زومبي المهرِّب

لم يَدرِ مارك ماذا يفعل حيال ذلك الأمر؛ فطالما كان الكهف خاليًا من الصناديق، فلا دليلَ لديه يمكن أن يستند إليه ضد المهرِّبين. وعلى ذلك لم يجد فائدةً من إبلاغ الأمر إلى الشرطة. وبعد مناقشة الموضوع مع محمد ونلسون قرَّر أن يلتزم الصمت حتى يعثُر على الدليل.

وقبل أن ينقضي الأسبوع أعلَن علي، رئيس فرق كرة القدم، أنه سيرسل فريقًا، بعد ظهر يوم الخميس، ليلعب في مباراة بالمدينة. واختار مارك ونلسون ليكونا ضمن ذلك الفريق، فعمل مارك جهده على أن يضم محمدًا إلى الفريق ليقوم بتخطيط أرض الملعب؛ إذ كان يعتقد أن بمقدور محمد أن يساعده في الحصول على بعض المعلومات من المدينة.

كان موعد المباراة بين فريق مدرسة الحرية وفريق نادي المدينة في منتصف الرابعة.

وفي الطريق إلى الملعب، همس نلسون إلى مارك قائلًا: «العَب جيدًا، يا مارك؛ فإن عليًّا يقول إننا إذا ربحنا فسيسمح لنا الناظر بالتخلف في المدينة ساعةً كاملة، نستطيع خلالها جمع المعلومات التي نريدها عن السائق البدين ورفقائه.»

بذل مارك ونلسون جهدًا كبيرًا أمام فريق نادي المدينة، وكانت المباراة عنيفة وسريعة. وانتهى الشوط الأول بهزيمة فريق المدرسة بهدفٍ واحد … فدَبَّ اليأسُ في نفس مارك ونلسون، وأحسَّا بأن الفرصة قد تضيع منهما.

وفي فترة الاستراحة، خرج الأستاذ جون إلى الملعب يُحيِّي تلاميذه … ويُشجِّعهم، ويبعَث في نفوسهم الثقة، ويحثُّهم على الانتصار والغلبة؛ لأنهم لا يقِلُّون عن فريق النادي مهارة.

ثم أخذ عليٌّ يُحذِّر رفقاءه ويُنذرهم بالحرمان من النزهة الموعودة إذا لم ينتصروا أخيرًا.

ما كاد الأستاذ جون يعلن استئناف اللعب، حتى هجم فريق المدرسة على مرمى خصمهم هجوم الصاعقة، فقذف مارك الكرة إلى نلسون، الذي قذفها بدوره في قوة وعنف، فانطلقَت كالقذيفة تخترق مرمى نادي المدينة. فصفَّق المتفرجون عاليًا، وهنَّأ أعضاء الفريق بعضهم بعضًا على تساويهم بهذا الهدف مع فريق النادي.

بعد أن قذف قلب الهجوم الكرة، جرى بها لاعبو النادي نحو مرمى المدرسة، ولكنَّ عليًّا صدها وأعادها تُدوِّي إلى وسط الملعب تقريبًا. وكان مارك في الجناح الأيمن، فوصَل إلى الكرة قبل غيره، ومرَّرها إلى نلسون الذي كان يجري وسط الملعب ليلتقطها منه، فاعترض طريقه لاعبٌ كان وحده بتلك الناحية، فزاغ منه نلسون، وقذف الكرة بعنف، فانطلقَت كالسهم المارق داخل مرمى النادي. وبذا فازت المدرسة بهدفٍ واحد.

كان النضال على أشده في الدقائق الأخيرة، ولكن المدرسة لم تَحظَ بأي هدفٍ بعد ذلك، غير أنها استطاعت أن تصُد جميعَ هجماتِ فريق النادي. وما إن انطلقَت صَفَّارة الحكَم تُعلِن انتهاء اللعب، حتى استلقى مارك على الحشائش منهوك القوى، مُردِّدًا: «حمدًا لله! لقد بذلتُ كل ما في وسعي! بيد أنني أكاد أموت من فَرْط الإعياء.»

فقال نلسون: «ألستَ على استعدادٍ الآن للقيام ببعض الأعمال البوليسية؟ أمامنا ساعةٌ واحدة نعود بعدَها إلى المدرسة.»

نهَض مارك مسرعًا، وتأهَّب للعمل من جديد، وأخذ يسأل عن محمد، فرآه مقبلًا، يشُق طريقه نحوهما وسط الزحام.

سار محمد ونلسون ومارك إلى مكانٍ هادئ من الملعب، ووقفوا بعيدًا عن بقية اللاعبين والمتفرجين، فقال محمد: «في أثناء اللعب، وأنا أتنقَّل بين المتفرجين، لاحظتُ رجلًا ضخم الجسم دميم الخلقة بين جموع الناس، وقد ترك سيارتَه في ناحيةٍ قرب الملعب، فخُيِّل إليَّ أنه السائق الذي رأيتُه عند الكهف.»

فقال مارك متلهفًا: «وأين هو الآن؟ ربما كان هو الرجل نفسه!» أشار محمد إلى الطريق خلف ملعب الكرة، قائلًا: «أترى تلك السيارة الخضراء الواقفة هناك؟ إنه ثالث رجلٍ واقف خلفها، ذلك الرجل البدين.»

أنعَم مارك النظر في السيارة الواقفة حيث أشار محمد، ثم قال: «إنها نفس السيارة العتيقة التي حملَت الصندوق من الكهف. سأراقبها، وألقي نظرةً ثانية على السائق السمين، ولعلِّي أرى رفيقَيه كذلك. كما أريد منك، يا نلسون، أن تذهب لمقابلة عمك، وتسأله عما إذا كان يعرف ذلك الشخص البدين.»

أسرع نلسون بالانصراف تاركًا زميلَيه يراقبان السيارة القديمة. ولمَّا وصل بيت عمه، ودخل عليه وجده جالسًا على مقعد في الشرفة، يُداعب النوم جفنَيه، فحيَّاه، ثم أخذا يتحدثان في موضوعاتٍ شتى. وجرَّهما الحديث إلى الرجل السمين وسيارته العتيقة، فسأل نلسون عمه، عما إذا كان يعرف ذلك الرجل.

فقال الرجل العجوز: «نعم، أعرفه. وكل امرئ في هذا البلد يعرفه. إنه زومبي الذي يشتغل بنقل الأخشاب، وله حانوتٌ صغير، وقاربٌ يستعمله في النقل المائي.» … ثم سكَت لحظة، وأردَف يقول: «من الخير أن يتعرَّف الناسُ بمثل هذا الرجل — الناس الذين يدخِّنون البانجو — فهو موردُ هذا المخدِّر.»

فقال نلسون: «وهل يدخِّن كثيرٌ من الناس البانجو في هذه الأيام؟»

فأجاب عمه: «أظن أن الكثيرين بدءوا يدخِّنونه منذ زمنٍ قريب. كما أن أناسًا عديدين أدمنوا شرب الخمور القوية أيضًا. ومن المحتمل أنهم يحصُلون عليها من نفس ذلك الرجل البدين زومبي. وقد حُكِم عليه بالسجن في السنة الماضية.»

ظل نلسون يتحدث بعض الوقت مع عمه، ثم استأذن وانصرف ليجتمع بمارك، فلما التقى به، أخبره بما علمه عن الرجل من عمه.

فقال مارك: «هذا يؤكِّد لي أن الرجل السمين الذي رأيتُه هو زومبي بعينه، وأنه يشتغل بالتهريب؛ فهو يُحضِر البانجو ولفائف التبغ وغيرها إلى هذا البلد، ويُخفيها في الكهف، ثم يبيعُها في المدينة.»

فقال محمد: «إنك لعلى حق، يا مارك! وأنا معك في هذا الرأي.»

- فقال نلسون: «هذا رأي يبدو سليمًا. والآن، كل ما علينا أن نفعله هو أن نعرف كيف يأتي بهذه الأشياء من الخارج إلى الكهف.»

فقال مارك بعد تفكير: «الحق معك، يا نلسون … انظر، إن عليًّا ينادي للعودة إلى المدرسة. وها هي سيارتنا بحوار ملعب الكرة … هيا بنا.»

انضَم الثلاثة إلى بقية زملائهم، وركبوا سيارة المدرسة، فعادت بهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤