نلسون والأفعى

كان أفراد الكشَّافة ينتظرون مجيء ظهر يوم الخميس في لهفةٍ بالغة، وحان الوقت أخيرًا. وما إن بلغَت الساعة الثانيةَ مساءً حتى كانت جميع الفرق واقفةً في مكان اجتماعها، وقد اصطَفَّت في نظامٍ رائع. وكان منظرهم جميلًا في الأقمصة الكاكي. وزادتهم الخناجر التي وضعوها في أحزمتهم روعةً ورُواء.

بعد لحظةٍ أقبل الأستاذ جون، فأعجِب بترتيب الفرق، وخاطبَهم بقوله: «اسمعوا يا أولادي الأعزَّاء. أودُّ من كل قلبي أن تكون هذه الرحلة موفَّقة حقًّا، وأظنكم تعلمون كل شيء عن المباراة؛ فأول فرقة تُعِد الشاي قبل غيرها تحظى بجائزةٍ أي جائزة، سأخبركم بها فيما بعدُ. وقبل أن نبدأ المسير، لي كلمةُ تحذيرٍ أحب أن ألفِتَكم إليها. سيكون معسكرنا في مكانٍ على جانب التل غاصٍّ بالأحراج والشجيرات التي تكمُن فيها الوحوش المفترسة، فكونوا دائمًا في مجموعاتٍ كبيرة ولا تتفرَّقوا آحادًا. بذلك وحده لا يجرؤ حيوانٌ على مهاجمتكم. وإذا التقيتُم بشيء، فعلى رئيس الفرقة أن ينفُخ في صَفَّارته ثلاثَ مراتٍ طوالًا، وثلاث مراتٍ قصارًا، فأكون بجانبكم في لمح البصر ومعي القذَّافة. والآن، هيَّا، انصرفوا.»

تحرَّكَت فرق الكشَّافة مخترقةً ملعب كرة القدم، ثم إلى الغابة الممتدة فوق المنحدرات الواقعة خلف المدرسة، واختارت كل فرقةٍ طريقها إلى أعلى التل، أملًا في أن تصل إلى مكان إقامة المعسكر عند قمة تل لونجوي قبل الأخريات.

كانت فرقة مارك تضُم محمدًا وجمعة ونلسون، وأربعة أولادٍ آخرين. وكان نلسون نائب رئيس الفرقة؛ فمنذ موضوع السرقات وهو صديقٌ حميم لمارك، وعلى ذلك رضي برئاسته عن طيب خاطر.

والتفَت مارك إلى أعضاء فرقته يقول لهم: «سنسير في صفٍّ واحد. وسأمشي في المقدمة، فاتبعُوني.» ثم شرع يضرب في ممَرٍّ ضيق بين الأشجار.

وقال نلسون وكان في المؤخرة: «وحذارِ من أن يطأ أحدُكم أفعى.» ظل الأولاد يتسلقون التل في جِد ونشاط، لا يتوقَّفون إلا لمامًا، ريثما يستريحون ويجفِّفون العَرق من فوق جباههم. وفي أول مرة جلسوا فيها يستريحون أخذ جمعة يتكلم فقال: «ما أثقَلَ ما أحملُه من الطعام! أيرغب أحدكم في شيء من المانجو؟ فلا أظنني مستطيعًا حَملَه أكثر من ذلك.»

كان محمد مستلقيًا على الأرض إلى جانبه، فقال: «كنتُ أخشى ألا يكون معك ما يكفيك من الطعام، ولكنك، الآن، تريد أن تتخلَّص من الطعام! وعلى أية حال، أعطني واحدةً آكلها الآن. ستكون في معدتي أخفَّ مما هي على ظهرك.»

أخرج جمعة من حقيبته ثماني ثمرات، وكانت كبيرةً جدًّا، فوزَّعها على أفراد جماعتهم، فأطفأ عصيرُها الحُلوُ ظمأهم.

فقال بيترو، وهو من صغار التلاميذ: «شكرًا جزيلًا، يا جمعة.» وبعد أن أكل ثمرتَه وارتوى بها، قذف بنواتها وسط الأحراج، فما إن وقعَت النواة على الأرض حتى انبعَث فحيحٌ وصفير.

فصاح جمعة قائلًا: «ما هذا؟ إني أسمع فحيحَ ثعبان!»

نهض بيترو من مرقده، وجلس يقلِّب بصره في المكان الذي رمى فيه النواة، فسمع الفحيح يزداد ارتفاعًا.

فقال محمد: «حِذرَكم! أيها الرفاق.»

وصاح بيترو: «إنها حيةٌ رقطاء.» وأشار إلى الحشائش النامية أمامه.

في تلك اللحظة أيضًا، أبصر جمعة الأفعى، ورأسها العريض يهتز يَمْنة ويَسْرة فوق جسمها الغليظ. وكانت المسافة بينها وبين بيترو لا تعدو ثلاثَ أقدام.

وتسمَّر بيترو في مكانه لا يقوى على الحركة. وقد ركَّزَت الأفعى بصرها عليه، وأخذَت تُخرِج لسانها ذا الشعبتَين من فمها وتُدخِله في سرعةٍ عجيبة تُنبئ عن الشر، ثم تحفَّزَت لتنقَضَّ على الغلام الصغير المسكين.

وفجأةً أحَسَّ جمعة بلفحة هواءٍ تمسُّ وجهه، ولمَح وميض نصلٍ معدني أمام رأس بيترو. وفي لمح البصر رأى نلسون يفترش الأرض بينه وبين بيترو، وقد امتدَّت ذراعه تحمل خنجرًا حادًّا بجانب رأس الحية.

فصاح نلسون: «قتلتُها، قتلتُها!»

شاهد جمعة الحية مقتولةً فعلًا، ورأسها مفصولًا تمامًا عن جسمها. نهض نلسون من مكانه. وفي هذه اللحظة فقط أفاق الغلمان من غَشيتهم، وبدءوا يتحدثون من فَورهم.

فقال محمد: «ما أروعَك! يا نلسون! هذه بطولةٌ نادرة. اندفَعتَ في الوقت المناسب لنجدة بيترو، وكانت سرعتُك سببًا في إنقاذه من لدغةٍ محقَّقة وموتٍ أكيد. أما أنا فلم أستطع الحركة. لقد شلَّت أعضائي رؤية الحية الضخمة!»

وقال جمعة: «هذا هو عينُ ما حدَث لي أنا أيضًا.»

وقف نلسون ينفُض الغبار عن ثيابه، وينظِّف السكين من دم الحية، ويقول: «لم أفعل شيئًا غريبًا. رأيتُ أن الوسيلة الوحيدة لإنقاذ بيترو أن أرتميَ فوق جسم الأفعى لأمنعها من الحركة. ولحسن الحظ كان الخنجر في يدي.»

فقال مارك: «هذا تواضُع، يا نلسون! إنك تصوَّر الأمر سهلًا، في حين أنه عملٌ رائع … وبسالةٌ تُحمَد عليها. الحقُّ إن إقدامك كان فذًّا وسرعتك بالغة ومخاطرتك بنفسك إلى هذا الحد منقطعة النظير؛ فلو أخطأتَ موضع رأس الأفعى لكان فيه حتفُك.» ثم التفَت إلى بيترو يسأله: «هل أنت بخير يا صديقي؟»

فأجاب بيترو متهدِّج الصوت: «نعم، حمدًا الله، وشكرًا لنلسون.» كان لا يزال يرتجف ذُعرًا، ولكنه خَجِل أن يبدو أمامهم خائفًا.

فقال مارك: «حسَن! إذن هلُموا بنا ننصرف من هذا المكان قبل أن يأتي رفيق الحية ويجدنا هنا.» ثم سار في الممَر الضيق المتعرِّج يتبعُه أفراد فرقته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤