معسكر نهاية الأسبوع

دخل عليٌّ ومارك حجرة الكشَّافة، فوجدا الأستاذ جون وبقية رؤساء الفرق منتظرين. ولم يضيِّع الأستاذ جون وقتًا في شرح الغَرض من الاجتماع.

فقد قال بغير مقدِّمات: «لا تزال أمامنا مسابقة إعداد الطعام، وستكون في يوم الخميس القادم. إنه أنسب يوم يُمكِننا أن نقوم بها فيه … كنا نستطيع أن نذهب إلى تل لونجوي مرةً ثانية، بيد أننا لا نرغب في أن تلتقي بنمرٍ آخر؛ ولذلك اقترح الأستاذ بون ناظر المدرسة، أن تكون رحلتُنا في هذه المرة إلى شاطئ البحر، وأن نقيم معسكرنا على الساحل. وقد تكرَّم بإعارتنا سيارة المدرسة لتساعدنا في الذهاب إلى هناك، وصرَّح بأن نبيت بالمعسكر، فهل لأحدكم اعتراضٌ على أي شيءٍ في هذه الرحلة؟»

وافق الجميع على الرحلة، واستصوَبوا فكرتها. وعلى هذا قرَّر الأستاذ جون القيام بها عقب الانتهاء من دروس يوم الخميس مباشرة.

وهنا حدَّث مارك نفسه: «يا لها من فرصة! فلربما كان بوسعنا فحص الشاطئ بحثًا عن المهرِّبين ومعرفة طُرقهم.»

وخرج من الاجتماع، وذهب ليلتقي بنلسون ومحمد، اللذَين ابتهجا أيما ابتهاجٍ بهذه الرحلة.

فقال مارك: «أتَذكُر، يا محمد، أننا اقتفَينا أثَر عَجلات السيارة حتى الطريق العام؟ هذا الطريق يؤدِّي إلى البحر، وسنقيم معسكرنا قرب الموضع الذي يتقابل فيه ذلك الطريق بالساحل. لا بد أن المهرِّبين يُنزِلون بضاعتهم بقرب ذلك المكان.»

ثم أخبر نلسون برأي محمد، وبتفسيره لطرق التهريب، فقال نلسون: «إنه تفسيرٌ على جانبٍ كبير من الصواب، وأعتقد أنهم يُنزِلون البضائع ليلًا. علينا أن نسأل سكان الساحل علَّنا نهتدي إلى شيء!»

فقال مارك: «أنا على يقينٍ من أننا سنحصل على معلوماتٍ جديدة، ولو أنه لن يكون لدينا متَّسعٌ من الوقت لنسأل الناس شيئًا … وإن الجرس ينادينا. سنستأنف الحديث في هذا الموضوع فيها بعدُ.»

وجاء يوم الخميس، فابتهج بمجيئه كل أفراد الكشَّافة. فأعَدُّوا خيامهم، وأدوات الطهي التي سيأخذونها معهم ليضَعوها في السيارة، وتهيَّأَت الفرق للرحيل. وكانت فرقة مارك في الطليعة؛ إذ عُهِد إليها باختيار مكان المعسكر. وبدا الطريق طويلًا مشمسًا، ولم تُفلِح الأشجار في أن تُظِلَّهم من أشعة الشمس المُحرِقة.

سار أفراد الكشَّافة بضعة أميال يُنشِدون كثيرًا من الأناشيد، وكان جمعة يوقِّع الألحان على نايه، وبذلك مَر الوقت دون أن يُحِسُّوا بمشقة السير، ولكن ما إن صار الطريق متربًا شاقًّا حتى خيَّم الصمتُ على الأولاد، وساروا وكأن على رءوسهم الطير، وخُيِّل إليهم أن الطريق لن ينتهي … وأخيرًا لاح البحر من بعيدٍ أزرقَ لامعًا يتألق من خلال نخيل البلح، فبعَث النشاطَ في أبدانهم والبهجةَ في نفوسهم.

وما كاد مارك يلمح البحر حتى صاح في فرقته: «ها هو البحر قد ظهر جميلًا في الأفق يُنبئُنا بأننا قد وصلنا بحمد الله، ولم يَبقَ أمامنا غير مسافةٍ قصيرة!»

أحَسَّ الأشبال بقوةٍ جديدة تسري في أجسادهم، فأسرعوا خطوهم وكلهم أمل في نزهةٍ سعيدة، فلما بلَغوا قرية الصيادين عند نهاية الطريق شرع نلسون وجمعة يُنشِدان أغنيةً بهيجة. وكان أطفال القرية وعجائزها وشيوخها ينظرون إليهم في إعجاب وهم يمُرون بجوار أكواخهم المتواضعة، ويسيرون بين عمالقة النخيل الممتدَّة حتى شاطئ البحر.

وصلَت الكشافة إلى آخر القرية، فقال مارك: «أظن أن أنسب مكانٍ نُعسكِر فيه هو تحت هذه الأشجار.» وأوقف فرقته، ثم التفَت إلى نلسون وقال له: «عُد إلى القرية، يا نلسون، وابحث لنا عن مكان مياه الشرب.» ثم غمَز إليه بعينه، قائلًا: «ودُر حول القرية قليلًا!»

فهم نلسون ما رمَى إليه زميله، فانصرَف لتوِّه.

ثم تقدَّم بيترو الصغير إلى مارك، وقال: «أتسمح لنا بالاستحمام الآن، يا مارك؟ إن العَرق قد بلَّل أجسامنا، والغُبار ملأ عيوننا ورءوسنا وأنوفنا!»

وصاح سائر الأولاد: «نعم، بربِّك يا مارك! نريد أن نستحم لإزالة ما علق بأجسامنا من غبار.»

فقال مارك: «لكم ما تشاءون، على شرط ألا تمكُثوا في الماء فترةً طويلة.»

ما كاد التلاميذ يسمعون هذا حتى أنزل كل واحدٍ منهم، صغيرًا وكبيرًا، أمتعتَه عن كتفَيه، وخلع ملابسه، ووضعها جانبًا، ثم انطلق يعدُو نحو ماء البحر البارد. كان الجميع يتسابقون، وكان منظرهم وهم يخرجون من بين أشجار النخيل الباسقة ليلتَقُوا بالرمال البيضاء الساخنة كأنهم قطيعٌ من الغزلان المستنفرة تَفِر من حيوانٍ مفترس. وقد تقدَّمهم جمعة بسيقانه الطويلة وخطواته الواسعة، فبلَغ الماء قبل الجميع، وألقى بنفسه وسط الأمواج المُزبِدة. ثم نزل الأولاد الصغار، يصيحون ويقفزون فرحًا وجذلًا.

فصاح بيترو وهو يَثِب وسط الأمواج مع محمد: «ما أجملَ البحر، ما أحلى البحر، ما ألذَّ البحر!»

وقال محمد: «لا غرابة في أن سِرْنا إليه كل هذه المسافة الطويلة! إنه ليستحق أن تأتي إليه من أقصى مكان!» ثم غطَس تحت الماء البارد، وغاب عن الأنظار.

رأى بيترو هذا، فحذا حَذْوه في الحال، واتجه نحوه في قاع البحر حيث شرعا يتصارعان، ولكن سرعان ما ظهرا على سطح الماء، وأخذا يَسْبحان في سرعة ونشاط، وكان بيترو يجدُّ في السباحة خوفًا من محمد الذي طَفِق يلاحقة ليَغطِس به ثانيةً إلى القاع. وكان جمعة يراقبهما من بعيد، فانطلَق يَسْبح بقوة خلف بيترو حتى أمسك به. وعندئذٍ وصل محمد لينتقم من بيترو، فقبض عليه، وغاص به إلى الأعماق.

وهكذا ظل الأولاد في لهوهم ومرحهم فوق صفحة الماء الزرقاء … ولم تَمضِ غير دقائق حتى نفخ مارك في صَفَّارته يستدعيهم للبدء في إعداد المُعسكَر، فلما سمع التلاميذ صوت الصفَّارة أخذوا يحتَجُّون ويَستعطِفون مارك طالبين السماح لهم بالبقاء في الماء فترةً أخرى.

أما بيترو فلم يعُد إلى الشاطئ كبقية زملائه، بل أخذ يعوم مبتعدًا عنه، متوغلًا وسط البحر.

ولكن مارك كان حازمًا في أوامره. وسرعان ما كان أفراد الكشَّافة في طريقهم إلى المعسكر، فعادوا إلى حيث تركوا أمتعتَهم في ظل الأشجار. وكان نلسون قد رجع من القرية ووقف ينتظرهم.

قال نلسون: «ذهبتُ إلى القرية، يا مارك، وسألتُ أهلها عن طريق الماء العذب، فإذا به في آخرها.» ثم أومأ إليه فانتحى به جانبًا، وهمس إليه بقوله: «وجدتُ قارب زومبي! إنه راسٍ هناك بين عيدان الغاب محملًا بالأخشاب. بيد أنه على استعدادٍ للقيام برحلة إلى الميناء هذا المساء. وقد أخبرني رجلٌ عجوز بأن هذا القارب يملكه زومبي».

وقف مارك يفكِّر بُرهة، ثم قال: «حاوِل أن تُراقِب ذلك القارب، يا نلسون، فإن تحرَّك من مرساه فأسرِع بإخباري. سأكون مشغولًا هنا في المعسكر؛ ولذا أعهَد إليك بمراقبته.»

قال: «حسن! سأراقبه دون أن يراني أحد.» ثم عاد إلى القرية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤