قافية التاءِ

وقال:

يا غزالًا تلفتنا
صلْ فهجري إلى متى؟
عيل صبري بذا الجفا
وفؤَادي تفتتا
ذبتُ لما هجرتني
واصطباري تشتتا
أَعْيُنُ الصَّبِّ كَم صَبَتْ
لمحياك يا فتى
كلما لاح بارقٌ
قلت: ذو الحسنِ قد أتى
لهواك الفؤَاد يا
قمري صار منبتا
لك لحظٌ سبى النهى
ولشيب الفتى فتى
فارحمِ الصبَّ ذا العنا
يا غزالًا تلفتا

وقال يمدح الخواجا أنطون سقال:

شموس في بروجِ الحي حلت
بأنوار لبندِ الليل حلَّتْ
خرائد في القلوب لها خدورٌ
ممنعةٌ عن الأوهام جلتْ
سللن من اللحاظ مهنداتٍ
بهن دماءُ أهل الحب طُلَّتْ
وهزَّينَ الذوابل من قدودٍ
فكم نفسٍ لهذا الطعن ذلَّتْ
على الوجناتِ قد أضرمن نارًا
بها انسَلَتِ القلوبُ وما تسلَّتْ
وليس يصحُّ حبُّ الغيد حتى
يكونَ بهِ النفوسُ وهت وعلتْ
كلفتُ بغادةٍ تلفتْ فؤادي
بأجفان من التعذيب كلتْ
تلوح وتنثني غصنًا وبدرًا
فطلعتها على قلبي تجلتْ
أتت فرأيت صبحًا من جبين
وليلًا من ذوائب حين ولتْ
جنود جمالها فتكت بروحي
هوًى وعلى النهى مني تولتْ
حياتي بالوصال فحرَّمتهُ
وموتي بالجفا فقد استحلَّتْ
فأعوام النوى كثرت وزادت
وأيام اللقا نقصت وقلَّتْ
وقطر مدامعي ما زال يمحو
رسوم تجلدي حتى اضمحلَّتْ
عذولي خلِّ عذلي إن نفسي
أبت سلوان من عني تخلَّتْ
إذا عَطلَتْ نحور الصبرِ مني
ففي مدح ابن سقَّالٍ تحلَّتْ
فتًى يحوي صفاتٍ صافياتٍ
مطارفها بماءِ اللطفِ بلَّتْ
حزومٌ عالمٌ فطنٌ لبيبٌ
بشاشتهُ كئوس الإنس حلَّت
غدت أقلامهُ مثل المواضي
على عُنق الخطا والجهل سلَّتْ
وأقدامٌ له حازت ثباتًا
على الأقدام ما حادتْ وزلَّتْ
فصيحٌ بارعٌ إن قال شعرًا
ترى أن البلاغة فيهِ حلَّتْ
وأستاذٌ أحاط بكل علمٍ
إليهِ الغامضاتُ قد استدلَّتْ
بهِ الألحان قد حُصِرت وباتت
محيرةً بمغناه وظلتْ
شموس البِشر منهُ إذا تجلت
محت ليل الردى عنا وأَجلتْ
إذا نقرت على الأوتار يومًا
أناملهُ ترى الأكدار فلتْ
ألَا يا أيها الخِلُّ المفدَّى
مودتكم بقلبي قد تملتْ
زففت اليوم ذي الغيدا عليكم
أَهلَّتُها بأفقِ الحسن هلَّتْ
فمدُّوا يد الودادِ لها تروها
بَنتْ حصن الودادِ لكم وأَعلَتْ

وقال:

سعت نحوي لسفكِ دمي أمورٌ
تذيقُ بشرعها طعم المماتِ
سيوفٌ من عيونٍ مرْهفاتٍ
رماحٌ من قدودٍ مايساتِ
وآياتٍ لقد نظرت لحاظي
بِمعناهُنَّ أضحت حائراتِ
بروقٌ من ثغورٍ باسماتٍ
ليالٍ من شعورٍ حالكاتِ
ضياءٌ لاحَ في فلك المغاني
فكان من المعاني المشكلاتِ
بدورٌ من غصونٍ مفرعاتٍ
شموسٌ من كئوسٍ دائراتِ

وقال:

قد سألتُ الوصلَ من قمرٍ
حسنهُ المعجزُ آياتُ
قال لي: لا لا، فقلت لهُ:
إنَّ نفي النفيِّ إثباتُ

وقال:

زهتِ الرياض فلا تُضع زهواتها
قمْ واجنِ زهر البشر من زهراتها
روضٌ كستهُ يد الربيع جلاببا
من سندسٍ تسمو بحسنِ سماتها
حيث الغصون تميل من ريح الصبا
فتهيج العشاق في ميلاتها
والزهر يهدي الريح نشر عبيرهِ
والريح تهديهِ ندى نفثاتها
وبلابل الأدواحِ تبدي شدوها
والقضب راقصةٌ على نغماتها
فإلامَ أنت تَغُطُّ في سِنة الكرى
وتضيع اللذاتِ في أوقاتها؟
نبه عيونك فالهناءُ هنا بدا
ما نفع عينٍ لم تدع غفلاتها
هلَّا رأيتَ الفجرَ أَوترَ قوسهُ
ورمى النجوم فأظهرت كمداتها
والشمسَ أضرمت اللهيبَ فأحرقت
صدأَ الرياح وطيبت نسماتها
وأعادتِ الأشجارَ مثل عرائسٍ
غنت محاسنها على سكتاتها
أو مثل غاداتٍ رأت في غفلةٍ
عين الرقيبِ فصفَّرت وجناتها
فالماء في مُهج الغصون مرقرقٌ
والنار مضرَمَةٌ على هاماتها
لولا عذاب الدوح في نار الضحى
ما استعذبت نفس امرئٍ ثمراتها

وقال:

أيُّ قلبٍ عانى هوى الغانياتِ
مثلَ قلبي وهام باللحظاتِ!
قد ألفت الغرام مذ كنتُ غرًّا
وسأرعى الهوى ليوم المماتِ
فالهوى للحياة طيبٌ ومن لم
يهوَ لم يدرِ كيف طيبُ الحياةِ
وا عذابي من الهوى وا عذابي!
فهو لم يجدني سوى الحسراتِ
قد سقتني كاسَ الهوان يد الحُبـْ
ـبِ وأجرت مثلَ الدما عبراتي
كنت ذا عزةٍ فصرت ذليلًا
حائرًا بين حُسَّدي وعداتي
وعلى كل حالةٍ إنني لم
أَدَع الحب فهْو من واجباتي
ها أنا للغرامِ أعطيت قلبي
هبةً واستعضت باللهفاتِ
كلماتي أضحت لجيد الهوى عقدًا
فيا ليتها تروق مهاتي
بأبي غادةً لقد غادرتني
في الهوى هائمًا مدى الأوقاتِ
همت وجدًا بحسنها فهي لي صا
لحةٌ والنعيم بالصالحاتِ
حركاتٌ لها أذبنَ فؤادي
وسكون الهوى على الحركاتِ
وعلى وجهها المحاسن تُجلى
جَليَانَ الشعاعِ في المرآةِ
هي كالبدرِ إنما لا غنى عنـ
ـها وتغني عن ذاك بالمشكاةِ
حيثما لم تكن أماميَ أغدو
هائمًا ناظرًا لكلِّ الجهاتِ
أطلب الإنفرادَ إذ لا أراها
لأناجي الخيالَ في الخلواتِ
ثم أجري إلى الدروبِ وإن قا
بلتها ملت معجلًا خطواتي
فكأن الهوى يغار عليها
أو كأن الحيا غدا من صفاتي
فإذا أوقعت على وجهها عينيـْ
ـيَ دواعٍ رجعت بالزفرات
شدة الشوق وافقت شدة الحسـ
ـن على منع كثرةِ النظراتِ
حبها كالدماءِ يسعى إلى قلـ
ـبي ولكن من أعيني هو آتِ
ذات دَلٍّ ترنو إليَّ بلحظٍ
فيهِ يجلى لطيف شوق الفتاةِ
إن ثناها الصبا لواها حياءٌ
فهي حيرى بين الحيا والحياةِ
ليس لي لذةٌ ولا ألمٌ في
كلِّ عمري سوى اللقا والشتاتِ
فبيوم اللقاءِ تبدو حياتي
وبيوم الفراق ألقى وفاتي
نعمَ يومًا بهِ من الوصلِ أجني
لذةً فوق سائرِ اللذاتِ
يا رداحًا من غور قفر خباها
صَعِدَتْ كالغزال في الفلواتِ
أنتِ واللهِ آيةٌ مالها من
منكرٍ دون سائر الآياتِ
لا تطيلي حبلَ الدلالِ فإني
لضعيفٌ يا أجملَ الغاداتِ!
واحفظي الودَّ تخجلي كل من قد
قال ودُّ الدمى عديم الثباتِ
واسمحي لي برشفةٍ من طلا الثغـ
ـر فيحيا المحبُّ بالرشفاتِ
نفساتُ الزفيرِ تقتل لكن
أنتِ تحيينني بذي النفساتِ
غفلت أعين الوشاة فقومي
نقضِ طيبَ اللقا على الغفلاتِ
ليت شعري متى يشاءُ الهوى أن
نتعاطى الوصالَ قبل الفواتِ

هجوم الربيع

جاء الربيعُ وأزهارُ الرُّبَى نفحتْ
والوقتُ قد طابَ والورقاء قد صدحتْ
والبرد غاضَ كماءٍ في السباخ كما
لاح الندى وكنوز الصفو قد فتحتْ
زال الشتا وبدا منهُ الربيع لنا
كدرةٍ من فم الثعبان قد طرحتْ
والسحب قد خزقت أثوابها ترحًا
على الزوال وأرواح الصبا فرحتْ
والروض أرسل من أطيابهِ رسلًا
مع النسيم ليدعو الناس إن سمحتْ
راق الزمان وقد طابت مواردُهُ
يا صاحبي وموازين الصفار حجتْ
فانهض صباحًا إلى الروض النضير ولا
تبقِ الصبوحَ فكاسات الهنا طفحت
حيث الزهور تجلَّت في منابرها
بأرؤسٍ لأكاليل الندى صلحتْ
والورد قام على عرشٍ لهُ بهج
وفوقهُ ألسن النعماءِ قد فصَحَتْ
والآسُ غمَّضَ كالوسنانِ أَعْينهُ
وأعين النرجس الزاهي قد انفتحتْ
والطيرُ قد غرَّدت فوق الأراكِ وقد
جرى النسيم على الأغصان فاصطلحتْ
والقضب قد رشفت خمر الندى وغدت
تميلُ حتى إذا صاح النهارُ صحتْ
ولا تزل بابنة العنقود مشتغلًا
حتى ترى الشمس نحو الغرب قد حجَّتْ
وفوقَ مزدَحم الأشجار قد سكبت
يد الأصيل نضارًا فيهِ قد ملحتْ
وانظر إلى الأفق الغربي حيث غدا
يحكي خدودَ عروس بالحيا اتشحتْ
كأنما الجوُّ إذ حاطَ الغمام بهِ
عند الغروبِ وأبدى حمرةً وضحتْ
قاعٌ فسيحٌ بهِ ثارَ الوغى فعلا
دخانهُ والدما فيهِ قد انسفحتْ
فانهبْ زمانك إن العمرَ منصرمٌ
ولا تضع فرصةَ اللذاتِ إن سنحتْ
ولا تمل عن رياض البان ما خطرت
فيها النسيم وبالأطبابِ قد نفحتْ
هناكَ من ظبياتٍ قد أدرنَ لنا
لواحظًا كالظبا للقلبِ قد ذبحتْ
من كل مائسةِ الأعطاف ناعمةِ
الأطراف طيبةِ الأوصاف إن شرحتْ
كواكبٌ من بروج الحي قد لمحت
رباربٌ في مروج الفيِّ قد مرحتْ
هن الظباءُ التي تهوى السراحَ وفي
غير الجوانح والأكبادِ ما سرحتْ
بل البدورُ التي لم تنخسفْ فإذا
لاحت جلت بالسنا ليل العنا وَمَحَتْ
وغادةٍ تفضحُ الخطيَّ إن خطرت
بقمامةٍ طالما للغيدِ قد فضحتْ
أرومُ تركَ الجفا منها فتكبحني
يا للهوى آهِ لو تدري لمن كبَحَتْ
فبالجفا محنت قلبي وقد منعت
عنهُ الهنا ولهُ ثوبَ العنا مَنَحَتْ
لها غدائرُ أولتني الجميلَ فكم
تشفُّعًا بي على أقدامها انْطَرَحَتْ
إنَّ العيونَ لقلبي قد جرحْنَ ولا
عَتبٌ على المُقَل النجلاءِ إن جَرَحَتْ
بعتُ المعزةَ وابتعتُ المذلةَ في
سوق الهوى وتجارُ الحبِّ قد ربحتْ
أفدي مهاةً لها ثغرٌ حوى دررًا
ووجنةٌ بمياهِ الورد قد نضَحتْ
إذا تجلَّت ثوى قلبي على لهبٍ
وأعيني في عيون الحسن قد سجتْ
يا ربةَ الدَّلِّ ما هذا النفارُ فما
أبقيتِ لي غير عينٍ قطُّ ما طمحتْ
جوري عليَّ بما تهوين فهو على
رأسي وساحة صبري في الهوى فسحتْ
إن كان ذنبٌ فللعشاق معذرةٌ
وليس ذنبي سوى روحي بكِ افتضحتْ
بُعدًا لواشٍ سعى ما بيننا حَسدًا
فلا أصابت مساعيهِ ولا نجحتْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤