ريحانة المكرمات

مَن الميْتُ يُبكَى في السماء ويُرحَمُ
لَهُ مأتمٌ فيها وفي الأرض مأتَمُ
ومن ذا الذي لَمَّا نعَوْهُ لواضِحِ الـ
ـنَّهارِ توارَى ضوؤه فهو مظلم
أَذَلكمْ إبراهيمُ من كان يُرتَجَى
نَداهُ ويُخْشَى بَأْسُهُ ويُعَظَّم؟
ومَن كان لَمَّا الخطبُ يَطغَى لَهيبُه
عليه يُقَاسِي نارَه وهو يبْسم
كما كان إبراهامُ من قبلِهِ يرى الـ
ـجَحِيم سلامًا وهي نارٌ تَضَرَّم

•••

لسانٌ عن الفحشاء والزورِ مُعرِضٌ
وقلبٌ بما يهوَى الأَماجدُ مُغْرَم
وكلُّ الرزايا في الكرامِ جسيمةٌ
ولكنَّ رُزءَ الحاتمِيِّينَ أجسم
دَهاهُ الرَّدَى في الدَّارِ والصُّبْحُ مُشرِقٌ
وقد كان عنه في دُجَى النَّقْعِ يُحْجِم
فلَمَّا جِنَى ريحانةَ المَكْرُماتِ مِن
رِياضِ المعالي راح وهوَ مُذَمَّم
فلوْ أَنَّهُ بالبَرِّ حَلَّ مُصابُه
أو البحر ما كُنَّا لِذَا الحَدِّ ننْدَم
فوا حَزَنًا لو أن حُزنًا يَرُدُّهُ
ووا ألمًا لو كان يُغني التألُّم

•••

أبوهُ أبو زيد وزَيْتونُ جَدُّهُ
وَأبناؤُهُ بحرٌ خِضَمٌّ وضَيْغَمُ
سُلَيمانُ إبراهيمُ كيف أبَحْتُمَا
أَبًا كان من شَرِّ النَّوائِبِ يَعْصِم
وهذي المَواضِي تشتكي في غُمودها
لدَيْكمْ وتلك الصافناتُ تُحَمْحِم
خليلَيَّ طُوفَا بِالمدائنِ وابْكِيَا
فَإِنِّي أراها أوْشَكَتْ تتَهَدَّم
وتلكَ الجبالُ المُسْتَقِرَّات في الثَّرَى
سَتُنْسَفُ في كَفِّ الرَّدَى وتُحَطَّم
وإنْ تَسْأَلاني عن زماني فإِنَّما
لِساني بما في صدرِه مِنهُ أَعْلَم
وإنِّي ورأسي لم تُشِبْهُ صُروفُه
لأَدْرَى بِهِ مِمَّنْ يَشيبُ ويَهْرَم

•••

فَما ليلُهُ إلَّا عَجاجٌ تُثيرُهُ
سَنابِكُ خيلِ النَّائباتِ فَيُظْلِمُ
وما شمسُه إلَّا سيوفٌ يَسُلُّهَا
فهلْ غَرُبَتْ إلَّا وأطرافُها دَمُ
فيا قَبْرُ يا مَنْ لا يرى الدَّمْعَ إن هَمَى
عليهِ ولا شكوى المُحِبِّين يَفهَم
لقد بِتَّ أَعْلى منزلًا جادَك الحيا
وَرَوَّاكَ غَيثٌ دائبُ الصَّوْبِ مُفْعَمُ
ويا أيها المَدفونُ لم يَدْفِنِ الثَّرَى
عُلَاهُ فلَا تَفْنَى ولا تَتَصَرَّم
أَجَدِّيَ إن العيشَ بعدَك عَلقَمٌ
فليتَ بقائي في شقائي تَوَهُّم
فلو أنَّ مَتْنَ الموت يُنْجِي رَكِبْتُهُ
ولكنَّهُ خطبٌ من العيش أَعْظَمُ
إذا ساءَ هذا العيشُ والعيشُ واضِحٌ
فكيف يَسُرُّ الموتُ والموتُ مُبْهَمُ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤