مراقبة في الليل

عندما عاد جميع أفراد الكشَّافة إلى المعسكر، جمع الأستاذ جون رؤساء الفرق، وقال لهم: «يبدو أننا لن نستطيع القيام بمسابقة الطَّهو الليلة؛ فالوقت متأخر. وإزاء هذا سنُضطَر إلى تأجيلها ثانية، وسوف نقوم بها غدًا.»

فسأله علي: «وماذا عن نار المعسكر؟ هل سنُوقِدها الليلة؟»

قال: «نعم، يُمكِننا إيقادُها الليلة. سنبدأ بها في حوالي الساعة الثامنة.»

رجع مارك إلى فرقته وأخبر زملاءه بتأجيل المسابقة، فلم يكترثوا لهذا الأمر في قليل أو كثير؛ لأنهم كانوا يتناقشون في مغامرة سمكة القرش. وبينما هم يُعِدون الطعام، ذهب مارك في جولةٍ إلى القرية ليلتقي بنلسون، فوجده مختبئًا وراء بعض الأعشاب عند شاطئ البحر، يقوم بالمراقبة.

فقال مارك: «هل من جديد، يا نلسون؟»

فأجاب: «نعم! غادر قارب زومبي مرساه منذ ساعتَين تقريبًا. وكان به ثلاثة رجال. وعندما أقلع، ذهبتُ إلى القرية.»

فقال مارك: «وهل علِمتَ شيئًا؟»

– «كنتُ أتحدث إلى رجلٍ عجوز لوت السنون كفَّه على العصا، فعلمتُ أنه يعرف عمي. فسألتُه عن الموعد الذي يعود فيه قارب زومبي عادة، بعد أن يُفرغَ شحنتَه من الأخشاب في الميناء. أيُمكِنك أن تخمِّن، يا مارك، متى يعود؟»

– «أعتقد أنه يعود بالليل.»

– «تمامًا! إنه يعود دائمًا بالليل، ويأتي محمَّلًا بالبضائع. وقد أخبرني ذلك العجوز أن سيارةً تكون بانتظاره دائمًا لتحمل شحنته.»

فقال مارك معلقًا: «تزداد الريبة في نشاط زومبي كلما علمنا شيئًا جديدًا. أتظن أن القارب سيعود الليلة؟»

قال: «لا أدري؛ فقد أخبرني الرجل المُسِن أن القارب يعود أحيانًا بعد بضع ساعاتٍ من مغادرته مرساه، وأحيانًا بعد يومٍ أو يومَين.»

فقال مارك: «يجب أن نكون على استعدادٍ لعودته الليلة. يجب أن نتناوب المراقبة، ولكنه لن يعود قبل العاشرة؛ إذ تبلغ المسافة إلى الميناء عشرين ميلًا في الذهاب، ومثلها في العودة. هيا بنا نذهب إلى المعسكر لتناول طعام العَشاء.»

تناول كل فرد، في ذلك المساء، وجبةً شهية، فكانت كمية الأرز وفيرة، واللحم كثيرًا لذيذ الطعم، في مرقٍ طيِّب النكهة، ثم شربوا الشاي، ووزَّع عليهم الأستاذ جون بعض الكعك … ولمَّا فرغوا من طعامهم أحاطوا بنار المعسكر يَصطَلونها وقد وضع كلٌّ منهم بطانيةً على كتفَيه.

أقيم حفل سمَر بعد العشاء، فأنشِدَت الأناشيد الوطنية، ورقص الأولاد رقصاتٍ قومية، وأدَّى بعضهم تمثيليةً رائعة. وفي وسط هذا الضجيج، جلس مارك ونلسون سويًّا يتحدثان عن قارب زومبي وما عساه يحدُث في تلك الليلة. وسَرَّهما أنه في الساعة العاشرة، أطفِئَت النار، وأمَر الأستاذ جون كل فرد بالذهاب إلى خيمته للمبيت.

اتفق الصديقان على أن يتولى مارك مراقبة البحر من العاشرة إلى الواحدة بعد منتصف الليل، ثم تأتي نوبة نلسون، فاختبأ مارك وراء بعض الأعشاب المواجهة لمرسى القارب، والتفَّ ببطانية، وجلس على الأرض انتظارًا للحظة الرهيبة.

مَرَّ الوقت بطيئًا بطيئًا. وانطفأَت الأنوار في أكواخ القرية واحدًا تلو الآخر، وخفتَت الأصوات فلم يكن يتناهى إلى سمعه إلا طنين البعوض وخرير الأمواج، ولكن النوم كان يداعب جفنَيه فغفا إغفاءةً بسيطة، ثم نحَّى البطانية عنه خشية أن يستسلم إلى سُباتٍ عميق. وكان يخرج من بين الأحراش من آنٍ إلى آخر، فيتجوَّل تحت الأشجار الباسقة والنخيل العالية. وبينما هو كذلك، إذ سمع صوت قاربٍ يتحرَّك على صفحة الماء، فأرهَف سمعه وحدَّق ببصره وسط الظلام، بيد أنه لم يكن قارب زومبي؛ إذ سرعان ما ابتعَد الصوت متجهًا صوب وسط البحر.

وانتصَف الليل بعد انتظارٍ طويل، ثم مضى … وبعد فترة، فترةٍ طويلة، نظر مارك في ساعته فرآها تشير إلى الواحدة إلا خمسَ دقائق، فقال في نفسه: «قد حان الموعد الذي أوقِظ فيه نلسون.» وما كاد يُدير ظهره للبحر ويتجه نحو المعسكر حتى التقَطَت أذنه صوتًا خافتًا في البحر، فوقف في مكانه ساكنًا لا يتحرَّك، يُنصِت بأذنَيه ويُحدِّق بعينَيه خلال ذلك الظلام الدامي، فأخذ الصوت يعلو ويقترب شيئًا فشيئًا. واستطاع بعد فترة أن يتبيَّن صوت ضرب المجاذيف للماء … كان خافتًا أول الأمر، ثم أخذ يتضح قليلًا قليلًا. ثم تبيَّن له هيئة قارب يتحرَّك ببُطءٍ في البحر قادمًا نحوه.

وهمَس مارك، وهو يختبئ خلف الأحراج: «تُرى! هل هذا قارب زومبي؟»

مضت لحظاتٌ بطيئةٌ وئيدة، وكان الصوت خلالها يعلو رويدًا رويدًا، ويزيد القارب وضوحًا. وأخيرًا سَمِع صوت رُسُو الزورق على الشاطئ … على بُعدٍ منه قريب، فجلس ساكنًا لا يتحرَّك.

ونزل من القارب شبَحان، وقال أحدهما: «هل نُنزِل الصناديق الآن؟»

لم يستطع مارك أن يسمع الرد، فتراجع إلى الخلف نحو الرمال، ثم سمع صوتًا يقول: «إذن فسننقل كل شيء إلى الكهف الليلة؟» فرَدَّ عليه صوتٌ آخر يقول: «نعم!»

استطاع مارك أن يرى شبحَين ينقلان بعض الصناديق من الزورق إلى البَر، وفجأة سمع صوتًا آخر آتيًا من جهة القرية خلفه … كان شخصٌ ما مقبلًا صوب الزورق، وسيعبُر المكان الذي فيه مارك. وبعد فوات الأوان، أدرك الصبيُّ المسكين أنه لا بُد أن يأتي شخصٌ لملاقاة القارب.

فحاوَل أن يعود بسرعة إلى مكمنه وسط الشجيرات بعد أن تركه غافلًا، ولكن الرجل القادم من القرية كان يسير نحوه بسرعة. ولسوء حظ مارك داس على غصنٍ جاف من فَرْط عجلته وارتباكه، فانكسَر تحت قدمه مُحدثًا صوتًا عاليًا.

فقال صوت: «مَن هناك؟» ثم شَق دُجى الليل ضوءٌ قوي بهَر عينَي مارك؛ لأنه سُلِّط على وجهه مباشرة.

وثَب مارك بسرعة، وبدأ يعدو، ولكنه لم يبتَعِد خطوتَين أو ثلاثًا حتى قبضَت عليه يدان قويتان وجذبتاه، فاستدار ليُواجِه آسره، فإذا برجلٍ يُسلِّط ضوء مصباحٍ كهربي على وجهه تمامًا.

فصرَخ مارك، يقول: «اتركني! دعني! ما لك بي؟!» وصوَّب لكمةً قوية وركلةً بساقه إلى الرجل، فندَّت عنه صرخةٌ قوية، فضاعف مارك جهده وضرب ثانية، فانطفأ النور فجأة، ثم ركل مرةً أخرى، فسمع تأوُّهاتٍ أخرى. وبينما هو يُحاوِل تخليص نفسه، أصابَتْه ضربةٌ قوية في بطنه فجأة، فسقَط جاثيًا على ركبتَيه. وسمع صوتًا يقول: «اضرِبه بقوة.» فأحَسَّ بضربةٍ قوية تهوي على أم رأسه، فأطلَق صرخة، وسقَط مغشيًّا عليه فوق الرمال.

برك فوق مارك ثلاثة أشخاص، أحدهم بدين. وسُلِّط ضوءٌ قوي على وجهه، وسمع شخصًا يقول: «إنه ليس سوى غلامٍ حدث! غير أنه ليس لدينا وقتٌ كافٍ. سنأخذه معنا إلى الكهف. قيِّداه بالحبال.»

ما أسرعَ ما أحضَر الرجلان الحبال، وشدَّا وثاق مارك، وحمَلاه عَبْر القرية، ووضَعاه في مؤخر سيارة كانت مُخبَّأة عند جانب الطريق! وبسرعةٍ أحضَرا الصناديق ووضعاها في السيارة أيضًا، ثم رَكِب الرجال الثلاثة، فانطلقَت بهم السيارة، وقد أخذوا مارك أسيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤