الإكسبريس

هو الجُودُ حتى ليس لِلمرءِ حاسدُ
وحتى جميعُ الناس راجٍ وحامدُ
بَسَطْنَا فلم نقبضْ على غيرِ صارِمٍ
أَكُفًّا لَها منها إلى الجودِ قائد
فَذُو الحِرْصِ يَبْقَى مالُه وهو هالِكٌ
وذو الجودِ يفْنَى مالُه وهو خالد
ومَن لَم تُنِلْهُ ما يُرَجِّيهِ أَرضُهُ
فَرَحْبُ الفَلَا أَوْلَى بِه والفدافِد
شَقَقْنا عُبابَ الليلِ نَرْمي لمَقْصِدٍ
خطيرٍ وما تسمو علينا المَقَاصد
ومَن دُونَ مَرْماهُ رقابُ العُلا فَذَا
قريبٌ لِعَيْنَيْه النجومُ الشوارد
على طائراتٍ من قصورٍ تَتَابَعَتْ
يطوف بها حولَ البَسيطةِ مارد
يُمَزِّقُ قُضبانَ الحديدِ دُلُوقُه
كمَا مَزَّقَتْ بِأسَ الكُماةِ المكايد
ويَسْري فَتَرْتَجُّ الأراضِيُّ تحتَهُ
فَتَنْقَدُّ من شُمِّ الجبالِ الجَلامد
عظيمُ الجَوَى سامي الصُّوَى حَالكُ الشُّوَى
شديدُ القُوَى كالموتِ يقظانُ راصد
كَبَازٍ على الغبراءِ يطلبُ مَوْرِدًا
وقد أصبحتْ فوق النجوم الموارد
لأَفراخِه خمسٌ عِطاشًا وإلْفُهُ
أصاب جناحيها بِسَهْمَيْه صائد
تَيَقَّنَ أَنَّ الموتَ في صُورةِ الوَنَى
فلا هو مُسْتَأْنٍ ولا هو عائد
طَوَى الأرضَ يرجو أن يعيشَ وكُلُّنَا
نُكَابِدُ مِن خوفِ الرَّدَى ما نكابد
وبحرُ الرَّدَى كلُّ الوَرَى مُغْرَقٌ بِهِ
وإنْ سَبَحُوا فيه طويلًا وجاهَدُوا
وليس يَرُدُّ المَرْءَ خوفٌ من الرَّدَى
إذا أَنْشَبَتْ فيهِ ظُبَاها المراقِدُ
هدانا بِلا هَزٍّ أَطارَ هُجُوعَنا
وإنْ هَزَّتِ الأفلاكَ منه السواعد
هَدَى غُرَفًا كالرَّوْضِ باكَرَها الحَيَا
وعَطَّرَها أَنْفٌ من الرِّيحِ بارِد
كأنَّ مبانيها المَرايا أَنَاقةً
فَلِلصَّقْلِ فيها كُلُّ وجهٍ يُشَاهَد
يرى شخصَهُ الإنسانُ فيها إذا دنا
تَجِيءُ إليه أو نَأَى يَتَبَاعَد
بها سُرُرٌ مرفوعةٌ حِيكَ حَشْوُها
من اللين أو ممَّا تشاءُ الخرائِدُ
لها نافذاتٌ من زجاجٍ تَخالُها
من الرِّيحِ قُدَّتْ أو هيَ الوهمُ جامدُ

•••

رَكائبُ صِدقٍ في الثَّرَى كلَّما سَرَتْ
على الأرضِ حَنَّتْ لِلرَّغامِ الفَرَاقِدُ
تَجَمَّعَتِ الأضْدَادُ فيها فساهرٌ
خَلِيٌّ ومصروعٌ من الهَمِّ هاجِد
وأبيضُ جذلانٌ وأسمرُ عابسٌ
وأَسودُ كسلانٌ وأَحمرُ سائدُ
إذا الليلُ يَغْشانا يُضِيءُ لَنَا بِهَا
من النُّورِ ما عنه البدورُ تَقَاعَد
تُوَلِّدُه الأسلاكُ أبيضَ سَاطِعًا
كَضوءِ النهار وهي سودٌ حَدَائدُ
وما ضَرَّ لونَ الدُّرِّ زِنْجٌ خرائدٌ
مِن الدُّرِّ في لَبَّاتِهِنَّ قلائِد
مصابيحُ لم تُعرَفْ لو الشُّهْبُ مِثلُها
ولم يُسْرَ في جَوٍّ بِهِ الليلُ راكِد
إذا كَسَدَتْ فالنجمُ في الأُفْقِ ساطع
وإن سَطَعَتْ فالبدرُ في الأُفْقِ كاسد
فلا غَرْوَ أَنْ نِلْنَا المُنَى وخُظُوظُنا
مِن الخَفْضِ في عصرٍ به الخيرُ وافد
جزى الله نورَ العلمِ خيرًا فكمْ بِهِ
ظلامُ ضلالٍ جَرَّهُ الجهلُ بائد
وأبْعَدَ أيامَ الزُّبالِ وزَعْمَنا الإضـ
ـاءةَ عند الزَّنْدِ والزَّنْدُ خامِد
لَياليَ كان الرَّحلُ أَمْضَى مَطِيَّةً
إذا بات هَمَّ الراحلين التَّباعد
فَأَمَّا وقد آضَتْ ديارًا رِكابُنا
بها فُرُشٌ مرفوعةٌ ووسائد
تسيرُ مَسِيرَ الشمس في كلِّ نازحٍ
مِن الأرضِ تخشَى جانبَيْهِ الأوابد
فَلَسْنا على ذُلٍّ نُقيمُ وإنْ بَدَا
لَنا في التَّنَائي بارقٌ ورَوَاعِد
نسيرُ ولا نَلْوي على أيِّ مَوْطِنِ
إذا لم تُخَيِّمْ في ثَرانا المحامِد
تَرُودُ أمانينا الحِمَى فَنَحُلُّهُ
كأنَّ الأمانِي فوقَهُنَّ المقاعدُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤