قافية الهاء

دعوى الجهل

المرءُ خافٍ على من لا يعاشرهُ
هيهاتَ تدرك شيئًا لا تباشرهُ
وإن شرعت بأمرٍ كن متممهُ
خير الأوائل ما تمت أواخرهُ
ولا تكدر بما تدري ضمير فتًى
فلا فتًى غير من تصفو ضمائرهُ
لا فخرةٌ للفتى إذ قيل كان لهُ
ما بهجة الروضِ إن غابت نواضرهُ
من يفتخر فبما يحويهِ من حسنٍ
وفخرة الغمد عند الفتك باترهُ
لا يعرف الشيءُ إلا بعد خبرتهِ
ولا يدلُّ عن الإنسان ظاهرهُ
ألفتُ خلًّا وفيًّا خلتهُ فغدا
بعد امتحان أليفَ الحقِّ ناكرهُ
كم من عدوٍّ صديقًا كان منتدبًا
فابعد عن الناس واحذر من تعاشرهُ
غاض الوفاءُ فلا عهدٌ ولا ذممٌ
عند اللئيم ولا ودٌّ يجاورهُ
يسعى التي طالبًا جمع الثراءِ لهُ
وللثرى والبلى بالموت آخرهُ
ذو المال يفنى ولا يبقى لهُ أثرٌ
لكن أخو العلم لا تفنى مآثرهُ
كم تاجرٍ عمت الدنيا تجارتهُ
ثم استحالت إلى فقرٍ متاجرهُ
ذو العقل والعلم لا يزهو لهُ عملٌ
لولا الجهول ولا تبدو بواهرهُ
والبدر لولا اعتكار الليل ما ظهرت
أنوارهُ لا ولا ضاءَت زواهرهُ
نحن بنو الدهر لكن خبزهُ حجرٌ
لنا فبئس أبًا غاضت نواظرهُ
ما مرَّ يومٌ بهِ الإنسان ذمَّ أسًى
إلَّا ويأتيهِ يومٌ فيهِ شاكرهُ
إن لم يخنك زمانٌ كن على حذرٍ
والليث يحذر ما دامت أظافرهُ
ما كنتُ أحسب أن الدهر يفجعني
حتى على مهجتي سلت بواترهُ
الناس للناس في عسرٍ وفي يُسرٍ
والدهر ما بينهم دارت دوائرهُ
وربَّ غمرٍ جهولٍ ظن أنهُ لا
يحتاج للغير إن الله قاهرهُ
كلٌّ لمن دونهُ يحتاج من قدم
ولو مليكًا علت فيهِ منابرهُ
ما حيلة الملك المرهوب جانبهُ
عند القتال إذا خانت عساكرهُ
لولا الأساس الذي في الترب مركزهُ
ما شيد قصرٌ ولا قامت قناطرهُ
يا قاتل الله دهرًا مزجهُ نكدٌ
فيهِ الأصاغر وا غمِّي أكابرهُ
يا من يعيرني بالعلم وا عجبي!
زدني لك الله شيئًا أنت خاسرهُ
يا نفس يا نفس ما طيب الشبيبة في
هذا الزمان الذي شابت غدائرهُ
سحت مصائبهُ شحت أطائبهُ
ماتت أكابرهُ عاشت فواجرهُ

وقال:

نظرت مقلتي إلى وجهك الباهي
فراح الفؤاد يصحب وجدهْ
إنما العين راحةٌ تدفع الحبـْ
ـبَ إلى القلبِ وهو يرفض ردهْ
وفد العشق نحو قلبي لذا أَوْ
قَدَ نار القرى ليكرم وفدَهْ
بجنان الهوى تمشَّى جناني
ورعاها فما جنى غير وردهْ

وقال:

دارٌ لنا قد حاز ساكنها
أجرَ شهيدٍ وهو في المعصيهْ
أتون «بختنصرَ» في صيفها
وفي الشتا بركة «سبسطيهْ»

وقال مخمسًا:

خودٌ حسبتُ البدر من أشكالها
بعدت وكان القرب من أشغالها
رحْ أيها الساعي بقطع وصالها
قد زارني في الليل طيف خيالها
وطرحتُ فكري في بديع جمالها
قدٌّ أخذت إلى الصباح أضمهُ
والثغر يحكي المسك إذ هو ختمهُ
فلثمتُ طرفًا في فؤاديَ سهمهُ
ورشفتُ ريقًا سكريًّا طعمهُ
وطفيت نارَ صبابتي بوصالها
لما رأَت قلبي أليف حريقةٍ
أومتْ لشهبٍ في المغيب خفوقةٍ
ومُذ ارتضت بينًا بلطف طريقةٍ
قامت تميس بقامةٍ ممشوقةٍ
والساق منها قد ملا خلخالها
مالت تودعني وأرخت شعرها
فرأت ظلامًا لا يغيب فسرها
عادت وعاد الوهم يعلن بشرها
فضممتها حتى أقبل ثغرها
لفت عليَّ يمينها وشمالها
واستبشرت طربًا بكل ظرافةٍ
بنوالِ قطف لقًا ورشف سلافةٍ
وزهت بنيل سعادةٍ وطرافةٍ
وبدت تقول برقةٍ ولطافةٍ:
ما كل من طلب السعادة نالها

وقال يعزي صديقًا لهُ بوفاة أبيهِ:

الدهر ليثٌ والخطوب مخالبهْ
أفهل بغير الصبر أنت تحاربهْ؟
إن يبتسم فالحتف تحت نيابهِ
بادٍ فكم تطغي الآنام ملاعبهْ
لا يخدعنك من زمانك غفلةٌ
فلربما انتبهت إليك نوائبهْ
والغدر من خلق الزمان فريثما
نغدو على أمنٍ تسلُّ قواضبهْ
لا يسلمن المرءُ من سطواتهِ
والموت أعظم ما تتيح شوائبهْ
ولرب ليلٍ طال جلباب الهنا
فيهِ وقد جلت الظلام كواكبهْ
هجمَ المصابُ بهِ كضرغامٍ وقد
نشبت بذياك الهناءِ مخالبهْ
لا خلد في الدنيا فكلٌّ راحلٌ
وتهون إن عمَّ المصابُ مصائبهْ
والمرءُ شمس حياتهِ تجري على
خطِّ الزوالِ ولا تزول مآربهْ
كلُّ سيرمسُ تحت أطباق الثرى
ويغيب رونقهُ ويدرس جانبهْ
كن عاذر الباكي على عمرٍ مضى
فالبرق تبكي إذ يزول سحائبهْ
صبرًا بني الأخيار حيث فقدتمُ
ذاكَ العزيزَ الصالحات عواقبهْ
ذو سيرةٍ للناس كانت عبرةً
فكم ازدهت بالطيبات مناقبهْ
بالأمس كان على الثرى فوق الذرى
واليوم قد علت السماك مراتبه
والموت مكتوبٌ على جبهاتنا
منذ الولادة والمهيمن كاتبه
فتدرعوا الصبر الجميل فإنهُ
درعٌ غداة الروع يسلم صاحبهْ
لكم البقاءُ فلم يمت من ذكرهُ
للبعث باقٍ لا تموت أطائبهْ
قف يا معزَّ على الثرى سحرًا وقلْ:
سقيًا لتربٍ لامستهُ جوانبهْ
وعلى المقابر إن تقف أرخْ بها
كلٌّ ستدنو للتراب ترائبهْ
سنة ١٨٥٩

وقال يمدح الخواجا «نصر الله حكيم الطبيب»:

تحفة الصداقة

نظر السقام أضالعي فرثاها
ورأى الغمام مدامعي فبكاها
يا قلب مالك في الصبابة هائمًا
هذي المحبة فاحتمل بلواها
ما أنت وحدك من سبتهُ بالهوى
حدق الظباءِ وأتلفتهُ ظباها
كم من عزيزٍ ذلَّ في حب المها
رغمًا وكم من ذي رشادٍ تاها!
ماذا ترى في الحب يا مضنى الجوى
إلَّا العذاب فشاهد الأشباها
القلب في نار الغرام مقرهُ
والعين في روض البها مرعاها
ويلاهُ من ظلم الحبيب وظَلمهِ
هذا برى كبدي وذاك براها
أفدي بروحي غادةً إن أسفرت
أزرى بأقمار السما مرآها
حسانةٌ حوت الجمال بديعةٌ
عذراءُ يغتال النهارَ بهاها
سلبت بهاتيك المحاسن مهجتي
وسبت فؤاديَ وهو عبد هواها
قتلت بسيف الغنج صبري مذ رنت
فترى بهذا القتل من أفتاها
غرسَ الجمال بخدها روضًا وقد
أبدت طيور الحب فيهِ غناها
وإذا المتيم رامَ يحني وردةً
حالت سيوف اللحظ دونَ جناها
لولا ظُبا تلك العيون النجل لم
يخفق فؤادي عند لثمي فاها
لثم اللثام خدودها فحسدتهُ
والورد غار فعارهُ رياها
كتبَ الجمال على صفيحة خدها
من يدنُ من نارٍ يصبهُ لظاها
قد لطفت وجناتها نار الحيا
حتى إذا مرَّ الصبا أدماها
لفتت فعن ذا الجيد ينفعل الهوى
لفتات أجياد الظباءِ حلاها
فوحقِّ ذلي بالغرام وعزها
قسمًا وضعف تجلدي وقواها
لا أنثني عنها ولو أدرجت في
كفني وقلبي لا يحب سواها
غفل الرقيبُ فهل لعينيَ نظرةٌ
من وجهها الوضاح فهو مناها
زارت عقيبَ الهجر وهي ضنينةٌ
فاستبشرت روحي براح لماها
وضعت على صدري يدًا لترى الذي
فعل النوى وبدت تذم جفاها
فرجفتُ فالأشواق أم يدها غدت
جسمًا يوصل كهرباءَ هواها
قد أنحلت جسدي فكان لمدمعي
سلكًا فبي جيد الهوى يتباهى
بيَ غصن بانٍ في كثيبٍ ينثني
يعلوهُ شمسٌ في الظلام سناها
إني رأيتُ الصبحَ من شفقٍ بدا
هذا محياها وذاكَ حياها
وقطفت وردًا لاح فوق جواهرٍ
هذي ثناياها وذا خداها
لكن قتلتُ بأبيضٍ وبأسمرٍ
هذا رشاقتها وذا عيناها
قد أثخنت كبدي جراحًا عينها
وبلثم هاتيك الشفاة شفاها
أفدي عيونًا قد أثرنَ على الحشا
حربًا يبيد ابن الحكيم لظاها
من قد غدا للطف حدًّا أكبر
تخذت رسوم الظَّرف منهُ جلاها
فطنٌ كساهُ الله ثوبَ نباهةٍ
وحباهُ عقلًا بالذكاءِ تناهى
أفكارهُ اتقدت ذكًا فيكاد أن
يدري الغوامضَ قبل أن يصغاها
إن سلَّ سيفَ الرأي من غمد الهوى
مدت إليهِ المشكلات طلاها
لا بدعَ إن تكُ لؤلؤَا ألفاظهُ
إن اللآلئَ في البحور نراها
يغني المريضَ عن الدواءِ حديثهُ
والطبُّ للأمراض ما أشفاها
وعرائس الطبِّ ارتدت من شرحهِ
أبهى نسيجٍ فازدهتْ برداها
يجني القناعة بالنهى فهو الذي
يسمو على من لا يسوم جناها
إن يقنع الإنسان يكسب راحةً
وغنًى، وأطماع النفوس عناها
من قاسهُ بالغير من أقرانهِ
ما ميز الأفعالَ من أسماها
ما العقل إلا قوة التمييز إذ
لا شيءَ يصطحب الهدى إلَّاها
وإذا امرؤٌ حسدًا تمنى قدوةً
بخصالهِ أيقنت لا يلقاها
إنَّ النفوس إذا ابتغت كل المنى
لا تبلغنَّ إلى المنون مناها
لو كلما أرجو أصبت جعلت هر
شل منزلي فالأرض لا أرضاها
أفديهِ من خلٍّ يصون عهودهُ
صون العفيفة عرضها وحياها
أخذت شمائلهُ بعقلي وهي لم
تك بالشمول وقد سرت مسراها
يا أيها الخلُّ الحبيب أنا الذي
مذ غال حبك مهجتي غلاها
إني اتخذت ودادكم ليَ ديدنًا
والودُّ أبهى حلةٍ أُكساها
جذبت قوى أخلاقكم قلبي إلى
قطب الوفاءِ ولولا ذاك لتاها
ولا وجود الجذب في الكرر التي
بالأفق لابتلع الفضا أجزاها

وقال:

أفدي بنور عيوني نار وجنتهِ
يوم اللقا وبروحي راح ريقتهِ
بدرٌ تحجب عني وهو في كبدي
فهل لعينيَ أن تحظى بطلعتهِ؟
ما جاور القلب إلا حبهُ فأنا
عبدٌ لهُ وأسيرٌ منذ نشأَتهِ
لا صانني الله إن أعشقْ سواهُ ولا
رعى عذولًا هجاني في محبتهِ
أصبو إلى الليل إكرامًا لطرتهِ
وأعشق الصبحَ إجلالًا لغرتهِ
يدمي بمقلتهِ يحيي بريقتهِ
يضني بنفرتهِ يشقي بعطفتهِ
مذ زارني بعد ذاك الهجر وا طربي!
حيَّا فأحيا فؤادي في تحيتهِ
عاتبتهُ فبدا ورد الحياء على
خدودهِ وزها عتبي برقتهِ
فخذهُ مركزٌ للحسن مرَّ بهِ
خطُّ العذار محيطًا حول نقطتهِ
هذا حبيبي وما لي عنه من عوضٍ
ولم أفه باسمهِ صونًا لحرمتهِ

وقال:

أعاب سفاهًا وجهك البهج الذي
حكى البدر واشٍ غاب عن رشد عقلهِ
فوجهكِ مرآة الجمال صفيةٌ
وقد نظر الواشي بها سوءَ فعلهِ

وقال:

أنا لا أمدحنَّ فتًى كغيري
ليرفدني بشيء من جداهُ
فما للمرءِ من خلٍّ معينٍ
بضيقٍ غير ما كسبت يداهُ

وقال:

فتًى بات ينوي العزَّ، والذلَّ راصدهْ
ومن ينحُ رفع الذات تخفض مقاصدهْ
ومن أجهل الجهال من ظن أنهُ
ينالُ ويلقى كلَّ ما هو رائدهْ
يميل الفتى طبعًا إلى طلب العلا
ولا كل من يرجو العلا طالَ ساعده
لقد أطلق الله الإرادة للفتى
فقيدها الدهر الذي الله قائدُه
خذ الحذر من دهر إذا طاب موردًا
فكم قد سقت صاب المصاب موارده
يريك الهناءَ اليوم والموت في غدٍ
فما برحت تطغي الأنام مكائده
أبٌ ظالمٌ ذا الدهر والناس كلهم
بنوهُ طعام الغم تحوي موائدهْ
ولا يعرف الإنسان طولَ حياتهِ
أَأَلخير آتيهِ أم الشر قاصده؟
إذا المرءُ لم يرضَ بمحنتهِ الذي
يساعدهُ يرضى بمن لا يساعده
وكم سيدًا قد صار عبدًا لعبدهِ
وكم دنفٍ يشفى ويدنف عائده!
بليت بغمر ظنَّ راغد عيشهِ
يدوم وهل عيشٌ ترى دام راغده
ألا كل حالٍ في الزمان كأنها
سحابٌ بجوٍّ والرياح تطارده
يشاهد فضل الشهم عيبًا من انتمى
إلى الجهل لكن عيبهُ لا يشاهده
فيا من غدا للجهل والبخل عابدًا
لك الله، ما هذا الذي أنت عابده؟
إذا كنت لا تدري بك الجهل فاعتذر
ومن ليس يدري نفسهُ لا نؤاخذه
فعالك قد جاءَت عليك شواهدًا
فعال الفتى بين الآنام شواهدُه
وكل امرئٍ من فعلهِ بان أصلهُ
ومن لا يراعي الأصل لا شك فاقده

وقال متخلصًا باسم صديق لهُ:

نفى الرشدَ عني أنسها ونفارها
وشرد عقلي غمزها وازورارها
مليحة وجهٍ كالصباح صباحةً
لها مقلةٌ يسبي القلوب احورارها
ومن عجبي أني أرى ليَ جنةً
بوجنتها والقلب أفنتهُ نارها
أهيم بدر الثغر في بحر حبها
لآلي الهوى ضمن الثغور قرارُها
تجنى على الظبي الغرير التفاتها
وتاهَ على البدر المنير اسفرارها
رنت جؤزرًا، ماست قضيبًا، تلفتت
غزالًا، بدت شمسًا بقلبي مدارها
ولما ثناها الشوقُ عن ذلك الجفا
أتت وهي تستحيي ويبدو افترارها
فعانقتها عند اللقا شغفًا كما
يعانق تلك الزند منها سوارها
أيا راجيًا منها الدنو ابتعد فقد
تبوَّأَتِ «الجوزاءَ» والشهب دارها
بروحيَ منها إن حظيت بنظرةٍ
بها مهجتي تحيا ويُطفا شرارها
ذللت لذياك الجمال وإنني
عزيزٌ ونفسي قد تسامى فخارها
ولكنها اضطرتْ إلى الذلِّ بالهوى
ونفس الفتى يجني عليها اضطرارها
يحارب جيش الحب والوجد مهجتي
ولكن بفتح الله جاءَ انتصارها

وقال مؤرخًا بناءَ دار «نعمة الله مارون» في حلب:

ديارٌ لاحَ نورُ الأنسِ فيها
وضاءَ البشرُ حيث بدا بناها
أشادتها يمين الله فانعم
بدارٍ قد سمت عما سواها
بها لطفٌ بتاريخٍ خفيٌّ
وكان بنعمة الله انتهاها
سنة ١٨٥٨

وقال:

ومن يهوَ علمَ النحوِ يقلق ضميرهُ
بهِ ويعد في جمع أرزاقهِ قلَّهْ
كذلك من بالصرف يصرف عمرهُ
يموت ويبقى منهُ في قلبهِ علَّهْ

ندبة الوحشة

قفا نندبِ الدارَ التي غابَ بدرها
ونبكِ طلولًا قد تعاظمَ أمرها
ولا تبخلا بالدمع إذ شمتما الحمى
فما نفعُ سحبٍ ليس ينزل قطرها
ربوعٌ نأَت عنها الحبائب فانثنى
من الشوق يشكو للكواكب قفرها
رمتها الليالي بالكآبة والأسى
وليس سوى قرب الحبيب يسرها
وقد لبست بالبين ثوبَ مذلةٍ
وكان إلى الجوزاءِ يبلغ قدرها
وقفت على أكنافها والفؤاد في
لظًى، وعيوني قد تناثر درها
تذكرتُ من أهوى فحلت بمهجتي
كروبٌ، ونفسي راح يرحل صبرها
يمرُّ عليها الظاعنون وطالما
يعانق إخفافَ الرواحل صدرها
على منزل قد فارقَ البدرُ أفقهُ
بكيتُ وعيني بالظلام مقرها
وما أهلهُ الباقون في وحشةٍ سوى
نجوم غشاها الليل مذ غابَ بدرها
فكم ليلةٍ فيها أظلُّ مناجيًا
هلالَ الحمى حتى يناجيهِ فجرها!
فنعم الليالي الوافيات وعهدها
وبئس الليالي الجافيات وغدرها
لحا الله دهرًا حالَ بيني وبين من
أحبُّ وأيامًا تزاحم شرها
فلو كانت الأيام تبقى على الصفا
وعني تغضُّ الطرف ماذا يضرها
عسى لسلام العودِ تأتي وبردهِ
فيخمد من تلك الجوانح جمرها
تقصِّرُ عمر المرءِ طارقة النوى
وكلٌّ يلاقيها فلا طال عمرها
إذا جنتِ الأيام يومًا على الفتى
فعاداتها فعل الردى وهو عذرها
يدورُ علينا الدهر بالضيم والهنا
ودائرة الدهر التقلب قطرها
ومن ظن أن العقل في الخطب مسعفٌ
يضل، وإن النفسَ يخطئ فكرها
إذا رفعت عنك السعادة والعلا
فهل أنت بالعقل الزكي تجرها؟

حسرة الوداع

بقلبي مطيُّ البين دبَّ دبيبها
فيا ويحَ نفسٍ بان عنها حبيبها
وحاربتِ الأيامُ صبريَ، فاللظى
زفيري وما الأجناد إلا خطوبها
بعادٌ كساني حلة الضيم والضنا
وغادر أجفاني يصبُّ صبيبها
تبوأَتِ الأتراحُ متنَ حشاشتي
وروحيَ راحت حين سار ربيبها
تهبُّ نسيمُ الحي صبحًا فكم وكم
يهزك يا غصن الغرامِ هبوبها
ونهداءَ قد ألوى الفراقُ عنانهُ
بها فتولَّت والفؤاد صحيبها
ولما بدا الحادي ينادي على السرى
بكت فأذاب القلب مني نحيبها
فودعتها إذ أودعتني حسرةً
إلى الدهر، لا والله يطفى لهيبها
نأتْ فنأى طيب الحياة عن الفتى
ولا عجبٌ فهي الحياة وطيبها
فتاةٌ لها من ذلك الحسن والبها
نقابٌ فسلطان النهار نقيبها
نمت نفحات اللطف من حركاتها
فيا أيها المفتون كم تستطيبها!

بلوى البعد

إن تبعدوهُ فإن الحبَّ يدنيهِ
أو تقتلوهُ فرشف الثغر يحييهِ
من غادرتهُ العيون السود منطرحًا
على فراش الهوى لا شيءَ يشفيهِ
يصبو إليكم ما هبَّ النسيم وما
أبدى الحمام فنونًا من أغانيهِ
ما كان ضركم بالله لو كرمًا
ذكرتمُ العهد إن الذكر يكفيهِ
يا سادتي لم يدَعْ لي حبكم جلدًا
فما احتيالي وقلبي النار تفنيهِ
كفى النوى أنهُ أبقى الفؤاد على
جمرٍ سوى قربكم لا شيءَ يطفيهِ
آها ووا أسفي! قد ضاعَ عمريَ في
هذا البعاد الذي كل البلا فيهِ
وجدي أنيني دموعي حرقتي لهفي
يشهدنَ كم خندسٍ قد بتُّ أطويهِ
أرجو العتابَ وخفقُ القلب يمنعني
فإن سألتم نسيم الروضِ ترويهِ
شوقٌ هيامٌ سهادٌ لوعةٌ تلفٌ
أصابني في هواكم يا ذوي التيهِ
قل اصطباري وقد غاب النهى وبدا
وجدي ودمعيَ قد زادت مجاريهِ
فهل حنوٌّ وإسعافٌ ومكرمةٌ
منكم عليَّ؟ وهل عطفٌ أرجيهِ؟
أسرتمُ القلبَ أن يهوى فطاع فَلِمْ
عيونكم بسيوف السحر تدميهِ؟
إن كان يرضيكُم موتي فوا طربي!
والموت لي بالهوى تحلو تواليهِ
ما أعذب الذل في هذا الغرام وما
أحلى عذابًا غدا قلبي يقاسيهِ!
فلا تميلوا صدودًا عن ضعيفكمُ
إن جاءَ ملتمسًا وصلًا يقويهِ
قنعتُ بالطيف منكم حيث لا وسنٌ
إن القناعة كنزٌ لا فنًا فيهِ
إذا رضيتم سوايَ بالهوى فأنا
صبٌّ سوى ذكركم لم يرضَ في فيهِ

وقال:

حار في ذا الجمالِ فكر النبيهِ
فعلى القلبِ يا بديعةَ تيهي
وأزيحي الخمارَ عن وجهك البا
هي، فجودُ الخلَّاقِ لا تخفيهِ
قد سباني هذا المحيا الذي ليس
لهُ اليوم في الورى من شبيهِ
غازلي إن أردتِ قتلَ فؤادي
وبغير العيون لا تقتليهِ
يا مهاةً في البانِ أتلفت قلبي
وحرامٌ عليك أن تتلفيهِ
تارةً تظهرينَ نورَ المحيا
لعياني وتارةً تخفيهِ
ليس ذاك النفار إلا دلالًا
ودلال الحبيب، كم أشتهيهِ!
كم وكم تبعدين عن مغرمٍ يقتلهُ
البين واللقا يحييهِ
كاد في ذا الإعراض مضناك يقضي
فانجديهِ بعطفةٍ فانجديهِ
لكِ طرفٌ يسبي العقولَ وقدٌّ
يفضح السمهريَّ إن تثنيهِ
أوشكَ الحبُّ أن يذيبَ فؤادي
بلظاهُ، فبالرضابِ اسعفيهِ
وارتشافُ الرضابِ منك يزيد
القلبَ مني جوى ولا يشفيهِ
فندى الصبح يجعل الروض في الصيف
كثير الظما ولا يرويهِ
يا نسيمًا إن سرتِ صبحًا إلى مر
بع سلمى هناك قلبي أنشديهِ
لي بذاك الحمى غزالٌ ربيبٌ
ذو نفارٍ عن المحبِّ وتيهِ
أفتديهِ من أغيدٍ ذي دلالٍ
يتجنى ظلمًا على عاشقيهِ
لاحَ ورد الجمالِ في روضِ خديـ
ـه فهل للعيون أن تجتنيهِ؟
لم أقايس بالقوس حاجبهُ لـ
ـكن بسيف السياف إذ ينتضيهِ
ينجلي بالأنوار حيث تجلَّى
ففؤاد المحب كم يسبيهِ!
عاذلي لا تلمْ غراميَ جهلًا
فأنا لم أسمع ملامَ سفيهِ
إن قلب الإنسان من طبعهِ الميـ
ـل إلى الحسن وهو كم يدهيهِ
وعلى الكل إن يكن صدق الحكـ
ـم فهل لم يصدق على جزئيهِ؟
وعقول الآنام لو تستوي لم
يكُ فرقٌ بين الغبي والفقيهِ
محورُ الأرض لو غدا مستقيمًا
لتساوى النهار والليل فيهِ
كم فتًى قام يبتغي طلبَ العلـ
ـمِ بجدٍّ والغير لا يبتغيهِ
ربما تصدرُ الجهالة عن علـ
ـمٍ ويبدو النسيانُ من تنبيهِ
شيمُ الناس من وجوههم لا
حت، فكلٌّ من وجههِ ندريهِ
جائل الطرفِ، أسمر الوجه، ذو قدٍّ
قصيرٍ والله لا أصطفيهِ
صاحبِ الحذرَ قبل أن تصحبَ النا
سَ؛ فكم خان صاحبٌ تُصفيهِ!
ومصابٌ على الفتى أن يصافي
صاحبًا لا صفاءَ في خافيهِ
لا يغرَّنَّكَ امرؤٌ حيث يبدي
عهد ودٍّ فنكثهُ يلويهِ
واقتباس الأنوار في الليل بعدًا
قد يضلُّ الساري ولا يهديهِ
قد حوى اليوم عمريَ الكافَ والدا
لَ ودهري اختبرتهُ وذويهِ
ما رأَت قط مقلتي للفتى من
عضدٍ غير أمهِ وأبيهِ
مذ تأملت صورةَ الدهر في
مرآة عقلي رأيت لا خير فيهِ
صوَرُ الموجودات تعرف لكن
أصل ذاك الوجود من يدريهِ
إنَّ جزءًا من ذرَّةٍ وجدت في الـ
ـكون يحتار فيهِ عقل النبيهِ
لا يدوم الفتى على شأنهِ ما
دام كلٌّ عشيرهُ يثنيهِ
يطلبُ الجسم إذ يحركُ خطًّا
مستقيمًا وكم قوًى تلويهِ

وقال وقد بعث بها إلى المرحوم الشيخ «ناصيف اليازجي»:

هلَّا نجازٌ فطال موعدها
يا ليت أضحى كذا توعدها!
أبدت ليَ الصد فاختفى وسني
والشهب بالأوج بتُّ أرصدها
يجود بالازورار حاجبها
وبالتحيات لم تجدْ يدها
متى ترى مقلتى لآلئها
يوم اللقا جيدها يقلدها
أضعت في حبِّ عينها كبدي
فرحت بين السيوف أنشدها
عيونها السود بالتغازل كم
تسلُّ بيضًا حشايَ موردها
إن ترفع السترَ والنقابَ فعن
شمسٍ فؤاد المحب يعبدها
يا كوكب الصبح، غطِ وجهكَ إن
لاحت لنا، أو بدا مجردها
تصبو إليها الظباءُ إن لفتت
أو انثنت، فالغصون تحسدها
أعطافها الهيف تنثني ثملًا
من خمر عينٍ يسود أسودها
إن ينهضِ النفس من يلوم الى
سلوانها فالجمال يقعدها
لا يضغط العذل صبوتي طبعًا
إلا وحرُّ الصبا يمددها
قضيتي بالغرام مطلقةٌ
وشرطها ردَّ من يقيدها
جيش الهوى حلَّ مهجتي فنأَتْ
عنها القوى إذ وهى تجلدها
أروي أحاديث بالمحبةِ قد
صحت فليس الجدال يفسدها
وصحةُ القولِ للفتى شرفٌ
وفي لسان اللبيب معهدها
من صدق الناس كلهم طلبت
منهُ الأباطيل ما يؤَيدها
كم من أقاويل تكتسي صدقًا
وكثرة النقل كم تجردها!
وكلما النورُ راحَ منعكسًا
قلت قواهُ وبعد يفقدها
قد قلَّ صدق الورى فحقَّ لنا
أقوال كلِّ امرءٍ نفندها
لا يستوي الناس بالعقول فذا
يذمُّ حالًا، وذاك يحمدها
للجهل بين الآنام مملكةٌ
وطيدةٌ والزمان يعضدها
بئس الزمان الخئونُ كم خبثت
أفعالهُ فالقبيح أجودها
كم منحٍ قد غدت لنا محنًا
وكم ليالٍ يسوءُ أرغدها!
والدهر لا يحذرنَّ سطوتهُ
إلا أخو العقل فهو يعهدها
كم يورث المرءَ علمهُ نكدًا!
وقد يضر العيون مرودها
والدهر إن يهدم العلومَ فهل
فتًى سوى «اليازجي» يشيدها؟
الذائع الصيت في البلاد ومن
إن ضاعت المعرفات يوجدها
علامة الدهر هامة الأدبا
شهابُ بيروت ظل يرشدها
ولا تضلُّ المطيُّ في سفرٍ
ما دامَ يهدي المسير مجهدها
يسلُّ من ذهنهِ سيوفَ هدًى
وفي رقاب الضلال يغمدها
صفات كل العلوم قد قصرت
عليهِ فاحتار من يعددها
إن قال يومًا قصيدةً غنيت
نشَّادها والزمان ينشدها
تأتي إليهِ الضروبُ خاضعة
مع الأعاريض حيثُ يقصدها
آيات تصنيفهِ يقرُّ بها
عربٌ وعجمٌ ومن يجحدها؟!
إن كلت الناس عن مدائحهِ
قامت جميع العلومِ تسردها
آراؤُهُ بالصوابِ ثاقبةٌ
والشهب والفرقدان حسدها
يبيض العلمَ وجههُ بسوا
د حبرهِ والعدى يسودها
وما عدوُّ العلومِ غير فتًى
يقضي الليالي هنًا ويرقدها
من يطلب الفهمَ والعلا فعلى
طيب الكرى العين لا يعودها
يا أيها الجهبذ الشهير ومن
لا زال سبل الهدى يمهدها
قد جئتك اليومَ بالمديح ولم
أصب حقوقًا فمن يحددها
ومدحة الشهم لا ختامَ لها
نعم اللسان الذي يرددها

سر العشق

لا تسأل الصب كيف العشق يشقيهِ؟
فللصبابة سرٌّ لست تدريهِ
رأى بعين الصبا غيداء قد خطرت
في عالم الحسن بين الدلِّ والتيهِ
فراحَ في لجج الأوصاب مضطربًا
إذ جاءَ رامي الهوى بالهول يرميهِ
أضلهُ الحسنُ في وادي العنا فإذا
رام الهدى راحت الأشواق تطغيهِ
وكيف يرجع عن حبِّ الجمال فتًى
يرى الجمال فيغدو هائمًا فيهِ؟
إن الغرامَ على غصن الصبا ثمرٌ
يحلو لمن راحَ قبل الفوت يجنيهِ
فيا فؤادي لك النعمى بغانيةٍ
تبدي الدلالَ فيحلو حين تبديهِ
هيفاءُ تخطر كالظبي الغرير لها
قدٌّ إذا قابل الخطَّار يزريهِ
أذللت روحي لها ذلُّ الغريب عسى
تشفي فؤادي وعهدي ليس تشفيهِ
وكم يذلُّ محبٌّ للحبيب ولم
يصبْ سوى كل هولٍ من تجنيهِ!
أفدي التي غادرتني في الهوى مثلًا
قد أصبحت ألسن الأيام تجريهِ
قد صاغها الله من حسنٍ وقال لها:
جوري على الصب بالإدلال والتيهِ
فما جنى نظرةً من وجهها نظري
إلا وألقى بقلبي ما يعنيهِ
جواذبُ الحسن منها قد جذبن على
رغمٍ فؤادي لعشقٍ كاد يفنيهِ
وللجمال قوى تدعو المحب إلى
حمل العذاب، وفي الأهوال تلقيهِ
عجباءُ تبعثُ من أحداقها رسلًا
للقلب نحو الهوى والوجد تهديهِ
جلت عليَّ شمولًا من شمائلها
فأسكرتني وأعيا الناسَ تنبيهي
أنا أحب جمال اللطف أعشقهُ
ولا الجمالَ الذي الأصنام تحويهِ
فهي التي استغرقت كل الجمال فمن
حسنٍ ولطفٍ أبت تحصى معانيهِ
أبيت ليلي ولي في حبها كبدٌ
حرَّى ودمعٌ قد انهلَّت مجاريهِ
فما اكفهرَّ الدجى إلا وأودعني
شوقًا غدت ألسن النيران ترويهِ
كم غيهبٍ بت والأشواق تجذبني
إلى الهلال كأني هائمٌ فيهِ!
لا يبرح الليل يغريني بظلمتهِ
حتى أرى الفجرَ يبدى النور من فيهِ
والصبح مرتفعًا والشرق ينشرهُ
والليل منخفضًا والغرب يطويهِ
كأَن قلبيَ قطبٌ للغرام فكم
عليهِ دارَ ودورُ الحب أبغيهِ!
أروم كتم الهوى والدمع يشهرهُ
إن كان سري بجفني كيف أخفيهِ؟

إطراق العاشق

ويلاه من جور هذا الحسن ويلاهُ
فقد تملك قلبي ثم أفناهُ
حسن لديهِ لحاظ الصب مطرقة
كالعبد حين يلاقي وجه مولاهُ
وكيف لا يألف الأطرافَ طرفيَ إذ
يبدو الجمال وقلبي عاد يخشاهُ
قلبٌ به عبثت أيدي الغرام فيا
قلبي تجلد وإلا مت ببلواهُ
يا ويح نفسي فكم في الذل أوقعها
عشقٌ على القلب مني الطرف ألقاهُ؟
فكم رعيت غرامًا قد خسرت بهِ
تشرَّفًا كنت قبل الحب أرعاهُ
مهما ذللت لدى حكم الهوى فأنا
ذو جانبٍ لا يزال العز يرعاهُ
كالبدر إذ حلَّ في غور الحضيض يرى
منازل الأوج تستجلي محياهُ
من لي بحمل الهوى والوجد برح بي
ولاعجِ الشوق قد فاضت ركاياهُ
سام الجوى مهجتي خسفًا لذا خسفت
والشوق أودت بأحشائي بلاياهُ
فكم ببحر الهوى قلبي قضى غرقًا
وكم وكم كهرباءُ الشوق أحياهُ!
أصبو لغيداءَ تسبي الناظرين إذا
لاحت فذات جمالٍ راق مرآهُ
تحلو لنا منظرًا قام البهاءُ بهِ
فجل من لقيام العشق أنشاهُ!
فكم أميل إليها والمحبة كم
تدعو المحب ليُعطى ما تمناهُ!
وأطلب الوصل حيث الشوق يطمعني
بهِ لدى كل واشٍ طال مسعاهُ
بئس الوشاة ونعم الوشي فهو لنا
ذريعةٌ لعتابٍ رقَّ معناهُ
والحب يأمر قلبي أن يطارحها
نجوى الغرام وخوف الصد ينهاهُ
فيستشير الجوى ذهني فيسفر عن
تمثالها فأرى حظًّا بنجواهُ
كلٌّ له طمعٌ يقضي الحياة بهِ
وكل شخصٍ لهُ حظٌّ بدنياهُ
يا ربة الخدر ما هذا النفار أما
كفاكِ أن فؤادي الوجد أرداهُ
ما لي أرى ذلك الوجه البشوش غدا
يرعى القطوبَ وعاد السخط يغشاهُ
مهما قطبت تزيدين الجمال سنًا
كالبدر يزداد في الظلماءِ لالاهُ
فهل نسيت عهودًا بيننا عقدت
بالحب يا من هواها لست أنساهُ؟
نظرت عينيك فاستعذبت عن شغفٍ
كل العذاب الذي في الحب ألقاهُ
لواحظٌ أرغمتني أن أهيمَ بها
والحسن ما أرغم الرائي ليهواهُ
قومي بنا نقتطفْ زهر الوصال لدى
زُهر السماءِ، ونعطِ الأنس مجراهُ
هار النهار وشمس الكون قد غربت
في العين والبدر قد أبدى محياهُ
وقد حكى شفق الظلماءِ حين بدا
لسانَ صلٍّ وثغر الغرب أبداهُ
فالغرب شاكل أفواهَ الآراقم إذ
رام ابتلاع الدراري فاغرًا فاهُ

وقال:

وربَّ بخيلٍ يودُّ لبخلٍ
لو انَّ الرجع يعود إليهِ
إذا ما القذى حل في العين منهُ
بغى قفل جفنيهِ حرصًا عليهِ

وقال:

كيف بالله هان بدلي عليها
بعد عهدٍ جرى بعقد يديها
كيف خانت تلك العهود ورامت
ودَّ غيري؟ وكيف يحلو لديها؟
غازلتهُ في حضرتي فلهذا
كان عتبي يجري على عينيها
وتصبتهُ وهو خالٍ ومالت
عن شجيٍّ ما مال إلا إليها
ثم أخفت هواهُ عنيَ لكن
بلقاهُ يبدو على شفتيها
أين تخفي عشق الذي إذ تراهُ
أحرقت ذمتي على وجنتيها؟
كيف ويلاه تطرح اليوم صبًّا
وضعتهُ بالأمس في مقلتيها؟
ولماذا خانت ومانت فجاءَت
بكبار الذنوب من أصغريها؟
لم تخن غير نفسها فهي لولا
سبقها ما وقعت في راحتيها
قلت: أنَّى كلفتِ بالغير؟ قالت:
ما أنا، بل حشايَ فاعتب عليها
ليس ودُّ الحسناءِ من قلبها بل
جاءَ من خصرها ومن مقلتيها
والذي زقزقت غرامًا عليهِ
سوف يمضي ولا يعود إليها

وقال يهنئ أحد أصحابهِ في الإسكندرية لقدوم علامة الشرف لهُ:

شرفٌ ينطح النجومَ سناهُ
ومقامٌ فوق الثريا علاهُ
وازدهارٌ يمحو الضناءَ وزهوٌ
تحسد الزهر في الرُّبا معناهُ
ونوالٌ يزري البحور وفوزٌ
يترك الدهر قائلًا: ويلاهُ!
وسرورٌ أبقى الصديق بعرسٍ
وأعاد العدوَّ يقضي عزاهُ
لك يا أيها الشريف المفدَّى
والنبيل الذي تسامى ذراهُ
جوهرٌ يحتوي جواهر فضلٍ
كلها في حماك عزٌّ وجاهُ
شرفٌ فوق صدرك العدل يحكي
كوكبًا في الميزان لاح سناهُ
أنت أهلٌ لكل عزٍّ وفخرٍ
وكذا الاستحقاق فيك تراه
فقت قدرًا بذا، وزدت سموًّا
حين نادى الحسود ما أسماهُ
أنت درٌّ في بحر فضلك بادٍ
والأعادي على الشطوط حصاهُ
فأهنيكَ بالفخارِ هناءَ
راق حتى النسيم عني رواهُ
لا عداك الصفاءُ والسعد لا زا
ل مديرًا في راحتيك رحاهُ
والليالي لا زلن معتنياتٍ
فيكَ كالعبد في حمى مولاهُ
كلما الصبح هزم الليل قهرًا
وبدا الشرق ساطعًا في ضياهُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤