الفصل الخامس

الشعلة

سنعود إلى أكسفورد حيث تقدِّم أفكار ويليام الشعلةَ التي تؤجِّج جذوة علم وجيزة لكنها برَّاقة في أروقة الجامعة. ويظلُّ مكان دراسته في أكسفورد مجهولًا، لكن تمثِّل كلية ميرتون — وهي أحد أقدمِ كلياتها التي تأسَّست من أجل طلبة اللاهوت قبل خمسين عامًا من تلك الآونة — مرشَّحًا محتملًا. بعد رحيل ويليام المتعجِّل عن أكسفورد، ورغم اعتباره من المهرطقين، فإن أفكاره ظلَّت تُدرَّس في ميرتون. على سبيل المثال، في عام ١٣٤٧ ترك زميلٌ من كلية ميرتون ويُدعى الأستاذ سايمون لامبورن مجموعةً من مقالات الأوكامي إلى الكلية، وكانت تشتمل على أحدِ شروحاته عن كتاب لومبارد «كتب الأحكام الأربعة».1 ومن أبرزِ الأمور في العقود التي تلت رحيل ويليام مباشرةً عن أكسفورد أن حقَّقت مجموعة من الباحثين تُعرف باسم حَسَبة ميرتون شهرةً واسعة، ليس في علم اللاهوت، بل في تطبيقهم المبتكَر للرياضيات على العلوم الطبيعية، وهي حركةٌ كان ملهمها هو ويليام على الأرجح.

ولا يشير أحد هؤلاء الحَسَبة إلى ويليام أو إلى عملٍ من أعماله مباشرة — إذ كان متهمًّا بالهرطقة ومطرودًا من الكنيسة في ذلك الوقت — لكن ليس من الصعب تمييز تأثيره، خاصة حماسته لهرطقةٍ رياضية بعينها.

تربيع الدائرة

تتذكَّر أن أرسطو كان مهتمًّا بالتصنيف. فقسَّم كليَّاته بين عشر فئات تشتمل على الجوهر والكمِّ والكيف والزمن والمكان والانفعال والفعل، وما إلى ذلك. وزاد من تعقيد الأمور بأن حظرَ تطبيق الاستدلالات أو البراهين من أحد الفئات على أخرى. على سبيل المثال، تشتمل فئةُ الكم على الأعداد، لكنها لا تشتمل على جوهر الأشياء؛ في حين أن فئة الكيف كانت تُستخدم لوصف جوهر المواد بما في ذلك عاداتُها، مثل ما إن كانت تنزع لأن تسقط (كالحجر) أو ترتفع (كالدخان) أو تذوب (كالثلج). ودفع أرسطو بأن هناك قواعدَ مختلفة تعمل في فئاتٍ مختلفة، ولا يمكن تطبيق الرياضيات بخاصة إلا على الأشياء التي من دون جوهر، كالدوائر أو المثلثات أو الأجسام السماوية. فكتب أن «الحساب والهندسة لا يختصان بالجوهر».2 مِن ثَمَّ كانت الأعداد والهندسة أدواتٍ غير مناسبة للتعاطي مع، لنقل، حرارة شيء أو مسار سهم. بدلًا من ذلك، لم يكن بالإمكان تطبيقُ إلا المصطلحات أو الأوصاف الكيفية مثل دافئ أو بارد أو منحنٍ أو مستقيم.

الرياضيات أساسية بالطبع للعلوم الحديثة. قد تكون الفيزياء مستحيلةً من دونها، لكنها أيضًا أداة حيوية بالنسبة إلى الكيمياء أو علم الأحياء أو الجيولوجيا أو الأرصاد الجوية. كل تلك العلوم كانت تجتمع تحت مصطلح «العلوم الطبيعية» في عالَم العصور الوسطى، وكانت خارج نطاق الرياضيات لأنها كانت جميعًا تختص بجوهر الأشياء. كان هذا الأمر يمثِّل عائقًا عسيرًا للتقدُّم العلمي، خاصة أن الرياضيات هي المدخل للبساطة. فكيف تقيس الضلع الثالث من مثلث قائم الزاوية؟ لست في حاجة إلى ذلك إن كنت تعرف طولَ الضلعين الآخرين ونظرية فيثاغورس. هذا هو ما تقدِّمه الرياضيات إلى العلوم: عالم أبسط، ومِن ثَمَّ أكثر قابلية للفهم والتنبؤ. وبالنسبة إلى أرسطو، كانت تلك الأداة متاحةً فقط للأشياء غير الملموسة كالضوء أو كليات المثلثات أو الأجسام السماوية.

إلا أن الفيلسوف اليوناني سمح بمقدارٍ ضئيل مما أطلق عليه «الانتقال» الذي يمكن فيه لبراهين أحد العلوم أن تنضم إلى علم ثانوي يُعدُّ تابعًا للعلم الأرفع أو الأسمى. على سبيل المثال، كانت الموسيقى التي تُلعب على الآلات الوترية تُعَد ثانوية للرياضيات، حيث يمكن التنبؤ بالانسجام من خلال النِّسب بين أطوال الأوتار والنغمات الموسيقية التي تعزِفها حين يُنقَر عليها. فإن نُقِر على أحد الأوتار ليعزِف نغمة موسيقية بعينها فإنَّ وترًا له نصف طول الوتر الأول سيعزِف نغمة موسيقية أعلى بأوكتاف واحد. ومِن ثَمَّ فإن الفاصل الموسيقي للأوكتاف له نسبة رياضية هي ٢ إلى ١؛ في حين أن أطوال أوتار نسبتها ٢ إلى ٣ تمثِّل فاصل الخامس المثالي. لكن وبغض النظر عن تلك الحالات الاستثنائية القليلة، فرض أرسطو حظرًا عامًّا على الانتقال في العلوم.

وأحد التقييدات الأرسطية الأخرى ذات الصلة كان إصراراه على أن العناصر الرياضية المختلفة غير متناسبة. على سبيل المثال، لا يمكن مقارنةُ دائرة بمربع حيث، كما زعم، من المستحيل أن نستخدم الطرقَ العددية أو الهندسية في تحديد مساحة المربع التي تساوي مساحةَ الدائرة. وأكَّد أرسطو أن محاولة «تربيع الدائرة» هذه تمثِّل خرقًا لقاعدة حظر الانتقال. وبالمثل، فإن كل شكل هندسي كان يُعَد قائمًا على كليَّته الخاصة القائمة، ومِن ثَمَّ فهو غير قابل للمقارنة بأي شيء مثلما لا يمكن مقارنة طعم الجبن بصوت العود.

نجت الفئات وقاعدة الانتقال وعدم التناسب من سقوط العالم القديم وانتقلت إلى المدرسيِّين الغربيِّين غالبًا على يد العلماء العرب. وهكذا حين كان الفلاسفة الإسلاميون أو الأوروبيون في العصور الوسطى يفكِّرون في شيء كالحركة مثلًا، فإن أول سؤال كان يتبادر إليهم هو «لأي فئات الوجود تنتمي الحركة؟». كان من المهم كثيرًا أن يجيبوا عن هذا السؤال لأن إجابته تحدِّد طبيعةَ العلم الذي سيطبِّقونه عليه. لكن لسوء الحظ، كانت فئات أرسطو كثيرةً وغامضة جدًّا حتى إن المدرسيِّين لم يتمكنوا من تخطي هذا السؤال. كتب ألبرت العظيم وهو مرشِد الأكويني نقاشًا مطوَّلًا حول مسألة الفئة التي تنتمي إليها الحركة في شرحه على الكتاب الثالث من عمل أرسطو الذي بعنوان «الطبيعة» مستشهدًا بكلٍّ من أرسطو وآراء الشارحين العرب.3 وتناقش حول ما إن كانت الحركة تنتمي إلى فئة الفعل أو الانفعال أو الكم أو الكيف أو المكان أو ما إن كانت تمثِّل بنفسها فئةً جديدة تمامًا خاصة بها. وكما هو متوقَّع، لم يتمكَّن قط لا هو ولا أيٌّ من المدرسيِّين أن يتوصَّل إلى نتيجة.
إن نبْذَ الأوكامي ثمانيةً من فئات أرسطو العشر باعتبارها كياناتٍ تتجاوز الحاجةَ قدَّم فائدةً مباشرة تتمثَّل في إقصاء معظم حالات حظر الانتقال. وبالنسبة إلى الرياضيات، فقد استخدم ويليام شفرته الاسمانية ليهاجمَ فكرةَ أن الرياضيات مبنيةٌ على المُثل الأفلاطونية أو كليات المثلثات والدوائر والأعداد القائمة في عالَم مثالي. فكتب يقول: «إذا كانت العلاقات [الرياضية] حقيقيةً فإنني حين أحرِّك إصبعي ويتغير موضعه بالنسبة إلى كل أجزاء الكون» [إذن] السماء والأرض سيعجَّان على الفور بالعوارض».4

وحاجج بأنه ينبغي ألا يكون هناك تقييد لمدى تطبيق الأعداد أو الأشكال أو الأشياء الهندسية؛ حيث إنها ما هي إلا أدوات ذهنية. على سبيل المثال، في مقدِّمة شروحاته النهائية للكتاب الأول من عمل لومبارد «كتب الأحكام الأربعة» التي أتمَّها قبل رحيله إلى أفينيون مباشرة في عام ١٣٢٤، يناقش الأوكامي العلاقةَ بين العلوم والرياضيات ويدفع بأن الكثيرَ من تلك العلوم تُعَد عند أرسطو خارج حدود الرياضيات، مثل الطب، إلا أنه يجد استخداماتٍ مفيدة للمفاهيم الرياضية. على سبيل المثال، قد يقدِّم الطبيب تخمينًا مختلفًا لجُرحٍ ما اعتمادًا على ما إن كان قطْعًا مستقيمًا من ضربة سيف (تخمين جيد) أو ثقبًا مستديرًا من ضربة رمح (تخمين رديء).

وبالمثل، أطاح الأوكامي بالحظر الأرسطي المفروض على مقارنة كميات من المفترَض أنها غير متناسبة مثل الخطوط المستقيمة والدائرية. وأشار ببساطة إلى أن الحبلَ حين يلتف في دائرة يمكن حلُّه لتحديدِ ما إن كان طوله أطولَ أم أقصر أم مساوٍ لحبل مستقيم.5 وبغض النظر عن قرون من المجادلات الفلسفية، حقَّق ويليام تقدُّمًا نحو المنظور الحديث للعلم الاسماني المبني على التجربة.

حَسَبة أكسفورد

كان توماس برادواردين، وهو من معاصري ويليام، هو أولَ مَن سمح لقلمه بأن يستفيد مما قام به الأوكامي من تخفيفٍ للحظر الأرسطي في دراسة الحركة. فطبقًا لرأي أرسطو، كانت الحركة مجردَ شكل من أشكال التغيُّر إلى جانب النمو أو الاضمحلال. وأشار أرسطو إلى أن الحركةَ تكون ممكنة فقط حين تتخطى القوةُ المؤثِّرة على جسمٍ مقاومتَه للحركة، إلا أنه لم يحاول أن يحوِّل مبدأه هذا إلى مثالٍ رياضي. وبتجاهل حظر الانتقال في عمله «أطروحة عن النِّسب» الذي كتبه حوالي عام ١٣٢٨، استقدم برادواردين مفهومَ النِّسب الرياضية في الفواصل الموسيقية ليدفع على نحوٍ صحيح بأن النسبةَ الرياضية بين القوة والمقاومة — والتي تتمثَّل في عدد — هي ما يحدِّد كميةَ الحركة.6 وكانت تلك خطوةً ثورية حيث كانت تطبِّق المنطقَ الرياضي للمرة الأولى على أشياءَ معروفٍ عنها أنها تتركَّب من مادة.
ومضى برادواردين ليصبح دبلوماسيًّا مؤثِّرًا وأسقفًا لكانتربري، إلا أن جيلًا آخرَ من علماء كلية ميرتون في أكسفورد طوَّروا خطواته الرياضية الصغيرة، من بينهم جون دامبلتون (حوالي ١٣١٠–١٣٤٩)، وويليام هايتسبيري (حوالي ١٣١٣–١٣٧٢)، وريتشارد سواينشيد (الذي مات حوالي عام ١٣٦٤). وُجِد هؤلاء جميعًا في ميرتون في الفترة بين ١٣٣٠ و١٣٥٠؛ لذا من السهل أن نتخيَّل هذه المجموعة وهم منكبُّون معًا على المخطوطات بالقرب من ضوء الشموع في مكتبة الكلية القارسة البرودة.١ كان هايتسبيري ودامبلتون متأثرَين كثيرًا بالمنطق الاسماني لويليام الأوكامي.7 لكن تأثير الأوكامي الأكبر على العلوم في ذلك الوقت كان تحريره الرياضيات من قيودها الفلسفية.
كتب هايتسبيري — الذي سيُعرف لاحقًا ببساطة باسم «الحاسب» — كتابَه «قواعد حل الأحاجي المنطقية» في عام ١٣٣٥ الذي ابتكر فيه لغةً اصطلاحية شبهَ رياضية من نوعٍ ما طبَّقها على الكثير من المسائل الممنوعة تحت مظلة قيود الانتقال، كالعلاقة بين الوزن والمقاومة في الحركة.8 وبأسلوب مدرسي نموذجي، طرح هايتسبيري أسئلةً مثل ما إن كان «هناك حدٌّ أقصى لوزنٍ يمكن لسقراط رفعه بالسرعة أ في الوسط ب، أو حد أدنى لا يمكن له أن يرفعه».9 وكان أهم تقدُّم حقَّقه هو وزملاؤه الحَسَبة في ميرتون هو تعريفهم للسرعة بأنها العلاقة بين المسافة والزمن. لم يحاول أرسطو قط وضعَ أي تعريف رياضي؛ حيث كان يعتبر الحركةَ مفهومًا معقَّدًا ينطوي على تغيُّر في المكان والزمن والموقع والموضع، وهي كلها فئات منفصلة للوجود، ومِن ثَمَّ غير متناسبة. لقد قام حَسَبة ميرتون مجازيًّا بحل حبل الأوكامي من أجل تعريف السرعة ببساطة من خلال قسمة المسافة التي يقطعها الشيء في حركته على الزمن الذي استغرقه في ذلك. عادة ما يُعزى الفضل في هذا التعريف إلى جاليليو،10 لكن حَسَبة ميرتون توصَّلوا إليه قبل ذلك بثلاثة قرون.

صياغة قوانين من خلال شفرة أوكام

متسلحين بتعريفٍ رياضي للسرعة، انطلق هايتسبيري وزملاؤه ليكتشفوا أولَ قوانين العلوم الحديثة، وهو مبرهنة متوسط السرعة. تنصُّ المبرهنة على أن المسافة التي يقطعها شيءٌ يتسارع من السكون بشكل موحَّد تساوي المسافةَ التي كان الشيء ليقطعها لو كان يقطعها بمتوسط سرعته للوقت نفسه. وهكذا فإنْ تسارعَ حمارٌ في سلاسة من السكون إلى هرولةٍ تبلغ عشرة أميال في الساعة، فإنَّ المسافةَ التي كان سيقطعها الحمار ستكون هي نفسها المسافة التي كان سيقطعها لو تهادى بخطواتٍ منتظمة تبلغ سرعتُها خمسة أميال في الساعة، أي، إنه كان سيقطع خمسة أميال.

إن القوانين الرياضية والعلمية تمثِّل عاملًا حاسمًا في قصتنا؛ لأنها تحت مظهرها الجامد تُعَد أمثلَ تعبير عن شفرة أوكام. تذكُر إصرارَ أينشتاين الذي ذكرناه في المقدمة على أن «الهدف الأسمى من كل العلوم [هو] تغطية أكبر عدد من الحقائق التجريبية بالاستدلال المنطقي باستخدام أصغر عددٍ ممكن من الفرضيات أو البديهيات».11 فالقوانين العلمية، عن الضوء أو الحركة أو الحرارة على سبيل المثال، هي كلها طرقٌ لتغطية «أكبر عدد من الحقائق التجريبية» من فرضيات أو بديهيات بسيطة. يمكن لنا أن نفهم قيمةَ تلك القوانين إن تخيَّلت كيف كان أرسطو ليستجيب إذا ما سألته كم المسافة التي يمكن أن يقطعها الحمار إن كان يتسارع في سلاسة من السكون وحتى عشرة أميال في الساعة في خلال ساعة واحدة. على الأرجح أنه كان ليخبرك أن الأمر كلَّه يتوقف على المادة التي خُلِق منها الحمار، والأسبابِ الصورية والفاعلة والنهائية لحركته، والفئات المعينة التي تندرج تحتها تلك الأسباب. على الأرجح أن الحمار كان ليزفر أنفاسَه الأخيرة قبل أن ينتهي أرسطو من إجابته.

لكنك إذا ما سألت هايتسبيري وزملاءه فإنهم كانوا ليقولوا إن الإجابة هي نصف السرعة النهائية للحمار مقسومة على الوقت الذي استغرقه ليصل إلى تلك السرعة. فضلًا عن ذلك، إذا ما عدَّلت سؤالك لتسأل عن تسارع عنزة أو بقرة أو مذنَّب أو عالم أو سهم، وهي كلها أشياءُ تتركَّب من موادَّ مختلفة تمامًا وتنتمي إلى فئاتٍ مختلفة من الوجود، فإنهم كانوا ليخبروك أن هذا لم يكن ليشكِّل أدنى فارق. وحين يحسبون إجابتَهم فإن تفاصيل مثل المادة التي يتركَّب منها الشيء تمثِّل كياناتٍ تتخطى حاجز الضرورة.

إن مبرهنةَ متوسط السرعة مفيدةٌ بصورة بارزة. لكن بها عيبًا مهمًّا. لقد عرَّف حَسَبة ميرتون الحركةَ فحسب؛ لكن لم يحاولوا تفسيرَ الحركة بتقديم الغرض منها. وفي تعريفات هذا العصر، فإننا نصِف مبرهنةَ متوسط السرعة بأنها نظرية حركية للحركة. ليس هناك خطأ جوهري في النظرية الحركية؛ حيث لا تزال مفيدةً حتى يومنا هذا. لكن هذه النظريات لا تقول شيئًا عن المستقبل ولا عن الماضي أيضًا إلا إن كان أحدهما مشابهًا تمامًا للحاضر. ولكي يتمكَّن العلم من التنبؤ بمستقبلٍ غير مؤكَّد، فإنه أيضًا بحاجة لأن يكون قادرًا على التعاطي مع التغيير، ولأجل ذلك، فإنه بحاجة لتطوير نماذج تتضمَّن أسبابًا. والتقدُّم التالي الذي أُحرِز في دراسة الحركة كان على يد علماء أوكاميين في المدينة التي استمتع فيها ويليام على الأرجح باستراحةٍ قصيرة وهو في طريقه إلى أفينيون.

ما الذي يسبب وجود علة؟

وُلِد جان بوريدان في أسرة متواضعة في أبرشية أراس ببيكاردي بفرنسا، في وقتٍ ما حوالي عام ١٣٠٠. وقد لفت الصبي الصغير الذكي انتباهَ محسنٍ ثريٍّ دفع تكاليف تعليمه في كلية ليموين في باريس ثم في جامعة باريس. وبحلول عام ١٣٢٠ تقريبًا، حصل على رخصةٍ للتدريس وسرعان ما تقدَّم عبْر النظام الأكاديمي. وكان في غاية النجاح حتى إنه سرعان ما وصفه زملاؤه بأنه «فيلسوف عظيم»، وعُيِّن مرتين رئيسًا لجامعة باريس. ولا شك أنه كان موجودًا حين عبَر ويليام الأوكامي من خلال أروقتها.

لسوء الحظ لا نعرف عن حياة بوريدان إلا القليل جدًّا، عدا عدة إشاعات مشينة. معظمها كان يتركَّز حول سُمعته كونه زيرَ نساء. ففي إحدى القصص يُقال إنه تعدَّى على البابا المستقبلي كليمنت السادس فضربه على رأسه بفردة حذاء حين كانا يتنافسان فيما بينهما على كسبِ ودِّ زوجة صانع أحذية ألماني. وقصة أخرى تقول إن الملك فيليب الخامس ملك فرنسا ربطَ بوريدان في جوالٍ وألقى به في نهر السين بعد أن اكتشف أن الفيلسوف كان يقيم علاقةً مع زوجته. ومن الواضح أن أحدَ تلاميذه أنقذه من الغرق.

على الأرجح أن معظم هذه القصص مشكوكٌ في أمرها، لكننا نعلم يقينًا أن بوريدان كان أحدَ أعظم العلماء في عصره. إذ كتب شروحاتٍ عن أعمال أرسطو، بما فيها «الأورجانون» و«الطبيعة» و«عن السماء» و«عن الكون والفساد» و«عن الروح» و«ما بعد الطبيعة». وكان أهم أعمال بوريدان هو «موجز عن الجدل» الذي أصبح الكتابَ المعياري الذي نشرَ منطق ويليام الأوكامي الاسماني عبْر الجامعات الأوروبية؛ حيث أصبح معروفًا ﺑ «المذهب الجديد». وبكلمات المؤرِّخ تي كيه سكوت: «أكمل بوريدان ما بدأه الأوكامي … وإن كان الأوكامي قد استنَّ مذهبًا جديدًا في الفلسفة، فبوريدان من الأتباع لذلك المذهب بالفعل. وإن كان الأوكامي هو المبشِّر بعقيدة جديدة، فلا شك أن بوريدان كان يعتنِقها بشجاعة …».12 وقد عارض «المذهب الجديد» تقليدَ «المذهب القديم» المدرسي المحافظ والمليء بالكيانات الخاصِّ بفلاسفةٍ مثل الأكويني أو جون سكوتوس، فكان يطمح لفلسفةٍ أبسطَ وأقلَّ تشوُّشًا مبنيةٍ بشكل أكبر على المنهج الاسماني للأوكامي، وعلى فصله للعلم عن اللاهوت وتطبيقه الصارم لمبادئ شفرته.

كان أكثر إنجازات بوريدان العلمية تأثيرًا هو اكتشافه طريقةً ثورية لوصف علل حركات الأجسام الأرضية، مثل طيران السهم. كان أرسطو قد وصف تلك الحركات بأنها غير طبيعية، وقال إنها تتطلب علَّة سابقة مادية وصورية وفاعلة. لكن وحتى في وجود الكثير من العلل، فشلَ نظامُ أرسطو في تفسير سبب استمرار السهم في الطيران عبر الهواء لفترة طويلة بعد أن ينطلق من قوسه. وقد ردَّ أرسطو بطريقته المعتادة وهو متحيِّر، فأضاف المزيدَ من التعقيد. فاقترح أن السهم بعد أن يتلقى الدفعة الأولى من الوتر، يولِّد دوامةً من نوعٍ ما في الهواء تحيط بالسهم، والتي تستمر في دفع السهم في مساره.

كان ويليام الأوكامي قد رصد الخلل بالفعل قبل عقدٍ من الزمن أو نحو ذلك قبل كلام بوريدان.13 إذ أشار إلى أن بإمكان سهمين ينطلقان في اتجاهين معاكسين أن يمرَّا أحدهما بجوار الآخر في الهواء. فلدى نقطة التقارب الشديد، ستحتاج دوامة الهواء الخاصة بأرسطو إلى أن تكون دافعة في اتجاهين معاكسين؛ الأمر الذي لا يبدو منطقيًّا. فاقترح جان بوريدان بدلًا من ذلك أن الوتر المتحرِّك ينقل كمًّا من «القوة الدافعة» إلى السهم. وتظل هذه القوة الدافعة متصلة بالسهم، كوقود من نوعٍ ما يدفع السهم ضد مقاومة الهواء، حتى تُستنزف تلك القوة ويعود السهم إلى حركته الطبيعية وهي السقوط إلى الأرض.
لم يكن مفهوم القوة الدافعة جديدًا بالكلية. إذ قدَّمه في القرن السادس الميلادي الفيلسوف البيزنطي جون فيلوبنيس والمعروف بيوحنا النحوي (حوالي٤٩٠–٥٧٠) وتناوله بمزيد من التفصيل العالِم الفارسي ابن سينا المولود عام ٩٨٠. لكن ما جعل مفهوم بوريدان ثوريًّا حقًّا هو تعريفه الرياضي. إذ اقترح بوريدان أنه يمكن حساب القوة الدافعة لجسمٍ ما عن طريق ضرب وزنه في سرعته. وهذا يشبه — لكنه لا يماثل — مفهومَ الزخم٢ الحديث.

كان قانون بوريدان هو أولَ قانون سببي للحركة يوصَف رياضيًّا؛ الأمر الذي يجعله سابقًا — سواء بشكل مباشر أو غير مباشر — على معظم القوانين العلمية التي تشكِّل العالَم الحديث. وعلى غِرار حَسَبة ميرتون، كان بوريدان يحاول «تغطية أكبر عدد من الحقائق التجريبية بالاستدلال المنطقي باستخدام أصغر عدد ممكن من الفرضيات أو البديهيات».

قبل أن أنتقل إلى نقطةٍ أخرى، أريد أن أستعرض سؤالًا واحدًا أخيرًا بخصوص طبيعة القوة الدافعة. أكان بوريدان ليفهم حركةَ السهم أكثر إذا ما اقترح أن قوس رامي السهم يرفق مَلاكًا مع السهم بدلًا من القوة الدافعة، ومِن ثَمَّ فإن حركة السهم تكون مدعومة برفرفة جناح مَلاك حتى يشعر هذا المَلاك بالإنهاك؟ يبدو هذا السؤال سخيفًا لنا، لكنه لم يكن كذلك بكل تأكيد في العصور الوسطى. فبالنسبة إلى الكثيرين من أهل ذلك العصر، كان الملاك حقيقيًّا وحاضرًا في العالَم أكثرَ بكثير من حضور القوة الدافعة.

في الوقت الراهن، سنترك هذا السؤال معلَّقًا. لكنه سؤال سنعود إليه فيما بعد؛ فهو حين يتم تعميمه، يُعَد أساسيًّا بالنسبة إلى الدور الذي لعِبته شفرة أوكام في العلم.

الأرض (ربما) تتحرَّك

في شروحاته النهائية التي نجت للكتاب الأول من عمل لومبارد «كتب الأحكام الأربعة»، أشار ويليام الأوكامي إلى أن «الأشجار … يبدو أنها تتحرَّك» بالنسبة إلى راصدٍ يقف على متن سفينة تتحرَّك على طول شاطئ تحفُّه الأشجار. وأكمل ليدفع بأن هذين الافتراضين مرادفان لذلك: «الأشجار … تُرى على التوالي في مسافاتٍ ومظاهرَ مختلفة من خلال عينٍ تتحرَّك مع حركة السفينة» و«تبدو للعين أن الأشجار تتحرَّك».14 كان ويليام هنا يشير إلى التكافؤ النسبي للحركة والسكون: فالأمر يعتمد على منظورك. واستخدم ويليام هذه الملاحظةَ ليدفع بأن الحركة، مثلها مثل الكليَّات، لا تُعَد شيئًا موجودًا، بل إنها علاقة بين الأشياء. وقد أدرك بوريدان أن نسبية المنظور هذه يمكن أن تحمل أيضًا تداعياتٍ في السماء.
في نظرية الحركة عند بوريدان، يضيف القوس في يد رامي السهم كمًّا من القوة الدافعة يتسبَّب في أن يطير السهم عبْر الهواء. لكن السهم يسقط في النهاية. وأرجع بوريدان ذلك إلى أن القوس تضع كمًّا محدودًا من القوة الدافعة يعمل ضد مقاومة الهواء حتى يُستنفد. لكنه أردف يخمِّن أن «القوة الدافعة ستستمر إلى الأبد ما لم تَضعُف وتنحرف بفعل مقاومة مضادة أو نزعة إلى حركة معاكسة».15 وهذا الأمر يقارب كثيرًا في الواقع مفهومَ القصور الذاتي الحديث، الذي يُعزى الفضل فيه غالبًا إلى جاليليو. علاوة على ذلك، اقترح بوريدان أن «في حركة الأجسام في السماء لا يكون هناك مقاومة مضادة»؛16 لذا فإن الرب بعد أن أعطى تلك الأجسامَ في السماء دفعتها الأولى من القوة الدافعة، أصبح بمقدورها أن تظل تتحرَّك إلى الأبد. كان هذا الرأي يمثِّل بالفعل خطوةً كبيرة نحو تصوُّر ميكانيكي لسماء تعمل وفقًا لقوانينَ أرضية (كما اقترح ويليام). إلا أن بوريدان فكَّر في فكرة ثوريَّة أكثر، بل إنها يمكن أن تمثِّل هرطقة، وذلك عن طريق استحضار مفهوم ويليام الأوكامي عن تكافؤ الحركة والسكون القائم على الرصد ليدفع بأن الأرض هي التي تتحرَّك وليست النجوم.
ومثله مثل الجميع، كان بوريدان قد أشار إلى أن النجوم تبدو أنها تدور حول الأرض كلَّ يوم لكنه أدرك أيضًا أن هذا الأمر قد يكون مسألةَ وجهة نظر. فإذا كانت الأرض تدور، فإن المدارات اليومية لتلك النجوم ستختفي. فكتب يقول:
تمامًا كما هو من الأفضل أن نقدِّم تعليلًا لمظهر الأشياء من خلال عللٍ أقلَّ أكثر مما هو أفضل أن نحفظها من خلال عللٍ أكثرَ … فمن الأسهل الآن أكثر أن نحرِّك شيئًا صغيرًا من أن نحرك شيئًا كبيرًا. لذا أن نقول إنَّ الأرض (التي هي صغيرة للغاية) تتحرَّك بسرعة أكبرَ وإن النجوم العالية ساكنة، لهو أفضل من أن نقول العكس.17

أسكن بوريدان حركةَ آلاف النجوم من خلال أنه سمح لشيء واحد فقط وهو الأرض بالدوران: شفرة أوكام. لكن ذلك العالِم الفرنسي كان ذكيًّا أيضًا بما يكفي ليرصد مشكلة. إن كانت الأرض تدور حقًّا من جهة الغرب إلى الشرق بسرعة كبيرة، فإن سهمًا يُطلق عموديًّا في الهواء ينبغي أن يقع إلى جهة الشرق من نقطة انطلاقه. وبما أن هذا لم يحدث، فقد خلُص بوريدان إلى أن الأرض لا بد أنها ثابتة وأن السماء بالفعل تتحرَّك.

كان هذا تفكيرًا منطقيًّا، لكنه كان خاطئًا بالطبع. وقدَّم الحل الصحيح أحدُ تلامذة بوريدان وأتباع المبدأ الأوكامي و«المذهب الجديد»، والذي كان يُدعى نيكول أوريسم (حوالي ١٣٢٣–١٣٨٢). حظي أوريسم بحياةٍ مهنية أكثر شهرة حتى من أستاذه؛ إذ أصبح معلِّمًا لتشارلز الخامس ملك فرنسا المستقبلي (١٣٣٨–١٣٨٠) وعُيِّن لاحقًا أسقفَ ليزيو. وبينما كان أوريسم يدرس مع بوريدان في باريس، درس أعمال حَسَبة ميرتون وتجاهل هو أيضًا مبدأ أرسطو الخاص بحظر الانتقال، فاستخدم الهندسةَ ليقدِّم برهانًا بيانيًّا على مبرهنتهم الخاصة بمتوسط السرعة (انظر الشكل ٥-١). واتبع معلِّمه في استخدام شفرة أوكام في استبعاد الدوران اليومي للنجوم من خلال الزعم أن «من العبث القيام بشيء من خلال عملياتٍ عديدة أو واسعة النطاق، والتي يمكن القيام بها من خلال عمليات أقل أو على نطاق أضيق». لكن أوريسم وعلى عكس معلِّمه، حلَّ معضلة السهم الملغزة بأن أشار إلى أن السهم الذي يُطلق عموديًّا من فوق سطح سفينة متحركة يسقط على سطحها. وقد أرجع هذا إلى أن السهم المنطلق يتقاسم مع السفينة قوَّتها الدافعة الأفقية، ومِن ثَمَّ فإنه يستمر في التحرُّك مع السفينة حتى بعد أن يكون قد انطلق من وتره. ودفع أوريسم بأن رامي السهم الذي يقف على سطح أرض متحركة هو في نفس موقف رامي السهم الذي يقف على سطح السفينة، و«لهذا السبب يعود السهم إلى مكانه على الأرض الذي انطلق منه».
fig7
شكل ٥-١: برهان بوريدان البياني على مبرهنة متوسط السرعة. يمثِّل المحور الأفقي «أ ج» «الزمن»، فيما يمثِّل المحور الرأسي «ج د» «السرعة المتزايدة» بشكلٍ موحَّد بحيث تُحدِّد مساحةُ المثلث «أ د ج» المسافةَ الكلية المقطوعة. أشار بوريدان إلى أن النقطة «و» إذا كانت تقع في المنتصف بين «أ» و«د» فإن حجم المثلث «و د ز» يتساوى مع حجم المثلث «أ ﻫ و» ويكون المستطيل «أ ﻫ ز ج» له نفس مساحة المثلث «أ د ج». لكن مساحته تكون مساوية للمسافة المقطوعة إذا كان الجسم يقطع المسافةَ كلها بسرعة متوسطة.

لكن ظلَّ أوريسم مثل معلِّمه غيرَ راغب في أن يقوم بقفزة كبيرة نحو كونٍ أكثرَ بساطة. وقد حاجج بأنه بما أنه لا يمكن للمنطق وحدَه أن يحدِّد ما إذا كانت الأرض هي التي تدور أم الأجرام السماوية، فقد هجر الشفرة لصالح الكتاب المقدَّس. وجد أوريسم في الكتاب المقدَّس في سِفر يشوع فقرةً أمرَ فيها الرب الشمسَ أن تقف ساكنة في السماء لتقدِّم ليشوع مزيدًا من ساعات النهار ليقاتل فيها أعداءه.

على الرغم مما قام به أوريسم من عودة للاهوت، فإن «المذهب الجديد» لدى ويليام الأوكامي كان قد قطع، بحلول أربعينيات القرن الرابع عشر، خطواتٍ كبيرة تجاه الهروب من غابة لاهوت الأكويني المتشابكة. ولو استمر هذا التقدُّم، لربما كانت الثورة الصناعية قد حدثت في القرن السادس عشر وليس القرن الثامن عشر. لكن لسوء الحظ، تسبِّب ميكروب في عودة آخر المدرسيِّين إلى الفكر الذي كانوا يتبنونه.

سنين مهلِكات

في العام ١٣٤٧، كانت حشود المغول تضرب حصارًا على ميناء كافا في شبه جزيرة القرم يريدون استسلام التجار الجنويِّين المتهمين بقتل حاكم المدينة. وحين سقط الجيش الذي يحاصر الميناء ضحيةَ مرض غامض لكنه فتَّاك شكر الجنويُّون ربَّهم. إلا أن شكرهم لم يدُم طويلًا. إذ قذف المغول الجثث بالمقالع إلى داخل المدينة. فسقط سكانها ضحايا الوباء، ما دفع الجنويِّين ليبحروا عائدين إلى إيطاليا. توقَّفت سفينتهم على الأرجح عند أكثرِ مدن العالم اكتظاظًا بالسكان في ذلك الوقت، وهي القسطنطينية. وفي غضون أسابيع، مات الآلافُ من سكانها. أما المحطة التالية التي توقَّفت فيها السفينة فكانت مدينة مسينة بصقلية، وكان ذلك في أكتوبر من عام ١٣٤٧، وبحلول ذلك الوقت كان معظم طاقمها قد لقي حتفه. ولم ينجُ من الجنويِّين سوى اثني عشر رجلًا رغم ما كان بهم من مرض، فمُنِعوا من النزول من فوق متن السفينة، إلا أن المرض غادر السفينةَ على أي حال على ظهر الفئران التي كانت عليها. وفي غضون شهور، صارت موانئ أوروبا الكبرى مصابةً كلها بالمرض. وبعد مرور بضع سنوات، كان أكثر من نصف الأوروبيِّين قد لقوا حتفَهم، من بينهم توماس برادواردين، وجان بوريدان وويليام الأوكامي. ورغم أن الجامعات بقيت في الغالب، فإن نقصًا بين المعلمين تسبَّب في انهيار التعليم الأساسي، ما أدَّى إلى انهيار مستويات التعلم.

استنفد الوباء الأول نفسه في غضون أربع سنوات أو خمس، لكن وعلى مدى العقود التالية، استمرت حالات تفشي الطاعون في تدمير أوروبا باطراد شرس. بحث الحكَّام والمواطنون المرتعبون عمَّن يلقون عليه باللائمة في ذلك، فاستهدفوا اليهودَ، وقُتل الآلاف منهم. اعتقد كثيرون آخرون أن شرَّ الإنسان هو السبب في العذاب الذي صبَّه عليهم الرب؛ لذا وفي محاولةٍ لإرضاء ربٍّ غاضب، أبدَوا ندمَهم على ما بدر منهم، وتجوَّلوا من مدينة إلى أخرى يتجمعون ويجلد بعضهم بعضًا بسياطٍ أطرافُها من الحديد. لكن الجَلد أو التوبة أو محاولات التكفير أو الصلاة لم تفلح في استرضاء الرب الجبَّار. لم يسلَم أحدٌ من الوباء. فهوت أوروبا في العصور الوسطى من الشاعرية الرعوية الريفية التي صُوِّرت في كتاب «الساعات الغنية جدًّا لدوق بيري» إلى الرؤى الجهنمية للرسام هيرونيموس بوس. وبوجود الموت عند كل زاوية تقريبًا، هجر المدرسيون التفكيرَ العلمي ولجئوا إلى صلواتهم وتضرُّعاتهم. ولم يبدِ أحدٌ اهتمامًا حقيقيًّا بالعلم في أوروبا أثناء العصور الوسطى إلا بعد مرورِ أكثرَ من مائة وخمسين عامًا.

هوامش

  • (١)

    لم يكن مسموح بنار التدفئة في المكتبات بسبب طبيعة الكتب القابلة للاحتراق.

  • (٢)

    الزخم يساوي السرعة المتجهة (وهي كمية متجهة تنطوي على الاتجاه) مضروبة في الكتلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤