الفصل التاسع

لمَ يصلُح البيتكوين؟

مخزنٌ للقيمة

إن الاعتقاد بأن الموارد نادرة ومحدودة هو فهم خاطئ لطبيعة الندرة، وهو المفهوم الأساسي وراء علم الاقتصاد؛ فالكمية المطلقة لأي مادة خام موجودة على سطح الأرض هي كبيرة جدًّا بالنسبة لنا كبشر لقياسها أو لاستيعابها حتى، ولا تُشكِّل بأي حال من الأحوال حدًّا حقيقيًّا لِما نستطيع نحن البشر إنتاجه؛ فنحن بالكاد خدشنا سطح الأرض بحثًا عن المعادن التي نحتاج إليها، وكلما بحثنا أكثر وحفرنا بشكل أعمق، ازدادت الموارد التي نجدها. لهذا، إن ما يشكِّل الحد العملي والواقعي لكمية أي مورد هو دائمًا مقدار الوقت البشري المُوجَّه لإنتاجه؛ حيث إن هذا هو المورد النادر الوحيد (حتى إنشاء البيتكوين). وفي كتابه الرائع، «المورد غير المنتهي»، يشرح الخبير الاقتصادي الراحل «جوليان سايمون» كيف أن المورد المحدود الوحيد، وفي الواقع الشيء الوحيد الذي ينطبق عليه مصطلح «المورد»، هو الوقت البشري. فلدى كل إنسان وقت محدود على وجه الأرض، وهذه هي الندرة الوحيدة التي نتعامل معها كأفراد. وكمجتمع، إن ندرتنا الوحيدة تتمثَّل بالوقت الإجمالي المتاح لأفراد هذا المجتمع لإنتاج سلع وخدمات مختلفة؛ حيث يمكن دائمًا زيادة إنتاج أي سلعة إذا خصَّص البشر وقتًا لذلك. لهذا، إن التكلفة الحقيقية لأي سلعة هي دائمًا تكلفة الفرصة البديلة بالنسبة للسلع التي تمَّ التنازل عن إنتاجها.

ففي كل تاريخ البشرية، لم ننفد أبدًا من أي مادة خام أو مورد، والسعر الحالي لجميع الموارد اليوم هو أقل ممَّا كان عليه في الماضي؛ وذلك لأن تقدُّمنا التكنولوجي يسمح لنا بإنتاجها بتكلفة ووقت أقل. فليس فقط إننا لم ننفد من أي مادة خام، بل إن الاحتياطات المؤكَّدة الموجودة لكل مورد قد ازدادت مع مرور الوقت رغم ارتفاع استهلاكنا لها. فإذا قمنا باعتبار الموارد محدودة، فإنه بمرور الوقت ستنخفض المخزونات المتوفِّرة مع زيادة استهلاكنا لها. لكن حتى مع استمرار زيادة استهلاكنا، فإن الأسعار ما زالت تستمر في الانخفاض، بل وسمحت لنا التحسينات في التكنولوجيا من أجل البحث عن الموارد واستخراجها بالعثور على المزيد منها. فالنفط وهو السلالة الحيوية للاقتصادات الحديثة يُعتبَر أفضل مثال على هذا الأمر؛ وذلك لأن له إحصائيات موثوقةً نسبيًّا. ويوضِّح الشكل ٩-١ أنه حتى مع استمرار زيادة الاستهلاك والإنتاج بمرور الوقت، فإن الاحتياطيات المؤكَّدة ما زالت تزداد بمعدَّل أسرع.١ ووفقًا للبيانات الواردة من التقرير الإحصائي لشركة BP، فإن الإنتاج السنوي للنفط كان أكثر بنسبة ٤٦٪ في عام ٢٠١٥م عن مستواه في عام ١٩٨٠م، بينما كان الاستهلاك أعلى بنسبة ٥٥٪. من ناحية أخرى، ارتفعت احتياطات النفط بنسبة ١٤٨٪؛ أي حوالي ثلاثة أضعاف الزيادة في الإنتاج والاستهلاك.
fig20
شكل ٩-١: نسبة الاستهلاك والإنتاج والاحتياطي المؤكَّد ونسبة الاحتياطي إلى الإنتاج السنوي، للنفط العالمي بين عامي ١٩٨٠–٢٠١٥م.

يمكن التوصُّل إلى إحصائيات مماثلة للموارد ذات درجات الانتشار المتفاوتة في قشرة الأرض، وندرة هذه الموارد تُحدِّد التكلفة النسبية لاستخراجها من الأرض؛ فمن السهل العثور على المزيد من المعادن المنتشرة مثل الحديد والنحاس؛ ولهذا فهي رخيصة نسبيًّا. أمَّا المعادن الأندر مثل الفضة والذهب فهي أغلى ثمنًا؛ حيث إن الحد الأقصى الذي يمكن إنتاجه من أي من هذه المعادن تحدِّده تكلفة الفرصة البديلة لإنتاجها مقارنةً ببعضها البعض، وليس كميتها المطلقة هي من تحدِّد ذلك. وأفضل دليل على ذلك هو أن أندر المعادن في قشرة الأرض، الذهب، قد تمَّ تعدينه واستخراجه منذ آلاف السنين، وما زال يتم استخراجه بكميات متزايدة مع تقدُّم التكنولوجيا بمرور الوقت، كما هو موضَّح في الفصل الثالث. فإذا كان الإنتاج السنوي لأندر معدن في القشرة الأرضية يرتفع سنويًّا، فليس من المنطقي ولا من العملي أن نَصِف أي عنصر طبيعي بعنصر محدود الكمية. ولهذا تُعتَبر الندرة نسبيةً فقط في الموارد المادية، واختلافات تكلفة استخراجها هي من تحدِّد مستوى ندرتها. فالندرة الوحيدة كما أظهر «جوليان سيمون» بشكل بارع، هي الوقت الذي يقضيه البشر لإنتاج هذه المعادن، وهذا هو السبب في استمرار ارتفاع الأجور العالمية في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي جعل المنتَجات والمواد تتطلَّب تكلفةً أقل على صعيد اليد العاملة والجهد البشري.

إن هذا الأمر هو واحد من أصعب المفاهيم الاقتصادية على الناس من ناحية الفهم، وهو يغذِّي الهستيريا التي لا نهاية لها والتي دأبت حركة البيئة بفرضها علينا خلال عقود من إثارة الرعب المروِّع. فبذل جوليان سايمون قصارى جهده لمكافحة هذه الهستيريا من خلال تحدي أحد أشهر نوبات هستيريا القرن العشرين بِرِهان مشهور مدته عشر سنوات. بدأت القصة عندما كتب «باول إرليخ» عدة كتب هستيرية مفادها أن الأرض كانت على حافة كارثة نفاد الموارد الحيوية، مع توقُّعات أليمة ودقيقة حول التواريخ التي ستنفد فيها هذه الموارد. وفي عام ١٩٨٠م قام سيمون بتحدي إرليخ على تسمية أية مواد خام يختارها مع تحديد فترة تكون أطول من عام واحد لرهانه، وراهن ﺑ ١٠٠٠٠ دولار أن سعر كل من هذه المعادن المعدَّلة من أجل التضخم، سيكون أقل بعد نهاية الفترة المتفق عليها. فاختار إرليخ النحاس والكروم والنيكل والقصدير وعنصر التنجستن، وتنبَّأ أن جميع هذه المواد ستنفد. مع ذلك وفي عام ١٩٩٠م، انخفض سعر كل هذه المعادن، وازداد مستوى إنتاجها السنوي، على الرغم من أن العقد المنصرم قد شهد زيادةً في عدد السكان بمقدار ٨٠٠ مليون نسمة، وهي أكبر زيادة في عقد واحد منذ ذلك الحين.

في الواقع، كلما ازداد عدد البشر، ازداد إنتاج هذه المواد الخام، والأهم من ذلك ربما كما قال الخبير الاقتصادي «مايكل كريمر»،٢ إن الدافع الأساسي للتقدُّم البشري ليس هو المواد الخام، بل الحلول التكنولوجية للمشاكل الموجودة؛ فالتكنولوجيا بطبيعتها هي «سلعة غير قابلة للمنع» (بمعنى أنه عندما يخترع شخص ما شيئًا ما، فإنه يمكن للآخرين تقليده والاستفادة منه)، و«سلعة غير تنافسية» (بمعنى أن الشخص المستفيد من الاختراع لا يقلِّل من الفائدة التي تعود على الآخرين الذين يستخدمونه). على سبيل المثال، فلنأخذ العجلة، حالما اخترعها أحدهم، يستطيع أي شخص آخر تقليدها وصناعة عجلة خاصة به، ولن يقلِّل استخدام الناس لعجلتهم بأي شكل من الأشكال من قدرة الآخرين على الاستفادة منها. فالأفكار المبتكرة نادرة، ولا تستطيع سوى قلة قليلة من الناس التفكير والوصول إليها. لهذا، ستُنتِج المجتمعات الكبيرة تقنيات وأفكارًا أكثر من المجتمعات الصغيرة، ولكن لأن الفائدة تعود على الجميع، فمن الأفضل العيش في عالم ذي عدد أكبر من السكان. فكلما ازداد عدد البشر على الأرض، تمَّ التفكير في المزيد من التقنيات والأفكار الإنتاجية، واستفاد البشر بشكل أكبر من هذه الأفكار، وقاموا بنسخها وتقليدها عن بعضهم؛ ممَّا يؤدِّي إلى زيادة إنتاجية الوقت البشري وتحسين مستويات المعيشة.

يوضِّح «كريمر» ذلك من خلال إظهار أنه ومع زيادة عدد سكان الأرض، إلا أن معدَّل النمو السكاني ازداد أيضًا عوضًا عن انخفاضه. فلو كان البشر عبارةً عن عبء باستهلاكهم للموارد، فعندها كلما سيزداد عدد السكان، ستنخفض كمية الموارد المتاحة لكل فرد، وسينخفض معدَّل النمو الاقتصادي والنمو السكاني، كما تنبَّأ النموذج «المالتوسي». لكن ولأن البشر هم بحد ذاتهم المورد، والأفكار الإنتاجية هي الدافع للإنتاج الاقتصادي، فإن زيادة عدد البشر سينتج عنها زيادة بالأفكار الإنتاجية والتكنولوجيات، وإنتاجٌ أكثر لكل فرد، وقدرة أكبر على رعاية ودعم الكثافات السكانية العالية. علاوةً على ذلك، يوضِّح كريمر كيف أن الأماكن المعزولة ذات الكثافة السكانية العالية قد شهدت نموًّا اقتصاديًّا وتقدُّمًا أسرع من تلك ذات الكثافة السكانية المنخفضة.

لهذا، من الخطأ تسمية المواد الخام بالموارد؛ لأن البشر ليسوا مستهلكين سلبيين لِمَا ينزل عليهم من السماء. وبما أن المواد الخام هي دائمًا نتاج العمل البشري والإبداع، فإن البشر هم المورد النهائي لأنه يمكن دومًا توظيف الوقت والجهد والإبداع البشري لزيادة الإنتاج.

والمعضلة الأبدية التي تواجه البشر فيما يخص وقتهم تتعلَّق بكيفية تخزين القيمة للمستقبل، تلك القيمة التي يستهلكون وقتهم لإنتاجها. ففي حين أن الوقت البشري هو وقت محدود، إلا أن كل شيء آخر هو غير محدود عمليًّا، ويمكن إنتاج المزيد منه إذا تمَّ توظيف المزيد من الوقت البشري فيه. فأيًّا كان الشيء الذي يختاره البشر كمخزن للقيمة، فإن قيمته سترتفع. ولأنه يمكن دائمًا تصنيع المزيد من هذا الشيء، فإن الآخرين سيُنتجون المزيد منه للحصول على القيمة المخزَّنة فيه. فسكان جزيرة ياب طلبوا من أوكييفي أن يجلب لهم متفجِّرات وقوارب متطوِّرةً لإنتاج المزيد من حجارة الراي لحصد القيمة المخزَّنة في الحجارة الموجودة، وقام الأوروبيون بتعبئة قواربهم بالخرز بِناءً على طلب الأفارقة للحصول على القيمة المخزَّنة في خرزهم. فكل المعادن، عدا الذهب، التي استُخدمت كوسيط نقدي تمَّ المبالغة في إنتاجها إلى أن انهار سعرها. اليوم، تملك الاقتصادات الحديثة بنوكًا مركزية كينزية تدَّعي دومًا محاربة التضخم أثناء قيامها تدريجيًّا أو بشكل سريع بتخفيض قيمة نقدها، كما هو مذكور في الفصل الرابع. ومع بدء الأمريكيين مؤخَّرًا استخدام منازلهم كوسيلة وكوسيط للادخار، ازداد عدد المنازل المتوفِّرة والمعروضة كثيرًا؛ ممَّا أدَّى إلى انهيار سعرها. ومع استمرار التضخم النقدي، يمكن فهم عدد الفقاعات الكبير على أنه نوع من المراهنات والمضاربات، وعلى أنه طريقة لإيجاد مخزن جيد للقيمة. والذهب وحده الذي من اقترب من حل هذه المعضلة بفضل كيميائيته التي تجعل من تضخيم عرضه أمرًا مستحيلًا، ونتج عن ذلك واحدة من أعظم حِقب التاريخ البشري، لكن الانتقال اتجاه سيطرة الحكومة على الذهب قد حدَّ من دوره النقدي عن طريق استبداله بالنقود الحكومية، التي كان سِجلها سيئًا للغاية.

إن هذا الأمر يُلقي الضوء على جانب مذهل من جوانب الإنجازات التقنية، وهو البيتكوين؛ فللمرة الأولى لجأت البشرية إلى سلعة كان عرضها محدودًا بشكل صارم. فمهما كان عدد الأشخاص الذين يستخدمون الشبكة، ومهما كان مدى ارتفاع قيمتها، ومدى تقدُّم المعدات المستخدمة في إنتاجها، فإنه لا يمكن أن يتعدَّى عدد عملات البيتكوين المتوفِّرة اﻟ ٢١ مليونًا، ولا توجد إمكانية تقنية لزيادة العرض ليتناسب مع زيادة الطلب. فإذا ازداد طلب الناس على الاحتفاظ بالبيتكوين، فإن الطريقة الوحيدة لتلبية الطلب هي من خلال زيادة قيمة العرض المتوفِّر. وبسبب قابلية قسمة كل بيتكوين إلى ١٠٠ مليون ساتوشي، فهناك مساحة نمو كبيرة للبيتكوين من خلال استخدام وحداته الصغيرة عندما ترتفع قيمته. إن هذا الأمر يطرح نوعًا جديدًا من الأصول كي يكون مناسبًا لتأدية دور مخزن للقيمة.

فحتى اختراع البيتكوين، كانت جميع أشكال النقد غير محدودة في كميتها، وبالتالي لم تكن تتمتَّع بالكفاءة بقدرتها في المحافظة على قيمتها بمرور الوقت، لكن العرض النقدي الثابت للبيتكوين يجعله أفضل وسيط لتخزين القيمة الناتجة من الوقت البشري المحدود؛ ممَّا يجعله أفضل مخزن للقيمة اخترعته البشرية على الإطلاق. لتوضيح الأمر بشكل مختلف، إن البيتكوين هو أرخص طريقة لشراء المستقبل؛ لأنه الوسيط الوحيد الذي يضمن ألَّا تُخفض قيمة عملته، بغض النظر عن مدى ارتفاع قيمته (انظر الشكل ٩-٢).٣
fig21
شكل ٩-٢: إجمالي المخزونات العالمية المتاحة مقسومةً على إنتاجها السنوي.
ففي عام ٢٠١٨م، عندما كان البيتكوين بعمر التسع سنوات فقط، تمَّ اعتماده وتبنيه بالفعل من قِبل الملايين٤ في جميع أنحاء العالم، لدرجة أصبح يتم فيها مقارنة معدَّل نمو عرضه الحالي مع عرض العملات الاحتياطية العالمية. فعلى صعيد نسبة المخزون إلى التدفُّق التي نوقشت في الفصل الأول، كانت مخزونات البيتكوين المتوفِّرة عام ٢٠١٧م أكبر بنحو ٢٥ مرةً من الوحدات الجديدة التي تمَّ إنتاجها في عام ٢٠١٧م، ولا يزال هذا أقل من نصف نسبة الذهب، ولكن بحدود عام ٢٠٢٢م، ستتفوَّق نسبة المخزون إلى التدفُّق للبيتكوين على الذهب، وبحلول عام ٢٠٢٥م، ستبلغ النسبة ضعف الذهب وستستمر في الزيادة بسرعة في المستقبل، بينما سيبقى الذهب ثابتًا تقريبًا؛ وذلك نظرًا لديناميكيات تعدين الذهب التي نوقشت في الفصل الثالث. وبحلول عام ٢١٤٠م تقريبًا، لن يكون هناك أي عرض جديد من البيتكوين، وستصبح نسبة المخزون إلى التدفُّق لا نهائية، وهي المرة الأولى التي تحقِّق فيها أي سلعة أو أي مادة هذا الأمر.

إن الأثر الهام لعرض البيتكوين المتناقص والانخفاض المستمر في معدَّل نمو هذا العرض هو ما جعل عرض البيتكوين المتوفِّر كبيرًا جدًّا مقارنةً مع العرض الجديد. ومن هذا المنطلق، فإن تعدين البيتكوين يشبه تعدين الذهب، وبالتالي، كوسيط نقدي، سيتم ضمان تخصيص وقت وجهد أقل نسبيًّا لتأمين عرض جديد منه، في حين أن أنواع النقد الأخرى يمكن زيادة عرضها بسهولة؛ وبهذا يتم تكريس المزيد من الوقت والجهد لتحقيق إنتاج اقتصادي مفيد يمكن استبداله بعد ذلك بالبيتكوين. ومع انخفاض العائد من «دعم الكتلة»، فإن الموارد المُخصَّصة لتعدين البيتكوين سيتم توجيهها بشكل رئيسي لمعالجة التحويلات، وبالتالي تأمين الشبكة، وليس لإنتاج عملات جديدة.

وفي غالبية تاريخ البشرية، تمَّ استخدام بعض «الأشياء» المادية كمخزن للقيمة، ويجدر بنا الإضافة أن وظيفة تخزين القيمة لم تكن تتطلَّب وجودًا ماديًّا، لكن وجود هذا «الشيء» المادي جعل من أمر زيادة عرض مخزن القيمة أمرًا أكثر صعوبة. لكن البيتكوين ومن خلال عدم وجود أي كِيان مادي له، وكونه رقميًّا بحتًا، فهو قادر على تحقيق نُدرة مطلقة. إن هذا الأمر لم يتحقَّق من قبلُ من قِبَل أي مادة يمكن تقسيمها، ومن قِبَل أي مادة قابلة للنقل، وبالتالي، يسمح البيتكوين للبشر بنقل القيمة رقميًّا دون أي اعتماد على العالم المادي، الأمر الذي يسمح بتحويل كميات كبيرة من الأموال عبر العالم في دقائق معدودة؛ فالندرة الرقمية المطلقة لعملات البيتكوين تجمع أفضل صفات الوسائط النقدية المادية، مع عدم وجود أي من العوائق المادية لنقلها وتحويلها، وبهذا يمكننا القول إن البيتكوين قد يكون أفضل تقنية ادخار تمَّ اختراعها على الإطلاق.

(١) السيادة الفردية

باعتباره أول شكل من أشكال النقد الرقمي، فإن أول وأهم مسائل البيتكوين تتمثَّل بقدرته على منح أي شخص في العالم إمكانية تحقيق السيادة على نقده. ولهذا، يحقِّق البيتكوين لمالكه درجةً من الحرية الاقتصادية لم تكن ممكنةً قبل اختراعه. فيمكن لحاملي البيتكوين إرسال كميات كبيرة من القيمة في أنحاء الكوكب دون الحاجة إلى طلب إذن من أي شخص؛ حيث إن قيمة البيتكوين لا تعتمد على أي شيء مادي في أي مكان في العالم، وبالتالي لا يمكن بشكل كلي عرقلته أو تدميره أو مُصادرته من قِبَل أي من القوى الفيزيائية لعالم السياسة أو عالم الجرائم.

وأهمية هذا الاختراع للواقع السياسي في القرن الحادي والعشرين هي أنه ولأول مرة منذ ظهور الدولة الحديثة، توفَّر للأفراد حل تقني واضح للهروب من النفوذ والسطوة المالية للحكومات التي يعيشون تحت سيطرتها. ومن اللافت للنظر أن أفضل وصف لأهمية هذه التكنولوجيا يمكن العثور عليه في كتاب كُتب عام ١٩٩٧م؛ أي قبل ١٢ سنةً من إنشاء البيتكوين؛ حيث تمَّ توقُّع وجود عملة رقمية مشابهة بشكل ملحوظ للبيتكوين، والأثر الذي ستتركه في تحوُّل المجتمع البشري.

ففي كتاب «الفرد ذو السيادة»، يرى «جيمس دافيدسون» و«ويليام ريزموغ» أن الدولة القومية الحديثة بقوانينها التقييدية وضرائبها المرتفعة ودوافعها الشمولية، قد وصلت إلى مستوى قمع كبير لحرية مواطنيها يمكن مقارنته بقمع الكنيسة في العصور الأوروبية الوسطى، وأن الأمور قد وصلت إلى مرحلة الغليان وجاهزة للانفجار. فبعد عبء الضرائب الثقيل وتزايد الرقابة على الأشخاص، وتزايد الطقوس، أصبحت تكاليف دعم الكنيسة لا تطاق بالنسبة للأوروبيين، فظهرت أشكال تنظيمية سياسية واقتصادية أكثر إنتاجيةً قامت باستبدال الكنيسة ونفت وجودها. اليوم، ولَّد ظهور الآلات، والصحافة المطبوعة، والرأسمالية، والدولة القومية الحديثة عصرَ المجتمع الصناعي والمفاهيم الحديثة للمواطنة.

وبعد مرور خمسمائة عام، أصبح المجتمع الصناعي والدولة القومية الحديثة هم من يتسم بالقمع والصلابة والإرهاق، وأصبحت التكنولوجيا الجديدة هي من يبدِّد قوتها وأسباب وجودها. «المعالجات الدقيقة ستُقوِّض الدولة القومية وستدمِّرها» هي الأطروحة الاستفزازية للكتاب؛ حيث ستنبثق أشكال جديدة تنظيمية من تكنولوجيا المعلومات، وستدمِّر قدرة الدولة التي تُجبر المواطنين على دفع أكثر ممَّا يرغبون به مقابل خدماتها، وستقوم الثورة الرقمية بتدمير سيطرة الدولة الحديثة على مواطنيها، وستقلِّل من أهمية الدولة القومية كوحدة تنظيمية، وستمنح الأفراد سلطةً وسيادة لم يسبق لها مثيل على حياتهم الخاصة.

يمكننا بالفعل رؤية حدوث هذه العملية بفضل ثورة تكنولوجيا الاتصالات؛ ففي حين أن الصحافة المطبوعة قد سمحت لفقراء العالم بالوصول إلى المعرفة التي كانت ممنوعةً عليهم ومحتكَرَة من قِبَل الكنائس، إلا أنها بقيت محدودةً بقيود إنتاج الكتب المادية؛ حيث إنه يمكن دائمًا مصادرتها أو حظرها أو حرقها. لكن لا يوجد مثل هذا التهديد في العالم الرقمي حيث تتواجد جميع المعارف البشرية، وهي متاحة بسهولة للأفراد بحيث يمكنهم الوصول إليها دون إمكانية مراقبتها من قِبَل الحكومة أو حظرها.

بشكل مشابه، تسمح المعلومات للتجارة والعمالة بتدمير القيود والقوانين الحكومية، وأفضل أمثلة على ذلك هي شركات مثل Uber وAirbnb؛ حيث لم تطلب هاتان الشركتان إذن الحكومة لتقديم منتجاتهما بنجاح، وقامتا بإلغاء الأشكال التقليدية للتنظيم والإشراف. فأصبح بإمكان الأفراد المعاصرين التعامل مع الآخرين الذين يقابلونهم على الإنترنت عبر أنظمة الهُوية والحماية المبنية على الموافقة والاحترام المتبادل، دون الحاجة إلى اللجوء إلى اللوائح التنظيمية الحكومية القسرية.

كما أدَّى ظهور أشكال زهيدة الثمن من الاتصالات عبر الإنترنت إلى إلغاء أهمية الموقع الجغرافي للعمل، فيمكن الآن لمنتجي العديد من السلع اختيار الإقامة في أي مكان يُفضِّلونه؛ وذلك لأن منتجات عملهم أصبحت رقميةً وغير مادية بشكل متزايد، فأصبح بالإمكان نقلها حول العالم بشكل فوري. فبالتالي، أصبحت اللوائح التنظيمية الحكومية والضرائب أقل قوة، حيث يمكن للأفراد العيش أو العمل في الأماكن التي تناسبهم، وتسليم أعمالهم عبر شبكة الإنترنت.

ومع تزايد قيمة الإنتاج الاقتصادي الذي يأخذ شكل السلع غير المادية، انخفضت القيمة النسبية للأراضي ووسائل الإنتاج المادية، وقللت عوائد مُصادرة تلك الوسائل المادية بالقوة. وبذلك، أصبحت رءوس المال المنتجة متجسِّدةً أكثر في الأفراد أنفسهم؛ ممَّا يجعل تهديد مُصادرتها قهرًا أمرًا عقيمًا بشكل متزايد؛ حيث أصبحت إنتاجية الأفراد الآن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بموافقتهم ورضاهم. لكن عندما كانت إنتاجية الفلاحين ونجاتهم مرتبطةً بالأرض التي لا يملكونها، كان تهديد استخدام العنف كفيلًا بجعلهم منتجين لصالح صاحب الأرض. وبشكل مشابه، فإن اعتماد المجتمع الصناعي الكبير على رأس المال الإنتاجي المادي وناتجه الملموس قد جعل مُصادرته من قِبل الدولة أمرًا بسيطًا نسبيًّا كما تَبيَّن ذلك بشكل دموي في القرن العشرين، لكن مع كون القدرات العقلية للفرد هي القوة الإنتاجية الرئيسية للمجتمع، أصبح التهديد باستخدام العنف أقل فعالية بكثير. فبإمكان البشر الانتقال وبسهولة إلى حيث لا تُشكِّل السلطات القضائية تهديدًا لهم، أو بإمكانهم أن يكونوا منتجين على أجهزة الحواسيب دون أن تعرف الحكومة ما الذي ينتجونه.

لقد كانت هناك قطعة واحدة أخيرة مفقودة في لغز الرقمنة، وهي تحويل الأموال والقيمة؛ فحتى في الوقت الذي تمكَّنت فيه تكنولوجيا المعلومات من إلغاء الضوابط والقيود الجغرافية والحكومية، إلا أن المدفوعات ظلَّت تحت سيطرة الحكومات والاحتكارات المصرفية التي تفرضها الدولة. ومثل جميع الاحتكارات التي تفرضها الحكومة، قاومت البنوك لسنوات الابتكارات والتغييرات التي تُفيد العملاء، وحدَّت من قدرتهم على استخراج الرسوم والإيجارات، لكن مع نمو وانتشار الاقتصاد العالمي، نما هذا الاحتكار ليصبح عبئًا ثقيلًا. لهذا، تنبَّأ دافيدسون وريزموغ بدقة بالغة شكل آلية الهروب من السجن النقدي وقالا: «أشكال رقمية من النقد مُشفَّرة ومحمية ومستقلة عن جميع القيود المادية، لا يمكن وقفها أو مصادرتها من قِبل السلطات الحكومية.» وفي حين أن هذا قد بدا كتنبُّؤ غريب عند كتابة الكتاب، إلا أنه أصبح الآن حقيقةً حية يستخدمها بالفعل الملايين في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن أهمية ذلك ليست مفهومةً على نطاق واسع.

فالبيتكوين والتشفير بشكل عام، هي تقنيات دفاعية تجعل تكلفة الدفاع عن الممتلكات والمعلومات أقل بكثير من تكلفة مهاجمتها، إنها تجعل السرقة مكلِّفةً للغاية وغير مؤكَّدة، وبالتالي تُفضِّل من يريد العيش بسلام دون عدوان اتجاه الآخرين. ولقد قطع البيتكوين شوطًا طويلًا في تصحيح اختلال توازن القوى الذي ظهر خلال القرن الماضي عندما كانت الحكومة قادرةً على مصادرة المال، ثم وضعه في بنوكها المركزية، وبالتالي جعْل الأفراد يعتمدون عليها بشكل كامل من أجل بقائهم ورفاهيتهم. فالنسخة التاريخية من النقد السليم، الذهب، لم يمتلك هذه المزايا حيث إن ماديته جعلته عرضةً لسيطرة الحكومة عليه. كما أنه لم يكن من الممكن تحريك الذهب بسهولة، ويعني هذا أن المدفوعات التي تتم بوساطته وجب أن تكون مركزيةً في المصارف والبنوك المركزية، الأمر الذي يجعل من مُصادرته أمرًا سهلًا. أمَّا في البيتكوين من ناحية أخرى، فالتحقُّق من التحويلات هو أمر بسيط وغير مكلِّف؛ حيث يمكن لأي شخص الوصول إلى سجل التحويلات من أي جهاز متصل بالإنترنت وبشكل مجاني.٥ وفي حين أنه من المرجَّح أن تتطلَّب زيادة سعة تحويلات البيتكوين استخدام أطراف ثالثة، إلا أن هذا يختلف عن تصفية الذهب في عدة جوانب مهمة للغاية؛ فجميع تعاملات الأطراف الثالثة سيتم تصفيتها على سجل بإمكان الجميع الوصول إليه؛ ممَّا يسمح بمزيد من الشفافية والتدقيق، وبالتالي، سيوفِّر البيتكوين فرصةً للفرد المعاصر كمخرج من الدول الاستبدادية والإدارية والكينزية والاشتراكية؛ فهو تصحيح تكنولوجي بسيط لأوبئة الحكومات الحديثة التي تحافظ على كِيانها عبر استغلال الأفراد المنتجين الذين يعيشون على أراضيها. وإذا استمرَّ البيتكوين في النمو وحصل على حصة أكبر من الثروة العالمية، فقد يُجبِر الحكومات على أن تصبح شكلًا من أشكال التنظيم الطوعي، حيث يمكنها الحصول على «ضرائبها» طواعيةً فقط من خلال تقديم خدماتها غير الموضوعية التي قد يريد رعاياها الدفع للحصول عليها.
يمكن فهم الرؤية السياسية للبيتكوين من خلال التعمُّق بدراسة أفكار حركة cypherpunk٦ التي انبثقت منها البيتكوين. فعلى حد تعبير «تيموثي ماي»:

إن الجمع بين تشفير متين وقوي للمفتاح العام ومجتمعات الشبكات الافتراضية في الفضاء الإلكتروني سيؤدِّي إلى تغييرات عميقة ومثيرة للاهتمام في طبيعة النُّظم الاقتصادية والاجتماعية. إن اللاسلطوية الإلكترونية هي التطبيق الإلكتروني للاسلطوية الرأسمالية؛ فهي تتجاوز الحدود الدولية وتحرِّر الأفراد ليصبحوا قادرين على اتخاذ القرارات الاقتصادية التي يرغبون في اتخاذها … إن اللاسلطوية الإلكترونية هي تحرير الأفراد من قمع الحكومات ومن قمع جيرانهم الذين لا يستطيعون معرفتهم من على شبكة الإنترنت؛ فبالنسبة إلى الليبراليين، يوفِّر التشفير القوي الوسائل التي سيتم من خلالها تجنُّب الحكومة.

إن تلك الرؤية اللاسلطوية الرأسمالية التي يصفها «ماي» هي الفلسفة السياسية التي طوَّرها الاقتصادي الأمريكي التابع للمدرسة النمساوية «موراي روثبارد»؛ ففي «أخلاقيات الحرية» يفسِّر روثبارد اللاسلطوية الرأسمالية الليبرالية باعتبارها الأثر المترابط المنطقي الوحيد لفكرة الإرادة الحرة والملكية الذاتية:

من ناحية أخرى، لنفكِّر بالوضع العالمي لأخلاقيات الحرية، وبالحق الطبيعي للإنسان، والملكية التي تحدث في ظل هذه الأخلاقيات. يخضع كل شخص في أي زمان وأي مكان لتلك القواعد الأساسية؛ وهي ملكية الشخص لنفسه، وملكية الموارد التي لم يتمَّ استخدامها من قبل، والتي احتلَّها الشخص وتحوَّلت له؛ وملكية جميع الألقاب المستمدة من تلك الملكية الأساسية إمَّا من خلال التبادل الطوعي أو الهدايا الطوعية. إن هذه القواعد التي يمكن أن نطلق عليها «قواعد الملكية الطبيعية» يمكن تطبيقها بوضوح، بحيث يتم الدفاع عن هذه الملكية بغض النظر عن الزمان أو المكان، وبغض النظر عن المؤهلات والإنجازات الاقتصادية للمجتمع. فمن المستحيل لأي نظام اجتماعي أن يكون مؤهَّلًا ليصبح قانونًا طبيعيًّا عالميًّا؛ لأنه إذا كان هناك أي حكم قسري من قِبل شخص على شخص آخر أو مجموعة على أخرى (وكل حُكم هو جزء من هذه الهيمنة)، عندئذٍ يكون من المستحيل تطبيق نفس القاعدة على الجميع، فيمكن فقط للعالم التحرُّري وغير السلطوي والخالي من القواعد تحقيق شروط الحقوق الطبيعية والقانون الطبيعي، أو الأهم من ذلك، يمكن أن يفي بشروط الأخلاق العالمية للبشرية جمعاء.٧

فمبدأ عدم الاعتداء هو أساس نسخة روثبارد عن اللاسلطوية الرأسمالية، وعلى أساسها، لا يمكن أن يكون لأي عدوان تمَّ ارتكابه سواء من قِبَل الحكومة أو الأفراد مبرِّر أخلاقي؛ فالبيتكوين ولكونه طوعيًّا تمامًا وسلميًّا دومًا، يقدِّم لنا البنية التحتية النقدية لعالم مبني على التعاون الطوعي فقط. وعلى النقيض من التصوُّرات الشائعة لمؤيِّدي اللاسلطوية كسفاحين مقنَّعين، فإن نسخة البيتكوين عن اللاسلطوية هي سلمية تمامًا، وتوفِّر للأفراد الأدوات اللازمة للتحرُّر من التضخم وسيطرة الحكومة؛ فهي نسخة لا تسعى لفرض نفسها على أي أحد، وإن نمت ونجحت، فسيكون ذلك بسبب مزاياها الخاصة كتكنولوجيا محايدة سلمية على صعيد النقد والتسويات، وليس بسبب فرضها على الآخرين.

ففي المستقبل القريب، وحيث إنه لا يزال عند مستوًى منخفض جدًّا من التبني العام، يوفِّر البيتكوين خيارًا ذا تكلفة فعالة للأشخاص الذين يحتاجون إلى الالتفاف حول القيود الحكومية في القطاع المصرفي، بالإضافة إلى ادخار الثروة في مخزن ذي قيمة وسيولة، وغير خاضع لتضخم الحكومة. فإذا تمَّ تبنِّيه على نطاق واسع، من المرجَّح أن ترتفع تكلفة التحويلات المُنجَزة داخل سلسلة كتل البيتكوين (Blockchain البلوك تشين) بشكل كبير، مثلما سيتم مناقشته في القسم الخاص بزيادة سعة تحويلات البيتكوين؛ ممَّا سيجعل الأمر غير مجدٍ للأفراد ليقوموا بإجراء التحويلات التي لا يمكن إيقافها على سلسلة الكتل (البلوك تشين) من أجل الالتفاف على قواعد الحكومة وقوانينها. في هذه الحالة وبكل الأحوال، سيكون لتبني البيتكوين على نحو واسع النطاق تأثيرٌ إيجابي بشكل كبير على الحرية الفردية، وذلك بتقليص قدرة الحكومة على تمويل عملياتها من خلال التضخم؛ حيث إن النقود الحكومية في القرن العشرين هي من سمح بميلاد الدولة الإدارية ذات التدخُّل الكبير، مع وجود توجُّهات ونزعات استبدادية وقمعية. أمَّا في مجتمع يستخدم العملة الصعبة، فمن غير المرجَّح أن تنجو الإملاءات والضرائب الحكومية غير المنتجة اقتصاديًّا لفترة طويلة؛ حيث ستنعدم الحوافز لمواصلة تمويلها.

(٢) التسوية الدولية والمتصلة بشبكة الإنترنت

تقليديًّا، كان الذهب وسيط تسوية عمليات الدفع، وكان يعمل كمخزن للقيمة في كل أنحاء العالم، وحدث هذا بسبب عدم قدرة أي جهة على زيادة عرضه بكميات كبيرة، فاكتسب قيمته في السوق الحرة وليس بضمانة من أي شخص آخر. وعندما اتَّسع مجال الاتصالات والسفر في القرن التاسع عشر متطلِّبًا تحويلات ماليةً عبر مسافات أكثر بعدًا، انتقل الذهب من أيدي الناس إلى خزائن المصارف، وفي النهاية إلى البنوك المركزية. وفي ظل المعيار الذهبي، استخدم الناس أصولًا ورقية للذهب، أو كتبوا شيكات مصرفيةً لتبادل قيمة الذهب دون الحاجة لنقله ماديًّا؛ ممَّا طوَّر كثيرًا من سرعة وفعالية التجارة العالمية.

ولكن عندما قامت الحكومات بمصادرة الذهب وأصدرت نقدًا خاصًّا بها، لم يعد ممكنًا إجراء تسويات عالمية بين الأفراد والبنوك بالذهب، وبدلًا من ذلك أصبحت تُجرى بعملات وطنية متقلِّبة القيمة؛ ممَّا تسبَّب بمشاكل كثيرة للتجارة الدولية كما نوقش في الفصل السادس. ولهذا، صَنع اختراع البيتكوين من الصفر آليةً بديلة جديدة مستقلة للتسويات الدولية لا تعتمد على أي وسيط، ويمكن إجراؤها بشكل منفصل تمامًا عن البنية التحتية المالية الموجودة.

فقدرة أي فرد على تشغيل عقدة بيتكوين وإرسال ماله الخاص دون إذن من أحد، ودون أن يُضطر لكشف هُويته، تُمثِّل اختلافًا مهمًّا بين الذهب والبيتكوين. فليس ضروريًّا تخزين البيتكوين على الحاسوب؛ حيث إن المفتاح الخاص لمخزون المرء من البيتكوين هو عبارة عن سلسلة من الأحرف أو سلسلة من الكلمات التي يتذكَّرها المرء. وبهذا، إن عملية التنقُّل بمفتاح خاص للبيتكوين أسهل بكثير من التنقُّل بمخزن من الذهب. كما أن عملية إرساله عبر العالم أسهل بكثير من إرسال الذهب دون حاجة للمُخاطرة بسرقته أو مصادرته. ففي حين تصادر الحكومات مُدَّخرات الناس من الذهب وتُجبرهم على المبادلة بالنقود التي يُفترض أن الذهب يدعمها، يستطيع الناس الاحتفاظ بكتلة مُدَّخراتهم من البيتكوين في وحدة تخزين بعيدة عن أيدي الحكومات، واستخدام مبالغ صغيرة فقط لتحويلها عبر الوسطاء. فطبيعة البيتكوين التكنولوجية ذاتها تضع الحكومات بموقف تنافسي ضعيف للغاية إذا ما قورنت بكل أشكال النقد الأخرى، وبالتالي تجعل مصادرته أصعب بكثير.

كما أنه من غير العملي بشكل كبير على أية سلطة أن تؤدِّي دور المُقرض الأخير للمصارف التي تتعامل مع البيتكوين؛ وذلك بفضل قدرة حاملي البيتكوين على تعقُّب كل ممتلكات البيتكوين على سلسلة الكتل الخاصة به. فحتى في أوج فترة المعيار الذهبي الدولي، أمكن استبدال الذهب بالنقود، ونادرًا ما كانت تمتلك البنوك المركزية ما يكفي من الذهب لتغطية كامل عرض العملة الذي طرحته، وبالتالي كان لديها دومًا هامش لزيادة العرض الورقي لدعم العملة. أمَّا في البيتكوين، إن هذا الأمر أصعب بكثير، وهو الذي يقدِّم إثباتًا رقميًّا مشفَّرًا للحساب، ويساعد في كشف وفضح المصارف التي تعمل بطريقة نظام مصرفي احتياطي جزئي.

ففي الغالب، إن الاستخدام المستقبلي للبيتكوين للمدفوعات الصغيرة لن يتم إجراؤه على السجل الموزَّع للبيتكوين، وسيتم إجراؤه باستخدام حلول الطبقات الثانية، كما سيتم توضيحه في النقاش عن زيادة سعة تحويلات البيتكوين في الفصل العاشر. ويمكن رؤية البيتكوين كالعملة الاحتياطية الظاهرة حديثًا للتبادلات التي تتم على الإنترنت؛ حيث سيُصدر ما يماثل المصارف على الإنترنت عملاتٍ رمزيةً مدعومة من قِبل البيتكوين للمستخدمين؛ بحيث يقوم هؤلاء المستخدمون بحفظ مخزونهم من البيتكوين في مخازن غير متصلة بشبكة الإنترنت، ويكون لكل فرد القدرة على تدقيق حسابات ممتلكات الوسيط بشكل فوري. وبوجود القدرة على التوثيق على الإنترنت ووجود سمعة للنظام، فسيكون الأفراد قادرين على توثيق عدم وجود تضخم. وهذا الأمر سيسمح بإجراء عدد لا نهائي من التحويلات على الإنترنت دون حاجة لدفع ثمن مرتفع لرسوم التحويلات التي تُجرى داخل سلسلة الكتل.

ومع تطوُّر البيتكوين ليصبح له قيمة سوقية أعلى، إضافةً لارتفاع رسوم تحويلاته، يصبح البيتكوين أقرب إلى عملة احتياطية منه إلى عملة للمبادلات والتحويلات اليومية. وفي وقت كتابة الكتاب، وحتى مع درجة تبني قليلة نسبيًّا من العامة للبيتكوين، فإن غالبية تحويلات البيتكوين هي تحويلات غير مسجَّلة داخل سلسلة الكتل، ولكنها تحصل في بورصات وأنواع مختلفة من المنصات الإلكترونية المبنية على البيتكوين مثل المواقع الإلكترونية للمقامرة والكازينوهات. إن تلك الأعمال والمشاريع التجارية ستحتسب وستُقيِّد البيتكوين لزبائنها على السجلات الداخلية الخاصة بها، ولن تجري التحويلات على شبكة البيتكوين إلا عندما يودع أو يسحب الزبائن رصيدًا.

وبحكم كونه نقدًا رقميًّا، فإن الأفضلية النسبية للبيتكوين ربما لن تكون باستبدال عمليات الدفع النقدية، بل ستكون بإعطاء القدرة على إجراء عمليات الدفع النقدية عبر مسافات بعيدة، بينما يمكن تسديد المدفوعات الشخصية للمبالغ الصغيرة بعدة خيارات؛ المبالغ النقدية المادية، والمقايضة، والخدمات، وبطاقات الائتمان، والشيكات المصرفية وغيرها. حيث قدَّمت تقنيةُ تسوية عمليات الدفع الحالية الحديثة مجموعةً كبيرة من الخيارات لتسوية عمليات الدفع الصغيرة بكلفة زهيدة. فأفضلية البيتكوين لا تكمن في الغالب في منافسة عمليات دفع المبالغ الصغيرة وللمسافات القصيرة، بل تكمن في نقل نهائية التسوية النقدية إلى العالم الرقمي؛ حيث صنعت أسرع طريقة للتسوية النهائية لعمليات الدفع الكبيرة عبر المسافات البعيدة والحدود الدولية. وهنا تظهر أفضلية البيتكوين الكبيرة عند مقارنته بعمليات الدفع تلك؛ فهناك بضع عملات فقط مقبولة في عمليات الدفع في كل أنحاء العالم مثل الدولار الأمريكي، واليورو، والذهب، وحقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي. وتُحتَسب أغلبية عمليات الدفع الدولية بإحدى تلك العُملات مع نسبة صغيرة فقط من بضع عملات مهمة أخرى. فإرسال مبلغ بقيمة بضعة آلاف الدولارات من تلك العُملات دوليًّا يُكلِّف عادةً عشرات الدولارات، وقد يستغرق بضعة أيام، وقد يتعرَّض لفحص جنائي تطفُّلي من قِبَل المؤسسات المالية. والسبب الرئيسي للتكلفة المرتفعة لهذه التحويلات هو عدم استقرار عُملات التبادل، ووجود مشاكل التسوية بين المؤسسات في الدول المختلفة؛ ممَّا يقتضي توظيف عدة طبقات من الوساطة.

أمَّا البيتكوين فقد حقَّق خلال أقل من عشر سنوات من وجوده درجةً مهمة من السيولة العالمية، سامحًا بعمليات دفع دولية بأسعار أقل بكثير من التحويل الدولي الحالي، ولا يُقصد بهذا أن البيتكوين سيستبدل سوق تحويل النقد الدولية، بل إنه مجرَّد تنبيه إلى إمكانياته في مجال السيولة الدولية؛ فحجم التدفُّقات الدولية بوضعها الراهن أكبر بكثير ممَّا تستطيع سلسلة كتل البيتكوين تحمُّله، وإن انتقل المزيد من هذه الدفعات إلى البيتكوين، فسترتفع الرسوم لدرجة ستحد من الطلب عليه، لكن هذا لا يعني أيضًا هلاك البيتكوين؛ وذلك لأن قدرات البيتكوين ليست محدودةً بإرسال عمليات الدفع الفردية تلك.

فالبيتكوين هو نقد خالٍ من مخاطر تخلُّف الجهة المقابلة، ويمكن أن تقدِّم شبكته تسويةً نهائية لعمليات دفع كبيرة الحجم خلال دقائق. بالتالي يمكن فهم البيتكوين بأفضل شكل بكونه منافسًا بتسوية الدفعات بين البنوك المركزية والمؤسَّسات المالية الكبيرة، وبأن له أفضليةً عليهم بفضل سِجلِّه الذي يمكن التحقُّق منه، وبفضل الحماية المُشفَّرة وحصانته ضد الثغرات الأمنية الناجمة عن وجود طرف ثالث. أمَّا استخدام عملات وطنية كبيرة للتسوية (الدولار الأمريكي، اليورو)، فإنه يحمل معه مجازفة تقلُّب أسعار الصرف لتلك العملات، كما أنه يتضمَّن الثقة بعدة طبقات من الوساطة الموجودة؛ ولهذا تستغرق التسويات بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الكبيرة أيامًا، وأحيانًا أسابيع ليتم تصفيتها؛ حيث يتعرَّض كل طرف خلال هذه المدة إلى مخاطر تخلُّف الجهة المقابلة وتقلُّب كبير بسعر العملات الأجنبية. لهذا، إن الذهب هو الوسيط النقدي التقليدي الوحيد الذي لا أحد يقدِّم له ضمانة، وخالٍ من مخاطر تخلُّف الجهة المقابلة، لكن نقل الذهب هو مهمة مكلِّفة جدًّا، ومحفوفة بالمخاطر.

وبما أن البيتكوين لا يعاني من مخاطر تخلُّف الجهة المقابلة ولا يعتمد على أي طرف ثالث، فهو مناسب بشكل مميَّز لأداء نفس الدور الذي أدَّاه الذهب في المعيار الذهبي؛ فهو نقد محايد لنظام دولي، لا يُعطي أية دولة «الامتياز الباهظ» بإصدار العملة الاحتياطية العالمية، ولا يعتمد على أدائها الاقتصادي. وبما أنه غير مرتبط باقتصاد أي دولة محدَّدة، فلن تتأثَّر قيمته بحجم التبادلات المحتسبة به، متجنِّبًا كل مشاكل أسعار الصرف التي اجتاحت القرن العشرين. كما أن نهائية التسوية بالبيتكوين لا تعتمد على أي جهة مقابلة، ولا تتطلَّب أي مصرف ليتحكَّم بالواقع؛ ممَّا يجعله مثاليًّا لشبكة من النظراء العالميين، بدلًا من نظام مركزي عالمي مهيمن. وبهذا، تستند شبكة البيتكوين على شكل من النقد لا يمكن تضخيم عرضه من قِبَل أي مصرف عضو؛ ممَّا يجعله مخزنَ قيمة مقترحًا جذابًا أكثر من العملات الوطنية التي تمَّ استحداثها تحديدًا كي تتم زيادة عرضها لتمويل الحكومات.

وقدرة البيتكوين على إجراء التحويلات أكبر بكثير ممَّا ستحتاجه البنوك المركزية الموجودة حاليًّا حتى وإن قامت بتسوية حساباتها يوميًّا؛ فسعة البيتكوين الحالية المقدَّرة بحوالي ٣٥٠٠٠٠ تحويلة في اليوم تسمح لشبكة عالمية من ٨٥٠ مصرفًا بأن يُجري كل منها تحويلات يوميةً مع كل مصرف آخر في الشبكة (رقم الاتصالات المميَّزة في شبكة يساوي ، حيث هي عدد العقد).

وبهذا، تستطيع شبكة عالمية من ٨٥٠ بنكًا مركزيًّا إجراء تسويات نهائية يومية فيما بينها عبر شبكة البيتكوين. فإذا كان كل بنك مركزي يخدم حوالي عشرة ملايين عميل، فإن هذا سيُغطي سُكان العالم بالكامل، وهذه أسوأ الاحتمالات في حال لم تزدد سعة البيتكوين على الإطلاق. وفي الفصل التالي، سيتم مناقشة عدة طرق يمكن بها زيادة السعة، حتى من غير تعديلٍ ببنية البيتكوين بطريقة غير متوافقة مع البنية الحالية، بحيث يمكن لتلك الطرق أن تسمح بتسويات يومية بين بضعة آلاف من المصارف.

ففي عالمٍ لا تستطيع فيه أية حكومة استحداث المزيد من البيتكوين، ستتنافس البنوك المركزية للبيتكوين بحرية فيما بينها بتقديم حلول دفع ووسائل نقدية مادية ورقمية مدعومة من البيتكوين، وسيصبح النظام المصرفي الاحتياطي الجزئي تدبيرًا خطيرًا جدًّا دون وجود الملاذ الأخير للإقراض، وأتوقَّع أن المصارف الوحيدة التي ستنجو على المدى الطويل هي تلك المصارف التي تقدِّم أدوات ماليةً مدعومة ١٠٠٪ من قِبل البيتكوين، لكن هذه نقطة خلاف بين الاقتصاديين، والوقت وحده يستطيع تحديد هذا؛ حيث إن تلك المصارف ستقوم بتسوية الدفعات بين عملائها خارج سلسلة كتل البيتكوين، ثم ستجري تسوية نهائية يومية فيما بينها على سلسلة الكتل.

وفي حين قد تبدو هذه الرؤية خيانةً للرؤية الأصلية للبيتكوين؛ وذلك بأن تكون الشبكةُ شبكةَ نقدِ نظيرٍ إلى نظير بشكل كامل، إلا أنها ليست رؤيةً جديدة. ﻓ «هال فيني»، مُستلم أول تحويل بيتكوين من ناكاموتو، كتب هذا على منتدى البيتكوين عام ٢٠١٠م:

في الحقيقة، هناك سبب جيد جدًّا لوجود مصارف مدعومة بالبيتكوين تُصدر عملتها النقدية الخاصة التي يمكن استبدالها بالبيتكوين. فلا يمكن أن يرتقي البيتكوين نفسه ليكون كل تحويل مالي في العالم منشورًا للجميع ومُتضمَّنًا في سلسلة الكتل، بل يجب أن يكون هناك مستوًى ثانوي لأنظمة الدفع أخف وزنًا وأكثر فعالية، كما أن الوقت اللازم لإنهاء تحويلات البيتكوين لن يكون عمليًّا كوسيط للمشتريات المرتفعة القيمة.

فالمصارف المدعومة بالبيتكوين ستحل تلك المشاكل بحيث يمكنها أن تعمل كما كانت تعمل المصارف قبل تأميم العملة، فيمكن للمصارف المختلفة أن تمتلك سياسات مختلفة، بعضها أكثر شدة، والأخرى أكثر محافظة، كما سيكون بعضها احتياطيًّا جزئيًّا، في حين سيكون غيرها مدعومًا بالبيتكوين ١٠٠٪، وقد تختلف معدَّلات الفائدة، وقد يُتبادل النقد من بعض المصارف بخصم بالسعر مقارنةً بغيرها.

ووضع «جورج سليجن» نظريةً مفصلة للبنوك الحرة التنافسية، وهو يقول إن نظامًا كهذا سيكون مستقرًّا، ومقاومًا للتضخم، وذاتي التنظيم:

أظن أن هذا سيكون مصير البيتكوين النهائي ليكون «المال الاحتياطي» الذي يخدم كعملة احتياطية للمصارف التي تُصدر نقدها الرقمي الخاص؛ فمعظم تحويلات البيتكوين ستحدث بين المصارف لتسوية التحويلات النهائية، وأمَّا تحويلات البيتكوين من قِبَل الأفراد العاديين فستكون نادرةً مثل عمليات الشراء المعتمدة على البيتكوين اليوم.

فيمكن أن يكون عدد التحويلات في اقتصاد البيتكوين كبيرًا كما هو اليوم، لكن لن يتم تسوية تلك التحويلات على سجل البيتكوين؛ وذلك لأن صفة عدم قابليته للتغيير أو اعتماده على ثقة طرف ثالث ستجعله أثمن من أن يُستخدم في المدفوعات الفردية. وأيًّا كانت أوجه القصور بحلول الدفع الحالية، فإنها ستستفيد كثيرًا من تقديم منافسة السوق الحرة إلى القطاع المصرفي وعمليات الدفع، وهو أحد أهم القطاعات المُتصلِّبة في اقتصاد العالم الحديث؛ لأنه يقع تحت سلطة الحكومات التي تستطيع استحداث النقود التي تُديرها وتعمل بسبب وجودها.

وسيصبح البيتكوين عملةً احتياطية لشكل جديد من البنوك المركزية إذا استمرَّ نمو قيمته، وتزايد استخدامه من قِبَل المؤسسات المالية، فيمكن أن تكون تلك البنوك المركزية مستندةً بشكل أساسي على العالم الرقمي أو المادي، لكن أصبح من الجدير بنا أن نفكِّر فيما إذا كان على البنوك المركزية الوطنية دعم احتياطاتها بالبيتكوين؛ ففي النظام النقدي العالمي الحالي، تحتفظ البنوك المركزية باحتياطي، ويكون هذا الاحتياطي عادةً ممثَّلًا بالدولار الأمريكي، واليورو، والجنيه الإسترليني، وحقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، والذهب. وتُستخدم تلك العملات الاحتياطية لتسوية الحسابات بين البنوك المركزية وللدفاع عن القيمة السوقية لعُملاتها المحلية. ومن المحتمل أن يجذب البيتكوين اهتمام البنوك المركزية المتطلِّعة إلى المستقبل، وذلك إذا استمرَّ ارتفاع قيمته بنفس النهج الذي ارتفعه كما في السنوات الأخيرة.

وسيؤمِّن البيتكوين للبنك المركزي مرونةً أكبر لسياساته النقدية ولتسوية الحسابات الدولية إذا استمرَّ ارتفاع قيمته بشكل كبير، لكن قد يكون الهدف الحقيقي لامتلاك البنوك المركزية للبيتكوين هو كضمان لاحتمال نجاحه؛ حيث إنه وبما أن عرض البيتكوين محدود بشكل صارم، فقد يكون من الحكمة أن يُنفق البنك المركزي مبلغًا صغيرًا لشراء نسبة صغيرة من معروض البيتكوين اليوم في حال ارتفعت قيمته كثيرًا في المستقبل. فإذا استمرَّت قيمة البيتكوين بالارتفاع بحيث لم يمتلك البنك المركزي أيًّا منه، فستنخفض القيمة السوقية للذهب والعملات الاحتياطية لديه مقارنةً بالبيتكوين؛ ممَّا سيضع هذا البنك المركزي بحالة عدم أفضلية كلما تأخَّر في قرار شراء احتياطي منه.

إن تجربة البيتكوين لا تزال تُعتَبر تجربة إنترنت غير تقليدية وغريبةً حتى الآن، لكنها ستبدأ بجذب اهتمام حقيقي للأفراد ذوي الرصيد المالي الضخم، وهيئات الاستثمار، ومن ثم ربما البنوك المركزية بفضل استمراره بالنجاة وارتفاع قيمته مع مرور الوقت. فبدء تفكير البنوك المركزية في استخدام البيتكوين سيكون هو النقطة التي يبدءون فيها سباق الحصول عليه، وبهذا، إن أول بنك مركزي سيشتري البيتكوين سيُنبِّه بقية البنوك المركزية إلى الإمكانية، ويجعل الكثير منها تُسارِع إلى شرائه. فغالبًا، ستؤدِّي أول عملية اقتناء للبيتكوين من قِبل بنك مركزي ما إلى ارتفاعٍ كبير في قيمته، وبالتالي ستجعل سعره يرتفع تدريجيًّا بالنسبة إلى البنوك المركزية التالية التي ستشتريه. والتصرُّف الأكثر حكمةً في هذه الحالة هو بشراء البنك المركزي لحصة صغيرة من البيتكوين، وإذا كان للبنك المركزي القدرة المؤسساتية لشراء العُملة دون الإعلان عن الأمر، فإن هذا سيكون تصرُّفًا أكثر حكمة، سامحًا للبنك المركزي بجمعه بأسعار منخفضة.

ويمكن أن يخدم البيتكوين أيضًا بكونه أصلًا احتياطيًّا مفيدًا للبنوك المركزية التي تواجه قيودًا دوليةً على عملياتها المصرفية، أو إذا كانت غير سعيدة بالنظام النقدي العالمي المتمركز حول الدولار؛ فقد تُثبت إمكانية تبني احتياطي من البيتكوين بحد ذاتها أنها ورقةُ مساوَمة قيِّمة لتلك البنوك المركزية مع السلطات النقدية الأمريكية، التي تُفضِّل غالبًا ألَّا ينشق أي بنك مركزي ويتحوَّل إلى البيتكوين كوسيلة للتسوية؛ لأن هذا سيُغري الآخرين للانضمام.

وفي حين كانت البنوك المركزية بمعظمها رافضةً ومتجاهلة لأهمية البيتكوين، فقد يكون هذا ترفًا لن تتمكَّن من تحمُّله لفترة طويلة؛ فمهما صعُب على البنوك المركزية تصديق هذا، لكن البيتكوين هو منافس مباشر لمجال عملها الذي كان معزولًا عن المنافسة السوقية طوال قرن من الزمن؛ فالبيتكوين يجعل المعالجة العالمية لعمليات الدفع والتصفيات النهائية متاحةً لأي شخص كي يجريها بكلفة صغيرة، كما أنه يستبدل السياسة النقدية التي يتحكَّم بها البشر بخوارزميات متفوِّقة عليهم ويمكن توقُّعها بشكل مثالي. لهذا، إن نموذج عمل البنك المركزي الحديث يتعرَّض للعرقلة والتعطيل، ولا تستطيع البنوك المركزية الآن إيقاف المنافسة عن طريق تمرير القوانين كما كانت تفعل دائمًا، حيث إنها الآن في مواجهة منافس رقمي لن تتمكَّن غالبًا من إخضاعه لقوانين العالم المادي. وفي حال لم تلجأ البنوك الوطنية المركزية إلى استخدام سياسة البيتكوين النقدية السليمة وقدرته على التسوية الفورية، فإنها ستترك الباب مفتوحًا لتستولي هذه الأساليب الرقمية على المزيد من هذا السوق لتخزين القيمة وللتسوية.

فإذا كان العالم الحديث الآن هو روما القديمة التي تعاني من عواقب اقتصادية لانهيار نقدي، وإن اعتبرنا أن الدولار هو العملة الذهبية الرومانية، فسيكون ساتوشي ناكاموتو هو قسطنطين والبيتكوين هو عملته، والإنترنت هو القسطنطينية. بهذا، إن البيتكوين يعمل كقارب نجاة نقدي للأفراد المُجبَرين على التحويل والادخار بالوسائط النقدية التي تحط الحكومات من قدرها بشكل مستمر. ووفقًا للتحليل السابق، تكمن ميزة البيتكوين الحقيقية في كونه مخزنًا للقيمة يمكن الوثوق به على المدى الطويل، وبكونه شكلًا نقديًّا ذا سيادة يسمح للأفراد بإجراء تحويلات دون إذن. وستنبع استخدامات البيتكوين الرئيسية في المستقبل القريب من هذه الميزات التنافسية، وليس من قدرته على تقديم تحويلات رخيصة أو واسعة الانتشار.

(٣) وحدة حساب عالمية

غالبًا، لن يتبلور التطبيق الأخير للبيتكوين في وقت قريب، لكنه مع ذلك أمر مثير للاهتمام نظرًا إلى خواص البيتكوين المميَّزة؛ فمنذ نهاية عصر المعيار الذهبي، تمَّت إعاقة التجارة العالمية بسبب اختلاف قيمة العملة في الدول المختلفة، وتمَّ تدمير قدرة الناس على إجراء تبادل غير مباشر باستخدام وسيط وحيد للتبادل؛ ممَّا اضطرَّهم لصُنع عالم يجب على المرء فيه شراء عملة المُنتج نفسه قبل شراء أي شيء خارج دولته بشكل يشبه المقايضة تقريبًا. فأعاق هذا الأمر وبشدة من قدرة الناس على إجراء الحسابات الاقتصادية عبر الحدود، وأدَّى إلى نمو هائل بقطاع صرف العملات الأجنبية، ليس لذلك القطاع أي ناتج ذي قيمة إلا تحسين العواقب الوخيمة التي نتجت من تأميم النقد.

فقدَّم المعيار الذهبي حلًّا لهذه المشكلة؛ حيث كان المعيار النقدي في كل أنحاء العالم شكلًا واحدًا من النقد، وكان مستقلًّا عن سيطرة وسلطة أية حكومة، كما كان بالإمكان معايرة الأسعار بأسعار الذهب، وتمَّ التعبير عنها باستخدامه؛ ممَّا سهَّل الحسابات عبر الحدود. لكن وبسبب وزنه المادي الثقيل، وجب أن يكون الذهب مركزيًّا، وأن تتم التسويات بين البنوك المركزية. فما إن أصبح الذهب مركزيًّا، لم تستطع الحكومات مقاومة إغرائه، فسيطرت عليه واستبدلته في نهاية الأمر بعملات ورقية تسيطر على عرضها، وبالنتيجة أصبح النقد السليم نقدًا غير سليم.

وفيما إن كان للبيتكوين القدرة على أداء دور وحدة حساب عالمية للتجارة والنشاط الاقتصادي، فإن هذا سؤال يبقى مفتوحًا. لكن ولكي يتم تطبيق هذه الإمكانية، فإنه يجب أن يتم تبني البيتكوين من قِبَل عدد كبير جدًّا من الناس في العالم بشكل غير مباشر غالبًا، وذلك باستخدامه كعملة احتياطية. كما أنه علينا الانتظار أيضًا لنعرف إذا كان ثبات عرض البيتكوين سيحافظ على استقرار قيمته أيضًا؛ حيث ستكون التحويلات اليومية فيه هامشيةً مقارنة بالكميات المُمتَلكة. ولكن بما أن البيتكوين يشكِّل أقل من ١٪ من العرض النقدي العالمي بصيغته الحالية، فيمكن أن يكون تأثير التحويلات الفردية الضخمة في البيتكوين كبيرًا على الأسعار، وقد تُسبِّب التغييرات الطفيفة في الطلب عليه تأرجحًا وتقلُّبًا كبيرًا في الأسعار. لكن هذه خاصية للوضع الحالي؛ حيث لم يزل البيتكوين كعملة وكشبكة تسوية عالمية يشكِّل جزءًا صغيرًا من تسوية عمليات الدفع العالمية والعرض النقدي. وقد يُعتبَر شراء عملة بيتكوين رمزية اليوم استثمارًا في النمو المتسارع للشبكة، وقد يُعتبَر عملةً كمخزن قيمة؛ لأنها لم تزَل صغيرةً جدًّا ويمكن أن ينمو حجمها وقيمتها أضعافًا مضاعفةً بسرعة كبيرة. فإذا أصبحت حصة البيتكوين من العرض النقدي العالمي وتحويلات التسوية العالمية الحصة الأكبر في السوق العالمية، سيصبح عندها مستوى الطلب عليه أسهل للتوقُّع، وسيكون أكثر استقرارًا؛ ممَّا سيؤدِّي إلى استقرار قيمة العملة. وإذا أصبح البيتكوين، فرَضًا، النقد الوحيد المستخدَم في العالم، فلن يكون هناك مجال كبير للنمو في قيمته، وسيكون الطلب عليه في تلك النقطة ببساطة هو طلب امتلاك نقد يمتلك سيولة، أمَّا الطلب عليه للاستثمارات القائمة على المراهنات التي نراها اليوم فسيختفي. وفي هذه الحالة، ستتغيَّر قيمة البيتكوين وفقًا للتفضيل الزمني للبشرية بأكملها مع تزايد الطلب عليه كمخزن قيمة، مؤدِّيًا إلى ارتفاع طفيف فقط في قيمته.

على المدى الطويل، سيؤدِّي غياب أية سلطة مسيطرة على عرض البيتكوين إلى تخفيف تقلُّبات السعر بدلًا من خلقها؛ بحيث تصبح تقلُّبات الطلب اليومية أقل أهميةً كمحدِّد للسعر؛ وذلك بفضل إمكانية توقع العرض مع ازدياد عدد المستخدمين؛ حيث سيتمكن صُناع السوق من حد وتخفيف تقلُّبات العرض والطلب، واستحداث سعر أكثر استقرارًا.

عندها، سيكون الوضع مشابهًا للذهب تحت المعيار الذهبي، كما شُرح بالتفصيل في دراسة جاسترام المشار إليها في الفصل السادس. فلم ترتفع أو تنخفض قيمة الذهب كثيرًا طوال العقود التي كان يُستخدم فيها كنقد بفضل التزايد الثابت والتدريجي في عرضه؛ ممَّا جعله وحدة الحساب المثالية عبر الزمان والمكان.

لكن هذا السيناريو يتجاهل اختلافًا جوهريًّا بين الذهب والبيتكوين، يتمثَّل هذا الاختلاف بالطلب الكبير المرن على الذهب المستخدَم في عدد وافر من التطبيقات الصناعية والتزيينية؛ حيث إن خواص الذهب الكيميائية المميَّزة تضمن دوام ارتفاع الطلب عليه بغض النظر عن دوره النقدي. فحتى مع تغيُّر الطلب النقدي على الذهب، ستبقى الصناعة مستعدةً لاستخدام كميات غير محدودة من الذهب إن انخفض السعر بسبب انخفاض الطلب النقدي عليه. لهذا، إن الذهب هو الخيار الأمثل لعديد من الصناعات بفضل خواصه، حيث لا يتم اختيار بدائل ثانوية إلا بسبب ارتفاع سعره. وحتى في السيناريو الذي تتخلَّص فيه كل البنوك المركزية من احتياطاتها من الذهب، فإن المتطلَّبات الصناعية وصناعة المجوهرات ستمتص كل العرض الفائض بتخفيضات أسعار مؤقتة. فنُدرة الذهب في القشرة الأرضية ستضمن لنا دائمًا أن يظل سعره مرتفعًا نسبيًّا مقارنةً بالمواد الأخرى والمعادن، ولقد كان لتلك الخاصية دور رئيسي في تبني الذهب كنقد؛ لأنها ضمنت استقرارًا نسبيًّا في قيمته بمرور الوقت بغض النظر عن تغيُّرات الطلب النقدي في البلدان التي تتبنَّى أو تتخلَّى عن المعيار الذهبي. ويمكن القول إن هذا الاستقرار النسبي عزَّز من جاذبية الذهب كأصل نقدي وضمن الطلب عليه، ويمكن أن يُفهم أيضًا كالسبب الحقيقي لعدم بيع البنوك المركزية كل احتياطاتها من الذهب بعد عقود من فصل عملاتها عن الذهب. فإذا باعت البنوك المركزية احتياطاتها من الذهب، ستكون المحصِّلة النهائية هي استخدام أطنان إضافية من الذهب في التطبيقات الصناعية في السنوات القليلة القادمة، بتأثير صغير على سعره. ولن يحصل البنك المركزي في هذه المبادَلة إلا على عملة ورقية يستطيع طباعتها بنفسه، وسيخسر أصلًا من المرجَّح أن يحصل على قيمة أكبر من قيمة عملته.

فيمكن فهم الطلب المكافئ غير النقدي على البيتكوين كالطلب على القطع النقدية ليس من أجل تخزين القيمة، بل كشرط أساسي ضروري لاستخدام الشبكة. ولكن على عكس الطلب الصناعي على الذهب المستقل تمامًا عن طلبه النقدي، فإن الطلب على البيتكوين لتشغيل الشبكة مرتبط بشكل لا يمكن فصله بتاتًا بالطلب عليه كمخزن للقيمة، وبالتالي لا يمكن أن نتوقَّع أن يؤدِّي دورًا مهمًّا في التخفيف من حدة تقلُّب قيمة البيتكوين السوقية في الوقت الذي يزداد فيه دوره النقدي.

فمن جهة، يُعتبَر البيتكوين خيارًا جذابًا جدًّا كمخزن للقيمة بفضل ندرته الصارمة. ويمكن لعدد متزايد من مالكيه تحمُّل التقلُّبات في قيمته لفترات زمنية طويلة إذا كانت قيمته متجهةً بقوة للأعلى، كما كان الوضع حتى الآن. ومن جهة أخرى، إن استمرار تقلُّب قيمة البيتكوين سيمنعه من تأدية دور وحدة حساب، على الأقل حتى تتضاعف قيمته عدة مرات، وتتضاعف معها نسبة الناس حول العالم الذين يمتلكونه ويقبلونه.

بالرغم من ذلك، ونظرًا إلى أن سكان العالم اليوم عاشوا فقط في عالم من عملات ورقية متقلِّبة ومتغيِّرة القيمة فيما بينها، فغالبًا ما سيكون مالكو البيتكوين أكثر تحمُّلًا لتقلُّباته من أجيال نشأت في ثبات المعيار الذهبي؛ حيث إن أفضل العملات الورقية الآن كانت مستقرةً على المدى القصير فقط، لكن انخفاض القيمة على المدى الطويل هو أمر واضح. بالمقابل حافظ الذهب على استقراره على المدى الطويل، لكنه غير مستقر نسبيًّا على المدى القصير، لكن لا يبدو أن عدم استقرار البيتكوين سيكون عيبًا قاتلًا قد يمنع نموه وتبنيه؛ نظرًا إلى أن جميع بدائله تعاني أيضًا من عدم الاستقرار النسبي.

ولا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل قاطع في الوقت الراهن، والعالم الحقيقي وحده سيكشف لنا ما ستئول إليه الأمور. فالحالة النقدية هي مُنتَج عَفْوي للفعل البشري، وليست مُنتَجًا عقلانيًّا من التصميم البشري. ويتصرَّف الأفراد وفقًا لمصلحتهم الخاصة؛ بحيث إن الإمكانيات التكنولوجية والواقع الاقتصادي للعرض والطلب تُشكِّل ناتج تصرُّفاتهم، مؤمِّنةً لهم حوافز ليثابروا، ويتأقلموا، ويُغيِّروا، أو يبتكروا. فانبثاق نظامٍ نقدي عَفْوي من هذه التفاعلات المعقَّدة ليس أمرًا يتم تداوله ونقاشه في المناظرات الأكاديمية، أو التخطيطات العقلانية، أو يمكن أن يتم بوصاية الحكومة. فما قد يبدو أنه تكنولوجيا أفضل للنقد نظريًّا ليس بالضرورة أن تنجح بالعمل في الواقع، كما أنه قد يستبعد منظِّرو النقد البيتكوين كوسيط نقدي بسبب تقلُّبات قيمته، لكنهم لا يستطيعون تجاهل النظام العَفْوي الذي يظهر في السوق نتيجةً لأفعال البشر. فكمخزنٍ للقيمة، قد يستمر البيتكوين في جذب طلب المدَّخرات عليه؛ ممَّا سيسبِّب استمرار ارتفاع قيمته بشكل كبير مقارنةً بكل أشكال النقد الأخرى حتى يصبح الخيار الأول لكل من يريد أن يُدفَع له.

فإذا حقَّقت قيمة البيتكوين استقرارًا من نوع ما، سيتفوَّق البيتكوين على العملات الوطنية لتسوية عمليات الدفع العالمية، كما هي الحالة اليوم؛ وذلك لأن قيمة العملات الوطنية تتذبذب وفقًا لظروف كل دولة وظروف كل حكومة، ووفقًا لتبنيها المنتشر كعملة احتياطية عالمية؛ ممَّا يؤدِّي إلى «امتياز باهظ» للدول التي تستحدثها وتُصدرها. لهذا، يجب أن تكون عملة التسوية العالمية محايدةً للسياسة النقدية للدول المختلفة، وأدَّى الذهب هذا الدور بتميُّز أثناء فترة المعيار الذهبي العالمي. لكن، يوجد للبيتكوين أفضلية على الذهب في أداء هذا الدور؛ لأنه يمكن إنهاء تسويته خلال دقائق، ويمكن تأكيد مصداقية تحويلاته بسهولة من قِبَل أي شخص لديه اتصال بالإنترنت بدون تكلفة تقريبًا. بالمقابل فإن الذهب يستغرق وقتًا لنقله، وتعتمد تصفيته على درجات مختلفة من الثقة بالوسطاء المسئولين عن تسويته ونقله؛ فقد يحفظ هذا الأمر دور الذهب النقدي في التحويلات النقدية الفردية التي تحدث وجهًا لوجه، في حين سيصبح البيتكوين مختصًّا في التسوية العالمية.

١  المصدر: التقرير الإحصائي ﻟ BP.
٢  مايكل كريمر: «نمو الكثافة السكانية والتغيُّر التقني: مليون عام قبل الميلاد إلى عام ١٩٩٠م»، المجلة الفصلية مذكِّرة علم الاقتصاد، المجلد ١٠٨، العدد ٣ (عام ١٩٩٣م)، الصفحة ٦٨١–٧١٦.
٣  المصادر: بيانات الذهب من هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية، بيانات الفضة من مؤسسة الفضة، بيانات البيتكوين من حسابات الكاتب ومن موقع Blockchain.info، بيانات النفط من التقرير الإحصائي ﻟ BP للطاقة العالمية، بيانات العملات الوطنية من البيانات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي متوفِّر على الموقع https://fred.stlouisfed.org، بيانات النحاس وفق تقديرات الكاتب.
٤  ليس هناك طرق بسيطة لتقدير عدد مستخدمي البيتكوين؛ حيث يستطيع كل مستخدم امتلاك العدد الذي يريد من العناوين العامة لتكون مقرونةً به. أُجريت عدة محاولات لتقدير العدد، وتبيَّن أنه يتراوح بين ١٠ ملايين إلى ١٠٠ مليون مستخدم في عام ٢٠١٧م، وأعتقد أن هذا أدق تقدير يمكننا الحصول عليه.
٥  فالحصول على أجهزة قادرة على الاتصال بشبكة الإنترنت والحصول على اتصال بشبكة الإنترنت هو أمر زهيد ويزداد رخصه باستمرار.
٦  تيموثي سي ماي، اللاسلطوية الإلكترونية والمجتمعات الافتراضية، ١٩٩٤م، متوفِّر على: nakamotoinstitute.org.
٧  موراي روثبرد، «أخلاقيات الحرية» (نيويورك، صحافة جامعة نيويورك، عام ١٩٩٨م)، الصفحة ٤٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤