الفصل الثاني عشر

روسيا: حرب بوتين ضد النخبة

في خريف عام ٢٠٠٤ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن خُطَط تهدف إلى إجراء «إصلاح» جذري للمنظومة السياسية في بلاده، وكان الهدف هو تركيز مقاليد السلطة في يَدِ الكرملين. انتهز بوتين فرصة حدوث أزمة رهائن في بيسلان أقدَم فيها انفصاليون من الشيشان على قتْلِ مئات الأطفال، وزعم أن سيطرته على مقاليد السلطة كان مبعثها الأساسي هو حاجة روسيا إلى الفوز في حربها ضدَّ الإرهاب. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يُسخِّر فيها بوتين قوةَ الدولة الروسية في تنفيذ أغراضه الخاصة.

كان بوتين، الذي اختاره سلفُه بوريس يلتسين بنفسِه كي يخلفه في قيادة روسيا، يخوض حربًا على «النخبة»، والمقصود بها رجال الأعمال الذين ملئوا فراغ السلطة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩١ وسيطروا على أصول الدولة. كانت تلك النخبة قد دعمت حكومة يلتسين إلى أن وقعت روسيا في حالة من الفوضى مع انهيار الروبل عام ١٩٩٨.

كان ميخائيل خودوركوفسكي، رئيس مجموعة شركات النِّفْط الروسية يوكوس وصاحب أكبر حصة من أسهمها، أحدَ أفراد تلك النخبة المزعومة، وكان صافي ثروته، وفقًا لمجلة فوربس، يبلغ ١٥ مليار دولار. ونظرًا لأن نوعية الرأسمالية التي يمثلها خودوركوفسكي وكذلك ثروته كانتا تمثلان تهديدًا مباشرًا لسلطة بوتين؛ أُلقِيَ القبض عام ٢٠٠٣ على خودوركوفسكي، بإيعاز من بوتين، وأُلقِيَ في السجن على خلفية جريمتَيِ الاحتيال والتهرُّب الضريبي. بعد ذلك فُتح الباب أمام شركة النِّفْط الحكومية روسنفت للفوز بمناقصة لما تبقَّى من شركة يوكوس. وظل خودوركوفسكي حبيسًا منذ ذلك الوقت.

كان الإصلاح الجذري لمنظومة الملكية الخاصة بالنخبة، تلك المنظومة المعيبة وغير المنصفة، أمرًا حتميًّا، بَيْدَ أنَّ حركة بوتين كانت معيبة وغير منصفة بالمثل وكانت مؤشرًا على الكيفية التي تسيطر بها الحكومة المركزية، أو أتباعها الذين لا يُلقُون للقانون بالًا، على عالم الأعمال بشكل عام، سواء الأعمال الأجنبية أم المحلية.

وفقًا لمراجعة أَجْرَتْها صحيفة موسكو تايمز لأكثر من ثلاثين قضية، في عشر قضايا على الأقل مُنع رجال أعمال من الدخول إلى روسيا، على ما يبدو «لأسباب تمس الأمن القومي» في الفترة بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٦. بدا هذا النفي مرتبطًا بصفقات تجارية، وقال العديد من رجال الأعمال إنهم يعتقدون أن منافسيهم الروس قدَّموا رِشًا إلى المسئولين كي يضعوهم في القائمة السوداء. لو صح هذا فسيكون لدى المستثمرين الأجانب سبب جديد للحَذَر عند العمل داخل روسيا. لكن بعد غزو بوتين لجورجيا في أغسطس ٢٠٠٨، فإن المستثمرين أنفسَهم الذين كانوا يتهافتون على دخول روسيا منذ سنوات قليلة خَلَتْ — حين كانت روسيا تمثل الحرف R في الاختصار الخاص بدول البريك BRIC١ — بدءوا في مغادرة البلاد. بدا الأمر وكأنه بمنزلة «عودة إلى زمن الاتحاد السوفييتي»، ولو صحَّ هذا فلن تكون تلك البلادُ مكانًا مناسبًا لأصحاب رأس المال.

***

fig30
شكل ١٢-١: مارَّة يسيرون في وسط مدينة موسكو قرب ملصق انتخابي يُظهِر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشَّح الرئاسي ديميتري ميدفيديف في موسكو، روسيا يوم الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠٠٨. مكتوب على الملصق «معًا سنفوز. الثاني من مارس، الانتخابات الرئاسية.» (تصوير يوري جريباس/بلومبرج نيوز.)
fig31
شكل ١٢-٢: أُدِين ميخائيل خودوركوفسكي، أحد أغنى الرجال في روسيا وأحد مَن يُطلَق عليهم اسم «النخبة»، من جانب إحدى محاكم موسكو بتهمة التهرُّب الضريبي والاحتيال في قضية سبَّبتِ انهيار شركة أُو إيه أُو يوكوس للنِّفْط. (تصوير ديميتري بلياكوف/بلومبرج نيوز.)

شهد عالم النِّفْط تغيُّرًا جذريًّا منذ الصدمات النِّفْطية الكبرى التي حدثت في سبعينيات القرن العشرين. دخل إلى حَلَبة الصراع جيلٌ جديدٌ من الدول التي يُمكِن تسميتُها «الدول النِّفْطية المعتدية»، وأبرز ثلاثة أمثلة لهذه الدول روسيا وإيران وفنزويلا.

دأبتِ الدول النِّفْطية المعتدية دومًا على استخدام الخطاب العالي الحِدَّة، أو إظهار قوَّتِها على نحو مبالَغٍ فيه، أو إصدار التهديدات، أو توجيه الإنذارات للغرب. لكن بداية من تسعينيات القرن العشرين، ومجددًا في بدايات القرن الحادي والعشرين، مَنَحَتِ الثرواتُ النِّفْطية الجديدة المتدفِّقة إلى خزائن هذه الدول إيَّاها قدرةً أعظم على التصرف بمزيد من الخشونة.

خلال سنوات الحرب الباردة بين عامَيْ ١٩٤٥ و١٩٩١، أراد الاتحاد السوفييتي أن يُنتِج أكبر قدْر ممكن من النِّفْط والغاز، وبوصفه بلدًا ديكتاتوريًّا، فقد أصرَّ على أن تشتري دول معيَّنة في أوروبا الشرقية ووسط آسيا سِلَعَه. كان مُلزَمًا بإمداد الجمهوريات السوفييتية النائية بالنِّفْط، لكنه لم يكن مهتمًّا بالمساومة حول السعر.

عام ١٩١٧ كانت روسيا تفي ﺑ ١٥ بالمائة من الطلب العالمي على النِّفْط، لكنها لم تحقِّق ثروات حقيقية من ورائه حتى تسعينيات القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت، منحتْها سيطرتها الحديدية على بعضٍ من أكبر مستودعات العالم النفطية، المُكتَشَفة وغير المستغَلَّة، منحتها القوةَ كي تَصير دولة نفطية معتدية. وفي عام ٢٠٠٦ صارت روسيا ثاني أكبر مصدِّر للنِّفْط بعد المملكة العربية السعودية.

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، كان يحدو العديدَ من المراقبين الأملُ بأنْ تَصير روسيا دولةً ديمقراطية. لكن هذه الآمال تبخَّرتْ حين اعتَلَى عميلُ جهاز الاستخبارات السوفييتية السابق فلاديمير بوتين سُدَّةَ الحكم بوصفه الرئيس في عام ١٩٩٩. وقد وصفه عنوان لمقال إخباري على النحو التالي: «مَن كان سفَّاحًا تابعًا لجهاز الاستخبارات السوفييتية، سيظَلُّ سفَّاحًا تابعًا لجهاز الاستخبارات السوفييتية.»٢ بطبيعة الحال لم يَعُد هناك وجود لجهاز الاستخبارات السوفييتية، لكن وكالة الاستخبارات الروسية الجديدة التي حلَّت محلَّه — «خدمة الأمن الاتحادية» — لم تَبْدُ مختلفة.

في بدايات حكم بوتين، كان الاقتصاد الروسي يمرُّ بأزمة عُمْلَة، وهو إرثٌ خلَّفتْه حقبة يلتسين. كانت الحكومة مَدِينة بمئات المليارات من الدولارات، وكان النظام المصرفي يُعاني من نقص السيولة، وعانى مستثمرو الأسهُم من خسائر فادحة، وغادر عدد كبير من الشركات الأجنبية روسيا وعادت لأوطانها. لم تكن الخدمة العامة تعمل بكل طاقتها؛ لأن الحكومة لم تكن تحصل على عائدات ضريبية كافية. كان ما يَصِل إلى نصف الاقتصاد الروسي تقريبًا قائمًا على السوق السوداء.

ومع هذا، وبفضل أسعار النِّفْط المتزايدة، تمكَّن بوتين من دفع الديون، وزيادة احتياطي العملة، وزيادة الضرائب المحصَّلة. وفي عام ٢٠٠١ فرض بوتين ضريبة دَخْل موحَّدة مقدارها ١٣ بالمائة. ورغم أن بوتين كان قد نجح في إخراج بلده من الهُوَّة الاقتصادية، فقد كان بحاجة للاستمرار في المسار الذي رسمه إلى التكنولوجيا الغربية من أجْل استخراج النِّفْط على نحو أكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية. ولوهْلة، بدا وكأنه يمكن بناء علاقات من شأنها أن تُفِيد كلًّا من الغرب وروسيا الجديدة. وخلال الأشهُر الستة الأولى من عام ٢٠٠٠، بدأ المستثمرون الأجانب يَلْقَوْن ترحيبًا.

في مايو ٢٠٠٢، زار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش موسكو، ووافق على إجراء «حوار حول الطاقة» مع بوتين. وَعَد الرئيسان بزيادة الاستقرار، وتحسين القدْرة على التنبُّؤ في أسواق النِّفْط العالمية. وقال إيان بريمر إن استيراد النِّفْط الروسي كان أمرًا منطقيًّا في نظر الولايات المتحدة، لكن بصورة ما بدتِ الدولتان عاجزتَيْن عن الاتفاق على الشروط. قال بريمر: «تحدَّثتِ الولايات المتحدة عن تطوير شراكة استراتيجية في مجال الطاقة مع الروس لسنوات … لكن لم يتحقَّق أيُّ تقدُّم. جزء من السبب في هذا يرجع إلى أن الولايات المتحدة مستهلِك وروسيا مُنتِج؛ ومِن ثَمَّ يُريد الروس أسعارًا عالية فيما تُريد الولايات المتحدة أسعارًا منخفضة.»٣

من البداية، بدا بوتين مهتمًّا بالعلاقات مع الغرب فقط حين كان يَرَى أنها مُفيدة له. في أوائل عام ٢٠٠٢، بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعة النِّفْط الروسية ٤٫٥ مليارات دولار، وأغلب هذا المال ذهب إلى مشروعات مكلِّفة عالية الخُطُورة في المحيط الهادي وإلى بناء خط أنابيب يربط حقول النِّفْط في بحر قزوين بموانئ البحر الأسود. كانت العلاقات الروسية الغربية تُظهِر بالفعل بعضَ علامات التوتر، لكنَّ شهْرَ العسل انتهى بشكل رسمي في أكتوبر ٢٠٠٣، حين بدأ الروس في إلقاء القبض على مسئولي يوكوس التنفيذيين.

من الواضح أن مستثمري النِّفْط الغربيين كانوا مرتبكين بشأن المسار الذي كان بوتين يَسلُكه. كانوا يُريدون الاستثمار في مجال النِّفْط، لكنهم شعروا بعدم الاستقرار في بيئة يُسجَن فيها مسئولو الشركات التنفيذيون. علاوة على ذلك، كانوا قد أُبعِدوا عن الاستثمار في الشرق الأوسط، فإما أن يكون لديهم فرصة لدخول حقول النِّفْط في أمريكا الشمالية وشمال غرب أوروبا، وإما أن حقول النِّفْط كانت في سبيلها للنفاد وكان إنتاجها في انخفاض.

عام ٢٠٠٤، عجَّل بوتين عملية الحصول على الموافقات وأنشأ مناطق صناعية معفاة من الضرائب، وعرض على المستثمرين الدخول في مشروعات مشتركة مع شركات مملوكة للدولة. حملت تلك المشروعات المشتركة وعودًا بأرباح مغرية، لكن الكرملين، وليس القطاع الخاص، صار صانع القرار الأساسي في عملية إنتاج النِّفْط، وتسبب التدخل الحكومي في فتور حماس مستثمري النِّفْط الغربيين. وأعلنت إكسون موبيل، وكذلك شركة النِّفْط الفرنسية توتال، خفْضَ مشاركتهما في أسواق النِّفْط الروسية. وبين عامَيْ ٢٠٠٣ و٢٠٠٤ زاد مقدار رأس المال الهارب من ٢٫٩ مليار دولار إلى ١٢ مليار دولار؛ أيْ بواقع ٩ مليارات دولار.

اضطر الروس، نظرًا لعدم رغبتهم في الاعتماد على تكنولوجيا النِّفْط والمعرفة الغربية التي كانوا يحصلون عليها من قبل، إلى الاعتماد بالأساس على أنفسهم. وبحلول عام ٢٠٠٥ بات قطاع النِّفْط والغاز الروسي مسئولًا عن ٢٠ بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، وكان يولِّد أكثر من ٦٠ بالمائة من عوائد التصدير، ويمثِّل ٣٠ بالمائة من كل الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد. ودون شك، ونتيجة تدفُّق عوائد النِّفْط، عاود الاقتصاد الروسي الوقوف على قدميه.

عام ٢٠٠٦، نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بمقدار ٦٫٧ بالمائة، وهو ما فاق معدلات النمو في دول صناعية أخرى وتوَّج التوسع الاقتصادي للبلاد للعام السابع على التوالي. يقول الباحث الإسرائيلي موردخاي عابير:٤ «روسيا الآن تملك القدْرة على فرض شروطها، وهي تقول لزبائنها في أوروبا الغربية: «نحن الآن مَن نمسك السَّوْط. ونستطيع أن نقول لكم: إذا لم نَبِعِ المنتَجَ لكم، يمكننا بَيْعُه للصين أو اليابان أو أي دولة أخرى».»
واصل بوتين استعراض عضلاته. في عام ٢٠٠٦ كان لرويال دَتش شِل حصة الأغلبية٥ في مشروع سخالين ٢ في روسيا. وما إنْ يكتمل المشروع فمِن شأنه أن يَفِيَ بثمانية بالمائة من الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المُسال. كانت شِل قد شَهِدَتْ بالفعل تكاليف المشروع وهي تتضاعف، ذلك المشروع الذي يُعَدُّ أكبر منظومة متكاملة للنِّفْط والغاز الطبيعي في العالم. لكن تمثَّلتِ المشكلة الأخيرة في سَعْيِ السلطات الروسية إلى نقْض دراسة الجَدْوَى التي أُجريت عام ٢٠٠٣ وسمحت بالبدء في تنفيذ خُطَّة المشروع في المقام الأول. ونظرًا لأن الشركة الروسية العملاقة غازبروم كانت منخرطة لأكثر من عام في محادثات تَهدُف لنيل حصة من المشروع؛ لم يكن من الصعب معرفة الشركة التي ستستفيد من وراء إلغاء حقوق شِل في المشروع. كانت تلك الصفقة مثالًا آخَر لمشكلات العمل مع حكومات تَضَع القواعد مع مرور الوقت كي تتوافق مع احتياجاتها وطموحاتها. وقد قالت مجلة موني ويك عن هذا: «لهذا السبب من المُهِمِّ أكثر من أيِّ وقت مضى أنْ يَجِد الغرب موارد نفطية لا تتضمن الاعتماد على مثل هذه الدول.»
في خريف عام ٢٠٠٧، تحدَّى بوتين المشروع البالغة قيمته ٦ مليارات دولار والخاص بائتلاف لتطوير الطاقة تُديره الشركة الأمريكية المنتجة للنِّفْط شيفرون في كازاخستان.٦ كانت شيفرون تأمُل مضاعفة قدْرة التوصيل لخط أنابيب بحر قزوين الذي يمتد من كازاخستان إلى البحر الأسود. وكان الروس يَملِكون حصة مقدارها ٢٤ بالمائة في ائتلاف شيفرون، لكنهم عارضوا لوقت طويل خُطَط المجموعة لمضاعفة القدْرة من ٧٠٠ ألف برميل يوميًّا قائلين إنهم لم يتلقَّوا العوائد الكافية. وأخيرًا، قرَّروا أن يُعِيقوا مشروع التوسع في خط الأنابيب.
يقول المحلل النِّفْطي مايكل هايلي:٧ «روسيا هي أكبر منتِج للغاز الطبيعي في العالم. ويمكن أن تَصير أكبر ممَّا هي عليه. إن البنية التحتية لخطوط أنابيبها رديئة للغاية. وفي أيِّ وقت يَحدث فيه استثمار في روسيا توجد مشكلة تتمثَّل في قيام الحكومة الروسية بالسيطرة على شركة للنِّفْط؛ لأنها لا تحب القائمين على الإدارة. هناك مخاطرة سياسية لأولئك الراغبين في الاستثمار في الدول التي أَمَّمتْ شركات النِّفْط العاملة بها.»
fig32
شكل ١٢-٣: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى اليسار، بجوار ديميتري ميدفيديف، النائب الأول لرئيس الوزراء، خلال حفْل مقام بالميدان الأحمر، موسكو، ٢ مارس ٢٠٠٨. (تصوير يوري جريباس/بلومبرج نيوز.)
لا يزال بوتين يَحظَى بالشعبية في روسيا. صحيح أن هناك مَن ينتقدونه، لكن رغم أن كلماتهم قد تُثِير الضيق، فإنهم لا يمثِّلون سوى تهديد طفيف لحُكْمه. وقد قال عنه جاري كاسباروف، لاعب الشطرنج الشهير الذي ترشَّح في إحدى المرات في الانتخابات الرئاسية: «بوتين لا يخاف. إنه يريد أن يحكم مثل ستالين، وفي الوقت ذاته يعيش مثل أبراموفيتش٨ … إن نظام بوتين أشبه بالمافيا منه بنظام ديمقراطي.»

بحلول عام ٢٠٠٧، كان بوتين قد اشترى قدْرة إنتاجية تصل إلى ١٠ ملايين برميل يوميًّا. كانت روسيا تتحكَّم بالفعل في الطريق إلى إنتاج دول وسط آسيا المتزايد، وهو موقف صار واضحًا حين أعلنت شركة لوك أويل أنها ستزيد الإنتاج من كازاخستان بنسبة ٤٠ بالمائة بحلول عام ٢٠١٠.

كانت لوك أويل هي الشركة المهيمنة في قطاع النِّفْط الروسي بنسبة قدرها ١٩ بالمائة من إنتاج النِّفْط الروسي ونسبة قدرها ١٨ بالمائة من احتياطي النِّفْط الروسي. من منظور عالمي، كانت الشركة تملك ١٫٣ بالمائة من احتياطي النِّفْط العالمي وتسيطر على ٢٫٣ بالمائة من إنتاج النِّفْط العالمي. عام ٢٠٠٦ تمتَّعتْ لوك أويل بأكبر حجم للتداول بين الشركات الأجنبية في بورصة لندن. إن النموذج الروسي — المتمثِّل في سيطرة الدولة على شركات النِّفْط الخاضعة أسهُمُها للتداول في البورصات — تسبَّب في تشويه الرأسمالية وفق هوى بوتين.

شركات النِّفْط الروسية المملوكة للدولة٩

• غازبروم.

• روسنفت.

• سلافنفت.

• ترانسنفت.

• لوك أويل.

• أوناكو.

• سيبنفت.

• راسنفت.

مثَّل كنز النِّفْط الروسي إغراءً لا يُقاوَم في نظر شركات النِّفْط الدولية. وبمزيج من العناد والتفاؤل، عادت الشركات التي كانت قد غادرت روسيا منذ سنوات قليلة خلت بكل قوة في عام ٢٠٠٧، فافتتحت متاجر بيع بالتجزئة، وبَنَتْ مصانع لتجميع السيارات ووَفَّرَتْ مساكن للطبقة الوسطى الجديدة المتنامية. شهدت عمليات الطرح الأوَّلي للأسهم الروسية إقبالًا كبيرًا، ليس فقط في بورصة موسكو، وإنما في بورصات فرانكفورت ولندن ونيويورك أيضًا.

مرَّتْ شركات النِّفْط الغربية الكبرى بأوقات عصيبة وأخرى طيبة مع السلطات الروسية. ووَفْق المحلِّل النِّفْطي إيان بريمر١٠ فإن «شركة بي بي تستثمر الكثير في روسيا. في البداية طُردت من صفقة سادامكو، وبعد ذلك غُرِّمت ٩٠٠ مليون دولار من جانب الكرملين … إنها بيئة صعبة، لكن في نهاية المطاف، يُدفَع لشركات النِّفْط كي تأتي إلى هذه الدول وتسحب الموارد من الأرض، وتقدم شركات النِّفْط خدمة مفيدة.»

(١) مشروع روسيا المشترك مع شركة بي بي

عام ٢٠٠٣، دخلت شركة النِّفْط البريطانية، بي بي، في مشروع مشترك مع شريك روسي، وكانت حصة كلٍّ منهما في المشروع خمسين بالمائة. كان اسم المشروع تي إن كيه-بي بي، وكان يرأسه من جانب بي بي التنفيذي روبرت دادلي. كان الهدف الروسي هو جلب تكنولوجيا بي بي من أجْل تعزيز الإنتاج في بعض حقول النِّفْط القديمة واستكشاف مناطق جديدة. كانت روسيا تأمل أنه في العام التالي، عام ٢٠٠٤، ستكون بي بي قادرة على رفع الإنتاج في حقول النِّفْط القديمة من مليون برميل يوميًّا إلى ١٫٤ مليون برميل. كانت بي بي تتطلَّع إلى جَنْيِ ثمار عملها؛ من حيث الاستكشاف الجديد واحتياطيه المضمون في حوض نفط سيبيريا بروسيا.

لكن الحكومة الروسية لم تسمح بالأمر بهذه السرعة. وفي يوليو ٢٠٠٨ ألْغَتِ الحكومة الروسية تأشيرة العمل الخاصة بدادلي. قال بيتر سَذرلاند، رئيس بي بي، إن الشركة كانت تُقاوِم محاولات الشريك الروسي السيطرة على حصتها، ذلك الشريك المدعوم على ما يبدو من طرف السلطات الروسية، وهي حيلة قومية أخرى تتمثل في إبعاد شركات النِّفْط الغربية عن المناطق الغنية بالطاقة.

كانت بي بي تضخُّ نحو ٢٥ بالمائة من إنتاجها العالمي في روسيا. وتنبَّأ العديد من محللي الصناعة بأن شركة تسيطر عليها الحكومة الروسية، مثل غازبروم أو روسنفت، ستسيطر في نهاية المطاف على المشروع المشترك، بحيث تَصير بي بي مجرد شريك ذي حصة أقلية، هذا لو كانت محظوظة من الأساس.

الغزو الروسي لجورجيا: النِّفْط محور للصراع

في أغسطس ٢٠٠٨، غَزَتْ روسيا جورجيا. السبب المُعلَن للصراع هو أن روسيا كانت بحاجة للحفاظ على السلام بين دولة جورجيا المستقلَّة وانفصاليي أوسيتيا الجنوبية المنشقِّين. لكنْ بطبيعة الحال كان النِّفْط محورَ هذا الصراع. أرادتْ روسيا السيطرة على منطقة قزوين الغنية بالنِّفْط. لم تكن جورجيا تملك مصادر طاقة خاصة بها، لكن كانتْ تمرُّ في أراضيها خطوط أنابيب — بَنَتْها شركات النِّفْط الدولية الكبرى — تنقل النِّفْط والغاز من منطقة قزوين إلى الأسواق الغربية.

كانت الولايات المتحدة تدعم ممر طاقة يمتد من الشرق إلى الغرب عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا، وهو ما خفَّف قبضةَ روسيا المُحكَمة على الإمدادات الآتية من إحدى المناطق النِّفْطية المتبقية القليلة غير المستغَلَّة على مستوى العالم.

استعرضت روسيا عضلاتها مرة ثانية. ولم يفعل حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو أي دولة غربية منفردة أي شيء للحيلولة دون ذلك.

هوامش

(١) العديد من الصناديق المتداوَلَة بالبورصات كانت مُدرَجة بمؤشرات عديدة بكلٍّ من البرازيل وروسيا والهند والصين (البريك).
(٢) ستيف واطسون، www.infowars.net، ٢١ نوفمبر ٢٠٠٦.
(٣) مقابلة للمؤلِّف مع إيان بريمر في ٨ سبتمبر ٢٠٠٦. بريمر هو رئيس مجموعة أوراسيا، وهي بيت خبرة يركز على الاستراتيجيات.
(٤) في مقابلة أُجريت عام ٢٠٠٧ مع المؤلِّف. عابير زميل مركز القدس للشئون العامة، وأستاذ فخري لدراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في الجامعة العبرية بالقدس، ومتخصص في دراسة المملكة العربية السعودية والنفط في الشرق الأوسط.
(٥) ضم الائتلاف أيضًا شركتين فرعيتين هما: ميتسوي وميتسوبيشي من اليابان.
(٦)
(٧) مقابلة للمؤلِّف مع مايكل هايلي في ٧ أبريل ٢٠٠٧. هايلي هو نائب الرئيس الأول ورئيس قسم منتجات الطاقة في شركة الطاقة فيمات.
(٨) رامون أبراموفيتش ملياردير روسي يعمل في تجارة النفط، ويملك فريق تشيلسي اللندني لكرة القدم.
(٩) هذه القائمة عرضة للتغيُّر في ضوء عمليات الاندماج والاستحواذ.
(١٠) مقابلة مع المؤلِّف في نيويورك في ٨ سبتمبر ٢٠٠٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤