أن رئيسها في العمل أوقع عليها الجَزاء؛ لأنها قامت بعمل «مُتآزِر إلى حد بعيد» وذلك بأنْ مَنَحها علاوة ضئيلة وسَلَبها واحدًا من الفَنِّيين. وحينئذٍ حل بِها هذيان الاضطهاد؛ لأنها مُتعاوِنة. رُويدًا رُويدًا أنهكَتْها هذه البيئة، ونالت من رغبتها في ممارَسة العلم، قد تبدو أمثلة من هذا القبيل ضئيلة وتافهة، بيد أنها تعكس الثقل الذي تُمارِسه المُنافَسة النَّهِمة على الحياة اليومية. وصميم كونها من الحياة اليومية يُكْسِبها أهميتها.

كان العلم في الماضي يجنح إلى أن يكون مَسعًى أو هواية لأولئك الذين يمتلكون موارد مالية مستقلة. استطاع الرجال المنعمون أمثال تشارلز داروين أن يواصلوا شغفهم بالطبيعة بلا خوف من فقدان مصادر دخلهم. واستطاع الراهب جريجور مندل أن يقتفي حقائق علم الوراثة في بقعة صغيرة من الأرض. أما في يومنا هذا، كل الباحِثين تقريبًا يُباشِرون العلم بوصفه مِهنة. تعتمد حياتهم عليها. مُجرَّد القدرة على ممارِسة العلم في الولايات المتحدة تتضمن المنافَسة، ما دام من الضروري أن يكون للمرء مَوارد– مَنصب وتمويل ومُعِدات، وفي العادة فَنِّيون، ومساعدون، وطلبة دراسات عليا. هذه الموارد مَحدودة ونفقات القطاع الأعظم من العلم في القرن العشرين تَجاوَزت نفقاته منال الهواة. لاحَظ جِيمس واطسون، الذي نال جائزة نوبل لاكتشافه تركيب الشَّفرة الوراثية [الدنا D.N.A]، أن «الموقع النِّسبي للعالم بين أقرانه ليس فقط تقديرًا للذَّات بل أيضًا هو طريقة حياة العالم».٢٨
إن المنافَسة الشَّرسة للعلم الحديث تَتناقض مع نفسها ما دامت طبيعة البحث العلمي تَعتمد على فروض أساسية حول التعاون المتبادَل والتزامل في المعلومات. وكل اكتشاف بُنِي على أساس مَعارف الآخَرين وتِقاناتهم. وفي فصل يحمل عنوان «التعاون وليس التنافس»، أعلنَت جمعية سيجما ١١ «إن الاعتماد المُتبادَل لأحد العلماء على عمَلٍ لآخرين، والتكامُل مع ما أَقرَّه ونَشره هذا العمل، لهو خاصَّة مميزة للمشروع العلمي بأسْرِه».٢٩ تتقدَّم الملتقيات العلمية والمجلَّات العلمية بالهياكل الرسمية لتبادُل المعلومات. وعلى الرغم من مثال التعاون هذا، تُعزِّز البنية التَّراتُبيَّة الهَرَمية للعلم المُنافَسة. أجَل يتحدَّث بول برج P. Berg بشهامة عن بحثه القائم على أساس عَمل باحثِي ما بعد الدكتوراه والطُّلَّاب في مُختبَره، إلا أنه اقتنص مَجْد الفوز بجائزة نوبل في الكيمياء العام ١٩٨٠م بمفرده. قال:

حين يحظى رئيس عمل مثلي بالتقدير، يعرف كل فرد في المعمل أن كثيرين يُشاركونه في هذا الشأن الرفيع وعلى مدار خمسة أعوام لم أَقُم بأي عمل بَحثِي بيدي. ربما أكون قد بدأتُ العمل أو أرشدتُ إليه، ولكن الطلاب الذين يُؤسِّسون مُستقبَلهم المهني هم الذين قاموا بمُعظَم العمل.

إننا نعمل كوحدة. وفي أغلب الأحوال لا نستطيع تحديد منشأ الفكرة. لقد خضعَت للتكييف والتعديل والتغيير كثيرًا، ومن ثم تَأدَّتْ إلى شيء ما آخَر، وفي النهاية ثَمَّة اقتحام وتقدُّم.٣٠

النظام يضع الطلاب وباحثي ما بعد الدكتوراه في التزام مُزدَوج. مجموعة العمل تُوصف رسميًّا بأنها تعاونية وهذا يحجب استنكافًا مُتفشِّيًا للعمل الشاق مقصودًا تمامًا. إن الارتباط بمهمة مُعيَّنة خارج نطاق الولاء والتَّعهُّد للمجموعة يمكن أن يُكلِّف الباحثين الشُّبَّان مَسارَهم المهني. ولكي يظفروا بموضع في التَّراتُب الهَرَمي لا بد أن يَضطلِعوا بعمل مُستقِل ويَحمل طابع المخاطَرة. وبينما يخبرونهم أنهم يُؤسِّسون حياتهم المهنية عن طريق العمل كوحدة في مُختبَر على شاكلة مُختبَر برج، فإن الواحد منهم من حيث هو عضو في مجموعة لا يستطيع أن يصنع لنفسه «اسمًا» أو يجعل اسمه «لامعًا». وبسبب من مثال التعاون، يَتهاوى علماء كثيرون في ساحة العلم حين يُواجِهُهم واقِع المنافَسة. أو أنهم ببساطة يكتشفون أنهم لا يستطيعون مُمارَسة العلم حُبًّا في العلم، بل من أجْل البقاء.

وها هي ذي جانيت توماس J. Thomas، عالِمة راسخة الأقدام في بيولوجيا الأعصاب وتتولَّى منصب الأستاذ في جامعة كبرى، وجدَت نفسها في مصحة للأمراض النفسية قبل أن تكتشف كيف أن البيئة التنافسية قد تركتْ تأثيرًا معاكسًا عليها، وعلى زملائها.
في خِضَم كل هذا كان ثَمَّة قَدْر كبير من الدعم يأتيني من ناس في القسم الذي أعمل فيه أعرفهم بالكاد، فقد اعتقدتُ أن كل شيء قد حدث كان بسبب خطأ مِنِّي. ذلك أنني كنت الوحيدة المُحبَطة بشأن بيئة عملنا. لكن انقلب الأمر ليتضح أن كل شخص كان يراوده الشعور نفسه، ولكن لا أحد أحس بأنه يمكن أن يَتحدَّث في هذا؛ اعتقَدوا جميعًا أن عليهم التَّنقُّل بين أرجاء العمل كما لو كان كل شيء رائعًا.٣١

خضعت توماس للعلاج والتحقَت بجماعة لدعم المرأة تَضم مساعِدات إدارِيَّات، وباحثات ما بعد الدكتوراه، وطالبات، وأستاذات. أصبح مُختبَرها مكانًا يمكن أن يجد فيه الناس مَشاعر، ويَتحاوروا فيه آمنين، مكانًا يمكن أن يَنجحوا فيه بأن يُثبتوا من دون أن يُعانُوا مثلما عانت جانيت توماس.

وكشأن مؤامرة الصَّمت التي تَمنع الناس من الكشف عن أسرارهم العائلية، نادرًا ما يكشف أعضاء المجتمع العلمي عن الجانب المُظلِم من العلم وبدلًا من أن يجد الناس الخطأ الكامن في النظام، يعتقدون أن عليهم الاحتفاظ بمشاكلهم لأنفسهم، ويَمتثلوا لقاعدة الصَّمت المُتَّبعة. نافِخ المِزمار أعْرَض وسَبَقه الشاكون. حين يغادر شخص ما أرْوِقة العلم، يَصِمه الباقون بأنه فاشل، بدلًا من أن يُعيدوا تقويم النظام المُسمَّم الذي دفَع الشخص إلى مُغادَرة عالَم العلم.

ليست النساء فقط هُنَّ اللائي يُعانينَ من البيئة التنافسية للعلم الحديث. الرِّجال يُعانون بالمِثل. ثَمَّة باحث ما بعد الدكتوراه آسيوي تلقَّى تعليمه في الولايات المتحدة تَرك مَجال فيزياء الطاقة العالية، وقد أجرى مقارَنة بين مسار حياته المهنية وبين الآخَرِين الذين بقوا فيها. يعتقد أنه فشل لأنه لم يَتكيَّف مع الأسلوب العدواني المُفضَّل، ولم يُبادر بمشروع مُستقلٍّ خارِج نطاق العمل المُعيَّن له.٣٢ عالِمة الجو كريستينا كتزاروس قد أثار شجونها عدد الزملاء والزميلات المُقتدرِين الذين تركوا العلم بسبب البيئة التنافسية، السأم من المُنازَلة في كل المَعارك من أَجْل الاحتفاظ بالتمويل لبحوثهم. وهي تَتأمَّل في الأمر:
هناك شيء ما فظ بشأن البيئة التنافسية بأسْرِها. ليس كل شخص قادرًا على التعامل معها. [تتنهد بعمق.] أحسبُني أحاول تدجينها. أنا أنافس، أحيانًا، لكن أحاول ألا أفعل. جعلتُ فلسفتي ألا أقع في هذا الشَّرَك. أحاول أن أكون سَخِيَّة، وأن أشارك. هناك الناس الذين يحفظون الأسرار عن بعضهم البعض؛ لأنهم يَخشَون من أن يفوز شخص ما بالسَّبْق عليهم. أحاول ألا أفعل هذه النوعية من الأشياء. ووجدتُ أنني أربح عن طريق الحديث والإنصات أكثر مما أربحه من الطريق المُعاكِس.٣٣

وفيما هو آتٍ دَعُونا نُلقِي نظرة على الديناميات الكامنة في النَّمطَين المختلفين للتنافس والتعاون، ثم نستكشف كيف أن حاملات لواء الأُنْثَوية يَنْسِجنَ التعاون في مشغل علمهن.

الديناميات الكامنة في التنافس

حين الدخول في لُجَّة العالَم من باب الافتراض المُسبق بنظام التَّراتُب الهَرَمي، حيث كل شخص هو دائمًا فارِس يمتطي صَهوة فَرَس في السباق للوصول إلى مأرب، يُفضِي هذا إلى نظرة للحياة بوصفها سِجالًا، بالمصطلحات الداروينية، البقاء للأصلح. هذه السِّجَالات، في أفضل حالاتها، تُزوِّدُنا بساحة نقارن فيها بين مُقارَبات شَتى. التنافس يُنقِّح عُنفوان الحيوية عن طريق اجتثاث الكائنات الضعيفة أو الأفكار السَّيِّئة. من الناحية الإيكولوجية، يدفع الكائنات العضوية إلى تَكيُّف باهر مع البيئة. من الناحية الاقتصادية، يَستنهض هَمَّ الشركات لتقديم إنتاج بارع، وطَرْح منتجات وخدمات تحقق مَنفعة المستهلِك. في الرياضة البدنية، يدفع اللاعبين إلى تَخطِّي حدود القدرة البشرية. من الواضح أن التَّنافس، في أفضل حالاته، يمكن أن يكون نافعًا.

ما الذي يَقلِب مثل هذا السِّجال البهيج إلى منافَسة تُنشِب أظافرها في الأعناق؟ ما الذي يدفع اللاعبين إلى تَعاطي الهرمونات أو يدفع العلماء إلى تلفيق البيانات؟ هل التنافس والتعاون يَستبعِد الواحد منهما الآخر؟

حين تَفكَّرت في هذه التساؤلات، تَوصَّلت إلى نتيجة مفادها أننا لا نملك كلمات كافية لوصف الأنماط المختلفة من التنافس، وأن الدوافع الكامنة قد تكون أكثر أهمية. وجدتُ لُبَّ هذه الدوافع في ملاحظة يونج بأن الحب والقوة (بمعنى القوة الحاكمة لشخص ما أو لشيء ما) يستبعد الواحد منهما الآخر. وكما ناقشنا هذا الأمر في الفصل الثالث، إذا كان الحب هو الدينامية الكامنة، لن تتدخَّل القوة فيه. والعكس صحيح، ليس للحب دور حين يكون الدافع هو القوة الحاكمة. ومن هذا المنظور، يكون التنافس صحيًّا حين يكتسب طاقته من حُب العمل لذاته، بدلًا من أن يكون التنافس كامتطاء لمركبة تفضي إلى قُوَّة تَتخِذ أشكالًا من قبيل الربح أو المَركز أو المنصب.

حين كنتُ أدير تطوير المنتَجات في شركة صغيرة للتكنولوجيا الحيوية، التزمتُ الحياد بين عالَم العلوم الأساسية، وعالَم الأنشطة الاقتصادية لإخراج منتجات تُحقِّق الربح. ناضلَتِ الشركة في مسائل تمويل البحوث الأساسية التي يمكن أن تُؤدِّي إلى مُنتَجات في المستقبل، في مقابل التطوير الفوري للمنتَجات حتى يمكن أن يكون للشركة نفسها مستقبل. تَفهَّمت تمامًا الاضطلاع بالبحث من حيث هو امتلاك لمعارف تَمنحُ الشَّركة وضعًا تنافسيًّا، في حين أن هذا يتناقض مع رغبة الباحِثين في النشر، ويمنع التبادل الحيوي للأفكار، والمادَّة العلمية مع الرِّفاق خارج نطاق الشركة.

كنا مُشبَّعِين بروح المُغامَرة؛ لأنها كانت شركة علماء شُبَّان منطلِقة. مُتعة الإبداع وأن أوفي العمل حقه برفقة زملاء أكْفَاء صَوْب هدف مشترَك، هذا ألهم الكثيرين منا بالاستبسال في أوقات العمل. بالنِّسبة لي، كان هذا مثالًا للتنافس والتعاون الصِّحيَّين في أفضل حالاتهما. شعرنا بأننا نواجه تَحدِّيًا هو استخدام معارفنا وبراعتنا لإخراج منتَجات يمكن أن تسهم إسهامًا ذا بال في تحسين الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن منتَجاتنا كانت تُواجِه في النهاية منافَسة في السوق، كان عملنا مدفوعًا بحب مُمارَسة العلم ومثلما يعتمل أداء الفريق الرياضي على إسهامات كل عضو من أعضائه، كنا نتعاون بالطريقة المُنسابة نفسها.

يمكن للتنافس الصحي القائم على أساس الحب أن يُلهَم بالإبداع، وأن يُعزَّز التنوُّع والمرونة، وأن يَستنهِض السعي نحو التَّفوُّق، ويدفع الناس لأن يَتجاوزوا ذواتهم.

راقبتْ عالِمة الفيزياء الحيوية سينثيا هَجِرتي الديناميات في مُختبَرها «يمكن التعبير عن الإبداعية في بيئة آمنة وسعيدة، حيث أجواء التعاون والمَرح والبهجة. يتباطأ العمل، إذا تنافَس الناس بطريقة فظَّة، وراح كل منهم يقطع الطريق على الآخَر. يمكن أن يكون التَّنافُس صِحيًّا إذا جرى بأسلوب رهيف خفيف الظل.»٣٤ غالبًا ما يكون المردود الذي يستكفي به بعض العلماء هو مُتعة الكشف والتَّعطُّش لرفع النقاب عن جانِب جديد من جوانب الطبيعة وحُب ممارَسة العلم، وهذا ما ناقَشناه بتعمق في الفصل لثالث.
يتخطَّى التنافس حدوده ليصل إلى دافع القوة ويصبح أكولًا نَهِمًا حين يَفتُّ في عَضُد التعاون ويَحُول دون استطاعة شخص آخر مُمارَسة العلم الجيد.٣٥ أجَل التنافس القائم على دوافع قوة التحكم power-over مثل الطموح إنما يستنهض تنشيطًا للتنوع في مقارَبات المَشاكل، لكنه في مَعرِض هذا يُؤدِّي إلى تبديد الجهد المُضاعَف، أو إلى الأخطاء والنَّشر العَجول لبحث لم يكتمل بِشكل مَرَضي، أو إلى الغش في الاندفاع إلى النشر.٣٦ وفضلًا عن تبديد الوقت والجهد والموارد المادية، الذي يبدو أكثر وضوحًا، ثَمَّة استنزاف هائل للطاقة النفسية، التي كان من الممكن بدلًا من هذا استغلالها في الإبداع. وبعد فترة وجيزة يغدو الكثيرون واقِعِين في شِراك الاعتياد على التنافس. دائمًا في انتظار النِّزال التالي، لا يَرون إلا العدو، في بعض الأحيان حتى بعد أن «يستسلم» العدو. وحفاظًا على طاقتهم، يُوصِدون أبواب الوعي بالحياة في وجه كل ما يَتجاوَز الصراع.

ربما كان التنافس كقوة تَحكُّمية هو استجابة لخوف كامِن من ألا يكون المرء كفؤًا بقدر كافٍ، ويُسفِر هذا عن الاحتياج إلى نَوال التصديق عن طريق إحراز فَوز. ينحسر العلم، مع الحاجة إلى الفوز «بِغضِّ النَّظر عمَّا هو هذا الفوز»، الحاجة إلى الإطاحة بشخص ما آخَر، لكي يكون المرء مَعترَفًا به، لإثبات الذات، لكي يكون مذكورًا. ومن أَجْل المنافَسة الجيدة في ظل هذه الظروف، لا بُدَّ أن يُخفِي العلماء الجانب الشخصي منهم، ويُوصِدون أبواب نفوسهم في وجه التعاطف مع الآخَرين. هذا الجانب الفظ من التنافس يَخون الثِّقَة ويُمارِس انتقاء مضادًّا للكائنات البشرية التي هي قابلة للانجراح ومُتفتِّحة. إنه يجعل الباحِثِين يُحجِمون عن البحث عن المعونة، وعن التَّقاسم السَّخِي لأفكارهم وعملهم.

دينامِيَّات التعاون

يحمل كتاب ريان آيزلر R. Eisler «كأس الزهرة ونَصْل السَّيف» توصيفًا لبحث في المجتمَعات الأوروبية الأمومية من ٧٠٠٠ إلى ٣٥٠٠ق.م. التي كانت قائمة على نموذج المُقاسَمة التعاونية لقوة المشارَكة power-with، بدلًا من نموذج الهيمنة لقوة التَّحكُّم power-over. في هذه المجتمَعات لم يُصنَّف نصف البشر بوصفهم أعلى من النِّصف الآخر ولا «[كان] الاختلاف يُعادِل التَّفوُّق أو الدونية. لقد ساد اتجاه الترابط، بدلًا من اتجاه التصنيف. أما في ثقافتنا، ففي وقت مُبكِّر يتعلم البنون التَّنافس، بينما تَتعلَّم البنات التعاون. ووفقًا للقالب النَّمطي الشائع، تَلعَب البنات لعبة المنزل أو يلعبن بالدُّمَى، بينما يَنهمِك البنون في مُنافَسات الألعاب الرياضية. من الناحية التقليدية، تَجمَّعَت النساء معًا في دوائر للحياكة، وتضريب الألحفة والأغطية، وصُنع المُخلَّلات وتعليبها، وغسيل الملابس، ورعاية أطفالهن. وكما أوضَحْنَا في الفصل السادس، الدائرة رمز الأُنْثَوية، وترمز أيضًا للمُلتقَى التعاوني بين المُتساوِين. يُفضِّل حاملات لواء الأُنْثَوية أن يكن مُتَّصلات متعاونات ومرتبطات. إنهن يَهَبن الأخريات دَعمًا في وقت الحاجة، ويحتفلنَ بالنجاح الذي تُحرِزه أية مِنهنَّ.»٣٧
يُشير بَحْث أجراه مارتن هورنر٣٨، وفيليب شيفر٣٩ إلى أنَّ تعلُّم النساء في البيئة التعاونية أسهل من تَعلُّمهن في البيئة التنافسية. وبينما قد يزدهر الطلبة الذُّكور في إطار التنافس، فإن الطالبات يُفضِّلن المَواقف التي يفوز فيها كل شخص حيث يكون أداؤهن أفضل. وتأتي سو روسر في كتابها «العلم صديق الأنثى: تطبيق مناهج دراسات ونظريات المرأة لاجتذاب الطالبات»٤٠ لتقترح التأكيد على قاعات الدراسة التعاونية ومناهج المُختبَر التعاونية بغية أن نجعل العلم أكثر جاذبية للإناث.

في ثقافتنا التَّراتُبيَّة الهَرَمية (الهيراركية)، غالبًا ما نُسيء فَهْم التعاون لنجعله يعني الاتباع المطيع لشخص ما آخَر هو القائد. ولكن، مع تقدير قيمة الاختلاف، يغدو التعاون عملية أَخْذ وعطاء فعالة بين النُّظراء. وحين تَبُث روحُ السخاء الطاقةَ في أعطاف التعاون، يُؤدِّي إلى الإبداع عن طريق السوانح التي تخطر في الذهن. ويزيد من الكفاءة عن طريق المشارَكة في الموارد المادية والمَسعى الجماعي. التعاون مُترامِي الأطراف وشامل. يستنهض شَبكة عمل بين الزملاء وبين المهارات المُتكاملة، يدعم مقارَبة متعددة السُّبل للمشاكل، ويُفسِح المجال أمام استخدام الموارد والطاقة استخدامًا ذا إنتاجية أعلى.

إن «شبكة الخِرِّيجين» إحدى مؤسَّسات العلم التعاونية المشهورة. تدعم مُنتدَياتُ الخريجين أعضاءها، بوصفها منظومة اتصال غير رسمية، وذلك بأن تَمدَّهم بالتوصيات وإمكانية التوصُّل مبكرًا للمعلومات. وتُعدُّ فرصة الظَّفر بالالتحاق بشَبَكة الخِرِّيجين إحدى المزايا التي تَجنيها مِن وَضْعك كطالب أو باحث ما بعد الدكتوراه في مُختبَر مَهيب. ولسوء الحظ، يصعب اقتحام هذه المنظومة بالنِّسبة للنساء والطلبة الأجانب أو أولئك الذين يَتدرَّبون في المُختبَر ولا يَشغلون موقعًا في خريطة عمله. يجب أن يكون للأعضاء ثِقَلهم، لكي يَنضمُّوا إليها. إذا لم يكن لهم هذا الثِّقل، فسوف يَسقُطون من الشَّبَكة.

غالبًا ما تقتصر حدود السخاء الذي تجود به شبكة الخريجين على مَنْح الباحثين الشبان فرصة؛ التوصية بهم ليقوموا بالتحكيم في المجلات ودعوتهم لحضور مُلتقيَات علمية مختارة. وأيضًا قد يقوم أعضاء هذه الشبكة بتزويد الأطراف المَعنِيَّة بنُسخ من مطبوعاتهم قبل صدورها ودون أن يَطلبوها. ولما كانَت المجلات العلمية تَصدر عادة متأخِّرة عامًا أو عامين بعد إنجاز البحث، فإن المَعرفة مُقدَّمًا بآخِر النتائج سوف تكون ذات أهمية كبرى لمسار برنامج البحث. كما يمكن أن تفيد شَبَكة الخريجين في أداء دور رعاية الطلاب والباحثين، فتيسر تقديمهم إلى كبار العلماء، وتزودهم بهيئة ذات حول للوصول لمناقَشة النتائج التجريبية .

وثمة أيضًا قانون غير مكتوب في العلم، ليس كل شخص يطيعه، وعلى الرغم من ذلك يلزم الباحثين بتقديم الموارد المادية (من قبيل أجسام مضادة، أو نسيلات معيَّنة غير متاحة تجاريًّا) قد تكون ضرورية لشخص آخَر من أَجْل إعادة إجراء تجربة منشورة. وتقديم هذه الخدمة يُكلِّف أحيات أموالًا طائلة.

وبينما تكون المشارَكة في الموارد المادية والمعلومات أساسية في العلم، فغالبًا ما يجري حساب حدود الأخذ والعطاء، وتُقاس العملية بما يَتوقَّعه الآخرون. قد يعطي الباحثون فقط بما يكفي لوضعهم في الصورة، ويَحجُبون المعلومات أو الموارد المادية المهمة فقط لأنفسهم، ولا يشاركون إلا بما يَعتقدون أنهم قادرون على مَنْحِه أو لن يفقدوه. لن يَتخلَّوا عن جانِب من المشروع إذا اعتقدوا أنهم قد يَظفرون بطائل من ورائه. يجب أن يجد كل باحِث المَوطن الخاص به. ومن أكثر من زاوية، يبقى هذا النوع من المشارَكة مجرَّد استراتيجية أخرى للفوز.

إن التزامل عنصر جديد تأتِي به الأُنْثَوية. حين الولوج من منظور الترابطية، يُقارِب الباحثون العالَم بوصفه شَبَكة من الاتصالات، ويتقاسمون المعلومات بحثًا عن التأييد والدعم وعطاء لهما. تنبثق هذه المقاسَمة عن حماس للكشف وحب للعلم. يَزدهر التعاون مع السخاء والثقة. إنه يُؤدِّي إلى مجتمع يمكن فيه رعاية الأفكار والاحتفال بالمكتَشَفات. التعاون القائم على السخاء يعني أن تُعطِي الآخَرِين معلومات مُفيدة تساعدهم على النجاح، بما يَعلُو ويَتجاوز حسابات هات وخُذ.

باولا سزكودي P. Szkody مِثلُها مثل معظَم الباحثين في هذه الأيام، تجد من غير المعتاد أن تَنشر بحثها بنفسها. ولأنها عملتْ في مجال تعاوني تمامًا مُتعلِّق بالفلك، فقد عَملَت بسخاء مع خمسة زملاء و/أو طلبة دراسات عليا تَعشق تبادُل الأفكار والمعلومات، وتزدهِر بالتفاعل مع الناس عَبْر أرجاء العالَم. تجد هذا يحمل مردودًا شخصيًّا ومثيرًا؛ لأنهم يَصلون دائمًا إلى اكتشافات جديدة. لاحظَت سزكودي عَبْر مسارها المهني، مُستويَين مُتمايزَين للتعاون في تفاعلها مع الزملاء:
في وقت باكر من مَساري المهني عملت في مشروع مع امرأة ورجل في جوانب مختلفة من منظومة مُستجَدَّة. وبعد أن قام كل منَّا باختزال مُعْطَياتنا، دعاني الرجل وسألني ما إذا كنتُ سأنشر بحثي فورًا أم سأنتظر؟ قلتُ، «حسنًا، أنا لستُ مُستعِدَّة لهذا بعدُ؛ لذا فالأرجح أني سأنتظر.» قال: «لا بأس.» ثم دَعتْنِي المرأة بعد أسبوعين من هذا، وقالت: «يجب أن تَضطلعي فعلًا بهذا الأمر؛ لأنه على وشك أن يُنشر نتائجه». هكذا كانت معالَجَته للموقف فقط بأن يقول: «ماذا ستفعلين؟» ولم يَنصحْنِي، بينما قالت هي إننا يجب أن ننجز البحث معًا لكي نَتلقَّى تقديرًا متساويًا. أعتقد أن المرأة تميل إلى أن تكون أكثر عونًا للزملاء الأقل خبرة وتنصحهم. أما في عالَم الرِّجال فإن الأمر أكثر حسمًا وجفافًا، التركيز على المشكلة المُلِحَّة أكثر من العناية بكل فرد من ذوي الصِّلَة بالأمر.٤١

إن الاعتراف بالفضل أحد المسائل الرهيفة في التزامل: مَن سوف يُضَمَّن اسمه كمؤلِّف للبحث، ومَن سوف يُزجَى له الشكر والعرفان، مَن سوف يُعتَرف بفضله في الموارد المادية أو في الأفكار. يَشعر بعض الباحثين أن الشكر والامتنان لآخَرِين سوف يُهوِّن مِن شأن دَورِهم، أو يَبخَس أهميتهم. يعكس كل بحث سلسلة من القرارات تتعلق بكيفية تقدير المؤلِّفين لإسهامات أعضاء فريق العمل. كما يكشف الاعتراف عن مَشاعر الآخَرِين. عادة ما يقتصر المؤلِّفون على العلماء الكبار، مع إزجاء شُكر في الهوامش لأولئك الذين راجعوا المخطوطات. أما الفَنِّيون فقد يُعتَرف أو لا يُعتَرف بفضلهم، ونادرًا ما يكونون مُؤلِّفين. أما العامِلون في السكرتارية، وتنظيف أدوات المَعمل الزجاجية، ورعاية حيوانات التجارب وبقية طاقم المعاوِنين، فنادرًا ما يَذكُرهم أحد. بعد مُشاهدة السينما في إحدى الأمسيات، راقبتُ عدد الناس الذين جرَى الاعتراف بدورهم بأن اصطفَّتْ أسماؤهم على الشاشة، كل شخص من النجوم إلى المُخرج إلى رجال الحِيَل الخَطِرة، ومُلاحِظي العمَّال، ومُصفِّفِي الشَّعر، ومُتعهِّدِي إعداد الولائم … كل شخص لاقَى اعترافًا بالعمل الذي قدَّمه. وكنتيجة لهذا؛ يرى المُشاهد كيف أن جهدًا تعاونيًّا هائلًا يخلق العمل السينمائي، وكيف أن كثيرين وهَبوا المشروع قبسًا من روح الحياة فيهم. يمكن أن يتعلم العلماء درسًا من هذا.

إن الاعتراف السَّخِي بالفضل يُضفِي روح التَّماسك على المجموعة. يهب كل فرد إحساسًا بالإنجاز، والفَخْر، والتَّملُّك، والانتماء. إنه يُنعش الابتهاج بالعمل والتَّحمس له. وتنبعث الطاقة في جوانح الأعضاء عن طريق الإحساس بقوة المشارَكة ما دامَت الأفكار تخطر بذهنهم وهُم معًا ويَعملون سويًّا، وفي الطَّرف الآخَر من هذا المتصل، نجد التنافس النَّهِم يُؤدِّي إلى التحفُّظ والانعزال، وهذيان الاضطهاد والانحصار. في بعض الحالات، يُحْجِم الباحثون حتى عن كشْف كل البيانات المطلوبة لكي يقوم آخَرون بتكرار عَمَلهم، وبهذا يُحرِزون قَصَب السَّبَق عليهم.

بهجة التَّزامل

تقريبًا كل العالِمات اللاتي قابلتُهنَّ عَيَّنَّ التَّزامل بوصفه أحد مَسرَّاتهنَّ الكبرى. مثلًا، حين سألتُ فيزيائية تدرس السُّحب عن شد ما يمتعها في العلم، قالت بتحمُّس:

أفضل شيء حين تَدخلين مكانًا وتتزاملين مع شخص ما لتَشعُرا بالاستثارة سويًّا. أحسب أن هذا شَدُّ ما يرفع المعنويات. إنكِ تُفكِّرين في الأمر طوال الوقت، تفكرين فيه قَبْل الذهاب إلى النوم، تفكرين فيه وأنتِ في محل البقالة. أُحِب التزامل. كما أشعر أن الجانب الأكبر من العمل يكون أفضل بشكل لا محدود إذا تَزاملتُ فيه مع شخص ما.

يَتَّجه تزامُلها إلى أن ينمو نُموًّا عضويًّا ناشئًا عن اهتمام مُتبادَل بمشكلة ما. وعلى سبيل المثال تَتذكَّر:

بدأ التزامل ها هنا في الحَرم الجامعي حين ذهبتُ لاستعارة كتاب من أحد الزملاء، وكان يُحيِّره أمْر ما. وقَفْنا على سبورته وقال: «هذا الأمر لا بُدَّ أن يَسير هكذا، أَجَل لا بُدَّ يسير هكذا.» عدت أدراجي وتفكَّرتُ في الأمر وعاودتُ الاتصال به، وأذكر جيدًا أن الوقت كان عصر يوم جمعة مطير، ثم أمضينا إجازة نهاية الأسبوع بأسْرِها نتفكر في الأمر، ومع حلول يوم الاثنين كنا مُتزامِلَين.

تجد إحدى المهندِسات أن التعاون أساسي لعملها: «من دون التعاون، لن يُنجَز أي شيء أبدًا، لا شيء البتة. إحدى فلسفاتي هي، لا تُحاوِلي أن تكوني تابعة ولا قائدة، فقط كوني متزاملة. وهذا أساسي بشكل مُطلَق بالنسبة لصميم كَينونَتي».

في مُقابِل عَجز وقصور التفاعلات التقليدية بين العلماء التي تتم في إطار مُجزَّأ ومُتراتب هرميًّا، نجد دافيدا تلر D. Teller، وهي خبيرة عالمية في إبصار الأطفال، تلقي الضوء على إطار شبكة عمل جانبية. تَفخَر تلر بدعم التعاون في جماعة دولية للبحث والدراسة. قالت:
هناك جماعة دولية من الناس الذين اهتمُّوا جميعًا بإبصار الأطفال في أمدٍ مُعيَّن وقد باتَت جماعة تعاونية بشكل ملحوظ، ويحلو لي التفكير في أنَّني صاحبة أيادٍ في جعْلها على هذه الصورة. وعلى الرغم من أن ثَمَّة بعض المُساجَلات بيننا، وأنها قد تكون مُوجِعة، فإنَّا جميعًا أطراف في اتصال مفتوح دائمًا. لديَّ بالفعل حس قوي بالاحتياج إلى التعاون، وأعتقد أن هذا غالبًا ما يكون أفضل مقارَبة للتقدُّم في العلم.٤٢

ومن خلال مُقارَبة تلر التعاونية، اجتذبت مجتمَع طب العيون المُحافظ حتى استطاع أن يتخلص من أُطُره الإقليمية وراحوا يَتطلَّعون إليها (بوصفها عالِمة متخصصة في العلوم الأساسية) علَّها تستطيع حقًّا أن تساهم بشيء ما. والآن تُستعْمَل مناهج تلر للاختبارات البصرية في العيادات لاكتشاف ما إذا كان بصر الطفل يَرتقِي بصورة طبيعية.

وفي الاستجابة لفلسفة السَّخاء والترحيب بالمُشارَكة عند عالِمة الجَوِّ كريستينا كَتزاروس، يميل كثيرون من الزملاء إلى التراجع ليَجنُوا تزاملًا معها. يتضمن هذا التزامل ما هو أكثر من تبادُل المعلومات عَبْر الهاتف أو إرسال مادة علمية عَبْر البريد. كثيرًا ما تقضي كَتزاروس وزملاؤها أسابيع في عَرْض البحر سويًّا يَضعُون الطافيات ويجمعون منها المُعْطَيات. رجال كُثر يَستبعدون النساء من التزاملات، إما عن وعي أو عن غير وعي؛ لأنهم لا يشعرون بالارتياح للعمل معهن. ولأن كَتزاروس تكون أحيانًا المرأة الوحيدة على ظهر السفينة، فإن الأمر يتطَلَّب «أناسًا ذوي عقول متفتحة» لكي يريدوها معهم. إنهم يبحثون عنها؛ لأنها تُقدِّم إسهامات ذات مَغزًى للعلم تمتد التزاملات معها عَبْر أرجاء العالم وتَدوم عقودًا من السنين. وحين عَملتْ كَتزاروس في القمر الصناعي، تزامَلَت مع باحِثين في فرنسا والاسكندينافيا، ومؤخَّرًا، ذهبت إلى ليبسون لبضعة أسابيع لكي تقوم بالتدريس من أجل زميل ساعدَها في مشروع عام ١٩٧٩م.

من الواضح أن التعاون يَنهار حين لا يضطلع كل فرد بالعبء المَنوط به. وثمة أيضًا خطر الإفراط في التخصص الدقيق تفاديًا للتنافس، ثم الانقطاع في الصومعة لتركد المياه. وما هو أكثر دهاء، أن التعاون ينهار حين لا يحترم المتزاملون مواهِب وجهود كل شخص آخَر. يعود بنا هذا إلى نظرية يونج في الأنماط النفسية كما نُوقِشَت في الفصل الثالث. الشخص ذو النمط الحدسي الذي يرنو إلى الأفق ويتَلقَّى ومْضَة حدسية، أو الشخص ذو النمط الشعوري الذي يُنصِت إلى وَجيب المشاكل المُشترَكة بين أشخاص البشر الذين يعملون في المُختبَر، غالبًا ما يُعتَبران على شيء من الحماقة. أو يحدث في بعض الأحيان أن ننظر إلى «العمل ذي الصخب والضجيج» على طاولة المُختبَر بوصفه أقل أهمية من الجهود التي يبذلها شخص يقوم بتصميم التجربة الأنيقة أو تحليل المُعْطَيات. قد نتصوَّر أن الشخص الذي يجول حول طاولة المُختبَر، ويتأمل المُعْطَيات لا يقوم بعمل جادٍّ كالذي يقوم به شخص يَنهمك في جمع عَيِّنات من ميدان البحث. والحق أن الاستبصارات التحليلية ليسَت أكثر ولا أقل أهمية لنجاح المشروع من الجهود التي يبذلها شخص من أَجْل العناية بمشاعر أعضاء المجموعة حتى يستطيعوا أن يواصلوا معًا العمل بصورة منتِجة.

يَحتفي المتزاملون الناجحون بتنوُّع السبل التي يسهم بها رفقاؤهم. إنهم يرفعون آيات التقدير للآخَرِين حين يطرحون أفكارًا ومنظورات نيرة ومُستجدَّة، أو يُقدِّمون للبحوث موارد مادِّيَّة نادرة، أو يتقاسمون المُعدَّات باهظة الثمن أو الخِبرات الفَنِّية، أو يقومون بالعمل الشاقِّ على طاولة المُختبَر، أو بمراقبة ميدانية مُمْعِنة، تحليل فئة معقدة من المُعْطَيات، التأليف بين المُعْطَيات الآتية من مصادر شتى، أو يعرضون النتائج في أحد الملتقيَات عرضًا مُبينًا.

وفي مواجَهة التنافس السائد في عصرنا هذا، أفصحَت سيجما ١١ عن دَور مهم عليها أن تقوم به. تؤكد سيجما ١١ بوصفها الجمعية الشرفية للبحث العلمي على مَيزات التعاون بين مَجالسها ومُنتدياتها، الذي يربط بين الأفراد والأقسام والمعاهد. إنها تَستحِث مَجالسها على «القيام بدور الحافز المُنشط للاعتراف بأن المَوارد محدودة والمهام جسيمة، وأنه إذا استفاد أحد المَعاهد بشيء ما فليس من الضروري اعتبار المَعاهد الأخرى قد حُرِمَت منه».٤٣

لحُسن الحظ، يفلح مُتزامِلون كثيرون في أن يجعلوا المنفعة لكل شخص. وبينما يَتفشَّى التنافس في مِضمار البيولوجيا الجزيئية، فإن التعاون هو القاعدة في مَجالات أخرى أقل شعبية من قَبيل العلوم الجوية، حيث يجد الباحثون مشاكل فوق الكفاية لينشغلوا بها قبل أن يتدافعوا ويُزاحموا بعضهم البعض. تُخبرُنا عالِمة متخصصة في فيزياء السُّحب كيف أنهم تَجنَّبوا التنافس وحَشدوا مَصادرهم في الجامعة:

بمجرَّد أن تَحدَّث الناس معًا، اكتشفنا أن أربع أو خمس مجموعات قد أُرسِلت بعيدًا من أجل بيانات القمر الصناعي عينه، ليقوموا بعمل ضخم لتشغيله، ومُحاوَلة الإجابة على الأسئلة نفسها. وبالتالي اتَّخذْنَا قرارًا بَعقد حلقة دراسية مُصغَّرة مرة كل أسبوع، حيث ينبري أحدُنا قائلًا: «هذا ما أُخطِّط لعمله، وهذا ما أفعله الآن، وتلك هي البيانات التي أسعى للحصول عليها». فيقول آخَرون: «آه، حسنًا حينما تحصل عليها يُسعدني أن أراها أنا الآخَر، أو دَعْنا نحشد مَواردنا معًا ونستأجر مُبرمِجًا للحاسب الآلي» أو لعلنا نقول: «رباه، هذا ما كنا بصدد أن نفعله. دَعْنا نَستطلِع الأمر. ماذا لو عملتَ أنت في هذا المِقياس، وعملتُ أنا في ذلك المقياس؟» وحين نحشد مَصادرنا سوف نتَلمَّس الطريق معًا، الطريق السائر قُدمًا. من الواضح أن هذا في صالِح كل شخص، وعلى الرغم من ذلك قد تذهب أحيانًا إلى أحد المُلتقيات، ويعرض أحدهم بحثًا نَيِّرًا كنتَ قد فكَّرتَ في إجرائه لكن لم تتأهَّب لذلك بعد. لكنك تأمل أيضًا في أن يَجرِي من اتجاه آخر.

بمزيد من الحيوية والحبور يَصف الفلكي روبرت لوينشتين R. Loewenstein من جامعة شيكاغو مقرابًا [= تلسكوب] جديدًا يبلغ القُطر فيه ثلاثة أمتار ونصف (رابع أكبر مقراب في قارة أمريكا الشمالية) تتولَّى تشغيله هيئة مالية لتقديم المُساعَدات مُشترَكة بين خمس جامعات. وما هو استثنائي حقًّا أن هذا هو أول مِقراب «للرصد عن بُعد». إن المُستخدِمين يُديرون مَرصَد أبيش بوينت بنيو مكسيكو بأَسْرِه وهم قابعون في جامعتهم الأم عن طريق حاسبات ماكنتوش الآلية، وهاتف المِعدال modem فيها. إن استبعاد الحاجة للسفر إلى المَرصد البعيد يُوفِّر قدرًا هائلًا من الوقت والجهد، وفضلًا عن هذا تُعزِّز تيسيرات أبيش بوينت التزامل. أجَل شَخْص واحد هو الذي يُوجِّه المقراب في الوقت المَعني، وعلى الرَّغْم من هذا يستطيع أي عدد من الطلاب والباحثين عَبْر أرجاء القُطْر التواصل معًا، و«اختلاس النَّظر» إلى الرصد سويًّا. وإذ يسير الرصد قُدمًا وتتكشَّف الصورة على شاشاتهم، يَتبادَل الباحثون الحديث وهم مُستَثارون بما يرونه، ويَحشدون خبراتهم وأفكارهم معًا. والواقع أن طليعة المُشغِّلِين وجَدوا عددًا كبيرًا من الرسائل تَتدفَّق جيئة وذهابًا بين النَّاظرين حتى إنهم أعادوا تصميم قِطَع شاشة المشاهَدة كي يُوسِّعوا فضاء الحوار. وفضلًا عن هذا اتصلوا بالقُبَّة الفلكية هنالك [معروفة باسم قبة آدلر] حتى يستطيع الجمهور رصد العروض ذاتها التي يراها الفلكيون. بهذه الطريقة يستطيع الجمهور أن يرى كيف يُقارِب العلماء تجاربهم.

مَخاطر التزامل

لأن نساء كثيرات يبتهجن بفعل التزامل، نجد أكثر أعمالهنَّ أهمية قد أُجْرِيت برفقة آخَرِين، في العادة برفقة رجال، ما دامت النساء تَظل أقَلِّية في العلم. وعن هذا نشأَتِ الخرافة المُلِحَّة القائلة إن النساء عاجزات عن الإبداع الخلَّاق. ربما كان النمط الطبيعي للمرأة نمطًا تعاونيًّا، ومع هذا يَغلِب تصوُّر المرأة في الأنشطة التعاونية بوصفها عالَةً على أولئك الذين يَقفون على أطراف العلاقة، بدلًا من تَصوُّرها كرفيق مُتساوٍ في العمل. ولسوء الحظ، النساء قد يَجدن أنفسهن، كما حدَث لصديقة لي في شركة التكنولوجيا الحيوية، واقعات في قيد مُزدوَج إذا تَزامَلن، ينظر إليهن بوصفهن عاجزات عن البحث المستقل، وإذا عَمِلن باستقلال، يَفقِدن بهجة ومنافع التفاعل مع الآخَرين.

وحتى في آونة حديثة عَبَّر بعض الناس بصراحة عن هذه النظرة القائلة إن النساء غير قادرات على العمل الخلَّاق. وثَمَّة المثال الذي ذكرته سابقًا عن رجل هو فيزيائي مشهور يقول: «إذا كنتُ قد تزوَّجتُ من بيير كوري، لكنتُ سأصبح ماري كوري.»٤٤. منيت سو كيلهام S. Kilham المتخصصة في علم البحيرات بهذا الانحياز بطريقة خصوصية للغاية. حين ترَّمَلتْ وهي في شبابها، تقدَّمتْ لشغل منصب في جامعة دريكسل، على الرغم من أنها كانت أستاذًا باحثًا لمدة ثمانية عشر عامًا، رأت الجامعة أنها لم تَختبِرها بصفتها الشخصية؛ لأن زوجها كان عالمًا إيكولوجيًّا شهيرًا. أرجأت الجامعة تولِّيها للمنصب عامين على الأقل «على سبيل الاختبار».٤٥

طبقًا لقواعد التَّراتُب الهَرَمي، لا يستطيع الأساتذة المساعدون الشُّبان من مُختبَرات كبيرة، ذات نفوذ ومَهابة، أن يتزاملوا مع باحِثِي ما بعد الدكتوراه، ما لم يكن الباحثون الشُّبان حقَّقُوا بالفعل صيتًا «يُدوِّي كالطبل». يجب أن يثبت الأساتذة المساعدون استقلالهم، لكي يظفروا بالمِنَح الدراسية وتَولِّي المناصب. التزاملات مقصورة على الباحِثِين الذين لا يزالون «براعم». ها هي عالِمة بيولوجيا الخلية إيمي باكن قبل أن تحصل على الترقية إلى منصب أستاذ في قسم علم الحيوان بجامعة واشنطن بفترة وجيزة استهَلَّت تزاملًا مع عالِمة في البيولوجيا الجزيئية لكي تُنمِّي خِبرتها ببيولوجيا الخلية التطورية. لقد كان لديها مِنحَتان دراسيتان والعديد من أبحاث ما بعد الدكتوراه ونفر من طلبة الدراسات العليا، وعلى الرغم من هذا سَحَق ذلك التَّزامل ترقيتها:

بينما أحرز زملائي الذُّكور نقاطًا ذات مفعول سِحري طيِّب؛ لأن لهم تزاملات، تكدَّرتُ أنا لهذا. وقبل أن يُصوِّتوا توًّا، رفع ذلك الرجل عقيرته قائلًا على حين غرة: «حسنًا، أنتم تعرفون أن البيولوجيا الجزيئية ميدان جديد بالنسبة لإيمي، وفي الواقع أشعُر وكأنَّنا يجب أن ننتظر ريثما تكون قد نَشَرتْ بعض الأبحاث من دون اسم المتزاملة». فماذا تستطيع أن تفعل؟ لقد تزاملَتْ مع شخص ما. أنت لا تستطيع أن تذهب وتنشر المُعْطَيات بشكل مستقل بك! وهكذا شعرت بأنني أحترق فعلًا.٤٦

في بعض الجهود التي تَتطلَّب فريقًا للعمل، تشعر نساء كثيرات بأنهن مُغيَّبات. وتَصِف عالِمة بيولوجيا البحار ربيكا هوف سيناريو متواترًا في مُلتقَيات مجموعة مُختبَرها. على الإجمال، ناقشَتْ هوف وزملاؤها الرجال المُعْطَيات والتأويلات بتعمُّق بينما كانوا يَعملون معًا. أَحبُّوا بعضهم البعض وكانت بينهم علاقة عمل طيبة. في مُلتقَيات المجموعة، يُقدِّم كل منهم تقريرًا عن ملاحَظاته. تقول هوف بمزيد من السخط:

قد أقول شيئًا ما وأُحرِز هدفًا، ثم لا يكون ثَمَّة أية استجابة مطلقًا. وبعد ذلك قد يعيد رجل هذا الذي قُلته فيهتف كل شخص مُعبِّرًا عن الدهشة والإعجاب. إنه رجل ملء البصر ويتحدَّث بصوت جهوري مُدوٍّ، وهذا ما يتوافق معه الناس. تحدَّثْنا في ذلك، وقال إن مجمل الطريقة الذُّكورِيَّة في التواصل هي التَّظاهر بالسُّلطة، حتى ولو لم يكن ثَمَّة سُلطة. بيد أني لا أستطيع أن أهتف بهذه الطريقة. إنا مُجرَّد مناقشة غير رسمية إلا أن أحدًا لا يُصغي.٤٧

لا تملك هوف صوتًا جهوريًّا مُدوِّيًا، ولكنها لتتحدث بحس السُّلْطة الداخلية، بَأبْعَد ما يكون عن صوت الفتاة اليافعة الناعم الخَفيض. وعلى الرغم من أن زملاءها صَدَّقوا على ملاحَظاتها وأفكارها حين أعادها الرَّجل، شَعرتْ بالإحباط؛ لأن أحدًا لم يستمع إليها في المرة الأولى. وكذلك شَكَتِ امرأة مُتخصِّصة في علوم البحار، «أريد أن أكون مسموعة من دون أن أضرب بالذوق العام عُرْض الحائط. لقد تَعلَّمتُ أن أقاطع الناس وأعترض مَسار حديثهم، وإني لأمقُت ذلك. ويا له من تَوتُّر في أن تحارب دائمًا لمجرَّد أن تَتحدَّث. وبالمثل، قال رهط من الرجال الذين يتحدثون بكياسة إنهم يواجهون صراعًا مماثلًا.

للعلماء كينونتهم الذاتية وهم يعملون بمنتهى الجِدِّية. ويريدون شيئًا من التقدير في خاتمة المَطاف. على مدار الأعوام، تراكمتْ مع عالِمة الجَو كريستينا كَتزاروس بيانات حول إشعاع الغُلاف الجَوي من عدة خطوط عَرْض مختلفة. وعلى الرغم من أن هذه البيانات كالخُبْز والملح بالنسبة لعلماء الأرصاد الجوية، فإن وكالة التمويل لم تُموِّلها إلا بشيء من التَّقتير؛ لأن هذا العلم بدا رتيبًا. وأبدى واحد من السادة المسئولين ملاحظة زائفة مفادها أن كَتزاروس كانت تُقدِّم نوعًا من الخدمة، وكأنه يَردُّ عملها إلى مقام الخادم. والواقع، أن هذا الشخص نفسه قد طلب منها الإسهام في إنجاز برنامج القياس. يجب أن تُحارِب كَتزاروس من أجْل الاعتراف بقيمة عملها، رغم أن علماء كثيرين استفادوا من البيانات:

الناس يأتون دائمًا لاستعارة البيانات. يحدث أحيانًا أن ينسوا أن يقولوا من أين جاءوا بها، لا أحب هذا، لكنه يحدث. والآن تَعلَّمتُ أن أطلب الدفاع عن حقي وأقول: «من فَضلِك سجِّل في بحثك من أين أتيتَ بهذه البيانات». يمكنك أن تخبرهم بهذا أخيرًا بعدُ أن يرسلوا إليك المخطوطة. لن أكون مجاملة أكثر مما ينبغي بعد هذا. ويدهشني كيف تكون المجامَلة والأخلاقيات نوعًا من الهلاك. إنك تأمل أن تلقى التقدير من دون أن تَدقَّ لنفسك الدفوف. وهذه مسألة حسَّاسة للغاية. لقد رأيتُ شخصين فقدوا الصداقة بينها تمامًا، وهما شخصان الأحرى أن يكونَا قريبين من بعضهما، إنهما الشخصان الوحيدان اللذان يَفهمان الموضوع نفسه.٤٨

سألني نَفَر من طلبة الدراسات العليا وباحثي ما بعد الدكتوراه، تُمسِك بتلابيبهم ضغوط التَّنافس، ما إذا كان التعاون يمكن أن ينجح في مواجَهة التنافس. هل نحن سُذَّج حين نحاول أن نَتعاون؟ ألن يَبْتلعنا الآخرون؟ لسوء الحظ، ليس الطلاب وباحثو ما بعد الدكتوراه في موقع قوة مكافئ، ويمكن أن تسبقهم آلة المُختبَر العظمى بسرعة. ويُمثِّل هذا صعوبة في مجالات البحث «الساخنة» على وجه الخصوص. ولكن ربما يمكن أن نَتجنَّب التنافس حتى في هذه المجالات عن طريق خلْق مَواطن، ثم التواصل مع الآخَرِين للتباحث حول الجوانب التي سَيدرُسها كل واحد، والدَّور الذي سيقوم به. حينئذٍ يستطيع كل شخص أن يُقدِّم إسهامًا، ونَتحاشى مُضاعَفة الجهد. غالبًا ما يكون الخوف من التنافس المباشِر غير قائم على أساس. يَستفيد كل شخص من التعاون، إذا تم اختيار المُتزاملِين بشيء من التمييز، وعمل الفرد وتشابك عمله مع الآخَرِين في جو من الحُنوِّ والثقة. وفي اختيار المتزامِلِين، نجد أن تقويم الدوافع والقيم على قدم المساواة من أهمية تقويم الخبرة العلمية. وبينما يكون التنافس مُضيِّقًا للنِّطاق وعازلًا، فإن التعاون يكون مُنبسطًا. يستطيع الأفراد استهلال تجارب التعاون الخاصة بهم، أن يبدءُوا علاقة في حينها ويَرقُبوا النتائج. وعن طريق استهلال فيض السَّخاء، ربَّما تمتد سلال التعاون حتى نجد توازنًا ديناميًّا بين التنافس الصحي والتعاون.

وأخيرًا، إذا كنا نَخرج من التعاون بإشباع عميق، ثم نَشعر بأننا مَدفوعون للتَّخلِّي عنه، فإننا نفقد جانبًا من ذواتنا. وأعتقد أن هذا ثمن باهظ ندفعه، أبهظ كثيرًا من ألا تكون أول من ينشر نتائج البحث، أو أن تَفقد التمويل، أو أن تفقد حتى الوظيفة. بعض الناس يرفضون تمامًا التضحية بإحساسهم بالتعاون لكي يَخوضُوا المباراة. تقول دافيدا تلر:

عادة ما يكون أدائي جيِّدًا للغاية، في الحالات التي يفيد فيها التعاون. أما في الحالات التي تَشرئِب فيها الأعناق أتكفَّل بأن أشرئِبَّ بعنقي، بَيْد أني ما زلتُ لا أفعل هذا إن كان ثَمَّة البديل الآخَر. أُحب نفسي أكثر حين أتصرَّف بذاتي، وفي نَفسِي إحساس بالِغ القوة بالتعاونية في ذاتي حتى إنني أشقى حين أُنَحِّي التعاون جانبًا. هنالك أوقات يفيد فيها أن أكون شخصًا مختلفًا عن ذاتي، بيد أنها لا تستحق هذا.٤٩

لاحظَتْ آن دي فور وهي مُحلِّلة نفسية تتبع يونج، أن الرِّجال يشعرون بالتَّعاسة حين يفقدون تواصلًا، بينما تشعر النساء بالألم و«الحُرقة». وأنا شخصيًّا أجد أن التنافس يُبدِّد طاقتي. يجعلني أشعر بأنني مُشتَّتة التفكير يُخامرني هذيان الاضطهاد، ومُنحصرة فيما هو أضْيَق وأضْيَق. إنَّ وضْع الحدود حول الأراضي الخاصة بي يَفتُّ في عَضُد إبداعي. وعلى الرغم من أن ضغط التنافس قد يجعلني أعمل ساعات أطول؛ لكي أواصل البقاء أو لكي أثبت ذاتي، فإني أستاء منه؛ إنه يُبلِي الحماس والتَّعهُّد فيَّ. ومع الوقت، يُحوِّل الاستياء بيني وبين العمل، وفي النهاية يعجزني عن أدائه. لا أعود قادرة على دفع نفسي لإنجازه. إن المُعقِّبات تعود على ذاتي، والبقية الباقية من حياتي ليستْ ثمنًا عادلًا لهذا. كلما قمتُ بدور في الدينامية التنافسية، كنتُ أفضح نفسي. وعلى الرغم من أن استجابتي الأُولى كانت الانسحاب من المباراة إلى الانعزال، فإني أعرف الآن أن الإنجاز يَتأتَّى عن طريق التعاون مع الناس الذين أنتقيهم بشيء من التمييز.

أصدقاء الكون

على أساس من التواصل المتبادَل والاعتماد المتبادَل، يمكن إعادة بناء مباراة العلم من كسب / خسارة، إلى كسب / كسب، وذلك عن طريق تصويب الأنظار إلى أهداف أعلى يستطيع كل شخص أن يُشارِك فيها. لقد تحدَّث رئيس وزراء الهند الأسبق، راجيف غاندي، عن الحقيقة والانسجام بوصفها الأهداف الأرحب للعلم:

إن توليد المَعارف اختبار للحقيقة. وطويلًا ما انشغلَت الهند بتفهم العالَمَين الخارجي والداخلي وصميم عملية المعرفة. إنه الهند إحدى الينابيع المبكِّرة للعلم. ثار العلم الهندي مُجدَّدًا. ومن خلال العلم ننشغل بتحسين حياة شَعبنا. بَيْد أنَّ هدفنا أرحبُ، أن نصل إلى لُب الحقيقة والانسجام.٥٠

في يومنا هذا، الأهداف المُشترَكة وهي مداواة الدَّمار البيئي للكوكب، وخَلْق تكنولوجيات مُواتية مُنسجِمة مع الطبيعة، هذه الأهداف يمكنها أن تحل محل سباق التَّسلُّح من حيث هو الدافع الأكبر للجهد العلمي وفي الوقت ذاته، يستطيع التعاون أن يصلح من شأن التنافس.

ويمكن أن نجد مع بكمينستر فولر B. Fuller مثالًا للقوة المترامية الأطراف للاتِّجاه التعاوني، فقد أحس بأن نجاحه الشخصي لا يمكن أن يقوم على أساس حرمان الآخَرِين. تُوفِّي فولر العام ١٩٨٣م، وقد نذر حياته من أَجْل الانسجام بين الإنسانية والطبيعة. وإسهاماته الدامغة في الفيزياء، والسياسة، والعمارة، والفلسفة، وعلم التصميم، والرياضيات، قامت جميعها على حس بالتعاون؛ «لأن كل فعل له رَد فِعل عليه وناتج عنه، ولأنه لا يمكن أن تستقل حادثة في الكون عن بقية الكون …»٥١ وكتب يَقول: «لم يعد من الممكن أن يتسامح التكامل مع الأنانية.»٥٢ كثيرًا ما تحدث فولر عن سفينة الفضاء التي هي كوكب الأرض، وأحس أن «السعادة الحقيقية لا يمكن أن تنمو إلا من خلال وعي بأن جهودنا كانت دائمًا في اتجاه خير مُتصاعد، التقدم للبشرية جمعاء، من دون أي انحياز من أي نوع كان.»٥٣ ومن قام بمراجعة كتاب فولر الحادي والعشرين، «السبيل النقدي» (١٩٨١م)، قال عنه: «إنه خطة صُمِّمت لتصل برأي العالَم وحكومة العالَم إلى نقطة التعاون مع الطبيعة لإنجاز ماهية الطبيعة إنجازًا يعتمد على ما نَنوي أن نفعله ولا هَوادة في ذلك. وذلكم هو تَحويل الإنسانية جمعاء إلى أُسرة عالمية واحدة مُنسجمة، مُتداعِمة وناجحة اقتصاديًّا.»٥٤ وبعد أن استمع إزرَا باوند إلى محاضرة فولر ثماني ساعات يوميًّا لمدة أسبوع، أوجز انطباعه عن فولر في قصيدة قصيرة:
إلى بكمينستر فولر،
صديق الكون،
جَلَّاب السعادة،
المُحرر.٥٥

إن تَجنُّب التنافس، وتعزيز التعاون يمكن أن يساعد في تغيير تَوَجُّهنا من تُوجُّه يستخدم العلم من حيث هو أداة من أدوات القوة من أجل السيطرة على الطبيعة، إلى تَوجُّه يستخدم العلم من حيث هو أداة من أدوات الحب من أجل اكتشاف كيف يُمكنُنا أن نَنسجِم مع الطبيعة انسجامًا أكثر تناغمًا. على المستوى الفردي، يمكن أن يتساءل عالِم من العلماء، «ما هي الإسهامات الفريدة التي يمكن أن أُنجزها؟ كيف يمكن أن نعمل معًا من أجْل حل هذه المشكلة؟» بدلًا من أن يتساءل «كيف يمكن أن أتفوَّق على هذا الرجل وأَبزُّه؟» مع التوازن الفعَّال بين التنافس الصحي والتعاون، سوف تشعر النساء بمزيد من الارتياح في عالَم العلم، ليس هذا فحسب، بل أيضًا سوف يَغنم الرجال، والعلم، والطبيعة، والمجتمع. نستطيع جميعًا أن نكون أصدقاء للكون، وجلَّابين للسعادة، ومُحررين.

١  جمعية لينين Linnean Society من أقدم الجمعيات العلمية، تأسَّست منذ حوالي مائتي عام، وما زالت حتى الآن مُنتدًى حيًّا ومُلتقًى لعلماء البيولوجيا. وهي مُعنِيَّة بالتاريخ الطبيعي بكل فروعه، وتَفتح أبوابها لغير المُتخصصين. وتمتلك مكتبة زاخرة بالمَراجع العلمية والوثائق النادرة. (المترجمة)
٢  Charles Darwin, “The Linnean Society Paper,” in Philip Appleman, ed., Darwin: A Norton Critical Edition (New York: Norton, 1970), p. 83.
٣  Alfred R. Wallace, “The Linnean Society Paper,” p. 92.
٤  Charles Darwin, The Origin of Species, 6th ed. (London, 1872: reprinted New York: Mentor, 1958), p. 74.
٥  Robert Augros and George Stanciu, The New Biology: Discovering the Wisdom in Nature (Boston: Shambhala Publications, New Science Library, 1988).
٦  Pual Colinvaux, Why Big Fierce Animals Are Rare: An Ecologist’s Perspective (Princeton: Princeton University Press, 1978), p. 46.
٧  الموظ moose حيوان ضخم في حجم الأيل أو الظبي، يعيش في أمريكا الشمالية، ويشبه حيوان الإلكة elk في أوروبا وآسيا. (المترجمة)
٨  Charles Fowler, “Comparative Population Dynamica in Large Animals,” in Fowler and Smith, ed., Dynamics of large Mammal Populations (New York: Wiley, 1981), pp. 444-445.
٩  Norman Owen-Smith, “Terriotoriality in the White Rhinoceros (Cerato-therium simium) Burchel,” Nature 231 (4 June 1971), p. 294.
١٠  Corn’s Weedy Companion,” The Seattle Times (3 September 1990), p. D2.
١١  Frits W. Went, “The Plants (New York: Time-Life Books, 1963), p. 168.
١٢  Frits W. Went, “The Ecololgy of Desert Plants,” Scientific American 192 (April 1955), p. 74.
١٣  Robert Axelrod and William D. Hamilton, “The Evolution of Cooperation,” Science 211 (27 March 1981), p. 1391.
١٤  Robert M. May, “A Test of Ideas about Mutualism,” Nature 307 (February 1984), p. 410.
١٥  David Kirk, ed., Biology Today (New York: Random House, 1975), pp. 658-659.
١٦  Lynn Margulis, Symbiosis in cell Evolution (San Francisco: W. H. Freeman, 1981), p. 164.
١٧  Charles Mann, “Lynn Margulis: Science’s Unruly Earth Mother,” Science 252 (19 April 1991), p. 379.
١٨  Lynn Margulis, “Words as Battle Cries: Symbiogenesis and the New Field of Endicytobiology,” Bioscience 40 (October 1990), pp. 675-676-
١٩  Ibid., p. 675.
٢٠  مُقابَلة شخصية مع بيكا ديكشتين في ١١ مارس ١٩٩٠م.
٢١  C. Ezzell, “Helping Cancers Mature So They Might Die,” Science News 139 (1 June 1991), p. 341.
٢٢  سيجما ١١ Sigma Xi هي جمعية علمية أمريكية غير هادفة للربح، تأسَّست في شمال أمريكا العام ١٨٨٦م، أصبحت الآن جمعية دولية تضم حوالي خمسة وسبعين ألف عالِم ومهندس، تم انتخابهم أعضاء فيها بسبب أبحاثهم؛ لذلك جميعهم من كبار العلماء، حصل مائتان منهم على جائزة نوبل. تَدور أنشطة وبرامج هذه الجمعية حول تشجيع الأبحاث العلمية البحتة والتطبيقية، كأن تقوم بِنَشر الأبحاث العلمية وتوفير مئات المنح الدراسية للعلماء الشُّبان سنويًّا وما إليه. (المترجمة)
٢٣  Sigma Xi, A New Agenda for Science, p. 43.
٢٤  الرَّسَاميل: كلمة تعني جملة الرأسمال المستخدَم في الشركة أو المشروع.
٢٥  Daniel E. Koshland, Jr., editor of Science, “Waste Not, Want Some,” Science 252 (26 April 1991), p. 485.
٢٦  Leslie Roberts, “The Rush to Publish,” Science 251 (January 18, 1991), pp. 260–263.
٢٧  William J. Broad, “Imbrogilo at Yale (1): Emergence of a Fraud,” Science 210 (1980), pp. 38–41.
٢٨  James Watson, “The Dissemination of Unpublished Information,” in Saul Bellow, ed., The Frontiers of Knowledge (Garden City, N.Y.: Doubleday and Co., 1975), p. 161.
٢٩  Sigma Xi, A New Agenda For Science, p. 43.
٣٠  Quoted in Traweek, Beamtimes and Lifetimes, pp. 89-90.
٣١  Suzanne Gordon, Prisoners of Men’s Dreams: Striking Out for A New Feminine Future (Boston: Little, Boston and Company, 1991), p. 95.
٣٢  Traweek, Beamties and Lifetimes, pp. 90-91.
٣٣  مُقابَلة شخصية مع كريستينا كَتزاروس، في ٤ فبراير ١٩٩١م.
٣٤  مُقابَلة شخصية مع سينثيا هَجِرتي، في ١٣ فبراير ١٩٩١م.
٣٥  وأود أن أشكر مهندسة الإنشاءات فيكي صونتاج على استبصاراتها بشأن التعاون والتنافس في الاتحادات المِهَنية.
٣٦  Broad, Betrayers of Truth.
٣٧  Riane Eisler, The Chalice and the Blade: Our History, Our Future (San Francisco: Harper & Row, 1987), p. xvii.
٣٨  Matina S. Horner, “Fail: Bright Women,” Psychology Today 3 (1969), pp. 36–38.
٣٩  Phillip Shaver, “Questions Concerning fear of Success and Its Conceptual Relatives,” Sex Roles 2 (1979), pp. 205–220.
٤٠  Sue Rosser, Female-Friendly Science: Applying Women’s Studies Methods and Theories to Attract Students, p. 69.
٤١  مُقابَلة مع باولا سزكودي، في أول فبراير ١٩٩١م.
٤٢  مُقابَلة مع دافيدا واي. تلر، في ١٤ يناير ١٩٩٠م.
٤٣  Sigma Xi, A New Agenda for Science, p. 43.
٤٤  Vera Kistiakowsky, “Women in Physics: Unnecessary, Injurious and Out of Place?” Physics Today 33 (Februay 1980), p. 32.
٤٥  مُقابَلة مع زميلتها بيكا ديكشتين في ١١ مارس ١٩٩١م.
٤٦  مقابلة مع إيمي باكن في ١٧ يناير١٩٩٠م.
٤٧  من مناقَشة في اللقاء الأسبوعي لجماعة قراءات وحوارات حول المرأة والعلم والتكنولوجيا، في جامعة واشنطن في سياتل، كانت في خريف العام ١٩٩٠م.
٤٨  مُقابَلة مع كريستينا كَتزاروس، في ٤ فبراير ١٩٩١م.
٤٩  مُقابَلة مع دافيدا واي. تلر، في ١٤ يناير ١٩٩٠م.
٥٠  عبارة قالها راجيف غاندي في الرابع من أبريل العام ١٩٨٥م. وقد استخدمها مركز المحيط الهادي للعلوم في سياتل لافتتاح مَعرضه العلمي في الهند.
٥١  R. Buckminster Fuller and Anwar Dil, Humans in Universe (New York: Mouton, 1983), p. 112.
٥٢  Ibid., p. 159.
٥٣  Ibid., p. 112.
٥٤  Ibid., p. 13.
٥٥  R. Buckminster Fuller. Intuition (New York: Doubleday, 1970).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤